You are on page 1of 171

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة ‪ 8‬ماي ‪ 5491‬قالمة‬


‫كلية العلوم اإلنسانية و االجتماعية‬
‫قسم التاريخ‬

‫عنوان المذكرة ‪:‬‬

‫األحداث و األزمات االقتصادية‬


‫في العصر العباسي الثاني‬
‫( ‪ 111‬ه – ‪ 119‬ه‪ 897 /‬م – ‪ 498‬م )‬
‫(مذكرة مكملة لنيل شهادة الماستر في تاريخ و حضارة المشرق اإلسالمي)‬

‫إشراف األستاذ الدكتور‪:‬‬ ‫إعداد الطلبة ‪:‬‬

‫رابح أوالد ضياف‬ ‫‪ ‬ريان عطية‬


‫‪ ‬ميساء بوسبسي‬
‫اللجنة العلمية المناقشة‬
‫الجامعة‬ ‫الصفة‬ ‫الرتبة‬ ‫االسم و اللقب‬
‫‪ 8‬ماي ‪ 5491‬قالمة‬ ‫أستاذ التعليم العالي رئيسا‬ ‫كمال بن مارس‬
‫‪ 8‬ماي ‪ 5491‬قالمة‬ ‫رابح أوالد ضياف أستاذ التعليم العالي مشرفا و مقر ار‬
‫‪ 8‬ماي ‪ 5491‬قالمة‬ ‫عضوا مناقشا‬ ‫أستاذ محاضر "أ"‬ ‫سناء عطابي‬
‫السنة الجامعية ‪:‬‬

‫‪5991‬ه– ‪5991‬ه ‪1215 /‬م‪ 1211-‬م‬


‫إه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداء‬

‫أهدي ثمرة جهدي هذه‪:‬‬

‫إلى روح جدي و جدتي رحمهما هللا و أسكنهما فسيح جناته‬

‫إلى أمي و أبي الغاليين‬

‫إلى أختي و زوجها و ابنها‬

‫إلى أخي الوحيد الغالي‬

‫إلى جدي و جدتي‬

‫إلى أخوالي و أعمامي‬

‫أهديها لكم جميعا‬


‫إهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـداء‬

‫أهدي ثمرة جهدي هذا إلى روح عمتي‬

‫الطاهرة رحمها هللا‬

‫و إلى والدي العزيزان أطال هللا في عمرهما‬

‫و إلى إخوتي محمد و كريمة و أبناء أختي‬

‫و زوج أختي ‪ ،‬و صديقـاتي‬


‫شكر و تقدير‬

‫الحمد و الشكرهلل تعالى أوال و آخرا على ما تفضل به و‬

‫أنعم من عون و رعاية و توفيق‪.‬‬

‫كما نتقدم بجزيل الشكرو التقديرإلى أستاذنا الفاضل‬

‫األستاذ الدكتوررابح أوالد ضياف‪ ،‬على إشر افه و توجيهه و رعايته‬

‫فقد كان لنا خيرمعين و مرشد‪ ،‬فبارك هللا في عمله و في صحته‬

‫و جزاه هللا خيرالجزاء‬

‫كما نشكراألساتذة األفاضل الذين تفضلوا و تكرموا علينا بقبول‬

‫مناقشة الرسالة و تقديمهم آلرائهم السديدة و توجيهاتهم الكريمة‪.‬‬

‫لكم كل الشكرو التقدير‬


‫خطة البحث‬

‫مقدمة‬

‫الفصل تمهيدي ‪ :‬الوضع العام للدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬

‫الفصل األول ‪ :‬األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬

‫المبحث األول ‪ :‬الوقائع السياسية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الثورات الداخلية‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬

‫المبحث األول ‪ :‬الفساد اإلداري و المالي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬األزمات المالية و إفالس الخزينة‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬الكوارث الطبيعية و األوبئة‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬

‫المبحث األول ‪ :‬أثر األحداث و الثورات على الحياة االقتصادية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬نتائج المترتبة عن األزمات االقتصادية‬


‫المبحث الثالث ‪ :‬ظهور فئة الشطار و العيارون ‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫قائمة المالحق‬
‫قائمة المصادر و المراجع‬
‫المقدمــــة‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫المقدمة‬

‫الحمد هلل الذي علم بالقلم علم اإلنسان ما لم يعلم‪ ،‬و الصالة و السالم على سيدنا‬
‫محمد صلى هللا عليه و سلم القائل‪ ":‬طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة" و على آله‬
‫و صحبه و من سار على هديه يوم الدين"‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫لقد امتاز العصر العباسي األول بقوة الخالفة و هيبة السلطان و كان للخلفا هيبة‬
‫و قوة و هو ما اصطلح عليه بعصر الخلفا العظما ‪ ،‬الذين استطاعوا أن يحافظوا على‬
‫عالقاتهم بعامة الناس‪ ،‬سيما الذين أيدوا الدعوة العباسية‪ ،‬و استطاعت بذلك الخالفة‬
‫العباسية أن تحكم األمة اإلسالمية باستثنا بعض األقاليم ‪.‬‬

‫كذلك لم يغفل العباسيون عن مسألة والية العهد لمن بعدهم و الذي يعتبر عامال‬
‫مهما في امتصاص غضب األسرة الحاكمة بطمأنتهم بالحكم من بعددهم‪ ،‬و إلسكات‬
‫معارضة العامة من الناس‪ .‬و هذا ما يسمح بالتداول عن الحكم بصفة سليمة و شرعية و‬
‫تثبيت الحكم في البيت العباسي ‪.‬‬

‫و نجد كذلك ما يميز هذا العصر هو اعتماد العباسيين في الجيش و النظم اإلدارية‬
‫و الحكم على العنصرين العربي و الفارسي اللذين أخلصوا للخلفا و خدموا الدولة و ازدهرت‬
‫الحياة بمختلف جوانبها و هذا ما أدى إلى استم اررية الدولة قرابة مائة و خمس عشرة سنة و‬
‫عرفت فيها الدولة قوة السلطة و السلطان و الهيبة و النفوذ ‪.‬‬

‫و لكن ما لبثت األحوال أن تغيرت في العصر العباسي الثاني الذي بدأ منذ خالفة‬
‫المتوكل سنة ‪ 232‬ه ‪847 /‬م و يتميز هذا العصر بسيطرة األتراك الذين قوي نفوذهم بد ا‬
‫من مقتل المتوكل على أيديهم سنة ‪247‬ه ‪767 /‬م في سام ار فبدأ بذلك تسلطهم الفعلي‬

‫أ‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫على الخلفا و الخالفة و زادت سطوتهم فضعف الخليفة و ضاعت هيبته و خرجت السلطة‬
‫من يديه و تحكم األتراك في زمام الحكم و قويت شوكتهم و ازداد نفوذهم ‪.‬‬

‫و هذا كله شجع أم ار األطراف على االنفصال عن الدولة العباسية في المغرب و‬


‫المشرق‪ ،‬و تدخل الوز ار و القادة و الحريم في شؤون الخليفة و هذا ما أدى إلى تصدع‬
‫أركان الخالفة و اضطرابها ‪.‬‬

‫و من هيمنة األتراك أنهم قاموا بإضعاف بعض أنظمة الحكم و من بينها مسألة‬
‫والية العهد‪ ،‬فتحكموا في تعيين الخلفا فأصبحوا يولون من شا وا الخالفة و يعزلون من‬
‫شا وا بغية تحقيق رغباتهم للسيطرة على منصب الخليفة ‪.‬‬

‫و كان أيضا من نفوذ األتراك الهيمنة على منصب الو ازرة‪ ،‬إذ ضعفت إلى جانبهم‬
‫شخصيات الوزار ‪ ،‬فكثر عزلهم و مصادرتهم و حبسهم و قتلهم‪ ،‬و كثرت الرشوة و بذل‬
‫المال للوصول إلى هذا المنصب‪ ،‬كما تدهورت اإلدارة المالية للدولة لسو التسيير اإلداري و‬
‫المالي للوز ار و عدم كفا تهم‪.‬‬

‫و هذا ما أثر على الجانب اإلداري و االقتصادي و دخول الدولة في أزمات مالية‬
‫متكررة ‪.‬‬

‫كذلك ضعف الخالفة العباسية و تفشي الفساد في أوساطها شجع ثورتا الزنج و‬
‫القرامطة على جمع األعدا و تهديد الدولة بأعمال السلب و النهب و الحرق و القتل و‬
‫التدمير‪ ،‬حيث نتج عن هذه الثورات أن تكبدت الخزينة المالية الكثير من النفقات لمواجهتهم‬
‫و أدى ذلك إلى ظهور سلسلة من أعمال الشغب من قبل الجند المطالبين بأرزاقهم ‪.‬‬

‫و هذه األحداث و الثورات التي قامت في العصر العباسي الثاني و في ظل‬


‫سيطرة األتراك هي السبب في حدوث أزمات اقتصادية و مالية رافقت الدولة طيلة هذا‬

‫ب‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫العصر و هذا ما تبحث فيه هذه الدراسة التي جعلناها تحت عنوان األحداث و األزمات‬
‫االقتصادية في العصر العباسي الثاني ‪ 232‬ه – ‪ 334‬ه ‪.‬‬

‫أهمية الموضوع ‪:‬‬

‫و تكمن أهمية دراسة هذا الموضوع و الذي تحت عنوان " األحداث و األزمات‬
‫االقتصادية في العصر العباسي الثاني ‪ 232‬ه – ‪ 334‬ه " فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -7‬الرغبة في معرفة أوضاع الخالفة في ظل سيطرة األتراك ‪.‬‬

‫‪ -2‬البحث عن نتائج سيطرة األتراك على الخالفة ‪.‬‬

‫‪ -3‬الرغبة في دراسة طبيعة الحياة االقتصادية للدولة العباسية في عصرها الثاني و خاصة‬
‫البحث في األزمات االقتصادية و التخصص في دراستها و معرفة األسباب و النتائج ‪.‬‬

‫‪ -4‬حبنا للتاريخ االقتصادي لذلك أردنا دراسة جانب منه في العصر العباسي الثاني ‪.‬‬

‫‪ -5‬كذلك مكننا هذا الموضوع من التعرف على هذه الفترة الحاسمة في عهد الخالفة‬
‫العباسية و ما صارت عليه من الضعف و الهوان‪ .‬بعدما كانت من قبل تشهد فترة القوة و‬
‫االزدهار ‪.‬‬

‫اإلشكالية ‪:‬‬

‫و لمعالجة هذا الموضوع و البحث في حيثياته ال بد من النظر في بعض‬


‫اإل شكاليات المتعلقة به و اإلجابة عن بعض التسالالت التي تراود الباحث و هو يبحث في‬
‫هذا الموضوع و التي ينبغي أن تجيب عنها هذه الدراسة و لعل من أهم هذه اإلشكاليات و‬
‫التسالالت ما يلي ‪:‬‬

‫ج‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫ما طبيعة األحداث السياسية و األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬

‫‪232‬ه – ‪ 334‬ه ؟ و ما تأثيراتها على الخالفة العباسية و على نظامها السياسي و‬


‫االقتصادي؟‬

‫كيف كانت مجريات الحياة السياسية للدولة العباسية في عصرها الثاني ؟‬

‫ما أسباب قيام الثورات المناهضة للسلطة العباسية؟ و كيف انعكست هذه الثورات على‬
‫الحياة االقتصادية للدولة ؟‬

‫إلى أي مدى ساهم األتراك في السيطرة على شؤون الخالفة ؟‬

‫ما هي أسباب األزمات االقتصادية؟ و كيف أثرت على اقتصاد الدولة؟ و ما هي الحلول و‬
‫الطرق و السياسات التي سلكها الخلفا للتخفيف منها ؟‬

‫ما هي أسباب ظهور فئة الشطار و العيارون ؟‬

‫منهج الدراسة ‪:‬‬

‫و قد اعتمدنا في دراستنا على المنهج التاريخي الوصفي و المنهج التحليلي ألنهما‬


‫المنهجان المالئمان لطبيعة الدراسة‪ ،‬حيث قمنا بجمع المادة العلمية من الروايات التاريخية‬
‫التي أوردتها المصادر و تحليلها‪ ،‬و االعتماد على ما تضمنته الدراسات التاريخية الحديثة‬
‫التي تتقاطع مع هذه الدراسة وفقا لما يتال م مع طبيعة موضوعنا تاريخيا و موضوعيا ‪.‬‬

‫حدود الدراسة ‪:‬‬

‫تناولت هذه الدراسة الحدود الموضوعية و الزمانية اآلتية ‪:‬‬

‫* أما الحدود الموضوعية فهي تدرس األحداث و األزمات االقتصادية للدولة العباسية ‪.‬‬

‫د‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫* أما الحدود الزمانية ‪ :‬فإنها تدرس الفترة التاريخية المتمثلة في العصر العباسي الثاني الذي‬
‫يمتد بين عامي ‪ 232‬ه ‪ 334 /‬ه حيث تبدأ المدة المذكورة من خالفة المتوكل سنة ‪232‬‬
‫ه‪ ،‬و تنتهي مع وصول الخليفة المطيع إلى سدة الحكم عام ‪ 334‬ه ‪.‬‬

‫مبررات الدراسة ‪:‬‬

‫‪ -7‬أهمية الموضوع من حيث أن العصر العباسي يعتبر مرحلة فاصلة بين مرحلتي‬
‫االزدهار و االنحدار ‪.‬‬

‫‪ -2‬كما أن هذا العصر يتميز عن بقية العصور األخرى بازدياد نفوذ األتراك على الخالفة‬
‫العباسية ‪.‬‬

‫‪ -3‬كذلك رغبتنا في معرفة أوضاع الخالفة في ظل سيطرة األتراك و كيف كانت مالمح هذا‬
‫العصر و أهم المتغيرات التي حدثت فيه ‪.‬‬

‫‪ -4‬التطرق إلى الجانب االقتصادي للدولة العباسية في عصرها الثاني الذي لم ينل حقه في‬
‫البحث حيث نجد أغلب الباحثين قد تطرقوا في الحديث و البحث عن العصر العباسي األول‬

‫‪ -5‬كذلك رغبتنا في االطالع على األزمات االقتصادية و البحث في أسبابها و خاصة أن‬
‫العصر العباسي الثاني كان فترة انتقال من القوة و االزدهار إلى التدهور و االنحطاط‪ ،‬و‬
‫عرف فيه كثرة المشاكل و األزمات ‪.‬‬

‫‪ -6‬كذلك التعرف على موقف الخالفة إ از هذه األحداث السياسية و األزمات االقتصادية ‪.‬‬

‫‪ -7‬كذلك معرفة كيف ساهمت األحداث السياسية و األزمات االقتصادية في انهيار الوضع‬
‫المالي للدولة العباسية ‪.‬‬

‫الدراسات السابقة ‪:‬‬

‫ه‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫من خالل اطالعنا و بحثنا في كثير من الدراسات تبين لنا أن موضوع األحداث‬
‫السياسية و األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني ‪232‬ه – ‪334‬ه‪ ،‬ما زال‬
‫يحتاج إلى مساهمات بحثية إلثرائه و تسليط األضوا عليه فأردنا أن نساهم و بكل تواضع‬
‫في حدود إمكانياتنا العلمية و بحجم مذكرة تخرج في الماستر في التاريخ الوسيط أن نلملم‬
‫شتاته من بطون المصادر و ثنايا المرجع لذلك لما بحثنا في الموضوع من جانب الدراسات‬
‫السابقة فقد وجدنا أهم دراسة تتقاطع مع الموضوع هي أطروحة دكتوراه بعنوان التاريخ‬
‫االقتصادي للدولة العباسية في العصر العباسي الثاني أعدها الباحث فهد مطر المطيري‪ ،‬و‬
‫الذي تناول فيه عنوان األحداث السياسية و األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬
‫كفصل أخير في مذكرته حيث أنه تطرق إلى الموضوع بشكل مختصر و غير مفصل حيث‬
‫أنه لم يتطرق في الحديث عن األحداث السياسية إال فيما تعلق بالثورات فقط‪ ،‬كما لم يفصل‬
‫بين الفساد اإلداري و المالي و األزمات المالية و هذا يؤدي إلى تشويش استيعاب القارئ و‬
‫كان ينتقل من فكرة إلى أخرى ‪.‬‬

‫فوجدناه في بعض األحيان يشر إلى األزمة المالية و نتائجها ثم تكلم أيضا عن‬
‫نتائج هذه األزمات في مبحث آخر فتعرض للحديث عن المصادرة فقط و أهمل باقي نتائج‬
‫األزمات االقتصادية ‪.‬‬

‫خطة الدراسة ‪:‬‬

‫أما خطة الدراسة لمعالجة هذا الموضوع فإنها تتكون من فصل تمهيدي و ثالثة‬

‫فصول و خاتمة و قائمة المصادر و المراجع و مالحق‪ ،‬و قد جا ت هذه الخطة متضمنة‬

‫لعناصر الموضوع على النحو اآلتي‪:‬‬

‫و‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫أما الفصل التمهيدي فقد تناول الحديث عن الوضع العام للدولة العباسية قبل نهاية العصر‬
‫العباسي األول و ذلك ألخذ نظرة شاملة عن أوضاع العصر العباسي األول ثم االنتقال إلى‬
‫بداية العصر العباسي الثاني ليسهل بذلك على الباحث فهم األحداث و تسلسلها مع بعضها‬
‫البعض‪.‬‬

‫و قد اختص الفصل األول بالحديث عن األحداث السياسية و الثورات في العصر‬


‫العباسي الثاني و قد انقسم هذا الفصل إلى مبحثين بحيث تناول المبحث األول الوقائع‬
‫السياسية‪ ،‬و تضمن المبحث الثاني الثورات الداخلية ‪.‬‬

‫أما الفصل الثاني فكان بعنوان األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني و‬
‫يتفرع إلى ثالثة مباحث بحيث تناول المبحث األول الحديث عن الفساد اإلداري و المالي أما‬
‫المبحث الثاني فكان بعنوان األزمات المالية‪ ،‬و تضمن المبحث الثالث الحديث عن الكوارث‬
‫الطبيعية و األوبئة ‪.‬‬

‫أما الفصل الثالث و األخير فقد تناول الحديث عن آثار األحداث و األزمات‬
‫االقتصادية في العصر العباسي الثاني‪ ،‬و قد جا في ثالثة مباحث‪ ،‬بحيث تضمن المبحث‬
‫األول أثر األحداث و الثورات على الحياة االقتصادية‪ ،‬و اختص المبحث الثاني في الحديث‬
‫عن النتائج المترتبة عن األزمات االقتصادية‪ .‬أما المبحث الثالث و األخير فقد تطرق البحث‬
‫عن ظهور فئة الشطار و العيارون ‪.‬‬

‫أما الخاتمة فقد أوجزنا فيها النتائج التي توصلنا إليها أثنا البحث‪ ،‬و قد ألحقنا‬
‫البحث بمجموعة من المالحق ‪.‬‬

‫صعوبات الدراسة ‪:‬‬

‫لقد واجهتنا أثنا إعدادنا لهذه الدراسة بعض الصعوبات و العقبات أهمها ‪:‬‬

‫ز‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫‪ /7‬صعوبة الوصول إلى المادة العلمية المتناثرة في بطون المصادر المختلفة كمصادر‬
‫الحوادث التاريخية و كتب التراجم و الوفيات و المصادر الجغرافية و غيرها‪ ،‬مما يصعب‬
‫من مهمة الوصول إلى الما دة العلمية‪ ،‬اذ يتطلب ذلك كثي ار من الوقت و الجهد من أجل‬
‫تجميعها و تصنيفها ثم تحليلها و صياغتها ‪.‬‬

‫‪ /2‬قلة المعلومات التي تتحدث عن الحياة االقتصادية في العصر العباسي الثاني ‪.‬‬

‫‪ /3‬ندرة المعلومات التي تحتوي على الكوارث الطبيعية و األوبئة خاصة في الدراسات‬
‫الحديثة و في الفترة المتعلقة بالعصر العباسي الثاني ‪.‬‬

‫‪ /4‬إغفال المصادر التاريخية الحديث عن األزمات المالية بشكل مفصل و واضح ‪.‬‬

‫نقد المصادر ‪:‬‬

‫‪ -5‬تاريخ الرسل و الملوك ‪:‬‬

‫للطبري ‪ ،‬محمد بن جرير المتوفي سنة ‪373‬ه ‪222/‬م و الذي عاش في النصف‬
‫الثاني من القرن الثالث الهجري‪ ،‬و يعني هذا أنه كان معاص ار ألحداث بدايات العصر‬
‫العباسي الثاني‪ ،‬و هو منطلق هذه الدراسة و يعتبر الكتاب من المصادر األساسية المطولة‬
‫في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬و هو مرتب على أساس حوليات يبدأ ابتدا التاريخ مع الرسل و‬
‫األنبيا ذاكر أحوالهم و أنسابهم ثم تكلم عن الدولة اإلسالمية من هجرة سيدنا محمد صلى‬
‫هللا عليه و سلم إلى المدينة حتى نهاية القرن الثالث الهجري‪ ،‬و يضم الكتاب معلومات قيمة‬
‫من الناحية السياسية و تقل المعلومات اإلدارية فيه و قد استفدنا منه كثي ار سيما في الحديث‬
‫عن األحداث السياسية و غيرها‪.‬‬

‫‪ -1‬كتاب تجارب األمم و تعاقب الهمم ‪:‬‬

‫البن مسكويه‪ ،‬أحمد بن محمد بن يعقوب ( ت ‪ 427‬ه ‪7333 /‬م) من المصادر‬

‫ح‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫المتبعة في البحث‪ ،‬و هو كتاب تاريخي‪ ،‬يهتم باألمور اإلدارية للدولة اإلسالمية‪ ،‬و ضمنها‬
‫النواحي المالية‪ ،‬حيث أفاد منها البحث و كون منها مادة علمية طيبة‪ ،‬و هو يعطي‬
‫معلومات موسعة عن الحوادث و األحوال السياسية كما قدم الكثير من الوثائق و الكتب‬
‫الرسمية التي تتعلق بالنواحي االقتصادية‪ ،‬و قد تحدث كثي ار عن األزمات المالية للدولة‬
‫العباسية‪ ،‬و تحدث كذلك عن المصادرات و مقدارها خالل فترات متعددة من تاريخ الدولة‬
‫العباسية‪ ،‬و قد أف ادنا البحث منه في إطار حديثه عن األزمات االقتصادية و خاصة المالية‬
‫التي واجهت الدولة و بذلك اعتمدنا عليه في أغلب الفصل الثاني و الثالث ‪.‬‬

‫‪ -1‬كتاب الوزراء أو تحفة األمراء في تاريخ الوزراء ‪:‬‬

‫ألبي الحسن الهالل بن المحسن بن هالل الصابي الحراني (ت ‪ 448‬ه ‪/‬‬


‫‪ 7356‬م) يعتبر هذا الكتاب ذا قيمة كبيرة لفترة البحث‪ ،‬ألنه اهتم بالمؤسسات اإلدارية و‬
‫األمور المالية فهو بالحق مصدر هام و أساسي في دراستنا هذه خاصة في الفصل الثاني و‬
‫الثالث ‪.‬‬

‫‪ -9‬كتاب المنتظم في التاريخ الملوك و األمم ‪:‬‬

‫ألبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي ( ‪ 527‬ه ‪7333 /‬م) و هو كتاب‬
‫حولي يضم معلومات قيمة عن التاريخ اإلسالمي‪ ،‬و قد أفاد البحث في كثير من الجوانب و‬
‫خاصة فيما تعلق بالكوارث الطبيعية و األوبئة ‪.‬‬

‫‪ -1‬معجم البلدان ‪:‬‬

‫للحموي‪ ،‬شهاب الدين أبو عبد هللا ( ‪ 626‬ه‪7228 /‬م) يعد من الكتب الجغرافية‬

‫المهمة التي ال غنى للباحث عنها‪ ،‬فقد أفادنا في تعريف المواقع الجغرافية التي وردت في‬
‫البحث ‪.‬‬

‫ط‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫‪ -6‬كتاب الكامل في التاريخ ‪:‬‬

‫ألبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الملقب‬
‫بعز الذين ابن األثير الجزري ( توفي ‪ 633‬ه ‪7232 /‬م) و كتاب الكامل في التاريخ هو‬
‫تاريخ عام‪ ،‬اهتم فيه بأحوال العالم اإلسالمي و اعتمد في ذلك على المصادر الموثوقة‪ ،‬كما‬
‫اعتمد في كتابه على طريقة الحوليات‪ .‬و كتابه يضم معلومات قيمة ذات أهمية لدراسة‬
‫الحضارة اإلسالمية‪ ،‬فهو يورد كثي ار من المعلومات اإلدارية و المالية و االقتصادية و‬
‫االجتماعية‪ ،‬و قد أفادنا في جوانب كثيرة من بحثنا و اعتمدنا عليه في أغلب مباحثنا ‪.‬‬

‫‪ -7‬كما استفادت الدراسة من بعض المصادر المختصة بالوفيات و التراجم و السير أمثال‬
‫كتاب وفيات األعيان‪ ،‬البن خلكان ( ت ‪ 687‬ه‪7282 /‬م) و كتاب سير أعالم النبال‬
‫للذهبي ( ت ‪ 748‬ه‪7347 /‬م) و قد أمدت الدراسة بمعلومات وافية في ترجمة األعالم ‪.‬‬

‫‪ -8‬كتاب الفخري في اآلداب السلطانية و الدول اإلسالمية ‪:‬‬

‫لمحمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقى ( ت ‪ 732‬ه ‪7332 /‬م) و‬


‫كتابه هذا يتناول األمور السلطانية و السياسات الملكية‪ ،‬ثم يتناول كذلك الحديث عن الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ذاك ار دولة الخلفا الراشدين ثم الدولة األموية فالدولة العباسية‪ ،‬و ينتهي كتابه‬
‫بذكر خالفة المستعصم باهلل سنة ‪ 643‬ه‪ ،‬و هو يختلف عن غيره من الكتب في أنه اعتمد‬
‫في تأليفه على الموضوعات‪ ،‬و لم ينهج منهج الحوليات و قد أفاد البحث في مواضع شتى‬
‫فيما يتعلق بالوز ار و بوصف الخلفا خاصة و أحوالهم‪ ،‬و بعض األمور اإلدارية و التي‬
‫تتعلق بالبحث ‪.‬‬

‫نقد المراجع‪:‬‬

‫اعتمدنا على العديد من المراجع في دراسة هذا البحث و تنوعت بين السياسية و‬

‫ي‬
‫المقدمة ‪................................................................................‬‬

‫االقتصادية و اإلدارية‪ ،‬و من أهمها كتاب الدراسات في العصور العباسية المتأخرة لعبد‬
‫العزيز الدوري و الذي يتكلم عن العصر العباسي الثاني و مختلف األحداث السياسية و‬
‫اإلدارية و االقتصادية التي طرأت فيه و قد اعتمدنا عليه في أغلب المباحث ‪.‬‬

‫و كتاب تاريخ العراق االقتصادي في القرن ‪4‬ه‪ ،‬و هو أيضا لدكتور عبد العزيز‬
‫الدوري‪ ،‬و هو كتاب يختص بدراسة الجانب االقتصادي للعراق و قد ساعدنا جدا في دراسة‬
‫األزمات االقتصادية و نتائجها ‪.‬‬

‫كتاب المؤسسات اإلدارية في الدولة العباسية لحسام الدين السامرائي و تناول‬


‫الحديث على النظم السياسية و اإلدارية و االقتصادية و قد اعتمدنا عليه فيما يتعلق بالجانب‬
‫اإلداري و االقتصادي للبحث ‪.‬‬

‫و أخي ار نرجوا أن نكون قد وفقنا في معالجة الموضوع بما يتطلبه علميا و منهجيا و هللا‬
‫الموفق ‪.‬‬

‫ك‬
‫الفصل التمهيدي‪:‬‬
‫الوضع العام في‬
‫الدولة العباسية‬
‫قبل نهاية العصر‬
‫العباسي األول‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫‪ -5‬العصر العباسي األول ‪ 511 :‬هـ ‪ 111 -‬هـ‬

‫قامت الدولة العباسية على أثر دعاي ة سرية اتخذت من حق بني هاشم الشرعي‬
‫في الخالفة صيحتها السياسية‪.1‬و ذلك لتخليص الموالي الفرس و غير الفرس من حكم بني‬
‫أمية الجائر رغم هذه الدعاية ‪.‬‬

‫و لتحقيق المساواة المشروعة بحكم اإلسالم بينهم و بين العرب في جميع الحقوق‬
‫االقتصادية و السياسية و االجتماعية‪ .2‬و باتخاذ الكتاب و السنة و العدل قانونا بينهم ‪.‬‬

‫و ينتسب العباسيون إلى العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى هللا عليه و‬
‫سلم‪ ،‬فهم عرب قريشون هاشميون‪ .‬عارضوا قيام الدولة األموية سنة ‪ 47‬ه‪.3‬‬

‫كما قادت األسرة العلوية حركة المعارضة و تعددت ثوراتهم مع أنصارهم الشيعة‬
‫ضد األمويين لكنها فشلت‪ ،‬فكان تطلع العباسيين إلى الخالفة منذ سنة ‪ 28‬هـ ‪ ،‬فبدلوا‬
‫دعوتهم السرية سنة ‪ 733‬هـ ‪ ،‬و استفادوا من أخطا العلويين و خبرتهم ‪ ،‬فوفروا لدعوتهم‬
‫كل وسائل النجاح‪.4‬‬

‫و سرعان ما أقبلت الجيوش الخراسانية مكتسحة كل ما لقيها من مقاومة من طرف‬


‫الدولة األموية حتى قضت عليها نهائيا‪.5‬‬

‫‪ /1‬عبد العز يز الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتأخرة ‪ ،‬شركة الرابطة ‪ ،‬بغداد ‪ ، 5491 ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪ /2‬شوقي ضيف ‪ ،‬العصر العباسي الثاني ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المعارف‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪ / 3‬نادية حسني صقر ‪ ،‬مطلع العصر العباسي الثاني ‪ ،‬دار الشروق ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /5‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪13‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫و أعلن عن قيام حكم العباسيين سنة ‪ 732‬هـ لما بويع أبو العباس عبد هللا بن‬
‫محمد بن علي بالخالفة في الكوفة من شهر ربيع األول‪.1‬‬

‫" و كان بد ذلك و أوله أن الرسول صلى هللا عليه و سلم أعلم العباس بن عبد‬
‫المطلب أن الخالفة تؤول إلى ولده ‪ ،‬فلم يزل ولده يتوقعون ذلك و يتحدثون به بينهم "‪.2‬‬

‫كما روي أن الرسول صلى هللا عليه و سلم كان يجري على لفظه الشريف ما‬

‫معناه البشارة بدولة هاشمية ‪ " ،‬فزعم ناس أنه قال‪ :‬تكون لرجل من ولدي ‪ ،‬و زعم ناس أنه‬
‫عليه الصالة و السالم ‪ ،‬قال لعمه العباس رضي هللا عنه‪ :‬أنها تكون في ولدك‪ ،‬و أنه حين‬
‫أتاه بابنه عبد هللا أذن في أذنه وتفل فيه"‪.3‬‬

‫فلما كان وقت صالة الجمعة خرج أبو العباس السفاح فصلى بالناس ثم صعد‬
‫المنبر و بايعه الناس و خطب‪ .4‬حيث وصف العباسيين بأنهم حماة اإلسالم حيث قال ‪" :‬‬
‫الحمد هلل الذي اصطفى اإلسالم لنفسه دينا ‪ ،‬و كرمه و شرفه و عظمه و اختاره لنا ‪ ،‬و أيده‬
‫بنا ‪ ،‬و جعلنا أهله و كهفه و حصنه و القوام به و الذابين عنه و الناصرين له"‪.5‬‬

‫‪ / 1‬ابن خلدون ‪ :‬عبد الرحمان بن خلدون ‪ ،‬تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر و من‬
‫عاصرهم من ذوي الشأن األكبر ‪ ،‬مر‪ :‬سهيل زكار ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2111 ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪.565‬‬

‫‪ /2‬ابن األثير ‪ :‬أبي الحسن علي بن أبي الكرم بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري ‪ ،‬الكامل‬
‫في التاريخ ‪ ،‬مر ‪ :‬محمد يوسف الدقاق ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ 5421،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 62‬‬

‫‪ /3‬ابن الطقطقى ‪ ،‬محمد بن علي الطباطبا ‪ ،‬الفخري في اآلداب السلطانية و الدول اإلسالمية ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ص‬
‫‪. 593‬‬

‫‪ /4‬ابن كثير ‪ ،‬عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن عمر القريشي الدمشقى ‪ ،‬البداية و النهاية‪ ،‬تح‪ :‬عبد هللا بن عبد المحسن‬
‫التركي ‪ ،‬دار هجر ‪ ، 5442 ،‬ج ‪ 53‬ص ‪. 294‬‬

‫‪ /5‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 61‬‬

‫‪14‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫و أشار إلى قرابة العباسيين إلى رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و أن هللا خصهم‬
‫به‪ " :‬خصنا برحم رسول هللا صلى هللا عليه و سلم و قرابته‪ ،‬و اشتقنا من نبعته ‪ ،‬و وضعنا‬
‫من اإلسالم و أهله بالموضع الرفيع ‪.‬‬

‫كما اعتبر العباسيون توليتهم للخالفة ميراثا عن النبي صلى هللا عليه و سلم فقد‬
‫وقف عمه دا ود بن علي على منبر الكوفة يقول ‪ :‬الحمد هلل شك ار ‪ ،‬شك ار ‪ ،‬شكرا‪ ،‬الذي أهلك‬
‫عدونا ‪ ،‬و أصار إلينا ميراثا من نبينا ‪. 1" ...‬‬

‫و ظهر السواد شعا ار للعباسية‪ 2‬بعد أن أعلن العباسيون أنهم أصحاب الحق‬
‫الشرعي في الحكم و الخالفة‪ ،‬و بذلك استأثروا بها من دون أبنا عمهم العلويين مما جعل‬
‫كثير منها يشرون عليهم طوال فترة حكمهم‪ ،‬كما جعل أنصارهم يدعون لبيتهم العلوي س ار‬
‫كلما وجدوا الفرصة‪.3‬‬

‫كما أخذ الخلفا يحيطون أنفسهم بالفقها و يقربونهم ليظهروا تمسكهم بالدين‪ ،‬و‬
‫قد أوصى المنصور ابنه المهدي بقوله ‪ " :‬و أهل الدين فليكونوا أعضادك"‪ ،‬و يظهرون‬
‫غيرتهم بمحاربتهم لإللحاد و الزندقة و يؤكدون في مراسيمهم النواحي الدينية فصارت بردة‬
‫النبي صلى هللا عليه و سلم الشارة األولى للخالفة يرتديها الخليفة في المناسبات العامة‬
‫كصالة العيدين و الجمعة و في الجهاد‪ .‬و كذا في اتخاذ لقب اإلمام الذي كان المأمون أول‬
‫من اتخذه رسميا‪.4‬‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 53‬ص ‪. 215‬‬

‫‪ /2‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /3‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪ /4‬عبد العزيز الدوري ‪ ،‬النظم اإلسالمية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬لبنان ‪ ، 2112 ،‬ص ‪. 96‬‬

‫‪15‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫و بعد أن كان األمويين يعتمدون في سلطانهم على رضا رلسا القبائل أصبح‬
‫عند العباسيين مقدسا مستمدا من هللا ‪ ،5‬حيث قال المنصور في يوم عرفة‪ " :‬أيها الناس‪،‬‬
‫إنما أنا سلطان هللا في أرضه‪ ،‬أسوسكم بتوفيقه و رشده"‪.6‬‬

‫و قد كان الخليفة السفاح أسخى الناس ما وعد من موعدة فأخرها عن وقتها‪ ،‬و ال‬
‫قام من مجلسه حتى يقضيها‪ ،‬و كان سريعا لسفك الدما فاتبعه في ذلك عماله بالمشرق و‬
‫المغرب‪ ،‬و كان جوادا بالمال‪.1‬‬

‫و عند موت السفاح تولى أخوه المنصور أبو جعفر عبد هللا بن محمد بن علي‬
‫سنة ‪ 737‬هـ‪ ،2‬بعدما قتل أبو مسلم الخراساني صاحب دعوتهم و ممهد لدولتهم‪ .3‬و يعد‬
‫الخليفة المنصور المؤسس الحقيقي للدولة العباسية ثم تتابع الخلفا من بعده على مدى‬
‫أربعة عصور تاريخية امتدت حتى عام ‪ 656‬ه ‪.4‬‬

‫و قد كانت شخصية كل خليفة عباسي تطبع عصره بطابع خاص فقد كان الخليفة‬
‫العباسي يقوم على رأس حكومة باعتباره مصدر كل السلطات و الملجأ األخير في كل‬
‫شؤون الحكومة و المرجع لكل األوامر المتعلقة بإدارة الدولة ‪.‬‬

‫كما أن خصائص الخليفة العقلية و الخلقية و النفسية هي التي تحدد اتجاهاته‬

‫‪ /5‬عبد العزيز الدوري ‪ ،‬النظم اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬

‫‪ /6‬السيوطي ‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن ‪ ،‬تاريخ الخلفاء ‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت ‪ ، 2113 ،‬ص ‪. 251‬‬

‫‪ /1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 219‬‬

‫‪ /2‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 59‬ص ‪. 315‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /4‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪16‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫السياسية و الحضارية‪ ،1‬فالمنصور ( ‪ 736‬هـ ‪ 758 -‬هـ) اتصف بالهيبة و الشجاعة و‬


‫‪2‬‬
‫الحزم و الرأي و الجبروت‪ ،‬جامعا للمال‪ ،‬تاركا للهو و اللعب و تميز بالحزم و العلم‬
‫فأصبح عهده عهد جدو التزام‪ ،‬و اشتهر بالتقتير الشديد فكان عهده عهدا اقتصادي في‬
‫النفقات‪. 3‬‬

‫و نشأ المهدي ( ‪ 758‬هـ ‪ 762 -‬هـ ) نشأة عربية فاتصف بالتدين حيث كان‬
‫معتدل الخلق و كان جوادا حليما‪ ،‬و اشتهر بالفصاحة و البالغة و العدل و التسامح‬
‫‪4‬‬

‫فأصبح عهده عصر تسامح و عدل و أمن و رخا ‪.5‬‬

‫أما الخليفة الهادي ( ‪ 762‬هـ ‪ 773 -‬هـ) وصفه المسعودي بأنه كان قاسي القلب‪ ،6‬و‬
‫وصفه صاحب الفخري بأنه كان شديد البطش‪ ،7‬كما قال عنه السيوطي أنه كان جبا ار‬
‫فكثر السالح في عصره ‪ ،‬فاتصف عهده بالبطش و القسوة ‪. 8‬‬

‫أما هارون الرشيد فكان من أفاضل الخلفا و فصائحهم و علمانهم و كرمائهم و في أيامه‬

‫‪ /1‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪4‬‬

‫‪ /2‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /3‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪ / 4‬ابن الكاز روني‪ ،‬ظهر الدين علي بن محمد البغدادي‪ ،‬مختصر التاريخ من أول الزمان إلى منتهى دولة بن العباس‪ ،‬تح‪:‬‬
‫مصطفى جواد‪ ،‬مطبعة الحكومة‪ ،‬بغداد ‪ ، 5411 ،‬ص ‪. 552‬‬

‫‪ /5‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬

‫‪ /6‬المسعودي ‪ ،‬أبي الحسن علي بن الحسين بن علي ‪ ،‬مروج الذهب و معادن الجوهر ‪ ،‬مر ‪ :‬كمال حسن مرعي ‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية ‪ ،‬بيروت ‪ ،2111 ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /7‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 524‬‬

‫‪ /8‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪17‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫كملت الخالفة بكرمه و عدله و تواضعه و زيارته للعلما في مواضعهم‪ 1‬و أصبح عصره‬
‫هو العصر الذهبي للدولة الذي اشتهر بالنشاط االجتماعي و الرخا االقتصادي و االزدهار‬
‫الفكري‪.2‬‬

‫و أما الخليفة األمين ( ‪ 723‬هـ ‪ 728 -‬هـ ) فكان أول الخلفا من أمه و أبوه‬
‫هاشميان‪ 3‬و كان األمين كثير اللعب و اللهو منقطعا إلى ذلك مشتغال به عن تدبير ملكه لذا‬
‫انطبع عصره بالطابع العربي و رجحت كفت العرب على الفرس ‪ ،‬و انعكست صفاته على‬
‫المجتمع‪.4‬‬

‫أما المأمون ( ‪ 728‬هـ ‪ 278-‬هـ ) فكان من أفاضل الخلفا و علمائهم و‬


‫حكمائهم‪ ، 5‬و كان فطنا شديدا كريما‪ ،‬و كانت أمه فارسية فقد ساد النفوذ الفارسي في عهده‪،‬‬
‫و لما كان عالما محبا للعلم و الثقافة فأصبح عهده عهد نهضة فكرية‪.6‬‬

‫و جا المعتصم ( ‪ 278‬هـ ‪ 227 -‬هـ) بعد وفاة أخيه المأمون و كان سديد الرأي‬
‫شديد المنة و كان موصوفا بالشجاعة‪ .7‬و قد قامت في وجهه حركة معارضة مما جعله‬
‫يعتمد على عنصر جديد من الرقيق و هم األتراك‪ ،‬حيث رفض الجند مبايعته حين أرادوا‬

‫‪ /1‬األزد ي ‪ ،‬جمال الدين أبو الحسن علي بن منصور ظافر بن حسين ‪ ،‬أخبار الدول المنقطعة ‪ ،‬تح ‪ :‬عصام مصطفى‬
‫هزايمية و آخرون‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬أربد ‪،5444 ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 354‬‬

‫‪ /2‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 31 ، 24‬‬

‫‪ /3‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 252‬‬

‫‪ /4‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 35 ، 31‬‬

‫‪ /5‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬

‫‪ / 6‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /7‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪18‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫تولية العباس بن المأمون فبايع العباس عمه المعتصم و أخمدت المعارضة و أقبل الجند‬
‫يبايعونه‪ . 1‬و كان حكمه استبداديا مقررنا بشي من العطف و من التدبير و تمثلت فيه روح‬
‫الجندية‪ ،‬و ظهرت مقدرته الحربية في القضا على أعدائه السياسيين و تحقيق انتصارات‬
‫على البيزنطيين‪.2‬‬

‫و قد سلم خلفا العصر العباسي أمورهم إلى الفرس و أفسحوا لهم المجال في‬
‫تولي المناصب الكبرى ‪ ،‬بعد أن كانت هذه المناصب في العصر األموي تقتصر على‬
‫العرب‪.3‬‬

‫و هكذا تولى الموالي الو ازرة كما نتج عن إشراك الفرس في الحكم أن تأثروا‬
‫بأنظمتهم و أخذوا منها‪ ،‬و تأثروا بنظرتهم االستبدادية‪ ،‬حيث كون الخلفا ألنفسهم معاونين‬
‫أو شركا في السلطة و بقي الخليفة هو المسيطر الحقيقي و الحاكم المطلق يشرف على‬
‫الوز ار و ينكل بهم متى تطرفوا في سلطتهم‪.4‬‬

‫و لما ظهر طموح الفرس في استرجاع مجدهم حرص العباسين على استرجاع‬
‫سلطانهم كل ذلك جر إلى التنكيل بزعما الفرس و وزرائهم‪ 5‬فنكبوهم نكبات متوالية على‬
‫نحو ما هو معروف عن نكبة البرامكة‪ ،‬و نكبة بني سهل و تثبت من ج ار ذلك عدا شديد‬
‫بين الفرس و العرب‪.6‬‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 59‬ص ‪. 232‬‬

‫‪ /2‬نادية حسني صقر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 39 -35‬‬

‫‪ / 3‬عبد العزيز سالم ‪ ،‬دراسات في تاريخ العرب العصر العباسي األول ‪ ،‬مؤسسة شباب الجامعة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪، 5443 ،‬‬
‫ج‪ ، 3‬ص ‪. 1‬‬

‫‪ /4‬عبد العزيز الدوري ‪ ،‬النظم اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. 92‬‬

‫‪ / 5‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتأخرة ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬

‫‪ /6‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪19‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫فلم ينجح العباسيون في تكوين جو من التفاهم و التعاون بين العرب و الفرس‪،‬‬


‫فالعرب صعب عليهم تقريب الفرس‪ ،‬و الفرس صاروا يطمحون إلحيا مجدهم ‪ ،‬فأصبح كال‬
‫الفريقين يسعيان إلضعاف الطرف اآلخر‪.1‬‬

‫و ظهر التأثير الفارسي في الحركات الدينية التي شغلت معظم فترات العصر‬
‫ال عباسي األول ‪ ،‬حيث اتجهت اتجاها قوميا شعوبيا يستهدف ضرب السيادة العربية و العرب‬
‫و إحيا المجد الفارسي القديم‪ ،2‬فظهر ذلك في حركة الشعوبية التي استهدفت تصغير شأن‬
‫العرب‪ . 3‬كما ظهرت في حركة الزندقة لمحاربة اإلسالم و التعصب اللعجمية أدبيا و سياسيا‬
‫و اجتماعيا‪.4‬‬

