You are on page 1of 4

‫اإلستقالل في العالم المعاصر‬

‫المفهوم الشمولي يأخذ باإلنحسار أمام تمدد العولمة‬

‫يبدو أن مفهوم االستقالل في عالمنا المعاصر أصبح نسبيًا‪ ،‬إلى حد بعيد؛ فعلى وقع المتغيرات المتنوعة التي يشهدها عالم اليوم‪ ،‬بات من الصعوبة بمكان أن‬
‫ص ن دولة ما ‪ -‬مهما كبرت أو صغرت ‪ -‬خلف أسوار حدودها الجغرافية أو السياسية أو اإليديولوجية أو الثقافية أو اإلقتصادية‪ ،‬فاالستقالل بمفهومه الشمولي‬ ‫تتح ّ‬
‫‪.‬يأخذ باإلنحسار أمام تمدد العولمة بقواها العابرة الحدود والقارات‪ ،‬وبدون جيوش‬

‫مفهوم اإلستقالل السياسي‬

‫‪:‬يمكن النظر إلى اإلستقالل بمعناه السياسي على أنه‬

‫»تحرر البالد المستع َم رة من نير االستعمار‪ ،‬كأن يقال‪ « :‬هذه البالد كانت مستعمرة لإلمبراطورية البريطانية ثم تحررت منها ونالت استقاللها‬

‫يوم ما لسلطة االستعمار‪ ،‬فهي مستقلة منذ القِدَم وحتى اآلن‬


‫»عدم خضوع البالد ألي استعمار‪ ،‬كأن يقال‪« :‬إن هذه البالد لم تخضع في ٍ‬
‫ويبدو أن مفهوم كلمة استقالل لم يدخل عالم مجتمعنا إالّ بعد سقوط الدولة العثمانية وخضوع معظم البلدان العربية لإلنتداب ومن ثم عمل الشعوب للتحرر من‬
‫سلطة هذا اإلنتداب والتخلص منه‬

‫لقد أدى الواقع السياسي ونشوء حركات التحرر‪ ،‬إلى إحداث ه ّزات عنيفة في بنية المجتمعات العربية‪ ،‬كما وسّع آفاق العقل العربي وع ّمق إدراك العرب حقيقة‬
‫الصراعات العسكرية والسياسية في بالدهم‬

‫والمعنى اللغوي الجديد لكلمة استقالل‪ ،‬قد أخذ من المصطلح العلمي السياسي بعد أن شاع وذاع في األوساط االجتماعية العربية الثقافية وغير الثقافية‪ ،‬نتيجة التالقح‬
‫الفكري والترجمات والتالقي بين ابناء هذه المنطقة والغرب‬

‫ينطوي على تمتّع الدولة بالسيادة‪ ،‬أي بما لها من سلطان تواجه به األفراد داخل )‪ (Polititical Independence‬ورد في بعض المراجع أن االستقالل السياسي‬
‫إقليمها وتواجه به الدول األخرى في الخارج‬

‫ويعني «االستقالل» ح ّرية الشخص الطبيعية‪ ،‬أي عدم تد ّخل الغير في شؤونه الخا ّ‬
‫صة أو إشرافه أو نفوذه المباشر أو غير المباشر‬

‫»بما يعني غياب التبعية »‪ «dependence‬ومن »‪ «in‬كما ورد في أحد المعاجم للمصطلحات القانونية أن االستقالل هو لفظة مؤلفة من البادئة السلبية‬

‫فعندما يتعلّق األمر بدول ٍة ما تستعمل الكلمة كمرادف للسيادة‪ ،‬وحق الدولة في أن تمارس بنفسها مجموع صالحياتها الداخلية والخارجية بدون تبعية لدولة أخرى أو‬
‫لسلطة دُولية‪ ،‬مع وجوب مراعاتها القانون الدولي واحترام التزاماته وتضمينها في قوانينها الداخلية‬

‫من اإلستعمار إلى اإلستقالل‬

‫ال ب ّد من إيضاح مفهوم االستعمار كواقع أدت مقاومته الى والدة مفهوم االستقالل لدى بعض دول العالم وشعوبه‬

