Professional Documents
Culture Documents
رواية مذكراتي من العالم الآخر PDF - هدى بكير
رواية مذكراتي من العالم الآخر PDF - هدى بكير
هدى بكير
لمزيد من الكتب الحرصية
زوروا موقعنا
www.booksjuice.com
ب�سلة ،رمبا يف �لبد�ية �ساآخذ �أبطايل
هذه �لرو�ية ال متت للو�قع ِ
من عاملنا ،لكني �ساأطوف بهم الأزمنة �أخرى و�أماكن غريبة لي�ست
و�قعية � ًأبد�..
المقدمة
أغيه ..لقد
مبجرد ��ستيقاظي بهذ� �لعامل� ..أنني �سا ّ
مل �أكن �أعلم �أن ّ
قررت �أ ّثرت يف كل نف�س قابلتها ..لقد �أحدثت ً
فارقا ..والأجل هذ�ّ ،
كتابة ّ
مذكر�تي بالعامل �الآخر ،و�لتي ��ستعنت بكل نف�س قابلتها
للتعبي عن ما حدث..
)(1
هل �سعرت يف م ّرة �أنك منت ل�سنني؟ �أخذتك �ملوتة �ل�سغرى لدرجة �أنك ن�سيت
ص ع
ماذ� ومن كنت بحياتك؟ ال تذكر �إال �أنك كنت بخري قبل تلك �الآالم �ملزمنة يف
ع
عاد �حلار�ص �لثاين للباب و�قرتب �الأول من زنز�نتي� ،أخذ يبحث عن مفتاح
ع
بق�سوة ،الأهم�ص �أنا حرويف غري ّ
�ملنظمة بت�ستت ..لك ّني مل �أ�سمع �سوتهم هذه �مل ّرة!
فبد�أت �أ�سك يف �أنني قد فقدت �لنطق� ،أو حا�سة �ل�سمع!
�أدرت ر�أ�سي للجانبني الأنف�ص تلك �الأفكار عني ،ف�سعرت بن�سمات هو�ء قذرة
�لر�ئحة حتيط بي ،تاأتيني من بني خ�سالت �سعري لت�سل الأنفي بطريقة م�ستفزّة،
وقبل �أن يعود وجهي ملو�سعه �الأول ،الحظت وجود ثالث زنازين �أخرى غري �لتي
كنت �أقبع بها ،توقفت قدماي �ل�سعيفتان عن �ل�سري فدفعني �حلار�ص ،فعاندته
�أنا بوقويف وتثبيت ج�سدي على �الأر�ص �حلجرية ،الأرى بو�سوح ما كان قد جذب
�نتباهي ..زنز�نتي ..هي �لوحيدة �خلالية ،و�لثالث زنازين �الأخرى حتتوي على
نائمات بعمق ،ال ت�سدر منهن تلك �الأنفا�ص �ل�سعيفة �أو �لهمهمات
ٍ فتيات غريي،
�لتي �سدرت مني حني قاربت على �ال�ستيقاظ ،حتى ظننت �أنهن ..لي�سو� باأحياء
من �الأ�سا�ص!
مل يلبث �حلار�ص �أن يرتكني لدقيقة �أخرى ،فقب�ص على مع�سمي بق�سوة
ودفعني لالأمام ،يح ّثني على �ل�سري ،فيتح ّرك ج�سدي لالأمام تفاد ًيا لالأمل .عرب
بي �لباب �حلديدي �الأ�سود ذ� �ل�س ّر�عة �ل�سغرية ،و�لذي يقف على حر��سته �ثنان،
�أدين الأحدهما بال�سكر الأنه الحظ ��ستيقاظي ،ويف نف�ص �لوقت �أدين له بلكمة قو ّية
على وجهه ،الأنه تركني بني يدي هذ� �لهمجي �لقا�سي..
مل يكن �ملم ّر �أكرث �إ�ساءة من �لغرفة ذ�ت �لزنازين �الأربع ،ومل تكن �أنظف
أنفا�سا متباعدة من فمي؛
كذلك ،فر�ئحة �لطني غزت �أنفي بق ّوة ،جعلتني �أ�سهق � ً
حماولة يف جتاهل تلك �لر�ئحة �لعفنة ..مل تطل حركتنا ،فدقيقة وو�سلنا لباب
حديدي �آخر ،ي�سع منه �لنور ..ذلك �لنوع من �لنور �لذي يجعلك ت�سعر باأن �لباب
ع
باب �سحري ،و�أن ما يقبع خلفه هو �مل�ستقبل �مل�سرق بكل غمو�سه.. �لذي �أمامك هو ٌ
ر ش
والتوز عي
�أنه قادر على �سلب ب�سري� ،أ�سبلت �أهد�بي ع ّدة م ّر�ت متتالية حتى �سمعت �سوت
أي�سا �سوت �حلار�ص �لذي مي�سك �لباب من خلفي يغلق م�سد ًر� �سري ًر� عظي ًما ،و� ً
بي يهم�ص يف �أذين ٍّ
بت�سف:
� -ألقي نظرة على ما حاربت الأجله و��ستيقظت ..لن تنايل �أي �سيء �سدقيني!.
أنا�ص �أنا
عال وقال ال ٍ
ب�سوت ٍ
ٍ ح ّل قب�سته �لقو ّية �لقا�سية عن مع�سمي و�سحك
غري قادرة على روؤيتهم بو�سوح:
�� -ستيقظت �الأمرية �لنائمة ..فليخرتها �أحد ويحر�ص ج�سدها ّ
�له�ص..
ووجهها �لقبيح!.
�ألقى بي على �لع�سب �الأ�سود كظ ّله ،وكظلمة كل �سيء من حويل� ،إال من بع�ص
�مل�سابيح �لتي ق ّربوها من وجهي بق�سوة ليتفقدو� ما قال وقتها ..فباتت �لروؤية
يل و��سحة بع�ص �ل�سيء� ،أدركت �أن �أمامي خم�سة �أفر�د يرتدون مالب�ص ب�سيطة،
و�حد منهم جو�ده ..رمبا هم فر�سان ..وجوههم تبت�سم ٍّ
بت�سف� ،إال وبجانب كل ٍ
و�حدً � منهم ..مل يظهر وجهه يل حتى ..وقبل �أن �أ�ستم ّر يف حتليلي لكل �سيء غريب
من حويل �سمعت و�حدً � منهم يقول با�ستهز�ء:
� -أنا �أن�سحب يا �أ�سدقائيّ � ..
أف�سل �نتظار �الأمرية �لتالية!.
�سرب ك ّفه يف ّ
كف �الآخر بجانبه و�لذي قال:
� -أعرف من �سيختارها!.
و�أ�سار بذقنه �إىل ذلك �لذي مل يهز�أ بي معهم ،ذلك �ل�سامت ،خفي �ملالمح،
�بي�ست مفا�سل يده ،وكانت وحني الحظ هو ذلك �س ّد يده على جلام جو�ده حتى ّ
ريص ع
ظاهرة يل ب�سبب حمله مل�سباح بيده �الأخرى مما ز�د من هالة �ل�سوء حوله ..ز�د
والتوزي ر
�أت�ساءل عن من �أكون!
ع
أر�سا منذ دقائق يتح ّدث بع�سب ّية ً
قائال: �سمعت �سوت �حلار�ص �لذي رماين � ً
-فليخرتها �أحد� ،أريد �لعودة لباقي �لفتيات!.
ر ّدو� عليه ب�سحكاتهم ،فزفر �حلر��ص -على مييني -مبلل وقال �أحدهم يريد
�إنهاء هذ� �ملو�سوع �لتافه بالن�سبة له:
-ه ّيا يا ظافر� ..ظفر بها كما تظفر بكل �سيء!.
تق ّدم �ملدعو بـ «ظافر» �إ ّ
يل و�نحنى على ركبته� ،أبعد �مل�سباح عن وجهي �لقبيح
قليال حتى ال يوؤذيني �ل�سوء ،وهم�ص يل ب�سوته �لعميق: ً
� -أت�ستطيعني �لوقوف؟.
حاولت �أنا �لوقوف لكن كان هذ� �لفعل متكل ًفا ،فقد ��ستنفدت كل طاقتي
بالتفكري ومل �أعد قادرة على حتريك � ٍأي من عظامي ،فهززت ر�أ�سي نف ًيا ..زفر هو
ب�سيق ونظر حوله ً
قائال لهم:
� -خرتت تلك �ل�سعيفة لتكون يف حمايتي...
ه ّز �آخر كتفيه وقال بال مباالة:
-بل �أجربت �أن حتميها ..فهي دميمة مثلك! هه! �لطيور على �أ�سكالها تقع!.
مل تكن حلظة عادية بالن�سبة يل ،حني قام �لرجل �ملاثل �أمامي ،و�س ّل خنجره يف
وجه من نعتني بالدميمة وقال بلهجة غام�سة حم ّذرة:
-لن �أحب روؤيتك م ّرة �أخرى ..ولكن ما �أبغ�سه ب�س ّدة ،هو �أن �أرى وجهك
�ملز ّين ب�سنّ خنجري!.
ر ش
والتوز عي
بعنف وقال بته ّكم:
وتوجه نحو �لباب �حلديدي وفتحه ٍ
ّ
� -أر�د �أن يحر�ص �أمرية ��ستثنائية ..وها هي ...م�ستثناة من قو�عد �الأنوثة
باأكملها!.
قالها لي�سحك �لباقني �إال هو� ..أو �أنا .و�سع خنجره �لالمع بجر�به و�قرتب
برفق بعد �أن ع ّلق �مل�سباح على �سرج ح�سانه ،وما هي �إال ٍ
ثو�ن حتى مني وحملني ٍ
�أ�سبحت على �جلو�د ،و�نطلق بي بعيدً � ،و�الأ�سو�ت من خلفه ت�سيح با�ستهز�ء،
و�سمعت �أحد �حل ّر��ص ذ� نفوذ يخر�سهم ً
قائال:
-كفى� ...إىل �أماكنكم!.
�سمعت �سوت �سهيل جو�د حار�سي ..وقتها حاولت �العتد�ل يف جل�ستي ،الأجد
�أنني �أ�ستند على �سدره �لو��سع �لقوي ،مث ّبتة بذر�عيه �ملفتولتني بينما مي�سك
بهما �سرج �جلو�د ..رفعت نظري باإعياء لالأعلى ،الأجد �أنه يتح ّرك بي نحو قلعة
عظيمة ..حماطة بال�سعالت لت�سيئها من كل �جلهات� ،أعلى ما بها بر ٌج عظيم،
وجنودها يقفون حولها باملر�ساد .حني �قرتبنا منها جاءت ببايل �إحدى �حلكايات
تر�سخت �لفكرة بعقلي �أكرث� ..أمرية ..وفار�ص
�الأ�سطورية ..فبذكرهم كلمة «�أمرية» ّ
على جو�د ..لكن من �ملفرت�ص �أن ياأخذين من �لقلعة ،بعيدً � عنها ..ال �إليها!
وجو�ده ..ينبغي �أن يكون �أبي�ص �للون ..ال �أ�سود ،و�لفار�ص� ..أين وجهه �لو�سيم..
بل �أين وجهه من �الأ�سا�ص؟!
ظ ّل عقلي يعبث باالأفكار بد�خلي ،حتى �أدركت �أن كل �سيء ي�سري عك�ص ما ت�سري
�لرو�ية �الأ�سلية ،فهنا ال يوجد �أمرية! ال يوجد �إال فتاة دميمة ،قبيحة �لوجه م�سعثة
ع
�ل�سعر ..ال تذيب �جلليد بابت�سامتها وال ت�سحر �أنبل �لفر�سان بنظر�تها ..فاملوجودة
)(2
انعكاســي الدميم
ال �أدري ملاذ� كل هذ� �الأمل ،تلك �لد ّقات �لغريبة يف �سدري وطعم �ملر�رة يف
ريص ع
حلقي� ..لتقطت �أنفا�سي ب�سعوبة حني �أنزلني �حلار�ص الأحتامل على نف�سي وقت
ص ع
�نتباهي هيئة �الأ�سخا�ص بتلك �للوحات ،فهم فائقو �لو�سامة و�جلمال ،مالب�سهم
ر ش
والتوزي
�ل�سوء � ٍآت من �الأعلى ،الأجد ُّ َ
�لرث َّيا كبرية من �لكر�ستال ،تتف ّرع بحر ّية من حول
ع
ليتدىل منها �أكرب قدر ممكن من ثمار �لكر�ستال و�أماكن �لو�سط كفروع �الأ�سجارّ ،
خم�س�سة لو�سع �ل�سموع� ..سكلها �ساحر ب�سكل مبالغ فيه� ..أهذ� ما ي�سعونه يف
�لرو�ق؟ �أت�ساءل عن �أكرب غرفة وما بها!
�نتف�ست باإجفال حني �سمعت �سوت من تتنحنح بالقرب من �أذين ،مقتحم ًة
�خلا�سة ،وال �إر�د ًيا نظرت �إىل م�سدر �ل�سوت ،الأجد �أنها �س ّيدة بدينة
ّ م�ساحتي
بي�ساء �لب�سرة ب�سكل مبالغ فيه ،كبرية �س ًّنا ،وهذ� ما الحظته بروؤية �لزينة كثيفة
�لطبقات على �سفحة وجهها ،رم�ست بعيني دون كالم ،وكنت �أق�سد �أن �أعلمها
باأنني يف كامل تركيزي ،منتظرة ل�سماع �أي �سيء لينت�سلني من �سياعي وعجزي،
و�أدركت هي ر�سالتي ،فتو ّقفت عن دور�نها من حويل متفح�سة ونظرت يف ّ
عيني
ب�سوت رفيع مزعج:
ٍ بق�سوة وقالت
أنت؟.
-ما ��سمك يا عود �لثقاب � ِ
فتحت فمي منده�سة وبال وعي نظرت لالأ�سفل� ،أتف ّقد ج�سدي ّ
بعيني ،الأجد
�أنني -كما �أ�سارت هي �إ ّ
يل -نحيلة كمومياء متع ّفنة باأتربة من كل �الأزمان ..فرفعت
ر�أ�سي لها وتلعثمت حرويف ..لت�سرخ بي هي:
� -أال ت�سمعني؟ �ساألتك عن ��سمك!.
ب�سوت
ٍ رفعت يدي �ليمنى الأمل�ص ر�أ�سي �ملنزعج من �سوتها �لعايل ،وقلت
�سعيف:
-ال �أعرف ..من �أنا؟.
ص ع
وجهت �ل�سوؤ�ل �إليها �سهقت ب�سدمة ،و�قرتبت مني جدً � حتى �إن �أنفي
وبعد �أن ّ
ر ش
والتوز عي
رمبا!
�تّ�سعت عيناي بفزع حني و�سعت يدها على �سدر ف�ستاين �لرثّ ومزّقته بق ّوة،
يدي
ومع �سوت متزّق �لف�ستان عال �سوتي ،ب�سرخة �سعيفة متفاجئة ..رفعت كلتا ّ
فزعا من حركتها �ملباغتة،�إىل �سدري �أخفي ما ظهر منه بذعر ،وج�سدي يرتعد ً
وظ ّلت هي على نف�ص �لو�سع ،منحنية لالأ�سفل ً
قليال تق ّرب عد�سة م�ستديرة ب�سل�سلة
ذهب ّية من عينها �لي�سرى مغلقة �ليمنى بق ّوة ،وكاأنها تقر�أ!
نظرت على مييني م�ستغيثة مبن ُيدعي حار�سي ..لك ّنه كان فقط و�ق ًفا هناك..
ير�قب كل �سيء مبنتهى �لربود ..ملاذ� ال يفعل �سي ًئا! ل�ست متاأكدة ح ّقا �إن كان ر�أى
عيني..
ما حدث وما ز�ل يحدث �أم ال ،فعيناه حمجوبتان عن ّ
-على ماذ� تخ�سني يا فتاة؟ مل �أر �أي �سيء ي�ستدعي �الختباء!.
قالتها �ل�سمطاء با�ستهجان و�سخرية وتركتني الأقب�ص �أنا على ف�ستاين �ملتمزّق،
و�أنظر لقامتها �لق�سرية منده�سة من ما حدث للت ّو ،وقبل �أن �أقول �أي �سيء� ،ندلع
ً
جملجال يف �ملكان م ّرة �أخرى قائلة: �سوتها
-ال تقفي هكذ� كالتمثال! �تبعيني!.
�أجفلت من �سوتها وحت ّركت على �لفور خلفها ،متنا�سية كل �آالمي �لتي ب ّدلتها
ثو�ن حتى ر�أيت حار�سي ي�سري معي جن ًبا �إىل جنب ،خلف تلك�ل�سدمة ..وما هي �إال ٍ
�ل�سيدة �ملريبة ..مبنتهى �لهدوء و�لريبة!
T
�أ�سبحت بغرف ٍة �أكرث �إ�ساءة ،و��سعة ،بعك�ص ذلك �لرو�ق �لذي كنت به .مل
ر ش
والتوزي
من كافة �الألو�ن و�الأقم�سة� ..أ�سك يف �أن معامل تلك �الأج�ساد منحوتة ب�سكل ممتاز
ع
�سف �أو �ثنني على �ليمني و�لي�سار، يخطف �الأنظار لذ� �أخفوهم جمي ًعا� ،إال من ّ
ي�سعون فيه �لتماثيل بوجهها �إىل �حلائط ،كاأطفال تتل ّقى عقابها بغرفة �ملدير.
د�ست على �لب�ساط �لو��سع بلون �لبحر بجميع درجات �نعكا�ص �ل�سم�ص عليه وقت
ب�سكل قذر ،كاملت�سردين ..عدت بب�سري �لغروب ،الأالحظ �أنني حافية �لقدمنيٍ ..
لتلك �ل�سيدة الأجدها تتحدث الأخرى� ،أ�سغر منها �س ًّنا و�أن�سر منها وج ًها ،بينما
أنت لتحتقريني يا ذ�ت �لوجه �ملج ّعد و�لرئحة �ملن ّفرة؟! تنظر يل باحتقار ..من � ِ
وقبل �أن يحدث �سيء جديد �لتفتُ حلار�سي وهم�ست له:
َ -مل هذ� �الإذالل؟ �أين نحن ليعاملوين هكذ�؟.
و�أ�سفت بتذ ّمر:
� -أكانو� ي�سخرون مني � ً
أي�سا ..حني دعوين باالأمرية؟.
علي ،فمددت يدي �أرفع غطاء ر�أ�سه �مل�ستف ّز من على عينيه ،لك ّنه �سبقني
مل يرد ّ
و�أم�سك بر�سغي و�أنزله كما كان وقال بهم�ص:
-ال �أحد ير�ين غريك ..لذ� ت�سريف وكاأنني غري موجود...
جحظت عيناي ب�سدمة ،مل �أفهم ما قال ..هل يق�سد �أنه �سبح؟ ما هذ� �لهر�ء؟
�أال يكفيني ما �أنا فيه �الآن؟!
أنت� ..قرتبي...
ِ �-
قالتها �ل�سيدة ذ�ت �ل�سوت �ملزعج ،الأه ّز �أنا ر�أ�سي و�أقرتب منها ومن معها
بوهن ،حماولة �لرتكيز عليهما فقط ،دون �لنظر ال ٍأي من �لعيون �جلديدة �لتي
يل من عيون تلك �لتماثيل �مليتة ..وحني �أ�سبحت �أمامهم ،عب�ست �ل�سيدة تنظر �إ ّ
ريص ع
ب�سوت معتدل:
ٍ �الأخرى وقالت
ذر�عي بجانبي من �ل�سدمة لينفتح �جلزء �لذي حاولت جاهدة ّ وقعت كلتا
�إخفاءه من متزّق ف�ستاين ،و�تّ�سعت عيناي و�أنا �أقرتب بخطى بطيئة لتلك �ملر�آة
�لتي ك�سفت قبحي� ،لذي ز�د �أ�سعا ًفا فوق �ل�سورة �لتي ر�سمتها لنف�سي!
رم�ست بعيني و�أنا �أمل�ص ب�سرة وجهي �مل�س ّبعة بالبثور وباآثارها �لبن ّية� ،أنفي
عيني لي�ستا و��سعتني ،بل �لو��سع
بلون مقزّز و�كت�سفت �أن ّ�لكبري� ،سفتاي �ملت�سققتني ٍ
هو ذلك �ل�سو�د �ملظلم حتتهما!
�سفتي دون مل�سهما الأرى �أ�سناين ..وتن ّهدت بارتياح ..مل تكن
باعدت �مل�سافة بني ّ
ص ع
بها م�ساكل ،كلها موجودة ويف �أماكنها �ل�سحيحةً � ..إذ� ..هذ� هو وجهي! كنت �أعلم
والتوزي ر
ع
حظي ،تفاجاأت بال�سيدة تقف خلفي يف �ملر�آة ،ر�قبت ماوقبل �أن �أبكي على ّ
كانت تفعل� ،أز�لت غطاء ر�أ�سي �ملت�سل بالف�ستان ،لينك�سف �سعري ..تن ّف�ست
ب�سعوبة حني ��ستممت ر�ئحته والحظت �أن �أطر�فه ق�سرية للغاية ،بالكاد ت�سل
ل�سحمتي �أذ ّ
ين ..وكاأنها ..حمروقة!
-دعيني �أك�سف على باقي ج�سدك ،الأ�ستطيع تقدير حجم �مل�سكلة.
هززت ر�أ�سي بقلق ،وعيناي �لد�كنتان �نطفاأتا� ..أكرث من ذي قبل..
�أدخلتني �ل�سيدة �لهادئة �إىل غرفة �سغرية مر ّبعة متّ�سلة بالغرفة �الأم ،جدر�نها
هي فقط مر�يا ...مر�يا قا�سية ،تعايرين بقبحي ..وبدون �أي كلمة �أخرى من �ل�سيدة
ذر�عي ف�ستاين بحذر كي ال �أزيد قطعه ،بالتاأكيد �ساأحتاجه ل�سرت
ّ تلك ،خلعت عني
جميال كان �أم ب�س ًعا ،و�أ�سبحت بدون �لف�ستان .مالب�سي ج�سدي �أ ًيا كان نوعه؛ ً
ذر�عي
ّ �لد�خلية بالكاد ت�سرتين ،وهذ� بال�سبط ما �أر�دته �ل�سيدة� ،أ�سارت �إ ّ
يل برفع
لالأعلى ،و��ستندت على �ملر�آة من خلفها ونظرت على جميع �ملر�يا من خلفي ،ومل
تن�ص �لنظر جل�سدي نف�سه ..مل تطلب مني �ال�ستد�رة ،فكل �سيء و��سح ..ج�سدي
قبيحا ،لك ّنه كما قالت منذ قليل« :يحتاج لالهتمام»..
غري معتنى به بامل ّرة ..لي�ص ً
�رتديته م ّرة �أخرى على عجلة الأ�ستطيع �لرتكيز يف ما تقول:
منت كث ًري� ..وبالطبع ال تعرفني كم م�سى على �آخر م ّرة
أنك ِ
-من �لو��سح � ِ
�عتنيت فيها بج�سدك!.
هززت ر�أ�سي نف ًيا و�نطلقت قائلة بذعر:
� -أنا ال �أتذكر �أي �سيء ..كما �أنني ال �أعرف �سبب وجودي هنا!.
ر ش
والتوز عي
نظرت �إىل ما ت�سري �إليه ،و�إذ بلوح ٍة ُمظلمة تظهر ً
بدال من تلك �ملر�آة ،فاتّ�سعت
عيناي بغر�بة الأدرك �أنه ..باب� ،أو نافذة بحجم لوح زجاج �ملر�آة �لتي تب ّدلت! وقبل
�أن �أ�ساألها� ..سعرت بها تدفعني بقوة ..الأهوي لالأ�سفل! ظللت �أ�سرخ بذعر وقلبي
يو�سك على �لتو ّقف! وال �أتوقف عن �ل�سقوط! �لهو�ء �لبارد يغلفني ب�سرعة �سقوطي،
قليال ،فقما�سه �لقدمي �ملهرتئ قد نال من�رتفع رد�ئي الأعلى ليحجب عني �لروؤية ً
وجهي معظمه ،ليختفي بعدها يف �لهو�ء الأبقى بقطعتني خفيفتني من �لقما�ص ال
�أكرث ...وفجاأة ،وجدت حار�سي ذ� �ملالب�ص �ل�سود�ء يتبعني يف �سقوطي ،لك ّنه كان
هاد ًئا ،وكاأنه يح ّلق مبنتهى �لرب�عة! و�إذ ب�سوته يهم�ص يل بربود:
نف�سا عمي ًقا ،و�أغلقي منافذ �لهو�ء لديك.
-خذي ً
نظرت له بغري فهم وقد تو ّقفت عن �سر�خي �ملذعور ..وقبل �أن �أنطق بالـ «ها؟»
�لتي تعرب عن غبائي� ..سقطت ..يف ماء!
عيني ببطء الأرى فقاقيع �ملاء �لغزيرة حويل �أثر �سقوطي �ملفجع ،وذر�عاي
فتحت ّ
مفرودتان بجانبي ،و�ساقاي متعبتان ،ال يقدر�ن على �ل�سباحة بي لالأعلى ..زفرت
رئتي للخارج لينت�سر ثاين �أك�سيد �لكربون �خلا�ص بي حويل، �آخر �أنفا�سي من ّ
يو ّدعني مبنتهى �لق�سوة ..وقبل �أن �أدرك �أنه ً
فعال نف�سي �الأخري ،تفاجاأت بحار�سي
يل ،ميد ذر�عه يل من �الأعلى ..ال �أتذ ّكر �إن كنت قد مددت له ذر�عي� ،أم ي�سبح �إ ّ
�لتقطها هو ..لك ّنني �أتذكر جذبه يل لالأعلى ..الأ�سبح خارج �ملاء ..بطريقة مده�سة
كما دخلت �إليه!
-لقد �أنذرتك� ..عتادي على �لت�س ّرف �ل�سريع من �الآن ف�ساعدً �.
قالها بنف�ص �لهدوء و�لربود ب�سوته �لذي يثري بد�خلي �لهو�ج�ص ،الأنظر �أنا له
ع
بينما �أ�سهق �أك�سجي ًنا من �لهو�ء حول تلك �لـ ..بركة �لغريبة ...بركة؟!
ع والتوزي
�لق�سرية �ملزعجة من على وجهي ،الأجد �أنني يف مكان �أ�سبه بالكهف ..حو�ئط
�سخرية بعيدة عني مب�ساحات كبرية ،كما هي طبيعة �الأر�ص� ..إال من ذلك �لتجويف
�لكبري �ملليء باملاء �لذي �أتو�جد فيه ..مع ذلك �لغريب!
هد�أت �أنفا�سي وت�ساءلت عن ماذ� حدث! وجدت �سوت �ل�سيدة �آت ًيا من �الأعلى،
فنظرت لالأعلى الأجدها تقف يف ذلك �لباب �مل�سيء� ،سبحها بالكاد يظهر من �سوء
علي:
غرفة �ملر�يا ،تنادي ّ
ّ -
نظفي نف�سك ج ّيدً � ،فاأنا �أنتظرك بالغرفة �الأخرى.
-غرفة؟!.
يدي ب�سخط لتغلق هي �لباب وكاأنها مل ت�سمع �سحت بها ب�سخرية و�أنا �أرفع ّ
ته ّكمي ..زفرت ب�سيق ،و�رتعبت من �ملكان �لذي �أنا به .نظرت لالأ�سفل الأجد �أنني
�أقف على �سخرة لزجة ،ترفعني عن �سطح �ملاء ببع�ص �ل�سنتيمرت�ت ..ول�سدمتي..
�أنا �الآن عارية!
كيف حدث ذلك؟ هل �رتطمت ب�سطع �ملاء بق ّوة فتجردت من قطعتي �ملالب�ص؟
�أم �أن قما�سهما �ملتو��سع قد ذ�ب بعذوبة ماء �لنهر معتدل �حلر�رة؟
عليك.
أنت تهدرين �لوقت ،ه ّيا قومي باأخذ ح ّمامك قبل �أن تنادي ِ
ِ �-
بذر�عي ونظرت له �سز ًر� ،و�سببت غ�سبي عليه قائلة:
ّ �سهقت و�أحطت نف�سي
ً
وف�سال عن � -أدر وجهك للجهة �الأخرى ّ
وكف عن �لت�سرف مبنتهى �لربود!
ذلك� ،أخربين باأي �سيء ير�سي ف�سويل!.
�سمعت �سحكاته ،فتج ّمدت يف مكاين و�لتفتُ له بحذ ٍر وتر ُّقب ،ووجهي �أحمر
ريص ع
خجال من هيئتي �ملهينة ..الأجده ينظر للجهة �الأخرى ،مي�سح على عباءته �لطويلةً
والتوز عي
�ملنظف على �سعري وج�سدي بينما �أفكر يفبع�سا من �ل�سائل ّ
يل� ،سكبت ً وق ّربتهم �إ ّ
ذلك �ملكان �لغريب بهوؤالء �لنا�ص وعن حالتي �لتي تفاقمت كث ًري� عن �ل�سورة �لتي
�أر�سمها يف خم ّيلتي ،ورغ ًما عني ،كنت �أذرف �لدموع �خلفيفة..
T
بعد مر�قبة رغوة ح ّمامي وهي تطفو� -بعيدً � عني� -سابحة باجتاه م�سرف
منحدر ،خرجت من �ملاء ببطء ،ونظرت للحار�ص بحذر ،فكان �ساردً� يف �سيء ما
بعيد عن موقعي .بحثت بعيني عن �أي �سيء ي�سرت ما يظهر من ج�سدي �لنحيل،
�لذي بالطبع لن يغوي ذكر �خلنف�ساء حتى ،مما جعلني مرتاحة بع�ص �ل�سيء،
حتى وجدت بع�ص �ملنا�سف فاحتة �للون مو�سوعة على �أحد �جلو�نب من �الأر�ص
�ل�سخرية ،فاأ�سرعت �إليها متفاجئة بربودة �الأر�ص� ،رتع�ص ج�سدي و�أنا �أتناول
من�سفة طويلة ،لففتها حول ج�سدي ،و�أخرى حول ر�أ�سي لتمنع �لهو�ء �لبارد عن
�لو�سول الأذين ..وفجاأة وجدت �حلار�ص يقرتب مني وي�سري �إىل �أحد جتويفات
�ل�سخور كالكهوف ويقول:
-ه ّيا...
�سرت خلفه ببع�ص �لقفز �خلفيف ،الأتفاجاأ باأن وهني و�سعفي قد و ّليا ..و�أنني
�سرت �سبه طبيع ّية!
درج غري مرئي بالن�سبة يل ،ففعلت مثله مبنتهى �حلذر وجدت �أنه يهبط على ٍ
بينما يد�ي ممدودتان لالأمام� ،عتقدت �أنني كنت �ساأت�س ّبث بكتفيه �إن �خت ّل تو�زين،
ر ش
والتوزي
تو ّقف فجاأة فا�سطدمت بظهره �لقوي ،ويف �لثانية �الأخرى وجدت نف�سي
ع
مرفقي بقليل -كما ُحتمل �لدُمى -وو�سعني
ّ ذر�عي ،فوق
ّ حممولة بخفة بك ّفيه من
�أمامه على ذلك �لدرج �ل�س ّيق كمم ّر ثم هم�ص يل:
-قومي بدفع �لباب.
مل �أ َر �أي �أبو�ب ،لك ّنني بالفطرة دفعت �جلد�ر من �أمامي ،الأتفاجاأ ب�سوء خفيف
يت�س ّلل منه ،ليك�سف يل ما نقف عليه ..درج من �ل�سخور ...فارغ من �جلانبني..
ومن �أ�سفله فجوة من �لظالم ..ال �أدري عمقها!
قدمي على �أر�ص تلك �لغرفة �الأكرث
ّ �سعرت بالذعر فاأ�سرعت بو�سع �إحدى
�أما ًنا ،م�ستندة على جانبي �لباب ،الأهرب من تلك �لكارثة �لتي �أقف فوقها ،و�سرت
ً
قليال حتى �أ�سبحت بالد�خل وبجانبي �حلار�ص..
زي �خلدم� ،لف�ستان �لق�سري
�أغلقت �سا ّبة ما �لباب من خلفي وهي ترتدي ّ
خ�سو�سا �حلكايات
ً �الأبي�ص و�الأ�سود و�ملريول �لب�سيط� ،ملعرتف به يف ك ّل مكان،
يل و�حدة مم�سكة بيدي ،قادتني حتى جل�ست على مقعد وثري، �لقدمية ..تق ّدمت �إ ّ
مريح للغاية ومل �أقاوم �إغما�ص عيني الأ�ست�سلم الإح�سا�ص �لر�حة هذ� ،لكن �سمعت
�سوت �ل�سيدة �لهادئة تقول يل:
� -الآن �سنبد�أ باالعتناء بج�سمك ..حاويل �ال�سرتخاء فقط ،ال تتوتري.
نظرت لها بغري فهم وت�ساءلت:
-هل هناك ما �سيوؤمل؟.
ع
قا�ص للغاية! وكرد فعل �سرخت متاأملة..
وها قد جاءت �الإجابة على هيئة فعلٍ ..
ص ع
-يف نظرك ..هل ما زلت قبيحة؟.
والتوزي ر
ع
ّ�جتهت الأحد �لف�ساتني و�أ�سارت يل �أن �أقرتب ،تفح�ست �لف�ستان وزفرت
باإجهاد:
� -سن�سطر حلياكة ما ينا�سبك ..لكن �رتدي هذ� موؤ ّقتًا.
ب�سيطا من خز�نة كبرية بعر�ص �حلائط ،باللون �لرمادي �لباهت�أخذت ف�ستا ًنا ً
و�أعطته يل ،قائلة:
-لقد �نتهى عملي هنا.
�بت�سمت لها و�سكرتها ..وقبل �أن �أت�ساءل عن �أي �سيء �أ�سارت يل على �لباب
�لذي دخلت منه ،فتنحنحت وخرجت وهم�ست ملن يتبعني:
-و�الآن ماذ�؟.
كدت �أ�سع قدمي على �أوىل �لدرجات �ل�سخرية �ملريبة� ،إال �أنني وجدت �ملكان
من خلف �لباب قد تب ّدل� ..إىل �لرو�ق ذي لوحات �مللوك يف كل مكان ..عب�ست
بغر�بة ،الأ�سمع �سوت �حلار�ص يقول وهو يفتح باب �إحدى �لغرف:
زلت قبيحة ..وردًّ� على �لثاين،
-كاإجابة عن �سوؤ�لك �الأول ...نعم؛ ما ِ
ف�ستفهمني كل �سيء يف �حلال ريثما تعربين من هذ� �لباب.
جتاهلت جملته �الأوىل ،مل ت�سبني يف مقتل ،فاأنا �أدرى بنف�سي! لكن ما جذب
�نتباهي كانت ثاين جملة ،فنظرت للباب �لذي مي�سك مبقب�سه وعربت من خالله..
الأجد نف�سي يف غرفة �سغرية؛ �الإ�ساءة بها خافتة ،بها فر��ص ب�سيط ،ومن�سدة
خ�سبية للطعام ..ومقعد! مل �أف ّكر كث ًري��ّ ،جتهت لل�سرفة �ل�سغرية ذ�ت �لق�سبان،
ونظرت منها على �ملظهر �خلارجي و�أطلقت �سهقة مكتومة ،الأ�سمع �سوت �حلار�ص
ص ع
يتكلّم بعد �أن �أغلق �لباب:
ص ع
�قرتب �إ ّ
يل ذلك �حلار�ص -ببطء -ومل يكن بو�سعي �لرت�جع ،فاأنا �ألت�سق
وال ر
توزيع
-و�أنت ..من �أنت؟.
ذر�عي تلقائ ًيا �أمام �سدري ،الأتفاجاأ به ينزلهما ببطء ،ويق ّرب �أنامله
ّ رفعت
ل�سدر ف�ستاين يريد فتح �أزر�ره ..ت�سارعت د ّقات قلبي و�أنفا�سي يف حماولة �البتعاد
عنه بينما �أك ّرر �سوؤ�يل:
-من �أنت!.
و�أ�سفت بده�سة:
� -ترك مالب�سي و�بتعد عني فو ًر�!.
فكرة �أن ال �أحد ير�ه غريي جعلتني �أحب�ص �أنفا�سي يف �للحظة �الأخرية عن
�ل�سر�خ و�ال�ستنجاد باأي �أحد ..رغم �أنني ال �أعرف �أحدً �!
ذر�عي فوق ر�أ�سي بقب�سته �لقو ّية بينما يده �الأخرى ما ز�لت تقوم
ّ ث ّبتني برفع
ف�ص �الأزر�ر �لعلو ّية ،وفجاأة باعد بني �س ّفتي
وخ ّفة ،حتى �نتهى من ّ
بعملها ب�سرعة ِ
بهم�ص منده�ص:
�لف�ستان كالباب �ملفتوح ،وقال ٍ
-مقتولة...
�أخ ًري� ��ستطعت دفعه بكل ق ّوتي ،ليبتعد عني ً
قليال ،لكن �سرعان ما �قرتب وث ّبت
ذر�عي فوق ر�أ�سي م�ستطردً� بنربة هام�سة ..غري م�سدقة:
ّ
-مل متوتي ..بل ُق ِ
تلت!.
نظرت له بغري فهم ،فاأ�سار على مو�سع �سدري وقال:
مكتوب هُ نا...
ٌ -
T
ل ا ريص ع
ن ل بل ت ك
ر ش
والتوز عي
)(3
ً
عاد مشــوها كما كان!
والتوزي ر
ٌ
خمطوط بالفعل! وكاأنه و�سم! حني ر�أيت �سي ًئا ما ،هو
ع
�بتعدت عنه وظللت �أدور بالغرفة ،ذها ًبا و�إيا ًبا� ،أبحث عن مر�آة ..لك ّني مل �أجد!
ف�سحت فيه ليبحث معي:
� -أال ترى مر�آة؟ �أي مر�آة؟!.
وقبل �أن يجيب الحظت وجود وعاء عميق من �ملاء وبجانبه كوب حديدي �سغري،
ركبتي �ملك�س ّوتني بالقليل من �للحم ،و�قرتبت بوجهيّ فاجتهت �إليه وجل�ست على ّ
قليال وفتحت �لف�ستان ،ومل �أر �سي ًئا! فاالإ�ساءة
منه ،الأرى �نعكا�سي ..رفعت ج�سدي ً
بالغرفة �سيئة للغاية!
�قرتب مني وقال بهدوء:
لك.
� -هد�أي ..لن ت�ستطيعي روؤيته ،ميكنني قر�ءته ِ
ز�دت د ّقات قلبي وقلت بتلعثم:
-لكن ..لكن تلك �ل�سيدة� ..لق�سرية�� ..ستطاعت قر�ءته ..ملاذ�؟ و�أنت..
كيف ذلك؟.
كتفي ،الأ�سبح و�قفة با�ستقامة �أمامه وقال بعمق:
�قرتب مني وث ّبتني من ّ
أنت.
-ميكنها ذلك ..وميكنني ..لي�ص �جلميع ميكنه ذلك ..مبا فيهم � ِ
و�أ�ساف ب�سرود:
غريب ح ًّقا!.
تعجبها من �الأمرٌ ..
تبد ّ
-وبالرغم من �أنها قر�أته ،مل ِ
ع
نظرت ملو�سع عينيه وكاأنني �أر�هما وهم�ست برجاء:
ر
�ساقي
قليال الأجل�ص على �لفر��ص من خلفي ،فجل�ست و�سممت ّ
والتوز عي
يل� ،أحتوي نف�سي و�أحميني من �لهو�ج�ص ..فكلمة «مذعورة» هي �أقل كلمة ميكنها�إ ّ
و�سف �سعوري بعد �أن �أخربين عن كوين مقتولة ..وموجودة بالعامل �الآخر!
جذب �ملقعد �خل�سبي �لب�سيط لي�سعه �أمام جل�ستي على �لفر��ص ،جل�ص بالو�سع
�ملعاك�ص لطبيعة �ملقعد ،ومال بجذعه لالأمام م�ستندً � على �لظهر �خل�سبي بكلتا
يديه وبد�أ يف �حلديث ،لياأتيني �سوته متنهّدً �:
ل�ست �لوحيدة ..هناك �ملئات و�ملئات �أتني منذ �أيام.
-ال تخايف ِ
�سفتي بتوتّر� ،أعتقد �أنها عادة حني �أكون م�ستّتة ..و�ساألته بينما �سفتاي
ق�سمت ّ
م�سمومتان ً
قليال:
-وماذ� قر�أت ..غري كوين مقتولة ..هل ��سمي مذكو ٌر � ً
أي�سا؟.