‫و من الحركات الدينية التي ظهرت في العصر العباسي األول حركة الرواندية‬


‫‪ 747‬هـ التي ظهرت في خالفته المنصور‪ ،5‬و حركة المقنعية التي تنتسب إلى زعيمها‬
‫المقنع الخراساني الذي أعلن الثورة على المهدي في ‪ 752‬هـ فاتخذ لنفسه قناعا من الذهب و‬
‫ادعى األولوهية و أباح المحرمات‪ ،6‬ثم حركة البابكية ( ‪ 237‬هـ ‪ 222 -‬هـ ) أتباع بابك‬
‫الخرمي‪ ،‬و كانت استمرار لحركتي الرواندية و المقنعية‪ ،‬ثم حركة الزنادقة التي تشبه المانوية‬
‫و تدعو إلى الديمقراطية الفاسدة التي تبيح المحرمات‪.7‬‬

‫‪ / 1‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتأخرة ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬

‫‪ /2‬عبد العزيز سالم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 2‬‬

‫‪ /3‬الدوري ‪ ،‬دراسات ‪ ، ...‬ص ‪. 52‬‬

‫‪ /4‬عبد العزيز سالم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 2‬‬

‫‪ /5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪2‬‬

‫‪ /6‬ابن خلدون ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 261 ، 214‬‬

‫‪ /7‬عبد العزيز سالم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 2‬‬

‫‪20‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫كما شهدت الخالفة العباسية خالل العصر األول خالفات داخلية من أجل‬
‫االستحواذ على السلطة تطورت إلى اشتباكات دامية‪ ،1‬مثل خروج عبد هللا بن علي ‪ 747‬هـ‬
‫على ابن أخيه أبي جعفر المنصور‪ ،2‬و لعل أخطر صراع شهده العصر العباسي األول هو‬
‫النزاع الذي نشب بين األمين و المأمون ( ‪ 725‬هـ ‪ 728 -‬هـ )‪. 3‬‬

‫‪4‬‬
‫كما عرفت الخالفة العباسية اصطدامات على حدودها بينها و بين البيزنطيين‬
‫فاستمرت بينهم حرب الصوائف و الشواتي التي كان مسرحها الثعور لكنهم لم يقضوا عليها‪.‬‬
‫أما على الجهة الشرقية فقد ثبت العباسيون نفوذهم على أقاليم بالد ما و ار النهر و في إقليم‬
‫السند‪.5‬‬

‫كما قامت دولة الخالفة العباسية على تثبيت سلطتها في بالد المغرب لكن‬
‫األندلس لم تلبث أن انفصلت عن الخالفة بقيادة عبد الرحمن الداخل األموي سنة ‪ 738‬هـ‪.6‬‬

‫كما انفصل األدارسة بالمغرب األقصى سنة ‪ 777‬ه‪ ،‬مما دفع العباسيين الى‬
‫محاولة ربط األقاليم األخرى في دولتهم التي تحاول االنفصال برباط رسمي‪ ،‬و ذلك بتولية‬
‫الرشيد إبراهيم بن األغلب على افريقية سنة ‪ 784‬ه ‪.‬‬

‫و كان الجيش في الدولة العباسية يمثل األساس الثالث الذي اعتمد عليه‬
‫العباسيون في حكمهم و هو خليط من عناصر خراسانية و عربية‪ ،‬و بذلك ظهر بشكل‬
‫ينسجم مع مدلول " الجيش اإلسالمي " مقابل " جيش الشام" الذي سيطر على الدولة في‬

‫‪ /1‬محمد سهيل طقرش ‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار النقائس ‪ ،‬لبنان ‪ ، 2114 ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪ /2‬المسعودي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 295‬‬

‫‪ /3‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 4‬‬

‫‪ /4‬الدوري ‪ ،‬دراسات ‪ ، ...‬ص ‪. 52‬‬

‫‪ /5‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪4‬‬

‫‪ /6‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 554‬‬

‫‪21‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫أواخر العصر األموي و في عصر المأمون أنشأ الخليفة فرقة جديدة من الجيش اعتمد عليها‬
‫فخيب أمل الخراسانيين‪.1‬‬

‫و كان أفراد الجيش عونا للخالفة‪ ،‬و أداة للخلفا ‪ ،‬و قد ختم هذا الدور بانتها‬
‫عهد الخلفا الذين كانوا يقودون الجيوش بأنفسهم و يواجهون الموت و ال يستسلمون للملذات‬
‫و الترف‪.2‬‬

‫و تميز العصر العباسي األول بعصر النفوذ الفارسي أو بعصر الخلفا العباسيين‬
‫العظما ‪ ،‬حيث ابتدأ هذا العصر بخالفة أبي العباس السفاح و انتهى بخالفة الواثق ‪227‬‬
‫ه‪232 -‬ه‪.3‬‬

‫وقد تمتع الفرس في العصر العباسي األول بمكانة مرموقة في الدولة حيث‬
‫سيطروا على الجهازين اإلداري و العسكري في بغداد و األقاليم الخاضعة لنفوذ الخالفة‪،‬‬
‫فأحكموا قبضتهم على قيادة الجيوش و المناصب اإلدارية الكبرى كالو ازرة و الوالية على‬
‫البلدان و الكتابة‪.4‬‬

‫كما تميز هذا العصر بقوة الخالفة و استقاللها التام و تركيز السلطات العليا في‬
‫الدولة بيد الخلفا الذين تمتعوا بقدرات شخصية و إدارية فذة‪ ،‬استطاعوا من خاللها المحافظة‬
‫على وحدة الدولة ‪ ،‬و إخماد الثورات و الفتن‪.5‬‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬دراسات ‪ ، ...‬ص ‪. 52‬‬

‫‪ /2‬محمد سهيل طقرش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.33‬‬

‫‪ / 3‬السيد عبد العزيز سالم ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 6‬‬

‫‪ /4‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬

‫‪ /5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 33‬‬

‫‪22‬‬
‫الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬ ‫الفصل التمهيدي ‪:‬‬

‫فما واجهه العباسيون في العصر العباسي األول من مشكالت داخلية و خارجية لم‬
‫يمنعهم من االرتقا بدولتهم إلى مستوى عال من المقدرة السياسية و الحضارية‪ ،1‬فبنوا مدينة‬
‫بغداد في عهد المنصور سنة ‪745‬ه‪ ،2‬حيث كانت أكبر الحواضر اإلسالمية‪ ،‬و مرك از‬
‫تجاريا مزده ار‪ .3‬و بنى المعتصم سام ار سنة ‪ 227‬ه و جعلها قاعدة للدولة‪.4‬‬

‫و شهدت التجارة نشاطا ملحوظا ‪ ،‬اعتمدت على ما تنتجه من أقاليم الدولة‪ ،‬أو ما‬
‫تستورده من غيرها و تعيد تصديره ‪ ،‬كما ازدهرت الحياة الثقافية و نشط تقريب المعارف‬
‫اإلنسانية‪. 5‬‬

‫‪ /1‬محمد سهيل طقرش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪ /2‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ /3‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪ / 4‬الطبري ‪ ،‬ألبي جعفر محمد بن جرير ‪ ،‬تاريخ الطبري " تاريخ تاريخ إلى سل و الملوك" ‪ ،‬ط‪ ، 9‬تح ‪ :‬محمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ،5461 ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪. 51‬‬

‫‪ /5‬محمد سهيل طقرش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬
‫األحداث السياسية‬
‫و الثورات‬
‫في العصر العباسي‬
‫الثاني‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬الوقائع السياسية‬

‫أوال‪ :‬عصر سيطرة األتراك‪:‬‬

‫و في العصر العباسي الثاني ظهر في العالم اإلسالمي عنصر جديد بجانب‬


‫العنصرين العظيمين – العرب و الفرس‪ -‬و هو عنصر األتراك‪ ،‬فكان له أثر كبير في الحياة‬
‫السياسية و االجتماعية في الدولة العباسية‪.1‬‬

‫و كان المأمون ( ‪ 728‬ه – ‪ 278‬ه) أول من اتخذ من الخلفا األتراك للخدمة‬


‫فكان يشتري الغالم من األتراك بمائة ألف و مائتي ألف و بدأ ظهور األتراك منذ عهد‬
‫المعتصم ( ‪ 278‬ه – ‪ 227‬ه) ألنه وجد نفسه ال يستطيع أن يثق في العرب و الفرس‬
‫فوجد في العنصر التركي غايته و قربهم إليهم و خصمهم بالنفوذ‪ ،2‬فقلدهم قيادة الجيش‪ ،‬و‬
‫جعل لهم مرك از في مجال السياسة و حرم العرب مما كان لهم من قيادة الجيوش ‪ .‬و أسقط‬
‫أسما هم من الدواوين‪ 3‬و قطع أعطايتهم‪.4‬‬

‫و قد بلغ األتراك غايتهم منذ عهد الخليفة المعتصم‪ ،‬و تمكنوا من السيطرة على‬
‫الشؤون الخالفة الهامة‪ .‬و ازداد نفوذهم تدريجيا‪ ،‬فأصبحوا مصدر قلق و اضطراب‪.5‬‬

‫‪ /1‬حسن أحمد محمود ‪ ،‬أحمد إبراهيم الشريف ‪ ،‬العالم اإلسالمي في العصر العباسي ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار الفكر العربي ‪ ،‬ص ‪351‬‬

‫‪ /2‬أمينة بيطار ‪ ،‬تاريخ العصر العباسي ‪ ،‬ط‪ ، 9‬جامعة دمشق ‪ ، 5441 ،‬ص ‪. 223‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬

‫‪ /4‬المسعودي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 91‬‬

‫‪ /5‬محمود ‪ ،‬الشريف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 221‬‬

‫‪25‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و تعتبر خالفة الواثق بن المعتصم ‪ 232 – 227‬ه فترة انتقال بين عهدين األول‬
‫هو عهد تمكن األتراك مع بقا هيبة الخالفة‪ ،‬و الثاني يبتدئ بالخليفة المتوكل و هو عهد‬
‫تمكن األتراك مع زوال هيبة الخالفة و هبوط مكانة الخلفا ‪.1‬‬

‫و يمتاز عهد الواثق بأن وصل األتراك إلى تثبيت أقدامهم في الحكم و توطيد‬
‫نفوذهم‪ ،‬و نال رلسا هم مكانة عظيمة‪ 2‬و بلغ من نفوذهم أن استخلف الواثق أشناس على‬
‫السلطة فكان بذلك أول خليفة استخلف سلطانا و أسند إليه أعمال الجزيرة و بالد الشام و‬
‫مصر‪ ،3‬كما عهد إلى ايتاخ بوالية خراسان و السند و كور و دجلة‪.4‬‬

‫و كان الواثق فاتح باب الفرضى في نظام الخالفة ألنه رفض أن يعهد إلى أحد‬
‫بالخالفة‪ ،5‬حيث سئل أن يوصي البنه بالخالفة لم يقبل فقال ‪ " :‬ال يراني هللا أتقلدها حيا و‬
‫ميتا"‪.6‬‬

‫فكانت أول بادرة لتدخل هؤال األتراك في شؤون السياسة عند وفاة الخليفة الواثق‪ 7‬حيث‬
‫اختاروا جعفر بن المعتصم بلقب المتوكل ‪ 248 – 232‬ه‪ 8‬و يبدوا أن المتوكل تنبه و‬
‫أدرك حقيقة األتراك و موقفهم الضاغط على الخالفة و أزدياد نفوذهم ‪ ،‬كما شعر باستبدادهم‬

‫‪ /1‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 565‬‬

‫‪ /2‬محمود ‪ ،‬الشريف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 324‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪211‬‬

‫‪ / 4‬اليعقوبي ‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب‪ ،‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬مطبعة العزى ‪ ،‬النجف ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /5‬عبد العزيز الدوري ‪ ،‬النظم اإلسالمية ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /6‬اليعقوبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 212‬‬

‫‪ /7‬خالد عزام ‪ ،‬العصر العباسي ‪ ،‬دار أسامة ‪ ،‬األردن ‪ ، 2114 ،‬ص ‪. 565‬‬

‫‪ /8‬المسعودي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 11‬‬

‫‪26‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫بشؤونها و قلة احترامهم لشخصه‪ ،1‬مما دفعه إلى التخلص سريعا منهم و تحجيم قوتهم و بدأ‬
‫بايتاخ‪ ،‬فانتهز أول فرصة و تخلص من القائد ايتاخ عند رجوعه من الحج و صودرت أمواله‬
‫و ضياعه و توفي عام ‪ 235‬ه‪.2‬‬

‫و في سنة ‪ 243‬ه أراد المتوكل أن يترك سام ار و يتخذ دمشق حاضرة له‪ 3‬حتى‬
‫يصبح بمنأى عن الترك و شرورهم‪ ،4‬فدخل المتوكل دمشق في صفر سنة ‪ 244‬ه عازما‬
‫على المقام بها ‪ ،‬و نقل دواوين الخالفة إليها ‪ ،‬و أمر أن يبنى له بها بعض القصور غير‬
‫أن الترك فطنوا لمأربه‪.5‬‬

‫و لما فعل ثار عليه األتراك كما لم يسلم من شغب جند الشام عليه مطالبين‬
‫بأعطيتهم‪ ،6‬فاضطروا إلى العودة إلى سام ار ألن الظروف الداخلية و المناخية لم تساعده‬
‫بعد أن قضى فيها شهرين‪.7‬‬

‫غير أن المتوكل عاودته فكرة االنتقال نحو شمالي سام ار ‪ ،‬إذ فكر في انتقاله إلى الماحوزة‬
‫على بعد ثالثة فراسخ منها و أقطع القواد و حواشيه فيها‪ .‬و سماها الجعفرية‪ ،‬و بنا لنفسه‬
‫فيها قصره " الجعفري" و قص ار سماه " لؤلؤة " قصو ار أخرى‪ ،‬و نقل إليها الكتاب و‬

‫‪ /1‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬

‫‪ /2‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 561 ، 566‬‬

‫‪ /3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 214‬‬

‫‪ /4‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 52‬‬

‫‪ /5‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 524‬‬

‫‪ /6‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 251‬‬

‫‪ /7‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 524‬‬

‫‪27‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫الدواوين و الناس و ذلك في محرم سنة ‪ 246‬ه ‪.1‬‬

‫ذلك فكر المتوكل في كيفية استئصال شوكة األتراك و‬ ‫و في أثنا‬


‫استبدالهم‪،2‬فكان أول من صنع أن ضم إلى وزيره عبيد هللا بن يحي بن خاقان اثني عشر ألفا‬
‫من العرب‪ ،3‬و كأنه يريد أن يعيد العرب إلى الجيش و قيادته‪. 4‬‬

‫و قد كانت شائعات بأنه المتوكل يريد الفتك بحاجبيه و صيف و بغا الكبير و‬
‫غيرهم من القواد‪ ،‬فصمموا على مبادرته‪ ،‬كما أن األمور قد سا ت بينه و بين ابنه المنتصر‬
‫ولي العهد ‪ ،‬فوضع يده مع األتراك لقتله‪.5‬‬

‫و أعدوا لذلك نف ار من أصاغر الترك منهم بغا الشرابي و باغرو موسى بن بغا‬
‫الكبير فدخلوا على المتوكل هو و وزيره الفتح بن خاقان‪ 6‬في ليلة من ليالي شوال سنة‬
‫‪247‬ه و قتلوهما‪.7‬‬

‫و قد أصبح األتراك بعد ذلك كل شي في الدولة و لم يعد للخلفا شي فقد‬


‫استولى األتراك منذ قتل المتوكل على المملكة و استضعفوا الخلفا فكان الخليفة في‬

‫‪ /1‬اليعقوبي ‪ ،‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬تح ‪ :‬عبد األمير مهنا ‪ ،‬شركة األعلمي للمطبوعات ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2151 ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 916‬‬

‫‪ /2‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬

‫‪ / 3‬المسعودي ‪ ،‬أبي الحسن على بن الحسين ‪ ،‬التنبيه و اإلشراف ‪ ،‬مر ‪ :‬عبد هللا إسماعيل الصادق ‪ ،‬مكتبة الشرق اإلسالمية‬
‫‪ ، 5442‬ص ‪. 353‬‬

‫‪ /4‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬

‫‪ /5‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 531‬‬

‫‪ /6‬الفتح بن خاقان ‪ :‬أبو محمد التركي ‪ ،‬شاعر مترسل بليغ استوزره المتوكل و فوض إليه إمرة الشام فبعث إليها نوابا عنه‪.‬‬
‫الذهبي‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ط‪ ،55‬تح‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬صالح السم ‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة ‪ ،‬بيروت ‪ ، 5446 ،‬ج‪ ،52‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /7‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪ . 221‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬

‫‪28‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫يديهم كاألسير‪ ،‬إن شا وا أبقوه ‪ ،‬و إن شا وا خلعوه ‪ ،‬و إن شا وا قتلوه‪.1‬‬

‫‪ -5‬فترة الفوضى العسكرية ‪ 197‬ه – ‪ 116‬ه ‪:‬‬

‫بداية لنهاية‬ ‫‪2‬‬


‫يعتبر مقتل الخليفة المتوكل ‪ 247‬ه على يد الجند األتراك سام ار‬
‫سلطة الخليفة و نهاية الخالفة العباسية ‪ ،‬حيث أصبح الخليفة من صنيع القادة العسكريين‬
‫األتراك الذين يعينوهم و يعزلونهم بقوة سيوفهم‪. 3‬‬

‫فكان قتل المتوكل أول حادثة اعتدا على الخلفا العباسيين‪ ،4‬فلم يقتل منهم من‬
‫قبل إال األمين بعد هزيمته في الحرب ‪ 728‬ه‪ ،‬و أدت إلى تثبيت سلطانهم‪ ،‬كما كانت‬
‫إنذار موجها لكل عباسي يعتلي الخالفة‪ ،‬إما أن يكون تحت اإلذعان التام ألهوائهم‪ ،‬أو القتل‬
‫فحدثت في سام ار في عام ‪ 248‬ه حركة شعبية عبرت عن استنكار العامة لعبثهم‬
‫بالخالفة‪.5‬‬

‫و قد بايع األتراك المنتصر ‪ 248 – 247‬ه و نصبوه خليفة‪ ،‬فكان خاضعا‬


‫لنفوذهم فكان تنصيبه ظاهريا فقط اقتصر على الخطبة و السكة‪ 6‬و قد خاف األتراك من أن‬
‫يلي المعتز و المؤيد ابني المتوكل الخالفة بعد المنتصر لينتقما لمقتل أبيه لذلك أمروا‬
‫المنتصر أن يخلعهما‪.7‬‬

‫‪ /1‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬

‫‪ /2‬خالد عزام ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ / 3‬فوزي أمين يحي‪ ،‬فتحي سالم حميدة ‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬عمان ‪ ، 2151 ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 59‬‬

‫‪ /4‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪ /5‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 569‬‬

‫‪ /6‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 569‬‬

‫‪ /7‬ابن خلدون ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 313‬‬

‫‪29‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫من والية العهد‪ ،‬فلم يتج أر الخليفة على االعتراض و أجبر أخويه على خلع نفسيهما‪ ،1‬و‬

‫هكذا أدرك المنتصر خطورة التسلط التركي فكرههم و أخذ يفكر في وضع حد لطغيانهم و‬

‫تدخلهم في شؤون الدولة و بقتل رلسائهم‪ 2‬و كان شغله الشاغل و لسان حاله يقول ‪:‬‬

‫" هؤال قتلة الخلفا " قتلني هللا إن لم أقتلهم و أفرق جمعهم "‪.3‬‬

‫و تنبه األتراك لهذا الخطر لذلك تخلصوا من الخليفة بواسطة الطبيب الطيفوري‬
‫الذي سمه بمشرط حجمه به في ربيع الثاني سنة ‪ 248‬ه‪.4‬‬

‫على اثر مقتل المنتصر برز قادة األتراك‪ ،‬أمثال بغا الكبير و بغا الصغير و‬

‫أتامش و وصيف‪ ،‬وقد اجتمع هؤال و بايعوا األحمد بن محمد المعتصم خليفة بلقب‬

‫المستعين باهلل ‪ 248‬ه – ‪ 252‬ه‪ .‬و كان غايتهم االستئثار بالسلطة دونه‪.5‬‬

‫و بدأ عهد المستعين بحدوث اضطرابات و تطاحن على السلطة‪ ،‬فنشبت نزاع بينه‬
‫و بين العامة و األتراك و انتهى بانتصار األتراك في إبقا المستعين في الخالفة‪.6‬‬

‫كما عين أتامش وزي ار له و بذلك يكون ألول مرة ينصب قائدا عسكريا وزي ار بعد‬

‫‪ /1‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 296 ، 291‬‬

‫‪ /2‬خالد عزام ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 566‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 223‬‬

‫‪ /4‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 592‬‬

‫‪ /5‬محمد الخضري بك ‪ ،‬محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية " الدولة العباسية" ‪ ،‬تح‪ :‬محمد العثماني‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪ ، 5426‬ص ‪311‬‬

‫‪ /6‬اليعقوبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 914‬‬

‫‪30‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫أن كان مدنيا و استطاع األتراك السيطرة على زمام الحكم فكان الخليفة مسلوب السلطة‪.1‬‬

‫لم تدم هذه الوحدة بين األتراك طويال حيث سرعان ما دب خالف بين زعمائهم و‬
‫انقسموا إلى حزبين متنافرين أحدهما يؤيد باغر التركي و األخر يؤيد وصيف و بغا‪،2‬‬
‫فاستغل المستعين هذه الخالفات و راح يتخلص من زعمائهم‪ ،‬فنفى أحمد بن الخصيب إلى‬
‫جزيرة كريت‪ ،3‬سنة ‪ 248‬ه و قتل أتامش سنة ‪ 242‬ه و باغر سنة ‪ 257‬ه ‪.4‬‬

‫فهرب المستعين إلى بغداد لالحتما بأهلها‪ ،‬فالتمسوا إليه الرجوع فأبى فأعلن‬
‫األتراك خلعه و بايعوا المعتز بالخالفة‪ ،‬و أصبح المستعين خليفة في بغداد و المعتز خليفة‬
‫في سام ار يعاضده األتراك‪.5‬‬

‫و نشبت الحرب بين الطرفين و حاصر األتراك بغداد و ضيقوا عليها نحو سنة‬
‫حتى اضطر الخليفة المستعين بالتنازل عن الخالفة على أن يضمنوا له العيش باطمئنان في‬
‫المدينة المنورة‪.6‬‬

‫غير أن أحد رجال الخليفة المعتز اغتاله سنة سنة ‪ 252‬ه في واسط و هو في‬
‫طريقه إلى الحجاز‪،7‬و قد مثل أحد الشع ار ضعف المستعين بقوله ‪:‬‬

‫‪ /1‬عبد الجبار ناجي و آخرون‪ ،‬الدولة العربية اإلسالمية في العصر العباسي ‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب ‪ ، 2116 ،‬ص‬
‫‪. 525‬‬

‫‪ /2‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬تاريخ اإلسالم السياسي و الديني و الثقافي و االجتماعي‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة ‪،‬‬
‫‪ ، 5446‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 59‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 214‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪ 263‬و ‪. 212‬‬

‫‪ /5‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 59‬‬

‫‪ /6‬رفيق المهايني ‪ ،‬تاريخ الخالفة األموية و العباسية ‪ ،‬دار اليقظة العربية ‪ ،‬دمشق ‪ ، 5496 ،‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /7‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ص ‪. 369 ، 362‬‬

‫‪31‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫بين وصيف و بغا‬ ‫خليفة في قفص‬

‫كما تقول الببغا‪.1‬‬ ‫يقول ما قاال له‬

‫بويع للمعتز بالخالفة سنة ‪ 252‬ه – ‪ 255‬ه‪ 2‬حيث قال ابن الطقطقى بويع‬
‫بالخالفة عقب خلع المستعين ‪ ...‬و لم يكن بسيرته و رأيه و عقله بأس ‪ 3"...‬و استفحل أمر‬
‫األتراك استفحاال عظيما و ازداد نفوذهم و كثرت اضطراباتهم و مطالبتهم للمال‪ ،‬و عجز‬
‫الخليفة عن تلبيتها مما أدى إلى خلعه و تقديم أخيه المؤيد‪ ،‬لكن الخليفة أجبر أخاه على‬
‫خلع نفسه ثم قتله‪ ،‬و تخلص من بعض زعما األتراك مثل وصيف و بغا‪.‬‬

‫و عندما أدرك األتراك بخطورة األمر تحركوا للمحافظة على مصالحهم فأرغموا‬
‫‪4‬‬
‫الخليفة على خلع نفسه و اسندوا الخالفة إلى محمد بن الواثق و لقب بالمهتدي"‬

‫"و سلموا المعتز إلى من يعذبه فمنعه الطعام و الشراب ثالثة أيام فطلب حسوة (جرعة) من‬
‫ما البئر فمنعوه ‪ ،‬ثم أدخلوه سردابا و حصحصوا عليه (أي جعلوه في بيت وسدوا عليه)‪،‬‬
‫فمات سنة ‪ 255‬ه"‪.5‬‬

‫تولى المهتدي الخالفة بعدد وفاة أخيه ‪ 255‬ه – ‪ 256‬ه و كان من أحسن‬
‫الخلفا سيرة‪ ،‬و أظهرهم ورعا‪ ،‬و أكثرهم عبادة‪ ،6‬و كان يتشبه بعمر بن عبد العزيز و يقول‪:‬‬

‫‪ /1‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 221‬‬

‫‪ /2‬محمد الخضري بك ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 351‬‬

‫‪ /3‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 293‬‬

‫‪ /4‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ص ‪. 345 – 324‬‬

‫‪ /5‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /6‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬علي إبراهيم حسن ‪ ،‬النظم اإلسالمية ‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬مصر ‪ ، 5434 ،‬ص ‪. 62‬‬

‫‪32‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫" إني استحق أن يكون في بني أمية مثله و ال يكون مثله في بني العباس"‪1‬و كان يجلس‬
‫في المظالم فيحكم بين الناس بالعدل فبنا قبة لها أربعة أبواب سماها قبة المظالم‪ ،‬و أمر‬
‫بالمعروف و نهى عن المنكر و حرم الشراب‪ ،‬و نهى عن القيان و أظهر العدل‪ ،‬و كان‬
‫يحضر كل جمعة إلى المسجد الجامع و يخطب و يؤم بهم فثقلت وطأته على العامة و‬
‫الخاصة بحملهم إياهم على الطريق الواضحة‪ ،‬فاستطالوا خالفته و سئموا أيامه و عملوا‬
‫الحيلة حتى قتلوه"‪.2‬‬

‫و كان قد مضى مثل ابن عمه المعتز يفتك برلسا األتراك و قادتهم و في‬
‫مقدمتهم صالح بن وصيف و بايكباك أحد زعمائهم‪ ،‬فقتلوه في رجب سنة ‪ 256‬ه بعد أن‬
‫شغبوا عليه األتراك و هاجووا عليه و أخذوه أسي ار و عذبوه فخلعوه و مات‪.3‬‬

‫‪ -1‬فترة االستقرار السياسي المؤقت من سنة ‪ 116‬ه – ‪ 141‬ه ‪:‬‬

‫بويع المعتمد بن المتوكل بالخالفة ‪ 256‬ه – ‪ 272‬ه و في عهده غلب أخوه‬


‫الموفق‪4‬حيث يقول ابن الطقطقى‪ " :‬كان المعتمد مستضعفا و كان أخوه الموفق طلحة‬
‫الناصر هو الغالب على أموره‪ ،‬و كانت دولة المعتمد دولة عجيبة الوضع‪ ،‬كان هو و أخوه‬
‫الموفق طلحة كالشريكين في الخالفة للمعتمد الخطبة و السكة و التمس بإمرة المؤمنين‪ ،‬و‬
‫ألخيه طلحة األمر و النهي و قيادة العساكر و محاربة األعدا و مرابطة الثغور و ترتيب‬
‫الوز ار و األم ار و كان المعتمد مشغوال عن ذلك بلذاته"‪.5‬‬

‫‪ /1‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 296‬‬

‫‪ /2‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 592‬‬

‫‪ /3‬اليعقوبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 913‬‬

‫‪ /4‬محمود شاكر ‪ ،‬المرجع السابق ج‪ ، 2‬ص ‪. 61‬‬

‫‪ /5‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪33‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و كان الخليفة المعتمد على حد قول السيوطي‪ " :‬هو أول خليفة قهر و حجر‬
‫عليه و وكل به"‪.1‬و استطاع الموفق أن يخمد الكثير من الثورات و الفتن التي قامت في‬

‫زمن المعتضد خاصة ث ورة الزنج و القضا عليها و بذلك رد إلى الخالفة العباسية هيبتها‪ ،‬و‬
‫كسر شوكة األتراك‪.2‬‬

‫توفي الموفق سنة ‪ 278‬ه و اجتمع القواد و بايعوا ابنه العباس بوالية العهد بعد‬
‫المفوض ابن المعتمد و لقبوه المعتضد باهلل ‪ 272‬ه – ‪ 282‬ه ‪.3‬‬

‫و كان شهما جلدا‪ ،‬هابه الناس و رهبوه و سكنت الفتن في أيامه‪ ،‬و عم الرخا‬

‫‪5‬‬
‫و األمن و رفع الظلم عن الرعية‪ ،4‬و كان يسمى السفاح الثاني ألنه جدد ملك بن العباس‬
‫و انتعشت الخالفة في عهده و استمر تراجع نفوذ األتراك ‪.‬‬

‫و توفي الخليفة المعتضد سنة ‪ 282‬ه تولى المكتفي ‪ 282‬ه – ‪ 225‬ه‪،6‬و في‬
‫زمنه تأخرت حالة البالد بعد أن ابتدأت تنتعش في زمن الموفق و ابنه المعتضد و يعود‬

‫سبب هذا التأخر إلى ظهور المنافسات بين ذوي النفوذ و من وز ار و قواد الدولة و اشتداد‬
‫أمر القرامطة‪ ،7‬إال أنه حاول التقرب من قلوب الرعية بهدم السجون التي شيدت في عهد‬

‫‪ /1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 241‬‬

‫‪ /2‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 51‬‬

‫‪ /3‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 23 ، 22‬‬

‫‪ /4‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 243‬‬

‫‪ /5‬ابن الكازروني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ /6‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬علي إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /7‬رفيق المهايني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 541‬‬

‫‪34‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫أبي ه و بنا مساجد مكانها ورد األراضي و البساتين بعد أن اغتصبها سلفه فاكتسب محبة‬
‫الناس‪.1‬‬

‫و في عهده سقطت الدولة الطولونية ‪ 222‬ه و أصبحت مصر تابعة للخالفة‬


‫العباسية‪ ،‬و انتهى حكم األغالبة في افريقية على يد أبي عبد هللا الشيعي داعية الفاطميين‪،‬‬
‫و في عهده كانت العالقة حسنة مع البيزنطيين في بادئ األمر و تبادلت الهدايا بين‬
‫الطرفين‪ ،2‬و حصل فدائيين في زمنه‪ 3‬ثم توترت العالقات و استولى المسلمون على إنطاكية‬
‫و غنموا من البزنطيين مغانم كثيرة‪.4‬‬

‫توفي المكتفي باهلل سنة ‪ 225‬ه و عهد من بعده ألخيه المقتدر‪ 5‬و يعتبر المكتفي‬
‫باهلل آخر خلفا االستقرار المؤقت الذي كان بوفاته عودة لتغلب األتراك على السلطة‪.6‬‬

‫لقد شهد عصر االستقرار المؤقت قوة الخلفا و هيبتهم و استرجاع السلطة الدولة‬
‫العباسية فكان ذلك في عهد المعتمد و المعتضد و المكتفي ( ‪ 256‬ه – ‪ 225‬ه ) التي‬
‫تعتبر ثورة الخلفا على المسلطين فلم تكن لألتراك أمال أو جهود لزعزعة استقرار و كيان‬
‫الدولة العباسية‪.7‬‬

‫‪ /1‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 244 ، 242‬‬

‫‪ /2‬محمد الخضري بك ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 313‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /4‬األزدي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 321‬‬

‫‪ /5‬ابن الجوزي ‪ ،‬ابي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد‪ ،‬المنتظم في تاريخ الملوك و األمم ‪ ،‬تح‪ :‬محمد عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬مر‪ :‬نعيم زرزور‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 5442 ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 14‬‬

‫‪ /6‬محمود ‪ ،‬الشريف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 314‬‬

‫‪ / 7‬مساعد بن مساعد محمد الصوفي ‪ ،‬العوامل السياسية و أثرها في ضعف الخالفة العباسية‪ ،‬مذكرة لنيل درجة الماجستير‬
‫في التاريخ اإلسالمي ‪ ،‬إشراف ‪ :‬ض يف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬قسم الدراسات العليا التاريخية و الحضارية ‪ ،‬كلية الشريعة‬
‫و الدراسات اإلسالمية ‪ ،‬جامعة أم القرى ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪ ، 2112 ،‬ص ‪. 34‬‬

‫‪35‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫‪ -1‬فترة الفوضى السياسية مرة أخرى ‪ 141‬ه – ‪ 119‬ه ‪:‬‬

‫تولى الخالفة المقتدر ‪ 225‬ه – ‪ 323‬ه و عمره ثالث عشرة سنة فلم يرقى بذلك‬
‫للناس لصغر سنه‪ ،1‬لما أعلن خبر البيعة للناس ثاروا و على رأسهم القواد و الكتاب و طلبوا‬
‫خلع المقتدر‪ ،‬و تولية عبد هللا بن المعتز‪ ،2‬فخلعوه و بايعوا ابن المعتز‪ ،‬و تخلف عن البيعة‬
‫ابن الفرات‪3‬و خواص المقتدر و بعض القواد مثل مؤنس الخادم‪،4‬و أراد المقتدر أن يترك‬
‫بغداد فمنعه أصدقاله و أشاروا عليه بالقتال‪.5‬‬

‫و في مسا تلك الليلة صعدوا إلى الدار التي فيها ابن المعتز و هجموا عليه‬
‫فتفرق عنه أصحابه‪ ،‬فخرج ابن المعتز من بغداد و معه وزيره محمد بن داود بن الجراح‪ ،‬و‬
‫رجع المقتدر للعرش‪ ،‬و ما لبث أن قبض على ابن المعتز هو و أعوانه و قتلهم‪.6‬‬

‫و ا ضطربت األمور في دار الخالفة و كثر النهب و القتل و اختل األمن‪ ،‬و دخل‬
‫اللصوص الدور و اعتدوا على األموال و األعراض و تدخل النسا في الحكم‪.7‬‬

‫و عاد األتراك إلى نفوذهم و زاد األمر سو ا أن أم المقتدر شغب و هي أم ولد‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 53‬ص ‪. 61‬‬

‫‪ /2‬عبد هللا بن المعتز ‪ :‬كان أديبا‪ ،‬بليغا شاعرا‪ ،‬مجودا ومقتدرا على الشعر‪ ،‬سهل اللفظ‪ ،‬جيد القريحة حسن االختراع‬
‫للمعاني‪ .‬المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪ ، ...‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 233‬‬

‫‪ / 3‬ابن الفرات ‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات وزير المقتدر باهلل وزر له ثالث دفعات األولى‬
‫سنة ‪ ،246‬و الثانية سنة ‪ 319‬و الثالثة ‪ .355‬توفي سنة ‪ 352‬بعد قتله من طرف نازوك صاحب الشرطة‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬أبي‬
‫العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر‪ ،‬وفيات األعيان و أنباء أبناء الزمان‪ ،‬تح‪ :‬إحسان عباس ‪ ،‬دار صادر ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ص ‪. 923 ، 925‬‬

‫‪ /4‬مؤ نس الخادم ‪ :‬الخادم األكبر الملقب بالمظفر المعتضدي‪ ،‬أحد الخدام الذين بلغوا رتبة الملوك‪ ،‬و ولي دمشق للمقتدر‪،‬‬
‫رحاب المقتدر‪ ،‬توفي سنة ‪ .325‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 16‬‬

‫‪ / 5‬حسن خليفة ‪ ،‬الدولة العباسية قيامها و سقوطها ‪ ،‬المكتبة الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪. 524‬‬

‫‪ /6‬محمد الخضري بك ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 312 ، 311‬‬

‫‪ /7‬حسن خليفة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 541‬‬

‫‪36‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫رومية شاركت مؤنسا في تصريف شؤون الحكم و السياسة‪.1‬‬

‫و اقدر وصف على تصوير وضع المقتدر ما ذكره المسعودي‪ ،‬حيث قال‪" :‬‬
‫أفضت الخالفة إليه و هو صغير غر ترف‪ ،‬لم يعان األمور‪ ،‬و ال وقف على أحوال الملك‪،‬‬
‫فكان األم ار و الوز ار و الكتاب يديرون األمور‪ ،‬و ليس له في ذلك حل و ال عقد‪ ،‬و ال‬
‫يوصف بتدبير و ال سياسة‪ ،‬و غلب على األمر النسا و الخدم و غيرهم‪ ،‬و ذهب ما كان‬
‫في خزائن الخالفة من األموال و العدد بسو التدبير الواقع في المملكة‪ .‬فأدى بذلك الى سفك‬
‫دمه‪ ،‬و اضطربت األمور بعده‪ ،‬و زال كثير عن رسوم الخالفة"‪.2‬‬

‫و في هذا المجال ال بد من اإلشارة كيف كان أصحاب النفوذ في الدولة يرون‬


‫الحجر على من يرشح للخالفة‪ ،‬لينشأ جاهال غرا‪ ،‬فينصرف إلى لهوه و لذته‪ ،‬و يترك لهم‬
‫أمور الخالفة‪ ،3‬سنذكر مثاال على ما ذكره الصولي أنه لما عهد إليه بتربية الراضي باهلل و‬
‫أخيه هارون فكان يلقاهما مرتين في األسبوع‪ ،‬و قد رآهما فطنين عاقلين‪ ،‬إال أنهما خاليان‬
‫من العلوم فحبب الصولي العلم إليهما و اشترى لهم من كتب الفقه و الشعر و اللغة و‬
‫األخبار الكثير‪ ،‬حتى تنافسا في العلم‪ ،‬و عمل كل واحد منهما خزانة لكتبه و ق أر األشعار و‬
‫األخبار على الصولي‪.4‬‬

‫و تقدم األخير في تعليمها‪ ،‬فقيل له على لسان أهل القصر ‪ " :‬ما نريد أن يكون‬
‫أوالدنا أدبا و ال علما و هذا أبوهما قد رأينا كل ما نحب فيه و ليس بعالم "‪.5‬‬

‫‪ /1‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬

‫‪ /2‬التنبيه و اإلشراف ‪ ،‬ص ‪. 322‬‬

‫‪ /3‬أمينة بيطار‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 231‬‬

‫‪ /4‬الصولي أبي بكر محمد بن يحي‪ ،‬أخبار الراضي باهلل و المتقي هلل من كتاب األوراق‪ ،‬ط‪ ،2‬تح‪ :‬ج‪ ،‬هيورت‪ ،‬د ن ‪ ،‬دار‬
‫الميسرة‪ ،‬بيروت‪ ، 5414 ،‬ص ‪.21 ،26‬‬

‫‪ /1‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.231‬‬

‫‪37‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و هذا ما يدل على أن شخصيات معينة في القصر يحاولون إبقا الخليفة في وضع‬
‫الضعيف المنفذ لطلباتهم‪.1‬‬

‫حيث اشتهر الخليفة المقتدر بعزل وزرائه و القبض عليهم و الرجوع الى قول‬
‫النسا و الخدم و التصرف على مقتضى آرائهن‪ .2‬حيث أصبح األمر و النهي بيد أمه إذ‬
‫بلغ من نفوذها أنها إذا غضبت هي أو قهرماناتها من أحد الوز ار كان مصيره العزل بل و‬
‫استطاعت تعيين قهرمانتها ( ثومال) صاحبة المظالم فتسمع شكاوي في أيام الجمع‪.3‬‬

‫و وقعت الوحشة بين المقتدر و مؤنس مع سخط الجند بسبب رواتبهم و يتفاقم‬
‫األمر بينهم سنة ‪ 377‬و يعزل الخليفة و يولي أخوه محمد و يلقب القاهر‪ ،4‬و طلب الجند‬
‫أرزاقهم وقت االحتفاالت بتقليد القاهر ثم ردوا المقتدر إلى دار الخالفة و عزلوا القاهر‪.5‬‬

‫و لم يمض على عودته للخالفة حتى خرج عليه مؤنس مرة ثانية سنة ‪ 323‬ه و‬
‫حاربه بجنده الذين كانوا يتكونون من البربر‪ .‬و انتهى األمر بقتله على يد أحدهم و ذبحهم‬
‫إياه و سلب مالبسه‪ ،‬و تركت جثته مكشوفة العورة بضعة أيام ثم دفن في الموضع الذي‬
‫مات فيه‪.6‬‬

‫‪ /1‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 231‬‬

‫‪ /2‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬علي إبراهيم حسن‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 15‬‬

‫‪ /3‬المسعودي ‪ ،‬التنبيه و اإلشراف ‪ ،‬ص ‪. 324 ، 322‬‬

‫‪ /4‬ابن كثير‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 31‬‬

‫‪ /5‬ابن الجوزي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 53‬ص ‪. 63‬‬

‫‪ /6‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 313‬‬

‫‪38‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫ت ولى بعد المقتدر أخوه أبو منصور محمد و لقب " القاهر باهلل" ‪323‬ه –‬
‫و كان ال‬ ‫‪2‬‬
‫‪322‬ه‪ ، 1‬و كان شجاعا غير أنه كان أحمق أهوج شديد اإلقدام على سفك الدما‬
‫يكاد يصحو من السكر و مع ذلك حرم الناس الخمر و السماع‪.3‬‬

‫و في عهده انتشرت الفتن و شغبت عليه الجند‪ ،‬و عول كبار رجال دولته و قائده‬
‫مؤنس و وزيره ابن مقلة‪ 4‬على خلعه‪ ،‬فهجموا عليه و سملوه‪5‬فسالت عيناه على خده ثم‬
‫حبس‪ ، 6‬و أصبح يفرج عنه حينا و يحبس حينا آخر‪ ،‬و ذكر ابن الطقطقى أن القاهر‪" :‬‬
‫خرج يوما و وقف بجامع المنصور يطلب الصدقة من الناس‪ ،‬و قصد بذلك التشنيع على‬
‫المستكفى فرآه بعض الهاشميين فمنعه من ذلك و أعطاه خمسمائة درهم"‪.7‬‬

‫و لما علم المستكفي بذلك منعه من الخروج فظل محبوسا إلى أن مات في جمادى‬
‫األولى سنة ‪ 332‬ه و ذلك في عهد الخليفة الطائع ‪.8‬‬

‫‪ -9‬فترة إمرة األمراء ‪ 119‬ه ‪ 119‬ه‪:‬‬

‫أ‪ /‬خالفة الراضي ‪:‬‬

‫بويع أبو العباس أحمد بن المقتدر بالخالفة بعد خلع القاهر في ‪ 5‬جمادى األولى‬

‫‪ /1‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /2‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 216‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 316‬‬

‫‪ /4‬ابن مقلة‪ :‬أبو علي محمد بن علي بن الحبيب بن مقلة الكاتب المشهور‪ ،‬استوزر المقتدر و وزير لراضي سنة ‪ 322‬توفي‬
‫سنة ‪ ،322‬ابن خلكان‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 553‬و ‪. 551‬‬

‫‪ /5‬سمل‪ :‬العين فقؤها بحديد محماة‪ ،‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬علي إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /6‬ابن الكازروني ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 516‬‬

‫‪ /7‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 216‬‬

‫‪ /8‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 314‬‬

‫‪39‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫سنة ‪322‬ه و اعتلى العرش و تلقب بالراضي‪ ،‬و قد أخرجه القواد من السجن و بايعوه‬
‫بالخالفة‪.1‬‬

‫و وصف لنا صاحب الفخري ما امتاز به الخليفة الراضي قال‪ " :‬ختم الخلفا في‬
‫أشيا منها‪ " :‬أنه آخر خليفة دون له شعر‪ ،‬و آخر خليفة انفرد بتدبير الملك‪ ،‬و آخر خليفة‬
‫خطب على منبر يوم الجمعة‪ ،‬و آخر خليفة جالس الندما و وصل إليه العلما "‪ 2‬قال‬
‫الصولي‪ " :‬سئل الراضي أن يخطب يوم جمعة فصعد المنبر سر من رأى‪ ،‬فحضرت أنا و‬
‫إسحاق بن المعتمد فلما خطب شنف األسماع و بالغ في الموعظة"‪.3‬‬

‫و قد ازدادت الحالة اضطرابا في عهده و ضعفت الخالفة العباسية من البلدان‬


‫القريبة و انتهز حكام األقاليم و الوالة فرصة هذا الضعف و االضطرابات فوسعوا نفوذهم و‬
‫استقلوا بإماراتهم‪.4‬‬

‫فقد ازدادت شوكة على بن بويه في فارس‪ ،‬و أصبحت الري و أصبهان و بالد‬
‫الجبل في يد أخيه الحسن بن بويه‪ ،‬كما استقل بنو حمدان بالموصل و ديار بكر و ديار‬
‫ربيعة و مض ر‪ ،‬أما مصر و الشام فقد استقل بإدارتهما محمد بن طفج االخشيد‪ ،‬و استقل‬