‫ويقسم االستعمار تاريخيًا إلى قسمين‬

‫االستعمار القديم‬
‫وقد ع ََرفَهُ العالم القديم متمثِّاًل في نزعات التوسّع لدى ‪» (hard power),‬وهو التسلّط المباشر‪ ،‬ويتحقق عن طريق الغزو العسكري واستخدام «القوة الصلبة‬
‫اإلمبراطوريات الكبرى أمثال البابلية واآلشورية والفارسية والرومانية والعربية‪ ،‬كما ع ََرفَهُ العالم الحديث عندما استعمرت إسبانيا والبرتغال وفرنسا وبريطانيا‬
‫‪.‬وهولندا بلدانًا متع ّددة بدوافع اقتصادية وأخرى دينية‬

‫‪:‬االستعمار الجديد •‬

‫وهو التسلّط غير المباشر‪ ،‬وأحد أشكال السيطرة االستعمارية التي ال تعتمد على التح ّك م السياسي المباشر أو الوجود العسكري الواضح‪ ،‬ولكنه يقوم على السيطرة‬
‫‪» (soft power).‬االقتصادية واالجتماعية والثقافية واستخدام مفهوم «القوة اللينة‬

‫وقد ورد في أحد المعاجم‪ p‬أن االستعمار الحديث هو فرض السيطرة األجنبية من سياسية واقتصادية وثقافية على دول ٍة ما‪ ،‬مع االعتراف باستقاللها وسيادتها‪ ،‬أي من‬
‫‪.‬دون اعتماد أساليب االستعمار التقليدية‪ ،‬وأهمها االحتالل العسكري‪ ،‬ويعتبر نظام المحميات‪ p‬والدول تحت الوصاية من أشكال االستعمار الحديث‬

‫ويستخدم االستعمار الحديث في تحقيق أغراضه وسائل خاصة لتحاشي المعارضة الشعبية الصريحة أو معارضة الرأي العام العالمي‪ ,‬ومنها عقد اإلتفاقيات‪ p‬الثنائية‬
‫‪..‬غير المتكافئة‪ ،‬وتكبيل الدولة النامية بسلسلة من المساعدات والديون‪ ,‬عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي‪ ،‬وفتح األسواق وتطبيق مفاهيم النيوليبرالية إلخ‬

‫لقد ارتبط التنظير الستقالل الدولة بالفكر السياسي الحديث والمعاصر في أوروبا‪ ،‬وإن كان من حيث الممارسة‪ p‬قدي ًما قِدم الفكر السياسي‪ .‬غير أن الفكر السياسي‬
‫الحديث والمعاصر أولى أهمية بالغة لمفهوم استقالل الدولة وسيادتها على إقليمها لما في احترام استقالل الدول من أثر إيجابي على السلم واالستقرار الدولي‬
‫واإلنساني‪ ،‬وبخاصة بعد معاهدة وستفاليا في أوروبا (‪ )1648‬والتي أرست مفهوم األمة – الدولة وارتكزت على مبدأين هما‪ :‬سيادة الدولة على إقليمها‪ ،‬وعدم‬
‫‪.‬تدخل الدول األخرى في سلطان الدولة الداخلي‬

‫إشكالية اإلستقالل في عالم اليوم‬

‫ماذا يعني مفهوم استقالل الدولة؟ وهل يمكن الحديث عن استقالل كلي للدولة اليوم؟ أم أن هذا النوع من االستقالل متعذر في ظل النظام العالمي المعاصر القائم‬
‫على تداخل المصالح وتشابكها‪ p‬والتمايز بين دول كبرى تملك قرارها السياسي وتتمتّع بسيادتها وتتح ّكم في السياسات الدولية‪ ,‬وبين دول صغيرة وضعيفة ال تملك‬
‫قرارها أو سيادتها؟ وما الذي يجعل بعض الدول غير مالكة سيادتها بشكل كامل‪ ،‬وغير مستقلة بمقاييس االستقالل كما هو متعارف عليه في الفكر السياسي الدولي؟‬