�ساألته و�أنا �أكاد �أجن� ،أ�ساأله �سو ًؤ�ال ً
ب�سيطا بينما �أعيد ترتيب كل ما �أردت �سوؤ�له
�سفتي �ملت�س ّققتني ..ماليني
ّ عنه بعدها ،حتى ال تهرب حرويف �ملرتع�سة من بني
�الأفكار و�لهو�ج�ص قفزت لط ّيات عقلي بال ��ستئذ�ن ،الأرجتف ً
قليال و�أحترك بال
وعي لالأمام وللخلف ،م�ساعري متخ ّبطة ،حتى قبل �أن يقول �أي �سيء ..كم �أردت
�أن �أ�سيغ كل ما �أريد معرفته يف �سو ٍؤ�ل و�حد؛ كي �أ�ستمع لتف�سري عميق ي�سبع ف�سويل
وي�سكن قلبي ولو ً
قليال! مل �أ�ستطع ذلك بالطبع فاآثرت �ل�سمت ،حتى �أتت �إجابته:
عنك ،و�أعتقد �أنه لي�ص باالأمر
أنت مقتولة ..فقط ..ال يوجد �أي �سيء �آخر ِ
ِ �-
�لغريب ..لقد �سمعت عن فتيات ياأتني بدون �أي معلومة!.
�أوماأت بر�أ�سي و�أرهفت �سمعي ل�سوته �لعميق و�لذي بد�أ باال�سرت�سال:
فلكل
-نحن هنا يف �لعامل �الآخر ،نقوم بعمل ما مل ن�ستطع فعله يف �حلياةٍ ...
ص ع
م ّنا هدف من �لوجود هنا ..حتى لو �أن وجودنا هنا لي�ص مبح�ص �إر�دتنا...
ع
و��سحا ،بالتاأكيد �سمع كل ما قلته ..ال �سيء م�سحك يف ما
ً �أُق�سم �أن �سوتي كان
�أقول! وبرغم هذ�� ..سحك..
�أرهفت �سمعي ل�سوت �لرياح �لقادم من �خلارج ،ويف نف�ص �للحظة دخلت بع�ص
�لرياح عرب تلك �لفتحة �ل�سخيفة ذ�ت �لق�سبان باحلائط ،لتجعل ج�سدي يرجتف
بوهن ،فهممت الإغالق �أزر�ر ف�ستاين �خلفيف و�لذي ال يوجد �أي �سيء لي�سرت عظمي
متاما مبجرد �أن ر�أيت تلك �لكلمات� ..سعرت
�لبارز �إال هو ،و�لتي ن�سيت �إغالقها ً
باالختناق ...وجم ّددً�� ..ساألته:
-ما �ملكتوب هنا؟.
و�أ�سرت �إىل ج�سدي بتلقائية ،فاأجابني:
كنت حتاولني �إنقاذ �أحدهم...
-مقتولةِ ..
�عتدلت وجل�ست �لقرف�ساء وطالعته مبنتهى �الهتمام ،وت�ساءلت:
� -أنا؟ كنت �أنقذ �أحدهم؟.
ه ّز ر�أ�سه وقال با�ستهز�ء:
أنك ُم�سحية...
-من �لو��سح � ِ
�بت�سمت ب�سرود ..بقليل من �لفخر وحاولت تخ ّيل نف�سي يف � ٍّأي من مو��سع
�لبطولة و�لت�سحية ..فلم �أجد! فعدت �إليه وت�ساءلت:
-وهل يل ��سم؟.
ع
حت ّركت �أ�سابعه تد�عب خ�سب �ملقعد �ملتهالك وقال بال �أي تعبري �أو �هتمام:
والتوز عي
� -إليونور�...
مل �أدرك تلك �لنربة �لغريبة يف �سوته ..لك ّنها �أجفلت قلبي �ل�سغري ،جعلته
يخفق بعنف ..بحما�ص ..بطريقة ر�ئعة! جعلت لوقع �ال�سم �لذي قاله رني ًنا..
� -أنا �إليونور�؟.
ه ّز ر�أ�سه وقال بنربته �لعادية ،وكاأنه ال يهتم:
-هل متانعني؟!.
وجدت �البت�سامة طريقها �إ ّ
يل ..وقلت بال وعي:
� -أحببت �ال�سم!.
نه�ص من مقعده ،وتركه بجانب �حلائط وقال بهدوء:
بك...
-يليق ِ
و�أ�ساف بعد �أن �أدرك غر�بة ما قال:
عليك �لنوم ..فاأمامك يو ٌم طويل بالغد.
� -الآن ِ
ّ
دق قلبي وقلت بطريقة معتوهة للغاية:
-كيف لهذ� �ال�سم �جلميل �أن يليق بي؟ و�أنا دميمة هكذ�!.
باهتمام غريب ،وكاأنها
ٍ م�سدها
خلع عنه عباءته �ل�سود�ء �ملث ّبتة بكتفي مالب�سهّ ،
ّ
قطة �سود�ء ناعمة ..وناولني �إ ّياها ،فنظرت له مت�سائلة ..ليقول:
لك ما تتدثرين به ..و�جلو بارد �لليلة.
-مل يوؤ ّمنو� ِ
ع
وبقوله �آخر كلمة دوى �سوت �لهو�ء عال ًيا ،فاأخذت عباءته ولففتها حول ج�سدي
ك
أي�سا ..كم هي
ر ش
والتوزي
تنهدت بعد �أن عم �لدفء ج�سدي ..ونظرت له الأجده يقف بالقرب من �ل�سرفة،
ع
يطالع �لقمر ،مول ًيا ظهره �لعري�ص يل ..فقلت مت�سائلة:
-هل� ..�� ..أال ت�سعر بالربد؟.
مل يجبني ،فتنحنحت وناديته بينما ��ستلقيت بج�سدي �لنحيل على �لفر��ص
�لقدمي:
-ظافر....
ً
مت�سائال: �لتفت �إ ّ
يل و�قرتب مني
عرفت ��سمي؟.
-كيف ِ
عيني بغمو�ص ،وكدت �أن �أر�وغه� ،إال �أنه قال متذ ّك ًر� وقت خروجي من
�س ّيقت ّ
�لزنز�نة:
�� -ه تذ ّكرت...
وما لبث لي�سمت وقال:
-ماذ� تريدين؟.
زفرت من ق ّلة �سربه وقلت ب�سخط م�ساعري:
علي هكذ�! �أنا مقتولة وفاقدة للذ�كرة ...ر� ِع م�ساعري �إن تك ّرمت!.
-ال تق�سو ّ
�سحك با�ستهز�ء فرميته بنظرة غا�سبة و�أردت �سوؤ�له عن �سيء ،ال �أتذكر ما
عيني وهم�ص ب�سيء مل �أفهمه،هو ..ال �أتذكر �إال �أنه �قرتب مني وم ّرر ك ّفه فوق ّ
لوقت �أطول.
عيني فقدتا �لقدرة على �لبقاء مفتوحتني ٍ �أجفلني الأول وهلة� ،إال �أن ّ
د�م�سا بال�سو�د حني �أ�سبلت �أهد�بي و��ست�سلمت لالإح�سا�ص �ملفاجئ
كل �سيء �أ�سبح ً
ع
علي تعويذة ما ..الأنام!
بالنوم .وقتها مل يبق بعقلي �أي فكرة �إال �أن ..ظافر �ألقى ّ
T
ت ك ل ا ريص
ر ش ن ل بل
والتوز عي
��ستيقظت ..ال �أ�ستطيع �لقول �إذ� كنت قد ��ستيقظت يف �ليوم �لتايل� ..أم يف
قدمي ُالأالم�ص �الأر�ص
نف�ص �لليلة �لد�كنة ..تن ّهدت و�أبعدت �لعباءة عني و�أنزلت ّ
�ل�سخرية د�كنة �للون كاجلدر�ن� ،كت�سفت �أنني منت باحلذ�ء �خلفيف �لذي
ح�سلت عليه �لبارحة مع �لف�ستان .نظرت حويل� ،أبحث عن ظافر ،لكن �لظالم
كان �أقوى من تلك �لرغبة�� ،ستندت على �حلائط وناديت ��سمه بهم�ص ..لكن ال من
جميب! و�سعت �أناملي على عيني وقلت بغري وعي:
-هل �أطفئت �ل�سعلة؟.
و�أ�سفت ب�سيق:
َ -مل هذ� �لظالم!.
وقبل �أن �أ�سل حلرف �مليم يف �آخر ما قلته� ،سمعت �سوت فرقعة �أ�سابع ،وفجاأة
عاد ب�سري!
�تّ�سعت عيناي بغر�بة الأجد ظاف ًر� هذ� يقف �أمامي ..و�أ�سابعه ما ز�لت بالقرب
من عيني ..فهم�ست بغري فهم:
-كيف؟.
�أنزل �أ�سابعه ببطء ّ
وتخطاين ،لياأخذ عباءته من على �لفر��ص ..ن ّف�سها ،ث ّبتها
خلف ظهره كما كانت ،وعاد �إ ّ
يل ،وقال بلهجة غريبة:
�� -سربي ً
قليال من �ملاء...
مل �أفهم �سبب ما قال ..لكن ال يهم ،فاأنا كنت �أ�سعر بالعط�ص ً
فعال فاقرتبت
والتوزي
بوجهي ..الحظت �سي ًئا ما ..متن ّيت �أن ال يكون
ع
�سحيحا ..لكن ..هو حقيقي!
ً
�سقط �لكوب مني لي�سدر دو ًيا عال ًيا و�سرخت يف نف�ص �لوقت! ومل يجفل
ظافر ..فهو بالطبع يعلم باأن وجهي ..عاد دمي ًما! عاد م�س ّوهً ا كما كان!
T
)(4
الكارثة
�أردت و�سع وجهي يف كفى الأبكي بحر ّية ..لكن مالم�سة ذلك �لوجه هو فعل
ص ع
مقزز للغاية ،حتى ولو كان وجهي �أنا!
والتوز عي
-ماذ� فعلت بي! �أيها �مل�سعوذ! �أنت من فعلت بي هذ�!.
مل �أكن �أتوقع منه �إجابة ..لكنه �أجاب بو�سوح:
أنت ..ووجهك �لهادئ باالأم�ص كان -ال تلقي باللوم على غريك ..هذه هي � ِ
جم ّرد ��ستثناء...
رفعت وجهي من �لفر��ص و�سحت فيه بكل ما ّيف من ذعر:
-ملاذ�! ملاذ�!.
بكيت بلوعة و�هت ّز ج�سدي بق ّوة ..و�سمعت �سوته يقول بهدوء:
فلديك �لكثري لتقلقي من �أجله.
ِ -ال تنهاري من �سيء ب�سيط كهذ�..
ويف نف�ص �للحظة �سمعت طر ًقا على �لباب ،فالتفت الأجد �لباب ُيفتح ،لتدلف
�ل�سيدة �ل�سمينة ،وي�سبقها عطرها �ملنفر ..و�سوتها �ملزعج:
-كفى ً
ك�سال�� ،ستيقظي ه ّيا ه ّيا ه ّيا...
قالتها وهي متجهة الآخر �لغرفة ،يف �الجتاه �ملعاك�ص يل ..وقبل �أن �أعتدل
ب�سكل �سليم ،تفاجاأت بدلو �ملاء ينهمر على ج�سدي! ف�سهقت بذعريف جل�ستي ٍ
و�سرخت! ثم �عتدلت باإجفال الأجد �ل�سيدة تنظر يل بده�سة وقد تركت �لدلو:
-مل تذهبي للما�سطة بعد؟.
قالتها م�سرية لوجهي �لقبيح ،فنك�ست �أنا وجهي وقلت بحزن:
وحت�سنت هيئتي ..لكن ..عاد وجهي ملا كان عليه!.
-ذهبتّ ..
�سحكت جملجلة �ملكان ب�سوتها �ملزعج الأنتف�ص �أنا مذعورة ..وقالت �أخ ًري�
ر ش
والتوزي
�أ�سبلت �أهد�بي ع ّدة مر�ت وهم�ست بـ:
ع
دوما قبيحة ..لكن �إح�سا�سي هذ�...
-ال �أتذكر� ..أ�سعر باأنني كنت ً
وقبل �أن �أو�سل لها ما �أريد ،جذبتني من ذر�عي بق�سوة �ساغطة باأناملها
كتفي بق ّوة و�أخرجتني من �لغرفة قائلة:
�ل�سميكة على تلك �ملنطقة �أ�سفل ّ
-ال د�عي للرثثرة ..كوين قليلة �لكالم ،ال وقت لدي الأ�سمع ثرثرة كل و�حدة
منكنّ !.
�نطلق �أنيني وت�ساءلت:
-لكن ..كيف ال �أكف عن �لرثثرة و�أنا ال �أفهم �سي ًئا!.
�أ�سبحنا بالرو�ق ذي �للوحات �مللكية �لعظيمة و�سرنا حتت ُ
�لرث ّيا �ملتف ّرعة،
�سمعتها تقول بته ّكم:
لك �أيتها �ملعتوهة؟ �أال ترين �أن جميعنا م�سغولون؟.
-ومن لديه �لوقت لي�سرح ِ
نظرت حويل بغر�بة وقلت:
-جميعكم؟ لكني ال �أرى �أحدً �!.
وبنطقي �لكلمة �الأخرية تفاجاأت باأننا عربنا بد�خل �حلائط وكاأنه حائط من
�لهو�ء فقط! و�أ�سبحنا بد�خل مكان حار للغاية ،رفعت ك ّف ّي �أمام وجهي �أ�سارع تلك
�الأبخرة عديدة �لرو�ئح حتى �ت�سحت �لروؤية .نحن يف مطبخ �أقل ما يقال عنه �أنه
أنا�سا ينت�سرون يف كل مكان؛ لينفو�
ثو�ن؛ �الآن �أنا �أرى � ً
كبري ،والأعود ملا قلته منذ ٍ
بد�خلي فكرة �أن هذه �لقلعة مهجورة!
دفعتني �ل�س ّيدة الإحدى �لفتيات� ،لالتي يرتدين ق ّبعة بي�ساء حتجب خ�سالت
يقطعون �خل�سر ..وقالت بق�سوة:�سعرهن عن وجوههنّ ،
ر ش
والتوز عي
�ساف ،بعك�ص ما يبدو وجهي� ،أنفها طويل �لفتيات باملطبخ ،قمح ّية �لب�سرة ،وجهها ٍ
ً
قليال نهايته مد ّببة يعطيها مظه ًر� ج ّذ� ًبا ..مل �أ َر هيئة �سعرها ،لكن لونه �الأ�سود
�لفاحم كان ظاه ًر� يل من تلك �لفتحة �مل�ستديرة �أعلى �لقبعة �لورقية..
� -أُدعى ميلد� ..و�أنا كبرية �لطهاة هنا...
يل ،و�أ�سعرين هذ�قالتها بعمل ّية بينما ت�سع �سكي ًنا كب ًري� يف يدي ،ومل تنظر �إ ّ
قليال� ..سعرت ب�سيء بجانب �ساقي �لي�سرى ،فنظرت لالأر�ص الأجد �أنه باالرتياح ً
بني رثّ للغاية ،و�سعته فتاة للت ّو و�ن�سرفت..
�سو�ل كبري من قما�ص ّ
� -أريدك �أن ّ
تقطعي كل �لكم ّية ،ال ترتكي �أي �سيء ..وحني تنتهي تعايل �إ ّ
يل...
قالتها ميلد� ثم غادرت كما غادرت �ل�سيدة �لقرنفلية �-مل�ستديرة� -ملح�س ّوة
بالق�سوة ،وتركوين وحيدة و�سط كل هذ� �لكم من �لفتيات ..و�لطعام� ...أدرت
ر�أ�سي الأرى جز ًء� من �حلائط �لرخامي بار ًز� للخارج ،كما تخرج منه �أل�سنة �للهب
أي�سا �لعديد من �لرفوف و�سعت �ل�ساخن ل�سوي �للحم و�أكرث من دجاجة م�سكينةً � ..
أو�ن ومالعق خ�سبية كبرية ،وبع�ص �الأدو�ت �الأخرى معلقة
عليهم �أدو�ت �لطعام من � ٍ
باجلد�ر وبالعو�ميد �لفا�سلة بني زو�يا �ملطبخ .عدت بب�سري للفتيات ،مبختلف
أي�سا �لطويلة� ،لبدينة و�لرفيعة ،ولك ّني مل
�أ�سكالهن و�ألو�نهن؛ منهم �لق�سرية ،و� ً
�أجد من تناف�سني يف كوين مومياء..
�� -ستعيدي تركيزك و�بد�أي فو ًر�!.
�أجفلت من �سوت ظافر وهو يهم�ص بالقرب من �أذين ،و�نتف�ست لي�سقط
�ل�سكني من يدي ..وفرت �سي ًقا و�لتقطتها بيد ،وجررت �ل�سو�ل بيدي �الأخرى،
الأذهب بالقرب من من�سدة �لتقطيع ..لي�سري هو خلفي مبنتهى �لهدوء ،يعرب بني
ص ع
�أج�ساد من يتح ّركن ،وكاأنهم كاأبخرة �حل�ساء �لذي يغلي يف �لقدر �لكبري..
ر
ب�سكل �سليم ،نظرت ملا تفعله ،و��ستفزين هدووؤها كث ًري�!
تقطعها ٍ
والتوزي
ورغ ًما عني وجدت نف�سي �أم�سك جزرة بيدي �لتي تركت �ل�سو�ل وقمت بتقطيعها
ع
بطريقة �سريعة ومثالية �أمامها ،حتى �نبهرت هي وت�ساءلت ببع�ص �لغرور:
� -أمل تقطعي �جلزر من قبل؟.
هزّت �لفتاة كتفيها وهم�ست:
-ال� ..أخذت �لكثري من �لوقت حتى �أعرف كيف �أم�سك �ل�سكني...
نظرت لها با�ستنكار ،وفجاأة �سمعت �سوت كبرية �لطهاة ت�سكتنا:
-ه�س�س�س�س�س�س�س�ص �أ�سمع ثرثرة! و�لرثثرة تقلل �إنتاج ّية �لعمل!.
متاما ،وكاأنني ل�ست هنا ..و�سرعت �أنا بعملي ،بينما�نتف�ست �لفتاة وجتاهلتني ً
يل �سيدة مريعة لتاأخذين للعمل.. �أفكر ..ملاذ� ��ستيقظت يف منت�سف �لليل لتاأتي �إ ّ
�أهي مو�عيد �لعمل هنا؟ وملاذ� �أعمل باملطبخ؟ �أمل يقولو� �أنني �أمرية؟
كنت �أمرية �أم ال...
-ركزي فقط على هذ� �ل�سو�ل �الآن ..و�سرني �إن ِ
قالها ظافر وهو ي�سري لل�سو�ل �ملجهول بجانب �ساقي ،فنظرت له غري م�سدقة
وقلت بهم�ص:
� -أتقر�أ �الأفكار؟.
�أد�ر وجهي �أمامي وقال:
-ال تف�سحي �أمرك ..لي�ص م�سموح باحلديث مع �حلار�ص �ل�سخ�سي �أثناء
�لعمل...
�سفتي وقلت يف عقلي ب�سخط:
�أغلقت ّ
ر ش
والتوز عي
-ر���ئع! �ستقع عيناي من كرثة �لبكاء و�لنو�ح على هذه �لكمية �لرهيبة من
�لب�سل!.
�سمعته يقهقه بهدوء ،فزجمرت بغ�سب وبد�أت يف �لـ ..عمل!
عيني �لد�معتني �مللتهبتني
نف�سا �سري ًعا من �أنفي �لذي ي�سيل ،وم�سحت ّ
�سحبت ً
كتفي لهما ،فها قد �نتهيت �أخ ًري� من �ل�سو�ل كله! و�جلميع
برفعة من عظمة ّ
ينظرون يل بغر�بة! جمعت بقايا وق�سور �لب�سل من على �ملن�سدة الأ�سعها يف
�ل�سو�ل ،كقمامة ،ونظفت �سكيني ..متجاهلة نظر�تهم ،بينما �لفتاة بجانبي مل
�ساقي من كرثة �لوقوف� ،أريد
تكمل ربع �سو�ل �جلزر حتى! حت ّركت بزهو رغم �أمل ّ
�لذهاب لرئي�سة �لطهاة «ميلد�» �سعرت بظافر يقرتب من مييني ،فتجاهلته و�أكملت
�ل�سري ،ومل �أر �أنه قد �أخذ �سريحة جزر غري مت�ساوية �لتقطيع من �لفتاة بجانبي،
و�ألقاها بطريقيّ ..
لتتعرث بها قدمي!
ال �أريد �أن �أفزعكم ..لكن ما حدث من وقوعي� ،أب�سط ما يقال عنه �أنه كارثي!
فبلحظة �إدر�كي �أن قدمي �ليمنى د��ست على �سيء مريب ،حاولت تفادي �ل�سقوط
يدي للجانبني� ،أحاول �لت�سبث باأي �سيء! فالتقطت يدي
ب�ستّى �لطرق ،مددت كلتا ّ
�لي�سرى طرف �ملن�سدة �ملجاورة ..ال ..لي�ست �ملن�سدة نف�سها ..بل �سو�ل عمالق من
أر�سا ،ف�سقطت حبيبات �لبازالء �لتي �أخذن ً
�سوطا كب ًري� يف تق�سريها� ،أهدرتها �أنا � ً
ك�سالل �أخ�سر مريح للروؤية وغري مريح يف � ٍآن و�حد! ال �أنكر �أن مظهره �أعجبني،
ٍ
و�عتقدت �أنني حمظوظة كفاية الأرى هذ� �مل�سهد باأوىل �أيام حياتي �جلديدة ..لكن
ما �أثار فزعي؛ �أنني بيدي �الأخري �-ليمنى -جذبت مالب�ص فتاة �جلزر �مل�سكينة..
و�أعتقد� ..أنني جردتها من ن�سف مالب�سها �ل�سفلي!
�أتذكر �سوت �رتطام �أعلى ظهري باالأر�ص� ،سوت تناثر �لبازالء� ،سرخة فتاة
�جلزر و�سرخة �الأخريات� ،لتفاتة ميلد� ..و�سحكة م�ستهزئة من ظافر!
ل
مل �أفتح ّ
ع والتوزي
وقف ظافر بيني وبينها ب�سرعة ،وظ ّلت نظر�تها معلقة بي �أنا ،ت�سحذ �أنفا�سها
بغ�سب كثو ٍر هائج ،ومت�سك �سكينها مبنتهى �ل ِغ ّل ،وقبل �أن تقدم على فعل �أي
حماقات� ،أتت ميلد� ،لت�سيح بعمق �سوتها:
-من �ل�سبب يف هذه �لفو�سى؟.
مل يكن �سوتها غا�س ًبا كما هو �سوت �أنفا�ص �لفتاة على ي�ساري ،بل كان �سوتها
متما�س ًكا ،يبحث عن �حلقيقة..
�سمت �جلميع بينما �أ�سرن �إ ّ
يل ..ت ًّبا! مل �أكن �أرى تلك �جلزرة �حلمقاء! ما
ذنبي!
خفي�ص� ،أقرب للهم�ص ،يتنا�سب مع موقفي:
ٍ ب�سوت
ٍ قلت
-لقد د�ست على �سيء ما...
تعرثت به ..ووجدت قطعةركبتي ويد�ي تبحثان عن ما ّّ و�عتدلت الأجل�ص على
�جلزر عالقة يف حذ�ئي ،فرفعتها يف وجه ميلد� بحذر بينما �أعتدل بالوقوف مبتعدة
عن بقايا �خل�سر على �الأر�ص ،فالتفتت ميلد� لفتاة �جلزر و�لتي �أم�سكت برد�ئها
تعيده كما كان وهي تذرف �لدموع خز ًيا ،وقالت ب�سر�مة:
ت�سببت
ِ -لي�ست �مل ّرة �الأوىل �لتي توقعني فيها �لبقايا على �الأر�ص ،ها قد
بكارثة!.
-لكن� ،آن�ستي!.
قالتها �مل�سكينة برجاء �أحمق لت�سكتها ميلد� باإ�سارة من يدها ..وقالت مبنتهى
�لهدوء:
ريص ع
-تعاونّ على تنظيف كل هذ�! �جلميع �سينظف �لفو�سى ومن ثم تعدن
ص ع
� -أنا بالفعل �نتهيت منه!.
زيع والتو
� -أعطيتك ً
�سو�ال ..ال ب�سلتني!.
�بت�سمت بفخر وقلت:
ّ -
وقطعته �أنا ك ّله! حتى �آخر ح ّبة!.
كتفي ،لته ّز ر�أ�سها بالنفي ً
قائال ب�س ٍرب رفعت حاجبيها بغر�بة ونظرت خلف ّ
عجيب:
-ال �أرى ذلك يا �سغرية� ..ذهبي و�أجنزي �لكمية ..ه ّيا!.
كتفي ،الأ�سرع �أنا �إىل كومة �لب�سل خا�ستي ..و�لتي
قالتها ب�سخرية وهي تدير ّ
ذرفت �لدموع من �أجلها و�لتهبت عيناي! لقد �ختفت �لكم ّية!
ر ّددت هام�سة بذهول:
T
� -أين؟!.
)(5
نظر ة
ر ش
والتوز عي
أنت؟!.
أخربك باالنتظار؟ ملاذ� ال ت�سمعني �لكالم؟ �أحمقاء � ِ
� -أمل � ِ
كانت تلك �مل ّرة �الأوىل �لتي �سمعته فيها يحدثني بغ�سب ،فنظرت له بذهول
وهم�ست بغري ت�سديق:
-ال تقل يل �أنك �ل�سبب يف �ختفاء نتيجة جمهودي �ملميت؟.
-مميت؟.
ك ّررها ظافر با�ستنكار و�أ�ساح بيديه يف �لهو�ء يف وجهي ً
قائال بده�سة:
وقت قيا�سي! وكل قطعة م�ساوية لالأخرى حتى دون �أن تنظري
-لقد �نتهيت يف ٍ
ملا تفعلني! لقد قمت بها بطريق ٍة ..مثالية للغاية!.
حاجبي بده�سة حتى كاد� �أن يف ّر� من جبهتي و�أنا �أقول:
ّ ز�د �رتفاع
-وهذ� جز�ئي؟!.
و�سرخت يف �آخر جملة الأرى �لفتيات ينظرنّ �إ ّ
يل بازدر�ء ..وقابلتهن �أنا بنظرة
غا�سبة� ،أ�سافت لقبحي مظه ًر� ال يحتمل فاأ�سحن بب�سرهن بعيدً � ..جذبني ظافر
من مع�سمي ملكان هادئ باملطبخ ...وقال بهدوء:
-ال تظهري قدر�تك دفعة و�حدة ،كوين ذك ّية ..كاحلاوي!.
هززت ر�أ�سي بعدم فهم ،وقبل �أن �أقول �أي �سيء �سمعت �سوت و�حدة من
�لفتيات تقول:
تناديك...
ِ � -الآن�سة ميلد�
ر ش
والتوزي
�سار بجانبي نحو ميلد� ..جمددً� ،و�لتي نظرت يل قائلة برفق:
ع
�سجة...
أنت ال ت�سلحني للمطبخ ،وجودك �سبب ّ
� -ن�سي �أمر �لب�سلِ � ..
و�أ�سارت خلادمة تقف بجو�ر �لباب قائلة:
� -ذهبي معها� ،سرت�سدك ملهمة �أخرى.
وبينما �أ�ستدير ظهرت خادمة �أخرى قالت مليلد�:
� -سيدتي� ،الأمري يريدك لطلب �لطعام.
تنهدت ميلد� وقالت:
-ح�س ًنا� ..آتية...
متاما ..فغادرت �أنا �ملطبخ
تركت �ملن�سفة من يديها وغادرت ،متجاهلة وجودي ً
متجهة للخادمة� ،لتي �نحنت �إ ّ
يل وهم�ست باأدب:
� -الآن �ستذهبني الإحدى �لغرف �لتجربية للتنظيف.
-تنطيف! �الآن؟.
هكذ� رددت ،بغري ت�سديق ،وهتفت:
� -آ ٍه يا ظهري! كيف �ساأبد�أ يف �سيء �آخر بعد ما قد قمت به!.
�سحكت �خلادمة وقالت بتحفظ:
أنك �آن�ستي مل تفلحي يف مهام �ملطبخ ،بالطبع �ستنجحني مبهام
-طاملا � ِ
�لتنظيف!.
ع
�أطلقت �سحكة ق�سرية م�ستنكرة ..وتاأففت من ر�ئحة �لب�سل �لن ّفاذة �ملنبعثة
ر ش
والتوز عي
كدت �أن �أر ّد عليه �إال �أنه ك ّمم فمي بيديه ،فالتفت له وهم�ست بني ط ّيات عقلي:
-ماذ� تفعل؟ �تركني!.
تركني ببطء وهو يقول:
�سفتيك ..فعقلك يكفي...
ِ -ال تتح ّدثي م�ستخدمة
تن ّهدت و�أنا �أفكر:
-هل ح ًّقا تقر�أ �أفكاري؟.
ر�أيته يهز ر�أ�سه فت�ساءلت م ّرة �أخرى:
-ومن � ً
أي�سا ميكنه ذلك؟!.
قال مت�سل ًّيا بربود:
� -أنا �ل�سح ّية �لوحيدة...
لكنني نظرت له بغ�سب وقلت بعقلي:
حار�سا �آخر يرفق بي،
ً -ومل �أنت حمتمل؟ فقط �بتعد عني ،و�جلب يل
ويخربين باأي �سيء يح ّثني على �ال�ستمر�ر!.
وهم�ست بازدر�ء:
-متعجرف!.
� -سمعتك!.
قالها ..ور ّكزت �أنا على �ل�سري يف تلك �لردهة �لتي ال تنتهي ..ردهة �أخرى
ع
م�سابهة للتي �أعرفها ،ر ّكزت ب�سري على �لديكور�ت؛ حتف ،ومتاثيل عتيقة .حاولت
ر ش
والتوزي
لرجل قوي� ،ساربه يحت ّل معظم
نف�ص �للحظة �ختفت لوحة من على �جلد�ر ،كانت ٍ
ع
وجهه� ..سهقت �أنا متفاجئة من ما حدث ،فهم�ست �خلادمة:
� -ل�سمعة �الأوىل تفتح �لزنز�نة ..تف�سلي �آن�ستي...
تبعتها للد�خل ،وبجانبي ظافر ،غري متفاجئ من �أي �سيء� .بتعدنا عن بقعة
�ل�سوء حتى ز�د �لظالم من حولنا� ،أعادت �خلادمة �لنور للمكان م�ستخدمة �أعو�د
�لثقاب يف جيب رد�ئها� ،أ�ساءت �ل�سعالت وحني �نتهت قالت بتح ّفظ:
� -آن�ستي يجب �أن تنتهي منهم قبل �أن يح�سر �لـ� ..حل ّر��ص.
عيني و�ساألتها برب�ءة:
�س ّيقت ّ
� -أي كم �ساعة �ساأبقى هنا؟.
نظرت �لفتاة للجانبني بحذر ،ثم هم�ست:
�سيخربك �حلار�ص �ل�سخ�سي...
ِ -
و�ن�سرفت م�سرعة �خلطى ،لعل لديها �أعمال �أخرى! وقتها نظرت ملا حويل
قدمي و�أنا �أدخل لذلك �ملم ّر �ل�سغري� ،ملوؤدي الأربع زنازين فارغة،
وهوى قلبي يف ّ
كالتي كنت بو�حدة منهن! �نقب�ص قلبي ب�سورة ب�سعة و�أبيت �حلركة حتى نظر يل
�حلار�ص وقال:
-ملاذ� تخاف جميع �لفتيات من �لعنابر؟ ماذ� ترون فيها �سوى �أنها �لب ّو�بة
لعاملكم �الآخر؟!.
قالها ظافر بنربة عالية م�ستنكرة ،ليجفلني ،فهم�ست �أنا بذعر:
ص ع
� -أعتقد �أنني لن �أن�سى هذ� �ملكان �أبدً �� ..إنه مريب!.
بل
قائال:
ر ش
والتوزي
َ ِ -مل ال ترتكني �أعمل!.
ع
ق ّرب ظافر �أ�سبعيه �الإبهام و�ل�س ّبابة من جبهتي ..وفجاأة طرق جبهتي ب�س ّبابته
الأنتف�ص �أنا �أملًا! وتاأوهت بغيظ من تلك �لكهرباء �لتي �سرت يف ر�أ�سي لدقيقة
أر�سا ب�سعف بعد �أن �نت�سر تاأثريها يف ج�سدي ك ّله ،وتاأوهت بوهن:
وجل�ست � ً
-ما �لذي فعلته؟.
جل�ص مر ّب ًعا قدميه �أمامي بب�ساطة ،ورفع ر�أ�سي �ملنك�ص باأنامله ً
قائال:
قو�ك ..يجب �أن تكوين �سعيفة هذ� �لوقت ،حتى يعود �مل�سوؤول عن
� -أرخيت ِ
أنك فا�سلة يف تلك �الأعمال.
مر�قبتك ويعلم با ِ
�نتف�ست بر�أ�سي الأ�سعر بدو�ء وقلت بتيه:
-لكني ل�ست فا�سلة� ...أعلم كيف �أقوم بالتنظيف!.
تن ّهد ظافر ب�سرب وقال:
� -إذ� قمت بالتنظيف على �أكمل وجه �سينهكونك يف زنازين �أخرى ،ويعيدون
عليك غ�سيل
�ختبارك ملهار�ت �لطبخ ..وحني تتم ترقيتك� ،سيكون ِ
ورمبا غرفة
�ل�سحون و�الأطباق �مللك ّية� ..أو تنظيف �إحدى غرف �لوزر�ء ّ
�الأمري نف�سه!.
ورفع �سوته ليقول با�ستنكار:
أنت يا فتاة! تبدين كر ّبة منزل ح ّية �ل�سمري؛ تنهكني نف�سك باأعمال
-من � ِ
�ملنزل وكاأنك تنتظرين زوجك �حلبيب!.
ص ع
�تّ�سعت عيناي وقلت ب�سيق:
-تبدو كالهاربني و�أنت تخفي نف�سك هكذ�!.
مددت يدي لوجهه بحذر وبطء ناجت عن �سعفي ،وقبل �أن �أقب�ص على غطاء
ر�أ�سه وقناعه ،قب�ص هو بكفه �لبارد على مع�سمي ...فارجتفت من برودته وقلت:
-ماذ�؟ هل �أنت دميم �لوجه مثلي؟.
ه ّز ر�أ�سه نف ًيا وهو يرتك مع�سمي ببطء ،فقلت با�ستنكار:
قبحا
-ال تقلق و�أرين وجهك ..لن �أحكم عليك ..و�ثقة �أنك لن تكون �أكرث ً
مني!.
وال ر
توزيع
كتفي بال مباالة ..ثم هم�ست:
هززت ّ
-كم باقي على وجودي هنا؟.
�أخرج �سي ًئا ما من جيب رد�ئه وو�سعه على �الأر�ص ،الأجد �أنها �ساعة رمل ّية
�سغرية ،ف�سهقت وحملتها بني يدي بحذر قائلة بده�سة:
-كم هي غريبة! مثلك!.
رفع يدي بال�ساعة لتكن �أمام عيني وذقنه �خلفية ،وقال بهدوء:
-حني تختفي �لرمال من هنا.
و�أ�سار للجزء �لعلوي لل�ساعة ثم ��ستطرد:
� -سنخرج...
قالها ثم �أعاد �ل�ساعة �إىل جيبه فاأخف�ست �أنا يدي �خلاوية وتن ّهدت� .أ�سعر
بال�سعف يف د ّقات قلبي ..كم هي بطيئة ..كل�ساين حني �أحت ّدث! نظرت ملا حويل
و�ساألته:
-كيف �ساأتعامل مع �خلادمة� ..أو مع تلك �ملر�أة �ل�سخيفة �لتي �سكبت �ملاء
بوجهي� ..أعني ..كيف �سيت�سرفون مع عدم تنظيفي للزنازين؟.
��ستند ظافر على �حلائط بجانبه وقال بهدوء:
� -سيو ّبخونك مبنتهى �لروتين ّية ..ثم ينقلونك لغرفة �أخرى� ،أكرث �آدمية..
ويعطونك �سي ًئا لتاأكليه...
حاجبي بتعجب ملا يقول ،فاأطلقت معدتي �سوتًا ماألو ًفا� ..أنا جائعة!
ّ رفعت
�سحك ظافر وقال ب�سوته �لعميق:
ر ش
والتوز عي
-نعم �أعلم ..كالفتيات يف �ملطبخ ..يعملن ويعملن بال تو ّقف!.
�ختفت ب�سمة �سفاهي و��ستعدت تركيزي ً
قليال وقلت مت�سائلة:
-كيف �أخفيت �لب�سل �لذي قمت بتقطيعه؟.
رفع كلتا يديه �أمام عيني وقال بربود:
أنك الحظت �أنني ...م�سعوذ...
� -أعتقد � ِ
وقال �آخر كلمة بطريقة ذ�ت مغزى ،ف�سحكت وحككت ر�أ�سي قائلة بغيظ:
-نعم نعم بالطبع! تعرب من بني �لفتيات وكاأنك ِظل ،ت�سبح يف �لهو�ء برب�عة،
تفرقع �إ�سبعيك لتاأخذ ب�سري وطاقتي� ..مممم ..ماذ� بعد؟.
�سمعت �سوت �سحكته �ملت�سلية ..وفجاأة نه�ص من مكانه ،مبنتهى �التّز�ن،
و�ساعدين على �لوقوف بيديه �لباردتني ،فهم�ست بريبة:
-ما �الأمر؟.
�سمعت �سوت جلبة باخلارج ،فقال:
-قومي ب�سكب �لقليل من �ملاء على �الأر�ص وعلى مالب�سك ،وم ّثلي �لقيام
بعملك.
�أوماأت بر�أ�سي وب�سرعة قمت بتنفيذ ما قال ،لي�ص ثقة به ،بل خلويف من �لعو�قب!
وبينما �أُم�سك بقطعة �لقما�ص �لكتّانية �ملت�س ّبعة من �ملاء و�أل ّوح بها على �الأر�ص
بع�سو�ئية �أحول �لغبار �إىل بقع طين ّية ع�سو�ئية ،وفجاأةُ ،فتح �لباب �خلارجي ّ
ب�سجة
كبرية ،فانتف�ست ونظرت خلف كتفي �الأي�سر الأجد �ل�س ّيدة �لقرنفلية قد �أتت
ص ع
علي �سهقت و�ساحت ب�سوتها �ملزعج: ب�سحبة خادمة ما ،وحني وقعت عيناها ّ
ع والتوزي
يفعله ج�سدي �خلائن ،وجدت �سوت ظافر يقول:
-ت�س ّنعي �ل�سعف �أكرث ..كوين و�هنة لتلك �لدقائق فقط!.
-ح�س ًنا.
قلتها بني ط ّيات عقلي بعد �أن �أدركت �أنه يتح ّكم بحركات ج�سدي ..ورفعت
�سوتي لي�سل لتلك �ل�س ّيدة:
� -آ�سفة ..بذلت ق�سارى جهدي ،لكن....
قاطعتني بكلمة و�حدة:
� -نه�سي!.
بذلت �ملجهود الأقوم ،وكان هذ� وف ًقا ملخطط ظافر ..وحني وقفت معتدلة،
�قرتبت مني وجذبت �سعر�تي �لق�سرية بيدها لالأعلى ،فتاأوهت ورفعت ر�أ�سي..
الأجدها تنظر �إ ّ
يل بغر�بة وهم�ست بـ:
-كيف تكونني هكذ� ووجهك...
تركت باقي �جلملة دون �أن تكملها و�أ�سبلت �أهد�بي ،لقد عرفت معنى ما �أر�دت
قوله .قطعت �خلادمة حلظة �ل�سمت قبل �أن تبد�أ قائلة بقليل من �لهم�ص يف �أذن
�ملر�أة:
� -سيدة جليند� ميكنني �إ�سالح �الأمر ،لن ياأخذ �إال دقائق فقط.
نظرت �ل�سيدة جليند� تلك للخادمة و�أوماأت ب�سمت ،فاقرتبت �خلادمة وعربت
بجانبي ،خمرتقة ج�سد ظافر -غري �ملرئي بالن�سبة لها -حتى و�سلت للزنز�نة
�لتي كنت �ساأبد�أ بها� ،أخذت �ملنف�سة وبد�أت بال�سرب على �لفر��ص بق ّوة ال تنا�سب
ع
وجهها �لهادئ وج�سدها �ل�سئيل ،عدت �أنا بب�سري جلليند� �لقرنفلية و�بت�سمت
ر ش
والتوز عي
وحتركت للخارج ،فتح ّركت خلفها مبنتهى �لطاعة ..حتى و�سلنا للرو�ق �لذي
دخلنا منه ،والحظت �أن مبجرد عودة لوحة �لرجل ذي �ل�سارب للجد�ر م ّرة �أخرى،
عادت �ل�سمعة �الأوىل لت�سعل نف�سها! و�ختفى �ملم ّر �لذي عربنا منه للت ّو!