‫بخراسان نصر بن أحمد الساماني‪ .‬و لم تكن المغرب أحسن حال من المشرق‪.5‬‬

‫‪ /1‬مسكويه‪ ،‬أبي علي أحمد بن محمد بن يعقوب‪ ،‬تجارب األمم و تعاقب الهمم‪ ،‬تح‪ :‬سيد كسروي حسن‪ ،‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫لبنان ‪ ، 2113 ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ /2‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 221‬‬

‫‪ /3‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 233‬‬

‫‪ /4‬حسن خليفة‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 541‬‬

‫‪ /5‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 221‬‬

‫‪40‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫فقد أعلن عبد الرحمن الثالث األموي ( ‪353-333‬ه) باألندلس خليفة و تلقب بلقب أمير‬
‫المؤمنين الناصر لدين هللا‪ ،‬و نشطت الدولة العبيدية في بالد المغرب و زحفت نحو مصر‬
‫تحاول االستيال عليها و هدد الروم الثغور اإلسالمية و غزو البالد‪.1‬‬

‫و أصبح العالم اإلسالمي في ذلك الوقت ثالث خالفات‪ ،‬الخالفة العباسية في‬
‫بغداد و الخالفة الفاطمية في بالد المغرب‪ ،‬و الخالفة األموية في األندلس‪.2‬‬

‫كما اختلت أمور الدولة في عهده حيث استوزر في الو ازرة رجال لم يقوموا بأي‬
‫عمل في سبيل إصالح شؤون البالد و إقالتها من عثرتها‪.3‬‬

‫ب‪ /‬ظهور منصب إمرة األمراء‪:‬‬

‫و يعتبر ظهور منصب إمرة األم ار من مستجدات األمور السياسية في البلد حيث‬
‫نرى أن هذا المنصب يجمع بين رئاسة الجيش و الخزينة المالية و الدواوين و هكذا أصبح‬
‫هذا المنصب فوق الو ازرة بل أبطلها‪.4‬‬

‫ازداد نفوذ قادة األتراك في عهد الراضي ( ‪322-322‬ه) حيث و بدأ الصراع‬
‫الثالثي بينهم و بين الخليفة الوزير و بد عجز الوز ار عن إدارة الدولة نتيجة لهذا التسلط و‬
‫أمام االضطرابات في العالقات بين كبار رجال الدولة‪ ،‬و الستث ار األزمة المالية في عهد‬
‫الخليفة الراضي‪.5‬‬

‫‪ /1‬حسن خليفة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 541‬‬

‫‪ /2‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬علي إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬

‫‪ /3‬حسن خليفة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 541‬‬

‫‪ /4‬فوزي أمين يحي ‪ ،‬فتحي سالم حميدة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /5‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 236‬‬

‫‪41‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫أدت هذه األحداث إلى ظهور منصب أمير األم ار الذي سيطر متقلده على مقاليد‬
‫الحكم و امتدت صالحياته الى الضرائب و اإلدارة فهيمن على الخالفة حتى أضحى الخليفة‬
‫مجرد رمز‪ ،‬و لم يعد له من صالحيات فعلية في ممارسة الحكم‪ ،‬و أزال نفوذ الوز ار ‪ ،‬و‬
‫توقف الصراع بين الخالفة و األتراك الذي شغل جانبا كبي ار من العصر العباسي الثاني‪.1‬‬

‫و ابتدأ هذا المنصب بالظهور في عام ‪324‬ه على حساب منصب الو ازرة و ذلك‬
‫نتيجة األوضاع المتردية للخالفة بضعف الوز ار و بعجز األتراك‪ ،‬و فراغ الخزينة فأخذت‬
‫تتطلع من الحكام اإلمارات القريبة من العراق لتستعين بهم على إنقاذ الموقف الذي بلغ‬
‫خطورة كبيرة‪.2‬‬

‫استدعى الخليفة الراضي محمد بن رائق‪ 3‬أمير واسط و البصرة و سلمه مقاليد‬
‫األمور‪ ،‬و أطلق يده في سلطات الدولة كلها و لقبه أمير األم ار ‪ .‬و هذا المنصب هو عبارة‬
‫عن نقل كل سلطات الخليفة إلى قائد تتوفر فيه صفات الرئاسة المدنية و القيادة العسكرية‪.4‬‬

‫و أصبح هذا المنصب من المناصب التي يتنافس عليها األتراك‪ ،‬و طغى صاحبه‬
‫على الخليفة و قال ابن طباطبا متحدثا عن وضع الخليفة و الوزير مع أمير األم ار ابن‬
‫رائق‪ " :‬استبد ابن رائق أمير األم ار باألمور‪ ،‬و ولى النظار و العمال و رفعت المطالعات‬
‫إليه‪ ،‬و رد الحكم في جميع األمور إلى نظره‪ ،‬و لم يبق للوزير سوى االسم من غير حكم‬

‫‪ /1‬محمد سهيل طقوش‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 564‬‬

‫‪ /2‬خالد عزام ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /3‬محمد بن رائق‪ :‬قدم دمشق في ذي الحجة سنة ‪ ،321‬و ذكر أن اإلمام المقتفي باهلل واله أمر دمشق‪ ،‬و أخرج منها بدر بن‬
‫عبد هللا األخشيدي‪ ،‬ثم توجه الى مصر و تواقع هو و صاحبها محمد بن طفج األخشيد فهزمه األخشيد فرجع إلى دمشق‪ ،‬ثم‬
‫توجه إلى بغداد و قتل بالموصل سنة ‪ 331‬من طرف ناصر الدولة الحسن‪ .‬ابن خلكان‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 552‬‬

‫‪ /4‬مسكويه ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 542‬‬

‫‪42‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و ال تدبير‪ ،‬و من تلك األيام اضطهدت الخالفة العباسية‪ ،‬و خرجت األمور منها ‪. 1"...‬‬

‫و استولى األعاجم و األم ار و أرباب السيوف على الدولة‪ ،‬و جبوا األموال‪ ،‬و‬
‫كفوا يد الخل يفة و قرروا له شيئا يسيرا‪ .‬و لذلك عجز عن سد أرزاق الجند و الحصول على‬
‫ما يكفي نفقاته‪.2‬‬

‫و أصبح هذا المنصب مجاال للمنافسة و إثارة البلبلة بدال من تهدئة األوضاع‪ .‬فقد‬
‫نافس بجكم‪،3‬أحد قواد ابن رائق سيده و هزمه و دخل بغداد و حل مكانه في إمرة األم ار ‪.4‬‬

‫و تجلى االضطراب في العراق في والية بجكم لمحاولة ابن رائق استعادة منصبه‬
‫فتوسط الخليفة بينهما و أبقى بجكم معه كأمير األم ار ‪ ،‬و جعل ابن رائق واليا على الشام‪ .‬و‬
‫بقي بجكم في منصبه إلى أن توفي الخليفة الراضي باهلل‪.5‬‬

‫و قد وصف ابن األثير أوضاع دولة الخالفة العباسية في عهد الراضي فقال‪:‬‬
‫" ‪ ...‬و لم يبق للخليفة غير بغداد و أعمالها و الحكم في جميعها البن رائق ليس للخليفة‬
‫حكم و أما باقي األطراف‪ ،‬فكانت البصرة في يد ابن رائق‪ ،‬و خوزستان في يد البريدي‪ ،‬و‬
‫فارس في يد عماد الدولة بن بويه‪.6‬‬

‫‪ /1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪ /2‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪ /3‬بجكم التركي‪ :‬تولى إمرة األمراء و كان عاقال يفهم بالعربية و ال يتكلم بها و كان يحب العلم و أهله كثير الصدقات ابتدأ‬
‫بعمل مارستان ببغداد فلم يتم‪ ،‬فجدده عضد الدولة بن بوية توفي لسبع بقين من رجب ‪324‬ه‪ .‬ابن كثير‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬‬
‫ج‪ ،56‬ص ‪. 536 ، 531‬‬

‫‪ /4‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 532‬‬

‫‪ /5‬الصولي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ . 514‬مسكويه ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 221 ، 254‬‬

‫‪ /6‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 523‬‬

‫‪43‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و كرمان في يد أبي علي محمد بن الياس‪ ،‬و الري و أصفهان و الجبل في يد‬
‫‪1‬‬
‫ركن الدولة بن بويه ‪"...‬‬

‫توفي الراضي سنة ‪322‬ه فخلفه إبراهيم بن المقتدر بلقب المتقي هلل (‪-322‬‬
‫‪333‬ه)‪ 2‬و في عهد قتل أمير األم ار بحكم على يد بعض األكراد فعاد ابن رائق إلى بغداد‬
‫و تسلم منصب أمرة األم ار ‪.3‬‬

‫لم تكن أيضا األمور لصالح فقد نافسه هذه المرة أبو عبد هللا البريدي‪ ،‬و هزمه في‬
‫معركة عسكرية‪ ،‬و نهب البريديون دار الخالفة‪ ،‬و فعلوا ما لم يفعله أحد قبلهم‪ .‬و فر الخليفة‬
‫مع ابنه و محمد ابن رائق للموصل لطلب المساعدة من الحسن بن عبد هللا بن حمدان‪4‬و‬
‫يبدو أنه طمع بمنصب أمرة األم ار فأرسل أخاه أبا الحسين علي بن عبد هللا‪5‬مع الخليفة و‬
‫اغتال ابن رائق مبر ار فعلته بتآمر ابن رائق عليه‪.6‬‬

‫و أصبحت أمرة األم ار بيد العرب بشخص ناصر الدولة بن حمدان حسب اللقب‬
‫الجديد الذي حصل عليه من المتقي هلل ‪ .‬كما أطلق على أخيه سيف الدولة‪ ،‬فلم يعمل ناصر‬
‫الدولة على حماية حقوق الخليفة بل استأثر بالسلطة و ضيق عليه و على أهل داره في‬

‫‪ /1‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 523‬‬

‫‪ /2‬الصولي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 526 – 523‬‬

‫‪ /3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 221 ، 541‬‬

‫‪ / 4‬الحسن بن عبد هللا بن حمدان بن حمدون بن الحارث ناصر الدولة ‪ ،‬أخو الملك سيف الدولة‪ ،‬ابنا األمير أبي الهجاء‪ ،‬كان‬
‫أكبر من أخيه سنا و قدرا و هو الذي قتل محمد بن رائق و كان يداري بني بويه مات في سنة ‪ 312‬ه‪ .‬الذهبي‪ ،‬المصدر‬
‫السابق ‪ ،‬ج‪ ،56‬ص ‪. 521 ،526‬‬

‫‪ / 5‬أبو الحسن علي بن عبد هللا بن حمدان صاحب حلب سيف الدولة‪ ،‬كان أديبا فيه التشيع مات سنة ‪316‬ه ‪ ،‬المصدر نفسه‪،‬‬
‫ج‪ ، 56‬ص ‪. 522 ، 521‬‬

‫‪ /6‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 356‬‬

‫‪44‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫النفقات و انتزع ضياعه و ضياع والدته‪ ،‬ثم ترك بغداد و عاد إلى الموصل‪.1‬‬

‫أصبح منصب أمرة األم ار فارغا و كان الخليفة بحاجة إلى حماية من البريديين‪،‬‬
‫فاستنجد بتوزون و دخل بغداد في رمضان سنة ‪337‬ه و خلع عليه و أعطاه أمرة األم ار‬
‫فلم يكن مخلصا للخليفة‪ ،‬فالتجأ إلى ابن حمدان ثانية‪. 2‬‬

‫و من عاصمة الحمدانيين استنجد بمحمد بن طفج األخشيد‪ ،3‬كما سعى لمصالحة‬


‫توزون‪ ،‬و ذلك البن ابن حمدان لم يحسن استقبال الخليفة و ضجر و شعر بملل منه‪ ،‬كما‬
‫أنه لم يستطع التغلب على توزون‪.4‬‬

‫رحل الخليفة إلى بغداد و معه توزون بعد أن آمنه في محرم سنة ‪333‬ه‪ ،‬لكنه ما‬
‫لبث أن قبض عليه و سلمه و سجنه‪ ،‬و بايع ابن المكتفي بلقب المستكفي باهلل ( ‪-333‬‬
‫‪. 5)334‬‬

‫ساعده على فعلته الخالف و التنافس بين أفراد البيت العباسي للوصول إلى‬
‫الحكم‪ ،‬باإلضافة إلى دسائس النسا ‪ ،‬و تفضيل األتراك لمرشح دون األمر لتحقيق‬
‫مصالحهم‪.6‬‬

‫‪ /1‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪. 352 ،‬‬

‫‪ /2‬الصولي المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 299‬‬

‫‪ / 3‬محمد بن طفج األخشيد‪ :‬هو أبو بكر محمد بن أبي محمد طفج و تفسيره عبد الرحمان ابن جف بلتكين بن فوران‬
‫الفرغاني األصل‪ ،‬صاحب س رير الذهب المنعوت باألخشيد صاحب مصر و الشام و الحجاز‪ ،‬أصله من أوالد ملوك فرغانة‬
‫ابن خلكان‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 16‬‬

‫‪ /4‬الصولي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ،296‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 353‬‬

‫‪ /5‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق‪،‬ج‪ ،56‬ص ‪.556‬‬

‫‪ /6‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 95 – 91‬‬

‫‪45‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫بقي توزون أمير األم ار في عهد المستكفي المغلوب على أمره‪ ،1‬و انتقلت إمرة‬
‫األم ار بعد وفاته سنة ‪ 334‬ه إلى كاتبه شير زاد‪ ،‬و لم يكن أفضل منه فقد لجأ إلى مصادرة‬
‫أموال الناس ليزيد في أرزاق الجند‪ ،‬و فرض األموال على الكتاب و العمال و التجار و أفراد‬
‫الشعب و ازدادت الضرائب ‪.‬‬

‫و استا كثير من قواد بغداد فدعوا أحمد بن بويه‪ 2‬فرحل من األهواز قاصدا بغداد‬
‫في ‪ 77‬جمادى األولى سنة ‪334‬ه حيث قابل الخليفة و احتفى به‪ ،‬و خلع عليه‪ ،‬و منحه‬
‫إمرة األم ار و لقبه عز الدولة‪.3‬و ينتهي بهذا عصر نفوذ األتراك ليبدأ عصر جديد هو‬
‫عصر سيطرة البويهيين‪.4‬‬

‫‪ /1‬المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 229 – 223‬‬

‫‪ / 2‬أحمد بن بويه‪ ،‬أبو الحسين أحمد بن بويه بن فنا خسر و بن تمام بن كوهي الديلمي الفارسي تملك العراق‪ ،‬و كان يتشيع و‬
‫مات مبطونا‪ ،‬فعهد الى ابنه عز الدولة و مات ‪316‬ه‪ ،‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،56‬ص ‪.541 ، 524‬‬

‫‪ /3‬ابن األثير‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ص ‪. 211 ، 211‬‬

‫‪ /4‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.291‬‬

‫‪46‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬الثورات الداخلية‪:‬‬

‫‪ /5‬ثورة الزنج ‪.‬‬

‫بعد مقتل المتوكل على هللا سنة ‪247‬ه‪ ،‬دخلت الدولة العباسية في جحيم من‬
‫الفوضى و االضطرابات السياسية الشديدة و جملة من الحروب و الفتن و الثورات و خاصة‬
‫ثورة الزنج التي دارت أحداثها و رحالها في العصر العباسي الثاني للخالفة العباسية ‪255‬ه‬
‫– ‪273‬ه‪ 1‬إذ كانت هذه الحركة أخطر الحركات التي هددت كيان الدولة العباسية في‬
‫الصميم و أشغلتها حوالي أربعة عشر عاما‪.2‬‬

‫فالزنج هم طائفة من العبيد األفارقة و العناصر السودا التي كثرت في العراق‪ ،‬و‬
‫الذين كانوا يجلبون في األكثر من سواحل إفريقيا الشرقية‪ ،‬كلفوا باألعمال الشاقة دون أن‬
‫يتقاضوا أج ار سوى قليل من التمر و الدقيق يقتاتون به‪.3‬‬

‫و كما يدل اسم هذه الثورة فهي ثورة العبيد في وجوهي أسيادهم جا ت لتحرير‬
‫العبيد و األفارقة من البطش و الفقر و االستعباد‪ ،‬مستهدفين و ار ذلك رفع منزلتهم و‬
‫تحسين وضعهم‪ ،4‬و شاركت في هذه الثورة فئات مختلفة و متنوعة كالزنج‪ ،‬أهل القرى ‪،‬‬
‫العرب الضعفا و عشائر عربية ثائرة على السلطة‪.5‬‬
‫و في وسط هذه األوضاع و للنصف من شوال من سنة ‪255‬ه‪ .‬ظهر في نواحي‬
‫البصرة رجل زعم أنه علي بن محمد بن‪ 6‬علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتأخرة ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬

‫‪ /2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /3‬إبراهيم أيوب ‪ ،‬التاريخ العباسي السياسي و الحضاري‪ ،‬لبنان ‪ ، 5424 ،‬ص ‪. 559‬‬

‫‪ /4‬الدوري ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /5‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 513‬‬

‫‪ / 6‬علي بن محمد بن عبد الرحمن العبدي من عبد القيس‪ ،‬افترى و زعم أنه من ولد زيد بن علي العلوي‪ ،‬و كان منجما‬
‫طرق يا ذكيا حروريا‪ ،‬ماكرا‪ ،‬الذهبي‪ ،‬المصدر السابق ج ‪ ، 53‬ص ‪. 524‬‬

‫‪47‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫علي بن أبي طالب‪ ،1‬حيث ادعى هذا األخير النسب العلوي الذي زرع فيهم روح دعاية لم‬
‫يألفوها‪.2‬‬

‫و شخصية علي بن محمد شخصية محيرة فعال‪ ،‬إذ وصفت حياته بالغير طبيعية‪،‬‬
‫بدأ حياته كشاعر في بالط الخليفة بسام ار ‪ ،‬لكنه رحل منها سنة ‪242‬ه إلى البحرين‪ ،3‬و‬
‫اختلف المؤرخون حول نسبه‪ ،‬فقد كان رجال فاضال فصيحا بليغا لبيبا ‪ ،‬استمال قلوب العبيد‬
‫من الزنج بالبصرة و نواحيها و عظم شأنه و قويت شوكته‪ ،‬ففي بادئ األمر كان حاله فقي ار‬
‫ال يملك سوى ثالثة أسياف‪ ،‬حتى أنه أهدي له فرس لم يكن له لجام و ال سرج‪.4‬‬

‫و جمع إليه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ‪ ،‬ثم عبر دجلة فنزل الدينارى‪ ،5‬ولد‬
‫في قرية ورزنين‪ 6‬من قرى الري و نشأ فيها‪ ،‬و لقب على بن محمد بصاحب الزنج‪ ،‬حيث لم‬
‫يكن عبدا أسودا و قيل اسمه بهبوذا‪ 7‬و ثورة صاحب الزنج جهاته لم تأتي أو تنشأ بمحضى‬
‫الصدفة أبدا‪ ،‬أو قامت لهوى طارئ أو نزعة جامحة‪ ،‬بل كانت لها دواعيها و أسبابها‬
‫الخاصة التي أدت الى نشوبها و قيامها‪.8‬‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،52‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /2‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 951‬‬

‫‪ / 3‬أسامة أبو طالب ‪ ،‬الدولة العباسية ‪ ،‬دار البداية ‪ ،‬عمان ‪ ، 2153 ،‬ص ‪. 539‬‬

‫‪ /4‬ابن الجوزي ‪ ،‬القرامطة ‪ ،‬ط‪ ،6‬تح ‪ :‬محمد الصباغ ‪ ،‬بيروت ‪ ، 5429 ،‬ص ‪. 1‬‬

‫‪ /5‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 951‬‬

‫‪ /6‬ورزنين ‪ :‬من أعيان قرى الري كالمدينة ‪ ،‬ياقوت الحموي ‪ ،‬شهاب الدين أبي عبد هللا ‪ ،‬ياقوت بن عبد هللا معجم البلدان ‪،‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ، 5411 ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 315‬‬

‫‪ /7‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /8‬فاطمة سعيد خليفة محمد‪ ،‬حركة الزنج و آثارها السياسية و االقتصادية و االجتماعية على الدولة العباسية‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة الماجيستر‪ ،‬إشراف عبد القادر عثمان محمد‪ ،‬تخصص التاريخ اإلسالمي ‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية‬
‫‪ ، 2114‬ص ‪.21‬‬

‫‪48‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫فسياسيا كان مكمن الدا الذي انتشر في كيان الخالفة العباسية هو اشتداد سطوة‬
‫النفوذ التركي و سيطرة القادة األتراك على الساحة العباسية‪ ،1‬إضافة إلى سو أحوالهم‬
‫المعيشية و تردي وضعهم فقد كانوا يقاسون شظف الحياة و بؤسها و حرمانها ج ار فقرهم‬
‫المنقطع و تسلط أرباب العمل عليهم و احتقارهم لهم‪.2‬‬

‫ناهيك عن عيشهم داخل المستنقعات و األنهار التي تعج باألوساخ و القذارة و‬


‫األوبئة مما يجعلهم هذا عرضة لكثير من األمراض‪.3‬‬

‫فإلى جانب كل تلك الدوافع و األسباب االجتماعية و االقتصادية و السياسية‪ ،‬كان‬


‫هناك دافع أكثرهم شدة دفع بالزنوج إلى التفافهم حول ثورة علي بن محمد و قبولها‪،‬و اعتال‬
‫أصواتهم بسبب ذجرهم و اختناقهم من بطش و جبروتي المالك أال و هو حرمانهم من‬
‫الزواج و ابتعادهم عن بيئتهم و بلدانهم و إحساسهم بالغربة‪.4‬‬

‫فبعد كل هذه الدوافع ابتدأت ثورة علي بن محمد لتحرير الزنج بعد رحيله من‬
‫سام ار سنة ‪242‬ه‪ 5‬إلى البحرين متأث ار بما شهد و سمع في عاصمة الخالفة من فوضى و‬
‫اضطرابات أشد التأثر‪ ،‬ألنه في سام ار لم يستطيع تحقيق مراده و ذلك لكثرة الجوسسة‬
‫المحكمة و السلطة المركزية فاختار البحرين لبعدها عن مركز الدولة‪ ،‬و وجدها بيئة صالحة‬
‫لنشر الدعايات الدينية و االجتماعية‪ ،‬و بالفعل كسب أعوانا مخلصين له من أهل البحرين‬

‫‪ /1‬أحمد علبي ‪ ،‬ثورة الزنج و قائدها علي بن محمد‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت ‪ ، 2111 ،‬ص ‪. 524‬‬

‫‪ /2‬فاطمة سعيد خليفة محمد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 14‬‬

‫‪ /3‬محمد سهيل طقوش‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /4‬أحمد علبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 513‬‬

‫‪ /5‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 951‬‬

‫‪49‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و كانوا من الطبقة العامة و أصحاب الحرف و الموالي كيحي البحراني مولى بني دارم و‬
‫كان كياال‪ ،‬و محمد بن سلم القصاب‪.1‬‬

‫و قد ادعى كما ذكرنا آنفا النسب العلوي و دعا الناس بمدينة هجر قاعدة‬
‫البحرين‪ 2‬الى طاعته‪ ،‬فانقسموا على أنفسهم و تقاتلوا بسببه بعد ذلك غير وجهته نحو مدينة‬
‫‪4‬‬
‫اإلحسا ‪، 3‬حيث نزل عند بني تميم و بني سعد‪ ،‬و هما أشد القبائل بأسا في البحرين‬
‫فأطاعه أهلها حتى كانوا ال يدعون شيئا من فضالته يسقط الى األرض و يأخذونه تبركا به‪،‬‬
‫و كثر أتباع الخبيث على بن محمد ويحي له الخراج و نفذ حكمه و دافع الوالة و جرت‬
‫بينهم الوقائع‪.5‬‬

‫و يقول المؤرخون أن أصل البحرين أحلوه في أنفسهم محل النبي فيما ذكر حتى‬
‫جبي له الخراج هناك و نفذ حكمه بينهم‪ ،6‬فدعاهم إلى الخروج على السادة الظالمين و‬
‫مناهم و وعدهم أن يقودهم و يرئسهم و يملكهم األموال و حلف لهم األيمان الغالظ أال يغدر‬
‫بهم و ال يخذلهم و ال يدع شيئا من اإلحسان إال أتى إليهم‪.7‬‬

‫و بعد بذر بذور حركته في البحرين كانت وجهته التالية هي البادية و استغل‬

‫‪ /1‬فيصل السامر ‪ ،‬ثورة الزنج ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار المدى ‪ ،‬سوريا ‪ ، 2111 ،‬ص ‪. 15‬‬

‫‪ /2‬البحرين ‪ :‬فإنها في ناحية نجد و مدينتها هجر و هي أكثر تمورا‪ ،‬أال أنها ليست من الحجاز و هي على شط بحر فارس‪،‬‬
‫و هي ديار القرامطة و لها قرى و قبائل كثيرة‪ ،‬االصطخري‪ ،‬ألبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي الكرخي‪ ،‬المسالك‬
‫والممالك‪ ،‬مطبعة بريل ‪ ،‬ليدن ‪ ، 5421 ،‬ص ‪. 54‬‬

‫‪ /3‬اإلحساء ‪ :‬مدينة على البحر الفارسي تقابل جزيرة أوال و هي بالد القرامطة و اإلحساء مدينة صغيرة و بها أسواق تقوم‬
‫بها‪ ،‬الحميري ‪ ،‬محمد بن عبد المنعم ‪ ،‬الروض المعطار في أخبار األقطار‪ ،‬ط‪ ،2‬مؤسسة النشر للثقافة‪ ،‬لبنان‪ ، 5421 ،‬ص‬
‫‪. 59‬‬

‫‪ /4‬أحمد علبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 69‬‬

‫‪ /5‬الصفدي‪ ،‬صالح الدين خليل ابن أبيك‪ ،‬الوافي بالوفيات ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار صادر ‪ ،‬بيروت ‪ ، 5445 ،‬ج‪ ، 25‬ص ‪. 911‬‬

‫‪ /6‬أسامة أبو طالب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 539‬‬

‫‪ /7‬محمود و الشريف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 311‬‬

‫‪50‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫سذاجة البادية و أوهم أهلها بادعائه نسب يحي بن عمر العلوي المقتول بالكوفة‪.1‬‬

‫و بعد انتقاله للبادية صحبة جماعة من أهل البحرين منهم رجل كيال من أهل‬
‫اإلحسا ‪ ،2‬يقال له يحي بن محمد األزرق المعروف بالبحراني‪ 3‬كان تاج ار من أهل هجر‪.4‬‬

‫و أحاط في البادية نفسه بهالة من القدسية‪ ،‬مدعيا أنه أوتي الغيب و أنه يستطيع‬
‫إتيان الخوارق‪ ،‬حيث ذكر المؤرخون أنه انتحل قرآنا خاصا به‪ ،‬و أن سو ار منه كانت تجري‬
‫على لسانه كأنها من فعل وحي سماوي‪ ،‬فلما علم أن البادية لم تكن بالبيئة الصالحة لنشر‬
‫دعوته لما تميز به البدو و من النزعة الفردية و عدم انقيادهم لمثل هذه الدعوات الروحية‬
‫الغامضة‪.‬‬

‫و اتبعه في البادية أعداد كبيرة من الناس هناك فزحف بهم إلى موضع بالبحرين‬
‫يدعى الردم‪ ،5‬فقاتله أهلها و هزموه‪ ،‬أي دارت بينه و بين معارضيه معركة أو موقعة عظيمة‬
‫انتهت بانهزامه إذ قتلوا من أصحابه جماعة كبيرة قتال ذريعا‪.6‬‬

‫‪8‬‬
‫و هم عرب فتراجعوا عن نصرته‪ ،7‬و بعبارة الطبري فنفرت عنه العرب و كرهته‬

‫‪ /1‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /2‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 955‬‬

‫‪ / 3‬هجر ‪ ،‬مدينة و هي قاعدة البحرين و ربما قبل الهجر باأللف و الالم و قبل ناحية البحرين كلها هجر‪ ،‬ياقوت الحموي‪،‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 343‬‬

‫‪ /4‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ /5‬الردم ‪ :‬قرية ل بنى غامر بن الحارث العبقسين بالبحرين و هي كبيرة قال‪ :‬كم غادرت بالردم يوم الردم‪ ،‬من مالك أو سوقة‬
‫سيدمي ‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 91‬‬

‫‪ /6‬فاطمة سعيد خليفة محمد‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬

‫‪ /7‬محمد عمارة‪ ،‬ثورة الزنج‪ ،‬المنشأة الشعبية ‪ ، 5414 ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /8‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 955‬‬

‫‪51‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و بعدما با ت محاولته بالفشل و انهزامه في معركة الروم‪ ،‬كان له ظهور ببئر نخل بين‬
‫مدينة الفتح و كرخ البصرة في ليلة الخميس لثالث بقين من شهر رمضان سنة قدومه‬
‫للبصرة ‪254‬ه‪.1‬‬

‫فنزل بها في بني ضبيعة‪،2‬و هي قبيلة عربية من نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬فكان له‬
‫فيهم أنصار أصبح بعضهم زعما في الثورة و قادة جيشها و أبطاال مبرزين في معاركها ‪.‬‬

‫كعلي بن أبان المعروف بالمهلبي و كان قائد القواد و أمير األم ار في الثورة‪ ،‬و‬
‫محمد بن أبان و الخليل بن أبان و غيرهم‪ 3‬و وقف أثنا إقامته القصيرة فيها على أوضاعها‬
‫الداخلية السياسية و االجتماعية‪ ،‬حيث كان المجتمع البصري منقسما على نفسه‪ 4‬إلى حزبين‬
‫متخاصمين الباللية و السعدية‪ ،5‬مستغلين هذه الفتنة التي قامت بين أهل البصرة لنشر‬
‫دعوته و كسب محبة أحد الطرفين‪ ،6‬فعند دخولهم البصرة أسرع إلى بعض غلمانها رغبة في‬
‫التخلص من الرق‪ ،7‬و يقول ابن األثير‪ " :‬و أتاه مواليهم و بذلوا له على كل عبد خمسة‬
‫دنانير ليسلم إليه عبده فبطح أصحابهم و أمر كل من عنده من العبيد‪ ،‬فضربوا مواليهم أو‬
‫وكيلهم كل سيد خمسمائة سوط‪ ،‬ثم أطلقهم"‪.8‬‬

‫‪ /1‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب و معادن الجوهر‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪. 511- 516‬‬

‫‪ /2‬الطبري‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 955‬‬

‫‪ /3‬محمد عمارة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 11‬و ‪. 12‬‬

‫‪ /4‬أسامة أبو طالب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 536‬‬

‫‪ /5‬عبد العزيز الدوري‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي في القرن ‪9‬ه‪ ،‬ط‪ ،3‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت ‪، 5441 ،‬‬
‫ص ‪. 49‬‬

‫‪ /6‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 955‬‬

‫‪ /7‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 252‬‬

‫‪ /8‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 91‬‬

‫‪52‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫لكن محاولته لنشر دعوته بالبصرة با ت بالفشل بسبب سو األحوال اإلمارة في‬
‫عهد محمد بن الرجا و فتح السجون و نهب بيت المال‪ ،1‬بعدها أمر صاحب الزنج أربعة‬
‫نفر من أصحابه‪ ،‬فخرجوا بمسجد عباد أحدهم يسمى محمد بن سلم القصاب الهجري و‬
‫اآلخر بريش القريعي‪ ،‬فدعوا إليه فلم يجبه من أهل البلد أحد وقال إليهم الجند فتفرقوا و لم‬
‫يظفر بأحد منهم‪ ،2‬و كما ذكرنا سالفا أن الدولة و عاملها محمد بن رجا الحضاري طاردو‬
‫صاحب الزنج حيث أدخلوا عدد من أتباعه السجن‪ ،3‬و من بينهم ابنه األكبر و زوجته و‬
‫معها ابنه له و جارية حامل و أيضا يحي بن أبي ثعلب و غيرهم‪.4‬‬

‫‪5‬‬
‫فالذ بالفرار إلى بغداد‪ ،‬و بينما هو في طريقه لها وشي به من أهل البطائح‬
‫عمير بن عمار‪ ،‬فأخذهم هو و أتباعه و حملهم إلى محمد بن أبي عون و هو عامل‬
‫السلطان بواسط‪ ،‬فاحتال البن أبي عون حتى تخلص هو و أصحابه من يده‪ ،‬ثم إلى مدينة‬
‫السالم‪ ،‬و أقام بها حوال‪.6‬‬

‫ثم ولى البصرة في شهر رمضان سنة خمس و خمسين و مائتين و معه على بن‬
‫أبان‪ ،7‬و استولى على غلمان الناس من الزنوج يبذل لهم األموال و يطمعهم في النهب‪.8‬‬

‫‪ /1‬فيصل السامر‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 1‬‬

‫‪ /2‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪ 955‬و ‪. 952‬‬

‫‪ /3‬محمد عمارة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ /4‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 952‬‬

‫‪ /5‬الصادق عبد الرسول المهدي ‪" ،‬حركة الزنج بالعراق ‪211‬هـ ‪ 211 -‬هـ "‪ ،‬المجلة العلمية لجامعة االمام المهدي ‪ ،‬ع‪2‬‬
‫(‪ ، )2156‬ص ‪ 93‬و ‪. 22‬‬

‫‪ /6‬الطبري‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 952‬‬

‫‪ /7‬الصفدي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 25‬ص ‪. 911‬‬

‫‪ /8‬أحمد علبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪53‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و استنبط أيضا لنفس ه نسبا علويا جديدا فانتسب إلى أحمد بن عيسى بن زيدو‬
‫بعدها عمد إلى حريرة فكتب فيها باألحمر و األخضر‪ " :‬إن هللا اشترى من المؤمنين أنفسهم‬
‫و أموالهم بأن لهم الجنة"‪.1‬‬

‫و كتب اسمه و اسم أبيه و علقه على رأس بردي‪ ،2‬و خرج في الصح من ليلة‬
‫السبت لليلتين بقيتا من شهر رمضان‪ ،3‬و بعد عودة صاحب الزنج للبصرة وجه دعايته الى‬
‫الزنج في السهول الواقعة شرق البصرة بعد أن مكث فيها يدرس األوضاع‪ ،‬فالقت دعوته هذه‬
‫نجاحا سريعا‪.4‬‬

‫و مازال الزنج يلتفون حول صاحبهم‪ ،‬فقد خطب بهم وصلى بهم أيضا إلى أذهانهم‬
‫ما كانوا يلقونه من ظلم وعنت و ذل و قهر‪ ،‬و مناهم األماني الطيبة من إطالق حروباتهم و‬
‫استمتاعهم باألموال التي يغتنموها في حروبهم‪.5‬‬

‫فحركة الزنج في بادئ أمرها كانت حركة ضد كبار المالك‪ ،‬ثم تطورت و تغير‬
‫مسارها فأصبحت صوب الدولة‪ ،‬ألن الخلفا و الوالة ظالمون ينتهكون حرمة هللا‪ ،‬فسمح‬
‫‪6‬‬
‫علي بن محمد لرجاله بالقيام بسلب السالح و األموال الستخدامها في قتال أعدائها‬

‫‪ /1‬الصفدي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 25‬ص ‪. 911‬‬

‫‪ /2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 25‬ص ‪. 911‬‬

‫‪ /3‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتآخرة ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /4‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 95‬‬

‫‪ /5‬محمد سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ /6‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 296‬‬

‫‪54‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫حيث اتخذ من مدينة المختارة‪ 1‬التي بناها قاعدة له منب ار يصعد عليه و يسب عثمان و عليا‬
‫و معاوية و طلحة و الزبير و عائشة رضي هللا عنهم‪ ،2‬و كان ينادي على المرأة العلوية في‬
‫عسك ره ينادي على المرأة من ولد الحسن و الحسين و العباس من ولد هاشم و غيرهم من‬
‫سائر العرب‪.3‬‬

‫و أبنا الناس تباع الجارية منهم بالدرهمين و الثالثة‪ ،‬و ينادى عليها بنسبها هذه‬
‫ابنة فالن الفالني‪ ،‬لكل زنجي منهم العشرة و العشرون و الثالثون إذ استغاثت إلى علي بن‬
‫محمد امرأة من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب كانت عند بعض الزنج و سألته أن ينقلها‬
‫إلى غيره من الزنج أو يعتقها مما هي فيه‪ ،‬فقال موالك و أولى بك من غيره‪.4‬‬

‫فتملك صاحب الزنج األبلة‪ ،‬فنهبها و أخربها و أحرقها بالنار‪ ،5‬و كان دخوله لها‬
‫سنة ‪256‬ه فقتلوا فيها خلقا كثي ار منهم عبد هللا بن حميد الطوسي‪ 6‬و قتل بها ثالثين ألفا‪.7‬‬

‫كما أن جيوش علي بن محمد أحلوا الفزع و الخوف في قلوب األهليين بسبب أنهم‬
‫استولوا على ألف و تسعمائة سفينة كانت تحمل بعض الحجاج إلى مكة‪ ،8‬حيث كان هؤال‬

‫‪ / 1‬المختارة ‪ :‬تقع على قناة نهر أبي الخصيب جنوبي شرقي البصرة قام بإنشائها علي بن محمد‪ ،‬و هي مدينة حصينة‬
‫بأسوارها و خنادقها باإلضافة إلى الحصانة الطبيعية أدغال كثيفة و قنوات عديدة‪ ،‬جعلها قريبة من البحر و البادية‪ ،‬الطبري‪،‬‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪ 545‬و ‪ 255‬و ‪. 252‬‬

‫‪ /2‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /3‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪296‬‬

‫‪ /4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 291‬‬

‫‪ /5‬اليعقوبي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 911‬‬

‫‪ /6‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ /7‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /8‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 252‬‬

‫‪55‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫الزنوج يشتغلون عادة في جماعات كبيرة تتراوح بين ألف و خمسة آالف‪ ،‬بلغ أكثر بكثير‬
‫ففي منطقة دجيل‪ 1‬باألهواز بلغت خمسة عشر ألفا‪.2‬‬

‫فصاحب الزنج هو و جيوشه ألقوا الرعب و الفزع و الخوف في قلوب األهليين‬


‫حتى عجزوا عن مقاومتهم و شكوا إلى الخليفة المهتدي ‪255‬ه – ‪256‬ه ما حل بهم من‬
‫بال ‪ ،3‬فأ رسلت الدولة العباسية لهم جيشا بقيادة القائد جعالن تحرك على رأس جيشه إلى‬
‫البصرة في سنة ‪ 256‬ه لتحقيق المهمة الموكلة له و المتمثلة في دحر علي بن محمد‬
‫( صاحب الزنج) و أتباعه بالقضا عليهم‪ ،4‬لكن جعالن و جيوشه لم يكونوا على نفس‬
‫حنكة و دها علي بن محمد و عسكره‪ ،‬فلقد بقيوا ستة أشهر صامدين في أماكنهم لكن‬
‫خصمه الداهية استغل جهل جعالن و ارتباكه فبيت له و شتت أصحابه‪ ،‬فاضطر القائد‬
‫التركي أن ينسحب إلى البصرة‪.5‬‬

‫و بعد هذا االنتظار زاد شغفهم للسيطرة و المهاجمة‪ ،‬فبعد أن سيطروا على االبلة‬
‫‪6‬‬

‫المرفأ التجاري ا لعظيم‪ ،‬و قتل أبو األحوص و ابنه و أضرمت نا ار و نشأت ريح عاصف‬
‫فأطارت شرر ذلك الحريق حتى وصلت شاطئ عثمان فاحترق و غرق فيها خلق كثير‪ ،‬فما‬
‫أحرقته النار أكثر مما نهب‪.7‬‬

‫‪ / 1‬دجيل ‪ :‬نهر باألهواز حفره أردشير بن بابك أحد ملوك الفرس‪ ،‬و قال حمزة ‪ :‬كان اسمه في أيام الفرس ديلداكودك و‬
‫معناه دجلة الصغيرة فغرب على دجيل و مخرجه من أرض أصبهان و مصبة في بحر فارس قرب عبادان‪ ،‬ياقوت‬
‫الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 993‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي في القرن ‪ 9‬ه ‪ ،‬ص ‪. 49‬‬

‫‪ /3‬حسن إبراهيم حسن‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 252‬‬

‫‪ /4‬فاطمة سعيد خليفة محمد‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /5‬الدوري‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتآخرة‪ ،‬ص ‪. 26‬‬

‫‪ / 6‬األبلة ‪ :‬اسم بلد‪ ،‬بلدة على شاطئ دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة و هي أقدم من‬
‫البصرة‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /7‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 912‬‬

‫‪56‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫فبعد سماع أهل عبادان و هي مدينة على جزيرة في مصب دجلة العو ار ذعروا و‬
‫فتحوا له أبواب مدينتهم ليسلموا مما صار ألبله‪ ،1‬حيث استخدموا العنف مع خصومهم‪،‬‬
‫فكانوا يقتلون كل من وقع في أيديهم سوا من المقاتلين أو غيرهم‪ ،‬و لم ينج من فضائعهم ال‬
‫النسا و ال األطفال و حتى من استأمنوهم عند روابهم و قتلوهم‪.2‬‬

‫و استطاع بعد السيطرة على األبلة أن يسيطر صاحب الزنج أيضا على عبادان‪،‬‬
‫بعد أن كبتوا أهلها له يطلبون األمن و األمان منه خوفا على أرواحهم و أموالهم و أهاليهم‬
‫فاستسلموا قبل دخوله لها و سلموه حصنهم‪ ،‬فأمر بعد ذلك أصحابه بنهب األهواز و العبيد و‬
‫السالح و وزعهم عليهم‪.3‬‬

‫فزاد طمعه بعد ذلك و تعطش للمزيد من السيطرة على باقي المناطق‪ ،‬فكانت‬
‫فريسته التالية األهواز‪ ،‬فاستنهض أصحابه نحو جبي‪ ،4‬فلم يلبث أهلها‪ ،‬و هربوا منهم‪،‬‬
‫فدخلها الزنج و قتلوا من رأو بها و أحرقوا و نهبوا‪ ،‬فلما بلغوا األهواز‪5‬هرب من فيها من‬
‫الجند و من أهلها و لم يبقى إال القليل‪ 6‬فقتلوا زها خمسين ألفا‪.7‬‬

‫فأحرقوها و خربوها و أسروا إبراهيم بن المدبر بعد أن ضرب ضربة على وجهه و‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتآخرة‪ ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /2‬محمود و الشريف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 312‬‬

‫‪ /3‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ / 4‬جبي‪ :‬بالضم ثم التشديد و القصر‪ :‬بلد أو كورة من عمل خوزستان‪ ،‬و من الناس من جعل عبادان من هذه الكورة و هي‬
‫في طرف من البصرة و األهواز‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 41‬‬

‫‪ / 5‬األهواز ‪ :‬اسم للكورة بأسرها و االسم الذي يغلب عليه العامة اليوم هو سوق األهواز‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 229‬‬

‫‪ /6‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 241‬‬

‫‪ /7‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج ‪ ، 52‬ص ‪. 512‬‬

‫‪57‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫حووا كل ما كان يملك من مال و أثاث و رفيق‪.1‬‬

‫و بهذا تكون األهواز قد سقطت بين أيدي صاحب الزنج و غلمانه و ذلك سنة‬
‫االثنين ‪ 72‬رمضان سنة ‪256‬ه‪.‬‬

‫ففي أقل من سنة واحدة استطاع علي بن محمد أن يخضع لسلطانه مدنا عظيمة‬
‫األهمية و يسود على مصب دجلة‪ ،2‬فلما فعل ذلك باألبلة و األهواز و عبادان خافه أهل‬
‫البصرة‪ ،‬و انتقل كثير من أهلها في البلدان‪ ،3‬فقد أحلوا الرعب و القرع في نفوسهم و قتل‬
‫منهم أعدادا كبيرة و استخفى من سلم من أهل البصرة في آبار النور فكانوا يظهرون ليال و‬
‫يطلبون الكالب فيذبحونها و يأكلونها و يأكلون الفئران‪ ،‬و صار إذا مات الواحد منهم أكلوه‪.4‬‬

‫ففي اليوم الواحد قتل في البصرة ثالثمائة ألف آدمي‪ ،5‬و التقاه عسكر بغداد و‬
‫عليهم سعيد الحاجب فانهزموا و ا ستحر بهم القتل‪ ،‬و وثبت السودان و أخربوا جامع‬
‫البصرة‪.6‬‬

‫و قتلوا أهلها و سبوا األطفال و النسا و عم الخراب فيها‪ ،‬بسبب الحصار‬


‫االقتصادي الذي فرضه صاحب الزنج الذي أضر بأهلها و خرجوا عنها و أتاحوا له فرصة‬
‫الدخول إليها يوم الجمعة شوال سنة ‪ 257‬ه‪.7‬‬

‫‪ /1‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 913‬‬

‫‪ /2‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 513‬‬

‫‪ /3‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪241‬‬

‫‪ /4‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪. 291 ،‬‬

‫‪ /5‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /6‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /7‬الصادق عبد الرسول مهدي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 93‬و ‪. 22‬‬