‫مفهوم استقالل الدولة في القانون الدولي‬

‫يعتبر استقالل الدولة واحدًا من الشروط الضرورية لالعتراف بشرعيتها‪ ،‬بل هو شرط في تعريف الدولة‪ ،‬إذ يُعرفها بعضُ رجال القانون الدولي بأنها «وحدة‬
‫قانونية دائمة تتضمن وجود هيئة إجتماعية لها حق ممارسة‪ p‬سلطة قانونية معينة على أمة مستقرة فوق إقليم محدد»‪ .‬وتباشر الدولة حقوق السيادة بإرادتها المنفردة‪،‬‬
‫وعن طريق استخدام القوة المادية التي تحتكرها‪ .‬وثمة تعريف آخر يعتبر الدولة «مجموعة كبيرة من الناس تقطن بشكل دائم‪ ,‬إقلي ًما معينًا‪ ،‬وتتمتع بالشخصية‬
‫‪».‬المعنوية والنظام واالستقالل‬

‫إن ممارسة‪ p‬الدولة قرارها السياسي داخليًا وخارجيًا وفق إرادتها الحرة‪ ،‬يعبّر عنه حينًا بلفظ اإلستقالل‪ ,‬وأحيانًا بلفظ السيادة‪ ,‬أو بمعنى آخر عدم خضوع الدولة ألي‬
‫‪.‬سلطة داخلية كانت أو خارجية‬

‫فعلى المستوى الداخلي يعني استقالل الدولة امتالكها السلطة المطلقة على جميع األفراد والجماعات والمناطق الداخلة تحت حكمها‪ p،‬وهي تستمد شرعيتها من‬
‫التعاقد بين الحكام والمحكومين‪ ,‬أو البيعة الشرعية‪ .‬وهذه الشرعية هي التي تخول الدولة تشريع القوانين والنظم وجعل الناس يلتزمونها صونًا لمصالِحهم من جهة‬
‫ولهيب ِة الدولة من جهة أخرى‪ ,‬كما تمنحها سلطة تدبير شؤون البالد سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا وتعليميًا وقضائيًا‪ ,‬إنطالقًا من خصوصي ِة البالد وما تقتضيه المصلحة‬
‫‪.‬العامة‬
‫أما على المستوى الخارجي فمبدأ استقالل الدولة وسيادتها يعني استقاللها فعليًا وقانونيًا في ممارسة قرارها الدولي بعيدًا من سيطرة أي دولة أخرى أو توجيهها‪.‬‬
‫كما يعني هذا المبدأ اعتراف الدول األخرى بها‪ ،‬وحقها في التمثيل الدبلوماسي‪ ،‬وفي عضوية المنظمات الدولية‪ ،‬وحريتها في اتخاذ القرارات الدولية على الصعيد‬
‫الخارجي وعلى صعيد العالقات الدولية‪ ،‬من دون قيد أو شرط أو إكراه أو ضغط ما خال االلتزامات التي يقرها القانون الدولي والمعاهدات الدولية الثنائية‬
‫‪.‬واإلقليمية في نطاق الندية واالحترام المتبادل‬

‫إذن‪ ,‬إن استقالل أي دولة يقتضي تحررها من كل أشكال الضغط واإلكراه والتحكم الداخلي والخارجي‪ ،‬وهذا التحرر يستلزم امتالك الدولة عنصر القوة الكافية‬
‫لفرض سلطتها وإنفاذ قراراتها ومواقفها‪ ,‬ألن المجال السياسي الدولي وإن كان يقوم على التعايش والتعاون والتشارك في مصالح معينة‪ ،‬فإنه يقوم أيضًا على‬
‫‪.‬التنافس والصراع واالختالف والتفاوت في المصالح وموازين القوى‪ ،‬وهذا يتطلّب من كل دولة امتالك القوة الالزمة والمناسبة لممارسة االستقالل الفعلي‬

‫ولكن هل يمكن اإلدعاء أن جميع دول العالم متكافئة‪ p‬في استقاللها ومتساوية في ممارسة‪ p‬سيادتها الداخلية والخارجية؟‬

‫إستقالل الدولة بين النسبية واإلطالق‬

‫يظهر الواقع الدولي وواقع العالقات الدولية المعاصر والقديم على حد سواء‪ ،‬أن الدول ليست متساوية في فرض إرادتها السياسية أو في التمتع بسيادتها داخليًا‬
‫‪.‬وخارجيًا‬