� -ذهبي لال�ستحمام ليعود �لن�ساط جل�سدك...
و�أ�سافت متذكرة:
� -آه قبل �أن �أن�سى� ..أخربتني �ملا�سطة باأن �خل ّياطني �نتهو� من ف�ستانك
�جلديد� ..لهزيل مثلك...
هززت ر�أ�سي بحما�ص مل �أظهره ..فاأنا ح ًقا �أريد �إز�لة ر�ئحة �لب�سل هذه عني،
و�رتد�ء ما ينا�سبني...
-لكن �أ�سرعي ،ث ّمة �سيوف �آتون �ليوم ،ال نريد �ال�ستباك معهم� ،أفهمت؟.
-نعم �سيدة جليند�.
أتغريت معاملتها يل ً
قليال �أم �أنني �أتوهم؟ �سوتها �أ�سبحت نربته خفيفة ،ال � ّ
تلك �لنربة �ملزعجة! ونظر�تها � ً
أي�سا ،فلم تنظر يل بعينيها �لكحيلتني �جلاحظتني
بق�سوة كما كانت تنظر يل يف بادئ �الأمر� .أظنها �قتنعت بكوين هزيلة فر�أفت
بحايل؟!
�ن�سرفت جليند� لترتكني �أنا وظافر وحدنا يف �ملمر ،فنظرت له وقبل �أن �أطلب
طلبي وجدته يطرق جبهتي باإ�سبعيه �الإبهام و�ل�س ّبابة؛ وعادت طاقتي �إ ّ
يل! فتن ّهدت
بر�حة ،وحني وجدته يرفع يده يف �لهو�ء ��ستوقفته قائلة:
ع
-ظافر َمل ال نذهب �س ًري�؟! �أريد معرفة �لطريق� ،ألن �أعي�ص هنا لالأبد؟.
ع والتوزي
خطو�ت ب�سيطة!
ٍ تقدمني بخطو�ته �لو��سعة ،ر�أيته يعرب منت�سف �لرو�ق يف
فرك�ست �إليه و�سحت بهم�ص:
� -نتظرين! ال �أريد �أن �أ�سل �لطريق يف هذ� �ملكان �لو��سع...
�تّ�سعت خطو�تي حتى و�ءمت خطو�ته ،فابت�سمت بفخر ،ومل �أدرك �أنه هو
أنفا�ص الهثة من
قدمي و�أنا �أم�سي وقلت با ٍ
من �أبطاأ خطو�ته من �أجلي! �أ�سرت �إىل ّ
جمهود �مل�سي �ل�سريع:
�ساقي بع�ص
ّ علي تعويذة الأحترك ب�سرعة� ..أو ليزيد طول ِ -مل ال تلقي ّ
�ل�سنتيمرت�ت؟! �سي�ساعدين هذ� كث ًري�� ..ساأ�سبح �سريعة �حلركة مثلك!.
يل ثم �أعاد ب�سره لالأمام ،لينعطف من عند �ملطبخ لن�سري يف �لرو�ق نظر �إ ّ
�لعظيم� ،أول رو�ق عرفته ..ثم قال بعمق �سوته �ملعهود:
-لن حتبي �أن تك�سر قو�عد �لق�سر با�ستخد�م �ل�سحر �ملبالغ فيه� ...لعو�قب
�ستكون وخيمة....
رك�ست �إليه الأت�سبث يف ذر�عه كاالأطفال وقلت:
� -جعلني �أطول �أربعة �سنتيمرت�ت فقط من ف�سلك من ف�سلك!.
تو ّقف وقال وهو ينف�ص ذر�عه �لقو ّية من يدي:
-طولك منا�سب ،كفى تذ ّم ًر� ..و�قلقي من �أجل وجهك فقط!.
�سحكت م�ستهزئة وقلت بته ّكم:
-يبدو �أننا مت�سابهان يف هذ� �الأمر ،فكفى �سخرية على �سيء لي�ص لنا دخل
ص ع
به!.
والتوز عي
ما �أرى وجهه؟ يحدثني ويطمئنني حني يخفق قلبي باإجفال� ..أو يخربين باأ�سر�ر
تلك �لقلعة حني �أريد �إر�ساء ف�سويل �للعني؟
نك�ست ر�أ�سي ب�سيق ،لكن �سرعان ما رفعتها حني تو ّقف ظافر و��سطدمت
بج�سده� ،بتعدت عنه الأجده ينظر لباب �لقلعة� ..لذي دلفنا منه �أول م ّرة و�أنا
�سعيفة� .أر�هن على �أن عينيه �لرماديتني متّ�سعتان على �آخرهما ،فمن تو ّقفه
�ملفاجئ هذ� علمت باأنه مهتم مبا يرى!
نظرت لباب �لقلعة الأجد حار�سي �لباب يقفان على �ليمني وعلى �لي�سار،
مف�سحني �لطريق ملن يعربون ،لكن ...من هم؟!
هيئتهم غريبة ..ر�أيت ثالثة منهمّ ،
يغطون روؤو�سهم و�أج�سادهم �ملهيبة بعباءة
�سود�ء و��سعة لونها باهت و�سبابي� .أخف�ست ب�سري الأرى �أطر�ف �لعباءة ترفرف
وهم بال �أقد�م! كاالأ�سباح! يطوفون يف �لهو�ء! يتح ّركون لالأمام مبنتهى �لبطء..
قليال ،تريني من خاللها �سوء م�سابيح الحظت �أن عباءتهم تلك �سود�ء �س ّفافة ً
�أحد �حل ّر��ص خارج �لقلعة� ..سهقت مبفاجاأة حني ر�أيت ما مي�سكون ..كنّ فتيات..
ب�سعر طويل ،يغطيهن قما�ص رثّ للغاية يظهر �أج�سادهن �لعارية ،يغلفهن �لرت�ب،
ٍ
ويت�ساقط منهن بقايا �الأر�ص من ح�سى ورمال ...وطني!
ب�سكل ملحوظ ،وبت �أ�سحذ �لهو�ءو�سعت يدي على قلبي �لذي تباطاأت د ّقاته ٍ
ب�سعوبة وعيناي ال تقدر�ن على �لنظر الأي �سيء غري هوؤالء! �قرتبو� ليعربو�
بجانبي ،فوجدت ظاف ًر� يلتفت لهم ويلقي حت ّية ع�سكرية �ساخمة ..مل �ألبث �أنا حتى
عدت بب�سري �إليهم ،الأرى و�حدً � منهم يلتفت يل بكامل ر�أ�سه كالبومة ،يرفع ر�أ�سه
ريص ع
بلون
قليال ببطء ..وم ّد يده لريفع غطاء ر�أ�سه ،حتى ظهرت عيناه ،تلمعان ٍ لالأعلى ً
ع
رئتي..
ينقطع عن ّ
�أعتقد �أن دوي �سوت حت�سرج �أنفا�سي قد و�سل له ،فاأعاد غطاء ر�أ�سه ونظر
�لتم�سك باأي �سيء وكان ذر�ع ظافر،
يدي �أحاول ّ
لالأمام بان�سباط كما كان! مددت ّ
لك ّنه مل مينعني من �لتما�سك ،ومل مينع فقدي للوعي!
مل �أد ِر ما �لذي حدث ..وكيف حدث ...لك ّنني �أدركت الح ًقا �أن ما ر�أيت ..كان
قاب�ص �أرو�ح..
��ستيقظت يف غرفتي �مل�ساءة بال�سعلة �ل�سفر�ء �ل�سئيلة� ،سهقت �أنفا�سي
بج�سع ،الأرى جليند� مقرتبة مني بوجهها مت�سح على �سعري �لق�سري ،تنظر يل
بده�سة ،وغري ت�سديق ف�ساألتها:
-ماذ� حدث يل؟.
و�أ�سفت بخوف:
َ -مل تتطلعني �إ ّ
يل هكذ�؟.
مل جتب ،فهم�ست ��سمها برجاء ،د ّقات قلبي و�هنة للغاية ..لن حتتمل �الإحلاح
وق ّلة �ل�سرب ..فليجبني �أحد!
وبينما �سوت �أنفا�سي �لالهثة هو �ل�سوت �لوحيد �لقاطع لل�سمت� ،أخذت
جليند� �سي ًئا ما على �ملن�سدة ،وق ّربته �إ ّ
يل ..كانت مر�آة ،لها �إطار ومقب�ص نحا�سي
مزخرف بطريقة فريدة من نوعها� ،أخذتها منها بحذر ،ونظرت فيها ،وقد �زد�دت
د ّقات قلبي من حما�ص ما �أقدم عليه..
ر ش
والتوز عي
ب�سرتي �جلديدة �لناعمة ..و�سفتاي� ..أ�سبحتا ممتلئتني كالكرز ،يلمعان من
ر ّقتهما� ..أ ّما عيناي ..فاأ�سبحا بلون �لع�سل �ل�سايف و�الأ�سود هو لون �سعري� ،أ�سبح
كتفي بقليل ..لقد ��ستحال كل �سيء..
لونه فاح ًما بطريقة مثالية وو�سل طوله لبعد ّ
لقد تب ّدلت هيئتي!
عيني،
غ�سة يف حلقي و�أ�سبلت �أهد�بي �لطويلة �لكثيفة عند �أطر�ف ّ �بتلعت ّ
�أغلقهما و�أفتحهما بغري ت�سديق ملا �أرى ...فما �أرى هي �أنا� ..إليونور� ..فتاة رقيقة
وجميلة! ذ�ت ج�سد �أنثوي جميل ..وجديد!
فقدت وعيي كدميمة ،وها �أنا �أ�ستيقظ كاجلميلة �لنائمة ..ال ..بل �أمرية!
فته�سمت لقطع �سغرية ..مل تعباأ جليند� ملاتركت �ملر�آة من يدي ب�سدمة ّ
حدث ،فقط �س ّمت قب�سة يدها �ليمنى و�أ�سندتها �إىل �سدرها ،و��سعة قب�ستها
�لي�سرى خلف ظهرها ..ونه�ست من على فر��سي ..و�نحنت �إ ّ
يل ..مطاأطئة ر�أ�سها
�إىل �الأر�ص �لباردة ،لتقول مبنتهى �لهدوء و�لريبة:
-هل يل �أن �أت�س ّرف با�سم موالتي؟.
ز�دت د ّقات قلبي ،ونظرت حويل الأجد ظاف ًر� يقف باآخر �لغرفة ،ينظر يل
بثبات وهدوء ،فنظرت �أنا جلليند� �ملنحنية يل مبنتهى �خلنوع ..وقلت ب�سوتي
�لذي �أدركت فقط �أن نربته تذيب �لقلوب:
� -إليونور� ..هو ��سمي!.
T
ل ا ريص ع
ن ل بل ت ك
ر ش
ع والتوزي
)(6
َ َ
جمالــي فر ض الهدف
ر ش
والتوز عي
�أ�سحت �أنا بب�سري عنها ..لظافر� ..أنظر له بت�ساوؤل ،ومل تاأتني منه �أي ر ّدة
فعل ،فاأم�سكت مبعدتي �لتي حرقتني فجاأة من �جلوع ،م�سدرة �سوتًا �سمعه رفيقاي
بالغرفة ،الأجد جليند� تهتف بهم�ص:
-يا �إلهي ماذ� �أفعل!.
نظرت لها بت�ساوؤل فقالت:
بك عزيزتي!.
� -لطعام جاهز لكن ..لكن ..ال يليق ِ
-عزيزتك؟.
هم�سا بغري ت�سديق ..و�أنا �لتي كنت �أ�سك يف تغري معاملة جليند� يل!
قلتها �أنا ً
�الآن هي غري معقولة! �أمن تغري �سكلي فقط تغري معاملتها يل؟ غريب!
-وكيف يليق �لطعام مبن ياأكله؟.
قلتها با�ستنكار ،معدتي توؤملني �ساآكل �أي �سيء! ال يهمني ماهية �لطعام..
-فقط هاتيه!.
بتوج�ص ،لتدخل خادمة بعد طرقتنيقلتها بغري ت�سديق لت�سفق هي بكلتا يديها ّ
خفيفتني على �لباب ،مم�سكة ب�سينية م�ستديرة ب�سيطة ،ال �أرى ما عليها ب�سبب
ذلك �لغطاء �لد�كن عليه ..فاعتدلت يف جل�ستي لتق ّرب جليند� �ملن�سدة ببطء
يل ،رغم ثقلها�� ..ستقمت بظهري �لر�سيق وجل�ست �لقرف�ساء على طرف �لفر��ص �إ ّ
و��ستندت مبرفقي للمن�سدة ونظرت لل�سين ّية مرة �أخرية برت ّقب ،و�سعت �خلادمة
�ل�سينية �أمامي وك�سفت عن حمتو�ها لتبت�سم �مل�سرفة باإحر�ج؛ فاملو�سوع �أمامي
ع
هو رغيف خبز بائت ،قطعة �سغرية من �جلنب �الأبي�ص د�كن �للون بفظاعة ،ح ّبات
ر ش
والتوزي
�لطعام مل يعجبني ..قط!
ع
�متقع لون وجه جليند� من تعبري�ت وجهي �لغريبة ،وقالت بحرج:
�سيتغري� ..سيتم نقلك لطابق �لعر�ئ�ص ..و�سيكون
ّ � -آ�سفة �آن�ستي ..كل �سيء
لديك ٌ
فر��ص �أكرث ر�حة ،وبالطبع طعا ٌم �سهي!. ِ
قالتها ثم �أمرت �خلادمة باإح�سار طعام �آخر الآكله ..نظرت �أنا لها بغر�بة
وت�ساءلت:
أقلت عر�ئ�ص؟.
ِ �-
�بت�سمت م�سجعة وقالت بده�سة:
أنت منهنّ �الآن!.
-بالطبع! � ِ
�أ�سرت لهيئتي وقلت م�ستنكرة:
-فقط الأنني �أ�سبحت جميلة؟ فقط لهذ�؟.
�س ّمت جليند� كلتا يديها بارتباك وهزّت ر�أ�سها قائلة:
-باالإ�سافة الأ�سياء �أخرى ..لي�ست بالقدر �لكايف كاجلمال بالطبع!.
�سفتي بغيظ وقبل �أن �أ�ساأل عن �أي �سيء �آخر ��ستاأذنت جليند� ،مع
�سممت ّ
�إخباري باأن �لطعام �لبديل �سيح�سر فو ًر� ..وبالفعل ،مبج ّرد فتحها للباب ��ستقبلت
عربة خ�سب ّية �سغرية من طابقني ،و�سع عليها كافة �أنو�ع �لطعام ،وهذ� ما عرفته
دون ك�سف �لغطاء ،فهذه �مل ّرة خمتلفة بالطبع!
�بت�سمت �خلادمة �لتي �أر�ها الأول م ّرة ودون �أن ترفع وجهها يل وهي تقول �أن
ص ع
�لطابق �لعلوي يعد يف تلك �للحظة ..و�أنه مبج ّرد تناول �لطعام و�لنوم ً
قليال �سيكون
ع
يدي على طر ّيف غطاء ر�أ�سه ..وهم�ست �أمام وجهه مبر�وغة:
ص
كلتا ّ
بل
ّ
ع والتوزي
بعطره �لهادئ� .بت�سمت بخبث و�أرجعت غطاء ر�أ�سه للخلف ً
قليال ،فاأفلتت مني
�سحكة متح ّم�سة بينما ظهر يل لون عينيه ،وبت مت�س ّوقة �أكرث لروؤية هذ� �لوجه
يدي �ملرتع�ستني للو�سول لطرف �لقناع�ملخباأ عن �الأعني عمدً �! وبينما �أركز �أنا ّ
يدي بحركة
�الأ�سود بحركة حذرة وبطيئة ،تفاجاأت بكلتا يديه يقب�سان على مع�سم ّ
قدمي! �قرتب
مباغتة منه! فتاأوهت بخفوت و�إجفال بينما هبطت من على �أ�سابع ّ
بعيني �لنا�سرتني
بوجهه مني و�أخذ يلهث بغ�سب فتقابلت عيناه �لرماد ّيتان ب�سحوب ّ
مو ّؤخ ًر� ،خرجت مني عبارة �أ�سف و�حدة -رغم �أنني ال �أعنيها -فخرجت كلماته
خمرتقة خلاليا ج�سدي بق�سوة:
لك �إال بوجهك!.
-ال �ساأن ِ
متلملت بني يديه فرتكني باإهمال مفاجئ الأقع �أنا على �الأر�صّ .
دق قلبي ب�سرعة
و�عتدلت الأقف متغا�سية عن �أمل �ل�سدمة ثم �نطلقت �سارخة به:
� -أتعلم؟ �أنت عدمي �الإح�سا�ص!.
ً
متجاهال ما قلته ،فاأ�سفت وكاأنني ال �أهتم : جل�ص على �ملقعد �مل�ستند للحائط
-كنت �أريد معرفة ما بك لي�ص �أكرث...
ورغم �أن ما قلته ي�سمى «�هتمام» ..لكن ال باأ�ص ..هو حار�سي و�عتدت كلماته
�لباردة ،فلم �ل�سمت؟
-ما يحدث يل �الآن ب�سبب غلطة تافهة...
�أزلت �ملن�سدة بعيدً � ب�سعوبة ،بينما �ساألته:
ع
-وما هي؟.
ر ش
والتوز عي
-كوين مل �أمنعك من �حل�سول على نظرة من قاب�ص �الأرو�ح ،جعلهم ي�سلبو�
ق ّوتي ل�ساعات معدودة لهذ�...
رفعت ر�أ�سي �إليه بغر�بة بينما �أجل�ص على �لفر��ص �لذي لن يكون يل بعد �ليوم
وت�ساءلت بده�سة عظمى:
-تلك �لنظرة �ملريبة! و�لتي جعلتني �أفقد وعيي؟!.
ه ّز ر�أ�سه ب�سمت فقلت و�أنا م�سدوهة مبا حدث:
ً � -إذ� هذ� مبثابة عقاب لك ..لكن ..ظافر ..هل كنت نائ ًما؟ �أثناء وقوفك
بجانب �لق�سبان �حلديد ّية؟.
-نعم.
قالها الأت�ساءل �أنا:
-وهل ينام �حل ّر��ص؟.
ر ّبع يديه وقال:
-فقط �إن �سلبوهم ق ّوتهم كـ ..عقاب!.
�سفتي �ملكتنزتني وقلت ب�سرود:
قال �آخر كلمة ب�سخرية من �حلال ..فزممت �أنا ّ
-لقد كانت تلك �لنظرة خميفة ً
فعال...
-لك ّنها �أتت مبفعولها �ملطلوب...
قالها ظافر بثقة ،ف�سرت ق�سعريرة يف ج�سدي ونظرت له م�سرية �إىل وجهي
ع
با�ستفهام فه ّز ر�أ�سه! ماذ� يق�سد!
�لتغري �ل�سامل ب�سبب نظرة و�حدة ..نظرة
والتوزي ر
ع
ه ّز ر�أ�سه بفخر فاأطلقت �سحكة غري و�عية� ..ساردة ..وت�ساءلت ب�سرود:
-لكن كيف ..وقاب�ص �الأرو�ح نذير �سوؤم؟.
وقف ظافر فاردً� قامته �ملهيبة وقال بثقة:
-نظرة قاب�ص �الأرو�ح تعك�ص طبيعة �لفتاة؛ �إن كانت ح ّية متوت ..و�إن كانت
ميتة.....
تابعته يتح ّرك يف �لغرفة ب�سرود بينما يكمل:
معك..
متاما ..وهذ� ما حدث ِ
-جميلة كانت �أو قبيحة ..يحيل حالتها للعك�ص ً
ما �أردت حدوثه بال�سبط....
�سهقت ب�سدمة وقلت ب�سدق:
� -أ�ساحمك ..لكن �إن جعلته ينظر �إ ّ
يل م ّرة �أخرى� ،ستكون �لعو�قب وخيمة!.
�سحك بهدوء ثم قال بثقة م�س ًري� �إىل عقله:
-كل �سيء ح�سب ّ
�خلطة ،لذ� ال تقلقي.
� -أي ّ
خطة؟.
قلتها حني عاد �إىل �ملقعد ،فاأجابني ب�سرود متط ّلع:
بك من جم ّرد عرو�ص جميلة الأمرية، خطة �لو�سول لالأمري؛ خطة �الرتقاء ِ ّ -
لها مكانة بقلب �الأمري ..و� ً
أي�سا بالقلعة وبالعامل �الآخر �أجمع!.
حاجبي متعجبة ..وقلت بغري ت�سديق:
ّ رفعت
ع
ً � -إذ� هذ� هو �لهدف �لذي �ساأحيا من �أجله هنا؟.
والتوز عي
تغريت مالحمه من �لقبح للجمال دون ثمن؟. و�لذي ّ
-ثمن؟.
ر ّددتها فتجاهل هو ما قلته و�أكمل بغري ت�سديق:
حار�ص بارع مثلي.. -يجب �أن تكوين ممت ّنة لكون تلك �لفر�سة �أتت � ِ
إليك مع ٍ
فمعي �ستكونني �ملر�أة �الأعلى �ساأ ًنا هنا!.
مل �أجبه ،بل غرقت يف �أفكاري وبدون �إدر�ك مني �قرتب ليقف �أمامي ،وهم�ص
بت�سجيع:
-هل تريدين هذ�؟.
رفعت وجهي �إليه وهم�ست ببقايا �سرودي:
-هل �ساأبتعد عن �لتنظيف و�لطهي و�أفعال �خلادمات ..وياأتون يل مبا �أريد..
هل �ساأرتاح؟.
وال �أعلم كيف خرجت تلك �لكلمات مني ،لي�ص الأنني تذكرت �أي �سيء عن حياتي
�ل�سابقة �أو الأنني �أريد �ل�سلطة ..بل ل�سيء �أجهله!
�أتى �سوته بنف�ص �لهم�ص �ملثري:
� -أجل� ..سرتتاحني لالأبد.
�أزلت �ل�سرود عني مب�سحة على وجهي ،وهززت ر�أ�سي له وعيناي مع ّلقتان
بظلمة وجهه ،وقلت بوعي:
ً � -إذ� �أُريد هذ� ..فهو ي�ستحق!.
وال ر
توزيع
و�سعت يدي على قلبي وقلت متفاجئة:
-هل �سياأخذونه؟.
ه ّز ر�أ�سه وقال بنربة �سوته �لعميق:
لك...
� -سينب�ص بد�خلك ..لكن لن يكون ِ
و�أكمل بنف�ص �لنربة:
أنت جم ّرد و�سي ملا ميتلك!.
� -سيكون ملك �الأمري ..و�ستكونني � ِ
�رتخت يدي على قلبي وهم�ست ب�سعف:
� -أتق�سد� ..أن �أحبه؟.
�أوماأ ظافر فقلت و�أنا ال �أعلم ما �سيجلب هذ� يل من عو�قب:
-ح�س ًنا! �أو�فق� ..إن كان �سيعطيني حياة مثالية...
و��ستطردت:
-و�ساأ�سمع ملا تقول� ..ساأقبل م�ساعدتك دون عناد.
ر ّبت على ر�أ�سي بهدوء بينما ��ستقام و�ق ًفا وقال:
� -تفقنا ..و�الآن�� ..ستلقي و�ح�سلي على قليل من �لنوم فاأمامك يوم طويل.
��ستلقيت و�أخذت منه عباءته �-لتي ناولني �إ ّياها -الأتد ّثر بها ..وهم�ص بغيظ:
� -أغم�سي جفونك وحدك ..حتى �أ�ستعيد �أنا طاقتي.
هززت ر�أ�سي بطاعة و�أغم�ست جفوين ولكن قبل �أن �أ�ست�سلم للنوم �ساألته
ع
برب�ءة:
والتوز عي
� -ل�سم�ص؟ كيف تذكرين وجودها يا فتاة؟.
فتحت جفوين بغري وعي ونظرت له بت�ساوؤل ..الأجده قد ��ستد�ر �إ ّ
يل بهدوء..
وقال بعمق:
� -ل�سم�ص تعني �لدفء و�ل�سوء ،وال يوجد يف قامو�ص �لعامل �الآخر كلمة
�سم�ص ..ال يوجد �إال �سوء �لقمر ..ودفء �لنار� ..أتفهمني؟.
�أ�سبلت �أهد�بي وفتحتها �أكرث من م ّرة بغري ت�سديق ،الأ�سمعه يتنهد ً
قائال:
-ال د�عي لذكر تلك �لكلمة م ّرة �أخرى ..فقط تاأقلمي.
فتح ذر�عيه وكاأنه ي�سري على ما حوله ً
قائال بنربة غريبة:
كنت تكرهني �لظالم ر ّو�سي قلبك ليحبه ..كما �ستح ّبني �الأمري مرغمة!.
-و�إن ِ
مل �أفهم ق�سده يف �لبد�ية لكني نويت �أن �أعتاد على �لظالم ،فرغم كوين ال
�أرتاح �إال لدفء �ل�سم�ص �ملعتدلة ت�ساءلت ..هل �ختياري �سائب؟ وت�ساءلت مرة
�أخرى ..هل هو �ختيار من �الأ�سا�ص؟!
وقت �أجهله ق�سيته نائمة� ،أر�د ج�سدي �حلركة يف �لفر��ص ،فنويت على بعد ٍ
تنفيذ رغبته لكنني الحظت �سي ًئا يعيق حركتي؛ �سيء يجعلني �أنام على جزء �سغري
جفني بانزعاج من هذ�
فقط مما يجعل فر�سة وقوعي على �الأر�ص ممكنة .فتحت ّ
�الأمر ،الأجد ج�سدً � �ساك ًنا بالقرب مني ويكاد يكون ملت�س ًقا ّ
بي؛ هادئ و�ساكن..
وحني �تّ�سحت �لروؤية..
-ظافر!.
�سرخت بده�سة ومتلملت �أنوي �لقيام! �إال �أن حركتي �ملباغتة جعلتني �أقرتب من
ع
عيني با�ست�سالم للوقوع ،لكن تو ّقف ج�سدي
ص
�أن �أهوي من فوق �لفر��ص فاأغم�ست �أنا ّ
ر
�س ّيقت �مل�سافة بني حاجبي بينما �أفتح ّ
والتوزي
ظاف ًر� قد مد ذر�عه ليلتقطني قبل �أن �أقع � ً
أر�سا ..وتاأكيدً � ال�ستنتاجي جذبني �إليه
ع
يدي �إىل �سدري بذعر ،بينما عيناي معلقتان الأرتطم بجذعه �لقوي� ..سا ّمة كلتا ّ
ب�سباب عينيه!
T
)(7
مكاني الجديد
قبل �أن تنتظم د ّقات قلبي �عتدلت يف و�سع �جللو�ص ،و�سحت به:
�أبعدت نظر�تي عنه وكاأنني ال �أر�ه ،الأت�سرف بطبيعية �أمام جليند� �لتي عربت
�لباب مبنتهى �لب�ساطة ودلفت لغرفتي �ملتو��سعة� .نحنت بر�أ�سها ثم ��ستقامت
ببطء ف�سمعت �سوت طقطقة �إحدى فقر�ت عمودها �لفقري بينما تقول:
-مكانك جاهز �آن�ستي� ..تبعيني من ف�سلك.
�بت�سمت جمامل ًة وهززت ر�أ�سي وخرجت معها ،غري مبالية مبالب�سي �لبالية
�لتي تك�سف مفاتن ج�سدي �جلديد� .سرت خلفها مبنتهى �حلما�ص لروؤية مكاين
�جلديد ..و ..لروؤية مكانتي �جلديدة!
ريص ع
علي �ال�ستحمام
�أخذتني جليند� للدرج �لذي يو�سلني لالأ�سفل ..قالت �أن ّ
والتوزي
م�س ًيا ،وكاأنني �أزور �لبحر..
ع
بب�ساط �أحمر كما كل �الأر�سيات �لفخمة
ٍ ردهة فخمة ،توؤدي �إىل درج مفرو�ص
حويل؛ هذ� هو �لطريق للطابق �لثاين بدون �أي �سعوذة �أو طرق خمت�سرة كما حدث
�أول م ّرة .و�سلنا ب�سالم لـ «طابق �لعر�ئ�ص» وخطوت �أوىل خطو�تي و�لعيون ترتقبني
متفح�سة ،ل�سكلي وملا �أرتدي ،عد� عينني �أ�ساحتا بغرور بعيدً � عني؛ عينان زرقاو�ن
كموج �لبحر �لثائر يف برودة �ل�ستاء ،وهما عينان جذبا ظاف ًر� كث ًري� لدرجة �أنه
تركني و�قرتب منهما لري�هما عن قرب!
-هذه هي �لعرو�ص �جلديدة� ..إليونور�� ..أرجوكنّ عاملنها كما ت�ستحق ،فيبدو
�أنها �ستكون �أمرية مثلكنّ �آن�ساتي.
�نحنت للفتيات ،ثم يل و�ن�سرفت بهدوء كما دخلت ،وكاأنها مل تعرف �ل�سوت
بعيني الأجده ير�قب تلك
�لعايل وال �ل�سر�خ قط .تن ّهدت بقلق وبحثت عن ظافر ّ
�ل�سقر�ء من على بعد ..فتحدثت �إليه بعقلي:
-ماذ� �أفعل �الآن؟ �أنا مرتبكة!.
�بت�سمت بارتباك وقلت لهنّ :
ً �-
أهال!.
وقبل �أن �أرفع يدي الألقي �لتح ّية� ،أ�سحن بب�سرهن بعيدً � عني و�ن�سرفت كل
و�حدة منهنّ �إىل ما كانت تفعله قبل قدومي!
-ت�سريف بطبيعية...
قالها ظافر بينما ينظر لل�سقر�ء �لتي جل�ست على و�حدة من �لو�سائد �لناعمة
على �الأر�ص ،فهم�ست با�ستنكار:
ر ش
والتوز عي
ٌ
مفرو�ص باأكمله م�سرت�حا� ،أما �لباقي فهو
ً طابق كامل؛ ربعه فقط خم�س�ص لكونه
لون د�كن ،ليعك�ص لون �لبالط �الأبي�ص و�لرمادي بب�ساط كبري �سا�سع �لطول ذي ٍ ٍ
غري �ملغطى بالب�ساط ،وهي م�ساحات �سئيلة فقط� ..مل�ساحة و��سعة باملنت�سف،
بها من�سدة �أر�سية م�ستديرة� ،أنيقة �ل�سكل مو�سو ٌع حولها و�ساد�ت رمادية وحمر�ء
ناعمة ،بنقو�ص ف�س ّية ،و�لتي جتل�ص �ل�سقر�ء على و�حدة منها مم�سكة مبر�آة يد
مزخرفة بالنقو�ص ف�س ّية �للون ،كلون �أعمدة �ل ُف ُر�ص �لعديدة بعدد �لفتيات هنا.
�لرقي ،و�سادتان بي�ساويتان لكل فتاة كلون �ل�سر��سف،
ّ �ل ُف ُر�ص يبدو عليها
�لف�سي؟! لكن كم هو �أنيق!
ّ وغطاء رمادي بنف�ص �لنقو�ص �لف�س ّية ..ما بالهم مع
رفعت ر�أ�سي الأجد �ل�سقف عال ًيا ،تتدىل منه ثر ّيا عظيمة� ،أجمل من تلك �لتي
بالرو�ق �الأول وث ّمة ر�ئحة مم ّيزة للمكان؛ عطر خفيف لك ّنه �أنثوي للغاية� ..أعجبني،
فهو يليق بكل �لر ّقة �ملنت�سرة ..فهنا ،ال مكان للقبح ،فقط �جلميالت ..و�أ�سبحت �أنا
و�حدة منهن �ليوم!
هم�سا:
تنحنحت حني �أتى ظافر ليقف بجانبي ،وقلت له ً
-ما بالها تلك �ل�سقر�ء؟ يبدو �أنها مغرورة!.
وقبل �أن ت�سلني �إجابة منه� ،سمعت �سوت فتاة رقيقة ت�سحك بخفوت،
فا�ستدرت الأجد فتاة ق�سرية �لقامة ،لطيفة ،تبدو كقطعة �سكر ببيا�ص وجهها
ونعومة وجنتيها! �أم�سكت ب�سعرها �لبني فاحت �للون �ملجدول يف �سفرية �سميكة
-على كتفها -بيدها �لي�سرى وم ّدت يدها �ليمنى يل بال�سالم ،فالتقطتها �أنا
مبت�سمة البت�سامتها و�سمعت �سوتها �لطفويل �لناعم يقول:
أنت جميلة جدً �!.
بك معناِ � .. ً �-
أهال ِ
ص ع
�تّ�سعت �بت�سامتي وخفق قلبي� ..آه لو تعلم �أنها ال تقل ً
ري
جماال عني!
ع
�إليها .رمبا �ست�سبح �سديقتي بهذ� �لعامل!
-ال تزعجي بالك باإز�لني فهي هكذ� د�ئ ًما ..ال ترى غري جمالها.
قالت �آخر جملة بهم�ص ثم �سحكت كاالأطفال ،ف�سحكت لعفويتها ،الأجدها
فر��ص ما قائلة بطريقة �أوبر�لية:
مم�سكة بيدي فا�ست�سلمت لها حتى و�سلت بي �أمام ٍ
ّ -
تف�سليييي!.
�سحكت �أنا و�سعدت �لدرجتني من �لبالط �للتني جتعالن �لفر��ص �أعلى من
�الأر�ص ،وجل�ست على طرف �سريري بحذر ،الأجدها هي تزيل �ل�ستار �الأبي�ص بني
�سريري و�ل�سرير �ملجاور يل جهة �ليمني وجتل�ص هي �الأخرى على �لفر��ص ..وقالت:
-هذ� مكاين� ..أي �أننا جارتان!.
�بت�سمت ونظرت حويل ،الأالحظ �أن �ل ُف ُر�ص مو�سوعة يف �س ّفني متقابلني ،بينهما
�لب�ساط و�ملن�سدة �الأر�سية ،وتوجد �سرفة كبرية؛ �ستائرها �لرمادية مفتوحة على
م�سر�عيها ،لت�سمح للظالم �خلارجي باأخذ دوره يف �إزعاجي..
� -أتريدين �إلقاء نظرة من �ل�سرفة؟ �أتريدين �لوقوف بها؟.
قالتها فاأزعجني تكر�ر جملتها ب�سوتها �لطفويل ،وخفتت �بت�سامتي ً
قليال
لتكون جماملة ،فقلت بهدوء:
وقت الحق...
-رمبا يف ٍ
هزّت ر�أ�سها بقوة و�سعادة و�أ�سارت لنف�سها قائلة:
� -أنا �إيفي.
ع
�أعجبت با�سمها وقبل �أن �أع ّرف نف�سي قالت هي:
والتوز عي
�لفتيات ..فهم�ست �أنا:
-ك�سوء �ل�سم�ص.
نظرت يل �لفتاة بغري فهم ،فاأ�سبلت �أهد�بي ومل �أعد ما قلت ونظرت حويل؛
الأجد فتاتني تلعبان �ل�سطرجن ،و�أخريات يلعنب �لورق ،و�حدة تطالع جم ّلة و�أخريات
يتهام�سن �أثناء جلو�سهن على نف�ص �لفر��ص ،وجميعهنّ يرتدين ف�ساتني �أنيقة.
وقفت �أنا بغري وعي وذهبت للمر�آة �لكبرية� ،لتي تف�سل �لغرفة عن �مل�سرت�ح..
ودرت بف�ستاين �جلديد حول نف�سي ،مل يت�سنّ يل روؤيته بو�سوح من جميع زو�ياه ،ومل
�أ�سبع من روؤية ج�سدي �جلديد و�النبهار به! تذ ّكرت نظرة �خلادمة �لتي �أر�سلتها
�ملا�سطة �إ ّ
يل و�سوتها �ملتلجلج:
لك �آن�ستي؟ �أ�ق�سد�-� ..أق�سد ..هو رفيع للغاية
-هل ..هل هذ� �لف�ستان ِ
لك!.
كيف هو ِ
وتذ ّكرت �سوت ظافر وهو يهم�ص يل:
� -ك�سفي �س ّرك لينتهي �أمرك� ..ستعودين قبيحة.
الم�ست طرف ف�ستاين �لوردي كلون �لعديد من �لف�ساتني هنا ،كان خيا ًر� ج ّيدً �
ً
بدال من �لف�ستان �لذي �أح�سروه الإيليونور� �لقدمية �لدميمة! نظرت خل�سره �ل�س ّيق
فعال ر�سيقة ..وج�سدي �أنثوي و�لذي يز ّينه بع�ص �لنقو�ص حتى �ل�سدر الأجد �أنني ً
للغاية .بينما �أنظر باإعجاب بنف�سي ظهر �نعكا�ص ظافر باملر�آة من خلفي فنظرت
النعكا�سه بغر�بة وقلت:
-ظافر ،مبا �أنك هنا ..هل هذ� يعني �أن باقي �حل ّر��ص هنا � ً
أي�سا؟!.
ص ع
علي بالكلمات ،لك ّنه وقف خلفي و�أد�رين للفتيات ،قام بو�سع كلتا يديه
ري
مل يرد ّ
ع والتوزي
يوجد من يقفون بجانب �ل�سرفة للحديث ،ومن يجل�سون بجانب �لفتيات �لالتي
أي�سا بجانب من تلعب �ل�سطرجن مع �الأخرى! كم �أ�سبح �لطابق يلعنب �لورق ،و� ً
يدي ظافر وحتركت بهما يف �الأرجاء ،فبدوت �أمام �لفتيات مزدح ًما �الآن! �أم�سكت ّ
كحمقاء ت�سع كلتا يديها بالقرب من وجهها لكن ال يهم� ،ملهم �أن �أرى بو�سوح! �سرت
معه ور�أيت �لعديد و�لعديد من �حلر�ص؛ �أحدهم يخرج من �مل�سرت�ح ويتح ّدث الآخر
ً
قائال بني �سحكاته غري �مل�س ّدقة:
-روؤية �لفتيات يف �مل�سرت�ح؟! كم هذ� مقزّز يا رجل ..يكفي �أن نرى وجوههنّ
�جلميلة!.
يدي ظافر و�لتفت له بق�سوة قائلة:
عب�ست بتقزّز ونظرت لهم ،و�أنزلت ّ
-هل يرونني؟ هل ير�ين؟.
�أ�سرت ملو�سع وقوفه بعيني وهو عند باب �مل�سرت�ح فقال ظافر من بني �أ�سنانه:
-حت ّدثي بعقلك فقط يا حمقاء ..ها هو � ٍآت...
غريت ر�أيي فعدت م ّرة �أخرى
زفرت ب�سيق وحت ّركت خطوة ،لكن �سرعان ما ّ
لظافر وقلت بد�خلي و�أنا �أنظر له بغيظ:
-حني �أذهب لق�ساء حاجتي ال ت�سمح لهذ� �لوغد �أو �أحد �أ�سدقائه �لنظر
�إ ّ
يل!.
يل ً
قائال بربود ر�أيت ظاف ًر� يرفع يده ويومئ ل�سخ�ص �أنا ال �أر�ه ثم بعدها نظر �إ ّ
عابث:
-ح�س ًنا� ..ساأ�ساهد �حلدث وحدي!.
ريص ع
يظن نف�سه ليمزح معي؟ �أهوعب�ست يف وجهه بحنق و�ن�سرفت� ..أحمق! ماذ� ّ
ص ع
� -أت�سخرين مني؟ � ًإذ� لن نخربك!.
ع
�بتعد �سوتهما فجاءت �آخر كلمة م�س ّوهة يف �أذين ب�سبب تهام�ص �لبع�ص ،ويف
يل ً
قائال: نف�ص �لوقت �أتى ظافر �إ ّ
-ال ت�سغلي بالك بتلك �لتفاهات...
نظرت له وقلت بعقلي:
-لكنني �أريد �أن �أعرف!.
تن ّهد ظافر ً
قائال:
-تلك �حلكايات يرتكنها لقبل �لنوم� ..ستعرفني كل �سيء لكن ال ت�سغلي بالك
بها كي ت�ستطيعي �لر�حة ً
ليال.
نظرت له بغري فهم وهززت ر�أ�سي ببالهة ..ثم قلت مت�سائلة:
-كيف تعلم كل هذ�؟ منذ متى �أتيت؟.