‫‪58‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و بعدها سيطروا على واسط ‪ 264‬ه و دخلوا أيضا ‪ 265‬ه النعمانية‪ 1‬فخالل عشرة أعوام‬
‫من ‪ 255‬ه – ‪ 265‬ه سيطر علي بن محمد على رقعة واسعة تمتد بين األهواز و واسط‪،‬‬
‫و هدد بغداد‪ ،‬عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة لمحاربة صاحب‬
‫الزنج بعد أن لمع صيته و سطع نجمه بين الزنوج و العبيد‪ ،‬فكان يرى أنه ال بد من وضع‬
‫حد لبطشه هذا‪.2‬‬

‫مدركا خطورة الوضع الذي سيحل أو حل باألمة و الدولة إذا عم الفساد من‬
‫صاحب الزنج و جيوشه‪ ،3‬و بعد خلع المعتمد على هللا ألخيه الموفق أو على المفلح يوم‬
‫الخميس مستهل ربيع األول سنة ثمان و خمسين و مائتين ‪ 258‬ه و أشخصهما لمحاربة‬
‫الزنج‪ ، 4‬انضم للموفق قادة من الجند األتراك لجيشه‪ ،‬فتجمعت قوات كبيرة تحت قيادته لصد‬
‫هجمات علي‪.5‬‬

‫فتولى هذا القائد الموفق قيادة العمليات العسكرية بنفسه و استعمل كل اإلمكانيات‬
‫التي لديه سياسية و اقتصادية و عسكرية ليكفل النجاح و يضع حد لصاحب الزنج و‬
‫رفاقه‪ ، 6‬و لما اطمأن الموفق من ناحية أعدائه اآلخرين تفرغ لحرب الزنج و تولى قيادتها‬
‫بنفسه و خرج من بغداد إلى واسط في شهر صفر سنة ‪267‬ه‪ .‬فهزم منهم الكثير و أسر‬

‫‪ /1‬أحمد علبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 219 ، 213‬‬

‫‪ /2‬أسامة أبو طالب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 531‬‬

‫‪ /3‬حسام الدين السامرائي‪" ،‬الخالفة العباسية و الحركات المضادة بعد منتصف القرن ‪3‬ه"‪ ،‬حوليات آداب عين شمس‪ ،‬ع‬
‫‪ ، )2112 ( 36‬ص ‪. 43‬‬

‫‪ /4‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب و معادن الجوهر ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ /5‬حسام الدين السامرائي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬

‫‪ /6‬محمد سهيل طقوش‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪59‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫بعضهم‪ .1‬و بعث بعد ذلك الموفق لصاحب الزنج كتابا يدعوه إلى التوبة إلى هللا تعالى لكنه‬
‫رفض ذلك‪ ،‬فعندما لم يرد عليه بدأ الموفق يستعد هوايته و جيوشه لضرب حصن الزنج‬
‫المدينة التي بناها و سماها المختارة‪ ،2‬فقام ببنا مدينة الموفقية تحمل اسمه يوم ‪ 75‬شعبان‬
‫سنة ‪267‬ه بقرب المختارة لكي يستطيع ضربها و حصارها‪ ،‬و قد زاوج الموفق في قتال‬
‫صاحب الزنج بين أسلوبي الحرب و السياسة و أتى األمور من مآتيها‪ ،3‬فنهد إليه الموفق‬
‫طلحة بعساكر كثيفة فالتقيا بين البصرة و واسط و دامت الحرب بينهما سنين كثيرة‪ ،‬و بنوا‬
‫مدائن هناك‪ ،‬و أقام كل من الفريقين يرابط الفريق اآلخر‪.4‬‬

‫و في آخر األمر كانت الغلبة للجيش العباسي‪ ،‬فأبادوهم قتل و أسر‪ ،5‬و حاصروا‬
‫خبيث الزنج في قصره و مدينته المختارة‪ ،6‬حيث استمر الموفق في قتالهم إلى حين استسلموا‬
‫بعد أربعة عشر عاما سنة ‪255‬ه ‪273-‬ه‪ ،‬و قتل صاحب الزنج من طرف الموفق فقدم‬
‫ابنة أبا العباس إلى بغداد‪ ،‬و معه رأس الخبيث ليراه الناس فبلغها االثنتي عشرة ليلة بقيت‬
‫من جمادى األولى من هذه السنة ‪ ،‬و قتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين و‬
‫مائتين ‪ 273‬ه‪.7‬‬

‫و عملت قباب الزينة بعد قتل الموفق له وضج الناس بالدعا له و مدحه‬

‫‪ /1‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 254‬‬

‫‪ /2‬الذهبي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 234‬‬

‫‪ /3‬محمود و الشريف ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 216‬‬

‫‪ /4‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /5‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪215‬‬

‫‪ /6‬الذهبي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 291‬‬

‫‪ /7‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪. 929‬‬

‫‪60‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫الشع ار ‪ ،1‬و كتب الموفق إلى أمصار المسلمين و ذلك ليدعوهم للعودة إلى مواطنهم التي‬
‫دخلها الزنج و هذا لعودة األمن و االستقرار و قام بتولية مناصب لقواده في تلك المناطق‬
‫التي نهبها‪.2‬‬

‫و بإخماد هذه الثورة أسدل الستار على هذه الحركة التي قضت مضاجع الخالفة‬
‫العباسية و كلفتها أمواال طائلة‪ ،‬و أفرغت بيت المال من محتوياته‪.3‬‬

‫‪ -1‬ثورة القرامطة ‪:‬‬

‫ظهرت في أواخر حكم المعتضد باهلل العباسي ( ‪ 272‬ه – ‪ 282‬ه) دعوتان‬


‫جديدتان هددتا كيان الدولة اإلسالمية من الشرق و الغرب‪ ،‬إحداهما قامت في الشرق و هي‬
‫حركة القرامطة اإلسماعيلية و شملت بالد جنوب الشام و العراق و جزيرة العرب و اليمن أما‬
‫الدعوة األخرى فقامت في الغرب و هي الدعوة الفاطمية اإلسماعيلية‪ ،‬حيث اتحدتا هاتان‬
‫الدعوتان في المذهب أي االسماعيلي و اختلفا في اآل ار ‪.4‬‬

‫فحركة القرامطة هي حركة ظهرت في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري و‬


‫تعتبر عملية مرحلية لها أهداف معينة‪ ،‬إذ تعد خطوة من خطوات اإلسماعيلية التي اتخذت‬
‫في تنظيمها طابع السرية و العسكرية‪ ،‬و كان مركز هذه الدعوة في مدينة واسط‪.5‬‬

‫‪ /1‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 282‬‬

‫‪ /2‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 12‬ص ‪. 222 ، 228‬‬

‫‪ /3‬ابراهيم أيوب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 111‬‬

‫‪ / 4‬ناريمان صادق عبد القادر األلشي‪ ،‬الدولة العباسية في عصر المعتضد باهلل ‪ 282 – 272‬هـ ‪ 202 – 822 ،‬م ‪،‬‬
‫رسالة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه‪ ،‬إشراف محمد حمدي المناوي‪ ،‬كلية الشريعة و الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة أم القرى‬
‫مكة المكرمة ‪ ، 1288 ،‬ص ‪. 102‬‬

‫‪ / 5‬واسط‪ :‬سميت ألنها متوسطة بين البصرة و الكوفة و قيل أنه أرادوا بلدا واسطا أو مكان واسط فهو منصرف على كل‬
‫حال و الدليل قولهم واسطا‪ ،‬الحموي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 177‬‬

‫‪61‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و التي كانت هذه األخيرة وسطا صالحا لنمو الدعوة و انتشارها‪ ،1‬و القرامطة هم قوم يعرفون‬
‫بقرامطة سواد الكوفة و هم زنادقة مارقون من الدين‪ ،2‬فكان ابتدا أمرهم قدوم رجل من ناحية‬
‫خوزستان إلى سواد الكوفة و مقامه بموضع يقال له النهرين و اسمه حمدان القرمطي‪.3‬‬

‫ثم عمد حمدان القرمطي إلى بنا مركز الدعوة القرمطية في مكان قرب الكوفة و‬
‫قد سماه دار الهجرة و اتخذه منطقا لبث دعوته هاته‪ ،4‬إذ يعتبر حمدان بن األشعث‬
‫المعروف بقرمط أحد دعاة القرامطة األوائل‪ ،‬حيث اعتمدت هذه الحركة على عنصر المال‬
‫فقد فرض حمدان على أتباعه الضرائب و جمع األموال و كان يغري الفق ار بإعطائهم جز ا‬
‫مما يقبض أو يجمع‪.5‬‬

‫و تظاهر حمدان بالعبادة و التقشف و الدعوة إلى إمام من آل البيت فلقيت دعوته‬
‫صدا كبي ار عند أنصار آل البيت و اشتد خطر هذه الحركة بعد ظهور زعيمها أبي سعيد‬
‫الجنابي‪ 6‬في البحرين‪ ،‬و ذلك سنة ‪ 286‬ه و إذا أردنا أن نحلل أسباب هذه الثورة لوجدناها‬
‫دوافع متشابهة مع دوافع قيام حركة الزنج و تعود إلى األحوال االجتماعية و االقتصادية في‬
‫المنطقة‪.7‬‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي ‪ ،‬القرامطة ‪ ،‬ص ‪59‬‬

‫‪ /2‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 294‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 23‬‬

‫‪ /4‬ابن الجوزي ‪ ،‬القرامطة ‪ ،‬ص ‪. 51 – 59‬‬

‫‪ / 5‬محمد حسن العيدوسي ‪ ،‬التاريخ السياسي و الحضاري للدولة العباسية ‪ ،‬دار الكتاب الحديث ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2151 ،‬ص‬
‫‪. 549‬‬

‫‪ / 6‬أبا سعيد الجنابي‪ :‬و هو الحسن بن بهرام قبحه هللا رأس القرامطة‪ ،‬و الذي يعول عليه في بالد البحرين و ما واالها كان‬
‫يلي بالد واسط الى شهر زور و غير ذلك‪ ،‬و قد خلف من األموال شيئا كثيرا‪ ،‬فمن ذلك ألف ألف دينار و من آنية الذهب و‬
‫الفضة نحو مائة ألف دينار و من البقر ألف ثور‪ ،‬و من الخيل و البغال و الجمال ألف رأس ‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬المصدر السابق‪،‬‬
‫ج‪ ،55‬ص ‪. 522‬‬

‫‪ /7‬أمينة بيطار‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬

‫‪62‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و كان القرامطة يحملون ألقابا عديدة كاإلسماعيلية و الباطنية و الحزمية و البابلية‬


‫و المحمرة و السبعية و التعليمية‪.1‬‬

‫و نجد أن حمدان بن القرمط‪ ،2‬استغل الفئات المتضررة من سو األوضاع غاية‬


‫االستغالل و نادى بمبادئ تقبلتها‪ ،3‬بهذه الدعوة انتشرت بين الفالحين الجهلة الذين كانوا‬
‫يعانون من جشع و بطش الحياة و استغالل المالكين‪.4‬‬

‫إذ كان المالك اإلقطاعيون يسومونهم سو العذاب مع التقدير الشديد في األجور‬


‫و انضم إليها أيضا كثير من الطبقة الكادحة في المدن إذ وعدهم حمدان بأنه سينقلهم من‬
‫الشقا و العنا و الفقر إلى كل ما اسمه سعادة و غنى وعز‪.5‬‬

‫ففي سواد الكوفة التقى قرمط بالحسين األهوازي و بعدها أعلن ثورته عام ‪278‬ه‬
‫و كانت أول ثورة للقرامطة ثورة حمدان بن األشعث حيث كان يتلقى أوامره من سلمية عبر‬
‫األهوازي‪.6‬‬

‫و بعد وفاة هذا األخير‪ ،‬أظهر حمدان نشاطا و حماسة في نشر الدعوة‪ ،‬ففي‬
‫الثاني عشر من شوال سنة ‪287‬ه‪ ،‬ثار القرامطة في منطقة حنبال من السواد و قتلوا عددا‬
‫كبي ار من النسا و األطفال و أحرقوا المنازل‪.7‬‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 321‬‬

‫‪ / 2‬حمدان القرمط‪ :‬حمدان بن األشعث المعروف بقرمط لقصر قامته‪ ،‬ذكر أن ظهور القرامطة بدأ بقدوم هذا الرجل من‬
‫ناحية خوزستان الى سواد الكوفة‪ ،‬فكان بموضع يقال له النهرين يظهر الزهد و التقشف و يسف الخوص و يأكل من كسب‬
‫يده و يكثر الصالة فأقام على ذلك مدة‪ ،‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪. 965‬‬

‫‪ /3‬أمينة بيطار ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬

‫‪ /4‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 41‬‬

‫‪ /5‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 31‬‬

‫‪ / 6‬ياسر جاسم قاسم ‪ ،‬القرامطة و العدالة االجتماعية‪ ،‬دار ضفاف للطباعة و النشر‪ ،‬قطر ‪ ، 2152 ،‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /7‬حسام الدين السامرائي‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬

‫‪63‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و في سنة ‪282‬ه‪ ،‬استفحل خطر القرامطة مرة أخرى في الكوفة‪ ،‬فتصدى لهم‬
‫الخليفة العباسي المعتضد باهلل عندما أولى شبال مولى أحمد بن الطائي لمحاربتهم فوقع بين‬
‫أيديه أحد قواد القرامطة و هو أبا الفوارس فعذبه و قطع يداه و رجاله‪ ،1‬ثم صلب إلى جانب‬
‫وصيف الخادم ثم حول إلى ناحية الكنائس مما يلي الياسرية من الجانب الغربي‪ ،‬فصلب مع‬
‫قرامطة هناك‪.2‬‬

‫و في سنة ‪223‬ه‪ ،‬خرج يحي بن زكرويه القرمطي‪ ،‬فاستمر القتال بينه و بين‬
‫عسكر الخليفة‪ ،‬فقام عوضه أخوه الحسين‪ 3‬المشهور بصاحب الشامة لوجود شامة في وجهه‬
‫ذكر أنها آيته و ادعى أنه أحمد بن عبد هللا بن محمد بن إسماعيل و دعا إلى مثل ما دعا‬
‫إليه أخوه‪.4‬‬

‫ثم جا ه ابن عمه عيسى بن مهرويه و زعم أنه المدثر و أنه المعني في السورة و‬
‫لقب غالما له المطوق بالنور و ظهر على الشام و عاث و أفسد و تلقب بأمير المؤمنين‬
‫المهدي و دعي له على المنابر‪.5‬‬

‫و انهزم أصحاب القرمطي و أسر من رجالهم بشر كثير و قتل منهم عدد عظيم و‬
‫تفرق الباقون في البوادي‪.6‬‬

‫‪ /1‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج ‪ ، 51‬ص ‪. 223‬‬

‫‪ /2‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 259‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 244‬‬

‫‪ /4‬الدوري‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتآخرة‪ ،‬ص ‪. 512 – 515‬‬

‫‪ /5‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 244‬‬

‫‪ /6‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،55‬ص ‪. 55‬‬

‫‪64‬‬
‫األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل األول ‪:‬‬

‫و أما القرامطة فعظم بهم البال و التزم لهم أهل دمشق بأموال عظيمة فترحلوا ثم‬
‫افتتحوا حمص‪ ،‬و ساروا إلى حماة و المعرة يقتلون و يسبون و قتلوا أكثر من أهل بعلبك‬

‫ثم استباحوا سلمية فالتقاهم جيش الخليفة بقرب حمص فكسروهم و أسروا خالئق و ذلت‬
‫القرامطة لعنهم هللا‪ ،‬ثم انهزم رئيسهم مع ابن عمه و آخر فوقعوا بهم فحملوهم إلى المكتفي‬
‫فقتلهم و أحرقوا و بهذا انتهى أمر القرامطة سنة ‪ 227‬ه‪.1‬‬

‫‪ /1‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 262‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫األزمات االقتصادية‬
‫في العصر العباسي‬
‫الثاني‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬الفساد اإلداري و المالي‪:‬‬

‫إن ضبط اإلدارة و خاصة اإلدارة المالية يدل على نجاح الدولة و مقدرتها على‬
‫السيطرة على الواردات و المصروفات ( النفقات)‪ ،‬لكن في العصر العباسي الثاني حدث‬
‫العكس‪ ،‬حيث أن فساد اإلدارة المالية كان يصدر من فساد الوز ار ‪.1‬‬

‫فاإلدارة الفعلية كانت في يد الوز ار و القادة و الكتاب‪ ،2‬و كان أغلب هؤال ال‬
‫يفكرون باإلصالح اإلداري و المالي بقدر ما يفكرون بطرق األموال سوا عن طريق‬
‫كما اطمعوا الجيش بالتدخل في‬ ‫‪3‬‬
‫االختالس أو الرشوة‪ ،‬و تقديم األموال للخليفة و النسا‬
‫شؤون الدولة و تحالفهم في كثير من األحيان مع الجيش ضد الخليفة‪.4‬‬

‫كما أن فساد اإلدارة المالية كان ينبع من فساد الوز ار الذين جعلوا أمر تعيين‬
‫العمال الواليات مجاال للمساومة و جمع المال فمن يدفع أكثر يستحق التعيين بغض النظر‬
‫عن مقدرته اإلدارية و إخالصه‪ ،‬و الطرق التي يتبعها في جباية األموال و مدى تعسفه و‬
‫ظلمه‪ ،‬دون مراعاة للصالح العام‪.5‬‬

‫و قد أصبح نظام اإلدارة من أفسد النظم نتيجة تسلط النسا و الجواري و األتراك‬

‫على شؤون الدولة‪ ،6‬و تعتبر الفترة ما بين ( ‪ 247‬إلى ‪256‬ه) من أبرز الفترات التي‬

‫‪ /1‬ضيف هللا بن يحي الزهراني‪ " ،‬العجز المالي في الدولة العباسية"‪ ،‬مجلة جامعة أم القرى ‪ ،‬ع‪5914( 2‬هـ)‪ ،‬ص ‪541‬‬
‫و ‪. 291‬‬

‫‪ /2‬المسعودي ‪ ،‬التنبيه و اإلشراف ‪ ،‬ص ‪. 322‬‬

‫‪ / 3‬البندري بنت عبد العزيز الخضر‪ ،‬نكبات الوزراء في العراق و آثارها على األوضاع العامة إبان العصر العباسي الثاني‬
‫رسالة مقدمة للحصول على الدكتوراه في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬إشراف‪ :‬علي بن صالح المحيميد‪ ،‬قسم التاريخ‪ ،‬كلية اللغة‬
‫العربية و الدراسات االجتماعية‪ ،‬جامعة القصيم‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،2151 ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /4‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 221‬‬

‫‪ /5‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 322‬‬

‫‪ / 6‬اليوزبكي‪ ،‬توفيق سلطان‪ ،‬الوزارة نشأتها و تطورها في الدولة العباسية‪ ،‬مطبعة اإلرشاد‪ ،‬بغداد ‪ ، 5411 ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪67‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫دمرت و خربت فيها اإلدارة المالية رغم المحاوالت التي بذلها الخليفة المهتدي إال أنه لم‬
‫يفلح‪.‬‬

‫باإلضافة إلى عدم استق ار الحكم و سيطرة العسكريين من األتراك الذين كانوا‬
‫يفتقرون إلى الكثير من الخبرة اإلدارية‪ ،1‬و في عهد الخليفة المعتز تنازع المغاربة و األتراك‬
‫على إدارة بيت المال فمرة بيد المغاربة‪ ،‬و أخرى بيد األتراك‪.2‬‬

‫و هذا ما فيه إرباك للنواحي المالية‪ ،‬فلما استلم المعتضد زمام الخالفة و جد‬
‫أمورها مرتبكة نظ ار لما القاه الخليفة المعتمد من الفتن و الحروب الداخلية كثورة الزنج " فلما‬
‫قام المعتضد و استوزر عبيد هللا بن سليمان‪ 3‬قال له‪ " :‬قد دفعت إلى ملكا مختال و دينا‬
‫خرابا‪ ،‬و أريد أن أعرف ارتفاع النواحي"‪. 4‬‬

‫و في عهد الخليفة المقتدر حدث ارتباك كبير في اإلدارة المالية‪ ،‬فكانت ترد‬
‫األموال إلى بيت المال " و تبقى أياما ال تقض"‪.5‬‬

‫و قد كان المتولي لديوان بيت المال و لديوان النفقات يتبدل عند تغير الوزير و‬
‫ذلك ألن طبيعة األمور المالية كانت تتطلب ثقة متبادلة بين صاحب هذا الديوان و الوزير‪.6‬‬

‫‪ /1‬ضيف هللا يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /2‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 324‬‬

‫‪ / 3‬عبيد هللا بن سليمان بن وهب‪ :‬الوزير الكبير ‪ ،‬أبو القاسم‪ ،‬وزير المعتضد‪ ،‬كان شهما قويا‪ ،‬و ولد الوزير الكبير القاسم‬
‫بن عبيد هللا‪ ،‬مات سنة ربيع اآلخر سنة ‪222‬ه‪ .‬الذهبي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 941‬‬

‫‪ /4‬ارتفاع النواحي‪ :‬يعني ذلك مبلغ إيراداتها األزدي‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 319‬‬

‫‪ /5‬الصابئ‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬هالل بن المحسن بن إبراهيم الحراني‪ ،‬الوزراء أو تحفة األمراء في تاريخ الوزراء‪ ،‬تح‪ :‬عبد‬
‫الستار أحمد فراج‪ ،‬مكتبة األعيان‪ ،‬ص ‪. 229‬‬

‫‪ /6‬حسام الدين السامرائي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية في الدولة العباسية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر العربي ‪ ، 5913 ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪68‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫هذا باإلضافة إلى المقدرة اإلدارية التي تختلف وجهات النظر في تقديرها ‪.‬‬

‫و كذا مشاركة الجيش في تسيير دفة األمور المالية و هؤال بدورهم تنقصهم‬
‫الخبرة في هذا المجال‪ ،‬فعندما قدم أبو الفتح الفضل من الشام‪.1‬‬

‫الى بغداد أشار مؤنس بتقليده ديوان السواد و استجاب الوزير لهذا الطلب مكرها و‬
‫قد انقطعت بتقليده موارد كانت تصل إلى بيت المال‪ ،‬و لم يج أر أحد على االعتراض لهذه‬
‫الخسارة رغم الضرر الذي سببته لمالية الدولة‪.2‬‬

‫‪ -5‬فساد الوزراء و سوء أدائهم ‪:‬‬

‫لقد تعرض جهاز الو ازرة خالل هذه الفترة لفوضى أطاحت بنظام الو ازرة و أذهبت‬
‫شروطها‪ ،‬و من بينها األمانة و التي تعتبر من أعظم الشروط حيث قال الماوردي في ذلك‪:‬‬
‫" و األمانة أن يفي بما عليه و يستوفي ماله‪ ،‬و ال يختزنه لنفسه‪ ،‬و ال يقبل الهدايا التي‬
‫تعطى له بحكم منصبه‪ ،‬و إال كانت رشوة مقنعة‪ ،‬و يجب أن يكون قدوة صالحة في سلوك‬
‫العاملين"‪ ،3‬و قد أفتى الماوردي بأنه إذا أخل الوزير بهذا الشرط وجب عزله‪ ":‬إذا تحققت‬
‫خيانته أو عجزه أو قصوره"‪.4‬‬

‫و كذلك من بين شروط الو ازرة الكفاية‪ ،‬قال الثعالبي " و هي العلم باألعمال‬
‫الديوانية و التصرفات‪ ،‬و وجوه تثمير األموال و االستخ ارجات فيضع األمور في مواضعها و‬

‫‪ /1‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 211‬‬

‫‪/2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ / 3‬الماوردي‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب‪ ،‬قوانين الوزارة و سياسة الملك ‪ ،‬تح‪ :‬رضوان السيد ‪ ،‬دار الطليعة‬
‫بيروت‪ ، 5414 ،‬ص ‪. 541‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 546‬‬

‫‪69‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫يرتب األعمال على قواعدها‪.1‬‬

‫فللوزير دو ار كبي ار في اإلدارة و في تثبيت أركان الدولة‪ ،‬و قد عملت الدولة في هذه‬
‫الفترة على تعيين وز ار ممن ليس لهم اهتمام باألمور المالية و اإلدارية‪ ،2‬حيث تمتع الوز ار‬
‫بقلة الخبرة اإلدارية و قصور كفايته و عجزه عن إدارة أمور البالد‪ ،‬كما ضاعت هيبة الوزير‬
‫و تدنت قيمته شيئا فشيئا‪.3‬‬

‫و بدأ الفساد اإلداري منذ زمن الخليفة المنتصر ( ‪ 247‬ه‪248 -‬ه)‪ ،‬حيث عين‬
‫العديد من الوزرا الضعفا ممن ال خبرة لهم في األمور اإلدارية كالوزير أحمد بن‬
‫الخصيب‪ 4‬الذي عرف عنه التقصير في عمله و في شؤون اإلدارة‪ ،‬و كان مطعونا في عقله‬
‫لدرجة أنه عندما رفع إليه الشكوى من أحد المظلومين و هو راكب فرسه فضربه برجله‪.5‬‬

‫و قد قال عن نفسه " مثلي كمثل الناقة التي تتزين للنحر"‪ .6‬فسقطت هيبة الو ازرة‬
‫بسبب سو اختيار هذا الوزير الذي ليس له خبرة بأمور الدولة‪.7‬‬

‫‪ /1‬الثعالبي‪ ،‬أبي منصور عبد الملك بن محمد إسماعيل‪ ،‬تحفة الوزراء تح ‪ :‬حبيب علي الراوي‪ ،‬ابتسام مرهون الصفار‬
‫الدار العربية للموسوعات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪. 65‬‬

‫‪ / 2‬فهد مطر المطيري‪ ،‬التاريخ االقتصادي للدولة العباسية في العصر العباسي الثاني ‪339 -291‬هـ ‪ ،‬مذكرة الحصول‬
‫على دكتوراه في االقتصاد المصارف اإلسالمية‪ ،‬إشراف‪ :‬زكريا سالمة عيسى الشنطاوي ‪ ،‬كلية الشريعة و الدراسات‬
‫اإلسالمية‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬األردن‪ ، 2151 ،‬ص ‪. 365‬‬

‫‪ /3‬البندري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 545‬‬

‫‪ /4‬أحمد بن الخصيب‪ :‬ابن عبد الحميد الجرجائي‪ ،‬الوزير الكبير ‪ ،‬أبو العباس ابن أمير مصر ‪ ،‬استوزره المنتصر‪ ،‬ثم‬
‫المستعين‪ ،‬و ارتفع شأنه‪ ،‬ثم نكب و نفاه المستعين إلى الغرب سنة ‪ . 292‬الذهبي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 113‬‬

‫‪ /5‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 234‬‬

‫‪ /6‬الثعالبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 522‬‬

‫‪ /7‬اليوزبكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 593‬‬

‫‪70‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و زاد اضطراب الدولة في عهد المستعين ‪248‬ه – ‪257‬ه بشكل كبير‪ ،‬ففي‬
‫خالفته القصيرة التي ال تزيد عن خمس سنوات تولى الو ازرة فيها ستة وز ار ‪ ،1‬كان أفضلهم‬
‫أبو صالح عبد هللا بن يزداد‪ ،‬الذي أغضب األتراك بحسن إدارته‪ ،‬فقد سار هذا الوزير على‬
‫سياسة التقشف بغية توفير األموال‪ ،‬فقد ألغى الزيادات التي استحدثت في أرزاق الجند‪،‬‬
‫فهدده زعما األتراك بالقتل‪ ،‬مما اضطره إلى ترك العاصمة سام ار و الهروب إلى بغداد‪.2‬‬

‫كما استوزر الوزير أتامش أحد زعما األتراك‪ ،‬الذي استغل ضعف المستعين باهلل‬
‫و عالقته الوثيقة به‪ ،‬فاستبد باألمور دون الخليفة‪ ،‬و أقطع لنفسه أمواال جليلة‪ ،‬و أسرف في‬
‫تبذير األموال‪.3‬‬

‫و معه والدة المستعين حيث كانت األموال الواردة تصل إلى هؤال و تغلب على‬
‫أكثر ما في بيت المال‪ ،‬كما عمد إلى بيوت األموال و تصرف بها كما شا ‪ ،4‬و يبدو أن‬
‫تصرفاته أغاضت الخليفة و الدليل على ذلك أنه لما استجار به ليخلصه من الجند‬
‫المحاصرين له في الجوسق‪ ،‬رفض عن تقديم أية مساعدة له فكانت نهايته‪ ،5‬حيث يقول‬
‫اليعقوبي على مقتل أوتامش‪ " :‬فوقع ذلك بموافقته المستعين و كتب إلى اآلفاق بلعنة"‪.6‬‬

‫و في عهد الخليفة المعتز ( ‪ 252‬ه – ‪ 255‬ه) ازداد ضعف الو ازرة و سقوط‬
‫هيبتها حيث استوزر أبا الفضل جعفر االسكافي‪ ،‬و لم يكن له علم و ال دراية بأمور‬

‫‪ /1‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /2‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 292‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 263‬‬

‫‪ /4‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 365‬‬

‫‪ /5‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪. 269‬‬

‫‪ /6‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 965‬‬

‫‪71‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫الو ازرة‪ ،1‬و لم تنجح محاولة الوزير أحمد بن إسرائيل األنباري حيث وقفت أطماع األتراك‬
‫حائال دون تنفيذ تنمية الموارد المالية‪ .‬و المحافظة على األموال‪.2‬‬

‫أما في عهد الخليفة المهتدي ( ‪255‬ه – ‪256‬ه) فكادت أمور الخالفة و الو ازرة‬
‫تتحسن‪ ،‬بفضل جهود الخليفة‪ ،‬ثم بفعل الوزير سليمان بن وهب‪ .3‬حيث ساد االنسجام و‬
‫ا لوفاق بين الخليفة المهتدي و وزرائه فاألوامر التي تصدر من الوزير سليمان بن وهب كانت‬
‫تصدر بمحضر من الخليفة و ذلك يدل على قوة شخصية الخليفة و تجنب الوز ار من‬
‫غضب الخليفة و ما ينجم عنه من عزل و مصادرة‪ .4‬و لعل ذلك ما عناه المسعودي عند‬
‫حديثه عن وز ار المهتدي بقوله‪ ":‬أنهم سلموا منه من قتل و غيره"‪ .5‬و قد اشتهر الوزير‬
‫سليمان بن وهب برجاحة عقله و قوة عزيمته‪ ،‬فقد قال ‪ " :‬عزل الوالية أدق من عزل‬
‫العالقة"‪.6‬‬

‫و في خالفه المعتمد ( ‪256‬ه‪272 -‬ه) انتعشت الو ازرة نسبيا‪ ،‬و ذلك لتقلد‬
‫منصب الو ازرة وز ار أكفا ‪ ،‬كانوا على مستوى جيد من الكفا ة اإلدارية أمثال "عبيد هللا بن‬
‫خاقان"‪ 7‬إذ كان خبي ار بأحوال الرعايا و األعمال ضابطا لألموال"‪.8‬‬

‫‪ /1‬اليوزبكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 526‬‬

‫‪ /2‬الثعالبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 523‬‬

‫‪ /3‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /4‬السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /5‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪. 592‬‬

‫‪ /6‬الثعالبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 522‬‬

‫‪ /7‬عبيد هللا بن يحي الخاقاني كان حسن الخط‪ ،‬و له معرفة بالحساب و االستيفاء‪ ،‬إال أنه كان مخلطا و كان مجدودا‪ ،‬و كان‬
‫كريما حسن األخالق‪ ،‬استوزر للمتوكل‪ ،‬ثم المعتمد و جرت له أمور و قد نفاه المستعين إلى برقة‪ ،‬ثم قديم بغداد و استوزر‬
‫منه ست و خمسين مات سنة ‪ 236‬ه‪ .‬الذهبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 4‬‬

‫‪ /8‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 215‬‬

‫‪72‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و نظ ار للظروف الداخلية للدولة من حروب وجب اختيار وز ار أكثر صالحية‪ ،‬إال‬


‫أن هذا األمر لم يتحقق بنسبة كبيرة نظ ار لقلة األموال و طلب الموفق المزيد من فرض‬
‫الضرائب على التجار‪ ،‬مما كان سببا في عزل الوزير الحسن بن المخلد الجراح‪ 1‬حيث امتنع‬
‫عن تنفيذ رغبة الموفق‪ .2‬فهذه هي حالة الو ازرة حيث و إن حصل و تولى رجل ذو كفا ة‬
‫إدارية يعزل مباشرة بسبب معارضة القادة األتراك‪.3‬‬

‫حيث كان الوزير الحسن بن المخلد يوثق كل ليلة قبل أن ينام في دفتر صغير‬
‫أصل األموال و مصادرها‪.4‬‬

‫أما الخليفة المعتضد ( ‪272‬ه‪282-‬ه) فقد اختار الوز ار من ذوي الكفا ة و‬


‫المقدرة اإلدارية‪ ،‬ففي عهد المعتضد و المكتفي نرى أنهما نجحا في " انتشال الو ازرة من‬
‫الفوضى و االضطراب‪ ،‬و وضعها في المكانة الالئقة بها‪ ،‬و يرجع السبب في ذلك إلى‬
‫مقدرتهما في اختيار وزرائهما من ذوي المقدرة و الكفاية اإلدارية و المالية‪ .5‬منهم الوزير‬
‫عبيد هللا بن سليمان بن وهب‪ ،‬و ابنه القاسم بن عبيد هللا‪ 6‬الذي قال مقولته المشهورة‪ " :‬عقل‬
‫الكاتب في قلمه‪ ،‬و الكالم الحسن مصائد القلوب"‪.7‬‬

‫‪ / 1‬الحسن بن المخلد الجراح الوزير األكمل‪ ،‬أبو محمد البغدادي‪ ،‬أحد رجال العصر سؤداد‪ ،‬و شهامة و بالغة و كتابة ولد‬
‫سنة ‪ 202‬و زر للمعتمد‪ ،‬و عمل الوزارة مع كتابة الموفق‪ ،‬و كان آية في حساب الديوان‪ ،‬توفي سنة ‪271‬هـ‪ .‬الذهبي‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،11‬ص ‪. 8 ، 7‬‬

‫‪ /2‬الزهراني‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 127‬و ‪. 271‬‬

‫‪ /3‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 161‬‬

‫‪ /4‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /5‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 127‬و ‪. 271‬‬

‫‪ /6‬القاسم بن عبيد هللا بن وهب استوزره المعتضد و مات األخير و هو وزيره‪ ،‬ثم أقره الخليفة المكتفي على وزرائه الى‬
‫أن توفي المعتضد‪ .‬الثعالبي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪. 127 – 121‬‬

‫‪ /7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 127‬‬

‫‪73‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و في خالفة المقتدر (‪225‬ه – ‪323‬ه) بلغت اإلدارة أسوأ أوضاعها‪ ،‬و خاصة‬
‫بعد أن تحكم النسا و القادة بأموال الدولة و أمورها و خاصة تحكم قادة الجيش فكان مؤنس‬
‫الخادم قائد الجيش الدور األكبر في اختيار الوزير و عزله‪ .‬و بلغ من تحكمه في ذلك أن‬
‫أقنع الخليفة بقتل الوزير ابن الفرات‪ ،‬و خاصة بعد أن توترت العالقة ما بين الجيش و‬
‫الو ازرة‪.1‬‬

‫و يصف لنا ابن خلدون عن حالة الفوضى التي عمت جهاز اإلدارة فيقول‪ " :‬إن‬
‫المقتدر لم تكن تتوفر فيهم خطتا السيف و القلم و سائر معاني الو ازرة و‬ ‫وز ار‬
‫المعاونة"‪.2‬حيث أسرف الخليفة المقتدر في تعيين الوز ار و عزلهم‪ ،‬بحيث بلغ عددهم ‪72‬‬
‫وزيرا‪ ،‬منهم من وزر لثالث مرات‪،3‬و منهم من وزر لفترتين‪.4‬‬

‫و قد تولى منصب الو ازرة شخصيات ضعيفة ليست لهم دراية باألمور المالية كما‬
‫هي الحال في الوزير أبي علي بن محمد بن عبيد الخاقاني‪ ،‬الذي تولى الو ازرة سنة ‪222‬هـ‬
‫فقد قال عنه الصابئ‪ " :‬كان فيه إهمال لألمور و اطراح لألعمال و تلون في األفعال"‪5‬حيث‬
‫لم يكن الخاقاني قدي ار في إدارة الدولة‪ ،‬بل كان خبيثا‪ .6‬حيث وجه اهتمامه إلى رعاية الحاشية‬
‫للحفاظ على منصبه‪ ،‬و لم يقدر الظروف التي تمر بها الدولة‪.7‬‬

‫‪ /1‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 13‬و ‪. 11‬‬

‫‪ / 2‬ابن خلدون ‪ ،‬المقدمة ‪ ،‬مطبوعات و منشورات دار الشعب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪. 232‬‬

‫‪ /3‬أبو الحسن ابن الفرات‪ :‬الوزارة األولى كانت سنة ‪246‬هـ و الثانية ‪312‬هـ ‪ ،‬و الثالثة سنة ‪ .355‬الصابئ‪ ،‬المصدر‬
‫السابق‪ ،‬ص ‪ 22‬و ‪. 34‬‬

‫‪ /4‬علي بن عيسى‪ :‬األولى كانت سنة ‪315‬هـ ‪ ،‬و الثانية ‪352‬هـ ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 331 ، 353‬‬

‫‪ /5‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ /6‬الدوري ‪ ،‬الدراسات ‪ ،‬ص ‪.211‬‬

‫‪/7‬السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 553‬‬

‫‪74‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و ترك تصريف األعمال و إدارة الدولة البنه عبد هللا الذي كان سكي ار و لم تكن له‬
‫القدرة على اإلدارة‪ ، 1‬فلم يباشر هذا االطالع على ما يرد أو يصدر من الكتب‪ ،‬بل ترك ذلك‬
‫للكتاب‪ ،‬على أن تعرض عليه و على أبيه خالصات األعمال‪ ،‬و حتى هذه الخالصات لم‬
‫يكن يطلع عليها أحد منهما و هكذا تكدست األشغال و توقفت آلة اإلدارة‪.2‬‬

‫و قد استغل الخاقاني و ابنه مركزهما في الحصول على منافع مادية خاصة‪،‬‬


‫فكانت الوظائف تباع إلى الراغبين فيها دون النظر إلى مقدرتهم و كفايتهم‪ ،‬و حتى الوظائف‬
‫المشغولة يمكن الحصول عليها إذا تقدم الراغب بكمية إضافية من المال‪.3‬‬

‫كما توصل األشرار إلى كتب الرقاع على يد أم موسى القهرمانة إلى المقتدر باهلل‪،‬‬
‫يخطبون األعمال و يتضمنون األموال‪ ،‬فخرج األمر إلى الوزير الخاقاني بتقليدهم األمر‪،‬‬
‫فانتشر أمره‪ ،‬و شاركه األشرار في النظر‪ ،‬و استخرجوا األموال من كل وجه بكل عسف‪.4‬‬

‫و قد أدى ذلك إلى ارتباك إداري شديد‪ ،‬و فقد الخليفة ثقته بوزيره‪ ،‬و أحس‬
‫بالحاجة إلى من يستوزره لتمشية إدارة الدولة‪ .5‬و عزم الخليفة على إعادة ابن الفرات لوال‬
‫معارضة مؤنس الذي برر ذلك بقوله‪ " :‬متى أعدته ظن الناس أنك إنما قبضة عليه شرها في‬
‫ماله‪ ،‬و المصلحة أن تستدعي علي بن عيسى من مكة و تجعله وزي ار فهو الكافي الثقة‬
‫الصحيح العمل‪ ،‬المتين الدين"‪.6‬‬

‫‪ /1‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪. 13 ، 15‬‬

‫‪ /2‬السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 559‬‬

‫‪ /3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 559‬‬

‫‪ /4‬مسكويه ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 21 ، 14‬‬

‫‪ /5‬السامرائي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 551‬‬

‫‪ /6‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ 19‬و ‪. 29‬‬

‫‪75‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫استلم علي بن عيسى الو ازرة بعد وصوله في ‪ 73‬محرم سنة ‪ 337‬ه فوجد األمور‬
‫مرتبكة و الخزينة خاوية‪ ،‬فأخذ يشتغل بجد من الفجر حتى صالة العشا يوميا‪1‬و اختار‬
‫كفوئين من أصحابه‪ ،2‬و جابه الوزير مشكلة كثرة التزويرات على الوزير السابق بعد عزله "‬
‫بخطوط من مساحات و إدارات‪ ،‬فنظر على بن عيسى في تلك الخطوط و أنكرها و أراد‬
‫إسقاطها‪ ،‬فخاف ذم الناس‪ ،‬و رأى أن ينفذها إلى خاقاني ليميز الصحيح من المزور‪.3‬‬

‫فيكون الذم له فلما عرضت عليه قال‪ " :‬هذه جميعها خطي و أنا أمرت بها"‪.4‬‬
‫لقد تمكن علي بن عيسى من تسيير دفة الحكم و من إصالح الوضع بشكل عام و تصريف‬
‫أمور الدولة و باستشارة الخليفة‪.5‬‬

‫و كذلك الوزير حامد بن العباس‪ 6‬فقد " صرف علي بن عيسى عن و ازرة السلطان‬
‫على فضله و عد له و سداده و حزمه بحامد بن العباس على تخلفه و نقصه"‪.7‬‬

‫و قد تعرض الوز ار معظمهم للمصادرة و السجن أو القتل‪ ،‬و ذلك بسبب حاجة‬
‫الخليفة المقتدر للمال‪ ،‬و هناك سبب آخر أدى بالخليفة إلى اإلسراف في تولية و عزل‬

‫‪ /1‬المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 292‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /3‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 24 ، 22‬‬

‫‪ /5‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /6‬حامد بن العباس‪ :‬أبو الفضل الخراساني ثم العراقي ‪ ،‬و كان كثير األموال و الحشم‪ ،‬و عزل المقتدر ابن الفرات بحامد‬
‫و ظهر منه نقص في قوانين الوزارة‪ ،‬فضموا إليه علي بن عيسى الوزير و له أثر صالح في اهالك حسين بن الحالج‪ ،‬توفي‬
‫في رمضان سنة ‪ ،355‬الذهبي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 59‬ص ‪. 314 ، 316‬‬

‫‪ /7‬الثعالبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬

‫‪76‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫الوز ار هو أن بعض الطامعين بالو ازرة كان يتعهد للخليفة بأدا مبلغ كبير من المال مقابل‬
‫حصوله على منصب الو ازرة‪.1‬‬

‫مما أدى إلى اضطراب أمور الدولة اإلدارية و المالية‪ ،‬و عدم كفا ة الوز ار ‪ ،‬و‬
‫كذا زيادة حدة المنافسة و المساومة على طلب الو ازرة فتولى هذا المنصب شخصيات ضعيفة‬
‫لم تستمر في الو ازرة سوى شهرين فقط‪ ،‬مثل الحسين بن القاسم بن عبيد بن سليمان بن‬
‫وهب‪ ،2‬فقد تولى الو ازرة في ‪ 26‬رجب سنة ‪372‬ه‪ ،‬و عزل عنها في ‪ 22‬رمضان سنة‬
‫‪372‬ه‪ ،3‬و بعضهم لبضعة أشهر مثل‪ :‬أبي الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات‪.4‬‬

‫فقد تولى الو ازرة في ‪ 28‬ربيع الثاني سنة ‪ 323‬ه‪ ،‬و عزل عنها في ‪ 22‬شوال سنة ‪323‬ه‪.‬‬

‫كما أصبح لكل وزير أنصار من القواد و الكتاب و هؤال يسمح لهم الحصول‬
‫على األموال و المناصب إن هو تولى الو ازرة‪.5‬‬

‫‪ /1‬اليوزبكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ / 2‬الحسين بن القاسم بن عبد هللا بن سليمان بن وهب‪ :‬كان عظيم الهيبة شديد اإلقدام سفكا للدماء‪ ،‬و كان الكبير و الصغير‬
‫منه على وجل‪ ،‬ال يعرف أحد من أرباب األموال معه نعمة توفي سنة ‪ 245‬في خالفة المكتفي‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬المصدر السابق‬
‫ج ‪ ، 3‬ص ‪. 365‬‬

‫‪ /3‬اليوزبكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 593‬‬

‫‪ / 4‬ابي الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات‪ :‬و كان كاتبا مجردا‪ ،‬و هو المعروف بابن خنرابة و هي أمه‪ ،‬و كانت‬
‫جارية رومية‪ ،‬قلده المقتدر الوزارة في سنة ‪ 321‬هـ و توفي ‪ 321‬و دفن في داره بالرملة‪ ،‬ابن خلكان‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬‬
‫ج‪ ، 3‬ص ‪. 921 ، 929‬‬

‫‪ /5‬السامرائي ‪ ،‬مؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 293‬‬

‫‪77‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬األزمات المالية و إفالس الخزينة ‪:‬‬

‫لقد إتسم العصر العباسي الثاني بكثرة األزمات اإلقتصادية و المالية التي أثرت‬
‫سلبا على الخالفة العباسية بالدرجة األولى و على سكانها و تعددت أسبابها كالصراعات و‬
‫الفتن و الحروب و الثورات السياسية و غيرها‪.1‬‬

