You are on page 1of 3

‫الليبرالية والحكم الصالح‬

‫المدرس المساعد رجاء كاظم مجيد‬


‫اكاديمية الفنون الجميلة‪/‬جامعة بغداد‬

‫ارتبط تاريخ اليبرالية مع مفهوم الحكومة المقيدة المحددة أي تلك التي يستطيع رعاياها ان يحددوا سلطاتها‬
‫ال من التمثيل تضمن حقوق االف&&راد‬‫& واشكا ً‬
‫& النفسهم مواثيق وقوانين ومؤسسات‬ ‫وصالحيتها‪ ،‬وأن يؤمنوا‬
‫وتحميهم من االعتداء‪ ,‬كون ان الفرد هو كيان ذو سيادة [‪.]1‬‬

‫وتأسيسًا على ذلك فإن االيديولوجية الليبرالية‪ ،‬تمتلك جذورها التاريخية البعي&&دة‪ ,‬كونها مب&&دأ للتح&&رر‬
‫&الح‬
‫&اس الوحيد الص&‬ ‫وتحديدًا للطغيان[‪ & .]2‬ولقد ّعدت الليبرالية المذهب الذي يؤكد الحرية ويعدها االس&‬
‫&رد من‬
‫& الف&‬‫لتنظيم الحياة االجتماعية‪ .‬فالحرية في نظر الليبرالية تتويج لمسيرة تحررية حملت لواء تحرير‬
‫&مها‬
‫&تق اس&‬ ‫اشكال القسر االجتماعي وال غرابة ان نجد كلمة الليبرالية قد اقترنت بكلمة "الحرية" (وقد اش&‬
‫منها)‪.‬‬

‫& في المج&&ال‬
‫لقد عرف المذهب الليبرالي بأنه الذي يقوم على المناداة بالحريات ال&&تي يتمتع بها االف&&راد‬
‫&‪ ,‬النه م&&ذهب حرية‬ ‫&‪ ,‬فالمذهب الليبرالي في حقيقته مذهب فردي‬ ‫&‪ ,‬وضمانها لإلفراد‬ ‫السياسي واالقتصادي‬
‫الفرد في نشاطاته السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ ,‬فهذه الحريات هي للفرد وصالح الفرد فقط‪.‬‬

‫& التي تكاد تمثل اساسًا او قاسمًا مشتركًا بين معظم المدارس الليبرالية منها ‪-:‬‬ ‫هنالك ٌّ‬
‫عدد من االفكار‬

‫‪-1‬االيمان بالقيمة الفائقة للفرد وحريته وحقوقه‪.‬‬

‫‪ -2‬التأكيد بأن للفرد حقوقًا طبيعية بشكل مس&&تقل عن الحكومة‪ ,‬ويت&&وجب حمايتها من الحكومة وفي‬
‫مواجهتها ‪.‬‬

‫‪ -3‬االعتراف بالقيمة العليا للحرية اإلنسانية‪  ,‬والسيما حرية الفرد في أن يعمل ما يحق له عمله‪ ,‬ويرافق‬
‫&ماح‬
‫&دم الس&‬‫&هم الى ع&‬ ‫ذلك ضرورة تحديد دور الدولة‪  .‬تحديدًا يوفر الحرية لكل مواطن‪ .‬ويصل ببعض&‬
‫&در‬‫& الحد من حرية فرد ما اال لتأمين ق&‬ ‫& مقدار الحريات المتاحة ‪ ,‬فال يجوز‬
‫بتدخل الحكومة اال بقصد تنظيم‬
‫&دما‬
‫&رد التنتهي اال عن&‬‫أكبر من الحريات إلفراد آخرين‪ ,‬وحماية حقوقهم من االعتداء‪ ,‬حيث ان حرية الف&‬
‫&‪,‬‬
‫& واآلخر اقتصادي‬ ‫يحاول توظيفها للمساس بحريات االخرين‪1.‬ان الليبرالية تتميز ببعدين ‪ ,‬احدهما سياسي‬
‫وال ينفصل هذان البعدان احدهما عن اآلخر‪ .‬اذ ان كل واحد منهما يتحدد بداللة االخر‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬الليبرالية السياسية‪  :‬‬

‫اذا اردنا ان نعطي شهادة ميالد عرفية لليبرالية فلم تكن هذه الشهادة اال ان اعالن حقوق االنسان والمواطن‬
‫&ية حيث‬‫& المادة االولى منه المعنى الكامل لليبرالية السياس‬
‫الفرنسي الصادرة في عام ‪2  1789‬حيث يبلور‬
‫تنص على "ان الناس يولدون احرارًا ويبقون احرارًا ومتساوين في الحقوق" ‪ .‬ان كلمتي الحرية والمساواة‬
‫تعبران عن مجمل الفكر الليبرالي ‪]3[.‬‬