�قرتب من �أذين وهم�ص بربوده �ملتناهي:
لك...
-ال �ساأن ِ
نظرت له بغيظ وكدت �ألكمه على كتفه ب�سبب غيظي منه و�لذي فاق �حلد هذه
�مل ّرة� ..إال �أنني �سمعت �سوت �سيدة ما -وهي �ملا�سطة -تقول بعلو �سوتها بطريقة
هادئة:
-هدوء يا �آن�ساتي من ف�سلكنّ � ..أريد فتاة بعينها؛ طلبها �الأمري للت ّو...
�سمتت جميع �لفتيات و��سطففن �أمام �ل ُف ُر�ص ،حتى �إن �ل�سقر�ء �إز�لني قامت
من مكانها ووقفت كباقي �لفتيات ..لكن مبت�سمة بغرور ..تقدمت �ملا�سطة وم ّرت بني
ص ع
�لفتيات ،مت�سي بهدوء حافية �لقدمني حتى ال تدو�ص على �لب�ساط �لر�قي بحذ�ئها
T
)(8
أول كتاب
أنت....
ِ �-
ر ش
والتوزي
-من هي ليختارها �الأمري؟.
ع
-ماذ� ر�أى فيها؟.
وعبارة �أخرى جذبتني ،الأنني قلتها بد�خلي � ً
أي�سا بت�ساوؤل!
-كيف ومتى ر�آها �الأمري � ً
أ�سال؟!.
تن ّهدت بذعر وت�ساءلت بينما �أنظر للما�سطة:
� -أنا؟.
م�سرية �إىل نف�سي م ّدعية �لغباء ،فعب�ست �ملا�سطة قائلة:
-وج ٌه جديد!.
�أوماأت قائلة بحذر:
-نعم �نتقلت �ليوم فقط.
�أخذت يدي لت�سحبني لالأمام فتح ّركت معها خطوتني ،ثم �أوقفتني لتدور
تتفح�سني بعينيها �خلبريتني� ،أعتقد �أنها �لت�سقت بر�أ�سي لتتفقد �سعري،
حويلّ ،
و�أم�سكت باأذين تعبث بهما� .أدركت �أنه فح�ص �سريع للنظافة �ل�سخ�سية .بعد �أن
�نتهت قالت بروتينية:
أح�سنت؛ �لنظافة �ل�سخ�سية هي �أهم �سيء.
ِ �-
ثم عادت �بت�سامتها قائلة ر�فعة �سوتها للجميع وقد �نتهت مهمتها �ل�سريعة
و�ملفاجئة معي..
ص ع
� -الأمري طلب فتاة ر�آها بحفل �لزيارة ..بعينني خ�سر�وين و�سفتني رفيعتني،
والتوز عي
ّ
�ل�سف ،وقال كتفي الأقف �سمن
�أ�سرع من ما تخ ّيلت ،ووجدت ظاف ًر� ي�سحبني من ّ
هام�سا:
ً
-تطلعي لتلك �لفتاة� ،أمام �لفر��ص �الأخري بالقرب من �ل�سرفة ..هي �ملختارة.
عيني ملكان تلك �لفتاة ،الأجد �أن كل �لعيون عليهاً � ..إذ� هذه هي! ر�قبتها
رفعت ّ
خجال مبت�سم ًة بحياء ،ت�سري بخطى ب�سيطة خلف �ملا�سطة �لتي تطرق ر�أ�سها ً
�أم�سكتها من يدها باأُلفة ..قائلة:
-هيا يا عرو�ص �الأمري �جلميلة ..لي�ص �أمامنا �لكثري من �لوقت! �لزينة
أقربك من �لكمال!.
و�لف�ستان� ..سا ِ
ز�دت �بت�سامة �لفتاة حتى �سملت جميع وجهها ..فالحظت �أنا عينيها؛ جميلتني
كر ّقة لون �سعرها �ملائل للون �لبندق �ملعقود يف كعكة
ح ًّقا! �أهد�بها كثيفة ورقيقةِ ،
كبرية خلف ر�أ�سها� .بت�سمت بتط ّلع كباقي �لفتيات ،لكن �سرعان ما خفتت �بت�سامتي
ً
منديال قما�س ًّيا بحركة ع�سبية متوتّرة. حني الحظت وجود ٍيد مرتع�سة ،تعت�سر
رفعت عيني الأجد �أنها �ل�سقر�ء �ملغرورة؛ �إز�لني.
الحظت جحوظ عينيها بلمعة �أخرى غري �للمعة بعيون جميع �لفتيات ،لي�ست
ً
غمو�سا ،لكن ما ��ست�سففته� ،أنها مليئة تلك هي �للمعة �حلاملة �ملتاأملة؛ بل هي �أكرث
بالغ ّل ..و�حل�سد!
-ح�س ًنا �آن�ساتي� ..أ�سكركن لوقتكنّ ...
قالتها جليند� بوقار ثم �أ�سافت:
-يتم و�سع �للم�سات �الأخرية على طعام �لغد�ء...
عادت كل فتاة ملا كانت تفعل و�سمعت هم�سة:
وال ر
توزيع
-يجب �أن �أعرف �أكرث عن هذ� �الأمري.
T
جي�سا من حامالت �لوجبات ح�سرت �خلادمات بز ّيهن �الأبي�ص و�الأ�سود ليك ّونّ ً
�ل�سهية للعر�ئ�ص .و�سعت كل خادمة �سين ّية من �لطعام على �سرير كل فتاة م ّنا
و�ن�سرفت باأدب بعد �أن متنت للعرو�ص وجبة هنيئة .بد�أ �جلميع بتناول �لطعام
بحما�ص ،مع �سحكات �أفلتت من �لكثري�ت بينما يتح ّدثن عن �أ�سياء ع�سو�ئية� .أما
�أنا ،فبد�أت ب�سرب �ملاء ،وقبل �أن �أم�سك باأدو�ت �لطعام �سمعت من تتنحنح ،كانت
يل بنظرة بريئة كعيون �لقطط �ل�سغرية قائلة: �إيفي ،تتطلع �إ ّ
-هل ميكننا تناول �لطعام م ًعا؟.
مل �أجد هناك ما ي�ستدعي �لرف�ص ،بل ر�أيتها فر�سة مثالية لتم�سية �لوقت مع
�أي �سخ�ص يجيد �لكالم ،الأنني �كتفيت من �سمت ظافر �أغلب �لوقت! �أف�سحت لها
فخذي فجل�ست هي وفعلت
ّ مكا ًنا بجانبي على �لفر��ص و�أخذت �سين ّية طعامي على
بهم�ص خجول:
�ملثل ،وق�سمت ق�سمة من �لدجاج ثم قالت ٍ
أنت جديدة هنا!.
� -أ�سعر باأنني �أريد �حلديث مع �أي �سخ�ص ..و� ِ
�بتلعت ما بفمها ثم مالأته مبلعقة من �الأرز قائلة دون �إز�لة نظرها عن ما تاأكل:
� -أحب �لتح ّدث للفتيات �جلدد....
-وملاذ� �جلديد�ت على وجه �لتحديد؟.
قلتها ثم �سرعت بتناول �لطعام ،فاأجابتني بعفوية:
ر ش
والتوز عي
�بتلعت طعامي ببطء وت�ساءلت بخفوت:
منك هنا؟.
-هل ي�سخرن ِ
هزّت ر�أ�سها ونظرت �إ ّ
يل متح ّدثة بفمها �ملمتلئ:
-الأنني ق�سرية ..و�سغرية ..ل�ست مثلهنّ �أبدً �...
�بتلعت ما م�سغته و��ستطردت:
-ويقلن �أنني �أتيت هنا مبح�ص �ل�سدفة ال �أكرث!.
هززت ر�أ�سي متفهمة ..وقلت بابت�سامة:
أنت رقيقة كالدمى!. � -أرى �أن هذ� مي ّيزك ..فا ِ
��ستخدمت �لفتاة ً
منديال قما�س ّيا �أبي�ص بجانب طبق �حللوى لتم�سح ز�وية فمها
�مللطخة بالطعام� ،ساحك ًة ،ف�سحكت �أنا معها ..و�سرعان ما �ساألت بف�سول:ّ
عرو�سا حقيق ّية؟ �أم لليلة
ً -هل تلك �لفتاة �لتي ذهبت لالأمري� ..ستكون
و�حدة؟.
نظرت �لفتاة حولها بعد �أن �حم ّر وجهها بدرجة كبرية ،فقلت �أنا بغر�بة:
-ماذ�!.
ال �أ�سدق �أنها ال تعرف هذه �الأمور! يبدو �أنها �سغرية �ل�سنّ � .أ�سفقت عليها
وتابعت حديثي:
-ح�س ًنا ال ِ
عليك� ..أنا فقط �أريد �أن �أفهم ،ال �أحب �أن �أجل�ص كالبلهاء و�جلميع
حويل يدركون طبيعة كل �سيء!.
تن ّهدت ب�سيق وتذوقت �لقليل من �حللوى �لكرمي ّية مع قطع �لفاكهة ،الأجد
ر ش
والتوزي
عيني ،فتابعت:
نظرت لها م�س ّيقة ّ
ع
عرو�ص؛ ��ستوىل
ٌ -ال يحدث �أن يطلب �لفتاة �أكرث من م ّرة ..لكن �إن �أعجبته
عليها ..يجعلها ت�سكن معه بالطابق �مللكي...
�بتلعت طعامي ب�سعوبة وبحثت بعيني عن ظافر ،مل �أجده ،فابت�سمت لها بحرج
قائلة:
-وماذ� � ً
أي�سا؟.
�بتلعت �لفتاة �ملزيد من �لطعام بنهم ،ثم م�سحت فمها بتلقائية وقالت:
� -ختفت �لعديد من �لفتيات بيننا� ..أر�هن �أن �لطابق �لعلوي مليء بهنّ !.
هززت ر�أ�سي بفهم ،وللحظة تخ ّيلت �لطابق �لعلوي؛ �الأمري يجل�ص على فر��سه
ويحت�سن �لعديد من �لفتيات ..وعلى مو�سيقى حاملة ترق�ص له �أخريات وتطعمه
�أخريات!
ن ّف�ست تلك �ل�سورة عن ذهني وت�ساءلت:
-هل ر�أيت �الأمري من قبل؟ �أق�سد ..كيف يبدو؟ كم عمره وماذ� يحب؟.
ومبج ّرد قويل هذ� �نتبهت �أن �لفتاة قد �نتهت من تناول كل �سيء �أمامها ،من
خ�سرو�ت وح�ساء� ،أرز ودجاج ..فتنحنحت بحرج قائلة:
-هل �سبعت؟ ميكنك تناول �ملزيد من طعامي �إن �أردت؟.
ملعت عينا �لفتاة وقالت:
أنت؟.
�سبعت � ِ
-وهل ِ
م�سجعة فو�سعت �أطباقي �ملليئة بالطعام فوق تلك
هززت ر�أ�سي و�بت�سمت لها ّ
ريص ع
�الأطباق �لفارغة �لتي ��ستقرت حمتوياتها مبعدتها �ل�سغرية وقالت هي بغري
والتوز عي
خارجا لل�سري مل�سافات كبرية
ً فرتة يف تنظيف �لزنازين� ..أو يلقون بها
جدً �...
��ستمعت لها بحنان مبت�سمة ،و��ستطردت هي:
� -أنا معدتي حتتاج للكثري من �لطعام ورغم ذلك ال يزيد وزين ،هذه طبيعة
ج�سدي! لكن مل ي�سدقني �أحد مهما �سكوت...
بفم ممتلئ:
�بت�سمت يل وتابعت ٍ
� -أ�سكرك �إليونور�...
وتوجهت لو�سادتها ،جذبت �سي ًئا ما ثم �أعطتني
تركت ملعقة �لطعام للحظةّ ،
�إياه قائلة بحذر:
-هذ� �لكتاب ..مهم جدً � ،به معلومات عن تاريخ �لق�سر وت�سميمه ومو�سع
�ل�سلطة ..من وزر�ء وم�سرفات ..حتى �إنه يوجد كثري من �ملعلومات عن
�مللك �الأعظم ..و�الأمري ..كل �سيء �ستجدينه هنا!.
حت�س�ست �لكتاب بيدي قائلة بذهول:
�سهقت وفتحت فميّ ..
-هل م�سموح هنا بقر�ءة �لكتب؟ كم هذ� عظيم!.
الحظت �سمت �جلميع ثم �إطالقهنّ �سحكات �ساخرة؛ فاأدركت �أن نربة �سوتي
قد �رتفعت بقول �جلملة �ملتعجبة� .أخف�ست ر�أ�سي ودفنتها بني �لكتاب �أ�ستم ر�ئحة
�سفحاته �ل�سفر�ء �لعتيقة وقلت بحما�ص:
� -ساأقر�أ كل ما به! كل �سطر ...كل كلمة ..هل به بع�ص �ل�سور �لتو�سيح ّية؟.
�سحكت �لفتاة وقالت:
ك
مهال ال تتحم�سي! �قر�أي قدر ما تفهمني ،فيوجد بع�ص �لكلمات بلغات غري
ر ش
والتوزي
�بت�سمت وقالت بحما�ص:
ع
أنك حتبني �لقر�ءة مثلي!.
-يبدو � ِ
خفق قلبي ب�سرعة وقلت مبت�سمة:
قلت ،لكن �لقر�ءة �ست�سبع ف�سويل ..وهذ� كل ما �أريد
-ال ميكنني تاأكيد ما ِ
لالآن!.
�بت�سمت �لفتاة وتابعت طعامها ،تناولت حلو�ها ..وحلو�ي ..بينما �أنا �أحت�س�ص
ذلك �لكتاب و�أفكر يف �لوقت �ملنا�سب لقر�ءته..
T
هد�أت و�سكنت �أ�سو�ت �لفتيات بالطابق� ..أ�سبحن خفي�سات �ل�سوت للغاية..
قالت يل �إيفي �أن بعد �لطعام ي�سرن خامالت ..قالتها قبل �أن ت�ست�سلم للنوم
على طرف فر��سي فانتهزت �أنا �لفر�سة الأفتح �لكتاب� .تّ�سعت عيناي و�عتدلت
فخذي ،وقبل �أن �أفتح �أوىل
ّ ركبتي لالأعلى وجعلت �لكتاب على
ّ يف جل�ستي ،ثنيت
�سفحاته �سمعت �سوت ظافر يقول بغر�بة:
جئت به؟.
-من �أين ِ
نظرت له وهم�ست:
� -أين كنت؟ �أخربتني �إيفي ببع�ص �ملعلومات...
نظر للفتاة و�أ�سدر �سوتًا مت�سل ًّيا من بني �أ�سنانه ،وجل�ص على طرف �سريرها
�ملجاور يل ً
قائال بف�سول:
نظرت �أنا للكلمة بغري فهم الأجده يطوي �ل�سفحة ،ثم ينتقل �إىل �سفحة �أخرى
ظننتها ع�سو�ئ ّية ،لكنني �نتبهت لكونه يعرف ما يبحث عنه بال�سبط .من �لو��سح
�أنه يحفظ هذ� �لكتاب عن ظهر قلب� ..أ�سار لكلمة �أخرى وقال:
-هل هي ماألوفة؟.
و�سعت يدي على عقلي �لذي بد�أ بالطنني ،وهم�ست بخيبة �أمل:
-ال! ال �أفهم �أي �سيء!.
ع
�أزلت يده عن باقي �ل�سفحة وقلت ب�سيق:
ع والتوزي
-كانت تلك �لكلمة �لثانية من لغة م�سهورة ..يعرفها �أي طفل مبجرد ح�سولة
على �لقليل من �الأيام بالتعليم �الأ�سا�سي!.
نظرت له وهم�ست بغري ت�سديق:
� -أتق�سد� ..أنني مل �أتلق �أي تعليم بحياتي؟.
� -سرنى...
لقطع �أو �سيءٍ من
ود�ص يده يف و�سادة �لفتاة ..لتغو�ص باأكملها دون �أي �أثر ٍ
قالها ّ
هذ� �لقبيل ..وفجاأة �أخرجها وبيده ري�سة بي�ساء معتدلة �حلجم ،وو�سط نظر�تي
خا�سته ..فو�سعت يدي على
�حلائرة وجدته يخرج خنج ًر� من جر�ب حز�م �لو�سط ّ
فمي ب�سدمة �أكتم �سهقتي من ريبة ما يفعل! بالطبع يعرف خطوته �لتالية ،لكن لن
يكون ج ّيدً � �إن ملحت �إحدى �لفتيات ما يحدث �أمامي؛ ري�سة ..وخنجر يطفو�ن يف
�لهو�ء! �أال يكفي �لكتاب؟
نه�ست من مكاين منتف�سة الأغلق �ل�ستائر �لبي�ساء حول فر��سي وفر��ص �إيفي،
الأكون غرفة بي�ساء �س ّفافة ي�سكنها ثالثتنا ،ثم عدت ملكاين الأجد ظاف ًر� قد جرح
�إ�سبعه ب�سنّ خنجره �حلا ّد وغم�ص �جلزء �ملدبب من �لري�سة يف خط دمائه ليبت ّل
باللون �الأحمر �لد�كن .فتح �سفحة بالكتاب و�أعطاها يل ،كما ناولني �لري�سة وقال:
� -كتبي �أي �سيء...
وبيد مرتع�سة �أم�سكت �لري�سة ،وقبل �أخذ قر�ر بكتابة �أي
يل ٍ �أ�سندت �لكتاب �إ ّ
�سيء وجدت ظاف ًر� يحيط يدي بكلتا يديه ليع ّدل و�سع ري�ستي بينما ينظر �إ ّ
يل،
ع
منتظ ًر� ما �ساأكتبه ..و�أتت ببايل كلمة ما!
ش
�أمام ّ
وال ر
توزيع
-ر�سمتها من خم ّيلتي...
يل ً
قائال: �أخذ مني �لكتاب و�أمعن �لنظر به ..ثم رفع عينيه �إ ّ
ق�سدت كتابة�� ..سمي؟.
ِ -هل
T
)(9
يل ً
قائال: �أخذ مني �لكتاب و�أمعن �لنظر به ..ثم رفع عينيه �إ ّ
ر ش
والتوزي
-وهل هو �سحيح؟ �أعني ..هل هو ما كتبته ً
فعال �أم �أنك قر�أت ما بعقلي؟.
ع
�أوماأ ظافر ً
قائال:
-بل هو �سحيح!.
�سمت ليبحث عن �سفحة معينة يف �لكتاب ..وعندما وجدها �أد�ر �لكتاب يل
وقال بهدوء:
-ميكنك قر�ءة هذه.
مل �أدعه يكمل جملته مفهومة �ملعنى ،بل على �لفور �أخذت منه �لكتاب على
عجلة من �أمري ،الأجد عقلي ال يقل �س ًرب� عن حركتي� .أخذت عيني ت�ستجيب ملا
ميليه عليها عقلي من �أو�مر الأجد نف�سي �أقر�أ ب�سمت:
� -لف�سل �لر�بع� :لعمال و�خلدم� ،لعامالت و�خلادمات.
وقبل �أن �أتابع �لقر�ءة ��ستوقفني ظافر بحركة من �إ�سبعه ،فف ّكرت �أنا:
�سحيحا؟.
ً -هل كان
وم ّرة �أخرى ه ّز ر�أ�سه فلمعت عيناي بحما�ص وقلت:
َ -كوين ال �أجهل �لقر�ءة و�لكتابة �سيء �أر�حني كث ًري�! ِمل مل يختربو� تلك
�لنقطة قبل دخويل لطابق �لعر�ئ�ص؟ �ألهذه �لدرجة يوؤمنون باملظاهر
فقط؟.
و�سع ظافر يده على �لكتاب� ،أغلق �ل�سفحة وو�سعه حتت و�سادتي -كما كان-
ثم قال بهدوء:
ريص ع
� -لعرو�ص كي تكون �أمرية؛ يجب عليها �أن تتقن كل ما يحب �الأمري ..كالغناء
والتوز عي
�سفتي باأ�سف وف ّكرت:
�سممت ّ
� -عتقدت �أن �لكتب مفيدة يل كي �أبهره بثقافتي ..يبدو �أنني �ساأتلقى تلك
�ملعلومات الأع ِّو�ص ق ّلة معلوماتي ال �أكرث!.
-يبدو هذ� منا�س ًبا.
�بت�سمت و�أنا �أحاول �لنظر لعينيه وقلت:
-و�أنت �ست�ساعدين على �نتقاء �للغة �ملنا�سبة �ألي�ص كذلك؟ فاحلروف
علي حتديد ما �ساأقر�أه بال�سبط...
مت�سابهة ،لذ� �سي�سعب ّ
ومل �ألقى منه �أي رد ،فنظرت ملا ينظر �إليه الأجد �ل�سقر�ء �جلميلة «�إز�لني»
تتمايل �أمام �ملر�آة؛ مم�سكة برد�ئها �لو��سع و�لذي بالطبع يخفي ج�سدً � مم�سو ًقا
مبثالية ،وعاودت �لنظر لظافر الأكت�سف �أنه �سارد كل �ل�سرود بتلك �ملغرورة فتن ّهدت
قائلة:
-ما بالكم مع �ل�سقر�و�ت؟ جميع �لفتيات هنا جميالت لكن ِ َمل جتدون �ل�سعر
�الأ�سقر و�لب�سرة �لبي�ساء �أروع �آيات �جلمال؟.
ب�سرود نابع من �أعماقه:
ٍ تنحنح ظافر بهدوء ونه�ص من فر��ص �إيفي ً
قائال
� -رتاحي ً
قليال قبل �أن تاأتي معلمة �حلياكة...
نظرت له بحرية الأجده يقرتب ببطء للمر�آة �لفا�سلة بني جزءي �لطابق غري
�ملت�ساويني ،حتى توقف م�ستندً � على �جلد�ر من خلفه بظهره �لقوي ،عاقدً � ذر�عيه
�أمام �سدره باهتمام ،فالحظت �أن تلك �ملغرورة يخرج من بني �سفتيها �أحلان
ص ع
وكلمات هادئة ال �أنكر �أنها جعلت بدين يرتع�ص تا ً
ري
أمال� ..أ�سغي لكلماتها مغم�سة
والتوزي ر
ع
«ا�ستثنيني ..من قواعد العامل..
ا�ستثنيني من مظاهر الكون..
اأنا ل�ست مثلك ،وال مثلهم �ساأكون..
�سخ�ص وحيد.. ٌ �سخ�ص غريب..
ٌ اأنا
لنداء احلب ..ال اأ�ستجيب.
�سخ�ص فريد ..فال تنتظر مني يف يو ٍم ..اأن اأ�ستجيب.ٌ اأنا
لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي ..لن تكون ا ّإال لنف�سي..
لن ياأ�سرين احلب يو ًما ..لن اأكون اإال لنف�سي..
ما�ص كنت فيه اأنا �سعيف.. فا�ستثنيني من ٍ
وا�ستثنيني من م�ستقبل اأنا من اأحداثه بريء..
ا�ستثنيني ..ا�ستثنيني ..دو ًما واأبدًا ا�ستثنيني»..
~~~~~~
هم�سا ،وكنت �أنا قد
ب�سوت �أكرث ً
ٍ وبعد �آخر كلمة �سعرت بكلماتها تعاد وتعاد
لنوم عميق ،غري عابئة مبا يفكر فيه ظافر يف تلك �للحظة..
��ست�سلمت ٍ
عيني على �سوت �إيفي :
فتحت ّ
�� -ستيقظي رجا ًءَ ِ ..مل كل هذ� �لنوم!.
عيني الأقابل بعدها �بت�سامة بريئة و�سوتًا عذ ًبا:
نه�ست وفركت ّ
ح�سة �حلياكة و�لتطريز �ليوم ،وملنا�سبة غام�سة �سمعت �أن �أف�سل� -سناأخذ ّ
إنتاجا �ستح�سل على قما�ص خا�ص بها لت�سنع ماعرو�ص ��ستيعا ًبا للدر�ص و� ً
ريص ع
تريد!.
ع
علي �أحدهم!.
يتج�س�ص ّ
� -أريد دخول �مل�سرت�ح ...و�أخ�سى �أن ّ
لعيني
والتوزي ر
وهم�ست بعقلي:
ع
� -أعتقد �أنني �أ�سمع �سوتهم � ً
أي�سا...
�لتفت بحذر وف ّكرت بريبة:
-كم هم ُك ُرث!.
T
تتغري طبيعته الأي �إن�سان ..خادمة �أو
وبينما �أنا �ألبي ند�ء �لطبيعة �لذي ال ّ
عرو�ص ال فارق� ..لكل يفعل ذلك بال �سك� ..سمعت �سوت �سحكات رجول ّية ،ثم
هام�سا بريبة:
�سوتًا ً
-ر�أيت ذلك باأم عيني! مما جعلني �أتاأكد من فكرة �أن جميعهن عذر�و�ت...
و�سعت يدي على فمي بده�سة من معنى كالمه و�أنا �أتخيل �ملوقف ور�ء ذلك
�الكت�ساف �لذي جعله يبدو و�ث ًقا ..و�أن�ست برتكيز.
-ي�سمونهن عر�ئ�ص ..فكرو� يف �الأمر!.
� -أجل!.
كان هذ� �سوتًا �آخر ..ثم حت ّدث �ساحب �ل�سوت �الأول:
� -أعرف فتاتي ج ّيدً � ..و�أر�هن ..على �أنها �ستحكي عن ما حدث لزميالتها،
�ستحكي كل �سيء لده�ستها؛ الأنها تعلم �أنها كانت عاهرة يف حياتها �الأوىل!.
�رتفع �سوت �ل�سحك و�لقهقهة بعد �سهقات �الإعجاب �ملقزّزة ،ليقول �سخ�ص
منهم:
ر ش
والتوزي
زفر ب�سيق ثم قال ب�سرود:
ع
� -لعر�ئ�ص ملك لالأمري فقط ..ومع ذلك ين�سى �الأحمق منهم مكانته!.
يدي ووجهي يف �ملن�سفة �ل�سغرية �لناعمة ثم رميتها يف �س ّلة �لغ�سيلج ّففت ّ
-لت�ستقر فيه مع باقي �ملنا�سف �مل�ستعملة -وقلت و�أنا �أنظر �إليه نظرة ذ�ت مغزى:
-ي�ستثنون �أنف�سهم من �لقو�عد ..مع �أنهم �سو��سية!.
وف ّكرت يف مر�قبته الإز�لني الأدعه يقر�أ �أفكاري و�ألقيت عليه نظرة �أخرية
وخرجت ،مغط ّية جانبي وجهي بخ�سالت �سعري �الأ�سود �لفاحم كي ال يالحظني
�أحد �ملنحرفني منهم .دخلت بهدوء و�سط جت ّمع �لفتيات وجل�ست �لقرف�ساء
بجانب �إيفي �لتي كانت مدخرة يل مكا ًنا ،ويف نف�ص �للحظة وجدت قطعة من
فخذي ،كذلك خيط وعلبة من �الإبر! رفعت ّ �لقما�ص �-أحاد ّية �للون -تُلقى على
ب�سري للجميع فالحظت �أن �ملعلمة �لعجوز هي من و�سعتها ،هي �س ّيدة م�سنة ط ّيبة
�ملالمح ..نظرت يل وقالت ب�سوتها �لهادئ �لبطيء:
� -أريني ماذ� ميكنك �إنتاجه؛ �إنه �ختبار ب�سيط...
وختمت عبارتها بابت�سامة ودودة ،فاأوماأت ورددت على �بت�سامتها مبت�سمة
باأدب ،ونظرت لقطعة �لقما�ص �الأبي�ص يف يدي بحرية ..ترى ماذ� �أفعل بها؟
نظرت للعر�ئ�ص من حويل ،الأجد �أن كل و�حدة منهن تقوم ب�سيء خمتلف عن
�الأخرى ،مما يك�سف تفاوت م�ستوياتهنّ � ..بت�سمت يل �إيفي بت�سجيع لتاأتيني فكرة..
�أ�ستطيع تنفيذها بتلك �لقما�سة �ل�سغرية ،ودون تفكري� ،أخذت �ملق�ص �ملعدين
�لكبري من �أمام �ملعلمة لتنظر يل برت ّقب جتاهلته �أنا الأ�ستطيع �لرتكيز يف �إنتاج
ع
ذلك �ل�سيء؛ �لذي �سيقول �جلميع عنه �أنه حتفة فن ّية! فقط �إن �أ�سعفتني ذ�كرتي
ريص ع
�سفتي ورفعت
لي�سلها �متناين ،ثم �أعدت ر�سم تلك �البت�سامة �ملت�سل ّية على ز�وية ّ
ع والتوزي
وزدت:
� -أهو منديل؟ �أم قما�سة ر ّثة مل�سح �أر�ص �لزنازين؟.
�نفجرت �لفتيات بال�سحك وكاأين للت ّو قد رميتهن بقنبلة من �لغاز �ملهلو�ص،
ورغم عدم �قتناعي كل ًّيا مبا قلت ،وعلمي �أنها لي�ست باملزحة �جليدة� ،بت�سمت
خجال بني �سحكات �لعر�ئ�ص ،وفجاأة قالت فتاة من على لروؤية تلك �لفتاة غارقة ً
�جلانب �الآخر:
ً
منديال -لي�ست �أجمل من ما قامت ب�سنعه �إيفي �ل�سغرية ..لقد �سنعت
�آخر ،لكن هذ� �لنوع �لرديء ميكننا ��ستخد�مه مبا�سرة بعد �خلروج من
�مل�سرت�ح!.
�رتفع �سوت قهقهات �أخرى مت�سل ّية ،فانتبهت �ملعلمة �أخ ًري� وقالت بعبو�ص
منده�ص:
-ماذ� هناك؟ ملاذ� ت�سحكن؟.
وقبل �أن تزيد ،وقبل �أن �أوقف تلك �ملعتوهة عند ح ّدها و�أجعلها تعتذر ل�سديقتي
�جلديدة ،تالقت عيني بعني معلمة �حلياكة ،فاأرخت تعبري�ت وجهها و�أخذت ما
�أم�سكته بيدي؛ �لف�ستان �ل�سغري .رفعته لعينيها ورفعت �لعد�سة �مل�ستديرة �-أمام
عينيها -و�سهقت بذهول:
-موهوبة يا عزيزتي! موهوبة!.
حت�س�ست باأناملها تلك �ل�سم�ص �ل�سغرية �ملل ّونة بدقة باألو�ن �خليط ،لتنظر يل
ّ
بع�ص �لفتيات بغرية و�سمعت �إيفي تهم�ص يل:
ص ع
أنك �سديقتي! �أي لن ت�سخرين مني!.
-كنت �أعتقد � ِ
والتوز عي
أح�سنت �سن ًعا�� ..سنعي لنف�سك ف�ستا ًنا! و�أريني �إياه ريثما تنتهني!.
ِ �-
نظرت بطرف عيني للفتاة �جلاثية على �لفر��ص �لذي بالطبع قد بد�أ بالتبلل
من دموعها �لغزيرة �ل�ساذجة ،وعلى عجلة من �أمري مللمت �خلامات و�لف�ستان
�ل�سغري �لذي قمت ب�سنعه و�بت�سمت للمعلمة �أ�سكرها ،وغادرت �لدر�ص م�ستاأذنة.
�أ�سرعت بو�سع كل ما �أحمل على فر��سي وجل�ست على طرف فر��ص �إيفي وهم�ست:
أنت �ملق�سودة قط!.
� -إيفي مل تكوين � ِ
�سمعت �سوت �سهقاتها بالبكاء ،فو�سعت يدي على ظهرها �أم�سح عليه بحنان
وهم�ست كي ال ت�سمعنا باقي �لفتيات:
-كنت فقط �أرد �عتباري ..وحت ّول �الأمر �إليك دون ق�سد!.
أنت حتى مل تد�فعي عني! �تركيني و�ساأين!.
ِ �-
قالتها يل وقبل �أن �أرد ظهر يل ظافر من �لعدم وقال بهدوء:
فيك بذرة ال ٍأم حنون.
-تبدين متعددة �ملو�هب ..كما �أنني �أرى ِ
وقالها م�س ًري� ملا تفعله يدي بلطف ل�سعر �إيفي �لناعم فاأ�سحت وجهي عنه بغري
�هتمام ،الأجده قال برب�ءة:
-رمبا كما قلت �ساب ًقاِ ..
كنت ر ّبة منزل ح ّية �ل�سمري و� ًأما � ً
أي�سا يف حياتك
�ل�سابقة!.
تذ ّكرت قدرتي على تقطيع �لب�سل و�لتنظيف وتن ّهدت� ..أفكر يف ما قال للت ّو،
�سحيحا ..لكن �سرعان من نف�ست ذلك ً ودون وعي �بت�سمت بحنني ل�سيء رمبا يكون
ريص ع
�لتفكري عني وهم�ست يف �أذن �إيفي �لقريبة مني:
والتوزي
ِ
ع
م�سكينة �إيفي� ..أ�سعر بالتعاطف جتاهها..
-دعي قلب �الأم جان ًبا وقومي بعمل �أي �سيء مفيد ،كا�ستكمال ما بد�أ ِته يف
�حلياكة ً
مثال؟.
تن ّهدت بهدوء لتلمع �لفكرة بعقلي ،فكرة جتعلني �أ�ستعمل خاماتي �خلا�سة �لتي
ح�سلت عليها للت ّو وك�سب �سد�قة �إيفي من جديد!
��ستغرقت دقائق فقط الأجمع �أفكاري و�أرتب �خلامات �أمامي ثم بد�أت بالتنفيذ.
بني �لوقت و�الآخر كنت �أالحظ ظاف ًر� يرفع عينيه من بني كتاب �إيفي لري�قب ما
�أفعل ،ويف م ّرة ��ستفزّين بقوله:
� -إيفي �سعيفة؛ قليلة �ملوهبة ،مز�حية وعاطفية ..فال تكرتثي بك�سب و ّدها
بتلك �لدمية �ل�سلعاء!.
نظرت للدمية �لتي �أو�سكت على �النتهاء منها ،بتثبيت ز ّرين باللون �لبني
كعينيها ورددت على ما قال ب�سدقٍ و�سرود:
-تلك �لعرو�ص هي �إيفي ..لديها �سحكة �سافية بريئة...
وفكرت بهدوء بينما عيناي تتج ّوالن على �لدمية �لتي �ألب�ستها �لف�ستان �ل�سغري:
� -أريد �أن �أعطيها �إياها ،فهي ت�سبهها كث ًري� ..عد� �فتقارها لل�سعر �لب ّني
�ملم ّوج...
ه ّز ظافر كتفيه ليظهر يل �لالمباالة خا�سته وتابع قر�ءة �لكتاب بيده ..م ّر
وقت �إ�سايف رحلت فيه �ملعلمة ..لت�سرخ فتاة بحما�ص:
�لق�سة!.
-ه ّيا ه ّيا �ساأحكي لكن ّ
-ملاذ�؟ �أال ي�سحر �حلار�ص عني من يحر�سها لرتى �أي �سيء؟ كما تفعل �أنت
لعيني؟.
تن ّهد وقال ب�سرب:
أنت عرو�ص يف حماية �حلار�ص ظافر ..فال تتعجبي من كونك مم ّيزة عنهنّ .
ِ �-
�لتفت له ،و�أر�هن �أنه يبت�سم �بت�سامة مت�سل ّية ،لكن هذ� �لقناع �لقما�سي �الأ�سود
�ملمتزج مع غطاء �لر�أ�ص �ملن�سدل على وجهه ال ي�ساعدين يف �لتاأكد من ظ ّني هذ�..
�سفتي مبا �أمليه عليه بعقلي:
فح ّركت ّ
ر ش
والتوزي
علينا من عل ِّو كما فعل �أكرث من حار�ص تز�م ًنا مع بدء �لعرو�ص باحلديث:
ع
-تعلمن �أن حار�سي قد �أ ّمن فتح قبور ع ّدة مر�ت لي�سهل وظيفة قاب�سي
�الأرو�ح.
قالتها بزهو والحظت �أنها تتبادل �لنظر�ت و�البت�سامات مع حار�سها �لذي وقف
و�ث ًقا ،و��ستطردت:
مكان باخلارج.
-حكى يل عن و�سول ثالث فتيات من ٍ
هم�ست بع�ص �لفتيات بكالم به عدم فهم ،فاأو�سحت �لفتاة ،وقد ّ
�لتف حول
فر��سها عدد �أكرب حتى �أ�سبح �سبي ًها بالزحام:
-عر�ئ�صُ ..مهد�ة لالأمري غيث!.
-هد�يا؟.
-وماذ� ع ّنا؟.
-من �أر�سلهن؟.
-غيث؟ ��سمه غيث؟ من �ملطر؟.
كلها ت�ساوؤالت قيلت على ل�سان �لعر�ئ�ص ،وكان �آخر ت�ساوؤل من �لفتاة �الأقل
خربة ومعرفة بينهن� ..أنا!
-مهد�ة من �أمري ببقعة �أخرى ال يهم ��سمها ..و�لفتيات �أعيد تاأهيلهنّ ودخلن
جناح �الأمري فو ًر�!.
قالتها الأغرق �أنا يف ذكرى روؤية ثالثة من قاب�سي �الأرو�ح يحملن ثالث فتيات
بهيئة مزرية وكاأنهن �أتني من حتت �لرت�ب منذ حلظات ...وقبل �أن �أ�سل لنقطة
ص ع
تذكري نظرة قاب�ص �الأرو�ح يل� ،ختلط ما قالته �لعرو�ص منذ قليل مبا قالته للت ّو:
والتوز عي
ب�سوت
ٍ نظرت يل �لفتيات باهتمام ل�سوؤ�يل ،و�لذي �أدركت وقتها �أنني طرحته
م�سموع ..فاأجابتني �لفتاة:
نعم هذ� الأنهنّ �أمري�ت � ً
أ�سال!. ّ -
�سحكت �أنا بغري فهم ،و�س ّيقت �مل�سافة بني حاجبي وت�ساءلت:
� -أمري�ت؟ كيف و�أنا مل �أدرك �أنني عرو�ص حتى �آخر حلظة؟!.
قلتها با�ستنكار لت�سحك �لفتيات وقالت �إحد�هنّ توؤ ّيد ما قلت:
-هذ� �سحيح� ..الأمرية تكون عرو�ص � ًأوال ،جتل�ص معنا بالطابق ،ت�ساركنا
وجبات �لطعام و�لدرو�ص ،وحني ياأتي �لوقت �ملنا�سب لها تقف على باب
أمر منه ..ليجعلها �أمرية!.
�الأمري با ٍ
تعالت �لهم�سات �مل�سككة يف حديث �لعرو�ص �الأوىل ،فنظرت حلار�سها �لذي
�نحنى على �أذنيها يخربها باملزيد من �لتفا�سيل ،ويف نف�ص �للحظة �نحنى ظافر
�إ ّ
يل ليقول ب�سوته �لعميق:
-ال تلفتي �لنظر لق�سة قدومك لهذ� �لطابق ..ال تكوين مثرية لل�سكوك
و�لريبة.
هززت ر�أ�سي بخفاء و�أرهفت �سمعي للفتاة �لتي بد�أت باال�سرت�سال:
� -لفتيات ل�سن عر�ئ�ص مثلنا ..بل �أمري�ت� ..أمري�ت حقيق ّيات!.
و��ستطردت ب�سدق من يعرف �حلقائق كلها:
-كانت كل و�حدة منهنّ �أمرية يف حياتها �ل�سابقة؛ لديهنّ كل �سيء؛ �جلمال،
أي�سا �ل�سوت �لعذب �لرقيق و�لقامة �ملعتدلة ذ�ت �الأناقة و�لتهذيبً � ،
ر ش
والتوزي
-وهذه �سد ًقا لي�ست �لعطايا �الأوىل لالأمري من �أم ٍري �آخر ..فكما تعلمن ،هو
ع
ي�ستهلك �لكثري من �الأمري�ت!.
�سحكت بدالل فاحم ّر وجهي وف ّكرت:
-ظافر ..هل لك �أن تاأخذ �حل ّر��ص ال�ستن�ساق �لهو�ء خارج �لطابق� ..أو خارج
�لقلعة؟ يبدو �أن �حلديث قد �أخذ منح ًنى �آخر ..ولن �أ�سعر بالر�حة بينما
�أرى �لنظر�ت �ملنحرفة يف عيون هوؤالء �لذئاب!.
�سحك ب�سخرية وقال:
-ثرثرة �لفتيات هذه ال تعنيني يف �سيء� ..أما هم ،فلن يف ّوتو� روؤية تلك
�حلمرة على خد كل و�حدة منكن ..لذ� �عتادي �الأمر� ،أو �خلدي للنوم
�أف�سل...