‫إذ نجد أنه من بين األمور الملفتة للنظر في النصف األول من القرن الثالث‬
‫هجري‪ ،‬أن مالي ة الدولة كانت في تأخر مستمر بفعل إسراف الخلفا و القادة األتراك على‬
‫أنفسهم‪ ،‬و من مظاهر االنحطاط و التعثر في مالية الدولة أن نظام االلتزام أو الضمان‬
‫‪2‬‬
‫أضحى على ما يبدو النظام السائد‪ ،‬و ما زاد األوضاع المالية تفاقما فصل بيت مال‬
‫المسلمين عن خزانة الخليفة الخاصة‪ ،‬و منع إشتداد نفوذ األتراك فقد وضعوا أيديهم على‬
‫بيت المال في حين انصرف الخلفا لتنمية موارد خزانتهم الخاصة‪.3‬‬

‫حيث نبدأ بالصراع بين المعتز و المستعين سنة ‪257‬ه و ما صاحب ذلك من‬
‫أعمال تخريب للقنوات الزراعية و هدر األموال‪ ،‬فقد أمر المستعين بحفر خندق كلفته ‪333‬‬
‫ألف دينار حول بغداد‪ ،‬و كتب إلى عمال الخراج‪ ،4‬بكل بلدة أن يكون حملهم الخراج و‬
‫األموال إلى بغداد‪ ،‬و ال يحمل شي منها إلى سام ار و خربت الضياع و في عهد المستعين‬

‫‪ /1‬أحمد إسماعيل عبد هللا الجبوري‪" ،‬تاريخ األزمات االقتصادية اإلسالمية األسباب و المعالجات العصر العباسي‬
‫نم وذجا"‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬جامعة الموصل‪ ،‬العراق‪ ،‬ص ‪ 5‬و ‪.52‬‬

‫‪/2‬بيت المال‪ :‬هو المؤسسة التي قامت باإلشراف على ما يرد من األموال و ما يخرج منها في أوجه النفقات المختلفة أو‬
‫المكان الذي يضم األموال المتجمعة من الزكاة و المغانم و الخراج لتكون تحت يد الخليفة أو الوالي يضعها فيما أمر هللا به‬
‫أن توضع بما يصلح شؤون األمة في السلم و الحرب‪ ،‬منير حسن عبد القادر عدوان‪ ،‬مؤسسة بيت المال في صدر اإلسالم‪،‬‬
‫مذكرة لنيل شهادة الماجستر في التاريخ‪ ،‬إشراف جمال محمد داود جودة‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية‪ ،‬فلسطين‪ ، 2111 ،‬ص‬
‫‪. 91‬‬

‫‪ /3‬سهيل طقوش ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 516‬‬

‫‪ /4‬الخراج ‪ :‬هو أن يؤدي العبد إليك خراجه أي غلته‪ ،‬و الرعية تؤدي الخراج إلى الوالة‪ .‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق‬
‫ج‪ 5‬ص ‪. 91‬‬

‫‪78‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫بدأ تأثير النسا و الخدم في سياسة و شؤون الدولة‪ ،‬فإن المستعين ترك ألمه و لشاهك‬
‫الخادم الحبل على الغارب و تحكموا في زمام األمور‪ .1‬فنهبا مالية الدولة باالشتراك مع‬
‫أتامش التركي‪.2‬‬

‫و كان المعتز مستضعفا مع األتراك فعمل على دفع خطرهم فاغتنموا الفرصة و‬
‫طالبوه بدفع رواتبهم فعجز و أبت أمه مساعدته فثاروا عليه‪.3‬‬

‫ففي عهد المعتز سنة ‪252‬ه – ‪254‬ه لم تكن أحوال الخالفة بأحسن أحوالها إذ‬
‫كثر االضطراب و تأخرت أموال البلدان‪ ،‬و كثرت في عهده شغب الجند‪.4‬‬

‫و كان المعتز مستضعفا مع األتراك و يخافهم‪ ،‬فإتفق أن جماعة من كبارهم أتوه و‬


‫قالوا يا أمير المؤمنين أعطنا أرزاقنا لقتل صالح بن وصيف‪ ،‬فطلب من أمه قبيحة ماال لينفقه‬
‫عليهم‪ ،‬لكنها أبت إعطائه وشحت نفسها‪ ،‬و كما ذكرنا سالفا لم يكن بقي في بيت المال‬
‫شي ‪ ،‬فاجتمع األتراك على خلعه‪ 5‬و هاجموه و هو في داره و ضربوه بالدبابيس و خرقوا‬
‫قميصه و أقاموه في الشمس‪.6‬‬

‫مقابل هذا وجد عند أمه قبيحة مجموعة من المجوهرات النفيسة و الثمينة‪ ،‬مكوك‬
‫زمرد‪ ،‬لؤلؤ حب كبار‪ ،‬كيلجة ياقوت أحمر يعرف بالجبلي و كان قد إشتراه الرشيد بأربعين‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 3‬‬

‫‪ / 2‬أتامش‪ :‬في منتصف ربيع اآلخر وقعت تلك الفتنة بين األتراك و ذلك أن المستعين قد فوض أمر الخالفة و التصرف في‬
‫أموال بين المال إلى ثالثة شاهك و أم الخليفة و أتامش التركي‪ ،‬الذي كان بمنزلة الوزير و في حجره العباس بن المستعين‬
‫يربيه و يعلمه الفروسية‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،55‬ص ‪. 3‬‬

‫‪ /3‬أحمد علبي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 536‬‬

‫‪ /4‬اليعقوبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 962‬‬

‫‪ /5‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 226‬‬

‫‪ /6‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 293‬‬

‫‪79‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫ألف دينار و نقش عليه اسمه أحمد‪1‬فقومت األسفاط بألفي دينا ار فلما رأى ابن وصيف ذلك‬
‫قال‪ :‬قبحها هللا‪ ،‬عرضت ابنها للخطر مقابل خمسين ألف دينار‪.2‬‬

‫و أثنا خالفة المهتدي باهلل ‪254‬ه – ‪256‬ه قيل عنه أنه ليس كباقي الخلفا‬
‫في تسيير شؤون الدولة و الخالفة‪ ،‬فقد اتبع سياسة التقشف و تقليل النفقات حيث قلل من‬
‫الفراش و المطعم و المشرب و أمر بإخراج آنية الذهب و الفضة من الخزائن فكسرت و‬
‫ضربت دنانير و دراهم‪ ،‬فالخلفا قبله و الذين سبقوه في الخالفة كنوا ينفقون على موائدهم‬
‫في كل يوم عشرة آالف درهم بينما هو أزال ذلك و جعل لمائدته و سائر مؤنه في كل يوم‬
‫نحو ما يقارب مائة درهم‪ ،‬حيث كان يواصل الصيام فهذه السياسة و اإلستراتيجية التي‬
‫اتبعها أدت بالخالفة العباسية إلى أزمة مالية خانقة مستنزفة موارد الدولة‪.3‬‬

‫و في سنة ‪ 255‬ه أدت حركة الزنج أيضا بالخالفة العباسية إلى نشو أزمة مالية‬
‫عادت بالسلب على سكانها و مدنها‪ ،‬فهذه الحركة التي دامت رحالها مدة خمسة عشر عاما‬
‫تسببت في إفالس الخزينة و فراغها‪ ،‬مما اضطر باألمير الموفق باهلل الى استقراض األموال‬
‫من التجار و الكتاب و العمال‪ ،‬حيث فكر بجدية في فرض ضرائب إضافية على التجار‪.4‬‬
‫و واجه الخليفة المعتضد باهلل سنة ‪272‬ه‪282-‬ه ضائقة مالية صعبة فقام بالعديد من‬
‫اإلج ار ات المختلفة‪ ،‬حيث قام ببنا المطامير‪ ...5‬الخ‪ ،‬فقد قال ابن الجوزي في ذلك‪ ،‬فلما‬

‫‪ /1‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 536‬‬

‫‪ /2‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪226‬‬

‫‪ /3‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 513‬‬

‫‪ /4‬أحمد إسماعيل عبد هللا الجبوري‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 5‬و ‪52‬‬

‫‪ / 5‬مطامير ‪ :‬جمع مطمورة‪ ،‬و هي حفرة أو مكان تحت األرض و قد هيئ خفيا يطمر فيه الطعام أو المال‪ ،‬ياقوت الحموي‬
‫المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 592‬‬

‫‪80‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫ولي المعتضد لم يكن في بيت المال إال ق ارريط و الحضرة مضطربة و األعراب عابثون‪،‬‬
‫فأصلح األمور و حمى البيضة و بالغ في العمارة و أنصف في المعاملة و اقتصد في‬
‫النفقة‪1‬فمات و في بيت المال بضعة عشر ألف دينار‪.2‬‬

‫فمعاناة الخالفة العباسية أيام عهد المقتدر باهلل لم تكن وليدة ظروف راهنة بل هو‬
‫راجع إلى استبداد األتراك و استشارهم األموال فقد وجد في بيت مال أم المستعين مليون‬
‫دينار و في بيت مال ابنه العباس ‪ 633.333‬دينار‪.3‬‬

‫و سار المعتضد أيضا على سياسة تقليل النفقات عن طريق القروض‪ ،‬فالمعتضد‬
‫أراد تجهيز ج يش فعجز عن ذلك بيت مال العامة فأخبر بمجوسي له مال العظيم أن يقرضه‬
‫فقبل و كان يعلم أن ماله بين أيدي أمينة أمير المؤمنين‪ ،‬و لما سمعه ما قال إنصرف‬
‫المعتضد و قال له أغنانا هللا عن القرض منك و لم يستقرض منه شيئا‪.4‬‬

‫فالواقع أن سد حاجة خزينة الدولة المركزية كان يتطلب تدابير أشد فعالية و من‬
‫هنا عمد الوزير عبيد هللا بن سليمان إلى إطالق سراح ابني الفرات أبو العباس أحمد و أبو‬
‫الحسن علي من السجن و هما المعروفان بالخبرة و العمل و الحساب‪.5‬‬

‫فبدأ ابنا الفرات إتصاالتهما سريعا مع رجل من طي يكنى بأحمد بن محمد و عقدا‬
‫له الضمان على المناطق المجاورة لبغداد مقابل دفع ‪ 7333‬دينار يوميا و ‪ 6333‬دينار‬
‫شهريا و هذه نفقات دار الخالفة على وجه اإلقتصاد‪.6‬‬

‫‪ /1‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 329‬‬

‫‪ /2‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 216‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 93‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،52‬ص ‪. 329‬‬

‫‪ /5‬الصابي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 53 – 52‬‬

‫‪ /6‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.59 – 53‬‬

‫‪81‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و شهد عصر المقتدر باهلل ‪225‬ه تدهو ار خطي ار في األوضاع المالية‪ ،‬فعندما‬
‫كان طفل صغير كان في بيت المال ما يقارب أربعة أو خمسة عشر مليون لكنه أسرف و‬
‫بذر رغم جهودي وزيره علي بن عيسى في ذلك‪.1‬‬

‫و من مظاهر إسرافه و تبذيره نجد ما قام به عندما قدم إليه رسل ملك الروم سنة‬
‫‪ 335‬ه‪ ،‬مما أدى إلى إنبهارهم و دهشتهم‪ ،‬كذلك ما صرفه على ختان أوالده الخمسة و‬
‫معهم طائفة من األيتام نحو ستمائة ألف دينار‪.2‬‬

‫و كان لفترة الفوضى السياسية أثرها السيئ على ميزانية الدولة‪ ،‬و خاصة عند خلع‬
‫الخلفا و الوز ار و رجال الدولة الكبار‪ ،‬و مبايعة خليفة جديد‪ ،‬فالجند و ذخائرهم من‬
‫الجواهر و الفضة و األواني الفضية و الذهبية و التحف و الذخائر الثمينة و التي كانت‬
‫بمثابة أموال إحتياطية يهرع الخلفا إليها عند الحاجة‪ ،‬و لعل أكبر عملية نهب وقعت سنة‬
‫‪ 377‬ه‪ .‬لما خلع الخليفة المقتدر و حل مكانه الخليفة القاهر باهلل‪ ،‬فقد هاجم الجند دار‬
‫الخالفة مستغلين حوادث الشغب فسرقوا كل ثمين فيها‪.3‬‬

‫و نهب المقتدر ألمه ستمائة ألف دينار‪ ،‬و كانت له الكثير من الجواهر النفيسة‬
‫لكنه كان معروفا عنه حبه للبذخ و التبذير و اإلسراف‪ ،‬فكل ما ملكه أسرفه و أتلفه في أيسر‬
‫مدة‪ ،‬باإلضافة إلى بذله األموال في الجند‪.4‬‬

‫‪ / 1‬ناريمان صادق عبد القادر األلشي‪ ،‬الخالفة العباسية و عصر أمرة األمراء ‪329‬هـ ‪ 339 -‬هـ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الماجيستر‪ ،‬إشراف محمد حمدي المناوي‪ ،‬تخصص التاريخ اإلسالمي‪ ،‬كلية الشريعة و الدراسات اإلسالمية ‪ ،‬جامعة الملك‬
‫عبد العزيز ‪ ،‬مكة المكرمة ‪ ، 5414 ،‬ص ص ‪ 92‬و ‪. 11‬‬

‫‪ /2‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 261‬‬

‫‪ /3‬أحمد إسماعيل عبد هللا الجبوري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 5‬و ‪. 52‬‬

‫‪ /4‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 313‬‬

‫‪82‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫فدولة المقتدر كانت دولة ذات تخليط كبير لصغر سنه و لسيطرة أمه و نسائه و‬

‫خدمه عليه‪ ،‬فدولته كانت تدور أمورها و شؤونها على تدبير النسا و الخدم‪ ،‬أما هو‬

‫فمشغول بملذاته و شهواته‪ ،‬فخربت الدنيا في أيامه و خلت بيوت األموال من المال‪.1‬‬

‫و عندما تولى الو ازرة أبو الحسن علي بن الحسن بن الفرات سنة ‪226‬ه‪ ،‬لجأ إلى‬

‫سياسة إ ستنزاف األموال‪ ،‬مما أدى إلى حدوث أزمة مالية‪ ،‬و قد حاول الوزير عبد هللا بن‬

‫محمد بن عبيد هللا بن يحي بن خاقان بسبب إضطراب خزينة الدولة إستخراج األموال من‬

‫الوز ار الذين كانوا قبله‪ ،‬ممن عملوا في منصب الو ازرة لحل األزمات المالية‪ ،‬و لكن محاولته‬

‫با ت بالفشل‪.2‬‬

‫و بعد فتنة المعتز و خلع الوزير علي بن عيسى الذي كان متحكما في زمام‬

‫األمور و جا بعده ابن الفرات فنهب الخزائن و األموال و فعل ما شا و أراد‪ ،‬و استحوذ‬

‫على الكثير من األموال‪ .‬و أخذ سبعمائة ألف دينار عندما كانوا يقيمون وجوه مال البيعة‪.3‬‬

‫كما قام القواد بشغب على الوزير ابن خاقان مطالبين بدفع رواتبهم التي لم يستطيع‬

‫‪ /1‬ابن الطقطقى ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 262‬‬

‫‪ /2‬البندري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 552‬‬

‫‪ /3‬الصابي ‪،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 533‬‬

‫‪83‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫توفيرها لهم‪ ،‬حتى أدى إلى تآمر القواد و نسا الخليفة سنة ‪ 372‬ه‪.1‬‬

‫و كان وجود مؤنس و األزمة المالية التي عاشتها الدولة‪ ،‬و لعل بذخ المقتدر من‬
‫األسباب األساسية لها‪ ،‬العاملين الرئيسيين في عودة الجيش إلى التدخل في سياسة الدولة‬
‫العباسية‪ ،‬و أما الجيش فقد بدأ اعتبا ار من بداية القرن ‪4‬ه بالمطالبة بالرواتب المتأخرة أو‬
‫بأرزاق إضافية‪ ،‬ففي سنة ‪333‬ه مثل شغب الغلمان و الرجالة على الوزير مطالبين‬
‫باستحقاقاتهم‪ ،‬فأحرقوا دار الوزير و ذبحوا الدواب في اصطبلة‪ ،‬و في سنة ‪376‬ه أيضا‬
‫طالب الجند من جديد بزيادة أرزاقهم مكافأة لهم لصدهم تقدم القرامطة في السواد‪ ،‬و اضطر‬
‫المقتدر إلى اإلستجابة لهم فوافق على زيادة دينار لكل جندي ما أدى إلى فشل خطة الوزير‬
‫علي بن عيسى المالية المعتمدة على اإلقتصاد في النفقات فكل هذه األحداث أفسحت‬
‫المجال مجددا لتمرد الجيش و تدخله في إدارة الدولة و تحكمه في الو ازرة‪.2‬‬

‫فتسلط مؤنس هذا و تجبره الشديد و بإعتماده على قوة الجيش جعله يتحكم في‬
‫زمام األمور كما يحب و يرضى‪ ،‬فهذه الفوضى تحت تصرف و زعامة األتراك‪ ،‬عملت على‬
‫عدم انتظام الموارد المالية لبيت المال و فراغ الخزينة‪.3‬‬

‫ناهيك عن تفشي ظاهرة الرشوة في عهد المقتدر‪ ،‬حتى صارت الو ازرة تؤخذ‬
‫بالرشوة بعدما تدخل في أمر تعيين الوز ار الخدم و الحاشية‪.4‬‬

‫‪ /1‬ابن مسكويه ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /2‬حسام الدين السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 61 ، 12‬‬

‫‪ /3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪61‬‬

‫‪ /4‬إبراهيم أيوب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 522‬‬

‫‪84‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و قد أحدثت ثورة القرامطة أيضا أزمات مالية داخل الخالفة العباسية و يعتبر أول‬
‫صدام عنيف حدث بين الخالفة العباسية و القرامطة كان في أيام المعتضد باهلل ‪272‬ه –‬
‫‪282‬ه‪ ،‬إذ خرج زكرويه بن مهرويه‪ 1‬داعية القرامطة فأرسل إليهم الجيوش و قتل منها ما ال‬
‫يحصى‪ ،‬و كان للقرامطة األثر الكبير على مالية الدولة العباسية‪ ،‬سوا فيما اكتسحه‬
‫القرامطة من األموال بالقوة و القهر‪ ،‬أو فيما أنفقته الخالفة في كسرهم و دحرهم‪.2‬‬

‫و توتر النزاع و اشتدت شوكة القرامطة مما اضطر بالخالفة إلى اتخاذ إج ار ات‬
‫مالية لصد هذه الحركة و دحرها و القضا عليها‪ .‬ففي سنة ‪374‬ه بلغت نفقات حرب‬
‫القرامطة ثالثة ماليين دينار‪ ،‬و ذلك عند تهديدهم بغداد العاصمة‪ ،‬و سنة ‪375‬ه‪ ،‬بلغ‬
‫إجمالي ما أنفقه المقتدر على القرامطة ما يزيد عن ‪ 7.873.333‬دينار و هذا أنفق على‬
‫حربهم في واسط و الكوفة‪ ،‬فقد أحدثت ثورات القرامطة هاته أزمات مالية خانقة أدت إلى‬
‫‪4‬‬
‫االرتفاع في األسعار و شيوع حاالت الجوع و الفوضى‪ ،3‬و في سنة ‪ 332‬ظهر بالجامدة‬
‫رجل ادعى النسب العلوي فقتل العامل بها و نهبها و أخذ من دار الخراج أمواال كثيرة‪ ،‬كل‬
‫هذه األحداث كانت سببا في عجز الخالفة العباسية المالي‪ 5‬و انتشرت الفتن عهده‪ .6‬و‬
‫وصف ميور الدولة العباسية في عهد المقتدر فقال‪ " :‬إن عهد هذا الخليفة تعس قد وهى‬

‫‪ / 1‬زكرويه بن مهرويه‪ :‬هو يحي بن زكرويه بن مهرويه أبو القاسم القرمطي المعروف بالشيخ في جحافله‪ ،‬أراد اإلقامة في‬
‫سامراء لكنه ثني رأيه فعاد إلى بغداد و قتل على باب دمشق‪ ،‬ابن كثير‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،55‬ص ‪. 46‬‬

‫‪ /2‬ضيف هللا بن يحي الزهراني‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪.291‬‬

‫‪ /3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ / 4‬الجامدة ‪ :‬بكسر الميم‪ :‬قرية كبيرة جامعة من أعمال واسط بينها و بين البصرة‪ ،‬الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪41‬‬

‫‪ /5‬الذهبي ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /6‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 24‬‬

‫‪85‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫بالدولة إلى الحضيض‪ ،‬و تعتبر واردات بيت المال من اإلنتاج الزراعي هي العمود الفقري و‬
‫الركيزة األساسية للخالفة العباسية‪ ،‬فكان ال بد للدولة باإلهتمام باألراضي الزراعية و توفير‬
‫المياه عن طريق تعمير و إصالح السدود و إقامة مشاريع جديدة‪ ،‬و هذا ال بد له من ميزانية‬
‫مالية كبيرة إلنفاقها على النشاط الزراعي و االقتصادي‪ ،‬لكن هذا لم يحصل فقد تدهورت و‬
‫سا ت أحوال الزراعة و المزارعين نتيجة لفوضى الجند و الفتن الداخلية بين المعتز و‬
‫المستعين ‪.‬‬

‫حيث وجهت الدولة جميع إمكانياتها المادية و أنفقت كافة أموالها الموجودة بخزينة‬
‫الخالفة لصد هذه الثورات و دحرها‪ ،‬و الذي زاد الطين بلة هو نظام الجباية‪ ،1‬الذي أضر‬
‫بأمور المزارعين فكان على الوزير أن يضمن مبلغا من المال لخزينة الدولة دون النظر إلى‬
‫كيفية الحصول على هذا المال‪.2‬‬

‫و كان وز ار الخالفة العباسية يعيشون في نعيم كبير و ذلك لما كانوا يأخذونه من‬
‫رواتب ضخمة و اقطاعات و ما كانوا يختلسونه ألنفسهم من أموال الدولة‪ ،3‬و قد توالى‬
‫النهب لدار الخالفة‪ ،‬فقد نهبها جند البريدي سنة ‪333‬ه و هرب الخليفة المتقي باهلل و ابن‬
‫رائق إلى الموصل‪ ،4‬و سنة ‪334‬ه‪ .‬ذهبت دار الخالفة بعد خلع الخليفة المستكفي و دخول‬
‫معز الدولة البويهي بغداد في نفس السنة‪ ،5‬و كانت األزمات المالية المستعصية التي‬
‫واجهت الخلفا العباسيين سببا في حدوث نكبات سريعة للوز ار أيام الخليفة الراضي باهلل‬

‫‪ / 1‬الجباية ‪ :‬بكسر الجيم و بعد األلف ياء و هاء‪ ،‬من جبيت الشيء إذا جمعته من جهات متفرقة و يوم الجباية من أيام‬
‫العرب‪ ،‬الحموي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /2‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪.291‬‬

‫‪ /3‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬

‫‪ /4‬ابن مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /5‬الذهبي ‪ ،‬دول اإلسالم ‪ ،‬تح‪ :‬حسن اسماعيل مروى ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيروت ‪ ، 5444 ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 316‬‬

‫‪86‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫سنة ‪322‬ه – ‪322‬ه حيث جرى تكليف محمد علي بن مقلةفي منصب الو ازرة و لم يستمر‬
‫في منصبه حتى واجه ضائقة مالية‪.1‬‬

‫و دليل تردي هذه األوضاع لما أعاد المقتدر الوزير أبا علي بن مقلة إلى الو ازرة و‬
‫كتب إلى البالد ما تجدد له‪ ،‬حيث قام بإطالق األرزاق للجند الذين طالبوه بها سابقا و زادهم‬
‫أيضا‪ ،‬و بيعه كل ما في الخزائن من أمتعة وجواهر باإلضافة إلى بيع ممتلكات الناس فبيع‬
‫ذلك بأرخص و أبخس األثمان ليتم أعطيات الجند‪.2‬‬

‫فرغم المحاوالت التي قام بها الوزيرين مقلة لحل األزمات المالية‪ 3‬هاته إال أن على‬
‫تسيير أمور الو ازرة المالية على المصادرات و الضمانات و المساعدات المالية التي تقدم بها‬
‫أصحاب الواليات كأبي عبيد هللا البريدي من األهواز حيث أرسل اليه بثالثمائة ألف دينار‪،‬‬
‫فهذا دليل واضح و إعالنا عاما على وصول الخالفة العباسية إلى الحضيض و مستوى مترد‬
‫من الناحية المالية الذي أثر بدوره هذا على جميع نواحي الحياة العامة للدولة‪ ،‬و حتى اعتماد‬
‫هذه األخيرة على المساعدات الخارجية غير المضمونة و تعاون ابن مقلة مع األتراك و‬
‫خاصة قائدهم مؤنس الخادم إليجاد حل لألزمات المالية‪ ،‬فأدى هذا إلى اتساع نفوذ األتراك‬
‫في اإلدارة و سيطرتهم على كافة أموالها‪ .‬فنكبه الخليفة المقتدر لتفريطه باألموال سنة ‪377‬‬
‫ه‪. 4‬‬

‫و في مفتتح سنة ‪378‬ه شغبت المصافية و هي إحدى فرق الجيش و اشتدت‬


‫شوكتهم فضربوا دار الوزير و انتهبوا كل ما فيها من األموال و أفرغوا خزائنها و قد أصبح‬
‫هيجان الجند و مشاغبتهم و إحداثهم للفتن أم ار مألوفا بعد ذلك‪ ،‬فاستمرت االضطرابات حتى‬

‫‪ /1‬البندري بنت عبد العزيز الخضري‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /2‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 195‬‬

‫‪ /3‬أزمة مالية ‪ :‬هي اضطر اب فجائي يطرأ على التوازن االقتصادي في قطر أو عدة أقطار و تنشأ عن االضطراب الناشئ‬
‫عن اختالل التوازن بين اإلنتاج و االستهالك‪ .‬عبد هللا الجبوري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 5‬و ‪. 52‬‬

‫‪ /4‬البندري ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 554‬‬

‫‪87‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫بلغت ذروتها عام ‪372‬ه‪ .‬و إذ سيطر مؤنس الخادم قائد الجيش نهائيا على األمور و تحكم‬
‫في اإلدارة و اختيار الوز ار ‪.1‬‬

‫فنجد أن وجود مؤنس و األزمة المالية هما العاملين الرئيسيين في تدخل الجيش‬
‫في السياسة‪ ،‬لكن األمور ازدادت سو ا و حرجا أثنا و ازرة سليمان بن الحسن و أصبح‬
‫الهياج و الفتنة أمرين ال بد منهما‪ ،‬فالفرسان الذين قضوا على المصافية هجموا بعد شهر‬
‫على دار الوزير و استمرت االضطرابات بسبب الرواتب حتى بلغت القمة في ‪372‬ه لكن‬
‫بعدها لم يمض شهران حتى ذاق الخليفة و وزيره طعم الطمأنينة حتى ثار الفرسان ‪372‬ه و‬
‫تعرضت بغداد لمدة أسبوعين ألنواع السرقة و النهب‪.2‬‬

‫و في سنة ‪378‬ه حاول الوزير سليمان بن الحسن بن مخلد حل األزمة المالية‬


‫فصادر محمد بن علي بن مقلة بمائتي ألف دينار‪ ،‬لكنه واجه كثي ار من المشاكل المالية‪.‬‬

‫و اتسمت أيام الوزير أبا القاسم عبيد هللا بن محمد الكلوذاني جد معدودة و قصيرة‬
‫فكثرت المصادرات في أيامه‪ ،‬و شغب الجند عليه و شتموه و رجموه و هو في السفينة‬
‫ففرغت الخزينة في عهده و نهبت األموال‪ ،‬فحلف أنه ال يدخل بعد ذلك في الو ازرة و انقطع‬
‫بداره و أغلق بابه‪ ،‬إذ دامت و ازرته شهرين‪.3‬‬

‫‪ /1‬السامرائي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية‪ ،‬ص ‪ 211‬و ‪ 253‬و ‪. 259‬‬

‫‪ /3‬ابن الطقطقي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 213‬‬

‫‪88‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و كانت األزمات المالية المستعصية التي واجهت الخلفا العباسيين سببا في‬
‫حدوث نكبات سريعة للوز ار أيام الخليفة الراضي باهلل سنة ‪322‬ه – ‪322‬ه‪ .‬و مما زاد في‬
‫اضطرابات الوضع المالي و تأزمه هو سبب احتجاز ابن رائق األموال الواردة من واسط و‬
‫البصرة انتقاما من ابن مقلة‪ ،‬فتأخر هذا األخير في دفع أرزاق الجند‪ ،‬فثاروا عليه و معهم‬
‫الغلمان و األتراك فنكب سنة ‪322‬ه‪. 1‬‬

‫إضافة إلى جملة من الضرائب التي اتخذها الوز ار و الخلفا تجاه سكانهم كفرض‬
‫أبو الحسن البريدي ضريبة على الزيت سنة ‪333‬ه‪ ،‬و فرض أيضا ضريبة باهضة جدا‬
‫بلغت سبعين درهما على كر الحنطة‪ ،‬و ضريبة مال الجهبذة في أواخر القرن الثالث هجري‬
‫جديدة إذ وصفها علي بن عيسى بأنها بال على الناس‪ ،‬و غيرها من الضرائب فكلها تؤثر‬
‫على إقتصاد الدولة و تعثر ميزانيتها‪.2‬‬

‫و ال ننسى أيضا انفصال بعض الواليات من الخالفة كان سببا في حدوث أزمة‬
‫مادية و إفالس الخزينة للدولة العباسية‪ ،‬فمنذ سنة ‪254‬ه‪ .‬حدثت بعض اإلنقسامات في‬
‫جسم الدولة العباسية‪ ،‬كقيام الدولة الصفارية التي أعلنت التمرد و العصيان أثنا خالفة‬
‫المستعين باهلل و قيام الدولة السامانية ‪ 288‬ه فهذا اإلنفصال أدى إلى زعزعة ميزانيتها‬
‫المالية‪ ،‬فقد نجم عن ذلك انفصال و انقسام و نقص واضح في الموارد المالية المرسلة إلى‬
‫الخزينة المركزية‪.3‬‬

‫‪ /1‬البندري بنت عبد العزيز الخضر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 222 – 221‬‬

‫‪ /3‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪89‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫فخالل الفتنة التي وقعت أيام المعز و المستعين أدت إلى اضطراب األقاليم في‬
‫عملية إرسال الخراج فكل خليفة طلب أن ترسل الموارد المالية إليه‪ ،‬و لكن األقاليم التابعة‬
‫لدار الخالفة امتنعت عن إرسال أي مبل غ خالل الفتنة‪ ،‬و لم تصل الموارد المالية أيضا إلى‬
‫الدولة الطولونية بانتظام مما أدى إلى توتر العالقات بين كل من الموفق و ابن طولون‪ .‬فقد‬
‫طلب الموفق أموال الخراج و أرسل ابن طولون‪ 1‬مبلغ مليون و مائتي ألف دينار و لم يرض‬
‫الموفق لقلتها‪.2‬‬

‫و كان من أهم األسباب في تدهور الخالفة العباسية و تردي أوضاعها اإلقتصادية‬


‫أن كثرة الخلفا انغمست في اللهو و الترف و اإلقبال على كل متاع الدنيا و ملذاتها من‬
‫‪3‬‬
‫خالل بنا قصور باذخة و معيشة كفلت لها كل وسائل النعيم و الترف‪ ،‬و أولهم المتوكل‬
‫حين قدم دمشق فأعجبته و بني له القصر بداريا و عزم على سكناها‪ 4‬و قصو ار أيضا في‬
‫سام ار ينفق عليها أموال طائلة منها الشاه و العروس و البرج حيث أنفق على القصر األخير‬
‫مبلغ مليونا و سبعمائة ألف دينار و بنى سنة ‪246‬ه‪ .‬بالماحوزة قصو ار عدة‪ ،5‬و كان‬
‫صاحب لهو و ترف إذ توفي و هو داخل مجلس لهو‪ 6‬و أنفق على الهاروني و الجوسق‬
‫الجعفري أكثر من مئة ألف ألف دينار و يقال أنه كان له أربعة آالف سرية‪.7‬‬

‫‪ / 1‬أحمد طولون ‪ :‬هو ابن أحمد بن طولون التركي خمارويه‪ ،‬صاحب مصر و الشام ولي بعد أبيه وله عشرون سنة‪ ،‬كان‬
‫بطل شجاعا جوادا‪ ،‬الذهبي‪ ،‬سير أعالم‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 996‬‬

‫‪ /2‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 591‬‬

‫‪ /3‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬

‫‪ /4‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 216‬‬

‫‪ /5‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 54‬‬

‫‪ /6‬الذهبي ‪ ،‬دور اإلسالم ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 252‬‬

‫‪ /7‬المسعودي ‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ ، 9‬ص ‪. 541‬‬

‫‪90‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫أما عهد المهتدي فقد حاول قدر اإلمكان اإلصالح المالي فقدر لنفسه مصروفا‬
‫يوميا بلغ مائة درهم‪ ،‬و قدرت نفقات الخليفة المعتضد بسبعة آالف دينار يوميا و هي نفقات‬
‫أغلب األجهزة اإلدارية‪ .‬بينما المقتدر باهلل فكان يخصص له كل يوم ‪ 7333‬دينار‪ 1‬و حقيقة‬
‫األمر أن أوضاع الخالفة العباسية خاصة في النصف الثاني من حكم المقتدر أثرت‬
‫مجرياتها على العاصمة كما أن اضطراب األحداث في العراق و األزمة المالية و شغب‬
‫الجند كلها أدت إلى عجز الخالفة عن مواجهة التطورات الخارجية خاصة في األقاليم‬
‫الشرقية‪ .2‬فعندما توفي المكتفي باهلل كان في بيت مال الخاصة ‪ 74333.333‬دينار و في‬
‫بيت مال العامة ‪ 633.333‬دينار ونيف إذ بلغ مقدار العجز المالي في عهد هذا الخليفة‬
‫( ‪ )2.382.824‬دينار و كانت قصوره مؤثثة و مزينة بترف مبالغ فيه و غيره من الخلفا ‪.3‬‬

‫و ليس الخلفا فقط الذي كان لهم نصيبا في اإلستحواذ و السيطرة و نهب خزائن‬
‫الدولة العباسية‪ ،‬فالوز ار كذلك مثلهم مثل الوالة و الكتاب كانوا يختلسون أموال الدولة و‬
‫األمة‪ ،4‬و ناهيك عن تفشي ظاهرة الرشوة في عهد المقتدر حتى صارت الو ازرة تؤخذ بالرشوة‬
‫بعدما تدخل في أمر تعيين الوز ار الخدم و الحاشية‪.5‬‬

‫‪ /1‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /2‬منى لطفي ذياب ذياب‪ ،‬خالفة المقتدر باهلل ‪ 241‬ه – ‪321‬هـ دراسة في النواحي السياسية و اإلدارية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الماجستر‪ ،‬إشراف عبد العزيز الدوري‪ ،‬تخصص تاريخ‪ ،‬كلية الدراسات العليا ‪ ،‬الجامعة األردنية ‪ ، 2113 ،‬ص ‪. 521‬‬

‫‪ /3‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /4‬شوقي ضيف ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /5‬إبراهيم أيوب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 522‬‬

‫‪91‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬الكوارث الطبيعية و األوبئة‪:‬‬

‫‪ /5‬الكوارث الطبيعية‪:‬‬

‫لقد ظهرت في العصر العباسي الثاني بعض األزمات و الكوارث الطبيعية‪ ،‬مما‬
‫كان لها األثر الكبير على الحياة اال قتصادية و خاصة في الجانب الزراعي الذي حدثت فيه‬
‫مشاكل و أزمات اقتصادية ضارة أثرت على باقي القطاعات االقتصادية األخرى كالصناعة‬
‫و التجارة‪ ،‬و ذلك الرتباطها الوثيق بقطاع الزراعة‪.1‬‬

‫أوال ‪ :‬الكوارث المتعلقة بالعامل المناخي ‪:‬‬

‫و من الكوارث و األزمات الطبيعية التي حدثت في العصر العباسي الثاني‬


‫انحباس األمطار‪ ،‬و جدب األرض‪ ،‬و شدة الحر و القحط و الجفاف‪ ،‬أو اشتداد البرد و‬
‫انخفاض الح اررة و االنجماد و تراكم الثلوج‪ ،‬أو كثرة الرياح الشديدة العاتية المحرقة للزرع و‬
‫تساقط األمطار الغزيرة المضرة‪.2‬‬

‫و من اآلفات الطبيعية التي وقعت في عهد المتوكل سنة ‪232‬ه أن أصاب‬


‫الحجاج في العود عطش عظيم فبلغت الشربة عدة دنانير‪ ،‬و مات منهم خلق كثير‪ 3‬و في‬
‫نفس السنة في عهد خالفة المتوكل من ‪ 232‬ه جا مطر عظيم لم يسمع بمثله حيث غرق‬
‫كثير من الموصل و هلك فيها خلق كثير و دخل الما الكثير من األسواق ‪.‬‬

‫و في سنة ‪234‬ه‪ ،‬كما هبت ريح بالعراق شديدة السموم‪ ،‬و لم يعهد مثلها‬
‫أحرقت زرع الكوفة‪ ،‬و البصرة و بغداد و قتلت المسافرين و دامت خمسين يوما‬

‫‪ /1‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 312‬‬

‫‪ /2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 312‬‬

‫‪ /3‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪. 41 ، 49‬‬

‫‪92‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و اتصلت بهمذان‪ ،1‬و أحرقت الزرع و المواشي‪ ،2‬و انقطعت المواد الغذائية عن األسواق‬
‫في بغداد و غيرها‪ ،‬فانتشرت المجاعة و هلك كثير من الناس‪.3‬‬

‫و في سنة ‪ 247‬مطر الناس بسام ار مط ار شديدا في آب‪ ،‬و فيها وقع الصدام‬
‫فنفقت الدواب و البقر‪، 4‬و فيها خرجت ريح من بالد الترك فقتلت خلقا كثي ار و كان يصيبهم‬
‫بردها فيزكمون‪ ،‬فبلغت سرخس‪ ،5‬و نيسابور‪ ،6‬و همذان و الري‪ 7‬و حلوان‪. 8‬‬

‫و في سنة ‪237‬ه سقط بالبصرة برد كبار‪ ،‬تكسر ثمانية آالف نخلة كما وقع‬
‫ببغداد سنة ‪ 243‬برد أعظم من الجوز‪ ،‬مثل بيض الحمام‪ ،‬مع مطر شديد‪ ،‬و سقط يومئذ‬
‫بسام ار برد مثل بيض الدجاج‪.9‬‬

‫و في سنة ‪ 263‬ه و ذلك في خالفة المعتمد حيث كان برد شديد أهلك األشجار و‬
‫الثمار‪ ،‬و الحنطة و الشعير و طالب الناس بالخراج على الغالت‪10‬التي ملكت فاشتد األمر‬
‫عليهم كثيرا‪ ،‬حيث كانت ضريبة الزرع مفروضة عليهم بصرف النظر عن نضج الزرع و‬
‫االستفادة منه‪ ،‬أو موتته و عدم االنتفاع منه‪ ،‬و هذه كانت سمة الجباية في العصر‬

‫‪ /1‬همذان‪ :‬في اإلقليم الرابع و طولها من جهة المغرب ثالث و سبعون درجة‪ ،‬و عرضها ست و ثالثون درجة و قال هشام‬
‫بن الكلبي‪ :‬همذان سميت بهمذان بن الفلوج ابن سامر بن نوح عليه السالم‪ ،‬و همذان و أصبهان أخواه بني كل واحد منهما‬
‫جلدة و كانت شديدة البرد‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 951‬‬
‫‪ /2‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ،55‬ص ‪ ، 214‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬
‫‪ /3‬حسن إبراهيم حسن ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 55‬‬
‫‪ /4‬ابن كثير‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،51‬ص ‪. 316‬‬
‫‪ / 5‬سرخس ‪ :‬مدينة قديمة من نواحي خراسان كبيرة و واسعة و هي بين نسيابور و مروفي وسط الطريق بينها و بين كل‬
‫واحدة منهما ست مراحل و هي في اإلقليم الرابع ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 212‬‬
‫‪ / 6‬نيسابور ‪ :‬مدينة عظيمة منبع العلماء طولها خمس و ثمانون درجة و عرضها تسع و ثالثون درجة خارجة من اإلقليم‬
‫الرابع في اإلقليم الخامس‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 335‬‬
‫‪ /7‬الري ‪ :‬تقع قرب خراسان‪ ،‬فتحت عام ‪ 21‬هـ و يقال الذي بنى مدينة الري الحديثة المهدي في خالفة المنصور‪ ،‬المصدر‬
‫نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 551 ، 556‬‬
‫‪ / 8‬حلوان‪ :‬توجد في أواخر حدود السواد ما يلي الجبال من بغداد و هي في اإلقليم الرابع المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪، 241‬‬
‫‪ /9‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 215 – 211‬‬
‫‪ /10‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 291‬‬

‫‪93‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫العباسي‪.1‬‬

‫و في سنة ‪ 265‬تعرضت بغداد و سوادها‪ 2‬لموجة من البرد الشديد الذي استمر‬


‫أياما‪ ،‬و تسبب في موت عدد من األهالي و خربت الكثير من األشجار و الزروعات في‬
‫بساتين السواد و عدد من المناطق‪ ،‬و سقط الثلج في بغداد‪.3‬‬

‫و في سنة ‪266‬ه تجمد الما في بغداد من شدة البرد‪ ،‬و ذلك بعد أن كانت‬
‫موجه حر شديدة‪ 4‬و قد أثرت على الزروع و الشجر في السواد و أضر الكثير منها‪.5‬‬

‫و في سنة ‪284‬ه و في فترة خالفته المعتضد قحط الناس‪ ،‬و قلت األمطار‪ ،‬و‬
‫غارت المياه حتى احتاج الناس إلى االستسقا ‪ ،‬فاستسقوا بغداد مرات‪ ،‬و آل حال الزرع إلى‬
‫الموت‪ ،‬و بدت حقول السواد من الجفاف جردا فأصبحت الجذوع خاوية‪.6‬‬

‫و في سنة ‪285‬ه يذكر أن ريحا صف ار ارتفعت بنواحي الكوفة في ليلة األحد‬


‫لعشر بقين من شهر ربيع األول‪ ،‬فلم تزل إلى وقت صالة المغرب ثم استحالت سودا فلم‬
‫يزل الناس في تضرع هللا و إن السما مطرت بعقب ذلك مط ار شديدا برعود هائلة و بروق‬
‫متصلة ثم سقط بعد ذلك بقرية تعرف بأحمد أباذ و نواحيها حجارة بيض و سود مختلفة‬
‫األلوان في أوساطها ضغطة شبه أفهار العطارين‪ ،‬فأنفذ منها حج ار فأخرج إلى الدواوين‬

‫‪ /1‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 312‬‬

‫‪ / 2‬السواد‪ :‬موضوعان أحدهما نواحي قرب البلقان سميت بذلك لمواد حجارتها و الثاني يراد به رستاق العراق و ضياعها‬
‫التي افتتحها المسلمون في عهد عمر بن الخطاب و سمي بذلك لسواده بالزروع و النخيل و األشجار ‪.‬ياقوت الحموي‪،‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 212‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 193‬‬

‫‪ /4‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 115‬‬

‫‪ /5‬ابن األثير المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪. 245‬‬

‫‪ /6‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 319 ، 313‬‬

‫‪94‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و الناس حتى رأوه‪.1‬‬

‫و في نفس السنة هبت ريح صف ار بالبصرة‪ ،‬ثم صارت خض ار ‪ ،‬ثم صارت‬


‫سودا و امتدت إلى األمصار‪ ،‬و وقع عقبها برد‪ ،‬زنة البرد مائة و خمسون درهما‪ ،‬و قلعت‬
‫الريح نحو خمسمائة نخلة‪ ،‬و مطرت القرية حجارة سودا و بيضا‪.2‬‬

‫و في سنة ‪282‬ه في بداية خالفة المكتفي‪ ،‬هب هوا من ناحية الشمال‪ ،‬فبرد‬
‫الوقت ‪ ،‬و اشتد البرد ‪ ،‬حتى احتاج الناس إلى النار و لبس الجباب‪ ،‬و جعل البرد يزداد حتى‬
‫جمد الما ‪ .‬و فيها زادت دجلة قدر خمسة عشر ذرعا‪.3‬‬

‫و في نفس السنة هبت ريح عاصف بالبصرة‪ ،‬فقلعت كثي ار من نخلها‪ ،‬و خسف‬
‫بموضع منها هلك فيها ستة آالف نفس‪.4‬‬

‫و في سنة ‪226‬ه‪ ،‬و هي السنة الثانية من حكم الخليفة المقتدر‪ ،‬و فيها سقط‬
‫ببغداد ثلج كثير من بكرة إلى العصر فصار على األرض أربع أصابع‪ ،5‬و كان معه برد‬
‫شديد و جمد الما و الخل و البيض و األذهان‪ ،‬و هلك النخل و كثير من الشجر‪.6‬‬

‫و في سنة ‪338‬ه جا في شتا برد شديد أضر بالنخل و الشجر‪ ،‬و سقط ثلج‬
‫كثير‪ ،‬فتأذت الزراعة في السواد‪ ،‬و سقط عدد من الجمهور فسا ت أحوال الري حتى توقف‬

‫‪ /1‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 61‬‬

‫‪ /2‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 241‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 46‬‬

‫‪ /4‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /5‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،51‬ص ‪. 595‬‬