‫& المس&&اس‬
‫فالفرد يكون بالنسبة لليبرالية السياسية المحور االساس‪ ,‬كونه القيمة االولى والرئيسة‪ .‬اليجوز‬
‫&ردين‬
‫&ومين مج&‬
‫& او مفه&‬‫بحريته ومنافعه [‪]4‬التعد كلمات الحرية والمساواة بالنسبة لليبرالية‪ ,‬مجرد أفكار‬

‫‪1‬‬
‫ومبدأين نظريين تمامًا وبشكل بحت‪ ,‬المعنى لهما في الواقع كما يقال دائمًا‪ ,‬وانما هما يرتبط&&ان بني&&ات‬
‫اقتصادية واجتماعية محددة‪.‬‬

‫&‬
‫& فيه الفكر الليبرالي‪ ,‬يتميزان بخاصيتين أساس&&يتين‪ :‬طابعهما‬
‫ان الحرية والمساواة بالشكل الذي يعتمدهما‬
‫&اس‬‫&يزت بالدرجة األس&‬ ‫& نوع من امتناع الدولة‪.‬والتغيرات و اإلصالحات القانونية تم&‬‫القانوني وتضمنهما‬
‫& كانت هذه اإلص&&الحات‬ ‫بطابع سلبي‪ .‬فقد كانت تستهدف منع الدولة من التدخل‪  ‬في نشاط المواطنين وقد‬
‫نطاق للمواطنين مستقل ال تستطيع السلطة أن تلجأ إليه بأي شكل من األشكال ‪]5[.‬‬
‫ٍ‬ ‫تنزع إلى تحديد‬

‫ان هذه اإلصالحات كانت تطالب بامتناع الدولة عن التدخل أو القيام بأي نش&&اط‪ ,‬فليس من حق الدولة أن‬
‫تفعل كل شيء وال يجب عليها مطلقًا ان تقوم بما يستطيعه آخرون بد ً‬
‫ال منها ‪.‬‬

‫بهذا يمكن القول أن تعريف الليبرالية السياسية تعريف سلبي‪ ,‬ذلك إنها التكمن في هيمنة الدولة‪,‬دلك إنها ال‬
‫&انوني‬‫&‪ 1‬أو تأليه الدولة إذ يكفي االمتناع عن إقامة التمايز الق‬
‫تكمن في الفوضوية‪ ,‬كما إنها ترفض ضمور‬
‫بين‪  ‬المواطنين في ما يكون الناس متساوين فيما بينهم ‪ ,‬ويكفي أن يترك المواطنون يفكرون ويكتس&&بون‬
‫&‬
‫ويطبعون وينتشرون ويجتمعون ويشكلون الجمعيات ويتظاهرون على طريقتهم الخاصة‪ ,‬في ما يكون&&وا‬
‫أحرارا من الناحية السياسية ‪2.‬‬

‫&نزع الليبرالية نحو‬


‫إن المفهوم الليبرالي الخاص بالمساواة والحرية كان قد أدى إلى تقييد سلطة الحكام ‪ .‬ت&‬
‫&‪ ,‬إن تقييد الحكام يشكل وجهًا آخر من أوجه الليبرالية السياسية‪ 3,‬وتقييد‬
‫تقيد الحكام في ممارستهم سلطاتهم‬
‫& إلى ذلك ‪ ,‬إن‬‫&اف‬‫&عا‪ ,‬يض&‬ ‫& واس&‬ ‫& هذا المفهوم تجاوزا‬
‫الحكام يرتبط بمفهوم المساواة والحرية ولكنه يتجاوز‬
‫& ذلك إن التج&&ارب أثبتت إن كل ش&&خص يصل إلى‬ ‫السلطة السياسية لدى لليبراليين تبدو خطرة بطبيعتها‬
‫& لذلك يجب أن‬ ‫& حدود السلطة‪4 .‬فللسلطة كما يقال نشوة تبعث في الرؤوس‬ ‫الحكم يرى نفسه مدفوعًا لتجاوز‬
‫& إن السلطة العامة والدولة ينبغي أن‬ ‫& عليها في سياستها‬‫& قيود‬
‫يحدد مضمون السلطة المخولة للحكام ووضع‬
‫&نين‪.‬‬ ‫& اضطهاد المواط&‬ ‫& حتى ال يستطيعا‬‫& وتحديدهما‬‫يكونا على درجة من الضعف في ما ينبغي‪  ‬احتواؤهما‬
‫& السياسية الليبرالية نحو هذا االتجاه‪ -‬أي نحو تقييد سلطة الحك&&ام –‬ ‫وتتجه مجموع األنظمة والمؤسسات‬
‫وهذا يقوم على‪:‬‬