تن ّهدت وف ّكرت بعناد:
-بل �ساأبقى!.
و��ستمعت ملا تقول �لفتاة:
-حار�سي يعرف �لكثري من قاب�سي �الأرو�ح وعندما يكون لديه �سيء مهم
يخربين به.
وقالت �أخرى:
أنت ال تبخلني علينا مبا يقول!.
-و� ِ
�بت�سمت �لفتاة �الأوىل ول ّوحت لنا بيديها قائلة:
ع
-يكفي هذ� لليوم عزيز�تي� ..ساأخلد للنوم...
ر ش
والتوز عي
عليك �ملهمة� ..أ�سعريهن بالذعر عزيزتي!.
-لقد �س ّهلت ِ
نظرت لفتاة بجانبي وت�ساءلت بريبة:
-ماذ� �الآن؟.
�بت�سمت بحما�ص وقالت:
-وقت حكاية �لرعب!.
ب�سكل ملحوظ،
غ�سة يف حلقي ونظرت حويل الأجد �أن عددنا �نح�سر ٍ �بتلعت ّ
فاأ�سبحنا جنل�ص يف د�ئرة �سغرية ال ي�سلها �إال بع�ص من �سوء �لقمر ،و�سبح �سوء
قريب من �مل�سرت�ح ..فتن ّهدت وقلت بعقلي بحما�ص الكت�ساف �ملزيد عن �سخ�س ّيتي:
� -الآن �ساأعرف �إن كنت �ساأخاف �أم ال...
عدت بب�سري لتلك �لد�ئرة �ملهيبة �لتي جنل�ص بها ،كل فتاة جتل�ص �لقرف�ساء
ويقف خلف كل و�حدة منهن حار�سها بثبات وهدوء� ،إال من بع�ص هم�سات منحرفة
ي�سدرها فئة قليلة من �حل ّر��ص ،مل تخف كلماتهم �لبذيئة عني لالأ�سف مما
�أ�سابني بالتقزّز ،لكنني �سمدت الأ�سمع حكاية �لفتاة �لتي بدت و�ثقة حني بد�أت
�لقول:
-هل تت ّذكر �أي منكنّ ماذ� حدث لها قبل �أن تاأتي ل�سجن �لق�سر؟.
وقبل �أن ترد �أي من �لفتيات ��ستطردت:
-وال �أق�سد بقويل تلك �لذكريات �لو�هنة �لتي تاأتينا عن حياتنا �ل�سابقة ،بل
�أق�سد تلك �للحظات �لب�سيطة بني �حلياة و�ملوت و�لقدوم للعامل �الآخر...
عم �ل�سمت ،فال �أحد يعلم ما تتح ّدث عنه! �بت�سمت �لفتاة بانت�سار ،وبد�أت
ع
ّ
ر ش
والتوزي
�بت�سمت �أكرث من فتاة بجهل ،لتزيد �بت�سامة �لفتاة بخبث وت�س ّلي ،وكاأنها
ع
ت�ستمع الإيقاع منتظم ي�سدره كل قلب مرتقب هنا ،ومن بينهم قلبي� ..لذي �سي�سعر
باخلوف ال حمالة� ..أ�سعر بهذ�� ..سمعنا �سوت �سحكة ق�سرية مت�سل ّية ،تو ّقعت �أن
تكون منبعثة من �ساحبة �حلكاية� ،إال �أن �لعيون كانت كلها م�س ّوبة نحو �إز�لني؛ �لتي
قامت بغرور لريفرف �سعرها �الأ�سقر �ملم ّوج خلف ظهرها..
الحظت حركة ظافر باخللف� ،ختفى �سوت خطو�ته باالبتعاد بعد �أن كان و�ق ًفا
بالقرب مني ،ليتبع �ملغرورة لل�سرفة �ملعتمة �إال من �سوء �لقمر �لكبري ..وها هو
جم ّددً� ..ي�ستثني نف�سه من �لقو�عد �لتي يتذ ّكرها ج ّيدً �!
فجاأة تذكرت كلمات �أغنية �إز�لني ذ�ت �لكلمات �لغريبة و�للحن �لهادئ �ملريح
و�ملريب يف � ٍآن و�حد��« ..ستثنيني� »..ق�سع ّر بدين من تلك �لكلمة ذ�ت �ل�سيغة
�لغريبة ،وكاأنها ال تغني عن نف�سها ..بل عن �أحد �آخر..
T
)(10
�أفقت من �سرودي ،فال �أريد �أن �أف ّوت تلك �لق�سة ذ�ت �لعنو�ن �لغريب..
ص ع
بق�سها علينا:
«رق�سة �لود�ع» ..و�لتي بد�أت �لفتاة ّ
�ق�سع ّر بدين و�سعرت بربودة �أطر�يف حني �نتهت �لفتاة من �ل�سرد ،لينتهي معه
خيايل �لذي �س ّور يل كل �سيء وكاأنه يحدث يل!
�ملتوج�سات خو ًفا من حويل ،وفجاأة �سدرت �سرخة ّ رفعت عيني للفتيات
�سعر �أ�سود طويل يغطي عينيها وناعم بطريقة غريبة. مذعورة! وكانت لعرو�ص ذ�ت ٍ
نظرنا لها بغر�بة لنجد �أن وجنتيها قد حت ّولتا للون �الأحمر ،ف�سحكت �ساحبة
�لق�سة بانت�سار لتتبعها �سحكات �أخرى قليلة ،الأملح �أنا يد حار�ص �لفتاة �ل�سارخة
تتج ّول على عنقها! � ًإذ� هذ� ما جعلها تبدو مذعورة فجاأة! كانت حركته مباغتة ،ومل
ع
يلبث ذلك �حلار�ص باأن هم�ص يف �أذنها ب�سيءٍ ما ،فا�ستاأذنت من �لفتيات ونه�ست
ع
بهذه �لطريقة؟!
باختفاء طيفيهما ظهر يل ج�سد ظافر ،ي�ستند �إىل �ل�سرفة بظهره ،عاقدً � كلتا
ذر�عيه �أمام �سدره ..ال �أعلم مل يقف مركزً � حو��سه هكذ� بالقرب من تلك �لفتاة
بالذ�ت ..هل هو منجذب جلمالها �مللفت لالأنظار؟ هل هو �سعرها �الأ�سقر �لد�فئ
كلون �ل�سم�ص �لتي مل تغب عن بايل للحظة؟ ال �أعلم ..وال �أهتم ..وما �ساأين �أنا؟
يكفي �أنه ال ي�سادق باقي �حلر�ص وال ينطق باالألفاظ �لتي ينطقون بها هم ..تن ّهدت
وتذكرت �أول ما �سمعت عنه ..بني �ل�سجن و�لق�سر:
� -ظفر بها يا ظافر ..كما تظفر بكل �سيء!.
تو ّقفت عند هذ� �لقول ..كيف يظفر بكل �سيء؟! وما هو يا ترى ما جعلهم
يتح ّدثون �إليه بتلك �لطريقة �حلا�سدة �ملغتاظة بينما هنا ال يتح ّدث �إليه �أحد؟
قال �أنه غري مر�أي بالن�سبة للفتيات ..فاالأمر ال يتع ّلق بهنّ ً � ..إذ� فما هو هذ� �الأمر
�خلفي؟!
نظرت الإز�لني �لتي تر�قب �لقمر �لكبري ب�سرود ،ت�سع وجهها �لناعم بني ك ّفيها..
تبدو هادئة ..ككلمة «��ستثنيني» �لتي غ ّنتها لرت�سخ يف ذهني بغر�بة� .لتفت ظافر
يل� ،سعرت بنظرته رغم عدم روؤيتي لوجهه ،فابت�سمت بعد �أن �أفقت من �سرودي �إ ّ
و�أدرت وجهي للفتيات ،و�لتي بدت كل و�حدة منهن من�ستة باهتمام ملن تتح ّدث:
-فعلتها مع حار�سي ..هو �لرجل �الأول �لذي �سكن قلبي بهذ� �لعامل!.
هوى قلبي وز�دت د ّقاته و�أرهفت �سمعي ،الأجد فتاة تت�ساءل با�ستنكار:
-يا قليلة �حلياء! متى وكيف ونحن ننام على ُف ُر ٍ�ص �سبه متال�سقة ببع�سها
ص ع
�لبع�ص! وال تف�سلنا غري تلك �ل�ستائر �ل�س ّفافة!.
والتوز عي
م ّرة �نح�سر فيها غطاء ر�أ�سه للخلف ً
قليال..
-ال عيب يف �أن ميتلكني رجل قبل �الأمري ..لن �أنتظره �أنا وج�سدي �جلميل
لالأبد!.
�سهقت �لفتيات من قول تلك �لعنيدة ،وتابعت �الأخرى توبيخها قائلة:
عرفت،
ِ كنت غري عذر�ء يف حياتك �الأوىل ..ال �أدري كيف أنك ِقلت � ِ
-لقد ِ
��ستيقظت من بعد موتك عذر�ء ،فهذ�
ِ أنك
ال يهمني ،لكن ما يهم �أنه مبا � ِ
ل�سبب!.
�سهقت بع�ص �لهو�ء وتابعت بتح ّفز:
-الأننا عر�ئ�ص �الأمري! وبالطبع �الأمري هو من ي�سع تلك �لقو�عد لرغبته
�خلا�سة!.
ّ
�حم ّر وجهي ونظرت لذ�ت �لعيون �لرمادية كما فعلت باقي �لفتيات ،ننتظر ردًّ�
قو ًّيا..
� -لعقل هو ما يكون ِبك ًر� ال �جل�سد! ومبا �أنني تذ ّكرت -بالطريقة �لتي ال
ته ّمك -كوين مملوكة الأكرث من رجل يف حياتي �الأوىل ،فهذ� ال يجعلني ِبك ًر�
على �أ ّية حال ..فلم �خلد�ع � ًإذ�!.
قالتها بثقة وغرور ،فت�سهق �الأخرى وتقول بحزم:
أنت �ملخادعة!.
أنت! � ِ
-خد�ع؟ من �ملخادع هنا! �إنها � ِ
ب�سخونة �حلو�ر؛ �رتفعت نربة كحيلة �لعينني قائلة بخبث ج ّمد �أو�سايل:
كنت ترين نف�سك بريئة ،رغم �س ّكي يف هذ� ..فالكثري�ت هنا ل�سن كذلك!
� -إن ِ
ص ع
�أغلب �لفتيات هنا ل�سن بعذر�و�ت!.
والتوزي
�لنقا�ص �جلريء:
ع
عرو�سا عذر�ء بج�سدها وعقلها م ًعا! فال ُعهر ال ُين�سى!.
-لن جتدي بيننا ً
قالتها وقامت من مكانهاّ ،
و�جتهت لفر��سها ومل يتبعها حار�سها ،بل �بت�سم
�بت�سامة �سفر�ء بينما �رتفعت له عيون �حلر�ص بده�سة و�إعجاب ..وقال �أحدهم
بخيبة �أمل:
-ربح �لرهان ككل م ّرة ..كم هو حمظوظ!.
�تّ�سعت عيناي بذعر وتذ ّكرت ما �سمعت بامل�سرت�ح قبل �لدر�ص .جت ّمد قلبي
للحظة قبل �أن تخرج د ّقاته بطيئة ،الأ�سعر بثقل �سدري وتن ّف�سيً � ..إذ� ..هذه هي
فتاة �حلار�ص �لتي حت ّدثو� عنها! و�حلار�ص �الآن فخور بفعلته �مل�سينة معها!
بينما �أنا غارقة يف �أفكاري �ملرتابة وهو�ج�سي ب�ساأن حتذير�ت ظافر� ،سمعت
�سهقة فتاة ،فنظرت �إىل م�سدر �ل�سوت ببطء الأجد �حلار�ص ذ� �لفعل �مل�سني
يعتدل بعد �أن ق ّبل فتاة ما على ز�وية �سفتيها ..تلك �ملنطقة �لتي و�سعت �لفتاة يدها
عليها بذعر ..بينما حار�سها يهنئ �لفائز بالرهان بفتور ً
قائال:
� -أمل تاأخذ جائزتك؟ ه ّيا �ذهب بعيدً � ..يكفي قبلة و�حدة!.
�بت�سم �الآخر بخبث وهم�ص:
-كم �أردت �أن �أمتادى ،لكن �ل�سرب ..لي�ص هذ� �آخر رهان!.
علي �الن�سحاب! خ�سيت
و�سعت يدي على فمي ب�سدمة وق ّررت �لرحيل ..نعمّ ..
�أن تتع ّلق عيناي بعني �أحد منهم ،وبينما �أنا �أن�سحب مغادرة �إىل فر��سي� ،سمعت
همهمة خافتة تاأتي على بعد قليل من �ل ُف ُر�ص من مكاين ،ف�سرت ببطء وبد�فع
�لف�سول �أقرتب من م�سدر �ل�سوت ..الأجد �سي ًئا مل �أكن الأتوقعه يف تلك �للحظة
والتوز عي
حلار�سها �لذي يبدو منجر ًفا ور�ء كل ما تقول ..جمار ًيا لها يف م�ساعرها تلك!
ز�د �نقبا�ص قلبي وتبعته معدتي فو�سعت يدي على معدتي �ملتاأملة وفجاأة
��ستد�ر �إ ّ
يل �حلار�ص بعد �أن �أ�سارت فتاته �إىل وجهي �ملنقب�ص! ليتو ّقف عن ما يفعل
ويغلق �ل�ستار بق ّلة حياء ..بعد �أن تالقت عيني بعينه!
بيد تو�سع على كتفي من �خللف ،فانتف�ست
قبل �أن �أدرك مدى �خلطر� ..سعرت ٍ
بذعر و��ستدرت الأرى من �لفاعل ..الأجد �أنه فقط ظافر ..يقف بهدوئه �ملعهود.
ال �أدري �إن كان قد ر�أى ما ر�أيت �أنا ،فهدووؤه يخونني يف كل م ّرة حاولت فهم ما
ور�ء هذ� �لقناع ،لكن ما �أنا متاأكدة منه �أنني لن �أ�ستطيع �ل�سمود� ،أريد �إفر�غ ما يف
معدتي �لتي ز�دت �نقبا�ساتها .هرولت للم�سرت�ح مبا تب ّقى يل من ق ّوة� ،أ�سم �أذين
تبني
عن �ملزيد من �لكلمات �لبذيئة �لتي تخرج يف مثل هذ� �لوقت؛ فربغم عدم ّ
�الأوقات من بع�سها بالن�سبة يل ب�سبب هذ� �لظالم �للعني ،فاإنني ��ستطعت متييز
ثقيال على قلبي ..هو وقت �لنوم.. هذ� �لوقت من بني �لباقني ..فهذ� �لوقت �أ�سبح ً
ركبتي �ملرتع�ستني و�أفرغت ما مبعدتي ..غ�سلت وجهي و�أ�سناين ّ جثوت على
ب�سعف وتركت قطر�ت �ملاء تنهمر مني لتربد �سخونة ج�سدي �ملرتاب من كل �سيء.
مررت من �أمام فر��سي مبنتهى �الأدب ،منعزلة عن ما حويل ب�سعري �لذي �أ�سدلته
عيني من �جلانبني� ،رمتيت على فر��سي وتد ّثرت ج ّيدً � ،دون �لنظر لفر��ص على ّ
�إيفي لالطمئنان عليها ،و�إكمال دميتها� ..أو حتى قر�ءة �لكتاب �لذي كنت متح ّم�سة
له وقت �لغد�ء ..فقط غطيت وجهي بطرف غطائي و�أغم�ست عيني ،حماولة
�لهدوء ..وبثّ �لطماأنينة يف نف�سي� ..إال �أن �سوت ظافر ظهر بجانب �أذين بينما
علي يد ّثرين ج ّيدً �:
يحكم �لغطاء ّ
ع
أحميك...
� -سا ِ
�سرى كالمه بج�سدي لي�سكن مو�سع �الأمل به ،ويخف�ص �سوت �لطنني بعقلي،
فف ّكرت ب�سعف:
-لي�ص يل خيا ٌر �آخر� ..أنا �أثق بك ظافر.
مل �أد ِر ماذ� �أقول ..لكن كلماته ح ًّقا جعلتني �أهد�أ كما ز�دت طماأنينتي حني
و�سع يديه على جبيني وهم�ص ببع�ص �لكلمات غري �ملفهومة بالن�سبة يل ...الأغم�ص
�أنا عيني و�أذهب يف عامل �الأحالم ..بينما �سوته كان �آخر ما �سمعته:
نوما هني ًئا �إليونور�� ..ستكونني بخري...
ً -
وتبني يل �سوت غناء �إز�لني يف �خللفية ..وهي تقول:
ّ
T
�� -ستثنيني...
)(11
عيني ببطء �أمامه �آملة �أن ت�سدمني �أ�سعة �ل�سم�ص عرب �أي منفذ� ،أتذ ّكر
فتحت ّ
�أنني كنت معتادة على �لعي�ص يف �ل�سوء� ،أ�ستيقظ فيه بن�ساط و�أعمل حتى يخفت
ريص ع
ويذهب؛ لياأتي �ل�سيف �لثقيل على قلبي� ..لقمر!
�� -ستعدي ال�ستقبال �سيء جديد �ليوم...
عب�ست ليزيدين �لعبو�ص ً
جماال بحاجبي �لكثيفني وت�ساءلت:
-ماذ� تق�سد؟.
فاأ�سار يل �إىل �مل�سرت�ح ،الأزحف �أنا �إىل ركبتي الآخر �ل�سرير كي �ألقي نظرة على
طويال من �لفتيات ..يقفن يف �نتظار دورهنّ بهدوء ما ي�سري �إليه ،فوجدت �س ًّفا ً
بهم�ص وقلت بعقلي:
ينم عن حقيقة ��ستيقاظهنّ من دقائق فقط ..ف�سهقت ٍ وك�سل ّ
ملحة يف �لذهاب للم�سرت�ح!.
لدي حاجة ّ
-لي�ص هذ� وقتًا لل�سفوف و�لنظام! ّ
وال ر
توزيع
و�أ�ساف وهو يزيل �لغطاء عني:
-قفي يف �ل�سف قبل �أن ت�سبقك �سديقتك �ل�سغرية...
�نتبهت الإيفي �لتي نه�ست ،فالتفت لها وناديتها ..فنظرت يل بعني يغلب عليها
�لنعا�ص بينما �الأخرى �سبه مغلقة ..فقلت بابت�سامة ودودة:
أيت جز ًء� منها باالأم�ص...
أنك ر� ِ
لك هد ّية �سغرية ..و�أعتقد � ِ
-لقد �سنعت ِ
و�أ�سفت معتذرة:
-لكن تنق�سها خامة مل �أجدها بتلك �خلامات �لتي �أُعط َيت يل...
�أريد �أن �أرى �بت�سامتها ب�س ّدة ،ف�سيء ما بد�خلي يريد ��ستعادة �أي بهجة بعد
�ال�ستيقاظً ،
تعوي�سا عن �سوء �ل�سم�ص و�سوت �لع�سافري �ملبهج..
نه�ست من فر��سي بينما �لتقطت �لدمية �لقطنية ،ناولتها �إياها مبت�سمة
برت ّقب ،لتاأخذها مني بتيه ..فركت عينيها كاالأطفال و�أمعنت �لنظر يف هد ّيتها،
لتت�سع �بت�سامتها �خلجولة ..وقطع هذ� �ل�سمت �سوت حار�سها و�لذي قال بابت�سامة
ّ
د�فئة ولهجة طفول ّية ً
قليال:
-مل تكن �لفتاة مذنبة باالأم�ص� ..ساحميها �إيفي �ساحميها!.
�تّ�سعت �بت�سامة �لفتاة ونظرت يل بعينيها �لربيئتني ..و�سرعان ما قفزت فوق
ّ
لتتخطاه وتقف �أمامي ،و�حت�سنتني بعفوية! �سحكت �أنا وربت على كتفيها �سريرها
وهم�ست:
-ت�سبهك كث ًري� حني تبت�سمني!.
ص ع
منك ح ًّقا!. � -أ�سكرك �إليونور� ..هذ� ٌ
لطف ِ
T
بعد �نتهاء �مله ّمة �مل�ستحيلة بد�أت �أ�ستوعب �أن هناك مكا ًنا يجب �لذهاب �إليه
ب�سبب روؤية �لطابق �سبه هادئ� ،لتفت الإيفي قائلة:
� -أين ذهبت باقي �لعر�ئ�ص؟.
تركت فر�ساة �سعرها وقالت بينما تر ّبت على �سفريتها على كتفها:
-ذهنب لدر�ص �لرق�ص ..نذهب �إليه كل يوم بعد �أن ن�ستيقظ يف نف�ص �مليعاد...
خرجت معها فاأم�سكت يدي لرتيني �لطريق ،حار�سي على مييني وحار�سها على
�سمالها ،نهبط �لدرج �لو��سع للطابق �الآخر ..ف ّكرت يف �سيء و�ساألتها بينما نحن يف
طريقنا للدر�ص:
-من يوقظ �لعر�ئ�ص؟.
نظرت يل ور ّدت �سو ًؤ�ال ب�سو ٍؤ�ل لكن بحذر:
أنت؟.
أيقظك � ِ
-من � ِ
مل �أفهم ما ترمي �إليه فاأجبت ب�سدق:
�� -ستيقظت وحدي ..حني �كتفيت من �لنوم فتحت عيني.
�س ّمت �سفتيها ونظرت للخلف وللجانبني ،تتاأكد من �أن ال �أحد ي�سمعنا ..ثم
ص ع
قالت بهم�ص:
والتوزي
ِ
ع
� -أي م�ستوى؟.
ت�ساءلت بغري فهم ،فتغا�ست عن �لهم�ص يف �سوتها وقالت بلهجة عاد ّية:
-لكل عرو�ص م�ستوى� ،إن كان عال ًيا يتم تر�سيحها لالأمري...
�أخربتني مبا يحدث عادة؛ فتدريب �لرق�ص وركوب �خليل ،باالإ�سافة للحياكة
عرو�سا عالية �مل�ستوى ،فتت�ساور
ً و�لتطريز و�لغناء لبع�ص �لفتيات يجعل منها
�مل�سرفة مع م�ساعد �الأمري يف �أمر عر�سها عليه� ،إن مل يكن ر�آها من قبل يف حفل
من �حلفالت �لتي غال ًبا ما تقام �سو�ء بد�خل �لق�سر �أو خارجه..
�سمتت بعد �أن �أخربتني بهذه �ملعلومات ..و�سمت �أنا �أفكر يف ما قالت ،ثم
عددت على �أ�سابعي �الأن�سطة �ليوم ّية للعرو�ص وقلت يف نف�سي ب�سيق:
� -لعرو�ص لديها وقتٌ �سئيل رغم عدم �أهمية ما تفعله لنف�سها ..فاأين �ساأجد
وقتًا لقر�ءة ذلك �لكتاب ،وغريه من �لكتب؟.
باب كبري و�تّ�سعت عيناي ده�سة من ما ر�أيت ،فالغرفة كبرية �حلجم، دلفنا من ٍ
جدر�نها مر�يا فقط ،كتلك �لغرفة �لتي خلعت فيها مالب�سي الأعر�سها على �ملا�سطة
ثو�ن و�سردت
و�أحاطني �إح�سا�ص بالذنب لفعلي هذ� باملا�سي �لقريب ..وما هي �إال ٍ
يف �نعكا�ص �لعديد من �لعر�ئ�ص �لو�قفات حول �ملر�يا� ،أو �جلال�سات � ً
أر�سا ينتظرن
�إ�سارة للوقوف ...على �أق�سى �ليمني وجدت �لعديد من �الآالت �ملو�سيقية ..خمتلفة
�الأ�سل ،تع ّرفت على معظمها بف�سل ما تب ّقى من ذ�كرتي� ..سمعت �سوتًا رقي ًقا لكن
رجو ّ
يل يقول:
-و�حد� ..ثنان ..و�حد �ثنان ثالثة �أربعة.
ن
قليال عن �الأر�ص،
ر ش
والتوز عي
وبكلماته �لتي يعيدها ،يلم�ص �الأر�ص بقدمه �ملرفوعة ثم يعود لريفعها من جديد،
لي�سكل �إحدى �حلركات �ال�ستعر��سية متز�منة مع حركة يديه ..وما هي �إال ثانيتان
و�سمعت �سوت هم�سات ..وكانت للفتيات ي�سرن �إلينا باالقرت�ب ..فتحركت بجانب
�إيفي وجل�سنا � ً
أر�سا بجانب �إحدى �لفتيات� ..لتي قالت بهم�ص:
-مز�جه مع ّكر �ليوم فكونا حذرتني.
بتوج�ص و�أ�سحت �أنا وجهي بغري �هتمام� ،أطالع هيئتي باملر�آة،
هزّت �إيفي ر�أ�سها ّ
و�أ�ساهد ذلك �ملد ّرب �لذي يقف و�سط د�ئرة من �لفتيات �لالتي يقلدن حركاته،
مبزيج من �ملهارة و�لرت ُّقب ..وما هي �إال حلظات حتى �قرتب ظافر وجل�ص بجانبي،
فهم�ست بعقلي بده�سة ُعظمى و�أنا ما زلت �أطالع �ملر�آة:
-ظافر �نظر! �أنت بال �نعكا�ص باملر�آة!.
مل يع ّلق ظافر على ما قلته ،و�كتفى باأن �أد�ر وجهي بك ّفيه حتى �أنظر للمدرب،
ففكرت ب�سجر:
-كنت �أنظر للدر�ص عرب �ملر�آة!.
جتاهل ظافر ما قلته وقال من ّب ًها:
-لن يكون من �جليد �أن يرى عدم مالحظتك له.
زفرت ب�سيق ..و�أنا �ألتفت ..وفجاأة �سدح �سوت �ملد ّرب �لغا�سب حول كل
�الأركان:
-من تلك �لتي زفرت؟ من �لتي ترى �أنها ممتازة وال حتتاج لتدريب؟!.
يل ،فتوع ّدتهن �أنا بنظر�تي حتى �لتفت يل �ملد ّرب..�أ�سارت �أ�سابع كثرية �إ ّ
�لف�سي هادئ �للمعان- الحظت ما يرتدي ،كانت قطعة من �ملالب�ص و�حدة -باللون
ع
ّ
ع
نظر على �سعري �ملعقود خلف ر�أ�سي بطريقة ال تدع �أ ًيا من خ�سالته تف ّر و�بت�سم
بطريقة م�ستفزّة ً
قائال:
أنك تقولني �حلقيقة عزيزتي...
-ال �أظن � ِ
وقبل �أن �أب ّرر �لكذبة باأخرى� ،أ�سار يل بالوقوف ،فوقفت وال �أدري ماذ� �سيح ّل
بي� ..ساألني:
أنت؟.
-من �أين � ِ
�أدرت عيني حول �لغرفة وحاولت �لتذ ّكر ،فقال ظافر من ّب ًها:
-لي�ص من �ملفرت�ص �أن تتذكري �أي �سيء ..هو يعبث بعقلك ال �أكرث...
ب�سوت م�سموع:
ٍ فهمت مق�سد ظافر وقلت برب�ءة
-ال �أعرف!.
ه ّز ر�أ�سه وقال وكاأنه ي�سحح كلماته �ل�سابقة:
أنك م�ستجدة.
� -أرى � ِ
هززت ر�أ�سي بهدوء وقلت بعقلي:
-وكم �أكره �أن �أكون هكذ�! كوين ال �أعرف ما �سيحدث ُين ِتج طني ًنا بعقلي!.
ؤذيك.
-فقط متالكي �أع�سابك ..لن يجروؤ على �أن يو ِ
قالها ظافر فابت�سمت �أنا بود�عة ..الأمت�ص غ�سب ذلك �ل�سخ�ص غريب
�لهيئة ..وفجاأة قال من �لعدم:
ع
� -رق�سي� ..أريني ما لديك...
ر ش
والتوز عي
وباإ�سارة منه بد�أت عازفتان باأخذ �آلتني و�لعزف عليهما ،حل ًنا متناغ ًما مبو�سيقى
ب�سوت مرتفع يف �سكتة �للحن:
ٍ �سريعة ..مل تتحرك �سعرة من ج�سدي ،ف�ساح
-بد�أت �ملو�سيقى! فماذ� تنتظرين!.
مل ت�سعفني ذ�كرتي لتذ ّكر �أي نوع من �أنو�ع �لرق�ص على تلك �ملو�سيقى ،فربغم
معرفتي لالآالت �إال �أن �الأ�سو�ت �ملنبعثة منها ال ت�سجعني على �إبد�ء �أي حركة..
وللحظة تذ ّكرت حركات �ملد ّرب بينما يع ّد حركاته:
-و�حد� ..ثنان ..و�حد �ثنان...
ق ّلدت حركاته و�أنا �أعد حركاتي بعقلي ،وجتاهلته الأنظر يف �ملر�آة الأر�قب
�نعاك�سي ،لعلي �أ�سحح ما �أفعل ..لكن ما نتج عن حركتي� :أقل ما يقال عنه �أنه
بالهة� ..أو �سلل!
�سحكت �لفتيات على مظهري و�أنا �أحاول جاهدة رفع قدمي و�لطرق بها على
�الأر�ص �لناعمة مع حتريك يدي ور�أ�سي مع �للحن ..كنت كارثية ..لهم كل �حلق
بال�سخرية!
-كفى كفى!.
قالها �ملد ّرب بح ّدة وغ�سب ممتزجني بعد �أن �سئم �سري ًعا من �لنظر �إىل ج�سدي
غري �ملتناغم مع �ملو�سيقى ،لي�سكت بها �لعازفتني �للتني �أ�ساحتا بب�سرهما بعيدً � كي
ال تنتقل عدوى �ل�سحك �إليهما..
-كارثة؛ قطعة من �لكو�رث �ملتكتلة يف عرو�ص و�حدة ب�سكل ال ُيعقل!.
قالها تعلي ًقا على �أد�ئي ..ور�أيت مبا قال بع�ص �ملجاملة ،ورغم �سحك �لفتيات
من حويل مل �أبت�سم حتى ،بل ز�دت �نقبا�سات قلبي وت�س ّلب ع�سالتي ..حتى قال:
ر ش
والتوزي
لليمني و�لي�سار بحركات �سغرية� ،سريعة ومرتع�سة ففغرت �أنا فاهي بغري ��ستيعاب
ع
ومل �أحاول حتى جتربة ما قال ..ليزيد �سوت �لقهقهة على مظهري! �سمعت �سوت
ظافر يتن ّهد ويقول بخفوت:
-هل يظنّ �أنه رجل؟ هذ� �ملتحول �لـ...
�سممت �أذين عن تلك �ل�س ّبة �لتي �أطلقها ظافر على �ملدرب لت�سدح �سحكات
�حلر�ص �لرجولية مع بع�ص �لتنحنح -لف�ساحة ظافر -بعد �أن كانو� �سامتني �إال من
�لهمز و�للمز ..كان ينق�سني �سوتهم يف �أذين � ً
أي�سا!
-ح�س ًنا ..قفي يف تلك �لز�وية على �أطر�ف �أ�سابعك و�رفعي ذر�عيك
لالأعلى ..هذ� �لتمرين �سي�ساعدك على تذ ّكر نوع �لرق�ص �لذي جتيدين...
وختم عبارته بـ:
-ال توجد فتاة ال جتيد �لرق�ص!.
-وال يوجد رجل يجيد �لرق�ص!.
قالها �أحد �حلر�ص مق ّلدً � �أ�سلوب ظافر �ل�ساخر لي�سحك �لباقني بجنون ،و�أنا
�أقف حائرة ..هل يريد تذنيبي؟ ح ًّقا؟
كتمت تنهيدتي كي ال ي�سمعها هذ� �الأحمق ،و�جتهت للركن �لذي �أ�سار �إليه،
لتبتعد �لفتيات مف�سحات يل �لطريق وكاأنني ملكة مت ّوجة ،لكنني فقط فتاة على
و�سك �لفتك بعظامها �لرقيقة من �أجل تذنيب ..هه ..مدرب �أحمق!
-كم �سيطول �لتمرين؟.
قدمي بر�ساقة مل ّوحة
ّ هكذ� ت�ساءلت بعقلي بينما رفعت نف�سي على �أ�سابع
ص ع
بذر�عي �أعلى ر�أ�سي حتى ��ستق ّرتا و�سكنتا بجو�ر بع�سهما �لبع�ص ،فاأخرج ظافر
ّ
والتوز عي
بخفوت وحذر ،لن �أ�ستطيع كبت رغبتي بالتنفي�ص عن غ�سبي ..فتململت
ٍ زفرت
يف وقفتي بطريقة خفية وقلت ب�ساأم:
-وهل �ساأظل و�قفة بهذه �لو�سعية كل وقت �لتدريب؟.
بغ�سب مكتوم:
ٍ ه ّز ظافر كتفيه بال مباالة ،فنظرت له �سز ًر� قائلة بد�خلي
� -فعل �سي ًئا!.
ه ّز ظافر ر�أ�سه نف ًيا ،الأقول �أنا بغري ت�سديق:
-ماذ�! ال تعرف كيف ت�سحر قدمي؟ �أو ت�سكني تلك �الآالم �لتي �ستنتج عن
وقفتي هذه؟.
�سحك ظافر وجل�ص مرتب ًعا ليغيظني ،رفع ر�أ�سه �إ ّ
يل وقال مبكر:
-بلى ..لكنني �أريد نف�ص �لنتيجة �لتي ي�سعى �إليها �ملدرب...
عاد بنظره لالأمام ير�قب �لفتيات حول �ملدرب ،و�أ�ساف بخفوت:
-تفاجئينني ك ّل مرة مبهارة جديدة ..وهذه �ملرة �ساأتفاجاأ � ً
أي�سا ..لدي
�إح�سا�ص قوي بهذ�...
-و�أنا لدي �إح�سا�ص قوي ورغبة يف �سفع هذ� �لكائن -لزج �جل�سد -على
�لزي!.
وجهه �مللطخ مبالمح �لرجولة! كم يبدو �أحمق يف هذ� ِ
�سحك ظافر ومل يع ّلق ..ف�سمت �أنا �أحاول �لرتكيز ..و�ساعدين ظافر قبل �أن
متاما:
ي�سمت ً
-ر ّكزي على �ملو�سيقى ..وحدها �سرت�سدك.
ع والتوزي
قدمي الأريحهما ً
قليال �نتبهت بعد ..فتحت عيني ب�ساأم ،وقبل �أن �أحاول �لهبوط على ّ
ل�سمت �جلميع مع مناد�ة �ملدرب على فتاة ما:
بقليل من �الإبد�ع...
� -إز�لني� ..أمتعينا ٍ
�أدرت عيني ب�ساأم من روؤية تلك �لنظر�ت �حلاقدة على �أعني �لفتياتَ ..مل
ينظرن �إليها هكذ�؟ و َمل هي هكذ� من �الأ�سا�ص! �أ�سعر باأنها قريبة من �لكمال..
بطريقة ال تو�سف!
قبل �أن �أنغم�ص يف �أفكاري ،الحظت �أنها تقرتب من �لز�وية �لتي متكث بها
�لعازفتان ،هم�ست لو�حدة منهما ب�سيء ما وعادت ملنت�سف �لد�ئرة �لتي ز�د
�تّ�ساعها ،لرت�جع �جلميع مل�ساهدتها ب�سورة �أو�سح� ..أم�سكت �لعازفتان باآلتني
�سكلهما ماألوف بالن�سبة يل ..و�حدة ذ�ت �أوتا ٍر هادئة �ل�سوت و�الأخرى يتم �لنفخ
يف عودها �لرفيع مع �س ّد بع�ص �لفتحات �مل�ستديرة بها� ..أ�سبلت �أهد�بي �أكرث من
م ّرة بتح ّفز ود ّقات قلب �سريعة� ،أحاول تخمني �للحن �لذي �سينطلق بعد ٍ
ثو�ن فقط،
بل �أحاول �لتاأكد منه� ..أ�سعر باأنني �أعرف ما �سيحدث �الآن ..لكن كيف �أ�سعر بهذ�؟!
عيني بده�سة الإز�لني �لتي
وفجاأة �نطلقت مو�سيقى هادئة ،حاملة! جعلتني �أرفع ّ
بد�أت بحركات �لرق�ص �خلفيفة ..ت�ستند على �أ�سابع قدمها �ليمنى بينما ترتاح
قدمها �لي�سرى على �الأر�ص ،مل تكن ترتدي حذ�ء ..هذ� ما ظهر حني رفعت ف�ستانها
بيديها ،كما ظهرت قطعة من �لزينة على قدميها ..خلخال ..لونه ذهبي ،يتدىل
منه قطع �أخرى بطريقة ع�سو�ئية ،فتهت ّز مع حركة قدميها وردفيها ،لت�سدر رني ًنا
خافتًا يليق ب�سوت �ملو�سيقى ..ويليق بها ..ح ّركت ر�أ�سها بتناغم لت�ستقر عيناها
على يدها �ليمنى ،يد�ها تتحركان بتمايل كتمايل �الأفعى ،و�سرت �أنا منده�سة من
حركاتها؛ قلبي يهوي باإيقاع منتظم وهادئ �الآن ..وكاأنه �سكن لري�قب تلك �حل�سناء
ص ع
كما �أر�قبها �أنا!
والتوز عي
ذر�عي من مو�سعهما
ّ ممتا ًز� على �أنغام �الآلتني ..وقبل �أن تنتهي �ملو�سيقى �أنزلت
وبت �أقلد حركاتها ..مغم�سة �لعينني ..وحني فتحتهما فجاأة وجدت ظاف ًر� يقف
�أمامي ..ر�أيت عينيه منده�ستني من ما �أقوم به� ..أعتقد �أنها كانت تلك �لنظرة
�لتي كان يطالع بها �إز�لني باالأم�ص �أمام �ملر�آة ،و�لتي بالطبع كان ير�قبها بها منذ
ثو�ن فقط...
ٍ
يل فو�سعت يدي �ليمنى يف يده و�لي�سرى ما ز�لت تقوم بحركات مد يده �إ ّ
مائعة ..وقبل �أن �أدرك ما يجري �سرت خلفه ،الأر�ه يعرب من بني ج�سد �لفتيات
كالدخان ،ليرتكني و�سط �لد�ئرة بالقرب من �إز�لني� ..نتبه �ملوجودون ّ و�حلار�ص
يل ..فاأغم�ست عيني ور ّكزت على ��ستكمال حركاتي ،بينما �أت�سور �سكلي يف تلك
ثو�ن م ّرت على هذ� �حلال.. �لرق�سة �لثنائية ذ�ت �حلركات �ملتناغمة �ملت�سابهةٍ ..
ال �أرى �أي �سيء غري ما �أ�س ّوره لنف�سي ..حتى �نتهت �ملو�سيقى ..الأجد ت�سفي ًقا حا ًر�
بعيني �إز�لني �ملنده�سة من فعلتي..
من م�سادر كثرية ..فتحت عيني لتتالقى عيني ّ
تكرب ..لكنها حتتويتطالعني بعينيها �لزرقاوين بنظرة �أخطاأت يف فهمها ..ظننتها ّ
على معنى �آخر مل �أعرفه وقتها� ..أدرت عيني بني �جلموع الأرى ت�سفي ًقا من بع�ص
�لعر�ئ�ص من بينهن �إيفي �ملبت�سمة بده�سةً � ،
أي�سا �حل ّر��ص� ،ملدرب ..وظافر!
-ال �أ�س ّدق! ال �أ�ستطيع �إيقاف تلك �لق�سعريرة �لتي �نتابتني!.
قالها �ملدرب بلهجة متاأثرة ،الأالحظ ملعة عينيه بدمعة يتيمة ف ّرت على وجنتيه
�سفتي بغري فهم ،الأجد �أنه �قرتب من
بخيانة ،فر�سمت �بت�سامة �ساحبة على طرف ّ
كلينا� ،أخذ يدي يف يده وو�سعها يف يد �إز�لني ثم �بتعد ناظ ًر� �إلينا ،كنت �أقف �أنا
بهدوء �ألتقط �أنفا�سي ،بينما �أ�سمع �سوت �أنفا�ص �إز�لني �لرقيقة �لتي �أل�سقت ن�سف
ص ع
ظهرها بظهري بعد �أن ق ّربنا �ملدرب..
ع والتوزي
-ما ��سمك؟.
فقلت بهدوءٍ و�ثق:
� -إليونور�.
رفع ك ّفيه م�سمومني �أمام وجهه بامتنانً ،
قائال بنف�ص �لتاأ ّثر �ل�سابق:
� -إز�لني و�إليونور� ..لوحة من �جلمال� ..آية عظيمة وهبة من �لقدر!.