‫‪ /6‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 969‬‬

‫‪95‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫ري األراضي و قلت اثر ذلك الغالل‪ ،‬و نشبت في بغداد أزمة عارمة الرتفاع األسعار‪.1‬‬

‫و في سنة ‪374‬ه و ذلك في زمن خالفة المقتدر‪ ،‬وقع بردا شديدا و قاسي‪ ،‬أعقبه‬
‫سقوط الثلج بكثرة‪ ،‬فأتلف الشجر و النخل في بغداد و سوادها‪ ،‬و تلف شجر األترج و التين‬
‫و السدر‪ ،‬و جمد الشراب و الماورد و الخل‪ ،‬و جمدت الخلجان الكبار من دجلة بغداد‪ ،‬و‬
‫دجلة بأسرها بالموصل حتى عبرت الدواب عليها‪ ،‬ثم انكسر البرد بمطر وقع‪ ،‬و سا ت‬
‫أحوال الري و تعطلت القنوات‪.2‬‬

‫و في سنة ‪322‬ه من ربيع األول و في مستهل خالفة المتقي باهلل‪ ،‬كان بالعراق‬
‫غال شديد فاستسقى الناس‪ ،‬فسقوا مط ار قليال لم يجر منه ميزاب فاشتد الغال و الوبا ‪ ،3‬و‬
‫جاع الناس حتى أكلوا الحشيش‪ ،‬فكثر الموت فيهم‪ ،‬و هلك الكثيرون من الجوع و المرض‪،‬‬
‫فجفت األراضي و دب الموت في أوصال المزارع و الحقول‪ ،‬و هلك الشجر و الثمر‪ ،‬و بيع‬
‫العقار و األثاث بأرخص األسعار‪ ،‬و اشترى بالدرهم ما كان يساوي الدينار‪ .‬فصلى الناس‬
‫بعدها و استسقوا فجا ت األمطار‪ ،‬و غرقت العباسية‪.4‬‬

‫و في سنة ‪337‬ه في فترة الخليفة المتقي باهلل تعرضت البالد لموجة حر شديدة و‬
‫ذلك في أول محرم‪ ،‬و هو النصف من أيلول‪ ،‬حيث قرب الحر حتى أخذ باألنفاس فخرج‬
‫أيلول كله عن حر شديد‪ ،‬و دخل تشرين بمثل ذلك‪ ،‬و كان في اليوم الثامن منه حر لم يكن‬
‫مثله في آب و تموز‪ ،5‬فجفت معظم األراضي و هلك أكثر ما فيها من األشجار و‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 251‬‬

‫‪ /2‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 216 ، 211‬‬

‫‪ /3‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ /4‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 531‬‬

‫‪ /5‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 59‬ص ‪. 26‬‬

‫‪96‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫المحاصيل‪.1‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الكوارث الطبيعية و الجيولوجية ‪:‬‬

‫و في سنة ‪233‬ه ربيع اآلخر زمن خالفة المتوكل رجفت دمشق رجفة شديدة‬
‫الرتفاع الضحى و انتقضت منها البيوت‪ ،‬و تزايلت الحجارة العظيمة‪ ،‬و سقطت عدة منازل‬
‫و طاقات في األسواق على من فيها‪ ،‬فقتلت خلقا كثيرا‪ ،‬و امتدت إلى انطاكية فهدمتها‪ ،‬و‬
‫إلى الجزيرة فأخربتها و إلى الموصل و يقال أنه هلك من أهلها خمسون ألفا‪.2‬‬

‫و في سنة ‪243‬ه وقع الجراد على البصرة‪ ،‬فخرج الناس في طلبه فأصابهم من‬
‫الليل ظلمة و ريح و مطر فمات منهم ألف و ثالثمائة إنسان‪.3‬‬

‫و في سنة ‪ 242‬ه من خالفة المتوكل زلزلت األرض زلزلة عظيمة بقوس‪4‬و‬


‫أعمالها و الري‪ ،‬و خرسان‪5‬و نسيابور‪ ،‬وطبرستان‪ ،6‬و أصبهان‪ ،7‬و تقطعت الجبال و‬
‫تشققت األرض بقدر ما يدخل الرجل في الشق‪ ،‬و رجمت قرية السويدا بناحية مصر من‬
‫السما ‪ ،‬و وزن حجر من الحجارة فكان عشرة أرطال‪ ،‬و سار جبل باليمن عليه مزارع ألهله‬

‫‪ /1‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 321‬‬

‫‪ /2‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ،55‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /4‬قوس ‪ :‬واد من أودية الحجاز‪ .‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪. 953‬‬

‫‪ / 5‬خراسان‪ :‬بىد واسعة أول حدودها مما يلي العراق‪ ،‬و آخر حدودها مما يلي الهند و تشمل على أمهات المدن‪ .‬المصدر‬
‫نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 311‬‬

‫‪ / 6‬طبرستان‪ :‬كلمة فارسية تتكون من مقطعين‪ ،‬طبر و ستان و هي بلدة واسعة يشتمل عليها هذا االسم‪ ،‬و تقع قرب‬
‫خراسان‪ .‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،9‬ص ‪. 56‬‬

‫‪ /7‬أصبهان‪ :‬مدينة عظيمة و اسم إلقليم بأسره‪ ،‬و هي من نواحي الجبل في آخر اإلقليم الرابع و هي اسم مركب األصل البلد‬
‫بلسان الفرس‪ ،‬وهان اسم الفارس يعني بالد الفرسان و األصبهاني الفارس‪ .‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 211 ،216‬‬

‫‪97‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫حتى أتى مزراع آخرين‪1‬و احترق بالكرخ مائتا حانوت و نيف و احترق رجال و نسا و‬
‫صبيان‪.2‬‬

‫و في سنة ‪ 245‬ه عمت الزالزل الدنيا‪ ،‬فأخربت المدن و القالع و القناطر‪ ،‬و‬
‫سقط من أنطاكيه جبل في البحر‪ ،‬و سمع من السما أصوات هائلة و زلزلت مصر‪ ،‬و سمع‬
‫أهل بلبيس من ناحية مصر صيحة هائلة‪ ،‬فمات خلق منها‪ ،‬غارت عيون مكة حتى أرسل‬
‫المتوكل مائة ألف دينار إلج ار الما من عرفات إليها ‪.3‬‬

‫و في سنة ‪258‬ه زمن خالفة المعتمد وقعت منطقة قرب البصرة تحت تأثير‬
‫زلزلة شديدة أهلكت من أهلها قرابة العشرين ألفا‪ ،‬و هدمت أكثر المنازل و القناطر في‬
‫المدينة‪.4‬‬

‫و في سنة ‪ 273‬من خالفة المعتمد انشق ببغداد في الجانب الغربي منها من نهر‬
‫عيسى شق‪ ،‬فغرق الدباغين و أصحاب الساج بالكرخ‪ ،‬حيث ذكر أنه أهلك سبعة آالف دار‬
‫و نحوها و قد أغرقت مياه البثق المنفجرة حقول و بساتين هذه القرية التي كانت عامرة‬
‫بأشجارها و غالتها و ربما خالت من قنطرتها الوحيدة فباتت دما ار من خراب زرعها و فساد‬
‫ثمارها الذي توقف وصوله إلى سوق بيعه في الكرخ فتأثر ج ار ذلك وارد الزراعة‪.5‬‬

‫و في سنة ‪283‬ه في عهد الخليفة المعتضد وزلزلت األرض زلزلة عظيمة أذهبت‬

‫عامة المدينة‪ ،‬فكان عدة من أخرج من تحت الردم مائة ألف و خمسين ألفا‪.6‬‬

‫‪ /1‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 216‬‬

‫‪ /2‬ابن الجوزي‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 249‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 253‬‬

‫‪ /4‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ،52‬ص ‪. 536‬‬

‫‪ /5‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 245‬‬

‫‪ /6‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 612‬‬

‫‪98‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و في سنة ‪282‬ه في خالفة المكتفي و ذلك في رجب زلزلت األرض زلزلة‬


‫عظيمة جدا و زلزلت بغداد من هذه السنة عدة مرات‪.1‬‬

‫و في سنة ‪ 333‬ه من خالفة المقتدر‪ ،‬اشتعلت النيران في معظم بغداد و احترقت‬


‫أكثر المدينة‪ ،‬و قد تأذت األشجار احترقت أج از كبيرة من األراضي و الحقول المزروعة و‬
‫في سنة ‪337‬ه وقع بالكرخ من بغداد حرق عظيم هلك فيه خلق كثير و احترقت‬
‫المزروعات و الدور و األراضي المغروسة في المدينة‪.2‬‬

‫و في سنة ‪332‬ه من ربيع األول وقع حريق كثير بباب الشام فأحرق الكثير من‬
‫مواضع الشام و مات خلق كثير‪.3‬‬

‫و في سنة ‪ 377‬ه من عهد الخليفة المقتدر أيضا‪ ،‬ظهر الجراد و عظم أمره‪ ،‬و‬
‫كثر فساده للغالت‪ ،4‬فكان وصفا مري ار تعيشه الزراعة حيث انتشر في المزارع و الحقول‬
‫فأتلف المحاصيل‪ ،‬فسميت هذه السنة من حكم المقتدر " بسنة الدمار" لشدة وطأتها على‬
‫الناس و األرض‪.5‬‬

‫و في سنة ‪374‬ه من ليلة الثالثا ألربع بقين من جمادى األولى وقع حريق في‬
‫نهر طابق فاحترقت فيه ألف دار و ألف دكان‪.6‬‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 156 ، 151‬‬

‫‪ /2‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪ 941‬و ‪. 116‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 544‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،53‬ص ‪. 252‬‬

‫‪ /5‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 325‬‬

‫‪ /6‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 25‬‬

‫‪99‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫كما وقع في رجب حريق في دار السلطان فاحترقت دور األم ار ‪.1‬‬

‫و في سنة ‪327‬ه في جمادى األولى تساقطت أمطار غزيرة تحولت إلى برد كبير‬
‫تسبب في تدمير حيطان كثيرة من دور بغداد‪ ،‬و ظهر جراد كثير‪ ،2‬انسحب أذاه مع ما كان‬
‫من أثر التساقط الكثيف على الزروع و المحاصيل في بغداد و سوادها‪ ،‬فأضرها و أتلف‬
‫كثي ار منها‪.3‬‬

‫و في سنة ‪ 337‬ه عم العراق بشكل عظيم نوع من الجراد‪ ،‬أهلك األشجار و‬


‫الثمار و أفسد الغالل في األراضي بالبساتين‪ ،‬مما أدى إلى ارتفاع األسعار‪ ،‬كما كانت زلزلة‬
‫بناحية نسا من خراسان‪ ،‬فخربت قرى كثيرة‪ ،‬و مات تحت الهدم عالم عظيم‪ ،‬و كانت قوية‬
‫جدا‪ ،‬و سقطت عمارات كثيرة و هلك بسببها خلق كثير‪.4‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الفيضانات و السيول ‪:‬‬

‫و في سنة ‪ 232‬ه من خالفة المتوكل زادت دجلة فيها زيادة عظيمة بسبب‬
‫فدخل كثير‬ ‫‪5‬‬
‫األمطار الغزيرة فركب الما إلى الربض األسفل و شاطئ نهر سوق األربعا‬
‫من األسواق‪.6‬‬

‫حيث حدث في سنة ‪285‬ه في خالفة المعتضد أن زادت مياه دجلة زيادة مفرطة‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 25‬‬

‫‪ /2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪. 312 ، 311‬‬

‫‪ /3‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 325‬‬

‫‪ /4‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /5‬سوق األربعاء‪ :‬بليدة من نواحي األهواز‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 223‬‬

‫‪ /6‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 41‬‬

‫‪100‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫لم ير مثلها‪ ،‬فجرفت المياه المزروعات و األشجار‪ ،‬و تهدمت الدور الكثيرة من حوله‪.1‬‬

‫و في سنة ‪ 282‬ه في بداية خالفة المكتفي‪ ،‬زادت مياه دجلة زيادة كبيرة فبلغت‬
‫خمسة عشر ذرعا‪ ،‬فارتفع الما و هدم القناطر و الجسور‪ ،‬فأغرق خلقا كثي ار و أتلف أشجا ار‬
‫و غالت و أغرقت المواشي‪.2‬‬

‫و في سنة ‪222‬ه في عهد المكتفي زادت دجلة زيادة مفرطة‪ ،‬فتهدمت المنازل‬
‫على شاطئيها من الجانبين‪ ،‬و نبعت المياه من المواضع القريبة منها‪.3‬‬

‫و في سنة ‪333‬ه في زمن المقتدر مدت دجلة مدا عظيما‪ ،‬و كثرت األمطار‪ ،‬و‬
‫مات في المد كثير من الناس في بغداد و سوادها‪ ،‬و غرقت األراضي و األشجار و البساتين‬
‫و المزروعات‪ ،‬و كان من نجا من الفيضانات يباد من الدا ات و العلل التي انتشرت في‬
‫بغداد بين الناس‪.4‬‬

‫و في سنة ‪375‬ه من سنة حكمه أيضا‪ ،‬زادت دجلة زيادة كبيرة إذ بلغت اثني‬
‫عشر ذرعا‪ ،5‬رغم أنه هذه الزيادة كانت أقل من سابقتها التي حصلت في سنة ‪373‬ه إال أن‬
‫الضرر الذي نجم عليها كان بالغا‪ ،‬و امتد يشمل الجسور التي دمرت‪ ،‬و القناطر و القنوات‬
‫التي خربت‪ ،‬و أتلفت الكثير من المحاصيل المزروعات‪.6‬‬

‫‪ /1‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 611‬‬

‫‪ /2‬ابن األثير‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 956‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 532‬‬

‫‪ /4‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 532‬‬

‫‪ /5‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 261‬‬

‫‪ /6‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 323‬‬

‫‪101‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و في سنة ‪376‬ه زادت دجلة بغتة زيادة مفرطة قطعت الجسور ببغداد‪ ،‬و عرف‬
‫من الجسارين جماعة و بلغت زيادة الفرات اثني عشر ذرعا و ثالثين‪.1‬‬

‫و في سنة ‪ 372‬ه‪ ،‬في أواخر عهد الخليفة المقتدر فقد عانت مدينة تكريت و‬
‫السواد من سيل جارف من األمطار الشديدة‪ ،‬تسبب في غرق مئات الدور و الدكاكين في‬
‫األسواق‪ ،‬و عرف خلق كثير من الناس‪ ،‬و دفن المسلمون و النصارى مجتمعين‪ ،‬و غرقت‬
‫أعداد كثيرة من الحقول و المزارع فانتكست أحوال الري و الزراعة‪.2‬‬

‫و في سنة ‪328‬ه في زمن الراضي‪ ،‬بلغت زيادة الما في دجلة تسعة عشر‬
‫ذرعا‪ ،‬و بلغت زيادة الفرات إحدى عشر ذرعا‪ ،3‬و انبثق بثق من نواحي األنبار فاجتاح القرى‬
‫و غرق الناس و البهائم و السباع‪ ،‬و غرق شارع األنبار فلم يبق فيه منزل‪ ،‬و تساقطت‬
‫الدور و األبنية‪ ،‬و انقطعت بعض القنطرة العتيقة و الجديدة‪.4‬‬

‫و في سنة ‪322‬ه و في أواخر حكم الراضي‪ ،‬انتكس الري لتدمير أكثر وسائله‪،‬‬
‫حيث أفاقت بغداد على فيضانين لدجلة و الفرات حيث هلك معظم البشر و خربت األراضي‬
‫و المزارع و الغروسات‪.5‬‬

‫حيث أن الفرات زادت أحد عشر ذرعا و انبثق بثق من نواحي األنبار‪ ،‬فاجتاح‬
‫القرى و غرقتها وغرق الناس و البهائم و الوحش و السباع‪ ،‬و صب الما الصراة إلى بغداد‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 213‬‬

‫‪ /2‬ابن األثير‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /3‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 355‬‬

‫‪ /4‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 322‬‬

‫‪ /5‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 329‬‬

‫‪102‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و غرق الشارع الجانب الغربي و غرق شارع جاب األنبار‪ ،‬فلم يبق منه منزل إال و سقط و‬
‫تساقطت األبنية على الصراة‪ ،‬و سقطت قنطرة الصراة الجديدة‪ ،‬و انقطعت العتيقة و زادت‬
‫دجلة ثمانية عشر ذرعا في أيار و حزيران‪.1‬‬

‫و فيها انبثق نهر الرفيل‪2‬و نهر بوق‪ ،3‬فلم يقع عناية‪ ،‬قبل حدوث البثوق‪ -‬بتال‬
‫فيهما حتى خربت بادوريا‪ 4‬بهذين البثقين بضعة عشر سنة‪.5‬‬

‫و في سنة ‪ 333‬من خالفة المتقي و ذلك من يوم الجمعة ألربع خلوان من شهر‬
‫ربيع اآلخر جا مطر كأفواه القرب‪ ،‬و امتألت البالليع و فاضت‪ ،‬و دخل دور الناس‪ ،6‬و‬
‫بلغت زيادة دجلة عشرين ذرعا‪7‬مما أثر على حياة الزراعة و الري في الدولة‪.8‬‬

‫و ازداد األمور سو ا في هذه السنة من حكم المتقي‪ ،‬حيث انبثق النهروان نتيجة‬

‫سو تصرف ابن رائق و جنده حيث خرب الدنيا و غلت األسعار‪ ،‬و بقيت مرتفعة إلى‬

‫حوالي ‪334‬ه‪ ،9‬فأكل الضعفا الميتة و دام الغال و كثر الموت‪ ،‬و تقطعت السبل و شغل‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 913‬‬

‫‪ / 2‬نهر الرفيل‪ :‬نهر يصب في نهر دجلة في بغداد‪ ،‬مأخذه من نهر عيسى ‪ ،‬عليه قنطرة تسمى قنطرة الشوك‪ ،‬ياقوت‬
‫الحموي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /3‬نهر بوق ‪ :‬يقع قرب بغداد من الناحية الجنوبية‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 151‬‬

‫‪ / 4‬بادوريا‪ :‬منطقة تقع بالجانب الغربي من بغداد‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 351‬‬

‫‪ /5‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 329‬‬

‫‪ /6‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 59‬ص ‪. 54‬‬

‫‪ /7‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 534‬‬

‫‪ /8‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 329‬‬

‫‪ /9‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 352‬‬

‫‪103‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫الناس بالمرض و الفقر‪ ،‬و ترك دفن الموتى‪ ،‬و شغل الناس عن المالهي و اللعب‪.1‬‬

‫‪ -1‬األوبئة و األمراض ‪:‬‬

‫تعرضت الدولة العباسية في العصر الثاني لها إلى جملة من الكوارث الطبيعية‬
‫التي عادت سلبا على اقتصادها و مجتمعها و أثرت تأثي ار بليغا على ثرواتها‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫اصطدامها بلون آخر من هاته الكوارث أال و هي األمراض و األوبئة التي تصيب اإلنسان‪،‬‬
‫إذ كانت هذه األوبئة نتيجة للكوارث و نقص في الموارد الغذائية‪.2‬‬

‫و في سنة ‪243‬ه في خالفة المتوكل خرجت ريح من بالد الترك‪ ،‬فمرت بمرو و‬
‫قتلت بش ار كثي ار بالزكام‪ ،‬ثم صارت إلى نسيابور‪ ،‬و الى الري و همذان و حلوان‪ ،‬ثم صارت‬
‫إلى العراق فأصاب أهل سام ار و مدينة السالم حمى و سعال و زكام و أشار المتطببون‬
‫بالحجامة‪.3‬‬

‫و في سنة ‪244‬ه استوبأت دمشق‪ ،‬و ذاك أن هوائها باردندي و الما ثقيل‪ ،‬و‬
‫الريح تهب فيها مع العصر‪ ،‬و هي كثيرة البراغيث‪ ،‬ثم غلت األسعار‪.4‬‬

‫و في سنة ‪ 258‬ه في عهد الخليفة المعتمد حدث و جا في منطقة كور دجلة‪،‬‬


‫أدى هالك خلق كثير بمدينة بغداد و واسط و سام ار ‪.5‬‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ 59‬و ‪54‬‬

‫‪ /2‬خضير نعيمة هادي‪ " ،‬الكوارث الطبيعية و البيئية و الظواهر الفلكية في العراق من خالل كتاب المنتظم البن‬
‫الجوزي"‪ ،‬ع ‪ ، )2152 ( 213‬ص ‪ 665‬و ‪. 323‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /4‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.524‬‬

‫‪ /5‬اليعقوبي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 911‬‬

‫‪104‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و في سنة ‪278‬ه في عهد الخليفة الموفق الذي حارب الزنج و أبادهم و كان‬
‫محببا لدى الناس‪ ،‬لكنه أصابه مرض برجله يسمى بدا الفيل‪.1‬‬

‫و في سنة ‪ 288‬في خالفة المعتضد وقع وبا بأذربيجان‪ ،2‬فمات منه خلق كثير‬
‫حتى لم يجد الناس ما يكفنون به الموتى‪ ،‬كما لم يجدوا من يدفن الموتى‪ ،‬فكانوا يتركونهم في‬
‫الطرق على حالهم‪.3‬‬

‫و يذكر ابن الجوزي أنه في سنة ‪222‬ه ورد الخبر من فارس بأنه حدث فيها‬
‫طاعون فمات فيها سبعة آالف إنسان‪.4‬‬

‫و في سنة ‪ 333‬ه من خالفة المقتدر كثرت األمراض و العلل ببغداد في الناس و‬


‫ذكر أن الذئاب و الكالب كلبت فيها بالبادية‪ ،‬فكانت تطلب الناس و الدواب و البهائم فإذا‬
‫عظت إنسانا أهلكته‪.5‬‬

‫و في سنة ‪337‬ه في خالفة المقتدر أيضا وقع و با ببغداد ‪.‬‬

‫فكان بها نوع سموه حنينا‪ ،‬و منه نوع سموه الماسرا‪ ،‬فأما الحنين فكانت سليمة‪ ،‬و‬
‫أما الماس ار فكانت طاعونا قاتال‪.6‬‬

‫‪ /1‬الذهبي‪ ،‬تاريخ اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 294‬‬

‫‪ /2‬أذربيجان‪ :‬و هي في اإلقليم الخامس‪ ،‬تحدها برذعة مشرقا الى أرزنجان مغربا و يتصل حدها من جهة الشمال الديلم‪ ،‬و‬
‫الجيل‪ ،‬و الطرم‪ ،‬و هو إقليم واسع و أشهر مدائنها تبريز‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 522‬‬

‫‪ /3‬الطبري‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،51‬ص ‪ ، 23‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 911‬‬

‫‪ /4‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،53‬ص ‪. 523‬‬

‫‪ /5‬الطبري‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 596‬‬

‫‪ /6‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ،51‬ص ‪ ، 591‬ابن الجوزي‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 315‬‬

‫‪105‬‬
‫األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬ ‫الفصل الثاني ‪:‬‬

‫و في سنة ‪323‬ه في خالفة القاهر باهلل أن الشتا كانت دافئة و كان هوائها‬
‫كهوا الربيع فلما جا الربيع كثرت األمراض الحادة منذ شباط‪ ،‬و كثر الموت‪.1‬‬

‫و في سنة ‪324‬ه أنه وقع فيها الطاعون و غلت األسعار و اقترب بذلك الموت‪،‬‬
‫و خص ذلك الضعفا ‪ ،‬و كان يجعل على النعش اثنين أو أكثر و ربما بقي الموتى على‬
‫الطريق‪ ،‬و ربما ألقي في الحفرة الكبيرة أكثر من شخص‪.2‬‬

‫و في سنة ‪ 326‬ه في خالفة الراضي أنه وقع الوبا في البقر‪ ،‬و ظهر في الناس‬
‫جرب و بثور‪.3‬‬

‫و في سنة ‪322‬ه في بداية خالفة المتقي هلل فقد ذكر ابن األثير أنه اشتد الغال‬
‫و الوبا و كثر الموت حتى كان يدفن جماعة في قبر واحد‪ ،‬و ال يغسلون و ال يصلى‬
‫عليهم‪.4‬‬
‫و في خالفة المتقي باهلل من سنة ‪ 322‬وقع الموت في المواشي و العلل في‬
‫الناس‪ ،‬و كثرت الحمى و وجع المفاصل و دام الغال و هلك الفق ار ‪.5‬‬

‫و في سنة ‪333‬ه ارتفعت األسعار و كثر الموت و شغل الناس المرض و الفقر‪،‬‬
‫فتقطعت السبل و ترك تدافن الموتى‪.6‬‬

‫و في سنة ‪337‬ه وقع الوبا و غلت األسعار حتى أكلوا الكالب و بيع الجراد و‬

‫كان معونة للفق ار لشدة غال الخبز‪.7‬‬

‫‪ /1‬ابن الجوزي‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 311‬‬

‫‪ /2‬ابن كثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 56‬ص ‪. 46‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 53‬ص ‪. 319‬‬

‫‪ /4‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 324‬‬

‫‪ /5‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ،59‬ص ‪. 1‬‬

‫‪ /6‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 562‬‬

‫‪ /7‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ،59‬ص ‪.21‬‬

‫‪106‬‬
‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫آثار األحداث‬
‫و األزمات االقتصادية‬
‫على الدولة العباسية‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أثر األحداث و الثورات على الحياة االقتصادية‪:‬‬

‫يعتبر الطور الثاني في العصر العباسي للخالفة العباسية طور فتن و حروب‬
‫داخلية و تدهور‪ ،‬كالنزاع الذي وقع بين المعز و المستعين و ثورة الزنج و غيرها من الثورات‬
‫و األحداث‪ ،‬فكلها كان لها تداعياتها و انعكاساتها السلبية على اقتصاد الدولة العباسية و‬
‫شعبها‪ ،‬فهذه الفتنة األهلية و التي دارت رحالها زها عشرة شهور‪ ،‬ترتب عليها ضعف كبير‬
‫في اقتصاد الخالفة فقد ضرب على مدينة بغداد الحصار و حصنت بتقوية أسوارها و فجرت‬
‫األنهار‪.1‬‬

‫و أمر المستعين بقطع الميرة على سام ار و هذا يدل على أن المستعين قام‬
‫بمحاصرة سام ار اقتصاديا‪ ،2‬و هذا الحصار قد نجم عنه انقطاع الموارد االقتصادية و نقص‬
‫في مواد التغذية التي أدت إلى ارتفاع فاحش في األسعار‪ ،‬حيث بلغ سعر القفيز‪ 3‬الواحد من‬
‫الحنطة ‪ 733‬درهم و بعدها تلتها ثورة الزنج التي أرهقت خزائن الدولة العباسية‪ ،‬و بدأ‬
‫صاحبها علي بن محمد بأعماله التخريبية فهاجم القرى و المزارع لعدم توفر األموال و‬
‫األسلحة‪ 4‬و السيف عند دخولهم البصرة ‪.5‬‬

‫فخالل النزاع الذي وقع بين المعز و المستعين سنة ‪257‬ه أنه تم إغراق منطقتين‬
‫زراعيتين مهمتين عمدا بغرض الحماية الكافية لمدينة بغداد و لتقوية تحصيناتها‪ ،‬و كان‬

‫‪ /1‬السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 25‬‬

‫‪ /2‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /3‬القفيز ‪ :‬مكيال وحدة من وحدات الوزن و هو ثمانية مكاكيك‪ ،‬الرازي‪ ،‬محمد بن أبي بكر بن عبد القادر‪ ،‬مختار‬
‫الصحاح‪ ،‬ساحة رياض الصلح‪ ،‬بيروت ‪ ، 5416 ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪ /4‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /5‬السيوطي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬

‫‪108‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫نتيجة هذا الصراع و ما خلفه هو أن هاجر قسم كبير من المزارعين بسبب اإلغراق المعتمد‬
‫ألراضيهم‪.1‬‬

‫ففي سنة ‪ 257‬ه كذلك بلغ الخبز ثالث واق بدرهم‪ ،‬و اللحم بأربعة دراهم و شربة‬
‫ما ثالثة دراهم‪.2‬‬

‫باإلضافة إلى عدم إدامة الترميم و صيانة السدود و القناطر‪ ،‬كذلك تأرجحت أمور‬
‫الزراعة في عهد المقتدر و سا ت أحوالها‪ ،‬فقد حدث إهمال كبير في صيانة السدود و‬
‫مشاريع الري و الذي زاد األمر سو ا هو نظام جباية الضرائب الذي أضر بالمزارعين و‬
‫باإلقتصاد فكان على الوزير أن يضمن مبلغا من المال لخزينة الدولة دون النظر إلى كيفية‬
‫الحصول على هذا المال و ال ننسى انشغال الخلفا و الوز ار بصراعهم على السلطة و‬
‫الريادة مما أدى إلى انشغالهم عن الفالحين و الفالحة و تضرر اقتصاد البالد‪.3‬‬

‫و لقد أثر الزنج بإقتصاد الدولة العباسية كثيرا‪ ،‬فلما وجد صاحب الزنج البصرة‬
‫مخربة هكذا فرض عليها حصا ار اقتصاديا أضر بأهلها أشد الضرر‪ ،4‬و وضع خطة غاية‬
‫في االحكم تتلخص في قطع مواصالت البصرة بدجلة و عزلها عن المناطق المجاورة‪.5‬‬

‫‪ /1‬ضيف هللا بن يحي الزهراني‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /2‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /3‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /4‬صادق عبد الرسول ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 93‬و ‪. 22‬‬

‫‪ /5‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪109‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و جا هذا القطع لالتصاالت بعدما سمع صاحب الزنج بورود سمك من البطيحة و بوصول‬
‫أعراض من البادية إلى معسكره بحجة ش ار التمر منع جلب السمك منعا باتا‪.1‬‬

‫كما سدت المنافذ على المختارة فتوقفت إمداداتها باألغذية و العتاد و أحرقت أثنا‬
‫الغارات مخازن الحبوب التي كانت بها‪.2‬‬

‫و بعدها عادت ثورة الزنج لتقطع مواصالت البصرة مجددا بدجلة‪ 3‬و خربوا المدن‬
‫التي حولها ثم قرروا مهاجمتها‪ ،‬إذ كانت تعاني يومئذ من الغال الشديد و العصبية التي‬
‫كانت تمزق صفوف حاميتها الضعيفة‪.4‬‬

‫كما أفضت الحرب بنتائج شديدة الوطأة على أهل السواد‪ ،‬فخربت أراضيهم و‬
‫خسروا وسيلة اإلنتاج األساسية لهم‪ ،‬و هاجروا إلى بغداد‪ ،‬و أصيبت الدولة العباسية في أعز‬
‫مواردها‪.5‬‬

‫و حاول صاحب الزنج اختراق الحصار االقتصادي و تهديد تموين الموفق سنة‬
‫‪267‬ه فأرسل له حملة من ‪ 73.333‬إلى جهة البطيحة‪ 6‬ألخذ كل ما وجد من طعام و ميرة‬
‫و ليقطع الميرة الواردة من مدينة السالم و واسط عن الموفق‪.7‬‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية ‪ ،‬ص ‪. 44‬‬

‫‪ /2‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ /3‬محمد عمارة ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /4‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية ‪ ،‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ / 5‬فهمي سعد ‪ ،‬العامة في بغداد في القرن الثالث و الرابع للهجرة دراسة في التاريخ االجتماعي‪ ،‬دار المنتخب العربي‬
‫بيروت‪ ، 5443 ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ /6‬البطيحة‪ :‬بالفتح ثم الكسر و جمعها البطائح و البطيحة و البطحاة واحد و تبطل السبل إذا اتسع في األرض‪ ،‬و بذلك‬
‫سميت البطائح واسط ألن المياه تبطحت فيها أي سالت و اتسعت في األرض و هي أرض واسعة بين واسط و البصرة و‬
‫كانت قديما قرى متصلة و أرضا عامرة‪ ،‬الحموي‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪. 911‬‬
‫‪ /7‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪110‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫فصاحب الزنج علي بن محمد هذا لم يدع شي إال و فعله إلستمرار هذا الحصار‬
‫اإلقتصادي فأحرق غاللهم و مؤنهم‪ ،‬فعضهم الجوع و خارت قواهم فإستسلمت أعداد كبيرة‬
‫منهم‪.1‬‬

‫و من خالل ثورتهم هذه نجد أو نرى الضرر االقتصادي الذي لحق بالدولة‬
‫العباسية فقد تعطلت الزراعة لسنين كثيرة‪ ،‬و من الطبيعي أن تجف موارد بيت المال من‬
‫ج ار تعطل الزراعة و اإلضطرابات و هذا بطبيعة الحال نجم عنه تفاقم و ازدياد كبير في‬
‫غال األسعار‪ ،‬ففي عام ‪263‬ه بلغ كر الحنطة ببغداد ‪ 853‬دينا ار‪.2‬‬

‫و في نفس السنة (‪263‬ه) اشتد الغال في عامة بالد اإلسالم‪ ،‬حيث بلغ كر‬
‫الحنطة آنذاك خمسين و مائة دينا ار و دام ذلك شهو ار عدة‪.3‬‬

‫و في سنة ‪322‬ه‪ ،‬تفاقم الوضع و تزايد إذ نجد في جمادى األولى بلغ الكر‬
‫الدقيق مائة و ثالثين دينارا‪ ،‬و أكل الناس النخالة و الحشيش في آخر المطاف‪ ،‬ليس هذا‬
‫فقط بل كثر الموت حتى دفن جماعة في قبر واحد و رخص القماش و العقار حتى بيع ما‬
‫ثمنه دنانير بعددها دراهم‪ .‬و في نفس السنة وقع الموت في المواشي و العلل في الناس و‬
‫دام الغال ‪.4‬‬

‫و اشتدت وطأت هذا الحصار اإلقتصادي كثيرا‪ ،‬و وصل بهم حتى إلى انقطاع‬
‫ورود الخبز إليهم‪ ،‬فضاقوا ذرعا و سئموا من هذا الوضع المخزي مما دفع بالكثيرين منهم‬

‫‪ /1‬طقوش‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ /2‬ضيف هللا بن يحي الزهراني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 52‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 59‬ص ‪. 1 ، 6‬‬

‫‪111‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫إلى االستئمان‪ ،‬كما كان جماعة من أعراب بني تميم الذين ساعدوا الزنج فكانوا عند دخولهم‬
‫البصرة يحملون إلى المختارة الطعام و اإلبل و الغنم‪ ،‬لكن لم يدم هذا النعيم طويال فهاجمهم‬
‫رشيق غالم أبي العباس و استولى على كل ما كانوا يحملونه‪ ،‬و بذلك سدت على الزنج‬
‫جميع مسالك التموين و أثر هذا الحصار عليهم كثيرا‪ ،‬فقد أضعف أبدانهم فكان األيسر منهم‬
‫و المستأمن فيسأل عن عهده بالخبز فيعجب من ذلك‪ ،‬و أحرقت مخازن تموينها مرة أخرى‬
‫حين تسللت خمس سفن عباسية إلى مؤخرة المعسكر الزنجي بنهر أبي الخصيب التي كانت‬
‫آخر مورد يتقوتون منه الجيش المحاصر‪.1‬‬

‫فلكل ثورة لها نتائجها السياسية و اإلجتماعية و اإلقتصادية‪ ،‬و ما يهمنا هو‬
‫انعكاساتها و آثار االقتصادية التي انبثقت من ثورة الزنج و ما خلفته حيث نجد أن هذه‬
‫الحركة التي دامت أربعة عشر عاما ‪255‬ه – ‪265‬ه‪.2‬‬

‫قد سيطرت على رقعة كبيرة من األراضي من خالل استيالئها على األبلة و بغداد‬
‫و األهواز و عبادان‪ ...‬الخ‪ ،3‬ما أدى إلى تضرر نشاطها الزراعي في تلك الرقعة الحساسة‬
‫في اإلنتاج‪ ،‬فقد تعطلت الزراعة في األراضي المروية‪ ،‬و إرهاق الفالحين المستقرين في‬
‫جنوبي العراق‪ ،‬ألنهم اضطروا إلى تمويين الجيشين في آن واحد و إال تعرضوا للنهب و‬
‫اإلعتدا ‪.4‬‬

‫خاصة أن الزراعة تعتبر الركيزة األساسية و النواة األولى لتطور أي دولة و‬


‫ازدهارها بين الشعوب ناهيك عن اعتمادها كمصدر رزق و معاش و أهم مقومات الحياة في‬

‫‪ /1‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 592 – 595‬‬

‫‪ /2‬أسامة أبو طالب‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪.531‬‬

‫‪ /3‬الذهبي ‪ ،‬دول اإلسالم‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪ 222‬و ‪. 232‬‬

‫‪ /4‬محمد حسن العيدروسي ‪ ،‬العالقات الخارجية و المعارضة الداخلية و الثورات في الدولة العباسية ‪،‬دار الكتاب الحديث‪،‬‬
‫القاهرة ‪ ، 2155‬ص ‪. 514‬‬

‫‪112‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫الدولة العباسية‪ ،‬و كان أثر الثورة على ذلك خراب األراضي و طرق الري و إحراق‬
‫المحاصيل الزراعية‪ ،‬إذ أحرق اليابس و األخضر و أكثر المدن تعرضا للضرر ذلك أن‬
‫البصرة كانت تشتهر بكثرة أنهارها حتى قيل إنها بلغت مائة و عشرين ألف نهر فهي من‬
‫أعظم مدن العراق لما تملكه من أهمية جغرافية و إستراتيجية‪.1‬‬

‫فمعنى إحراق البصرة و تخريبها و قطع االتصاالت بينها و بين بغداد و دجلة قد أضر‬
‫بالتجارة من خالل تعطل المواصالت النهرية طوال تلك الحروب ‪.2‬‬

‫و في سنة ‪ 333‬ه و بالضبط في نصف ربيع األول‪ ،‬بلغ الكر الحنطة مائتين و‬
‫عشرة دنانير و الكر و الشعير مائة و عشرين دينارا‪ ،‬ثم بلغ الكر الحنطة ثالثمائة و ستة‬
‫عشر دينارا‪ ،‬و أكل الضعفا الميتة و دام الغال و تفاقم الوضع و كثرت الموت‪ ،‬و أصيب‬
‫الناس بالفقر و المرض ج ار الجوع و تقطع السبل‪.3‬‬

‫و إذا كانت األضرار لحقت بالنشاط الزراعي‪ ،‬فإن النشاط التجاري قد تضرر هو‬
‫اآلخر‪،4‬فقد تعطلت المواصالت النهرية سنة ‪267‬ه طوال فترة الحرب‪ ،‬و كان االختالل‬
‫األمن أثره في انكماش الحركة التجارية و ركودها‪ ،‬باإلضافة إلى مصادرة أموال التجارة‬
‫الكبار المخبأة‪ ،‬فخالل الهجوم على البصرة طلب قائد الزنج من أصحابه االستيال على‬
‫الكنوز المدفونة حتى يظهر المستخفي و من قد عرف بكثرة المال‪.5‬‬

‫‪ /1‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 43‬‬

‫‪ /2‬العيدروسي ‪ ،‬العالقات الخارجية و المعارضة الداخلية ‪ ،‬ص ‪. 514‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج ‪ ، 59‬ص ‪. 54‬‬

‫‪ /4‬ضيف هللا بن يحي الزهراني‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /5‬حسن العيدوسي ‪ ،‬العالقات الخارجية ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪113‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و حدوث حرائق أيضا في أسواق بغداد أوقات ضعف السلطة ما أثر كثي ار على‬
‫التجارة في الخالفة العباسية‪.6‬‬

‫و خربت البصرة و هي إحدى األمصار السبع‪ ،‬مما يدل على تعطل المواصالت‬
‫في دجلة‪ ،1‬فقد أدت جميعها إلى تعطل الخليج العربي على ماله من أثر اقتصادي و هذا‬
‫كله أدى إلى شلل التجارة البحرية شلال ميتا‪ ،‬ناهيك عن تجارة البصرة البرية قد توقفت‪.2‬‬

‫و في سنة ‪ 337‬ه كذلك غلت األسعار‪ ،‬قيل حتى أكلوا الكالب‪ ،‬و بيع خمسين‬
‫رطال بدرهم‪ ،‬فكان ذلك بمثابة إعانة للفق ار لشدة تطاير أسعار الخبز في السما ‪.3‬‬

‫و ازداد الوضع سو ا سنة ‪332‬ه بسبب الغال ‪ ،‬حيث بلغ سعر الخبز الخشكار‬
‫ثالثة أرطال بدرهم‪ ،‬و التمر رطالن بدرهم‪ ،‬و احترق الزرع‪ ...‬الخ‪.4‬‬

‫و ثورة القرامطة أيضا و أحداثها شغلت اإلدارة المركزية عن القيام بواجباتها تجاه‬
‫الزراعة و المزارعين‪ ،‬ذلك بسبب أن الدولة العباسية‪ ،‬وجهت كافة إمكانياتها إلخماد هذه‬
‫الحركة و القضا عليهم و مقاومتها‪ ،‬و مما ال شك فيه أن استمرار مثل هذه الحروب قد‬
‫أضر كثي ار بالزراعة و اقتصادها‪.5‬‬

‫إذ نجم عنه أعمال تخريب متعمدة لضفاف األنهار‪ ،‬من أجل استعمال المسطحات‬
‫المائية كعوامل حماية تارة و أو عوامل عرقلة أمام تقدم الجيوش المتحاربة تارة أخرى‪.6‬‬

‫‪ /6‬فهمي سعد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /1‬دجلة‪ :‬نهر بغداد و لها اسمان آخران أرنك رو ذ و االسم اآلخر كودك دريا أي البحر الصغير‪ ،‬الحموي‪ ،‬المصدر السابق‬
‫ج‪ ،2‬ص ‪. 991‬‬

‫‪ /2‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪291‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬المنتظم ‪ ،‬ج‪ ، 59‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 59‬ص ‪. 39‬‬

‫‪ /5‬ضيف هللا بن يحي الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /6‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪114‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫فقد عمل القرامطة على إيقاف الحج و مهاجمة القوافل التجارية نظ ار للمنافع‬
‫المادية الناجمة عنه‪ ،‬كما أن هجماتهم التي نفذوها على البصرة كانت تهدف إلى بث‬
‫الفوضى و عدم االستقرار ألنها كانت تسعى من و ار ذلك لتحويل تجارتها إلى موانئ الخليج‬
‫التي يسيطرون عليها‪ ،‬إضافة إلى هيمنتها على تجارة الهند البحرية و صناعة خوزستان‪.1‬‬

‫حيث كان الوضع اإلنتاجي مضطرب األحوال و ذلك بسبب ما خلفته الفتن و‬
‫الثورات‪ ،‬إذ أثر ذلك في الوضع المعاشي للسكان الدولة العباسية ‪.‬‬

‫فقد حصل غال ثالث مرات سنة ‪323‬ه – ‪ 322‬ه و ‪333‬ه‪.2‬‬

‫فجل هذه الثورات السياسية و الفتن الداخلية قد أثرت على اقتصاد الخالفة العباسية تأثي ار‬
‫بليغا أدى إلى غال األسعار فقد زال األمر سو في البصرة التي أخذت تقاسي قلة المأونة و‬
‫ندة األقوات فقد عض الجوع أهلها و كثر الوبا بها و استمرت الحرب فيها بين الحزبين‬
‫المعروفين بالباللية و السعدية‪.3‬‬

‫‪ /1‬أسامة أبو طالب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 592‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬

‫‪ /3‬فيصل السامر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪115‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬النتائج المترتبة عن األزمات االقتصادية‪:‬‬

‫نظ ار للوضع االقتصادي و المالي المتأزم الذي تعرضت له الدولة العباسية في‬
‫عصرها الثاني الذي أثر على خزينة الدولة و على القطاع االقتصادي إال أن الدولة قد‬
‫واجهت هذه المشكالت و األزمات بمحاولة التصدي لها و عالجها بمختلف الطرق و ذلك‬
‫إلصالح الوضع المالي و االقتصادي و من بين هذه الطرق و األساليب لعالج هذه األزمات‬
‫ما يلي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬تغيير طرق الجباية ‪:‬‬

‫و المقصود بها جباية الضرائب‪ ،‬و قد ركزت الدولة العباسية على طريقة الضمان‬
‫و الذي يعني أن يعين الخليفة أو الوزير شخصا ما في منصب أو إقليم على أن يضمن‬
‫للخزينة المركزية مبلغا متفقا عليه من المال‪ ،‬مقابل السماح له بجباية ما يمكن جبايته من‬
‫أهل الوالية التي تضمنها‪ ،‬حيث يصبح ما يجبيه ملكا له‪.1‬‬

‫و كان البعض من هؤال العمال يدفع مبلغ الضمان للسنة األولى مقدما عند‬
‫إصدار أمر تعيينه‪ ،‬ثم يوالي إرسال المبلغ الذي قوطع عليه سنويا من واليته‪.2‬‬

‫و لعل سبب ال لجو إلى هذه الطريقة راجع إلى حالة الدولة و األزمات المالية‬
‫التي كانت تمر بها و قد قال الصابي " الضمان يذهب االرتفاع"‪ ،3‬و إلى هذا أشار أحمد‬
‫علبي قائال‪ " :‬و من مظاهر االنحطاط و التعثر في مالية الخالفة أن نظام االلتزام أو التقبيل‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 545‬‬