‫‪    .1‬التقييد‪  ‬من خالل اعتماد التمثيل واالنتخاب‬

‫‪    .2‬تقييد الحكام من خالل أقرار التعددية السياسية‬

‫& السلطتين االقتصادية و السياسية في يد جهة واحدة فإن‬


‫‪    .3‬بتقيد الحكام عن طريق تمسكها بعدم تركيز‬
‫هذا الفصل بين السلطتين األساسيتين تقوم عليه الحريات والحكومات المقيدة والتعددية‬

‫&اة‬
‫&رطًا لنمو الحي&‬ ‫&ون ش&‬ ‫&يين يك&‬ ‫الليبرالية االقتصادية ‪:‬السعي وراء المصلحة الخاصة في راي الليبرال&‬
‫& وس&&عادتهم‬ ‫ال من عوامل توازنها ‪.‬وعلى االساس تفاءلت الليبرالية بمس&&تقبل االف&&راد‬ ‫االقتصادية وعام ً‬
‫‪،‬ونادت بالحد من سلطات الدولة في التدخل واالعتداء على الحريات الفردية ‪.‬وبذلك عد الفرد غاية في حد‬
‫& االساس في خلق التنظيم الق&انوني للدولة ‪ .‬ال&تي تك&ون وظيفتها في‬ ‫ذاته ‪،‬واضحت ارادته هي العنصر‬
‫& مقدمتها حق الحرية وحق الملكية ‪ .‬إن الليبرالية‬ ‫& وفي‬‫& بحقوقهم‬
‫التطبيق االمين للقانون وكفالة تمتع االفراد‬
‫ال خاصًا للحرية‬ ‫&ك ً‬‫&ارة تعد ش&‬‫&ناعة وحرية التج&‬ ‫السياسية واالقتصادية وجهان لحقيقة واحدة فحرية الص&‬
‫&يرة‬‫& بأدوار كث&‬ ‫الفردية والمساواة بين المواطنين ‪،‬وتؤكد هذه الحرية من خالل اضعاف الدولة وعدم قيامها‬
‫وانما يجب إن تحدد على سبيل الحصر مجاالت تدخلها ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫&ادية‬‫&املي لليبرالية االقتص&‬
‫&ابع التك&‬
‫&راز الط&‬
‫& منظور الليبرالية وجهة النظر هذه ترمي الى اب&‬ ‫وقد طور‬
‫والسياسية فهم يرون إن الليبرالية االقتصادية ترى في فصل السلطة السياس&&ية عن االقتص&&ادية ‪،‬ع&&دم‬
‫& مجاالت‬ ‫& الدولة ويحدد‬‫& جهة واحدة بهما ‪،‬وان الفصل هذا بحد ذاته يضعف‬‫تركيزها في يد واحدة او استئثار‬
‫& في الواقع بين ش&&ركات خاصة متع&&ددة ال&&تي تعد بحق (مراكز‬ ‫تدخلها ‪ .‬إن السلطة االقتصادية تتوزع‬
‫القرارات ) وهذه الشركات مستقلة تقريبًا عن الدولة ‪.‬وهكذا تصل الملكية الخاصة ‪.‬لوسائل االنت&&اج إلى‬
‫هيكل مزدوج او ثنائي لالقتصاد يعكس نفسه بالضرورة على السلطة السياسية ‪،‬وذلك على العكس تمامًا ‪،‬‬
‫& ‪،‬تركيز الس&لطتين االقتص&ادية‬ ‫في وضع الملكية العامة لكل المشروعات واالخذ بمبدأ التخطيط الشمولي‬
‫والسياسية في يد واحدة ‪.‬‬