بخ�سوع �سادق:
ٍ رفع ك ّفيه �أكرث ونظر ل�سقف �لغرفة ً
قائال
� -سك ًر� للقدر� ..أ�سكرك على ما منحته لنا!.
�أنزل يديه وو�سعهما يف و�سطه ،بد� �الرتياح عليه حني قال:
كاف حلفل عيد مولد
� -أ�ستطيع �لنوم بر�حة �الآن ..فما �أر�ه �أمامي �أكرث من ٍ
�الأمري!.
-عيد مولد �الأمري؟.
قلتها �أنا و�إز�لني يف نف�ص �لوقت مع �سهقات �لفتيات غري �مل�سدقة ..ليقول
�ملدرب بثقة �كت�سبها م ّنا:
أنت وهي يف هذ� �حلفل بال �سك!.
-نعم! و�سرتق�سني � ِ
زفر بارتياح وم�سح على �سعره �لناعم ثم قال بغبطة:
� -جلميع �ن�سر�ف ..عد� هاتني �جلميلتني!.
قامت �إيفي من مكانها و�أ�سارت �إ ّ
يل باأنها �ستذهب ،فهززت ر�أ�سي ..و�لتفت
الإز�لني الأجدها قد ح�سلت على �أنفا�ص منتظمة هادئة� ،بتعدت عني حني تالقت
ص ع
عيوننا ..و�أ�ساحت بوجهها للجهة �الأخرى حني �قرتب ظافر مني..
والتوز عي
�بت�سمت بغر�بة وت�ساءلت ب�سك:
-ح ًّقا؟.
ه ّز ر�أ�سه وقال ب�سدق وبنربة د�فئة طماأنتني:
كنت �أكرث من ر�ئعة!.
ِ -
كادت وجنتاي �أن تتل ّونا باللون �الأحمر ،تفاجاأت باأن نظر�ته مع ّلقة على �إز�لني
�لتي �ن�سرفت تقف �أمام �ملر�آة ،تعدل من و�سع �سعرها ..فاأدركت �أنه كان يتح ّدث
عنها هي ..ال �أنا!
وقف �ملدرب بفخر �أمامي �أنا و�إز�لني ،وحار�سانا يقفان بالقرب من ذلك �لتج ّمع
�ل�سغري �لذي �سنعناه ..حار�سها هادئ �ملالمح� ،أدركت خبثه من تلك �لنظرة �لتي
ينظر بها �إليها لتقابله هي بال مباالة ،وكان هو حار�ص من �لذين �أ�سمعهم يتحدثون
ببذ�ءة مع بع�سهم �لبع�ص �أثناء مت�سية �لوقت بعيدً � عنها؛ هي �لتي من �ملفرت�ص
�أن تكون يف حمايته..
� -قرتب �حلفل وكنت �أخ�سى من ندرة �ملو�هب يف جمموعتكنّ ..لكن ..ها
هي موهبة فريدة! تبدو�ن كالتو�أمني ..ن�سختني متطابقتي �حلركات دون
�أي تدريب حتى! �أعجزمتا ل�ساين عن �لتعبري ح ًّقا!.
تتغري مالمح �إز�لني ..ومل ِيزل ظافر عينيه عنها قط..
�بت�سمت ..ومل ّ
حت ّدث �ملدرب عن �سرورة �لتقرب من بع�سنا �لبع�ص وم�ساركة �لوقت كي
تزيد �لثقة بيننا ..وقال �أننا موهوبتان بالفطرة ولكن نحتاج لبع�ص مترينات
للحفاظ على �للياقة وزيادتها ..و�سرفنا ..على موعد للغد لبدء تلك �لتمرينات..
فان�سرفت بجانب ظافر �لذي بالكاد رفع عينيه عنها� ..حرتت الأمره ومل يع ّلق هو
ر ش
والتوزي
فتو ّقفت ،قلت �أنا بغر�بة:
ع
-لطابق �لعر�ئ�ص� ..أ�-ألي�ص هذ� هو �الجتاه؟.
هزّت ر�أ�سها بالنفي وقالت بتاأفف:
لك ..نحن نذهب لال�ستحمام بعد مترين �لرق�ص وقبل
-هذ� �أول يوم كامل ِ
�الإفطار...
و�أ�سارت يل على �جلهة �لتي �سن�سري منها ،فاأوماأت وقلت ببالهة:
� -آه ..ح�س ًنا...
�سرنا بالقرب من بع�سنا �لبع�ص بهدوء ..ال تنطق �أي م ّنا باأي �سيء يف �لظاهر،
لكن �أنا كنت يف هذه �للحظة �أحت ّدث لظافر بعقلي� ،ألفت نظره ل�سروده �ملتك ّرر يف
ح�سور تلك �ل�سقر�ء:
ِ -مل مل تنبهني بعدم �لذهاب للدرج �ملوؤدي لطابق �لعر�ئ�ص؟ يف ماذ� كنت
تفكر؟ �أكنت �سارد �لذهن؟.
يجبني ..بالطبع ..فهذه هي فر�سته �لذهبية للبقاء بالقرب ه ّز ر�أ�سه نف ًيا ومل ِ
منها! بد�أ �الأمر ي�ستفزّين ح ًّقا ..ال �أحب فكرة �لغمو�ص �ملتبادل يف �سخ�س ّيته
ربر -وهما ال يعرفان بع�سهما ً
بع�سا� ..أم يعرفان بع�سهما و�سخ�س ّيتها -دون �أي م ّ
بع�سا ً
قبال؟! ً
تو ّقفت �إز�لني حني تب ّدلت �جلدر�ن بال�سخور على �جلانبني ،وهم�ست ب�سيء مل
�أ�سمعه ،الأجد �أنها تتح ّرك بعيدً � وحار�سها قفز يف �ملاء بر�ساقة ..الأكت�سف �أنها نف�ص
بتوج�ص..
دق قلبي ّبركة �ملاء �لعميقة �لتي �سقطت بها حني كنت خادمة دميمةّ ..
لتتبني �أمامي �سورة �سككت يف وجودها.. ورفعت عيني بينما حتركت لالأمام ً
قليال ّ
ص ع
يتح�س�سن ج�سدهن لتنظيفه بتم ّعن ،منهن من تتجاهل �لعر�ئ�ص جميعهن عارياتّ ..
ريص ع
باملاء �لبارد ،و�لذي �سعرت باأنني �أجتمد من برودته �ملفاجئة! و�الأدهى من ذلك،
والتوزي
نظر�ت عيونهم �خلبيثة!
ع
م�سحت �إز�لني على وجهها بخيبة �أمل ..بالطبع كانت تاأمل �أن تبقى وحدها دون
�أن يك�سف خمباأها �ملرئي �أي �أحد ...كما كنت �أمتنى �أنا..
وقبل �أن يقرتب �أي من �حلر�ص �سعرت بظافر خلفي -باملاء -يجذبني من
أي�سا وخباأنا خلف ظهره ..ثم ترك يدينا لت�سبح ذر�عي ،ور�أيته يجذب ذر�ع �إز�لني � ً
يد�ه ح ّرتني ،ر�سم �سي ًئا على �ملاء ،ثم �أخذه بني يديه وقذفه بالهو�ء �أمامه ،ليتك ّون
جم�سد�ن جل�سدينا ج�سد�ن عاريان بال�سبط كج�سدي �أنا و�إز�لني ..ال ..بل هما ّ
نحن! حترك �جل�سد�ن للجهة �الأخرى من �ملاء� ،سعدت ن�سخة �إز�لني من �ملاء
وم ّدت يدها لن�سخة ج�سدي ،فالتقطتها وخرجتا من �ملاء ،لتتبعهما كل �لعيون..
وكاأنهما نحن! ويف نف�ص �للحظة رفع ظافر ذر�عيه لالأعلى وهبط بهما ب�سورة
تدريجية ،لرنى �ستا ًر� �س ّفا ًفا من �ملاء ُيغ ِلق �جلزء �لذي نحن فيه ،لت�سبح خلوة
ب�سيطة ن�ستطيع فيها �الحتماء من �أعني �جلميع..
� -سك ًر� لك...
قالتها �إز�لني بهدوء هام�ص و�سبحت للجهة �لبعيدة حت�سر �أدو�ت �ال�ستحمام..
فه ّز ظافر ر�أ�سه وكاأنه يرد عليها ..و�أنا؟ فاغرة فاهي مبنتهى �لبالهة� ..أ�سرتجع
بعقلي ما فعله ظافر للت ّو ..لقد خدع �حلر�ص و�لعر�ئ�ص� ..أكاد �أرى حار�سني يتبعان
-بعينهما -ن�سختينا �ملتحركتني للدرج! ال �أ�سدق! كم هو بارع يف تلك �خلدع �لغريبة!
قذفني ظافر ببع�ص �ملاء برفق �أ�ستفيق ،وقال م�س ًري� الأدو�ت �ال�ستحمام:
� -أ�سرعي ..لن ينخدعو� ب�سورتيكما ً
طويال.
هززت ر�أ�سي ب�سرعة و�ن�سرفت عن عينيه ..فبالرغم من �أنه ال ينظر جل�سدي
ص ع
فاإنني حمرجة من وجوده ..ر�قبته بطرف عيني ي�سرتخي يف �إحدى �لزو�يا ،يلعب
ر ش
والتوز عي
تنهيدة مرتاحة ..كانت الإز�لني..
�سبحت ببطء وحذر �إىل �إز�لني وهم�ست لها مت�سائلة بغيظ:
-كيف ترين حار�سي؟.
يل بغرور ،ثم �أ�ساحت بب�سرها بعيدً � ،مولية ظهرها يل ،بينما نظرت هي �إ ّ
ّ
تنظف �سعرها �لذي �أ�سبح لونه د�ك ًنا من �أثر �ملاء عليه..
� -أجيبي عن �سوؤ�يل!.
قلتها بنربة غري م�سدقة ملا فعلته �الآن� ..ملغرورة تتجاهلني! فالتفتت بعد �أن
�سمعت نربة �سوتي لتنظر يل وقالت ببطء:
لك...
-ال �ساأن ِ
�سربت �ملاء بيدي بغ�سب فالتفتت يل هي مذعورة وهم�ست بحذر:
-ال ت�سدري �الأ�سو�ت! ال نريد �أن يك�سف مكاننا م ّرة �أخرى بف�سلك!.
م�سحت على وجهي �جلميل بغ�سب وقلت بتما�سك:
� -أنتما ..تثري�ن غ�سبي!.
�سمعت �سحكة ظافر �لهادئة ..فالتفت له وت�ساءلت بنفاد �سرب:
-ما �الأمر ظافر؟ �أخربين!.
حت ّركت �إز�لني بالقرب مني ،و�سعت يف يدي �أدو�ت �ال�ستحمام وقالت بربود:
-من �الأف�سل �أن تبد�أي قبل �أن تاأتي �مل�سرفة� ..ستنادينا لتناول �الإفطار.
ص ع
مل �آخذ منها �الأدو�ت ف�سقطت من يدها لتطفو على �ملاء ،و�لذي الحظت �أنه
والتوزي ر
من �سائل �ال�ستحمام على يدي وبد�أت يف �الندماج ،مركزة تفكريي على نظافتي
ع
�ل�سخ�سية موؤقتًا ،متجاهلة فكرة نظر ظافر و�إز�لني على ج�سدي� ،أو نظرهما
لبع�سهما �لبع�ص ..ال �أعلم ح ًّقا ..وموؤقتًا �سغلت بايل باملا�سطة حني فح�ست
نظافتي ،وق ّررت �أن ال �أتنازل عن كوين فتاة نظيفة ،فبالطبع هذ� يكون �سمن
�مل�ستوى �لذي حت ّدثت عنه �إيفي..
عيني بعد �أن �سعدت من حتت �ملاء �لذي �أعجبتني حر�رته، م ّر وقت؛ فتحت ّ
و�سعدت بحذر الألف ج�سدي مبن�سفة ..وتفاجاأت من ما ر�أيت ..فكان ظافر يجل�ص
م�سرتخ ًيا يف �ملاء ،و�إز�لني جال�سة و�ساقاها يتحركان بالقرب من ر�أ�سه يف �ملاء،
ج�سدها ملفوف مبن�سفة ورد ّية ،تنظر له ب ِود ..كما يبادلها هو نظر�تها ..باأخرى..
غري مرئ ّية لعيني ب�سبب غطاء ر�أ�سه �للعني!
-هل يل بتف�سري؟.
قلتها و�أنا �ألف من�سفة �أخرى على ر�أ�سي ،بينما �أقرتب منهما بغيظ ،فنظر� �إ ّ
يل
با�ستفهام ،الأقول �أنا بنفاد �سرب:
� -أنتما عا�سقان �ألي�ص كذلك؟ نظر�تكما فا�سحة الأبعد حد!.
و�أ�سفت بلهجة تهديد:
� -إن مل تخرب�ين مبا �أرى �ساأف�سحكما �أمام �مل�سرفة!.
زفرت �إز�لني بقلق ونظرت لظافر وقالت ب�سعف:
� -إىل متى �سيظ ّل �الأمر �س ًر�؟.
و�أ�سافت بلهجة �أ�سبه باال�ستجد�ء:
ص ع
-لقد �سئمت بُعدَ ك ظافر!.
)(12
ع
وكنت �أظ ّنه ال ي�ستم ببذ�ءة ،لكن ذلك �للفظ �لذي خرج من بني �سفتيه يف حلظة
ر ش
والتوز عي
من �أنا ..هل كنت خلوقة؟ �أم فاجرة؟
رنّ �سوت �لعرو�ص ذ�ت �لعينني �لرماديتني �لكحيلتني�« :ل ُعهر ال ُين�سى!»
�أفقت من �سرودي على �سوت ظافر وهو يقول مقتح ًما جميع خاليا عقلي
ب�سوته �لعميق:
� -إز�لني لن تكون لالأمري ما حييت...
تن ّهدت وقبل �أن ي�ستطرد الحظت �بت�سامة �إز�لني �حلنونة و�ملفاجئة يل..
-الأنها �أختي.
حاجبي ليالم�سا خ�سلة �سعري �ملت�سللة من �ملن�سفة� ..سرب قلبي
ّ قالها الأرفع
�سدري بعنف و�سهقت بده�سة عظمى:
-ماذ� قلت؟.
ه ّز كتفيه وقال ب�سرود:
�سمعت ..فال د�عي للتكر�ر.
ِ أنك
-متاأكد من � ِ
تن ّهد بحر�رة و�أ�ساف:
-وال نريد الأي �أحد �أن يعرف...
بتوعد:
�أ�سارت �إز�لني يل وقالت ّ
أف�سيت �ل�س ّر ف�ساأقتلك!.
� -إن � ِ
ا�سا بكلمتها فقلت �أنا ب�سعوبة:
ح�س ً
مل�ست وت ًر� ّ
ص ع
-جمددً�؟.
ع
تخرب �أحدً �...
يل ً
قائال بغمو�ص: رفع غطاء ر�أ�سه ً
قليال الأتبني عينيه �ملهددتني و�سوبهما �إ ّ
� -ألي�ص كذلك؟.
بتوج�ص:
غ�سة يف حلقي �أثر نظرته �لرماد ّية �لعا�سفة تلك ..وقلت ُّ �بتلعت ّ
� -أجل ..كا ّأين مل �أ�سمع �سي ًئا � ً
أ�سال!.
�أعاد غطاء �لر�أ�ص كما كان ،وخرج من �ملاء ،ورفع ك ّفيه �أعلى ر�أ�سه بقليل
لتجف مالب�سه كما كانت ..وبك�سفه و�أم�سك بالال�سيء ،وم ّرره على ما يرتديّ ،
لقدرته يف �لتح ّكم يف عن�سر �آخر من عنا�سر �لطبيعة �أفقت من �سرودي على �سوت
�إز�لني �لذي بد� حنو ًنا م ّرة �أخرى:
-ميكنني فعل هذ� �الآن�� ..ستقت له جدً �.
�قرتبت من ظافر و�حت�سنته بعفو ّية لتت�سع عيناي رغ ًما عني لتتكون �أمامي
�سورة عاطفية للغاية ..خفق قلبي وت�ساءلت بطيبة:
-هل هو �سقيقك ح ًّقا؟.
ّ
وتدخل عقلي �ملعتاد على تلك �لكذبة فا�ستطرد:
� -أم هو جمرد �سبب لتفعال ما تريد�ن؟.
ر ّبت ظافر على ظهرها فلم �أمتالك نف�سي من �البت�سام بغر�بة ..مل �أتوقع منه
�أن يلعب دور �الأخ بينما هو بب�ساطة ..ظافر! �لغام�ص قليل �لكالم� ،لذي ال ي�سحك
�إال لي�سخر من �ملو�قف من حوله ..وال يبت�سم �إال لنف�سه ..هل يبت�سم �الآن يا ترى؟
وقت م�سى ..لدي �سئمت من غطاء �لر�أ�ص هذ�� ..أريد روؤيته �الآن �أكرث من �أي ٍ
ر ش
والتوز عي
�بت�سمت �إز�لني و�أ�سارت �إىل عقلها قائلة:
-عزيزتي ال تتعبي نف�سك بالتفكري!.
-عزيزتك؟.
قلتها با�ستنكار ور�قبتها تبتعد عن �سدره مبت�سمة ..و�سرعان ما خفتت
�بت�سامتها حني �سمعت �سوت جليند� �ملم ّيز:
-وقت �لطعا���م!.
�بتعدت عن ظافر وعادت متح ّفظة كما كانت ،و�أ�سارت يل على مكان �لنطاق
�ل�س ّفاف �لذي �أحاطنا ظافر به ،الأجده قد بد�أ بالتال�سي ..ففهمت ق�سدها ..يجب
علينا �الإ�سر�ع لنكون �أول �ملوجود�ت بالطابق.
T
�أخرجت �إز�لني �سندو ًقا خ�سب ًيا كب ًري� من حتت فر��سها� ،أر�ها من على بعد..
ً
مماثال ،و�آخر حتت �سرير �إيفي؛ فنظرت �أنا �الأخرى حتت فر��سي الأجد �سندو ًقا
خا�سا بها� .أخرجت �ل�سندوق وفتحته الأجد �لعديد يبدو �أن لكل عرو�ص �سندو ًقا ً
من �ملالب�ص �جلديدة و�أدو�ت �لتجميل ،مر�آة �أنيقة كذلك� ..بت�سمت وقمت بتبديل
مالب�سي ب�سرعة مغلقة �ستار �لفر��ص من حويل ،كي يبقى ج�سدي �س ًّر� لن يكت�سفه
�سخ�ص و�ح ٌد فقط ..و�أمتنى من كل قلبي �أن يكون �الأمري..
ٌ �إال
و�سعت �خلادمات طعام �الإفطار باأدب على �ملائدة �مل�ستديرة بو�سط �لغرفة،
ع
لتاأخذ كل و�حدة فطورها لل�سرير� ،أو تاأخذ و�سادة تفرت�ص بها �الأر�ص جال�سة ..كل
ر ش
والتوزي
من جتل�ص بجانبي ..فقلت بلهجة عاد ّية:
ع
� -أحتاج لتم�سية �لكثري من �لوقت مع �إز�لني ..حلفل �الأمري كما تعلمني!.
خرجت منها �سحكة حمرجة وهم�ست يف �أذين:
� -إنها مغرورة!.
مل تكن �للهجة هام�سة كما ينبغي ،فو�سل �سوتها مل�سامع �إز�لني �لتي �بت�سمت
أيت؟»
بغرور فجحظت عينا �إيفي وكاأنها تقول يل�« :أر� ِ
جذبتها من ذر�عها لتجل�ص بجانبي ،ففعلت مرغمة ،نظرت الإز�لني بينما
و�سعت قطعة من �خلبز يف فمي الأجدها مطرقة �لر�أ�ص بفزع ،وظافر ناظ ٌر �إليها..
فهم�ست له بعقلي:
-هل تتح ّدث معها �الآن؟ ِمل هي مفزوعة هكذ�؟.
رفع ظافر عينه عنها ونه�ص ً
قائال:
-هناك حالة طارئة ..ومن �ملتو ّقع �أن حتدث جلبة ..لذ� متا�سكي.
و��ستطرد:
-هذ� ما كنت �أقول...
ويف نف�ص �للحظة ح�سرت �مل�سرفة جليند� رغم �ن�سر�فها منذ قليل مع
عال كاد �أن ي�سم �أذين:
ب�سوت ٍ
ٍ �خلادمات ،تنحنحت وقالت
-هناك ما ي�ستدعي �نتباهكنّ يا جميالت.
وقفت �لعر�ئ�ص بتاأفف و��سح ،لك ّنه �سرعان ما حتول رد فعلهنّ للغر�بة و�لت�ساوؤل
حني ظهر ج�سد�ن متناق�سان من نف�ص �جلن�ص؛ رجالن� .الأول بهيئة عظيمة من
ص ع
�لوقار و�لهيبة ،يغزو �للون �الأبي�ص �سعره وحليته �لطويلة كما هو لون جلبابه �لذي
ر ش
والتوز عي
ووجه �سبه مر ّبع ز ّينه �سعره �لكثيف �الأ�سقر �ملمتزج ببع�ص
خميف ،مبالمح جامدة ٍ
�ل�سعر�ت �لف�س ّية .ر�أيته يتنحنح فاقرتبت منه جليند� باأدب وتقدير ،ليهم�ص هو يف
�أذنها ب�سيء ما ..فهزّت ر�أ�سها برتحيب ،ثم قالت:
-نريدكنّ يف �س ّفني.
تركت كل عرو�ص م ّنا ما بيدها وم�سحت يدها ،وب�سرعة ك ّنا يف �س ّفني متقابلني،
بتوج�ص وقلق ،عربت جليند� بني �ل�س ّفني كل عرو�ص م ّنا تنظر للعرو�ص �ملقابلة لها ّ
أتبني �أي �سيء من ما ترنو �إليه ،فتن ّف�ست بهدوء
وهي تنظر يف وجوهنا بغمو�ص ،مل � ّ
ومتالكت �أع�سابي �لتي �تّ�سح �أنها لي�ست كق ّوة مالحظتي ،ر�أيت �لرجل �لعجوز
بخطو�ت متّزنة خلف جليند� ،وتبعه �لرجل �الآخر ،حتى توقفت جليند� ٍ يتح ّرك
�أمام فتاة ما ..ومبج ّرد �أن وقفت �أمامها ونظرت يف عينيها �أدركت �أنا ما يحدث
من حويل.
�أ�ساحت �لعرو�ص بعينها بعيدً � ،وبالرغم من �أن عينيها يغطيهما �سعرها �الأ�سود
بخ�سالته �-لفاحمة �لطويلة -بدت مرتبكة للغاية ،وهذ� ما حاولت �إخفاءه حني
نطقت جليند� با�سمها بغمو�ص ،فر ّدت عليها برب�ءة م�سطنعة:
خطب ما �سيدة جليند�؟.
-هل هناك ٌ
�أح�س�ست بظافر قد �أتى ليقف خلفي ،كما فعل كل �حلر��ص مع باقي �لعر�ئ�ص
حني رفع �لعجوز ع�ساه �خل�سبية �لعتيقة �-لتي ي�ستند عليها -لالأعلى ..مل �ألتفت
لظافر ،بل �أمعنت �لنظر يف �حلر�ص �أمامي ،خا�سعني ،مطاأطئي ب�سرهم لالأ�سفل
ّ
أ�ست�سف �أنا �أن ذلك �لرجل ذو �ساأن عظيم يف هدوء ،يبدو �الرتباك على معظمهم ،ال
بالن�سبة لهم.
�نتبهت و�أفقت من �سرودي حني �سهقت ع ّدة فتيات بت ّوج�ص ،وقالت �إحد�هنّ
ع
بريبة:
والتوزي ر
�سرختها حني ر�أت ظاف ًر� ..بالطبع �أخافها بهيئته �لعظيمة و�لتفافه بال�سو�د عك�ص
ع
باقي �حلر�ص ،وقبل �أن تعم �جللبة من �أي عرو�ص �أخرى ،طرق �لعجوز ذو �لهيبة
أر�سا لت�سمت كل �الأ�سو�ت ،حتى �إنني حاولت �حلديث فوجدت �أن �سوتي بع�ساه � ً
متاما ..رفعت حاجبي بده�سة حني �لتفت �لرجل يل وه ّز ر�أ�سه ،وقبل �أن قد �ختفى ً
قليال وهذ� ما عرفته من مالم�سة غطاء ر�أ�سه �أفعل �أي �سيء وجدت ظاف ًر� ينحني ً
لر�أ�سي و�أتى �سوته �لعميق خافتًا يقول باأدب:
� -س ّيدي...
�بت�سم �لرجل لكن �سرعان ما �ختفت �بت�سامته ليقرتب من جليند� �لتي تقف
�أمام تلك �لعرو�ص �لتي كادت �أن توؤ ّرق ليلتي باالأم�ص هي وحار�سها لوال ت�س ّرف
ظافر ..هم�ص �ل�ساحر ب�سيء ما يف �أذن �لرجل �الأربعيني ،فه ّز ر�أ�سه بعد �أن �أخذ
�الأو�مر ،وعرب بني �لعر�ئ�ص بحذر ليم�سك بحار�ص �لفتاة بق ّوة جعلت �حلار�ص
ً
معرت�سا ،فالتفت �أنا لظافر بذعر الأجده يهز ر�أ�سه نف ًيا وكاأنه يرف�ص �أن ي�سرخ
يخربين باأي �سيء ،فعدت الأتابع �ملوقف ،جذبت جليند� �لعرو�ص لتقف بجانب
حار�سها �أمام �لعجوز وقالت بق�سوة:
موقف ُم�سني.
-لقد و�ست بكما �إحدى �لعر�ئ�ص ،ر�أتكما يف ٍ
حاولت �لعرو�ص �لتح ّدث فخرجت منها كلماتها بعيدة بع�سها عن بع�ص ،وظهر
�الختناق عليها حني حاولت �ل�سر�خ ..فاقرتب منها حار�سها مبعدً � عنه قب�ستي
�لرجل �الأربعيني �لقوي وقال مد�ف ًعا عنها:
�سحيحا! لي�ص هذ� �لكالم �إال جمرد ح�سد وبغ�ص من زميالتها!.
ً -لي�ص
دمعت عني �لعرو�ص وهزّت ر�أ�سها بق ّوة لينتف�ص �سعرها عن عينيها ،لينك�سف
�بتاللهما للعيان..
ريص ع
� -لو��سية ال م�سلحة لها يف �لكذب ،فاختيار�ت �الأمري تخ�ص �الأمري فقط ،ال
�لغريبة كالتي يقولها ظافر ،لي�سرخ �حلار�ص بق ّوة وغيظ ،لكن �سرعان ما خفتت
�سرخته �ملغتاظة لت�سكن تدريج ًّيا بوهن ،حتى �إنه �سقط على ركبتيه غري �لقادرتني
على حمله �أكرث من هذ� ..وقبل �أن �أدرك ما حدث �سدح �سوت �لرجل �لقوي ليه ّز
�لطابق كله بقوله:
-مت �إق�ساء هذ� �حلار�ص من خدمة �لعرو�ص �ملذنبة ..و�سيحال للتاأديب.
تنحنحت جليند� و�قرتبت منهم بحذر ،وقالت هي بدورها ،وبدت مرتبكة ً
قليال:
-ومت �إق�ساء �لعرو�ص �ملذنبة من من�سبها ..لتعمل وف ًقا الأو�مر �الأمري بعد
ص ع
تل ّقيها ن�سي ًبا من �لتاأديب.
ع والتوزي
تق ّدمتهم جليند� لتف�سح �لطريق ،وتب ّقى �لعجوز ..ل ّوح بع�ساه لتعود �أ�سو�تنا م ّرة
�أخرى ..فهذ� �لرجل هو �ساحر� ..ساحر كهل وكبري كفاية ليعرف متى ي�ستخدم
�سحره!
-باحلكمة و�لذكاء تاأتي �ل�سلطة ..ال بالف�سق!.
قالها �لعجوز متمال ًكا �أع�سابه ،و�أوىل ظهره لنا لتظهر ع�ساه �لتي مي�سكها
بكلتا يديه خلف ظهره ،وقال قبل �أن ي�سل للدرج:
-ر�قبو� �أنف�سكم� ..أفكاركم فقط هي �لتي �ستظ ّل حمجوبة؛ فهي لكم...
�سهقت ع ّدة فتيات وجل�سن � ً
أر�سا بوهن ..وجل�ست �أنا بذهول من ما ر�أيت ..لقد
عرو�سا من بيننا بتلك �ل�سهولة!
�سلبو� ق ّوة �حلار�ص ..و�أخذو� ً
�أفقت على �سوت �أنني ،الأجد فتاة كفها قريب جدًّ� من وجهي ،وما ي�س ّده �سيء
من �سفعي �إال قب�سة يد ظافر �لقو ّية على مع�سمها ،و�سوته يقول بهدوء ما قبل
�لعا�سفة:
-تر�جعي فو ًر�!.
م ّد يده يل الأ�سع يدي بها ،فخباأين خلف ظهره وقال ب�سر��سة لتلك �لثائرة
غ�س ًبا:
�سحيحا يا �ساحبة �لهو�ج�ص!.
ً -ما تفكرين به �الآن لي�ص
رفعت عيني الأرى من يحدثها ظافر بتلك �ل�سر��سة ،الأجد �أنها �لفتاة ذ�ت
�لعينني �لرماد ّيتني بر�سمة �لكحل �لغريبة� .أ�سدرت زجمرة غا�سبة قائل ًة:
ع
� -بتعد عني! هي �لو��سية! هي من و�ست بها!.
والتوزي
قائلة بحزم:
نظرت جليند� لوجهي �ملرتعب �لذي �أ�سارت عليه �ساحبة مقولة «�ل ُعهر ال
ُين�سى» فقالت بغري ت�سديق:
� -أتتهمني �إليونور�؟ تلك �مل�ستج ّدة �لرقيقة؟ ال بالطبع لي�ست هي!.
�سعرت بيد ظافر تر ّبت على ظهري فا�ستقمت وقلت متح ّدثة جلليند�:
كنت
-تلك �لعرو�ص �ملجنونة �ستحاول �إيذ�ئي! �أخربيها من �لو��سية �إن ِ
تعلمني!.
ؤذيك �أحد!.
-لن يو ِ
ر ش
والتوز عي
بل هي من �أو�ئل �لعر�ئ�ص بالطابق.
�ختفت �بت�سامة فتاة ما ..وكانت �البت�سامة �خلبيثة ،لتقول جليند� بعد �سمت
�جلميع:
-لن �أ�سي بها ..لكن بالطبع لي�ست �إليونور�!.
يل فتن ّهدت و�بت�سمت لها بامتنان ،وما ز�د هذ� �لكالم �لفتاةقالتها م�سرية �إ ّ
�لغا�سبة � ّإال جنو ًنا ،لتقفز �أمام جليند� مت�سكها من تالبيبها قائلة:
-قويل يل من هي!.
عم �ل�سمت حلظة ،وترددت جليند� من تعبري�ت وجه �لفتاة �لغا�سبة وقالت
ّ
برتدد:
-لقد طلبت حمايتي لذ� لي�ص بيدي �سيء!.
وقبل �أن تثور �لعرو�ص جمددًّ� �أتى �سوتٌ ما ماألوف بالن�سبة يل ،قائلة بلهجة
ثائرة:
� -لرخي�سات م�سريهنّ �الإق�ساء� ،لتاأديب و�لتعذيب و� ً
أي�سا �لدفن �أحياء
حتى يتو ّقف قلبهنّ رع ًبا!.
�لتفتت جميع �لعيون �إىل �لفتاة �ملتح ّدثة ،الأجد �أنها نف�ص �لفتاة �لتي كانت
تتناق�ص بحدة باالأم�ص ..كيف مل ت�سك بها!
معك بالبارحة مل ياأت بنتيجة!.
أنت جم ّددً�؟ و��سح �أن كالمي ِ
ِ �-
تق ّدمت �لفتاة �لثائرة �أمام جليند� و�أ�سارت على �لفتاة ذ�ت �لعيون �لرمادية
وقالت:
ع والتوزي
ب�سوت مرتع�ص:
ٍ لبع�ص بخوف ،ف�ساحت فيها �الأخرى
نظرت �لفتيات بع�سهن ٍ
أنت تهينني عر�ئ�ص �الأمري! و ..وت�ستحقني �لعقاب!.
-كيف جتروؤين! � ِ
تن ّهدت جليند� وقالت بنفاد �سرب:
-بل �أنا �لتي ت�ستحق كل هذ�� ..أنا من � ّأ�سررت على �أن �أكون م�سرفة عليكنّ ..
كم هذ� متعب!.
�لتفت لها برت ُّقب ف�سمتت تفكر ..بالطبع ما حدث منذ قليل لي�ص ً
�سهال ..لقد
فلم ال نك�سف باقي �مل�سائب دفعة
�أم�سكو� بفتاة و�حدة و�أق�سوها مع حار�سهاَ ،
و�حدة؟ تن ّهدت وقالت بهدوء:
-قفن بنظام �أرجوكن� ..ساآتي باحلكيمة ونبد�أ بالفح�ص...
ونظرت للفتاتني يف عينهما وقالت باأ�سف:
-قفي �أنت وهي يف �أول �ل�سف ..وحتمال �مل�سوؤولية.
خرجت جليند� لت�سهق ع ّدة فتيات يف ذعر ،بكني و�نتحنب بح�سرة؛ �سينتهي
�أمرهنّ قري ًبا! و�لفتاة ذ�ت �لعيون �لرمادية ��سو ّد وجهها و�سقطت يف مكانها ،د�ر
�حلر�ص �ملذنبون يف كل مكان ،فاقرتبت من ظافر� ،أم�سكت بذر�عه وقلت بقلق:
َ -مل هن خائفات هكذ�؟.
و�سرخت بذعر:
-هل هذ� طبيعي؟.
نظر هو حوله بغر�بة وقال ب�سرود:
ع
فتوجهت خليالتها ي�ساعدنها على �لوقوف
�ل�سعف ،من �لالتي يقفن على �لي�سارّ ،
ومترير �لهو�ء �إليها ،حتى حار�سها �أ�سود �لوجه حاول م�ساعدتها ..لكن ..دون
ليف�سر يل ظافر
جدوى ..و�سمعت من �حلكيمة �أثناء ك�سفها عليها �أنها «�نتهت»ّ ..
مبنتهى �لهدوء كي ال يفزعني:
-تو ّقف قلبها ..هي �الآن جم ّرد ج�سد فارغ� ،ستذوب �أع�ساوؤه �لد�خلية قري ًبا
بعد �أن ّ
تتبخر دماوؤه...
�سهقت بفزع وتابع هو ما يقول كي ال يتحدث يف هذ� �ملو�سوع م ّرة �أخرى:
-من يتو ّقف قلبها ت�سبح من عر�ئ�ص �لربج �لعايل� ..ملوجود بالقلعة...
الحظت �ملر�رة يف نربته وهو ي�ستطرد:
-يوجد �لعديد من �لفتيات و�ل�س ّيد�ت هناك ..وتختلف حالة كل و�حدة
حظا ..فلقد مت نفيهن من �حلياة ولفظهم �ملوت ..ليبقو�منهنّ ..وهنّ �الأقل ًّ
هكذ� ..كالتماثيل �ل�س ّماء.
تخ ّيلت ما يقول عليه ..فتذ ّكرت غرفة �حلياكة ذ�ت �لتماثيل متقنة �ل�سنع
�-لتي ال روؤو�ص لها -حني قابلت �ملا�سطة �أول مرة ..وال �إر�د ًيا ��ستبدلهم عقلي
بتماثيل ذ�ت روؤو�ص فتيات ..عر�ئ�ص �أعرفهم ،كتلك �لعرو�ص �لتي تو ّقف قلبها للت ّو..
ّ
ودق قلبي بق ّوة حني ��سرتجعت نربة ظافر حني قال:
-عر�ئ�ص �لربج �لعايل.
وتوجهت لل�سرفة ،فتحتها على م�سر�عيها�ل�سف ب�سرعة ّ ّ فتح ّركت خارج
تبني يل �سيء ما من بعيد..
ونظرت لالأعلى ،الأق�سى �ليمني و�أق�سى �لي�سار حتى ّ
ع
برج عظيم ،كال�سهم �مل�سري لل�سماء �لد�كنة ذ�ت �لقمر �ملتغطر�ص ..فف ّرت دمعة
ك
�لدق بعنف،
ر ش
والتوز عي
�� -سمد معي �أرجوك؛ لكن دون �أن تخيفني بد ّقاتك!.
وحني �لتفت وجدت ظاف ًر� يهم�ص يل ب�سفقة:
-حان دورك...
هززت ر�أ�سي برتدد وحتركت ببطء نحو �حلكيمة �لتي ��ستقبلتني بنظرة
متفح�سة ملالحمي ،حاولت �أنا �أن �أكون هادئة قدر �مل�ستطاع ،لكن �جل ّو �لعام
ّ
كان مري ًبا ..ت�سببت عر ًقا بفعل �لتوتّر �لذي غز� ج�سدي مبنتهى �لوح�سية ،وحني
�قرتبت مني م�ساعد�ت �حلكيمة ليخففن مالب�سي ومي�سكن بي �سرت ق�سعريرة يف
ج�سدي ..فاأغم�ست عيني ..و�أنا �أحاول �سرف ذهني عن �أي �سيء �سيئ ميكن �أن
أنفا�سا مرتعدة غري منتظمة ..وقلت يف عقلي:
يحدث ..تن ّهدت و�سهقت � ً
أنت
-كوين �سجاعة ..من �أجل �إيفي �ل�سغرية ..ومن �أجل باقي �لعفيفاتِ � ..
منهم فال د�عي للقلق...
ويف حلظة �سمعت �سوت ظافر يغزو تفكريي ،ليقول ب�سوته �لعميق:
� -أتعرفني معنى ��سمك؟.
�سمت م�سدوهة من ما قال ..هل ح ًّقا ي�ساألني يف تلك �للحظة بالذ�ت؟ �أمل ير
وقتًا �أن�سب من هذ�؟ لكن �سوؤ�له ذ ّكرين مبا قالته �إيفي ب�سوتها �لناعم:
� -إليونور� ...معناه �ل�سوء �جلميل و�لد�فئ.
لي�سيف هو ب�سوته �لذي تخلل كل خاليا ج�سدي بعذوبته:
-معناه �سوء �ل�سم�ص...
ع
هد�أت �أنفا�سي وقد �قتحمت عقلي �سورة �ل�سم�ص وقت �ل�سروق ،وهي تفرد
ر ش
والتوزي
لهذ� �ملنظر ..كيف تذ ّكرته يا ترى؟
ع
قدمي �حلافيتني يف �لرمال �لناعمة لتغو�ص
ر�أيت نف�سي يف هذ� �مل�سهد� ،أغر�ص ّ
مبنتهى �حلنان و�لدفء ..و�سمعت �سوت بع�ص �لع�سافري تزقزق ..كما �سمعت
�سوت مو�سيقى ..وقتها تد�خل �سوت ظافر مع �لذكرى ليقول:
بك ح ًّقا.
-هذ� ما �أتى ببايل حني ر�أيت جمالك الأول م ّرة ..فهذ� �ال�سم يليق ِ
فتحت عيني بغري فهم ،الأقابل نظرة ظافر �ملطمئنة ،وقد �أز�ل غطاء ر�أ�سه
قليال ليك�سف عينيه �لتي بد� لونهما د�ف ًئا للغاية بطريقة غريبة ..فهم�ست بد�خلي
ً
بغري فهم:
-حني ر�أيت جمايل؟!.
ملحته يومئ بهدوء وقال و�سوته يدور يف ر�أ�سي لي�سبب يل خد ًر� مم ّيزً �:
-كنت �أنتظرك� ..أنتظر تلك �لفتاة �ال�ستثنائ ّية �لتي تختلف عن �لباقيات..
أر�ك.
حار�سا من قبل �أن � ِ
لك ً ف ُوهبت ِ
تن ّهدت بر�حة وقد �سرت بج�سدي �أثر كلماته �ملهدئة لالأع�ساب ..حتى �سمعت
�سوت �حلكيمة تقول:
أنت بريئة يا �بنتي ،ميكنك �لنهو�ص �الآن.
ِ �-
ذر�عي وت�ساعد�ين على �رتد�ء مالب�سي ،وقتها تع ّلق
ّ قالتها لتجذبني فتاتان من
ب�سري بظافر وهم�ست له بغري فهم:
� -أنت من ذ ّكرين بالبحر ..وم�سهد �سروق �ل�سم�ص؟.