‫‪:‬ويمكن في هذا السياق الحديث عن ثالثة أشكال من الدول‬

‫دول تتمتع باستقالل شبه كامل‪ :‬وهي الدول الكبرى المنتصرة في الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬والدول الصناعية ذات الموارد الغنية‪ ,‬والقدرات النووية‪• .‬‬
‫فهذه الدول تمارس استقاللها وفق إرادة حرة تقوم على السبق في المبادرة والتدخل في السياسات الدولية بما يخدم مصالحها‪ ،‬ولديها القدرة على معارضة أي‬
‫‪.‬مبادرة سياسية لدول أخرى وتكييفها أو مراقبتها وتطويقها‪ .‬وهذه هي مثالً حال الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس االمن الدول‬

‫دول ال تتمتع باستقاللها بشكل تام‪ :‬وهي الدول الواقعة تحت سيطرة االحتالل أو الغزو أو القواعد العسكرية ‪ ,‬كما هو الحال في العراق وفلسطين وأفغانستان‪• ،‬‬
‫بحيث ال يمكن الحديث عن استقالل دولة ال يزال االحتالل راز ًح ا فوق أراضيها ويتحكم في سياساتها الداخلية والخارجية‪ ،‬وحتى مع وجود حكومة وسلطة‬
‫‪.‬محليتين‬

‫دول تتمتع باستقاللها بشكل نسبي‪ :‬إن الدول النامية أو دول العالم الثالث‪ ,‬وإن كانت قد حققت استقاللها عن االستعمار الغربي في القرن الماضي فإنها خضعت •‬
‫لقوانين النظام الدولي القائم‪ ,‬والذي تشكلت قواعده في القرن الماضي‪ ,‬من توزيع القوى الدولية وبقاء هيمنة الدول المستعمرة على هذه الدول تحت غطاء المصالح‬
‫‪.‬السياسية واالقتصادية المشتركة‬

‫كما أن الحكومات‪ p‬التي تولت مقاليد الحكم في معظم هذه الدول كانت تعمل بتوجهات الدول الكبرى‪ ,‬كذلك تم تحجيم هذه االستقالالت بمجموعة من العهود‬
‫‪...‬والمواثيق الدولية التي خرجت من رحم الدول الكبرى وهيئاتِها العالمية والتي وجدت أسا ًسا‪ p‬لتأمين مصالحها وبما يحفظ استمرار هيمنتها العالمية وسيطرتها‬

‫حدود اإلستقالل الناجز‬

‫بالنظر إلى طبيعة النظام الدولي المعاصر ومكوناته والفاعلين فيه والمصالح اإلستراتيجية التي تحركه‪ ,‬وقيام األحالف واالتحادات الدولية‪ ,‬االقتصادية أو‬
‫السياسية‪ ,‬وشركات الصناعة العسكرية‪ ,‬والمنظمات‪ p‬الدولية‪ ،‬وفي عصر العولمة والشركات العابرة للحدود والسيادة‪ ,‬والتكنولوجيا الرقمية‪ ,‬وثورة اإلعالم و‬
‫‪.‬اإلتصاالت‪ ،‬أصبح من الصعب الحديث عن وجود دولة مستقلة استقالاًل تا ًما‪ ،‬قادرة على ممارسة قرارها السياسي بمعزل عن المؤثرات المحيطة بها‬

‫كذلك ال وجود لدولة قادرة على االنكفاء خلف حدودها الجغرافية واإلكتفاء بثرواتها واالنفراد بقرارها السياسي والتصلب في مواقفها اإليديولوجية‪ ...‬فقد أصبح‬
‫العالم قائ ًم ا على االعتمادية المتبادلة‪ ,‬حتى ان مفهوم السيادة بمعناها « الوستفالي»‪ ،‬أصبح موضوع جدل ونقاش على المستوى الدولي‪ .‬فبعض الدول الكبرى بدأ مع‬
‫والتي تقوم على مفهوم جديد للسيادة ويعني «حق تدخل المجتمع الدولي ‪» (Contingent Sovereignty)،‬نهاية القرن الماضي يطرح فكرة «السيادة العرضية‬
‫‪».‬في سلطان إحدى الدول عندما تقوم السلطة الحاكمة‪ p‬فيها بقمع وإبادة شعوبها او قسم منها تحت ذريعة سيادتها على جميع األفراد داخل إقليمها‬