‫‪ /2‬مسكويه ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ص ‪. 34 ، 39‬‬

‫‪ /3‬االرتفاع ‪ :‬يراد به اإليراد و الضريبة ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪116‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫أو الضمان قد أصبح على ما يظهر ‪ ،‬النظام السائد"‪.1‬‬

‫و كان الوزير عندما يعجز عن دفع الضمان كامال مقدما‪ ،‬كان يضطر تحت‬
‫إلحاح حاجته إلى األموال إلى أن يتسلم قسطا من مبلغ الضمان مقدما (معجال)‪ ،‬و يؤجل‬
‫للضامن دفع الباقي إلى أن يستلم عمله‪ ،‬فمثال‪ :‬كان المهتدي باهلل يمتدح وزيره سليمان بن‬
‫وهب و يالحظ عليه إتباع هذه الطريقة من الضمان بقوله‪ " :‬نعم الرجل أنت لوال المعجل أو‬
‫المؤجل"‪.2‬‬

‫و كانت مبالغ الضمان تدفع على قسطين‪ :‬معجل و مؤجل‪ ،‬فالمعجل هو الذي‬
‫يستلمه الوزير من الضامن مقدما‪ ،‬كدفعة أولى‪ ،‬و يؤجل الدفعة الثانية حتى يستلم الضامن‬
‫ع مله في مقاطعته التي قوطع عليها‪ ،‬و لقد لجأ إليها ( الضمان) الخليفة المعتضد باهلل‬
‫مكرها عندما تولى الخالفة‪ ،‬و ليس في بيت المال سوى قواريط ال تبلغ دينار‪.3‬‬

‫و قد قام إسماعيل بن بلبل باستخراج خراج السواد لسنتين في سنة " و ليس في‬
‫الخزائن موجود من مال و ال ضياعه"‪ ،‬فأشار عليه الوزير أبو القاسم عبيد هللا بن سليمان‬
‫بأن يخرج أحمد بن محمد الطائي من السجن و أن يقوم بتضميد بعض أعمال منطقة السواد‪،‬‬
‫ففعل المعتضد و ضمن الطائي دفع مبلغ سبعة آالف دينار كل يوم و ستة آالف في كل‬
‫شهر لسد العجز الحاصل في ميزانية الدولة‪.4‬‬

‫‪ /1‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 592‬‬

‫‪ /2‬السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 561‬‬

‫‪ /3‬األزدي ‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 319‬‬

‫‪ /4‬الصابي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 59 ،53‬‬

‫‪117‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و أخذ خطة بالتزام الضمان و تصحيح المال على تقرر من أوقاته‪ ،1‬و استمر‬
‫هذا الضمان سنتين‪ ،‬و أمر الخليفة المعتضد بجعل يومي الثالثا و الجمعة إجازة لموظفي‬
‫الدولة و منع من أن يفتح في هذين اليومين ديوان أو يخرج شي إلى مجلس التفرقة‪ 2‬على‬
‫الجيش خاصة‪ ،‬فوفر من مالها ‪ 477‬دينار‪ ،3‬و خالل فترة الضمان استطاع الخليفة أن‬
‫يصلح األوضاع االقتصادية حتى قيل عنه‪ " :‬أنه أصلح األمور و أحسن التدبير‪ ...‬و بالغ‬
‫في العمارة‪ ،‬و أنصف في المعاملة‪ ،‬و رفق بالرعية‪ ...‬و تقدم إلى أحبا ه و أتباعه بلزوم‬
‫الطريقة الحميدة"‪.4‬‬

‫و عند ما تولى الو ازرة القاسم بن عبيد هللا للمعتضد أخذ خطة بتوفير مبلغ‬
‫( ‪ )2.333.333‬دينار لخزينة الدولة‪،5‬أما في عهد الخليفة المقتدر باهلل فقد كثر أمر‬
‫الضمان‪ ،‬و أصبح الشائع بين الوز ار و العمال‪ ،‬و أصبح المنصب اإلداري لمن يهيأ أمواال‬
‫كثيرة‪.‬‬

‫ففي عام ‪ 226‬ه‪ ،‬قلد المقتدر يوسف بن أبي الساج أعمال أرمينية و أذربيجان‪ ،‬و‬
‫ضمنها بمبلغ ‪ 723.333‬دينارا‪،‬و في سنة ‪334‬ه قرر المقتدر على أحمد بن مسافر أن‬
‫يحمل من خراج الري و قزوين مبلغ ‪ 763.333‬دينا ار‪ ،6‬و في السنة نفسها قرر المقتدر‬
‫على سبك غالم يوسف بن أبي الساج و هو على أذربيجان مبلغ ‪ 223.333‬دينار‪ ،‬و كان‬

‫البريدي على األهواز يرسل مبالغ غير منتظمة‪.7‬‬

‫‪ /1‬الصابي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬

‫‪ /2‬مجلس التفرقة ‪ :‬جزء من الجهاز اإلداري لديوان الجيش‪ ،‬كان يختص بتوزيع العطاء أو الرزق على أفراد الجيش‪،‬‬
‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /4‬األزدي ‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬ج ‪ ،2‬ص ‪. 319‬‬

‫‪ /5‬ابن الطقطقى‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪ 261‬و ‪. 211‬‬

‫‪ /6‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ‪. 969‬‬

‫‪ /7‬المصدر نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 6‬ص ص ‪. 949 ، 942‬‬

‫‪118‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و في سنة ‪336‬ه ضمن الحسين بن أحمد الماذرائي أعمال مصر و الشام بمبلغ‬
‫( ‪ )3.333.333‬دينار‪ ،1‬و في و ازرة حامد بن العباس يمكن مالحظة االتساع في استعمال‬
‫طريقة الضمان في تعيين العمال‪ ،‬و استشرى فساد نظام الضمان‪ ،‬فقد تضمن ابن رستم‬
‫أصبهان بزيادة مائة ألف دينار في كل سنة زيادة على ضمانها السابق‪.2‬‬

‫و قد تولى حامد بن العباس و هو وزير ضمان منطقة واسط و عسف بأهلها و‬


‫عمل على رفع أسعار الحبوب‪ ،‬و كثرت الفوضى و الشغب‪ ،‬و أمر الخليفة بفسخ الضمان‬
‫عن حامد‪ .‬و أصدر أوامره بمنع الضمان بعد ذلك عن رجال الجيش و السياسة‪ ، 3‬و مع أن‬
‫هذه الطريقة اتخذت كحل لمواجهة األزمات المالية إال أنها لم تنجح ألن الضامنين لم يدفعوا‬
‫إال قليال مما تعهدوا به‪ ،‬فإذا ما ألحت السلطة عليهم جنح البعض منهم إلى إعالن العصيان‬
‫و شق عصا الطاعة‪ ،‬و من ثم االنفصال و االستئثار بوالياتهم قاطعين كل صلة تربطهم‬
‫بعاصمة الخالفة‪.4‬‬

‫و ظهرت أيضا طرق أخرى للجباية مثل اإليغار‪ ،‬و هو أن يتولى رجل من‬
‫األثريا جمع الخراج عن أهل منطقة و يصرف راتبه من بيت المال‪ ، 5‬و منها (القبالة)‬
‫و هو أن يتكفل شخص بتحصيل الخراج و أخذه لنفسه مقابل مقدار يدفعه و هو كااللتزام‬
‫و عرفه أبي عبيد بقوله‪ :‬أن يستقبل الرجل النخل و الشجر و الزرع النابت قبل أن يستحصد‬

‫‪ /1‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 62‬‬

‫‪ /2‬السامرائي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 513‬‬

‫‪ /3‬الصابي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 551 ، 512‬‬

‫‪ /4‬الزهراني‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ / 5‬الخوارزمي‪ ،‬أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن يوسف‪ ،‬مفاتيح العلوم‪ ،‬مطبعة الشروق ‪ ،‬مصر ‪ 5392 ،‬هـ ‪ ،‬ص ‪91‬‬

‫‪119‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و يدرك‪ .‬و لم يرضى عنه الكثير من الفقها و اعتبره أبي عبيد حيث قال‪ " :‬القباالت ربا"‪.1‬‬

‫و قال أبي يوسف‪ " :‬إنما كره القبالة ألني ال آمن أن يتحمل هذا المقتبل على أهل‬
‫الخراج ما ليس يجب عليهم فيعاملهم بما وصفت لك ذلك بهم‪ ،‬فيخرجوا ما عمروا و يدعوه‬
‫فينكسر الخراج‪.2‬‬

‫و نظ ار لما كان يمارسه الجباة مع المزارعين ظهر ما يسمى اإللجا و يراد بها بيع‬
‫ال يرد به نقل العين من ملك إلى ملك‪ ،‬لكن إذا كان اإلنسان على شي من ماله من إنسان‬
‫يقصد أخذ بش ار أو غيره بواضع إنسانا على بيع يباشرانه دفعا لقصد ذلك اإلنسان ال التزاما‬
‫لحكم البيع الحقيقي‪ ،‬فيلجأ المزارع إلى الجا أراضيه و ضياعه إلى قوي يدافع عنها فال‬
‫يأخذ الجباة عليها األموال‪ ،‬و يقوم هو بدفع الخراج عنها إلى أن تصبح ملكا له فيما بعد‪.3‬‬

‫و كان أثره على الوضع المالي أن قلت الموارد و ارتفعت األسعار مما أدى إلى‬
‫االستيا من قبل العامة و حدوث ثورات و أعمال شغب لقلة المؤون و الغال ‪.4‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المصادرة ‪:‬‬

‫كانت المصادة منذ بداية العصور اإلسالمية األولى بيد الخليفة يطال بها من‬
‫تجاوز أموال الدولة‪ ،‬ليتم استرجاعها عن طريق السجن و المطالبة فضال عن التعذيب في‬
‫بعض األحيان‪.5‬‬

‫‪ /1‬أبي عبيد ‪ ،‬القاسم بن سالم‪ ،‬األموال‪ ،‬تح‪ :‬أبو أنس سيد بن رجب‪ ،‬تق‪ :‬أبو إسحاق الحويني ‪ ،‬دار الهدي النبوي ‪ ،‬مصر‬
‫‪ 2111‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 532 ، 531‬‬

‫‪ /2‬أبي يوسف ‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬الخراج‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ، 5414 ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ /3‬الخوارزمي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 95‬‬

‫‪ /4‬المطيري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 315‬‬

‫‪ /5‬البندري بنت عبد العزيز الخضر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 212‬‬

‫‪120‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و لكن في العصر العباسي الثاني أصبحت المصادر أداة بيد المتنفذين في‬
‫السلط ة‪ ،‬حيث يقوم الخليفة أو الوزير الجديد أو أمير األم ار بمصادرة األموال من الوزير‬
‫القديم‪ ،‬فضال عن مصادرة أتباعه و حاشيته‪.1‬‬

‫و أصبحت المصادرة وسيلة لسد العجز المالي الحاصل في الدولة‪ ،‬و كان الخليفة‬
‫إذا احتاج إلى المال و وجد خزائنه فارغة عمد إلى مصادرة وزيره نتيجة عجز هؤال الوز ار‬
‫عن تنظيم الجباية‪ ،‬و تنمية موارد الدولة فيتعذر على الوزير توفير األموال الالزمة‪ ،‬فيلجأ‬
‫الخليفة الى مصادرة أموال الوزير‪.2‬‬

‫و قد شملت المصادرة باإلضافة إلى الوز ار الوالة و القضاة و موظفي الدواوين‪،‬‬


‫فالمصادرات كانت مورد لمعالجة األزمات و حاجة السلطة إلى المال لسد نفقات الدولة و‬
‫كبح شغب الجيش الذي كان دائما يطالب بأرزاقه‪ ،3‬المتأخرة أو بأرزاق إضافية أـخرى‪ ،‬و‬
‫هكذا نلمس أن الخليفة كان يصادر وزيره متى ألجأته الحاجة إلى أموال يعجز الوزير عن‬
‫تهيئتها و قد سبق له العهد بتوفيرها‪ ،‬و ال يكاد يتولى وزير إال و انتهت و ازرته بالمصادرة و‬
‫القتل أو بهما معا و كان الخليفة يعتبر أموال أولئك الوز ار حقا مغتصبا من بيت المال‪،‬‬
‫فاسترجاعه ال يعد ظلما في حق هؤال المصادرين‪.4‬‬

‫و أصبحت المصادرة شائعة في هذا العصر و صار يتهم كل وزير سلفه بسو‬
‫ا لتصرف و الظلم و الخيانة و االختالس فمن حق الوزير مطالبة و محاسبة على الث ار‬
‫الفاحش الذي حققه على حساب المصلحة العامة‪ ،‬و في بعض األحيان تكون االتهامات‬

‫‪ /1‬البندري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 212‬‬

‫‪ /2‬اليوزبكي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪ / 3‬حمدان عبد المجيد الكبيسي‪ ،‬عصر الخليفة المقتدر باهلل‪ ،‬مطبعة النعمان‪ ،‬النجف‪ ، 5419 ،‬ص ‪. 119‬‬

‫‪ /4‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 111 ، 119‬‬

‫‪121‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫كاذبة‪ ،‬فكان الوزير الجديد يبذل كل المحاوالت الستخراج أموال الوزير و أعوانه و كتابه و‬
‫أوالده و مصادرتها عن طريق اإلقناع أوال ثم التهديد‪.1‬‬

‫و كان الكتاب الوزير المعزول و أعوانه يقدمون معونة له عند المصادرة‬


‫لمساعدته‪ ،‬إال أن بعض الوز ار كانوا يرفضون ذلك‪ ،‬فلم يقبل علي بن عيسى من أحد‬
‫الكتاب معونة في مصادرته‪.2‬‬

‫و قد أصبحت المصادرة رائجة في زمن المقتدر باهلل الذي أسرف األموال حين‬
‫أغلق هذا الخليفة نيفا و سبعين ألف ألف دينار سوى ما أنفقه في موضعه و أخرجه في‬
‫وجوهه و بلغت عدد المصادرات في زمن هذا الخليفة بين سنتي ‪372-276‬ه بـ ‪22‬‬
‫مصادرة‪ ،‬أما مقاديرها فتختلف بحسب الكفا ة المالية لألشخاص المصادرين و قد بلغت‬
‫األموال التي صادرها من الوزير ابن الفرات و كتابه بمبلغ ‪ 4.433.333‬دينار‪.3‬‬

‫و قد بلغت المصادرة في فترة سيطرة أمير أم ار بين سنوات ‪334 – 323‬ه بـ‬
‫أربعة عشرة مصادرة مختلفة‪.4‬‬

‫و يذكر لنا الصابئ نموذجا لمصادرة نقلها عن وثيقة رسمية صدرت عن ديوان‬
‫المغرب في خالفة الراضي‪ ،‬و فيها المصادرات التي أراد ابن الفرات و ولده المحسن‬
‫استخراجها من المصادرين في و ازرة ابن الفرات الثالثة و منها يمكن أن نستنتج بأن المصادرة‬
‫شملت كثي ار من الكتاب و األعوان فبلغ عددهم نحو ‪ 43‬شخصا‪ ،‬و أن بعض هؤال‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 241 ، 246‬‬

‫‪ /2‬السامرائي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية‪ ،‬ص ‪. 222‬‬

‫‪ /3‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العرائق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 241‬‬

‫‪ /4‬السامرائي‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬

‫‪122‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫صودروا مرتين‪ ،‬و أن مجموع المبالغ المصادرة هذه قد بلغ أكثر من ثمانية ماليين دينار‬

‫و هذال ما يعكس أهمية المصادرة كمورد أساسي للخزينة‪.1‬‬

‫و مع أن المصادرات قد سببت ارتباكا في إدارة الدولة‪ ،‬إال أنها قد ساهمت بالفائدة‬


‫أيضا حيث منعت تكدس الثروة المفرطة لدى بعض األشخاص و قللت من التباين‬
‫االقتصادي‪ ،‬و عمل ذهاب أموال المصادرة للخزينة على إعادة توزيعها على الموظفين في‬
‫الرواتب من جهة‪ ،‬و استفادة الشعب منها عن طريق بعض الخدمات التي تقدمها الدولة لهم‪،‬‬
‫كما أنها مثلث موردا مهما من موارد بيت المال‪.2‬‬

‫و قد أنشئ ديوان المصادرين لإلشراف على استيفا أموال المصادرات التي كانت‬
‫تقرر بعد أن يتعهد األشخاص المصادرون بدفعها و قد جرت العادة على أن تودع خطوط‬
‫المصادرين و الكفاالت و ضمانات الضمنان في خزائن الوز ار ‪.3‬‬

‫و قد خرج عن هذا التقليد الوزير علي بن عيسى‪ ،‬لما أودعها عند صاحب ديوان‬
‫المصادرات فاستغرب ابن الفرات عند و ازرته الثالثة لما ناقش علي بن عيسى عن هذا‬
‫التصرف و قال‪ " :‬ما سبقك أحد إلى تسليم خطوط المصادرين إلى صاحب ديوان‬
‫المصادرات‪ ،‬ألن سبيل الخطوط أن تكون في خزائن ديوان الوز ار محفوظة يتسلمها وزير‬
‫بعد وزير" فأجابه الوزير علي بن عيسى بأنه عمل ذلك رغبة في عمارة الديوان‪.4‬‬

‫‪ /1‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 99‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 244‬‬

‫‪ /3‬السامرائي ‪ ،‬المؤسسات اإلدارية ‪ ،‬ص ‪241‬‬

‫‪ /4‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 22 ، 21‬‬

‫‪123‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫فرد ابن الفرات عليه‪ " :‬إن كنت أردت عمارة الديوان فكان ينبغي أن تأخذ الخطوط على‬
‫نسختين‪ ،‬نسخة للديوان‪ ،‬و نسخة تكون عندك فلو باع صاحب الديوان رقاع المصادرين و‬
‫الكفاالت و ضمانات الضمنا ‪ ،‬هل كان على السلطان مصر‪ ،‬في هذا المال أعظم منك؟‪.1‬‬

‫كما أن أموال المصادرة كان يجري استلهاما من ديوان المصادرة‪2‬فإنها كانت توجه‬
‫إلى أحد بيتي األموال الخاصة و العامة حسب رأي الخليفة أو الوزير لحفظها فيه‪ .‬و لم‬
‫يخرج عن هذا إال ابن الفرات في و ازرته األولى كما أنه كان صاحب الديوان المصادرين من‬
‫المقربين إلى الوزير و ممن كان يثق بهم‪ ،‬فكانوا يتغيرون بتغير الوزير‪ ،‬و قد جرت‬
‫مصادرتهم أحيانا فمثال كان المحسن بن الوزير أبي الحسن بن الفرات يتولى ديوان‬
‫المصادرين في و ازرة أبيه‪.3‬‬

‫و أخي ار فان المصادرات زادت من االضطراب اإلداري و المالي و السياسي‬


‫للدولة‪ ،‬حيث أصبحت سياسة ثابتة يعتمد عليها الخليفة فكان الوزير يعلم بأنه يستعرض‬
‫للمصادرة بعد عزله فيعمل على جمع المال أثنا تقلده المنصب‪.4‬‬

‫ثالثا‪ :‬فرض الضرائب ‪:‬‬

‫حيث رأى بعض الخلفا في فرض الضرائب التعسفية الحل لمعالجة العجز المالي‬
‫لبيت المال‪ ،‬و من هذه الضرائب ضريبة اإلرث‪ 5‬و قد بوشرت جبايتها بعد منتصف‬

‫‪ /1‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 22‬‬

‫‪ /2‬الدوري‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 241‬‬

‫‪ /3‬الصابئ ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 332‬‬

‫‪ /4‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /5‬ضريبة اإلرث ‪ :‬هي ما يأخذ من مواريث من يموت و ال يخلف وارثا من األموال الشرعية التي تضم إلى بيت المال و‬
‫تسمى باألموال الحشرية‪ .‬قدامة بن جعفر‪ ،‬الخراج وصناعة الكتابة‪ ،‬تح‪ :‬محمد حسين الزبيدي‪ ،‬دار الرشيد ‪ ، 5425،‬ص‬
‫‪. 291‬‬

‫‪124‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫القرن ‪ 3‬ه في خالفة المعتمد لـ ‪256‬ه – ‪272‬ه‪ 1‬فلما تولى الخليفة المعتضد باهلل‬
‫( ‪272‬ه ‪ 282-‬ه) أصدر أوامر بالتخلص منها و من ديوانها و أمر برد سهام المواريث‬
‫إلى ذوي األرحام‪ ،‬و ذلك في سنة ‪283‬ه‪.2‬‬

‫و قد جباها الخليفة المعتضد من سنة ‪ 272‬ه إلى سنة ‪ 283‬ه و ذلك في وقت‬
‫األزمة المالية‪ ،‬و عندما تحسنت األوضاع المالية قام بإلغائها و استمر ذلك حتى عهد‬
‫الخليفة المقتدر ‪ 225‬ه – ‪ 323‬ه‪.3‬‬

‫إال أنه في سنة ‪333‬ه أمر المقتدر برفع مطالبة المواريث عن الناس‪ ،‬و أن‬
‫يورث ذوو األرحام إال أن الخليفة قد أعاد هذه الضريبة مرة أخرى خالل وازة حامد بن‬
‫العباس سنة ‪ 377‬ه ثم ألغيت في نفس السنة من العشرين من شهر رجب و استمر هذه‬
‫اإللغا إلى ما تيقن من خالفة المقتدر‪.4‬‬

‫و من الضرائب التعسفية التي أسقطها الوزير علي بن عيسى في و ازرته األولى‬


‫‪6‬‬
‫‪337‬ه هي المكوس‪ 5‬الثقيلة التي كانت تجبي بمكة المكرمة و حصن مهدي و نهر السدرة‬
‫و قد قدرت مبالغها بنصف مليون دينار في السنة‪ ،‬و كذلك أمر بإلغا مال التكملة‪ 7‬بفارس‬

‫‪ /1‬الصابئ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 224‬‬

‫‪ /2‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 99‬‬

‫‪ /3‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /4‬الكبسي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 2‬و ‪ 1‬و ‪. 261‬‬

‫‪ / 5‬المكوس‪ :‬و المكس ضريبة تؤخذ من التجار في المراقد‪ ،‬الخوارزمي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬

‫‪ /6‬الصابئ ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 351‬‬

‫‪ /7‬مال التكملة ‪ :‬لما غلب السجزية ( اسم لسجستان) على فارس جال قوم من أصحاب الخراج عن أرضهم لسوء المعاملة‬
‫ففرق خراجهم على الباقين‪ .‬و لم تزل هذه التكملة تستوفي على الزيادة و النقصان في أمر الوزير علي بن عيسى بإلغائها‬
‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 361 ، 366‬‬

‫‪125‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و جباية الخمور بديار بكر‪ ،‬و عندما ألغيت أموال التكملة‪ ،‬فرضت ضريبة على األشجار‬
‫المثمرة‪.1‬‬

‫‪2‬‬
‫و في أواخر القرن الثالث الهجري ظهرت ضريبة جديدة عرفت باسم مال الجهبذة‬
‫و أمر الوزير علي بن عيسى بإلغائها في و ازرته األولى للمقتدر فكانت بال على الناس و‬
‫كانت أموال الجهبذة تؤخذ مما بقي عليه مال من مال الخراج‪ ،‬و المال الذي غاب أهله عنه‬
‫سمي بأموال الكسور‪ ،3‬و قد استمرت هذه الضريبة حتى سنة ‪375‬ه ثم زالت‪ 4‬و قد حاول‬
‫الموفق قائد جيش المعتمد من فرض ضرائب جديدة على التجار لحاجة الجيش لألموال‬
‫لمحاربة الزنج‪ ،‬إال أن الوزير الحسن بن المخلد رفض لما فيه من تعسف و ارهاق على‬
‫التجار‪.5‬‬

‫و فرضت هذه الضرائب لسد العجز المالي لكنها كانت مرهقة و ما صاحبها من‬
‫تعسف في طرق تحصيلها و كثي ار ما حاول الخليفة و الوزير إلنقاذ دافعي الضرائب‪ ،‬و‬
‫كانت الدولة تضطر إلى جباية الضرائب قبل موعدها نظ ار لحاجتها لألموال‪.6‬‬

‫رابعا ‪ :‬االهتمام بالقطاع الزراعي ‪:‬‬

‫لما فكر الخلفا في معالجة الوضع المالي اهتموا بالزراعة و المزارعين‪ ،‬حيث أمر‬
‫الخليفة المهتدي سنة ‪255‬ه بإسقاط أموال الكسور‪ ،‬عن المزارعين مما خفف عنهم ألنها‬

‫‪ /1‬الصابي ‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 362 ، 366‬‬

‫‪ /2‬الجبهذة‪ :‬ديوان الصيرفة‪ ،‬و الجهبذ‪ :‬الصيرفي‪ ،‬قدامة بن جعفر‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 62‬‬

‫‪ / 3‬الكسور ‪ :‬المال المنكسر الذي ال يطمع في استخراجه لغيبة أهله‪ ،‬أو موتهم‪ ،‬و غيره‪ ،‬الخوارزمي ‪ ،‬المصدر السابق‬
‫ص ‪. 91‬‬

‫‪ /4‬قدامة بن جعفر ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪62‬‬

‫‪ /5‬الزهراني‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 291 – 541‬‬

‫‪ /6‬الصابي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ 234 ، 23‬و ‪. 215 ، 294‬‬

‫‪126‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫كانت تصل إلى مبلغ ‪ 72‬مليون سنويا‪ ،1‬ثم تاله الخليفة المعتمد بعد أن تمكن الموفق من‬
‫القضا ‪ ،‬على الزنج‪ ،‬فقد طالب الخليفة جميع المزارعين و أهل القرى الهاربين من الرجوع‬
‫إلى مزارعهم و قراهم لتعميرها و قدم لهم سلفا مالية مجزية و قدم لهم أيضا البذور و‬
‫الحيوانات الالزمة للزراعة‪.2‬‬

‫فقد قام بكري نهر لمزارعي ناحية المبارك في شمال واسط و أنفق عليه مبلغ‬
‫‪ 23.333‬دينار‪ ،‬و قدم ألهل هذه الناحية مبلغ ‪ 73.333‬دينار لش ار األبقار و البذور كما‬
‫قدم ألهل السيب األسفل مبلغ ‪ 73.333‬لمنع الثلوج من االنزالق على المزارع‪.3‬‬

‫و اهتم الخليفة المعتضد بالزراعة‪ ،‬فأصلح نظام الري‪ ،‬و حفر القنوات‪ 4‬حتى أنفق‬
‫على كري نهر بأحد روافد دجلة مبلغ ‪ 4.333‬دينار‪ ،‬و كان يرسل المهندسين لتسهيل توزيع‬
‫المياه بين المزارعين‪.5‬‬

‫و قام بتغيير موعد جباية الخراج من أول نيروز العجم إلى الحادي عشر من‬
‫حزيران و سمي ذلك بالنيروز المعتضدي ليتفق ذلك مع موعد نضج الزروع‪ ،‬و اهتم بحماية‬
‫الم ازرعين من بطش الجباة و غيرهم من عمال الخراج‪.6‬‬

‫و سار الخليفة المكتفي باهلل على نهج سياسة المعتضد باهلل‪ ،‬فاهتم بالزراعة مما‬

‫حافظ على الوضع المالي للدولة‪ ،‬أما الخليفة المقتدر فكان عصره ما بين االهتمام‬

‫‪ / 1‬التنوخي ‪ ،‬أبي علي المحسن بن علي ‪ ،‬نشوار المحاضرة و أخبار المذاكرة‪ ،‬ط‪ ،2‬تح ‪ :‬عبود الشالجي‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت ‪ ، 5441 ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 519‬‬

‫‪ /2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 591‬‬

‫‪ /3‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 551‬‬

‫‪ /4‬فوزي أمين يحي ‪ ،‬فتحي سالم حميدة ‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 54‬‬

‫‪ /5‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ /6‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 51‬ص ‪. 34‬‬

‫‪127‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫بالمزارعين و عدمه حيث اهتم وزيره علي بن عيسى بكري األنهار و سد البثوق و دفع مبلغ‬
‫‪ 23.333‬دينار لكري أنهار مدينة واسط‪ ،‬و لش ار البذور و الدواب‪.1‬‬

‫و قد دفع مبلغ ‪ 253.333‬دينار لسد البثوق المنتشرة في الدولة‪ ،‬و أنفق علي بن‬
‫عيسى مبلغ ‪ 733.333‬درهم إلصالح بثق انبثق في نهر أبي األسود المتفرع من نهر‬
‫الملك‪ 2‬و كان علي بن عيسى أكثر وز ار المقتدر عناية بالزراعة و المزارعين فقد كتب‬
‫منشو ار الى عماله يوصيهم فيه بإنصاف الرعية و العدل في أمورها و أحوالها‪ ،‬على أن تؤخذ‬
‫منهم الضرائب‪ ،‬و يأمرهم فيها بعمارة األرض الزراعية‪.3‬‬

‫خامسا ‪ :‬االستعانة ببيت المال الخاصة ‪:‬‬

‫إن تدهور األوضاع االقتصادية في الدولة العباسية و تفاقم األزمات المالية أدى‬
‫إلى تحويل بيت المال الخاصة و هو الذي تحمل إليه األموال من أمالك الخلفا و حاشيتهم‬
‫و تنفق في نفقاتهم و تسد حاجياتهم إلى إجبار المسؤولين باالعتماد على مال الخليفة و‬
‫الحصول من بيت المال الخاصة على األموال المطلوبة لدفع الرواتب و سد احتياجات‬
‫الدولة‪.4‬‬

‫فكان هذا بمثابة الحل لسد العجز المالي الحاصل في بيت مال العامة و إلسكات‬
‫شغب الجند و مطالبتهم بأرزاقهم فقد وجه الخليفة المعتمد كافة أمواله و الواردات أثنا‬
‫حروبه ضد الزنج في المدينة التي أسماها الموفقية‪.5‬‬

‫‪ /1‬الصابي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 91‬‬

‫‪ /2‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /3‬الصابي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 332 ، 336‬‬

‫‪ /4‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /5‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪128‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و عندما عجر بيت المال عن صرف النفقات في عهد المعتضد اضطر الوزير‬
‫عبيد هللا بن سليمان إلى االقتراض من بيت مال الخاصة مبلغ ‪ 233.333‬دينار‪ ،‬و عندما‬
‫توفي الخليفة المكتفي ترك في بيت المال الخاصة ‪ 75.333.333‬دينار‪ ،‬ففرقها المقتدر‬
‫جميعها في يوم الذي بويع بالخالفة بين الجند و أصحابه و حاشية و خدمه‪.1‬‬

‫و قد حول وزير المقتدر الخاقاني ‪222‬ه من بيت المال الخاصة إلى بيت المال‬
‫العامة مبلغ ‪7.633.333‬دينار‪ ،2‬و في و ازرة الخاقاني كذلك ضاقت األموال على الجند و‬
‫القادة‪ ،‬فشغبوا فطالبه المقتد ر بإطالق أرزاقهم‪ ،‬فاعتذر بقلة األموال‪ ،‬فأمر المقتدر بإخراج‬
‫خمسمائة ألف دينار من بيت مال الخاصة لتنفق في الجند المشاغبين‪ ،3‬إال أن المقتدر لم‬
‫يلبي جميع احتياجات الوزير الخاقاني فرفض أن يعطيه من بيت المال الخاصة ما يصرفه‬
‫في نفقات العيد‪.4‬‬

‫و في عام ‪ 372‬شغب الجند مطالبين بأرزاقهم‪ ،‬فأمر الخليفة بإخراج ‪333.333‬‬


‫دينار من بيت مال الخاصة لتوزع عليهم‪ ،5‬و في عام ‪ 375‬ساهم بيت المال الخاصة في‬
‫مكافحة القرمطي لما عجز القادة عن تموين الجيش‪ ،‬فأرسل المقتدر مبلغ ‪ 573.333‬دينار‬
‫من بيت مال الخاصة‪ .‬و قد اتخذ بيت المال الخاصة طريقة لسد العجز المالي للدولة‬
‫العباسية‪.6‬‬

‫‪ /1‬الصابي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /2‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 211‬‬

‫‪ /3‬مسكويه ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 21 ،14‬‬

‫‪ /4‬الصابي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 39‬‬

‫‪ /5‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 21‬‬

‫‪ /6‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 552‬‬

‫‪129‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫سادسا ‪ :‬بيع الضياع و المتاع ‪:‬‬

‫و لمواجهة األزمات االقتصادية اضطر الخلفا و الوز ار إلي بيع المتاع و‬


‫الضياع و سك األواني الذهبية و الفضية و تحويلها إلى عملة نقدية‪ ،‬لكي يتم سد بعض‬
‫احتياجات الدولة‪.1‬‬

‫و قد قام الخليفة المستعين باهلل ‪248‬ه – ‪252‬ه سبك أواني الذهب و الفضة‪ ،‬و‬
‫حولها إلى عملة لكي يقوم بالصرف على رواتب الجند األتراك و هذا أيضا ما واجهه الخليفة‬
‫المهتدي نفس المشكلة المالية فأمر بضرب آنية الذهب و الفضة من الخزائن و تحويلها إلى‬
‫دنانير و دراهم‪.2‬‬

‫و في عهد الخليفة المقتدر تفاقمت األزمة المالية مما اضطره إلى بيع غالل‬
‫بعض الوز ار ‪ ،‬و تدخله في فك أزمات غال األسعار‪ ،‬و بيع بعض األمالك الخاصة‪ ،‬ففي‬
‫عام ‪ 337‬ه ارتفعت األسعار‪ ،‬و ثار العالمة فكسروا المنابر و أحرقوا الجسور‪ ،‬فاستدعى‬
‫المقتدر حامد الوزي ر ليبيع الغالت التي له ببغداد‪ ،‬فتم بيعها و رخصت األسعار‪ ،‬و عاودت‬
‫األزمة سنة ‪332‬ه و تم فكها عن طريق مدينة واسط التي كانت تعج بمخازن الغالل و‬
‫الدقيق‪.3‬‬

‫أما فيما يتعلق بيع األمالك السلطانية‪ ،‬و استرجاع االقطاعات فقد حدث في عهد‬
‫الخليفة المعتمد على هللا ‪256‬ه – ‪272‬ه لما اشتدت الضائقة المالية أثنا حرب الزنج‬
‫طالب الخليفة الناس برد االقطاعات التي كانت لهم أما التي جرى التصرف فيها فقد سقطت‬

‫‪ /1‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 4‬ص ‪. 223‬‬

‫‪ /2‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /3‬الطبري ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 55‬ص ‪. 12 ، 11‬‬

‫‪130‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫أثمانهم عليهم‪.1‬‬

‫و في عهد الخليفة المقتدر أمر بإرجاع ما أقطعه للناس من األموال و الضياع و‬


‫المستغالت‪ ،‬و حدث ذلك سنة ‪ 377‬و بعد حركة اإلطاحة بالخليفة ثم الرجوع مرة أخرى قام‬
‫ببيع بعض الضياع السلطانية‪ ،‬و بيع أثاثه و مجوهراته الثمينة لكي يدفع األموال للجند من‬
‫أجل البيعة‪.2‬‬

‫و استمر بيع أمالك الخليفة فكان الوزير يلجأ إلى بيع بعضها عندما يعجز عن‬
‫توفير األموال لسد نفقات الدولة و احتياجاتها‪ ،‬ففي سنة ‪377‬ه قام الوزير ابن مقلة ببيع من‬
‫أمالك الخليفة‪ ،‬و ذلك حين اشتدت عليه الضائقة المالية‪ ،‬و في سنة ‪372‬ه باع الوزير‬
‫الحسين بن قاسم أمالكا سلطانية بمبلغ ‪ 533.333‬دينار و في سنة ‪323‬ه أيضا بيعت‬
‫ضياع بمبلغ ‪ 533.333‬دينار‪.3‬‬

‫سابعا ‪ :‬إنشاء مصرف رسمي ‪:‬‬

‫أول من أنشأ مصرف رسمي الوزير علي بن عيسى في و ازرته األولى للمقتدر‬

‫( ‪ 334-333‬ه) فقد اضطرته الحالة المالية المتدهورة إلى أن يدفع بالجهذبيين اليهوديين و‬
‫هما‪ :‬هارون بن عمران و يوسف بن فنحاس‪ ،‬إلى تأسيس مصرف للدولة‪ ،‬و كان الجهابذة‬
‫في األصل كتاب خراج و تجارا‪ ،‬ثم انتقلوا إلى أصحاب بيوت مالية‪ ،‬فقد تم تعيين يوسف بن‬
‫فنحاس جهبذا لمنطقة األهواز بأمر من الوزير ابن الفرات في و ازرته األولى ‪226‬ه –‬
‫‪ 222‬ه و بسبب ذلك احتياج الوزير إلى النقود لدفع رواتب بعض الكتاب فاستجاب الجهبذ‬

‫‪ /1‬الزهراني ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 541‬و ‪. 291‬‬

‫‪ /2‬مسكويه‪ ،‬المصدر السابق ‪،‬ج‪ ،1‬ص ‪. 551 ، 514‬‬

‫‪ /3‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬

‫‪131‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫إلى دفع راتب شهر معجال بعد مناظرة أراد الوزير من خاللها تعجيل راتب شهرين‪.1‬‬

‫و كان غاية هذا اإلج ار بتعيين التاجر جهبذا هي حاجة الدولة إلى المال قبل‬
‫موعد الجباية فيقوم الجهبذ بالتسليف ثم يستوفي أمواله بعدئذ من ضرائب األهواز‪.2‬‬

‫أما كيفية إنشا المصرف الرسمي للدولة‪ ،‬فان الوزير علي بن عيسى عندما‬
‫استدعى الجهبذ بين و قال لهما‪ :‬إني أحتاج في كل هالل إلى مال أدفعه في ستة أيام من‬
‫ذلك الشهر‪.3‬‬

‫أما عن كيفية نشأة المصرف الرسمي للدولة‪ ،‬فان الوزير علي بن عيسى عندما‬
‫استدعى الجهبذين‪ ،‬و قال لهما‪ :‬إني احتاج في كل هالل إلى مال أدفعه في ستة أيام من‬
‫ذلك الشهر إلى الرجالة و مبلغه ثالثون دينارا‪ ،‬و ربما لم يتجه في أول يوم من الشهر و ال‬
‫الثاني‪ ،‬و أريد أن تسلفاني في أول كل شهر‪ ،‬فان جهبذة األموال إليكما فيكون هذا المال‬
‫سلفا لكما واقفا أبدا‪ ..‬و لم يزل هذا الرسم يجري على يوسف بن فنحاس‪ ،‬و هارون بن‬
‫عمران و من قام مقامهما مدة ستة عشر سنة و بعد وفاتهما ألنهما ما صرفا إلى أن ماتا"‪.4‬‬

‫و استمر المصرف إلى سنة ‪376‬ه كما أن مهمته الرئيسية كانت تسليف الدولة‬
‫ما تحتاج من النقود مع االعتماد على وارد األهواز كضمان‪ ،‬كما أن العملية كانت تجري‬
‫بصفة دقيقة جدا‪.5‬‬

‫‪ /1‬الصابي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 512‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 526‬‬

‫‪ /3‬التنوخي ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 26 ، 21‬‬

‫‪ /4‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 26 ، 21‬‬

‫‪ /5‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي‪ ،‬ص ‪. 552‬‬

‫‪132‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬ظهور فئة الشطار و العيارون ‪:‬‬

‫كانت األوضاع داخل اإلمبراطورية العباسية في عهدها الثاني ‪232‬ه‪334-‬ه‬


‫مضطربة و غير متوازنة البتة‪ ،‬إذ عانت الدولة العباسية و بالخصوص عاصمتها بغداد‬
‫بسبب كثرة الصراعات الداخلية و المشكالت و الفتن كنزاع المعز و المستعين و انتشار‬
‫الفساد و البذخ و نتيجة التفاوت االقتصادي أيضا‪ ،‬إضافة إلى شغب الجند من أجل زيادة‬
‫أعطياتهم و دخول العنصر التركي أيضا و الديلم‪ 1‬إلى ساحة الخالفة‪.‬‬

‫كل هذه الظروف أدت إلى الظهور التلقائي لحركة الشطار‪ 2‬و العيارون‪ 3‬و‬
‫استفحال أمرهم و زيادة شغبهم من خالل الثورات التي أحدثوها داخل الدولة العباسية‪ ،‬فهم‬
‫عبارة عن تكتل اجتماعي ظهر في نهاية القرن الثاني للهجرة‪4‬و فئة فقيرة ذو طبقة العامة‬
‫المحرومة‪، 5‬حيث ظهر في فارس و العراق‪ ،‬و غيرها‪ ،‬ثم تالهم الحرافيش و الزعار و العياق‬
‫و الفتوات بمصر‪.6‬‬

‫و كانت بداية ظهور حركة الشطار و العيارين منذ أحداث الصراع بين األمين‬

‫‪ /1‬الديلم ‪ :‬هي جبال مطلة على بحر الخزر ( بحر القزوين) يحدها من الجنوب قزوين و بعض أذربيجان و من الشمال بحر‬
‫الخزر و من الشرق قومس ومن الغرب أذربيجان و أهل الديلم صنفان سكان الجبال و سكان السهول‪ ،‬و من توابعها الري و‬
‫قزوين‪ ،‬جرجي زيدان‪ ،‬تاريخ التمدن اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪ ،2152 ،‬ج‪ ،2‬ص ‪. 11‬‬

‫‪ /2‬الشاطر ‪ :‬هو الذي أعيا أهله خبثا و قد شطر يشطر بالضم شطارة‪ ،‬الرازي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 592‬‬

‫‪ / 3‬العيار ‪ :‬هو رجل عيار أي كثير التطواف و الحركة ذكي‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 549‬‬

‫‪ /4‬حسين حمد حسين الفقيه‪ " ،‬الشطار و العيارين في الدولة العباسية"‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة فاريونس‪،‬ليبيا ‪ ،‬ع‪51‬‬
‫(‪ ،)2152‬ص ‪ 556‬و ‪. 525‬‬

‫‪ /5‬محمد نجيب بوطالب ‪ ،‬الصراع االجتماعي في المجتمع العربي اإلسالمي‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجيستر‪ ،‬إشراف عبد‬
‫الكريم الباقي‪ ،‬في علم االجتماع‪ ،‬جامعة دمشق ‪ ،‬مكة المكرمة ‪ ،‬ص ‪. 259‬‬

‫‪ /6‬حسين حمد حسين الفقيه ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ 556‬و ‪. 525‬‬

‫‪133‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و المأمون‪7271‬ه و ذلك حين هبوا بتنظيم شبه عسكري وزعوا على أساس أن لكل عشرة‬
‫منهم عريف و لكل عشرة عرفا نقيب و لكل عشرة نقبا قائد و لكل عشرة قواد أمير للدفاع‬
‫عن مدينة بغداد ضد الجيش الخراساني‪.2‬‬

‫إذ كانوا يسمون بالفتيان و يقولون الفتى ال يزني و ال يكذب و يحفظ الحرم و ال‬
‫يهتك ستر امرأة‪ ،‬و مع هذا ال يستحون من أخذ أموال الناس عن طريق اللصوصية و النهب‬
‫و السرقة بل يسمون طريقتهم هذه بالفتوة‪.3‬‬

‫و بعد ظهور الشطار و العيارون للمرة األولى في فتنة األمين و المأمون على‬
‫شكل جماعات مسلحة‪ ،‬عادوا من جديد في نزاع المعز و المستعين سنة ‪257‬ه كجماعات‬
‫كبيرة منظمة لحصار بغداد‪.4‬‬

‫تسلطوا على بغداد‪ ،‬فنهبوا سكانها و قاموا بتعيين عريف في كل محلة و أن يكون‬
‫على كل تسعة عريف و على كل خمسين خليفة و على كل مائة قائد‪.5‬‬

‫و لقد عرف عنهم العديد من التسميات المختلفة التي أطلقها عليهم المؤرخون فان‬
‫المراد واحد‪ ،‬و الفارق الوحيد الجدير باالهتمام و الذكر هي التسمية فقط‪ ،‬الشطار العيارون‬
‫الصعاليك‪ ،‬اللصوص‪ ،‬المتمردين‪ ،‬الحراقيش‪ ،‬الزعار‪ ،6‬العيار و أهل الذعارة و السرقة ‪،‬‬

‫العرات ‪ ،‬األوباش‪ ،‬الط اررين‪ ،‬السفلة ‪ ،‬الفجرة و غيرهم‪.7‬‬

‫‪ / 1‬محمد رجب النجار‪ ،‬الشطار و العيارين حكايات في التراث العربي‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت ‪ ،5441 ،‬ص ‪. 59‬‬

‫‪ /2‬محمد سعيد رضا‪ " ،‬حركة العيارين و الشطار العنف المدني في المجتمع العباسي خالل القرن الرابع للهجرة‪ " ،‬ع‪51‬‬
‫(‪ ،)2111‬ص ‪ 91‬و ‪. 63‬‬

‫‪ /3‬ابن الجوزي ‪ ،‬تلبيس إبليس‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت ‪ ، 5423 ،‬ص ‪. 321‬‬

‫‪ /4‬محمد نجيب بوطالب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 259‬‬

‫‪ /5‬ابن األثير ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪. 212‬‬

‫‪ /6‬إسماعيل محمد علي جاموس الجبوري‪ " ،‬حركة العيارين و الشطار في العصر السلجوقي ( ‪141 – 991‬هـ ‪- 5111 /‬‬
‫‪5543‬م)"‪ ،‬مجلة جامعة كركوك للدراسات اإلنسانية‪ ،‬م ‪ ، 51‬ع‪ ،)2121( 2‬ص ‪ 321‬و ‪. 393‬‬