ُخ ّيل يل �أنني ر�أيت �إمياءته ..فابت�سمت وهم�ست بامتنان حقيقي:
ر ش
والتوز عي
ق�سة «�لرق�سة �الأخرية»،
رفيقتي وح ّر��سنا� ،لفتاة ذ�ت ّ
ّ لينتهي �الأمر بوجودي مع
و�الأخرى �لثائرة للع ّفة �لتي تعذبنا ب�سبب �ندفاعها �الأهوج ،باالإ�سافة لعدد قليل من
�لفتيات �الأخريات ..فقط!
T
مل ناأخذ در�ص �لفرو�سية كما مل نكمل �إفطارنا ،بل �رتدينا مالب�ص ثقيلة
لن�ساهد ما يحدث باالأ�سفل كما �أخربتنا جليند�.
�رتديت �لعديد من �ملالب�ص بع�سها فوق بع�ص وختمت مظهري بعباءة �سود�ء
كبرية وثقيلة ،ت�سبه ما يرتدي ظافر ..متمت على مظهري كما فعلت �لعر�ئ�ص
�ملتبقيات بهدوء ..ووقفت خارج �لقلعة؛ �لهو�ء ي�سرب وجهي بعنف فرفعت غطاء
�لر�أ�ص �الأ�سود �إ ّ
يل ونظرت لظافر قائلة ب�سيق:
-كيف ت�سيطر على ما ترتدي و�سط هذه �لرياح �لهوجاء؟ �أال ت�ساأم من �سبط
هيئة ما ترتدي كل ثانية �أو �ثنتني؟.
ب�سكل ملحوظ،
علي لتكف عن �لرفرفة ٍ �سحك بهدوء و�أحكم �إغالق عباءتي ّ
بفعل من �أفعاله �لغام�سة ،فتن ّهدت و�أم�سكت بيد �إيفي �لباردة
الأدرك �أنه قد �سحرها ٍ
للغاية ..فاحت�سنتها الأم ّدها بالدفء والأ�ستمد منها �لقليل من �أفكارها �لربيئة،
لتبدل هو�ج�سي ولتهدئ �لطنني بعقلي ،وفجاأة �سمعت �سوت بوق عال ًيا ،فانتبهت
رجال ينفخ يف �لبوق ثم يب�سط ر�سالة يف يده ،يقر�أ منها قر�ر �الأمري �لذي الأجد ً
غ�سة يف حلقي حني جاء �لتاأكيد على تعذيب كل �لعر�ئ�ص �تخذ �سري ًعا� ..بتلعت ّ
�ملذنبات وح ّر��سهنّ ..فنظرت حويل �أتفقد كل جزء من �ملكان �لذي نقف به..
فنحن نقف بحديقة �لقلعة ،لكن هي �أ�سبه بغابة ..خميفة بظلمتها �لتي ال ينريها
ريص ع
ري يف �ل�سماء وم�سابيح يدو ّية باالأر�ص� ،لقلعة �سود�ء �إال طاوو�ص م�ستدير م�ستن ٌ
والتوزي
لي�سهدو� هذ� �لقر�ر� ،ملا�سطة� ،مل�سرفة جليند� ،كبرية �لطهاة ميلد� و�حلكيمة
ع
أي�سا تقف �خلادمات �لقويً � ،
كذلك ،وعلى ر�أ�سهم كبري �حلر�ص �لعجوز وم�ساعده ّ
�سف �آخر،
�سف و�حد بز ّيهن ذي �للونني ،ويقف �خلدم ذو �ملالب�ص �لباهتة يف ٍ يف ٍ
ي�سهدون �حلدث ليعتربو� رغم �أن �خلدم ال يلقون �خلادمات �إال ناد ًر� ،لكن �إن و�سل
�أحدهم ملكانة �أعلى ذ�ت يوم يجب �أن تكون تلك �لذكرى ر��سخة بعقله ..ذكرى روؤية
�لعر�ئ�ص و�حل ّر��ص �ل�سابقني ،مع ّلقني من �أيديهم و�أج�سادهم تذهب وتاأتي كورقة
مهب �لريح� ،سيبقون هكذ� لليوم �لتايل ،بوجوههم ّ
�ملغطاة ،فاإما �أن تاأكلهم يف ّ
�لوحو�ص �ملفرت�سة ً
ليال ،و�إما �أن يفتك بهم �لربد� ،أو يتو ّقف قلبهم �أثناء تخ ّيل �أي
�سيء من ما �سوف يحدث يف ما بعد..
�سمعت �أن من ينجو منهم من �حلر�ص �ل�سابقني �سوف يعمل مبدبغة �جللود..
و�أن من �ستنجو من �لعر�ئ�ص �ل�سابقات �ستعمل يف تنظيف �حلظائر �لقذرة ،مع
كنيتهم �جلديدة ..كونهم عبيدً � ...ال يحق لهم تناول �لطعام �إال يف �أوقات قليلة
حني يتب ّقى �أي ف�سالت من �خلدم ،ال ر�حة لهم ،يفعلون �أي �سيء ُيطلب منهم..
حتى ولو كان بال نفع ومق ّر ًر� فقط الإنهاكهم عقل ًيا وج�سد ًّيا� ..سمعت �سوت فتاة
ت�سيح با�ستجد�ء ،لكن كبري �حلر�ص �أخر�ص �سوتها ..و�تّ�سعت عيناي حني �قرتب
حامال ً
�سوطا �أ�سود �سديد �لهيئة ،جلد ك ٌل منهم على ج�سده رج ٌل قوي �لهيئة منهمً ،
ع ّدة جلد�ت ،فاهتزّت �أج�سادهم �أملًا بدون �أي �سوت من �أفو�ههمّ ..
فدق قلبي
بعنف ،و�سهقت �لهو�ء ب�سعوبة ومعدتي توؤملني من مظهرهم �لبائ�ص يف مالب�سهم
�ملهرتئة �لذي يزيده �لظالم بو ًؤ�سا ..وقلت لظافر با�ستجد�ء:
حا�ستي �ل�سمع و�لب�سر حتى ينتهي �الأمر ..لن �أ�ستطيع �الحتمال
�� -سلب مني ّ
�أكرث!.
ع
�تّ�سعت عيناي بذعر الأثر كلماته بينما ي�ساعدين هو على �لنهو�ص ،ورددت بغري
ر
Tوالتوزي
ع
)(13
بعد مرور �لوقت �لذي بد� من �أكرث �الأوقات �سعوبة علينا جمي ًعا ،جل�سنا
ص ع
�سامتني حول �ملن�سدة �الأر�سية ،نظرت حويل �أحاول تذ ّكر �أي وجه ماألوف يل بعد
ص ع
عند �لدرج ،ولي�ست �أي عرو�ص ..بل هي �لعرو�ص �الآتية من غرفة �الأمري!
ع والتوزي
َ -مل هناك �لقليل من �لفتيات؟ �أين ذهبت �لباقيات؟ و َمل هوؤالء �لرجال هنا!.
كدت �أن �أجيبها باأ�سف �إال �أنها �سرخت بفزع ،فعدت خطوة للخلف من �سوتها
وت�ساءلت بغر�بة:
بك؟.
-ما ِ
فاأ�سارت ملن يقف بجانبي ..ظافر ..فابت�سمت الأهدئها وقلت ب ِو ّد:
-هذ� حار�سي ..مت �إظهار جميع �حلر�ص...
عقد ظافر ذر�عيه �أمام �سدره وكاأنه ي�ساألها�« :أهناك �عرت��ص؟» الأجدها
بتوج�ص ..وت�ساءلت بغر�بة وده�سة�أوماأت ع ّدة م ّر�ت وعيناها ما ز�لتا م�سبثتان به ُّ
عيني �لع�سل ّيتني:
بينما ج�سدها يرتع�ص رع�سة خفيفة مل تغب عن ّ
-لكن ملاذ�؟.
مل �أ�ستطع مقاومة �القرت�ب منها و�لرتبيت على يديها الأهدئ �هتز�زهما
�مللحوظ وقلت بهدوء:
لك� ..أنا �سئمت �لو�سع...
-دعي �لفتيات يحكني ِ
و�سرت معها حتى منت�سف �لطابق ،لت�ستقبلها �لعر�ئ�ص بالده�سة و�لف�سول،
حتى �إن �إحد�هنّ جتر�أت و�ساألت:
منك �الأمري؟.
-هل �سئم ِ
�سحكت �لفتاة بتوتّر وتركت يدي لتجل�ص على �إحدى �لو�سائد �الأر�س ّية ،فالتفت
حولها �لعر�ئ�ص ،ومل يردعن ف�سولهنّ ،بل �ساألنها عن كل �سيء! و�أجابتهن هي
بخفوت وخجل ،وحني حا�سرنها باأ�سئلتهن �ملحرجة ،ر ّدت بتح ّفظ:
ريص ع
-ما يحدث بطابق �الأمري يبقى �س ّر� بد�خله ،لن �أحكي �أكرث من هذ�...
ريص ع
قائلة:
ع
�ملجاور:
-لن يكون يل مكان هنا � ً
أ�سال.
و�سحكت �سحكة هادئة ،وكما فعلت يف �لفر��ص �الأول ،تد ّثرت ج ّيدً � من برودة
�جل ّو ،وهذ� �مل ّرة جتاهلت كوننا نقف يف نف�ص �لبقعة� ،أغم�ست عينيها و��ست�سلمت
لنوم عميق ..يبدو �أنها مل تنم قط بطابق �الأمري!
ٍ
�بت�سمت �إيفي وهي جتذب �لغطاء على ج�سدها وقالت بنعومة:
� -مممم كم هو د�فئ ..ت�سبحني على خ ٍري �إليونور�...
هززت ر�أ�سي ورددت عليها ،وحت ّركت لل�سرفة ..كم �أريد �أن �أنظر من خاللها
رغم �مل�ساهد �ملرعبة �لتي قد تظهر �أمامي� ..أزلت �ل�ستائر باأناملي بهدوء و�قرتبت
رئتي من
بر�أ�سي من �لهو�ء �لبارد م�ستن�سقة �أكرث ما �أ�ستطيع منه بنهم ،ثم �أفرغت ّ
ما بي من قلق ،وطماأنت نف�سي ..جمرد نظرة فقط ..لن يحدث �سيء!
�أخف�ست ب�سري لالأ�سفل وفتّ�ست بعيني عن �أي بقعة �سوء تر�سدين ،فوجدت
�سعالت م�ساءة مي�سكها بع�ص �خلدم �لذكور ،يقفون بالقرب من ما �أبحث عنهن
بعيني� ..لعبيد �جلدد ..تن ّهدت وز�دت د ّقات قلبي ،ه ّيئ يل �أنني �سمعت �سوتهن
يبكني ب�سمت� ،إال من و�حدة منهن تبكي مبر� ٍر وتئن وت�سرخ بني �حلني و�الآخر..
حدقتي عينيها �لرماد ّيتني كاالأمو�ت ومن
ّ �أكاد �أرى �للون �الأحمر �لد�مي حول
حولهما �لكحل �الأ�سود ي�سجنهما بق�سوة� ..عت�سرت قلبي بيدي وق ّررت �لرحيل..
وحني ��ستدرت الأعود للخلف ��سطدمت بج�سد �سعيف �أ�سدر تاأوهً ا خافتًا..
� -إز�لني!.
ع
قائال: خا�ستهّ ،
ّ
ع
�سمت لربهة ثم ��ستطرد:
ر ش
والتوز عي
ل�سذ�جتك ..كيف مل تدركي كونك جميلة وقتها؟.
نظرت له بغري فهم وف ّكرت:
-وجهي كان �أقبح ما يكون!.
ه ّز ر�أ�سه نف ًيا و�أر�سل كلماته لعقلي ً
هم�سا حتى �ق�سع ّر بدين:
يوما دميمة ..كان هذ� فقط �ستار ،جم ّرد �ستار يخفي �حلقيقة
-مل تكوين ً
مل�سلحتك.
مل �أفهم �سي ًئاّ ،
فف�سر يل:
كنت جميلة ،لكان �حلر�ص يتقاتلون على حر��ستك ،الإغو�ئك وحتويلك � -إن ِ
لعرو�ص مذنبة� ،أو ملج ّرد خادمة يائ�سة حتب حار�سها� ..أما بو�سعي لذلك
أ�سبحت منبوذة من �جلميع ،مكروهة من عيونهم ،حتى �أختارك ِ �ل�ستار �
�أنا ..الأو�سلك للهدف �ملطلوب...
وختم ما قال بـ:
-الأعلى مكانة هنا...
وبكلماته هذه تذ ّكرت قول �أحد �حل ّر��ص:
-ه ّيا يا ظافر� ..ظفر بها كما تظفر بكل �سيء!.
ت�سديق ..هل فعل كل هذ� من �أجل تفادي تلك �للحظة؟ حلظة ٍ فنظرت له بغري
�الإق�ساء؟ هل �أبقاين خادمة دميمة حتى �قتنع �جلميع بذلك حماية يل؟ نعم! لواله
الأ�سبحت �الآن جم ّرد عبدة جديدة! معلقة من �أطر�فها يف غابة �لقلعة ،يائ�سة وال
تاأمل �أي �سيء �سوى �أن ير�أف بها �أحدهم� ،أو �أن يتو ّقف قلبها تفاد ًيا ٍ
لعذ�ب �أكيد..
ص ع
لقد ظفر ظافر مبا �أر�د ً
ري
فعال! هم�ست له بعقلي:
ع
وبني غطاء وجهه ..عينيه ..بدون تفكري نظرت لهما ،وكاأن �سي ًئا بد�خلي يح ّثني
على �أن �أفعل هذ� ..الأجد �أن لونهما �لرمادي فاحت للغاية ..وهذ� ما يبدو جل ًّيا يف
مهال ..هي تلمع بطريقة ملفتة ،حتى �إن لونها بد�أ يف �لذبول ..حتىعينه �لي�سرىً ..
�أ�سبحت خاوية ..فقط باللون �الأبي�ص ،و�لعني �الأخرى كما هي!
تخ ّلل �سوته خاليا عقلي حني قال:
أنت �لوحيدة �لتي �سرتين هذ�
-ما ترينه �الآن هو جانبي �الآخر� ،إليونور�ِ � ..
بك...
�جلانب �خلا�ص بي ..فقط الأنني �أثق ِ
و��ستطرد بني ده�ستي:
ب�سري ،ون�سفي
ّ -ل�ست جم ّرد روح ،بل �أنا قاب�ص لها � ً
أي�سا ..فاأنا ن�سف
�الآخر هو قاب�ص �أرو�ح...
ز�دت د ّقات قلبي ب�سرعة ،و�زد�دت جنو ًنا على جنون حني �أخذت عني ظافر
بلون �أبي�ص �أخاذ ،وكاأنه �سوء �ل�سم�ص �لذي �فتقدته! �سرت رع�سة
�لي�سرى تلمع ٍ
غريبة يف ج�سدي وتذ ّكرت �أن تلك �لنظرة هي ً
فعال ..نظرة قاب�ص لالأرو�ح! �سهقت
�أنفا�سي بذعر فاأعاد ظافر عينيه لطبيعتهما كما �أعاد غطاء �لر�أ�ص ليخفي عينيه،
فقلت �أنا بينما �ألتقط �أنفا�سي ب�سعف:
-وماذ� عن وجهك؟.
ر ّبت على كتفي وهو ي�سعني للنوم ً
قائال:
-دعي كل �سيء يحدث يف وقته �ملنا�سب...
و�أ�ساف بينما مي ّرر يديه على ر�أ�سي:
ر ش
والتوز عي
و��ستيقظت بعد قليل ...الأجد �أنني قد قاومت �لنوم الأ�ستيقظ ..على نف�ص �ل�سوت
�الأخري �لذي جاءين بحلمي� ..سوت �الأنني..
�لتفت حويل ومل �أجد ظاف ًر� بجانبي ،والحظت �سمت جميع �الأ�سو�ت عد� ما
�أ�سمعه �الآن� ..جلميع نيام� ،إز�لني� ،إيفي و�جلميع� ،حلر�ص لي�سو� موجودين� ..أين
رحلو� يا ترى؟ �لتفت للي�سار تلقائ ًيا مل�سدر �ل�سوت ..حت ّول �الأنني �إىل نحيب..
و�سهقات ّ
متقطعة! ماذ� يحدث!
نه�ست ببطء على �أطر�ف قدمي� ،أريد تتبع �ل�سوت ..ف�سول غريب مت ّلكني..
مل �أ�سع �خلف �لناعم بقدمي ،بل �سرت على �لبالط �لبارد ببطء وحذر� ،أقرتب
ين ..وفجاأة تو ّقفت حني ملحت من جتل�ص مولية ظهرها �إ ّ
يل �أكرث ،ليزيد �ل�سوت باأذ ّ
بجانب �ملن�سدة �الأر�سية ..كانت عرو�ص �الأمري! تاأكل بنهم من �لفاكهة �ملرتوكة
على �ملن�سدة ..يختلط �سوت بكائها �لذي حتاول كتمه مع �سوت ق�سمها لثمرة
�لت ّفاح يف يدها �لي�سرى ،تظهر �سوت �سهقاتها وهي تدخل ح ّبات �لعنب بفمها
بنهم ..هل هي جائعة لتلك �لدرجة؟ هل توؤملها معدتها؟ �رتعدت �أنفا�سي لت�سدر
أتل�س�ص عليها ،عدت لفر��سي
قليال ،فرت�جعت قبل �أن تكت�سف �أنني � ّ �سوتًا عال ًيا ً
وتد ّثرت بهدوء ،الأجد �أنني قد ��ست�سلمت للنوم م ّرة �أخرى!
�سوت �أنني ..خمتلط مع �سوت نهنهة� ،سهيق وبكاء مكتوم ..كل هذ� ي�سدر من
نف�ص �لفتاة �إال �أنه يك ّرر و�حدً � تلو �الآخر فيختلط على �أذ ّ
ين� ..إح�سا�ص بالربودة
يحت ّل عقلي� ..أ�سعر بهو�ء غريب يالم�سني ،يد�عب جبيني� ، ،أهد�بي و�أنفي..
ينبعث من �أمامي ..حاولت فتح عيني فوجدت �ل�سباب يعميني ،ل ّوحت بيدي يف
�لهو�ء بينما �أ�سري لالأمام ببطء ،لتقرتب �أ�سو�ت �لعويل مني بطريقة غريبة...
ع
و��سحا حني �سمعتها تقول ب�سعف:
ً الأدرك �أنه �سوت عرو�ص �الأمري ..وبد� هذ�
والتوزي ر
منامتها �لبي�ساء �لنظيفة تظهر بو�سوح ما يقف بالقرب منها متح ّك ًما فيها ..قاب�ص
ع
�أرو�ح ..يحمل �ل�سباب بني يديه يح ّركه حولها ..بينما هي تئن وته ّز ر�أ�سها ب�سيق،
لكن تت�س ّو�ص �ل�سورة �أمامي الأر�ها مبت�سمة ب�سفاء مغم�سة �لعينني مغلقة �ل�سفاه
و�ل�سوت ما ز�ل ينبعث حول �أذين! وفجاأة! �سمت كل �سيء! �إال من ذلك �ل�سوت:
� -إليونور� ه ّيا ��ستيقظي!.
نه�ست بق ّوة ده�ستي الأكون جال�سة و�ساقاي ممددتان �أمامي يف فر��سي� ،أ�سهق
�أنفا�سي ب�سعوبة بينما �إيفي تنظر يل بده�سة وتقول ب�سوتها �لرقيق:
-هل �أفزعتك؟.
قالتها ظ ًّنا منها �أن ب�سوتها �لعذب هذ� قد �أيقظتني من نومي ،وهي ال تدري
�سي ًئا عن غر�بة ما �ساهدت! م�سحت على وجهي �أحمو ما �ساهدت من خم ّيلتي بينما
�أنادي ظاف ًر� بعقلي ،نظرت حويل بتيه الأجد على �أق�سى �لي�سار �س ًّفا ق�س ًري� من
�لعر�ئ�ص �أمام �مل�سرت�ح ..فهم�ست بغر�بة:
� -أين هي؟.
بحثت عنها بعيني يف وجوه �لعر�ئ�ص �لناع�سات ،ويف جميع �لفر�ص ..ف�ساألت
�إيفي بغر�بة:
-من هي؟ �أتق�سدين �إز�لني؟ هي يف �أول �ل�سف! �أمامكما تدريب طويل!.
�أ�سحت بر�أ�سي وهززتها نف ًيا ب�سعف:
-ال ال� ..أق�سد ..عرو�ص �الأمري� ..أين هي؟.
ع
هزّت كتفيها بجهل قائلة برب�ءة:
ر ش
والتوز عي
��سرتجعت �سوت �أنينها يف �أذين� ،سوتها كان معذ ًبا ..و�أعدت �آخر ما قالت
�إيفي بغر�بة:
-ذهبت لالأمري؟.
T
)(14
المؤامرة األولى
-ذهبت لالأمري؟.
ع
�لطعام باأ�سى وكاأنها مل ت َر مثله يف حياتها ..كما ذرفت �لدموع وكاأن عينيها قد
ُولدتا حدي ًثا!
� -إليونور�! تو ّقفي عن �لبحث فهي لي�ست هنا!.
برفق وقالت ب�سوتها
�أم�سكت �إيفي يدي وث ّبتتني بجانبها ،ر ّبتت على كتفي ٍ
�لعذب:
أنت متوترة ب�سبب در�ص �لرق�ص؟.
بك �ليوم؟ هل � ِ
-ما ِ
�سخ�ص �آخر مل �أعتد �ختفاءه موؤخ ًر� �أو بعده عن ظ ّلي..
ٍ رفعت عيني الأبحث عن
ظافر..
� -أين �حلر�ص؟.
�ساألت �إيفي بعد �أن ��ستعدت تركيزي ،وبت �أفكر يف �سيء ما خارج ذلك �لكابو�ص
علي:
�لغريب و�لذي �ستّتني بني �لنوم و�ليقظة ،مما جعل �إيفي تتن ّهد قائلة باإ�سفاقٍ ّ
�� -ستدعاهم كبريهم ليلة �أم�ص...
�أخرجت ورقة �سغرية مطو ّية من جيب رد�ئها �لو��سعّ ،
ف�ستها و�أعطتها يل،
فقر�أتها �أنا بعيني �أمر بني �حلروف �سري ًعا الأفهم �ملوجز:
� -إيفي �ساأرحل و�أتركك لتعتني بنف�سك �لليلة ،فلدي ��ستدعاء من كبري
�حلر�ص ،ذلك �لرجل �لعجوز ذو �للحية �لبي�ساء ،كما مت ��ستدعاء زمالئي
� ً
أي�سا ..كوين بخري..
حار�سك �ملخل�ص؛ كاليب..
مما �أثارين لروؤية تلك �لنظرة �حلاملة يف
�بت�سمت ل�سذ�جة حروفه وبر�ءتهاّ ،
ص ع
عني �إيفي ..هل ي�سعدها ما يقول ح ًّقا؟ حار�سها �ملخل�ص! هه..
ريص ع
أنت يف حمايتي أنك حتت حماية ظافر فا ِ
لك �أبدً � ..وطاملا � ِ
لن �أكون عد ّوة ِ
ع والتوزي
ما �ملوجود بتلك �لورقة؟ �أهي موؤ�مرة �أم جم ّرد ر�سالة من حار�سها؟ يجب �أن �أر�ها
�الآن!
خطفت �لورقة من بني �أناملها ،و�لتي مل تكن حمكمة عليها كما ينبغي ،الأدرك
�أنها تركتها يل عمدً � ..فنظرت للورقة برت ّقب وف�س�ستها ،الأك�سف عن هذ� �ملحتوي
بخط
�لذي �أثار ف�سويل للدقائق �لقليلة �ملا�سية ..وجدت بع�ص �حلروف �ملت�سابكةٍ ،
علي
�أ�سبه بالر�سم ..تلك �لورقة رغم ب�ساطتها؛ هي حتفة فن ّية! و�ملكتوب كان �سع ًبا ّ
ً
قليال� ،أعرف هذه �للغة ،هي لغة ر�قية للغاية ومن يربع بها هو بالتاأكيد ر�قٍ ومرموق
رجحته حني قالت �إز�لني بلهجة عادية: �ل�ساأن� ..أو مث ّقف للغاية ..وهذ� ما ّ
-تركها ظافر حتت و�سادتي ..لي�ست بال�سيء �ملهم فال تقلقي...
نظرت لها با�ستنكار وكاأن ل�سان حايل يقول« :ل�ست قلقة� ..إنه ف�سويل �مللعون
�سفتي حماولة �إيجاد �لنطق
ّ فح�سب! .وحاولت قر�ءة �لكلمات ببطء ..و�سممت
�ل�سليم:
�� -س�ص� ..س�سرر ..بي ..ك ..كثي ..ر م ..ن �مل� ..ء� ..ملاء� ..ألي�ص كذلك؟.
قلتها بقليل من �جلهل �الأبله ،ثم رفعت ر�أ�سي لها الأجدها مبت�سمة بهدوء،
فك ّررت �جلملة عليها:
�� -سربي �لكثري من �ملاء؟.
و�أ�سفت مت�ساءلة:
-لكن ملاذ�؟.
ريص ع
رفعت كتفيها و�أرختهما بعدم معرفة جو�ب ملا �ساألت للت ّو ،فزفرت قائلة بريبة:
T
� -أرجوكنّ ..قلن يل �أن هذه مزحة ..هذه مزحة ها؟ �أين باقي �لعر�ئ�ص!.
كان هذ� ما قاله �ملد ّرب �للزج رخو �لهيئة حني �أخربته �إحدى �لعر�ئ�ص �أننا،
وبفقد�ن �لعديد م ّنا ،يف عددنا �لكامل ..و�ل�سحيح..
-كيف حدث هذ�؟ ملاذ� ومتى؟!.
ووجه م�سدوم ،فاقرتبن �لفتيات منهٍ �سقط � ً
أر�سا على موؤخرته بهدوء
ي�ساعدنه ،فاأبعد يدهم عنه و�أخفى بها وجهه �لباكي وقال بياأ�ص:
يوما!
-كنت �أ�سع كل �أملي فيكنّ ! كانت هذه �ملجموعة من �أرقى ما حظيت به ً
ل
آذ�ن مو�سيق ّية ر�ئعة...
نت جميالت ،موهوبات وذو�ت � ٍ
ر ش
والتوزي
بع�سا! �أما هو فقد �أ�ساف خا ًمتا ما قدليه ّون عليه ،يعاملنه كما يعاملن بع�سهم ً
ع
قال عن �الآذ�ن �ملو�سيقية:
أنت!.
أعنيك � ِ
-و�س ّدقيني ،جالدي�ص ،ال � ِ
�سحكت �لفتيات على مزحته حني �أ�سار على و�حدة منهنّ ،ترفع �سعرها �لكثيف
متاما لالأعلى ،و�لتي �س ّيقت �مل�سافة بني حاجبيها لتقول ببالهة تربز
غري �لناعم ً
طيبتها:
-هه؟ هل قلت �سي ًئا للت ّو؟.
فانفجرت �لفتيات �ساحكات م ّرة �أخرى �سخرية وت�سدي ًقا على مزحتهّ ،
ليتبني
يل �أن «جالدي�ص» لي�ست م�ستمعة ج ّيدة للمو�سيقى� ،أو الأي �سيء يف �حلقيقة� ..سمعها
�سعيف وطفيف للغاية ،لدرجة �أنها تخطئ �سمع ��سمها يف �لكثري من �الأحيان فال
جتيب..
تن ّهدت وف ّكرت يف �أن �ختيار �لعر�ئ�ص هو طب ًقا ملعايري ال �أ�سا�ص لها من �لعقل
�أو �ملنطق ..يختارون �لفتيات �لتي ال جتيد �أعمال �ملطبخ و�لتنظيف ،كما يحر�سن
على �أن تكون نظافتهنّ �ل�سخ�س ّية ممتازة بالفطرة ،باالإ�سافة للوجه ذي �ملالمح
�للطيفة ..فقط! الأدرك �حلقيقة �لتي كانت م�سترتة عني طو�ل هذه �لفرتة ..نحن
كعر�ئ�ص خمتار�ت لالأمري ل�سنا فائقات �جلمال ،بل نحن �أف�سل ما ميكن �ختياره
وف ًقا للمعايري �ل�سخيفة �الأخرى ..ويف حلظة تذ ّكرت يف �ملطبخ خادمات جميالت،
وميكن �لقول �أنهنّ �أف�سل ً
�سكال من عر�ئ�ص �أمكث �أنا معهم بالطابق ...لكن ..ما
�لذي ميكنني �أن �أقول ..هي فقط �لقو�عد �لعقيمة هنا!
-ح�س ًنا� ..ساأتق ّبل �الأمر...
ع
قالها �ملد ّرب لينت�سلني من تفكريي ،الأنظر �أنا �إىل هيئته �لتي ز�ل عنها �لوهن
ك
قائال:
ريص ع
-عيناك هنا ..هنا عزيزتي على متايل ج�سدي �لناعم ،ال على هوؤالء! �أريد
ع والتوزي
يتو�سطن �لقاعة ذ�ت �جلدر�ن �لعاك�سة
بهم�ص وتابعن �لنظر �إليه ،و�لثالث �لالتي ّ
ٍ
ر ّكزن على �لنظر �إليه وتقليد حركاته..
رفعت ر�أ�سي بحذر الأنظر خلفي ،فلمحت ظاف ًر� يجل�ص بعيدً � عن �حلر�ص،
ب�سكل كبري ،وي�ستّت تركيزي � ً
أي�سا� ..سيالحظ �ملد ّرب �أنني مما يلفت �الأنظار له ٍ
�أنظر للخلف ،و�سيو ّبخني �أمام �لفتيات! و�أنا ال �أريد �إال �ملعاملة �جل ّيدة حتى �أ�سل
لالأمري! نظرت لفتاة ما جتل�ص �أمامي ،يحول ج�سد �ملد ّرب �لذي يعطي ظهره يل
وملن بجانبي بيننا� ،أ�سرت لها �أن تبدل �الأماكن ،فو�فقت دون تر ّدد ،فابت�سمت لها
و�سرت خلف �لد�ئرة كما فعلت هي وجل�ست مبكانها �ل�سابق ،مما جعلني يف مكان
��سرت�تيجي ومنا�سب ملتابعة �لدر�ص ،ويف نف�ص �لوقت �لنظر لظافر ،فاأنا ح ًّقا �أريد
معرفة �أمر هذ� �ال�ستدعاء!
-ظافر ..ملاذ� رحلتم فجاأة؟.
قلتها له �أناديه بعقلي ،فاأ�سمعني �سوت �سحكته �ملت�سلية فعب�ست قائلة:
-ال وقت للمز�ح �أنا يف منت�سف �لدر�ص!.
ر�أيته يه ّز كتفيه ثم يب�سطهما ً
قائال مبرح:
-كوين تلميذة جنيبة ور ّكزي على �لدر�ص فقط ..وك ّفي عن �لرثثرة!.
نفخت �لهو�ء يف �سيق فالتفتت �إ ّ
يل عرو�ص ما ،فاأ�سحت بب�سري بعيدً � �أتظاهر
بالالمباالة بينما �أحدث ظاف ًر�:
كال �أخربين� ،إذ� مل تخربين فلن �أكون يف كامل تركيزي وقت رق�ستي ّ -
�لثنائية مع �أختك.
-ميكن للعر�ئ�ص �أن تتاآمر على و�حدة منكنّ ليتم �إق�ساوؤها �أو �لتخ ّل�ص منها
باأي طريقة كانت...
�تّ�سعت عيناي ملا قال ،وربطت بني ما قال للت ّو وبني ما قالته يل �إز�لني بطابق
�لعر�ئ�ص�« :ستكون كاللعبة بال قو�عد!» وكلمة �ملد ّرب« :كال ُعملة �لنادرة!» ..فابتلعت
غ�سة يف حلقي و��ستمعت ملا يقول:ّ
-و�مللخ�ص من كل ما حدث ،نريد �حلر�ص ..فقط...
-فقط؟.
ر ش
والتوزي
�أوماأت ب�سورة خفيفة وعقلي يبثّ �لرعب يف نف�سي ،ال �أريد �أن �أ�ستيقظ ً
يوما
ع
و�أجد �لعديد من �حلر�ص حويل يحاولون �لتح ّر�ص بي فقط من �أجل حتقيق موؤ�مرة
يجعلوين فيها مذنبة ،ويتم �إق�سائي! �أو� ..أن ت�سربني �إحد�هن الأفتعل �سجا ًر�..
�أو...
-ال د�عي لتلك �لهو�ج�ص!.
قاطع ظافر �سوت �لطنني بعقلي ود ّقات قلبي �ملرتع�سة ،ليح ّدثني ب�سوته �لذي
طماأنني بدفئه:
أنك حتت حمايتي...
لك �سيء طاملا � ِ
-لن يحدث ِ
تن ّهدت الأط ُرد ما �أ�ستطيع طرده من �لهو�ج�ص ،وقلت يف نف�سي:
� -أنا �أثق بك ظافر ..لذ� �ساأطمئن.
-و�أنا و�ثق من كونك �ستفعلني...
�بت�سمت وتذكرت �سي ًئا ما ،ف�ساألته:
-هل �سحي ٌح �أنك تنتظر تاأديتي للرق�سة �لثنائية مع �إز�لني؟.
-بفارغ �ل�سرب...
بت�سل فاحم ّر وجهي قائلة:
قالها ٍ
-لو �أنك مل تخربين باأنها �سقيقتك...
وقبل �أن �أكمل باقي جملتي وجدته يقاطعني ً
قائال:
-لي�ست �سقيقتي ..بل �أختي...
ص ع
�بت�سمت بال معنى ،ل�ست �أفهم! فاأو�سح يل:
ع
متاما� ،أكرث من
بني �حلني و�الآخر الأركز بب�سري على �إز�لني ،فوجدتها من�سجمة ً
ع
يوما يف عني �الأمري نف�سه!
ً
تذ ّكرت نظرتي لالأمري �لعايل �لذي �نعك�ص ظ ّل تاجه على وجهه فاأخفى
مالحمه ب�سبب ذلك �لقمر �ملتغطر�ص ،كم يدينني هذ� �لقمر� ..بت�سمت وتخ ّيلت
يل ..ترى ..هل هو و�سيم للغاية ..هل �ست�سحرين �أن �الأمري يبت�سم يل ..وي�سري �إ ّ
�سخ�س ّيته؟ هل يجيد حت ّدث �للغات؟ كيف ميتطي جو�ده؟ هل �سي�سحرين كاأي �أمري
يف �حلكايات؟ �أجل ،نعم ،بالتاأكيد ..وبالطبع! ف�سيكون فائ ًقا لكل تو ّقعاتي� ..أ�سعر
باأنه�� ..ستثنائي! ما لبثت �أن �أغو�ص يف بحر �الأحالم حتى �سمعت ظاف ًر� ين ّبهني:
عينيك...
ِ � -فتحي
فتحتهما دون حتى �أن �أدرك �أن عقلي �أعطى �الأمر بذلك ،الأجده يقول بنربة
جا ّدة:
-عودي للخلف خطوتني فقط...
-ملاذ�؟.
قلتها و�أنا �أعود للخلف ،بينما ال �أنتظر ردًّ� حقيق ًّيا ،فعلت ما قال تلقائ ًيا كي
�أ�ستعيد تركيزي مع �لعازفني ،وفجاأة وبدون �أي مق ّدمات ،وبينما �أرفع �ساقي �ليمنى
كما تفعل �إز�لني لتاأدية حركات �لرق�سة بنعومة� ،سمعت �سوت �رتطام �سخم،
�سرخة �إز�لني ،مع �نطفاء �سوء �لغرفة �الأو�سط ..يف نف�ص �للحظة!
�سرخت �لعديد من �لفتيات �لالتي �نتف�سن و�قفات بفزع ،و�أنا �أفقت من
�سرودي �للحظة الأجد �أنني ماكثة على �الأر�ص �أحمي ر�أ�سي من �سيء �أجهله ،كما
فعلت �لعديد من �لعر�ئ�ص مع تغطية �آذ�نهنّ من �سوت �الرتطام �لقوي وكما فعل
�ملدرب نف�سه ،وما هي �إال حلظات حتى بد�أت �إز�لني بالبكاء ب�س ّدة ،فانطلق �حلر�ص
ص ع
يهرولون ،ك ٌل يبعد �لعرو�ص �لتي يف حمايته ،مينعونها من م�ساعدة �إز�لني ،باإز�لة
والتوز عي
منهم من تبكي من �ل�سدمة ،ومنهم من تخ�سى �لظالم� ،أما �أنا فلم �أكن �أنظر الأي
�سيء �سوى �إز�لني� ،مل�سكينة تبكي مبر�رة! فقدمها �ليمنى عالقة حتت �لرثيا!
عنك!.
-متا�سكي �سنزيلها ِ
قلتها و�أنا �أكر�ص كل جهدي يف تخلي�سها من ذ�ك �ل�سيء �لثقيل ،لكن بال
ب�سكل
دما! �سائل ال ينتهي؛ �أحمر �للون ٍثو�ن �إال ور�أيتها تتقياأ ً
جدوى! وما هي �إال ٍ
فظيع! ر�أيته ببقايا �ل�سوء �الآتي من �آخر �لغرفة ،قبل �أن يحجب �ل�سوء �أحد يقرتب
م ّنا! �سرخت بفزع و��سعة يدي على قلبي� ،أ�سعر به يدق بجنون! هل ميكنه �لتو ّقف
�الآن! هل ميكنه ذلك؟!
-فليا ِأت �أحد للم�ساعدة �أرجوكم! هناك كارثة!.
قالها �حلار�ص �لذي هرول للخارج تار ًكا �جلميع يف هلع ،دون حتى �أن يتك ّبد
�لعناء يف حماولة �إز�لة ذلك �ل�سيء عنها ،كاأي رجل �سهم! على ذكر �ل�سهامة!
كال منهم مي�سك بيد �لفتاة �لتي يحر�سها مبنتهى �حلر�ص، �لتفت للحر�ص الأجد ً
ال يريدون �إفالتها ،منهم من يهدئ من روعها ..كما يفعل كاليب الإيفي �لتي تبدو
م�سدومة للغاية ،ونظرت بجانبي الأجد ظاف ًر� يزيل ذلك �حلمل من فوقها ،بعد �أن
لطخته دماوؤها �ملتد ّفقة من جوفها �مل�سكني ..وبني نظر�تي �ملذعورة �ساألته بعقلي:
-كيف حدث هذ�! ملاذ�!.
قلتها و�أم�سكت بذر�ع �إز�لني �ملمدودة بجانبها باإعياء وم�سحت على جبينها
�لذي تع ّرق للغاية وبينما �أنا غارقة يف دموعي �سمعت �سوت ظافر يجيبني بغمو�ص:
� -ملوؤ�مرة �الأوىل...
و�أ�ساف:
وال ر
توزيع
-ماذ� تق�سد؟.
نظر ظافر يل الأجد �أن �إحدى عينيه تلمع من حتت غطاء ر�أ�سه حني قال بلهجة
غام�سة:
� -أنا �لفاعل ،وال ي�سعرين هذ� بال�سوء �أبدً �!.
جاءت كل �الأفكار �ملزعجة يف عقلي دفعة و�حدة ،ب�سوت �لطنني �لذي
دما ،يغطي �لرثيا،
يزعجني ،كما جت ّمدت �سورة �إز�لني جاحظة �لعينني تتقياأ ً
ومالب�سها ،كما ّ
غطى �سعرها �ملن�سدل على وجهها بتم ُّوج خفيف ..ف�سهقت �لهو�ء
رئتي ب�سعوبة ،و�سكن كل �سيء..
من ّ
فقدت وعيي ،الأ�سقط بجانب �سديقتي �جلديدة و�لتي فقدتها للت ّو ..ليفرت�ص
لطخت بالطالء ..و�آخر ما �سمعته �سوت �سعري �الأ�سود دماءها كفر�ساة ناعمة قد ّ
T
�إيفي ت�سرخ با�سمي بلوعة ..ونظرة ظافر ،ب�سعاع �لنور من عينه �لي�سرى!
)(15
ّ
هل ابتســمت عيناه للتو ؟
فتحت عيني ب�سعف الأجد �أنني يف مكان خافت �الأ�سو�ء ،فخ�سيت �أن �أكون يف
ص ع
نف�ص غرفة �لرق�ص ،و�سري ًعا م ّر كل �سيء �أمامي الأدرك �أنني فقدت �لوعي من
ع
�لقتل!.
والتوزي ر
أي�سا �أنني �أرتدي مالب�ص �أخرى غري �لتي كنت بها يف مل �أ َر �أي �أثر لها! والحظت � ً
ع
�لتدريب ،وقبل �أن �أ�ساأل �أي �سيء �أجابني ظافر:
عنك �أثر �لدماء. ..