‫وهكذا وهنت الحدود الجغرافية والسياسية أمام انتشار الشركات‪ p‬العابرة للقارات ومصالحها‪ ,‬وأصبحت حدود السيادة الوطنية لمعظم الدول وجهة نظر قابلة‬
‫للمناقشة‪ p‬أمام فكرة تدخل القوى الكبرى‪ ،‬بحجة التدخل اإلنساني‪ ,‬أو حماية األقليات اإلتنية ومحاربة الحكام الطغاة‪ ,‬أو دعم الثورات ومحاربة اإلرهاب‪ ...‬وصواًل‬
‫‪.‬إلى فرض أنظمة حكم جديدة تحت تسميات شتى تضمن في النهاية الهيمنة االقتصادية والسياسية للدول الكبرى‬

‫كما يمكن الحديث عن تأثير ثورة الشبكة العنكبوتية و«الفضاء السيبيري» ودفق وسائل اإلعالم في عبور الحدود الجغرافية بين الدول وإتاحة تدفق السلع والبضائع‬
‫واألفكار‪ ،‬من دون قدرة على التحكم فيها أو توجيهها‪ ،‬األمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيرات جوهرية على المدى الطويل في كيان الدولة والمجتمع‪ ،‬وبالتالي‬
‫‪...‬التأثير سلبًا على استقاللهما سياسيًا واقتصاديًا ولغويًا واجتماعيًا وثقافيا وتعليميًا‬

‫أليس في األزمــة اإلقتصاديــة العالميــة األخيرة (‪ )2008‬وتداعياتها ودور وسائل اإلعالم واإلنترنت‪ ،‬ما هدد ويهدد استقرار واستقالل كثير من الدول في مغارب‬
‫األرض ومشارقها؟‬

‫كيف نحقق االستقالل؟‬

‫يبدو أن االستقالل بمفهومه الشائع أصبح من الماضي‪ ,‬فما يهدد استقالل الدول اليوم‪ ,‬ليس التعاون والمشاركة اإليجابية في إدارة قضايا العالم المعاصر‪ ,‬وليس‬
‫تبادل الخدمات والمنافع اإلنسانية في إطار المساواة والعدل‪ ,‬وإنما ما يهدد استقالل الدول هو الفقر والديون والتدخل السياسي والعسكري المباشر‪ ,‬أو غير المباشر‪,‬‬
‫‪.‬واالعتداء على السيادة اإلقليمية لدولة أخرى‪ ,‬وانتهاك القوانين واألعراف الدولية التي يرعاها ميثاق األمم المتحدة‬

‫إن كثي ًر ا من القوانين الدولية وبخاصة اإلقتصادية منها بات يخدم مصالح الكبار ويتعارض مع مصالح الدول الصغيرة والشعوب الفقيرة ويتنافى مع امكاناتها‪p‬‬
‫اإلقتصادية ويهددها بالضياع أو التبعية‪ .‬كما يمكن اعتبار تد ّخ ل الدول الغربية أو الدول اإلقليمية المتجاورة في دعم حركات المعارضة وحركات االنفصال‬
‫‪.‬والطوائف واإلتنيات في بعض الدول‪ ،‬وتقويتها إيديولوجيًا وعسكريًا‪ ،‬عاماًل يقوض استقالل الدولة ويضعفه‬

‫وهكذا فإن الحديث عن االستقالل التام للدولة بمعنى «غياب التبعية» أصبح شبه متعذر نظ ًرا إلى اإلعتبارات السابقة‪ ،‬والتي يشكل بعضها خطرًا مباشرًا ومزعزعًا‬
‫الستقالل الدولة‪ .‬إن تحقيق االستقالل الناجز لدولة ما يتوقف على اإلرادة الحرة والفاعلة ألبناء هذا البلد في تثبيت وجودهم ووحدتهم الوطنية‪ ،‬والمحافظة‪ p‬على‬
‫تنمية مواردهم وبناء أنظمة الحكم الرشيد‪ ،‬وتربية المواطن على مفهوم المواطنة الصحيح‪ ,‬وتنمية الوعي الديمقراطي والثقافة السياسية ألبنائه‪ ,‬مهما تعددت‬
‫‪.‬مكوناتهم االجتماعية‪ ,‬إذ ال قيمة لبلد ال استقالل له وال معنى الستقالل ال يبنى على اإلرادة الحرة الواحدة والواعية ألبنائه‬

You might also like