‫وبقدر تعلق االمر بماهية الديمقراطية الليبرالية ‪،‬نالحظ مما تقدم إن الديمقراطية الليبرالية التي تعد االساس‬
‫&روف متباينة ولكل‬ ‫&أتا تاريخيًا في ظ&‬ ‫الفلسفي للديمقراطيات الغربية هي تالحم بين فلسفتين مختلفتين نش&‬
‫& الخاص بها ‪.‬هاتان الفلسفتان هما الديمقراطية والليبرالية لم تقترن نشأتهما بالديمقراطية في‬ ‫منهما جوهرها‬
‫& تدريجيًا أي (تدمقرطت)إن منطق الليبرالية يؤدي إلى الديمقراطية ع&&بر مب&&دأ‬ ‫البدء ‪،‬ومن ثم استوعبتها‬
‫المساواة امام القانون ‪.‬ولكن الديمقراطية تتطلب ‪،‬حتى تكون فعلية احترام الحري&&ات الشخص&&ية وحرية‬
‫& بالحري&ات‬ ‫& والتجمع إن الديمقراطية تعني دومًا وحتما التسليم واالعتراف‬ ‫التعبير والنقاش وحرية التشارك‬
‫& بمعزل عن ممارسة الديمقراطية ‪.‬وبعبارة اخرى إن الديمقارطية‬ ‫الليبرالية ‪.‬وان الحريات الليبرالية التوجد‬
‫& مجال خاص ال تتدخل فيه‬ ‫الليبرالية تعني حكم االغلبية زائدًا حماية حقوق معينة تعود إلى افراد أي وجود‬
‫السلطة الحاكمة مهما كان حجم االغلبية خلفها ‪.‬‬

‫&أريخي بين‬‫&دمج الت&‬


‫‪ ‬ان الديمقراطية الليبرالية تعرف بانها نظام وطريقة الحياة التي تمخض عنها ذلك ال&‬
‫فكرتين منفصلتين هما الفكرة الديمقراطية والفكرة الليبرالية ‪.‬فأذا كانت االولى تعني عمليًا وضع الس&&لطة‬
‫السياسية في ايدي االكثرية ‪ ،‬فان الثانية تعني وضع القيود على الس&&لطة االكراهية للدولة وت&&أمين رقعة‬
‫محمية في الحياة الخاصة‪.‬‬

‫وعلى هذا االساس تعرف الديمقراطية الليبرالية بأنها ذلك النظام الذي يختار فيه المحكومون الحاكمين عن‬
‫طريق االنتخابات الصحيحة والحرة ‪ .‬انها نهج للحكم يقوم على االنتخابات الح&&رة والمؤسس&&ات الثابتة‬
‫& في الف&&رص لجميع االح&&زاب‬ ‫وعلى تداول السلطة بين االحزاب في نظام تعددي يكفل الحرية والتكافؤ‬
‫& االفراد‬‫& بين الناخبين‪ .‬ذلك الترتيب المؤسسي الذي يتم من خالله وصول‬ ‫السياسية القائمة وحرية االختيار‬
‫ال وسطًا‬‫& على االحداث ‪.‬ذلك االجراء التخاذ القرار الذي يعد ح ً‬ ‫& تنافسي‬‫والجماعات الى السلطة عن طريق‬
‫& الى السلطة ‪.‬وعلى الرغم من التباينات الطفيفة في هذه التعريفات‬ ‫منصفًا بين المطالب المتنافسة للوصول‬
‫&يز الديمقراطية الليبرالية مثل‬
‫&تي تم&‬ ‫‪،‬غير ان قواسمها المشتركة تبقى في اشارتها الى االصول العامة ال&‬
‫التنافس السلمي للوصول الى السلطة ‪ ،‬وتعدد االحزاب ‪،‬واالنتخاب&&ات الدورية ‪،‬واح&&ترام رأي االغلبية‬
‫& العملي لهذا األنموذج في اوربا الغربية وامريكا‬ ‫& التي توضحت صورتها من خالل التطبيق‬ ‫‪،‬وهي العناصر‬
‫&وهر الليبرالية تقييد‬
‫&اص ‪.‬حيث ج&‬ ‫&وهره الخ&‬ ‫ال من تشابك فلسفتين لكل منهما ج&‬ ‫الشمالية والذي نتج اص ً‬
‫السلطة االكراهية الي حكم والحرية قيمتها االساسية ‪.‬في حين جوهر الديمقراطية وضع الحكم في اي&&دي‬
‫&ذا‬‫&رًا وممارسة وتمخض عن ه&‬ ‫& االنتخابات الدورية برغم ذلك اندمجت الفكرتان فك&‬ ‫االكثرية عن طريق‬
‫& الليبرالي الغربي ‪       .‬‬
‫االندماج نظام الحكم الديمقراطي‬

‫المصدر‪ http://www.iraqipapers.net/sedition/sarabic/tenmyasarab.htm :‬يوم ‪ 24/04/2006‬على الساعة‬


‫‪.9:15‬‬

‫إقتباس‪ :‬رابح حريزي – ماي ‪2005‬‬

‫‪3‬‬

You might also like