‫‪ /7‬محمد نجيب بوطالب ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 256‬‬

‫‪134‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و كان لهذه الفئة من الشطار و العيارين بواعث و محركات أساسية أدت بهم لمثل‬
‫هذه األفعال‪ ،‬فلم تكن أفعالهم هذه محضى الصدفة بل هذا راجع إلى االختالل اإلقتصادي‬
‫الذي عانت منه الخالفة العباسية ج ار الحروب و الثورات التي شهدتها فالحياة اإلقتصادية‬
‫لم تكن سليمة كل السالمة و ال مستقيمة كل االستقامة‪ ،‬ناهيك عن تهميش معظم الخلفا و‬
‫الوز ار القائمين على زمام الحكم ألمورهم اإلجتماعية منصرفين للهو و الترف و حياة‬
‫الملذات‪.1‬‬

‫و كانوا يستغلون االضطرابات السياسية و الدينية للقيام بأعمالهم الفوضوية و‬


‫خاصة في أثنا األزمات االقتصادية التي كانت تمر بها الدولة و قد كان للظروف الصعبة‬
‫التي عاشها هؤال بسبب تمردهم على الدولة العباسية و المجتمع حيث اتجهوا لمنهة‬
‫التنصص بسبب تدني مستواهم االجتماعي و االقتصادي اذ اتجهوا للنهب و السرقة أهل‬
‫اليسار و التجار‪.2‬‬

‫و قد اعتمد عليهم المستعين ليصد بهم عن بغداد هجمات األتراك المبايعين للمعتز‬
‫في سام ار و كان لهم عريف يقال له بنتويه‪ ،‬كما استعان بهم أيضا الخليفة المهتدي في‬
‫حربه ضد األتراك سنة ‪256‬ه‪ ،‬و قد ازدادت أعمالهم بمرور األيام و ضعف الحكومات‬
‫حتى صاروا ظاهرة فرضت نفسها على المجتمع العراقي‪ ،3‬و ظلت مستمرة لتثبت وجودها‪،‬‬
‫فعندما انتصر ابن رائق علي يحكم سنة ‪327‬ه‪ ،‬فوض قوما من العيارون أعطاهم دينا ار‬
‫دينا ار و ملك العيارين البلد إذ كان عددهم حوالي خمسين ألفا‪.4‬‬

‫‪ /1‬إسراء طارق كامل‪ " ،‬المفارقة الدينية و األخالقية في أدب العيارين و الشطار العصر العباسي نموذجا"‪ ،‬العلوم االنسانية‬
‫و المسألة الدينية الجلسة العلمية‪ ،3‬كلية اآلداب‪ ،‬ص ‪ 353‬و ‪. 326‬‬

‫‪ /2‬إسماعيل محمد علي جاموس الجبوري‪ ،‬المرجع السابق ‪،‬ص ‪ 321‬و ‪. 393‬‬

‫‪ /3‬محمد سعيد رضا‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 91‬و ‪.63‬‬

‫‪ /4‬الدوري‪ ،‬مقدمة في التاريخ اإلقتصادي العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 2111 ،‬ص ‪. 62‬‬

‫‪135‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫و طبيعي أن تتعرض حركتهم هذه لسو الفهم‪ ،‬و أن يشار إليهم بأنهم أوباش و‬
‫رعاع واعرة و باعة الطرق و أهل زعارة‪ ،‬إال أننا نرى في وضعهم و في استمرار حركتهم‬
‫أنهم يمثلون حركة اجتماعية ثورية بين العامة نتيجة التباين اإلقتصادي و سو المعيشة‬
‫للعامة‪.1‬‬

‫فهم أولئك الطبقة الفقيرة و العاطلة عن العمل الذين طعنهم الفقر و كانوا ضحية له‬
‫و سو تدبير الحكام و غياب القانون‪ ،‬حيث كانت حركة الشطار العيارون تنهب في أغلب‬
‫فعالياتها على مهاجمة التجار و االستيال على أموال األغنيا ‪ ،‬فاستخدمت طرق االحتيال و‬
‫القوة و قطع الطريق و إثارة الفوضى في األسواق‪.2‬‬

‫و ال شك أن تمردهم هذا و سيطرتهم على التجارة أثر تأثي ار كبي ار على ردودها فقد‬
‫كونوا فرقا مسلحة تهاجم القوافل و تجبي منها األموال‪ ،‬ثم يقومون بتوزيع ذلك على أتباعهم‪،‬‬
‫إذ يعتبر هذا مصدر رزقهم الوحيد في الحياة‪.3‬‬

‫كما كانوا يلقبون أنفسهم كما ذكرنا سالفا بالفتوة‪4‬و كان تعبير الفتى شائعا بينهم‬
‫حيث قال الشاعر األعمى " و يقول الفتى إذا طعن الطعنة خذها من الفتى العيار‪.5‬‬

‫و يبدو أن الفتيان كان لهم في كل مدينة رئيس‪ ،‬و أن حركة الفتوة لم تقتصر على‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬مقدمة في التاريخ االقتصادي‪ ،‬ص ‪. 63‬‬

‫‪ /2‬محمد نجيب بوطالب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 251- 256‬‬

‫‪ /3‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪. 252‬‬

‫‪ /4‬ابن الجوزي ‪ ،‬تلبيس إبليس ‪ ،‬ص ‪. 321‬‬

‫‪ /5‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق االقتصادي ‪ ،‬ص ‪. 514‬‬

‫‪136‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫بغداد و البصرة‪ 1‬فقط بل انتشرت إلى مدن أخرى‪ ،2‬و قد كان التجار محل طمع الشطار و‬
‫العيارين أكثر من أصحاب الحرف‪ ،‬فقد تعرض التجار لنقمة الحنابلة الذين طرحوا النيران‬
‫في محالت الكرخ سنة ‪323‬ه‪ ،‬فأدى ذلك إلى احتراق ‪ 48‬صفا فيها‪ ،‬ثم وقع حريق آخر‬
‫احترق فيه الحدادون و الصيارف و العطارون‪ ،‬و قد تتبع قطاع الطرق التجار و أخذوا منهم‬
‫أموالهم و طمع فيهم اللصوص فأخذوا يكسبونهم في بيوتهم و محالتهم‪ ،‬حتى اضطروا إلى‬
‫تخبئة أموالهم‪.3‬‬

‫و بالغوا في تخبئتهم ألموالهم‪ ،‬حيث يقال أن هناك رجل أخبئ ماله في برنية مبلغ‬
‫ثالثة آالف دينار عينا و حضر لها في عرض حائط‪ ،‬فلما جا ه اللصوص نهبوه و ذهبوا‪.4‬‬

‫فلم يخلف إال الدمار و الهالك ألهلها بسبب التفاوت االقتصادي الذي أدى إلى‬
‫قلق اجتماعي و قيام حركات اجتماعية و العديد من الثورات‪.5‬‬

‫فحركة العيارون لم تهدأ بعد تنازل المستعين فقد اغتنموا فرصة شغب الجند من‬
‫أجل الحصول على رواتبهم فانضم العيارون إليهم و منعوا الخطبة للمعتز و تحرك عامة‬
‫الجانب الغربي و انتبهوا مراكز اإلدارة فأمر ابن طاهر بإحراق الدكاكين التي على باب‬

‫‪ /1‬البصرة ‪ :‬و هما بصرتان العظمى بالعراق و األخرى بالمغرب‪ ،‬البصرة طولها أربع و سبعون درجة و عرضها إحدى‬
‫و ثالثون درجة‪ ،‬و هي اإلقليم الثالث ‪ .‬الحموي‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪.931‬‬

‫‪ /2‬الدوري ‪ ،‬تاريخ العراق ‪ ،‬ص ‪. 551‬‬

‫‪ /3‬فهمي سعد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 12‬‬

‫‪ /4‬التنوخي ‪ ،‬المصدر السابق ‪ ،‬ج‪ ، 5‬ص ‪. 392‬‬

‫‪ /5‬الدوري ‪ ،‬مقدمة في التاريخ االقتصادي ‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪137‬‬
‫آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬‬

‫الجسر تأديبا ألصحابها من التجار و العامة الذين ناصروا الجنود‪.1‬‬

‫و استعان أيضا كاتب بغداد ابن شير زاد ‪337‬ه – ‪334‬ه بالعيار ابن حمدي‬
‫البغدادي ‪ 332‬ه حيث أجل أن يعرف به اللصوص و هو رأسهم مقابل حمايته و أن يوصله‬
‫ابن حمدي كل يوم بمبلغ من المال اشترطه ابن شير زاد‪.2‬‬

‫و كان لهؤال الصعاليك فضيلة يتماشون بها ‪ ،‬و هي أنهم كانوا يأخذون ما‬
‫يأخذون في عزة نفس و إبا و علما منهم بأن هذا حق من حقوقهم ال إحسان يصيبهم‪ ،‬أي‬
‫أنهم يرون في لصوصيتهم هاته أمر مشروع و مباح ال عقاب عليه‪.3‬‬

‫‪ /1‬فهمي سعد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 995‬‬

‫‪ /2‬محمد سعيد رضا ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪ 91‬و ‪. 63‬‬

‫‪ /3‬أحمد أمين ‪ ،‬الصعلكة و الفتوى في اإلسالم ‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة ‪ ،‬مصر ‪ ، 5415 ،‬ص ‪. 11‬‬

‫‪138‬‬
‫الخاتمــــــة‬
‫الخاتمة ‪.................................................................................‬‬

‫الخاتمة‬

‫و من خالل هذه الدراسة يمكن استخالص النتائج اآلتية ‪:‬‬

‫* تميزت األحداث السياسية في الدولة العباسية خالل عصرها الثاني بالفوضى و الفتن و‬
‫الثورات و أزمات اقتصادية خانقة مما أثرت على مختلف جوانب الحياة السياسية و‬
‫االقتصادية و االجتماعية و اإلدارية و غيرها‪.‬‬

‫* أن العصر العباسي الثاني هو عصر سيطرة األتراك و امتداد نفوذهم و تدهور أوضاع‬
‫الخالفة و انحطاطها ‪.‬‬

‫* أصبح األتراك قوة عظيمة في الدولة‪ ،‬فقد سيطروا على الحكم و اإلدارة و الخلفا و الو ازرة‬
‫و أصبحوا يعينون الخلفا و يعزلونهم‪ ،‬بل و وصل بهم األمر إلى قتل الخلفا و تعذيبهم و‬
‫سملهم و أصبحوا هم أهل الحل و العقد ‪.‬‬

‫* إن ضعف الخلفا و انغماس بعضهم في اللهو و الترف ساهم في ازدياد نفوذ األتراك و‬
‫تدخلهم في الحكم‪ ،‬غير أن هناك من الخلفا من حاول التخلص من سيطرتهم إال أنهم‬
‫تخلصوا من الخلفا قبلهم ‪.‬‬

‫* أدت فترة الفوضى و االضطراب في الدولة العباسية إلى انفصال بعض الواليات عنها و‬
‫الالمركزية في الحكم و انهيار اقتصادها و ضعف خلفائها و وزرائها‪.‬‬

‫* ظهور منصب إمرة األم ار لمحاولة إصالح الوضع و التخلص من فساد الوز ار إال أنه‬
‫قد زاد الطين بلة‪ ،‬فقد كثرت المشاكل و الفوضى و ازداد التنافس للحصول على هذا‬
‫المنصب حتى انتهى بسيطرة البويهيين على الحكم ‪.‬‬

‫* تعتبر ثورة الزنج و القرامطة بأنها ثورات ذات طابع اقتصادي كان هدفها هو تحسين‬
‫أوضاعهم االقتصادية المزرية و تحقيق العدالة االجتماعية ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫الخاتمة ‪.................................................................................‬‬

‫* إن الفساد اإلداري و المالي كان ينبع من فساد الوز ار و سو تسييرهم و قلة خبرتهم‬
‫باألمور اإلدارية باإلضافة إلى توليهم هذا المنصب بالرشوة مما أثر على االدارة المالية‬
‫للدولة و ذلك الخفاقهم في تحسين األوضاع االقتصادية و تحقيق موارد مالية كافية لبيت‬
‫المال ‪.‬‬

‫* نستنتج أن من مظاهر انحطاط الخالفة في عصرها الثاني هو أن األتراك هو طائفة من‬


‫البدو و الرحل تميزوا بالمقاتلة و الشجاعة مما أسا وا التصرف في مجريات األمور‪ ،‬فلم‬
‫يكونوا على دراية باألمور اإلدارية و التحضر و هذا ما أدى إلى ضعف شؤون الخالفة و‬
‫تدهورها عكس الفرس الذين كانوا أهل تحضر و تطور و نظم مما أصبح العصر العباسي‬
‫األول عصر قوة و ازدهار ‪.‬‬

‫* إن حدوث األزمات المالية كان بسبب سيطرة األتراك على مجريات األمور و تدخلهم في‬
‫الحكم و سو تسيير الوز ار لإلدارة المالية للدولة و تفشي الرشوة و الفساد و االختالس بينهم‬
‫* إن ظهور الكوارث الطبيعية من جفاف و هبوب الرياح القوية و تراكم الثلوج و الزالزل و‬
‫الجراد و الحرائق و غيرها أدى إلى األضرار بالقطاع الزراعي حيث أتلفت الكثير من‬
‫األراضي و المزروعات و قلعت األشجار و المغروسات و نفقت الحيوانات و الدواب ‪.‬‬

‫* ان ظهور الكوارث الطبيعية تسبب أيضا في ظهور األمراض و األوبئة و التي أثرت على‬
‫الجانب االقتصادي ‪ ،‬حيث غلت األسعار و جاع الناس و كثر الموت بين الناس و الحيوان‬

‫* أدت األوضاع السياسية و االجتماعية و االقتصادية في الدولة العباسية إلى ظهور‬


‫عنصر جديد و هم الشطار و العيارون و تعتبر هذه الفئة وليدة التهميش االجتماعي و‬
‫السياسي و االقتصادي و هي الطبقة الكادحة و الفقيرة في المجتمع‪ ،‬فقامت هذه الفئة ضد‬
‫الدولة لتحسين أوضاعهم االقتصادية و التخلص من الفقر و البؤس و العبودية‪ ،‬فقامت‬

‫‪141‬‬
‫الخاتمة ‪.................................................................................‬‬

‫بمحاربة الطبقة الغنية و القيام بأعمال السلب و النهب و السرقة و قطع الطرق بغية تحسين‬
‫أوضاعهم االقتصادية و الدفاع عن حقوقهم ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫قائمة‬
‫المالحق‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الملحق رقم (‪ : )25‬خريطة توضح الدولة العباسية في مستهل العصر العباسي الثاني‬

‫‪ /1‬الملغوث سامي عبد هللا ‪ ،‬أطلس تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬الرياض ‪ ، 2152 ،‬ص ‪. 596‬‬
‫المالحق‬

‫‪1‬‬
‫الملحق رقم (‪ : )25‬مخطط يوضح تسلسل الخلفاء من ‪ 117‬ه – ‪ 119‬ه‬

‫‪ /1‬الدوري ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتأخرة ‪ ،‬ص ‪. 19‬‬


‫المالحق‬

‫الملحق رقم (‪ :)21‬الخلفاء العباسيون في العصر العباسي الثاني ( عصر النفوذ التركي)‬
‫‪1‬‬

‫‪ /1‬الملغوث سامي عبد هللا ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 511‬‬

‫‪146‬‬
‫المالحق‬

‫الملحق رقم (‪ :)29‬مصفوفة زمنية لالمارات السياسية في عهد القادة األتراك خالل العصر‬
‫‪1‬‬
‫العباسي الثاني‬

‫‪ /1‬محمود شاكر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪. 531‬‬

‫‪147‬‬
‫المالحق‬

‫الملحق رقم (‪ :)21‬خريطة توضح ثورز الزنج ‪111‬ه – ‪ 172‬ه‬


‫‪1‬‬

‫‪ /1‬الملغوث سامي عبد هللا ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 515‬‬

‫‪148‬‬
‫قائمة‬
‫المصادر و المراجع‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ /5‬قائمة المصادر ‪:‬‬

‫‪ -7‬ابن األثير ‪ ،‬أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الواحد الشيباني‬
‫الجزري الملقب بعز الدين (ت ‪ 633‬ه)‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪ ،‬مر‪ :‬محمد يوسف الدقاق‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪. 7287 ،‬‬

‫‪ -2‬األزدي ‪ ،‬جمال الدين أبو الحسن علي بن منصور ظافرين حسين ( ت ‪673‬ه) أخبار‬
‫الدول المنقطعة‪ ،‬تح‪ :‬عصام مصطفى هزايمة و آخرون ‪ ،‬دار الكندي ‪ ،‬أريد‪. 7222 ،‬‬

‫‪ -3‬االصطخري ‪ ،‬ألبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي المعروف بالكرخي ( ت ‪346‬ه)‬


‫المسالك و الممالك ‪ ،‬مطبعة بريل ‪ ،‬ليدن ‪. 7227 ،‬‬

‫‪ -4‬التنوخي ‪ ،‬القاضي أبي علي المحسن بن علي ( ت‪ ،)384‬نشوار المحاضرة و أخبار‬


‫المذاكرة‪ ،‬تح‪ :‬عبود الشالجي‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيروت ‪. 7277 ،‬‬

‫‪ -5‬الثعالبي‪ ،‬أبي المنصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل (ت ‪422‬ه)‪ ،‬تحفة الوز ار‬
‫تح‪ :‬حبيب علي الراوي‪ ،‬ابتسام مرهون الصفار‪ ،‬دار العربية للموسوعات ‪ ،‬بيروت‪. 2336 ،‬‬

‫‪ -6‬ابن الجوزي‪ ،‬ألبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ( ت ‪527‬ه)‪ ،‬المنتظم في‬
‫تاريخ الملوك و األمم‪ ،‬تح‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪ ،‬مر‪ :‬نعيم زرازور ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪،‬‬
‫بيروت ‪. 7222 ،‬‬

‫‪،)- -( -7‬تلبيس إبليس‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ 7433 ،‬ه ‪.‬‬

‫‪ ،)- -( -8‬القرامطة‪ ،‬ط‪ ،6‬تح ‪ :‬محمد الصباغ ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪. 7284 ،‬‬

‫‪ -2‬الحموي ‪ ،‬شهاب الدين أبي عبد هللا ياقوت بن عبد هللا ‪ ،)626( ،‬معجم البلدان ‪ ،‬دار‬
‫صادر ‪ ،‬بيروت ‪. 7277 ،‬‬

‫‪150‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -73‬الحميري ‪ ،‬عبد المنعم ‪( ،‬ت ‪233‬ه) ‪،‬الروض المعطار في أخبار األقطار ‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫مؤسسة النشر للثقافة ‪ ،‬لبنان ‪.7283 ،‬‬

‫‪ -77‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن ( ت ‪838‬ه)‪ ،‬تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ و‬
‫الخبر في تاريخ العرب و البربر و من عاصرهم من ذوي الشأن األكبر‪.‬‬

‫‪ ،)--( -72‬المقدمة‪ ،‬مطبوعات و منشورات ‪ ،‬دار الشعب‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬

‫‪ -73‬ابن خلكان‪ ،‬أبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت‪687‬ه)‪ ،‬وفيات‬
‫األعيان و أنبا أبنا الزمان‪ ،‬تح‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -74‬الخوارزمي ‪ ،‬أبي عبد هللا محمد بن أحمد بن يوسف ( ت‪387‬ه)‪ ،‬مفاتيح العلوم‪،‬‬
‫مطبعة الشروق ‪ ،‬مصر ‪ 7342 ،‬ه‪.‬‬

‫‪ -75‬الذهبي ‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ( ت ‪748‬ه)‪ ،‬سير أعالم النبال ‪،‬‬
‫ط‪ ،77‬تح‪ :‬شعيب األرنؤط ‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪. 7226 ،‬‬

‫‪ ،)--( -76‬دول اإلسالم ‪ ،‬تح ‪ :‬حسن إسماعيل مروى ‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيروت ‪. 7222 ،‬‬

‫‪ -77‬الرازي ‪ ،‬محمد بن أبي عبد القادر ( ت‪663‬ه)‪ ،‬مختار الصحاح ‪ ،‬مكتبة لبنان ‪،‬‬
‫بيروت ‪. 7286 ،‬‬

‫‪ -78‬السيوطي ‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن ( ت ‪277‬ه)‪ ،‬تاريخ الخلفا ‪ ،‬دار ابن حزم ‪،‬‬
‫بيروت ‪. 2333 ،‬‬

‫‪ -72‬الصابي ‪ ،‬أبي الحسن الهالل بن المحسن ( ت ‪478‬ه)‪ ،‬الوز ار أو تحفة األم ار في‬
‫تاريخ الوز ار ‪ ،‬تح‪ :‬عبد الستار أحمد فراج‪ ،‬مكتبة األعيان ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -23‬الصفدي ‪ ،‬صالح الدين خليل بن أبيك (ت ‪764‬ه)‪ ،‬الوافي بالوفيات‪ ،‬ط‪ ،2‬تح‪:‬‬
‫محمد الحجيري‪ ،‬دار فرانز شتايز شتوتقارت ‪ ،‬بيروت ‪. 7227 ،‬‬

‫‪ -27‬الصولي ‪ ،‬أبي بكر محمد بن يحي ( ت ‪335‬ه) ‪ ،‬أخبار الراضي باهلل و المتقي هلل‬
‫من كتاب األوراق‪ ،‬ط‪ ،2‬تح ‪ :‬جهبوب ‪ ،‬د ن ‪ ،‬دار المسيرة ‪ ،‬بيروت ‪. 7272 ،‬‬

‫‪ -22‬الطبري ‪ ،‬أبي جعفر محمد بن جرير ( ت ‪373‬ه) تاريخ الطبري " تاريخ الرسل و‬
‫الملوك"‪ ،‬ط‪ ،4‬تح‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة ‪. 7276‬‬

‫‪ -23‬ابن الطقطقي‪ ،‬محمد بن علي بن طباطبا ( ت‪832‬ه)‪ ،‬الفخري في اآلداب السلطانية‬


‫و الدول اإلسالمية‪ ،‬دار صادر ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬

‫‪ -24‬أبي عبيد‪ ،‬القاسم بن سالم ( ت ‪224‬ه) ‪ ،‬األموال ‪ ،‬تح‪ :‬أبو أنس سيد بن رجب ‪،‬‬
‫دار الهدى النبوي ‪ ،‬مصر ‪. 2337 ،‬‬

‫‪ -25‬قدامة ‪ ،‬ابن جعفر أبو الفرج ( ت ‪337‬ه)‪ ،‬الخراج وضاعة الكتابة‪ ،‬تح ‪ :‬محمد‬
‫الحسين الزبيدي ‪ ،‬دار الرشيد ‪. 7287 ،‬‬

‫‪ -26‬ابن الكازروني ‪ ،‬ظهير الدين علي بن محمد البغدادي ( ت ‪627‬ه)‪ ،‬مختصر التاريخ‬
‫من أول الزمان إلى منتهى دولة بني العباس ‪ ،‬تح‪ :‬مصطفى جواد ‪ ،‬مطبعة الحكومة ‪،‬‬
‫بغداد ‪. 7227 ،‬‬

‫‪ -27‬ابن كثير ‪ ،‬عماد الدين أبي الفدا إسماعيل ابن عمر ( ت ‪774‬ه)‪ ،‬البداية و‬
‫النهاية‪ ،‬عبد هللا بن عبد المحسن التركي ‪ ،‬دار هجر‪.7228 ،‬‬

‫‪ -28‬الماوردي ‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب ( ت ‪453‬ه)‪ ،‬قوانين الو ازرة و‬
‫سياسة الملك‪ ،‬تح‪ :‬ردوان السيد ‪ ،‬دار طليعة ‪ ،‬بيروت‪. 7272 ،‬‬

‫‪152‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -22‬المسعودي ‪ ،‬أبي الحسن علي بن الحسين بن علي ( ت ‪346‬ه)‪ ،‬مروج الذهب و‬


‫معادن الجوهر ‪ ،‬مر ‪ :‬كمال حسن المرعي ‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ ،‬بيروت ‪. 2335 ،‬‬

‫‪ ،)--( -33‬التنبيه و اإلشراف‪ ،‬مر‪ :‬عبد هللا إسماعيل الصادق ‪ ،‬مكتبة الشرق اإلسالمية‬
‫‪. 7238‬‬

‫‪ -37‬ابن مسكويه‪ ،‬أبي علي أحمد بن محمد بن يعقوب ( ت ‪467‬ه)‪ ،‬تجارب األمم و‬
‫تعاقب الهمم ‪ ،‬تح‪ :‬سيد كسروي حسن ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬لبنان ‪. 2333 ،‬‬

‫‪ -32‬اليعقوبي ‪ ،‬أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح ( ت ‪384‬ه) تاريخ‬
‫اليعقوبي ‪ ،‬مطبعة العزى ‪ ،‬النجف ‪.‬‬

‫‪ -33‬أبي يوسف ‪ ،‬يعقوب بن إبراهيم ( ت ‪782‬ه)‪ ،‬الخراج‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪. 72272‬‬

‫‪ /1‬قائمة المراجع ‪:‬‬

‫‪ -7‬إبراهيم ‪ ،‬أيوب ‪ ،‬التاريخ العباسي السياسي و الحضاري‪ ،‬دار الكتاب العالمي‪ ،‬بيروت ‪،‬‬
‫‪. 7282‬‬

‫‪ -2‬أمين ‪ ،‬أحمد ‪ ،‬الصعلكة و الفتوة في اإلسالم‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة ‪ ،‬القاهرة‬
‫‪. 2372‬‬

‫‪ -3‬بيطار أمينة‪ ،‬تاريخ العصر العباسي‪ ،‬ط‪ ،4‬جامعة دمشق ‪. 7227 ،‬‬

‫‪ -4‬جرجي ‪ ،‬زيدان ‪ ،‬تاريخ التمدن اإلسالمي ‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة القاهرة‬
‫‪2372‬‬

‫‪153‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -5‬حسن ‪ ،‬إبراهيم حسن‪ ،‬تاريخ اإلسالم السياسي و الديني و الثقافي و االجتماعي‪ ،‬ط‪،74‬‬
‫مكتبة النهضة المصرية ‪ ،‬القاهرة ‪. 7226 ،‬‬

‫‪ -6‬حسن ‪ ،‬حسن إبراهيم ‪ ،‬حسن علي إبراهيم ‪ ،‬النظم اإلسالمية‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‬
‫مصر ‪. 7232 ،‬‬

‫‪ -7‬الخضري بك ‪ ،‬محمد ‪ ،‬محاضرات تاريخ األمم اإلسالمية ‪ ،‬تح‪ :‬محمد العثماني ‪ ،‬دار‬
‫القلم ‪ ،‬بيروت ‪. 7286 ،‬‬

‫‪ -8‬الدوري ‪ ،‬عبد العزيز ‪ ،‬دراسات في العصور العباسية المتآخرة ‪ ،‬شركة الرابطة ‪ ،‬بغداد ‪،‬‬
‫‪. 7245‬‬

‫‪ ، )--( -2‬النظم اإلسالمية ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬لبنان ‪. 2338 ،‬‬

‫‪ ،)--( -73‬تاريخ العراق االقتصادي في القرن ‪4‬ه‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت‬
‫‪. 7248‬‬

‫‪ ،)--( -77‬مقدمة في التاريخ االقتصادي العربي ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيروت‬
‫‪. 2337‬‬

‫‪ -72‬السالم‪ ،‬عبد العزيز ‪ ،‬دراسات في تاريخ العرب العصر العباسي األول ‪ ،‬مؤسسة شباب‬
‫الجامعة ‪ ،‬اإلسكندرية ‪. 7223 ،‬‬

‫‪ -73‬السامر ‪ ،‬فيصل‪ ،‬ثورة الزنج ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المدى ‪ ،‬سوريا ‪. 2333 ،‬‬

‫‪ -74‬السامرائي ‪ ،‬حسام الدين‪ ،‬المؤسسات اإلدارية في الدولة العباسية خالل الفترة ‪247‬ه‬
‫‪334‬ه ‪245- 867 /‬م ‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الفكر العربي ‪ ،‬مكة المكرمة ‪ 7433 ،‬ه ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -75‬شاكر ‪ ،‬محمود‪ ،‬الدولة العباسية " التاريخ اإلسالمي"‪ ،‬ط‪ ،6‬المكتب اإلسالمي بيروت‬
‫‪. 2333‬‬

‫‪ -76‬صقر ‪ ،‬نادية حسني ‪ ،‬مطلع العصر العباسي الثاني ‪ ،‬دار الشروق ‪.‬‬

‫‪ -77‬ضيف ‪ ،‬شوقي ‪ ،‬العصر العباسي الثاني ‪ ،‬ط‪ ، 2‬دار المعارف ‪ ،‬مصر ‪.‬‬

‫‪ -78‬أبو طالب ‪ ،‬أسامة ‪ ،‬الدولة العباسية‪ ،‬دار البداية ‪ ،‬عمان ‪. 2374 ،‬‬

‫‪ -72‬طقوش ‪ ،‬محمد سهيل ‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬ط‪ ، 7‬دار النفائس ‪ ،‬لبنان ‪2332 ،‬‬

‫‪ -23‬عزام ‪ ،‬خالد ‪ ،‬العصر العباسي ‪ ،‬دار أسامة ‪ ،‬األردن ‪. 2332 ،‬‬

‫‪ -27‬علبي ‪ ،‬أحمد‪ ،‬ثورة الزنج و قائدها علي بن محمد ‪255‬ه – ‪273‬ه‪)883-862/‬‬


‫دار الفارابي ‪ ،‬بيروت ‪. 2337 ،‬‬

‫‪ -22‬عمارة ‪ ،‬محمد ‪ ،‬ثورة الزنج ‪ ،‬المنشأة الشعبية ‪. 7272 ،‬‬

‫‪ -23‬العيدروسي ‪ ،‬محمد حسن ‪ ،‬التاريخ السياسي و الحضاري للدولة العباسية‪ ،‬دار الكتاب‬
‫الحديث‪ ،‬القاهرة ‪. 2377 ،‬‬

‫‪ ، )- -( -24‬العالقات الخارجية و المعارضة الداخلية و الثورات في الدولة العباسية ‪ ،‬دار‬


‫الكتاب الحديث‪ ،‬القاهرة ‪. 2377 ،‬‬

‫‪ -25‬فهمي ‪ ،‬سعد ‪ ،‬العامة في بغداد في القرنيين الثالث و الرابع للهجرة‪ ،‬دار المنتخب‬
‫العربي‪ ،‬بيروت ‪. 7223 ،‬‬

‫‪ -26‬قاسم ‪ ،‬ياسر جاسم ‪ ،‬القرامطة و العدالة االجتماعية ‪ ،‬دار ضفاف ‪ ،‬بغداد ‪. 2378 ،‬‬

‫‪ -27‬الكبيسي ‪ ،‬حمدان عبد المجيد ‪ ،‬عصر الخليفة المقتدر باهلل ‪225‬ه‪323-‬ه ‪-237 /‬‬
‫‪232‬م ‪ ،‬مطبعة النعمان ‪ ،‬النجف ‪. 7274 ،‬‬

‫‪155‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -28‬محمد حسن أحمد ‪ ،‬الشريف أحمد إبراهيم ‪ ،‬العالم اإلسالمي في العصر العباسي ‪،‬‬
‫ط‪ ، 5‬دار الفكر العربي ‪.‬‬

‫‪ -22‬الملغوث‪ ،‬سامي عبد هللا‪ ،‬أطلس تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬الرياض ‪. 2372 ،‬‬

‫‪ -33‬المهياني ‪ ،‬رفيق‪ ،‬تاريخ الخالفة األموية و العباسية و الدول اإلسالمية و العصور‬


‫الوسطى في أوربا‪ ،‬دار اليقظة العربية ‪ ،‬دمشق ‪. 7246 ،‬‬

‫‪ -37‬ناجي ‪ ،‬عبد الجبار و آخرون‪ ،‬الدولة العربية اإلسالمية في العصر العباسي ‪ ،‬مركز‬
‫اإلسكندرية للكتاب ‪. 2336 ،‬‬

‫‪ -32‬النجار ‪ ،‬محمد رجب ‪ ،‬الشطار و العيارون حكايات في التراث العربي ‪ ،‬عالم‬


‫المعرفة‪ ،‬الكويت ‪. 7223 ،‬‬

‫‪ -33‬يحي ‪ ،‬فوزي أمين ‪ ،‬حميدة فتحي سالم ‪ ،‬تاريخ الدولة العباسية ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬عمان‬
‫‪. 2373‬‬

‫‪ -34‬اليوزبكي ‪ ،‬توفيق سلطان ‪ ،‬الو ازرة نشأتها و تطورها في الدولة العباسية ‪ ،‬مطبعة‬
‫اإلرشاد ‪ ،‬بغداد ‪. 7273 ،‬‬

‫‪ /1‬المجالت ‪:‬‬

‫‪ -7‬الجبوري ‪ ،‬أحمد إسماعيل عبد هللا‪ " ،‬تاريخ األزمات االقتصادية اإلسالمية األسباب و‬
‫المعالجات العصر العباسي نموذجا‪ ،‬كلية ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬العراق ‪.‬‬

‫‪ -2‬الجبوري ‪ ،‬إسماعيل محمد علي جاموس‪ " ،‬حركة العيارين و الشطار في العصر‬
‫السلجوقي ( ‪523-447‬ه‪7723-7355/‬م)‪ ،‬مجلة جامعة كركوك للدراسات اإلنسانية‬
‫م‪ ،75‬ع‪.)2323 ( 2‬‬

‫‪156‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -3‬خضير ‪ ،‬نعيمة هادي‪ ،‬الكوارث الطبيعية و الوبائية و الظواهر الفلكية في العراق من‬
‫خالل كتاب المنتظم البن الجوزي‪ ،‬ع‪. )2372( 233‬‬

‫‪ -4‬رضا‪ ،‬محمد سعيد ‪ ،‬حركة العيارين و الشطار العنف المدني في المجتمع العباسي‬
‫خالل القرن ‪4‬ه‪ ،‬إنسانيات‪ ،‬ع‪. )2333( 73‬‬

‫‪ -5‬الزهراني ‪ ،‬ضيف هللا بن يحي‪ " ،‬العجز المالي في الدولة العباسية (‪323 – 247‬ه)‬
‫أسبابه و الطرق التي أتبعت في عالجه"‪ ،‬جامعة أم القرى‪ ،‬ع‪7432 ( 2‬ه)‪.‬‬

‫‪ -6‬السامرائي‪ ،‬حسام الدين‪ " ،‬الخالفة العباسية و الحركات المضادة بعد منتصف‬
‫القرن‪3‬ه)‪ ،‬حوليات آداب عين شمس‪ ،‬ع‪. )2338 ( 36‬‬

‫‪ -7‬الفقيه ‪ ،‬حسين محمد حسين‪ " ،‬الشطار و العيارون في الدولة العباسية"‪ ،‬ليبيا ‪ ،‬ع‪75‬‬
‫( ‪. )2372‬‬

‫‪-8‬كامل ‪ ،‬إس ار طارق‪ " ،‬المفارقة الدينية و األخرقية في أدب العيارين و الشطار العصر‬
‫العباسي نموذجا"‪ ،‬العلوم اإلنسانية و المسألة الدينية‪ ،‬الجلسة العلمية ‪ ، 3‬كلية اآلداب ‪.‬‬

‫‪ -2‬مهدي ‪ ،‬الصادق عبد الرسول‪ " ،‬حركة الزنج بالعراق ‪ 255‬ه‪273 -‬ه"‪ ،‬المجلة‬
‫العلمية ‪ ،‬جامعة اإلمام المهدي ‪ ،‬ع ‪. )2376 ( 8‬‬

‫‪ /9‬الرسائل الجامعية ‪:‬‬

‫‪ -7‬األلشي ‪ ،‬ناريمان صادق عبد القادر‪ ،‬الخالفة العباسية و عصر أمرة األم ار ‪324‬ه ‪-‬‬
‫‪334‬ه ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجيستر‪ ،‬إشراف محمد حمدي المناوي‪ ،‬تخصص التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كلية الشريعة و الدراسات اإلسالمية ‪ ،‬جامعة الملك عبد العزيز‪ ،‬مكة المكرمة‬
‫‪. 7272‬‬

‫‪157‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -2‬األلشي ‪ ،‬ناريمان صادق عبد القادر‪ ،‬الدولة العباسية في عصر المعتضد باهلل ‪-272‬‬
‫‪282‬ه ‪232-822 /‬م‪ ،‬رسالة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬إشراف محمد حمدي المناوي ‪،‬‬
‫كلية الشريعة و الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة أم القرى ‪ ،‬مكة المكرمة ‪. 7288 ،‬‬

‫‪ -3‬البندري‪ ،‬بنت عبد العزيز الخضر‪ ،‬نكبات الوز ار في العراق و آثارها على األوضاع‬
‫العامة إبان العصر العباسي الثاني‪ ،‬رسالة مقدمة للحصول على الدكتوراه في التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إشراف علي بن صالح المحميدي‪ ،‬قسم التاريخ ‪ ،‬كلية اللغة العربية و الدراسات‬
‫االجتماعية ‪ ،‬جامعة القسيم ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪. 2375 ،‬‬

‫‪ -4‬ذياب ‪ ،‬منى لطفي ذياب‪ ،‬خالفة المقتدر باهلل ‪225‬ه‪323-‬ه دراسة في النواحي‬
‫السياسية و اإلدارية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجيستر‪ ،‬إشراف عبد العزيز الدوري ‪ ،‬تخصص‬
‫التاريخ‪ ،‬كلية الدراسات العليا‪ ،‬الجامعة األردنية ‪. 2333 ،‬‬

‫‪ -5‬الصوفي ‪ ،‬مساعد بن مساعد محمد‪ ،‬العوامل السياسية و أثرها في ضعف الخالفة‬


‫العباسية‪ ،‬مذكرة لنيل درجة الماجيستر في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬إشراف ضيف هللا بن يحي‬
‫الزهراني ‪ ،‬قسم الدراسات العليا التاريخية و الحضارية ‪ ،‬كلية الشريعة و الدراسات اإلسالمية‬
‫جامعة أم القرى ‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪. 2338 ،‬‬

‫‪ -6‬عدوان ‪ ،‬منير حسن عبد القادر‪ ،‬مؤسسة بيت المال في صدر اإلسالم‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة الماجيستر في التاريخ‪ ،‬إشراف جمال محمد داود جودة‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية ‪،‬‬
‫فلسطين ‪. 2337 ،‬‬

‫‪ -7‬محمد ‪ ،‬فاطمة سعيد خليفة‪ ،‬حركة الزنج و آثارها السياسية و االقتصادية و االجتماعية‬
‫على الدولة العباسية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجيستر‪ ،‬إشراف عبد القادر عثمان محمد‪،‬‬
‫تخصص التاريخ اإلسالمي ‪ ،‬كلية اآلداب ‪ ،‬جامعة أم درمان اإلسالمية ‪. 2332 ،‬‬

‫‪158‬‬
‫قائمة المصادر و المراجع ‪...............................................................‬‬

‫‪ -8‬المطيري‪ ،‬فهد مطر‪ ،‬التاريخ االقتصادي للدولة العباسية في العصر العباسي الثاني‬
‫‪334 – 247‬ه ‪ ،‬مذكرة للحصول على الدكتوراه في االقتصاد المصارف اإلسالمية‪ ،‬إشراف‬
‫زكريا سالمة عيسى الشظاوي‪ ،‬كلية الشريعة و الدراسات اإلسالمية ‪ ،‬جامعة اليرموك ‪،‬‬
‫األردن ‪. 2375 ،‬‬

‫‪159‬‬
‫فهرس‬
‫الموضوعات‬
‫فهرس الموضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوعات‬
‫إهدا‬
‫شكر و تقدير‬
‫خطة البحث‬
‫أ‪-‬ك‬ ‫المقدمة‬
‫‪23-73‬‬ ‫الفصل التمهيدي ‪ :‬الوضع العام في الدولة العباسية قبل نهاية العصر العباسي األول‬
‫‪23-73‬‬ ‫‪ -7‬العصر العباسي األول ‪ 732 :‬ه – ‪ 232‬ه‬
‫‪65-25‬‬ ‫الفصل األول ‪ :‬األحداث السياسية و الثورات في العصر العباسي الثاني‬
‫‪25‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬الوقائع السياسية‬
‫‪28-25‬‬ ‫أوال ‪ :‬عصر سيطرة األتراك‬
‫‪33-22‬‬ ‫‪ -7‬فترة الفوضى العسكرية ‪ 247‬ه‪ 256 -‬ه‬
‫‪35-33‬‬ ‫‪ -2‬فترة االستقرار السياسي المؤقت من سنة ‪ 256‬ه‪ 225 -‬ه‬
‫‪32-36‬‬ ‫‪ -3‬فترة الفوضى السياسية مرة أخرى ‪ 225‬ه – ‪334‬ه‬
‫‪46-32‬‬ ‫‪ -4‬فترة إمرة األم ار ‪ 324‬ه – ‪334‬ه‬
‫‪47-32‬‬ ‫أ‪ -‬خالفة الراضي‬
‫‪46-47‬‬ ‫ب‪ -‬ظهور منصب إمرة األم ار‬
‫‪65-47‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬الثورات الداخلية‬
‫‪67-47‬‬ ‫‪ -7‬ثورة الزنج‬
‫‪65-67‬‬ ‫‪ -2‬ثورة القرامطة‬
‫‪736-67‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬األزمات االقتصادية في العصر العباسي الثاني‬
‫‪62-67‬‬ ‫البحث األول ‪ :‬الفساد اإلداري و المالي‬
‫‪77-62‬‬ ‫‪ -7‬فساد الوز ار و سو أدائهم‬
‫‪27-78‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬األزمات المالية و إفالس الخزينة‬
‫‪736-22‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬الكوارث الطبيعية و األوبئة‬
‫‪734-22‬‬ ‫‪ -7‬الكوارث الطبيعية‬

‫‪161‬‬
‫‪27-22‬‬ ‫أوال ‪ :‬الكوارث المتعلقة بالعامل المناخي‬
‫‪733-27‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الكوارث الطبيعية و الجيولوجية‬
‫‪734-733‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬الفياضانات و السيول‬
‫‪736-734‬‬ ‫‪ -2‬األوبئة و األمراض‬
‫‪738-738‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬آثار األحداث و األزمات االقتصادية على الدولة العباسية‬
‫‪775-738‬‬ ‫المبحث األول ‪ :‬أثر األحداث و الثورات على الحياة االقتصادية‬
‫‪732-776‬‬ ‫المبحث الثاني ‪ :‬النتائج المترتبة عن األزمات االقتصادية‬
‫‪723-776‬‬ ‫أوال ‪ :‬تغيير طرق الجباية‬
‫‪724-723‬‬ ‫ثانيا‪ :‬المصادرة‬
‫‪726-724‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬فرض الضرائب‬
‫‪728-726‬‬ ‫رابعا ‪ :‬االهتمام بالقطاع الزراعي‬
‫‪722-728‬‬ ‫خامسا‪ :‬االستعانة ببيت المال الخاصة‬
‫‪737-733‬‬ ‫سادسا ‪ :‬بيع الضياع و المتاع‬
‫‪732-737‬‬ ‫سابعا ‪ :‬إنشا مصرف رسمي‬
‫‪738-733‬‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬ظهور فئة الشطار و العيارون‬
‫‪742-743‬‬ ‫خاتمة‬
‫‪748-744‬‬ ‫قائمة المالحق‬
‫‪752-753‬‬ ‫قائمة المصادر و المراجع‬
‫‪762-767‬‬ ‫فهرس الموضوعات‬
‫‪763‬‬ ‫ملخص البحث‬

‫‪162‬‬
‫ملخص البحث‬

‫تهدف هذه الدراسة إلى بيان األحداث السياسية للدولة العباسية في عصرها الثاني‬

‫حيث شهدت فترة من الفوضى و اضطراب و تحكم األتراك في السلطة كما ظهرت فتن و‬

‫ باإلضافة إلى‬،‫ثورات داخلية أهمها ثورة الزنج و القرامطة و التي خلفت خسائر مالية للدولة‬

‫معرفة األزمات االقتصادية التي تعرضت لها الدولة و التي تنوعت أسبابها من أسبابها‬

. ‫سياسية و إدارية و مالية و طبيعية مما أدت إلى أزمات مالية و فراغ خزينة الدولة‬

Traduction

This study aims to explain the political events of the abbasid state in its
second ear, where it witnessed a period of chaos turmoil and the control of the
turks in power sedition and internal revolutions also emerged, the most
important of which is the zanj and qarmation revolution, which left financial
losses for stat in addition to knowing the economic crises that the caliphate was
subjected to, the causes of which varied from political, administrative, financial
and natural which les to the occurrence of. Financial crises and the emptying of
the state treasury .

‫ األتراك – الزنج – القرامطة – األزمات االقتصادية‬- ‫ العصر العباسي الثاين‬: ‫الكلمات املفتاحية‬

key words: the abbasid state in its second – the turks – the zanj – qarmation

– economic crises

163

You might also like