-لقد قمت بتبديل ثيابك بعد �أن �أزلت ِ
نظرت له بقلق قائلة بذعر:
-هل قمت بذلك بنف�سك؟ �أيها �حلقري �ملنحرف!.
يدي� ،أريد �أن �أهوي بهما على ج�سده الأبرحه �سر ًبا! كيف يتجر أ�
رفعت كلتا ّ
ويفعل هذ�! لقد خدعت فيه كل ًّيا ..كنت �أثق به! وبينما يد�ي يف طريقهما �إليه
قطة مذعورة قليال ،الأ�سقط �أنا من على �لفر��ص ليلتقطني هو كما تلتقط ّ
�بتعد هو ً
�سقطت من �أعلى �سجرة عالية ...وبد�أ بالرتبيت على �سعري بهدوء ،بينما يح ّدثني
ب�سوت بثّ يف نف�سي �لهدوء:
ٍ
� -هدئي من ف�سلك ..مل �أفعل �سي ًئا يوؤذيك� ..سيكون كل �سيء على ما ير�م
ال تقلقي...
�أغم�ست عيني لتهبط دموعي ب�سمت ،وقلت ب�سعف:
-لقد وثقت بك!.
�أعاد ترتيب �سعري بيديه ويده �الأخرى ملت ّفة حويل وتربت على كتفي� ،أعاد
خ�سالت �سعري خلف �أذين بهدوء وخ ّفة ..وحني �نتهى �أد�رين الأكون يف مقابلته،
فاق�سع ّر ج�سدي من ريبة و�سعنا �الآن ..مل �أعتد على �أكون قريبة منه لهذ� �لدرجة!
�سمعت �سوته �لعميق يقول:
لك
منك فقط �أن تتمالكي �أع�سابك لدقائق �إ�ساف ّية ،وبعدها �سا ّأبني ِ
� -أريد ِ
ما حدث من منظو ٍر �آخر...
ع
هززت ر�أ�سي مو�فقة ،ال �أدري ملاذ�! هل الأن نربة �سوته �لعميقة �لهادئة هذه
ع
متاما ،وتب ّقت بع�ص �لك�سور..
�حلظ مل متت ..هد�أ �لنزيف �لد�خلي ً -حل�سن ّ
والتوزي ر
ع
� -أ�سكرك لتعاونك ،فلوالك ملا عرفنا �لت�س ّرف يف �لوقت �ملنا�سب!.
ه ّز ظافر ر�أ�سه باحرت�م ردًّ� على �سكرها ونظرت �أنا لظافر �سز ًر� وقلت ببايل:
-ويعتقدون �أنك �لبطل � ً
أي�سا؟ عظيم ..عظيم!.
وت�ساءلت برب�ءة ظاهر ّية:
-هل �ساعدكم حار�سي يف �سيء؟.
هزّت ر�أ�سها بينما تاأخذ يدي لتجعلني م�ستندة على ج�سدها لت�سري بي خلارج
�لطابق ،يتبعنا ظافر ،وحكت يل ما حدث:
-نعم حمل �لرثيا وو�سعها بعيدً � ،وبينما قمت بالك�سف على �مل�سكينة
و�كت�سفت �أن هناك ك�سو ًر� بج�سدها ،كان هو قد حملك لغرفة �لك�سف..
ثم عاد �إلينا وفعل �ملثل الإز�لني ..هو �لوحيد �لذي ق ّدم �مل�ساعدة بني كل
حار�سا مثله ..فحار�ص �إز�لني مل يقدم
لديك ً
أنت حمظوظة الأن ِ �حل ّر��صِ � ..
على فعل �أي �سيء ولو ب�سيط لها!.
هززت ر�أ�سي بغر�بة و�أنا �أتخ ّيل ظاف ًر� يحملني ..ومن ثم يزيل مالب�سي ّ
لينظف
علي �لتو ّقف عن �لتفكري �الأحمق فهو ي�ستطيع معرفة
�لدماء عنها و ..ت ًّبا! يجب ّ
حمتال خاليا عقلي ً
قائال ما �أف ّكر به! لكن قبل �أن �أ�ستطيع �لتو ّقف جاءين �سوته ً
ب�سخرية هادئة:
ثو�ن
-مل �أتك ّبد �لعناء بفعل هذ� بنف�سي ،فلدي تعويذة تقوم بفعل هذ� يف ٍ
قليلة!.
�حم ّر وجهي و�أردت تغيري �ملو�سوع ،فقلت ببالهة:
ص ع
-وقمت باإلقاء �سحرك هذ� ومل يلحظ �أحد؟.
ع
� -أنا بخري ،ال تكوين حمقاء!.
ع والتوزي
هزّت �إز�لني ر�أ�سها و�سكرت �حلكيمة قبل �أن تن�سرف وترتكنا ،وقتها نظر
�حلار�ص �ل�سعيف الإز�لني ً
قائال:
� -ساأترككم لدقائق ..يبدو �أن �سديقتك قلقة للغاية...
بارتباك و��سح ،وحني تالقت عيوننا �أ�ساح بب�سره بعيدً � وهرول
ٍ ونظر يل
للخارج ،فت�ساءلت �أنا:
-كم هو جبان! �أمل يكن هذ� هو �ملهوو�ص مبر�قبة �لفتيات ،و�لذي يتحاذق
على �أ�سدقائه ً
متلفظا باأكرث �لعبار�ت وقاحة؟.
هزّت �إز�لني ر�أ�سها وقالت �ساخرة:
دوما هكذ� �سعيف �ل�سخ�س ّية...
-منذ �أن رحل �أ�سدقاوؤه وهو هكذ� ..ال بل هو ً
�قرتب ظافر ليقف عند قدم �إز�لني ً
قائال:
-هل تتاأملني؟.
�بت�سمت له باإ�سر�ق قائلة:
-كنت خائفة ً
قليال لكن� ..أخي �أنت ر�ئع! مل �أ�سعر باأي �سيء �سيئ مطل ًقا!.
فغرت فاهي ببالهة ثم �أ�سرت عليه باإ�سبعي �ل�س ّبابة �أ�ساألها بغر�بة بها �سيء
من �لغ�سب:
-هل ت�سكرينه؟ هل �أنت �سعيدة لكونه فعل بك هذ�؟.
�سحبت يدي لتت�سابك مع �الأخرى بارتباك ل�سحكة �إز�لني �لناعمة ،وقلت بغر�بة
و�أنا �أم ّثل �مل�سهد بيدي:
ر ش
والتوزي
فقال:
ع
-مل يكن �سوى خدعة ب�سيطة مل تكلفني �لكثري .
جحظت عيناي ونظرت جل�سد �إز�لني قائلة بق�سوة:
-ك ّلفتك هذ�! و�إن كان بال �أمل فهو ما ز�ل موجودً�! ك�سور بج�سدها وتلك
�خلدو�ص على وجهها ورقبتها!.
ه ّز ر�أ�سه نف ًيا وقال:
-كان هذ� �أف�سل من �أن �أفقدها لالأبد. ..
مل �أعد �أحت ّمل �لوقوف ،فج�سلت على طرف فر��سها وعيناي ما ز�لتا عليه ،ذلك
�لهادئ �لبارد! و�أ�سرت �إىل قلبي قائلة:
-وماذ� عني؟ �سعرت بقلبي يتو ّقف! فقدت وعيي � ً
أي�سا!.
حت ّدثت �إز�لني مد�فعة:
أنك �قتنعت جدًّ� ،وحتى �الآن ال
-هو �أخربين فقط �أنني �أجيد �لتمثيل ،بدليل � ِ
كنت �ستتوترين وترفعنيأنت؟ ِتريدين ت�سديق �أنها كانت جم ّرد خدعة! �أما � ِ
ب�سرك للرثيا كل ثانية و�الأخرى!.
�سحكت بغري ت�سديق وقلت:
-قلبي كان �سيتو ّقف! و�أعتقد �أن ظاف ًر� ال يريد هذ� لكونه يريدين �لفوز بقلب
يبال بي!.
�الأمري ..وبرغم ت�سميمه مل ِ
بروح فارغة:
و�سعت يدي على قلبي وقلت ٍ
ص ع
� -سعرت للحظة بـ ..باخلذالن!.
ص ع
قالها ظافر ..مل �أ�سدقه بالبد�ية ..مل �أكن �أعتقد �أنه من �لنوع �لذي يعتذر!
ع
� -سنذهب لغرفة �حلياكة...
والتوز عي
وحت ّركت نحوه ب�سرود� ،أ�سرعت �خلطى ً
قليال كي ال ي�سبقني هو بخطو�ته
�لو��سعة فاأ�س ّل �لطريق ..الأنني بب�ساطة �أدركت �أنني بدون حار�سي ظافر ،تائهة..
بال ماأوى!
ق ّررت �أن �أ�سمت كي ال يك�سف ت�س ّو�ص تفكريي ،ف�ساألته بريبة:
-ظافر ..�� ..هللل ...هل تعرف كل ما �أف ّكر به طو�ل �ليوم؟.
�سمت ً
قليال ثم قال بعد برهة:
عينيك .
ِ وخ�سو�سا
ً -حني �أنظر لوجهك فقط..
و�سعت يدي على فمي �أفكر ب�سرود ،ومل �أ�سمع �سحكته �ملت�سل ّية ..بالطبع كان
يقول هذ� فقط ليجعلني �أفكر بحر ّية ..وقد كان!
خرجت من غرفة �حلياكة بعد حديث ق�سري مع معلمة �حلياكة �لعجوز ،الأجد
�إيفي تنتظرين ،فابتهجت لروؤيتها و�بت�سمت بدفء ،كم تبهجني تلك �ل�سغرية! �آ ٍه
لو تعلم �أن كلمة �سغرية هذه هي مدح ولي�ص ذ ًّما كما تعتقد!
كنت �ألف يدي حول ج�سدي وكاأنني �أخفيه� ،أو �أخفيه ً
فعال! و�أتل ّفت خلفي بينما
�أ�سري بجانبها الأرى ظاف ًر� ي�سري ببطء ..تار ًكا لنا م�ساحتنا لنتح ّدث بحرية ،وكانت
�إيفي حت ّدثني بلطافة:
أنك لن تبد�أي هذ� �لتمرين ب�سبب �ل�سدمة �لتي حدثت ..لكن.. � -عتقدت � ِ
�أنا �سعيدة بكونك �سرتين �خليول �ليوم! �ستبتهجني لروؤيتها كث ًري�!.
بذر�عي ،وت�ساءلت يف نف�سي:
ّ زدت من �حت�سان نف�سي
َ -مل رد�ء �لفرو�س ّية هذ� �س ّيق هكذ�!
ع والتوزي
معك حقّ ...
ِ -
تو ّقفت عن �ل�سري حني �سمعت �سوت ظافر موؤ ّكدً � على ما قلت ،وقبل �أن �ألتفت
أي�سا ،تنظر على ما يفعل برت ّقب ،فلقد �قرتب ليقف خلفي ،وو�سع له توقفت �إيفي � ً
علي ،ثم �لتفت لريبط �خليطني �لرفيعني من �الأمام و�لذي ّ
يتدىل عباءة ظهره ّ
منهما حجر�ن �أ�سود�ن د�كنان للغاية ،بخطوط رمادية �سعب مالحظتها �إال عن
تعجبت من كونه قد ��ستجاب الأفكاري بتلك �ل�سرعة� ..أم �أنه كان يفكر فيماقربّ ،
كنت �أفكر به � ً
أي�سا؟ هل لهذه �لدرجة كان ج�سدي ظاه ًر� للعيان؟!
تنحنحت بحرج وغمغمت بكلمة �سكر ،ثم �أخذت يد �إيفي و�نطلقت بعيدً � ،بينما
قلبي ..يدق بغر�بة!
و�سلت مع �إيفي للج�سر �مل�ساء من �جلانبني ،ليهدينا ملكان تو�جد �خليول،
فت�ساءلت هي بغر�بة:
بك؟.
-ما ِ
�بت�سمت بغر�بة و�أم�سكت بطرف عباءة ظافر �لطويلة �لتي ّ
غطت معظم
ج�سدي ،وت�ساءلت مت�س ّنعة عدم �لفهم:
-ما بي؟ هل �أبدو مرهقة؟.
ت�س ّنعت �لعبث بوجهي وكاأنني �أتفقد حيو ّيته ،وبينما نحن ن�سري ببطء �بت�سمت
هي ..فارتبكت ..هل علمت مبا حدث منذ قليل؟ هل ر�أت ظاف ًر� يجذبني فجاأة
متاما ...لعل ظاف ًر� فعل
ويقربني منه؟ بالطبع مل ت َر هذ� ..فاملكان كان خال ًيا ً
هذ� ..لكن� ..أريدها �أن تعرف ،هناك �سيء ما بد�خلي يح ّثني على �أن �أحكي ما
حدث ..الأنني �أريد تذ ّكره م ّرة �أخرى ،وكاأنني �أ�ستعيده جمددً�!
ر ش
والتوز عي
-هل من �لطبيعي �أن� ..أن يحت�سن �حلار�ص �لفتاة �لتي يحميها؟.
لوت �سفتيها بابت�سامة بينما تف ّكر ،ثم قالت بتلقائية:
-يفعل كاليب هذ� بني �حلني و�الآخر!.
نظرت لها منده�سة وقلت ب�سدمة:
-ح ًّقا؟.
هزّت ر�أ�سها وقالت موؤكدة على ما قالت ،بتلقائية:
لدي �أي
-طب ًعا ..فنحن �أ�سدقاء! مررنا بالكثري م ًعا ..وكما تعرفني مل يكن ّ
�أ�سدقاء �سو�ه قبل �أن تاأتي!.
ر ّبت على كتفها و�بت�سمت ،وتو ّقفنا فجاأة لنجد كاليب �آت ًيا مم�س ًكا بجو�د جميل
ب�سعر ناعم وطويل ،يهز ذيله ليبعد عنه ح�سر�ت �لليل جدً � ،لونه هو �لب ّني �ملح ّببٍ ،
�لتي حتوم حول ج�سده متط ّفلة ،فابت�سمت �إيفي و�قرتبت منه قائل ًة:
� -إليونور� �أعرفك بثاين �سديق يل هنا بعد كاليب ..قهوة!.
�سحكت ب�سعادة و�قرتبت منه قائلة:
-قهوة؟! كم �أنت لطيف!.
�سحك كاليب ً
قائال:
متاما!.
� -أ�سميته بنف�سي ..ميكنك �لرتبيت عليه ،هو م�سامل ً
�بت�سمت برت ّقب ورفعت يدي ببطء� ،أريد مل�ص �سعره �لذي يلمع مع �سوء �لقمر،
الحظت �لتفات عينيه �لبن ّيتني �لو��سعتني يل ،ف�سحكت بهدوء وقلبي يدق بحما�ص،
وقبل �أن �أ�ستطيع مل�سه� ،سمعت ظاف ًر� يناديني ،فالتفت له الأجده يقف بثبات مم�س ًكا
ص ع
بجو�ده �أ�سود �للون ..مل �أ َر جو�ده هذ� منذ �أول يوم ��ستيقظت فيه بهذ� �لعامل!
ع والتوزي
عم �ل�سمت للحظة ،مل يقل ظافر �أي �سيء ليجيبني! فتنحنحت بحرج ..كدت ّ
�أن �أعيد عليه �سوؤ�له حتى تفاجاأت باأنه ين�سرف بجانب جو�ده..
�حم ّر وجهي بخجل �سديد و�عتذرت من �إيفي وحار�سها كاليب و�ن�سرفت خلف
ظافر ،لرتفرف عباءته خلف ظهري من �أثر �لهو�ء!
�قرتبت من ظافر وت�ساءلت بغر�بة:
-هل تخفي ��سم جو�دك كما تخفي وجهك؟.
-ال ..بل ال �أف�سل �لرثثرة وقت �لتدريب.
ثو�ن حتى
علي بينما ير ّبت على �سعر جو�ده �الأ�سود �لناعم ،وما هي �إال ٍ
هكذ� ر ّد ّ
قال بهدوء:
-قمر...
�قرتبت ً
قليال منه دون �القرت�ب من �جلو�د ،وت�ساءلت بغر�بة:
-هل يدعي قم ًر�؟.
-نعم. ..
قالها ظافر بينما يتاأكد من ثبات �ل�سرج ،فابت�سمت ورفعت ر�أ�سي للقمر
وت�ساءلت مبت�سمة:
-وهل هو مغرور كهذ� �لقمر؟.
�لتفت يل ظافر متفاج ًئا من ما �أقول ،وحني الحظت �سحكت بخجل وقلت
ربرة ما �أفكر به:
م ّ
لدي فكرة ر��سخة بعقلي ..وهي �أن �لقمر مغرور ..كذكر -لطاملا كان ّ
ص ع
�لطاوو�ص �لذي يتباهي بري�سه �ملل َّون...
ك
مال. .. ّ -رمبا ..لك ّن ِك ِ
والتوزي ر
-هل تا ّأخر �ملد ّرب؟ �عتقدت �أنه �سوف يو ّبخني على تا ّأخري باحل�سور!.
T
)(16
�أحببت در�ص �لفرو�سية وركوب �خليل كث ًري�� ،أطاعني قمر بوجود ظافر بالقرب
ص ع
منه ،لكن عندما يبتعد ظافر عني م�سافة لريى كيف �ساأ�سل �إليه يعاندين ً
قليال،
تناولت �إفطاري بهدوء ،وعيني تر�قب �ملن�سدة �الأر�سية �لتي ر�أيت عرو�ص
�الأمري بها ليلة �أم�ص حني نه�ست فجاأة ..مل �أ�سعر برغبة حقيق ّية يف تناول �لطعام
فرتكته كعادتي �لتي مل �أدركها �إال �ليوم .خمنت؛ رمبا �أكون �سعيفة �ل�سهية فيما
يتع ّلق بالطعام ،فاأنا �أعطي ن�سف طعامي الإيفي ،و�الآن ال �أ�ستطيع �إكمال �لن�سف
�ملخ�س�ص يل! ال باأ�ص ،فاأنا �أ�سعر بال�سبع ..نه�ست الأغ�سل يدي وقابلت ظاف ًر�
بالردهة ،كان يتح ّدث مع حار�ص �إيفي و�لذي حني ر�آين رفع يده يل بتح ّية هادئة
فابت�سمت ،و�أكملت م�س ًيا يف طريقي لفر��سي..
ص ع
م ّرت دقائق و�أنا �أحاول �لرتكيز يف هذ� �لكتاب ،فبالرغم من �أنني ��ستخدمت
والتوزي ر
لبع�ص �لنا�ص؛ �أعتقد �أنني كنت �سعيفة ً
قليال يف �لدر��سة و�سياأخذ مني �لرتكيز
ع
�أ�سعا ًفا م�ساعفة من �لوقت و�جله ّد!
� -رتدي مالب�ص ثقيلة� ،سنذهب للمكتبة...
رفعت عيني من بني �سطور �لكتاب الأنظر لظافر �لذي وقف �أمام �لفر��ص ،يبدو
�أنه هنا منذ فرتة كافية لي�سعر مبعاناتي! فابتهجت �أنا وتركت له �لكتاب و�أ�سرعت
لفر��سي� ،أخرجت �ل�سندوق �خل�سبي �لكبري من �أ�سفله و�لتقطت ذلك �ل�سيء �لذي
دوما ..عباءة �لظهر ،ذ�ت غطاء �لر�أ�ص �ملت�سل بها ..كم ت�سعرين �أحب �رتد�ءه ً
باالحتو�ء ،كما �أنها تعطيني �سعو ًر� لطي ًفا حني متر ن�سمات �لهو�ء بينها وبني
ذر�عي
ّ ج�سدي فرتفرف ،و�أغم�ص �أنا عيني و�أتخ ّيل �أنني �أقف على �أعلى ت ّلة ،عاقدة
بتحد ،و�أقدم على �سيء خر�يف ،كاإنقاذ �لعامل ً
مثال! �أمام �سدري ٍ
�سمعت ظاف ًر� ي�سحك �سحكته �لهادئة �لق�سرية ،فالتفت له بنظرة ذ�ت
معنى« :هل قر�أت �أفكاري للت ّو؟»
فه ّز كتفيه برب�ءة ،فتق ّدمته �أنا كي ال يرى وجهي وي�ستطيع �لعبث و�سماع �أفكاري
�لطفولية �ل�ساذجة ،ومل �أكن �ألتفت لفكرة �أنه ي�ستطيع قر�ءة �أفكاري من على بعد
يل ،بل مبج ّرد �لتفكري بي!كبري جدً � دون �لنظر �إ ّ
خ�سبي ثقيل للغاية حني تدفعه لالأمام �أو �خللف ،و�لذي
ٍ باب
دلفت للمكتبة عرب ٍ
بالطبع �ساعدين ظافر يف فتحه ،وذهلت من ما ر�أيت! هي مكتبة عالية �الأرفف،
كثرية �لكتب من �ستّى �الأنو�ع و�الأحجام ،بها من�سدة كبرية باللون �لبني و�سع عليها
مفر�ص �أنيق هادئ �للون ،مبقاعد كثرية ،عديدة ..لك ّنها خالية!
ع
طرقت �الأر�ص بحذ�ئي لي�سدر �سدى عظي ًما ،و�سرعان ما �ختفى حني خطوت
ر ش
والتوز عي
و�سرعان ما وجدت ظاف ًر� يتّجه الإحدى �لزو�يا بينما يح ّدثني دون ��ستخد�م
�لتو��سل �لعقلي بيننا ،لي�سدح �سوته يف �أرجاء �ملكان بطريقة مثرية:
كاف من هنا �إال يف جماالت حمدودة...
علم ٍ
-لن حت�سلي على ٍ
ر�أيته يجمع بع�ص �لكتب بطريقة مدرو�سة ،ي�سندها بني ذر�عه �لي�سرى و�سدره
وبيده �ليمنى يختار كت ًبا �أخرى ،بينما ي�ستطرد:
-فالعلوم مثل �الأحياء ،و�لريا�سيات ،و�لفيزياء و�لكيمياء جميعها متوفرة
هنا بكرثة ،و� ً
أي�سا �الأدب كالرو�يات و�ل�سعر و�لق�س�ص �لق�سرية...
و�أ�ساف:
� -أما بالن�سبة للجغر�فيا و�لتاريخ ،فلن جتديهم يف �أي مكان �سوى �أر�ص
�لو�قع...
تعجبت من ما قال فرفعت �سوتي بغر�بة:
ّ
-كيف ذلك وكتاب �إيفي هو كتاب تاريخي؟ مذكور به ع ّدة مناطق جغر�فية!
�أعني ..لقد عرفت منه �أننا يف مملكة �لـ...
قاطعني:
لك � ًأوال باأول...
أ�سححها ِ
-معلومات ناق�سة� ،أو غري �سحيحة� ..سا ّ
فهمت مق�سده ،فت�ساءلت بغر�بة بينما �أ�ستمع ل�سدى �سوتي ب�سرود:
-هذ� يعني �أنك كحار�ص ،وبقية �حلر�صً � ،
أي�سا �لوزر�ء و�الأمري نف�سه فقط
من تعرفون جغر�فية هذ� �لعامل وتاريخه؟ الأنكم بطبيعة �حلال تتن ّقلون
ر ش
والتوزي
بطريقة غريبة ،فاأمام كل مقعد كان ي�سع كتا ًبا ،حتى �نتهى بو�سع �آخر كتاب وجل�ص
ع
ين�ص �أن يجيبني على ما �ساألت:
�أمامه ،على ر�أ�ص �ملن�سدة جهة �لي�سار ،ومل َ
-لي�ص كل �حلر�ص� ..أما �الأمري ووزر�وؤه فنعم بالتاأكيد ،هذه طبيعة عملهم..
بالرغم من �أنهم يتقاع�سون �أحيا ًنا...
هززت ر�أ�سي باهتمام ،ثم ت�ساءلت بف�سول غلب عليه �ملز�ح بينما �أ�سري ملا فعله
للت ّو بالكتب:
�جتماعا؟.
ً -هل �ستقيم
�أ�سار يل على ر�أ�ص �ملن�سدة من �جلهة �الأخرى ،فذهبت الأجل�ص ،الأغو�ص يف
هذ� �ملقعد �لوثري �ملريح ،هو مقعد خ�سبي ،جمهز بو�سائد وم�سند للظهر ،للجلو�ص
�لطويل..
لديك در�ص �لرق�ص� ،لفرو�سية وهي لي�ست كل يوم� ،إفطار ،وقت فر�غ ،در�ص ِ -
حياكة ،وقت فر�غ ثم �لنوم� ..سن�ستغل وقت �لفر�غ بالقر�ءة ،و�ستقر�أين كل
هذ� ..و�أنا ال �أمزح يف هذ� �أبدً �...
�بتهجت وحت ّم�ست كث ًري� جل ّديته يف �الأمر ،لك ّني تذ ّكرت ع ّلتي بالقر�ءة وبطئي،
فت�ساءلت:
-وهل �ست�ساعدين يف هذ�؟.
�أوماأ جمي ًبا:
دوما و�أبدً �...
ً -
�بت�سمت بامتنان وفتحت �لكتاب بيدي بعد �أن مالأت نظري من غالفه �ملم ّيز
ذي �لنقو�ص �لغريبة ،وحني فتحته �متقع وجهي بغر�بة ،فنظرت لظافر و�سحت به:
ر ش
والتوز عي
متعجبة من ما يفعل،
�لتي تلت�سق بج�سده ،فكان دفرتً� وقل ًما� ،أخذ يكتب وبينما �أنا ّ
وجدته يح ّدثني بعقلي:
� -أول �آد�ب �ملكتبة هو �لهدوء ..ال نريد �أن تكون �أ�سو�تنا م�سموعة للعامة.
بتعجب طفويل:
فرفعت �سوتي ّ
-لكن ال �أحد هنا ،من نزعج؟!.
�سمعته يجيب:
-هذه �ملكتبة تقع بال�سبط حتت غرفة �الأمري بالطابق �لعلوي ..وال �أثق بفكرة
�أننا جنل�ص وحدنا �الآن...
بحما�ص
ٍ و�سعت يدي على فمي بده�سة ونظرت ل�سقف �ملكتبة باإعجاب ،وقلت
هام�ص م�ستخدمة عقلي هذه �مل ّرة:
-هل تعني �أنه ميكن ل�سم ّوه �سماعنا؟ �أو روؤيتنا؟.
تعجبي:
با�ست�سالم وهو ما ز�ل يكتب بع�ص �لكلمات وقال ردًّ� على ّ
ٍ ه ّز كتفيه
-تل ّقي �لعلم هنا يعترب ً
فعال �سا ًّذ� بع�ص �ل�سيء ..فال تثقي بوجودك هنا
دوما من ير�قب...
وحيدة ،يوجد ً
�سفتي �أف ّكر فيما قال ،وقلت ٍ
بتحد: لويت ّ
-ال عيب يف تلقي �لعلم ،فهو ما �سيو�سلني لالأمري!.
-بال�سبط ر ّكزي على هذ� �لعلم ..يف �سمت...
وقبل �أن ي�سلني �آخر كلماته ،طارت يل �لورقة �-لتي �نتزعها من مف ّكرته-
ع
بطريقة �سحرية ،حتى ��ستق ّرت �أمامي بال�سبط على ميني �لكتاب! فانده�ست �أنا
والتوزي
هكذ� يف �لبد�ية فقط ،وما يف تلك �لورقة هي �ملفرد�ت �ل�سهلة �لق�سرية،
ع
و�لتي �إن جمعت �أكرث من حرف منها مع حروف كلمة �أخرى تك ّونت كلمة
جديدة...
فقلت برتكيز:
� -أتق�سد �أن �أعرف �لكلمات �ل�سغرية الأ�ستطيع تكوين منها ما هو �أكرب
و�أ�سعب لي�ساعدين يف قر�ءة �لكتاب؟.
-موؤ ّكد ،ه ّيا �نطلقي...
كطفل يتل ّقى �أوىل درو�سه
ٍ قالها بت�سجيع فابت�سمت وبد�أت يف قر�ءة �لورقة
بالتعليم �الأ�سا�سي ،ومل �أد ِر �أن ظاف ًر� -بالرغم من �أنه يكتب بع�ص �الأ�سياء �الأخرى-
ير�قبني مبت�س ًما ،فخو ًر� مبا �أفعل!
T
�نتهيت للت ّو من قر�ءة �أول كتاب! كدت �أن �أنتقل للكتاب �الآخر لكن ��ستوقفني
ظافر ً
قائال:
ً -
مهال...
رفعت عيني �ملجهدة �إليه بت�ساوؤل فقال:
-كم مملكة بهذ� �لعامل؟.
�رتبكت من �سوؤ�له ،فبالرغم من �أن هذ� �لكتاب كان عن �ملمالك �لثالث ،فاإنني
ثو�ن حتى قلت: �رتبكت ً
قليال ..وما هي �إال ٍ
ر ش
والتوزي
قبل �أن �أنه�ص ��ستوقفني بجد ّية:
ع
-لي�ص بعد!.
فتن ّهدت وتاأهبت لعدة �أ�سئلة �أخرى ،لي�ساألني:
يف�سر ��سم �مللك�« ..إيا�ص �ساري»؟.
-مباذ� ّ
فابت�سمت قائلة بثقة:
-هذ� �سهل!.
�أرجعت خ�سلة من �سعري خلف �أذين ونظرت لظافر مبت�سمة �أ�سرح بيدي:
� -إيا�ص يعني �لذنب ..و�ساري معناه �ملر�فق يف �لليل ،ال �أدري ملاذ� مل يذكرو�
ذلك يف �لكتاب ،عرفت هذ� من �لورقة فقط...
�أ�سفت:
-مكتوب هنا بالكتاب �أن هذ� يعني �جتماع �سفتني و�حدة عن �لق ّوة و�لذكاء
و�الأخرى عن �لثبات و�ل�سمود.
�أوماأ بر�أ�سه وقال ب�سخرية:
-ح�س ًنا ..لن �أ�سحح هذ� وقد �كت�سفت بنف�سك؛ �إن �لكتب جت ّمل �لتاريخ!.
�بت�سمت بارتباك قائلة:
-وهل مل يكن كذلك؟ �أعني ذك ًيا �سامدً �؟.
�سمت ظافر ً
قليال لكن �سرعان ما �أجابني:
-بلى ..كان ذك ًّيا ،لك ّنني �أف�سل ��ستخد�م �لذكاء يف �خلري ..ولي�ص �لعك�ص.
ريص ع
ثم ق ّرب �إ�سبعه �ل�س ّبابه �إىل مو�سع فمه وكاأنه يقول:
-هل �سهدت ع�سرهما؟ �أعني �مللك �الأعظم و�مللكة؟.
�أوماأ ظافر ر�أ�سه �إيجا ًبا ،وقال ب�سرود:
-كنت �ست�سعدين مبج ّرد �لنظر �إليها فقط ..دون �أن تعلمي �سي ًئا �آخر عنها...
�بت�سم و�أنا �أتخ ّيلها ..ف�ساألته بف�سول:
-كيف كانت؟ �سف يل جمالها!.
تنحنح ظافر ً
قائال:
ريص ع
-لن �أكون دقي ًقا بو�سفي...
ر ش
والتوزي
-ح�س ًنا ميكنك �النتقال للكتاب �لثاين� ،جل�سي على مقعد خمتلف كي ال
ع
مت ّلي...
�بت�سمت بحما�ص ونه�ست الأجل�ص على �ملقعد �ملجاور �أمام �لكتاب �الآخر ،وبينما
فعلت هذ� ت�ساءلت:
-كيف لظافر �أن ال يكون دقي ًقا بالو�سف؟ فمن قر�أ كل هذه �لكتب �سيكون
�سهال عليه قول ،وكتابة �أي �سيء! وقبل �أن �أفتقد ّ
خطه �ملر�سوم بد ّقة طارت ً
�إ ّ
يل ورقته �لثانية ،وقال يل:
-كتاب �لقلعة �لبي�ساء ..مهم جدً � ملعرفة �ملكان �لذي تعي�سني به...
حت�س�ست غالف �لكتاب بيدي ،وكان �ملر�سوم على قطعة �لقما�ص �ملغ ّلفة للكتابّ
هي قلعة ت�سبه كث ًري� تلك �لتي نحن بها �الآن ..لكن هل هي ً
فعال بي�ساء؟
T
�نتهيت من قر�ءة ثالثة كتب ثم ن ّبهني ظافر ل�سرورة �الن�سر�ف الأتناول
حل�سور در�ص �حلياكة ،فذهبت معه �أعيد �لكتب ملكانها ،فبد�أ هو من �أق�سى �ليمني
وبد�أت �أنا من �لي�سار ،و�لتقينا يف �لو�سط ،الأبت�سم بهدوء ،وقبل �أن �أذهب ،ر ّبت على
ر�أ�سي ً
قائال:
� -أح�سنت ..لقد �أجنزت �لكثري ببد�ية �ليوم.
�بت�سمت ب�سعادة حقيق ّية و�سرت �أمامه �أباعد بني خطو�تي و�أقفز ب�سعادة كطفل ٍة
تل ّقت �الإخبار بالعالمة �لنهائية! حتى و�سلت لطابق �لعر�ئ�ص ،فا�ستقبلتني �ملعلمة
ببهجة:
ص ع
لك �سي ًئا مم ّيزً� �ليوم!.
ري
-ها قد و�سلت �جلميلة �ملوهوبة! �أح�سرت ِ
والتوز عي
خطاف ،فلمعت عيناي باللون �لب ّني بالدرجة �ملعتدلة ،و�إبرة �سميكة و�حدة ذ�ت ّ
وقلت بتلقائ ّية:
� -ساأ�سنع بها �سع ًر� لدمية �إيفي! �سك ًر� �س ّيدتي!.
�سحكت �إيفي وح ّدثت �ملعلمة:
-عرفت �أنها �ستفكر بالدمية �لتي �أعطتها يل ،فهي �سديقتي!.
�بت�سمت و�هتززت بحما�ص �أنا و�إيفي و�أ�سدرنا �أ�سو�تًا تنم عن �سعادتنا بينما
لففت طرف �خليط على �إ�سبعي بحما�ص ،و�ملعلمة ت�سحك� ،لفتاة ذ�ت �حلكايات
ت�ساركنا �ل�سحك ،كما فعلت جالدي�ص ،ال �أعتقد �أنها �سمعت ما قلناه حتديدً � لكن
توجه �إليها..
من �جليد �أن �أر�ها ت�سحك على �سيء �آخر غري تلك �ل�سخرية �لتي ّ
قمت بغزل �خليط مبهارة فطرية وحني �نتهيت منه �أخذت �لدمية من �إيفي،
�لتي ر�قبتني و�أنا �أث ّبت لها �ل�سعر �لبني �لذي ي�سبه �سعرها هي ،ف�س ّفقت بحر�رة
حني �نتهيت و�حم ّرت وجنتاها بحما�ص و�أخذت مني �لدمية حتت�سنها ..قائلة:
لك �سديقتي!.
� -سك ًر� ِ
تناولنا �لغد�ء ب�سورة عاد ّية لك ّني الحظت �نزو�ء جالدي�ص بعيدً � ،تاأكل وحيدة
على فر��سها ،بالرغم من �أننا بتنا نتناول طعامنا بجو�ر �ملن�سدة �الأر�سية منذ �أن
ب�سكل ملحوظ ..ال �أظنها غرية ..تقول بع�ص �لفتيات �أنها ت�سعر تناق�ص عددنا ٍ
بذلك الأن �الأمري قد طلب ثالث عر�ئ�ص م ّنا دفعة و�حدة! لكن ال ،فال �أعتقد �أنها من
هذ� �لنوع من �لفتيات ،فهي ال ترى غري نف�سها ،تذ ّكرت روؤيتها �ساب ًقا تبت�سم ب�سرود
قليال يف مت�سيطه لكن ال باأ�ص، مت�سط �سعرها �لطويل بلون �لبندق ،تعاين ً بينما ّ
ال يظهر �المتعا�ص على وجهها �أبدً � ،ت�سع على خ�سالته م�ستح�س ًر� جتميل ًّيا يف
�سورة زيت ّية لفرده �أثناء �لنوم ،تو�ظب عليه يوم ًّيا وتغ�سله باليوم �لتايل ،و�سمعتها
ريص ع
مو�د طبيع ّية �آمنة ..هي لي�ست جميلةي�سا من ٍ خ�س ً
تقول �أن �ملا�سطة قد �سنعته لها ّ
ع والتوزي
�سايقتك �إحدى �لعر�ئ�ص ُمج..؟.
ِ -ملاذ� تاأكلني وحدك؟ هل
«جم ّددً� .لك ّنني �بتلعتها قبل �أن ت�سل لطرف ل�ساين ،مل �أرد �أن
كدت �أن �أقول ُ
�أ�سعرها باال�ستياء ..فوجدتها تبت�سم يل قائلة:
� -سوتك خفي�ص للغاية� ..سمعتك لكن ،هل ميكنك رفعه ً
قليال عند �لتح ّدث
خ�سو�سا حني يكون هناك �أكرث من
ً �إ ّ
يل؟ لدي م�سكلة طفيفة بال�سمع..
�سخ�ص يتح ّدث.
هززت ر�أ�سي وقلت بنربة �أعلى �سوتًا:
-ال ت�سغلي بالك بهذ�� ،ساأكون حري�سة على �أن ي�سل �سوتي لك!.
�سمعت ظاف ًر� يناديني بعقله:
-ملاذ� ت�س ّرين على ترك طعامك لتلك �لفتاة؟ �ستف�سدين �سكل ج�سدك!.
�سفتي ب�سرود بينما �أق�سم ت ّفاحتي ورددت عليه:
تباعدت �مل�سافة بني ّ
-لقد �كتفيت من �لطعام ،وال �أحب تناول تلك �حللوى كثرية �ل�س ّكر ،ت�سيبني
بالقرف...
حاجبي
ّ وقبل �أن يقول �أي �سيء �آخر الحظت �أن جالدي�ص مل تاأكل �سي ًئا! فقطبت
بغر�بة و�ساألتها بتلك �لنربة �لتي جتعلها ت�سمع �سوتي �ملنزعج بو�سوح:
-مل تتذ ّوقي �لطعام بعد؟ يجب �أن تنهيه ب�سرعة قبل �أن تاأتي �خلادمات الأخذ
�الأطباق!.
هزّت ر�أ�سها نف ًيا ببطء و�أبعدت �لطعام و�أم�سكت مبعدتها ،ف�ساألتها بقلق:
ريص ع
-ما بك؟.
ع
للون د�كن ً ً
ص
قليال تظهر من �سريطني خطوطا حمر�ء حت ّولت ٍ بهما ج�سدها ،فر�أيت
ع
و�ق�سع ّر بدين ملجرد �لتخ ّيلً � ،إذ� ماذ� �إن كنت �أنا �لتي �أمام تلك �ملدفونة ح ّية؟!
هدرت بها بانفعال:
-هل ترين �أن �ملوقف منا�سب لتلك �حلكايات �ملرعبة؟ �مل�سكينة مذعورة!.
هزّت ر�أ�سها باأ�سف وقالت بلهجة عادية:
-ال �أظن �أنها �سمعتني من �الأ�سا�ص لكن ..ح�س ًنا كما تقولني� ..ساأدخرها
لتكون حكاية قبل �لنوم...
نظرت لها بف�سول و�أردت �أن �أ�ساألها عن �حللم �لذي ر�أته ..فاأنا � ً
أي�سا قد
�ساهدت �سي ًئا م�ساب ًها �أح ّل بي �لذعر!
ر ش
والتوزي
قليال ،ووقفت �أر�قب من �ستاأخذ جليند� وتفاجاأت باأنهن �أقل ثالث عر�ئ�ص ً
جماال ً
ع
بيننا! تهام�ست �لعديد من �لفتيات بغرية ،و�سمعت �إحد�هن تقول بغر�بة:
� -أنا ال �أرى نف�سي فائقة �جلمال ،لك ّنني بالطبع �أجمل منهنّ ! �أهذ� ذوق �الأمري
دوما؟.
�لذي يخربوننا عنه ً
وقالت �أخرى:
أ�ستحم �أكرث منها!.
� -أنا � ّ
قالتها م�سري الإحد�هنّ فقلت �أنا بعقلي:
-هناك �سيء خاطئ!.
ب�سوت م�سموع:
ٍ �أدرت وجهي وقمت بتغيري �سوتي ً
قليال و�ساألت بف�سول
-جليند� ،هل تاأكدت من �أن �الأمري قد طلبهنّ �أم �أن هناك خطاأ ما؟!.
نظرت �لفتيات لليمني و�لي�سار يبحثن عن من �ساألت �ل�سوؤ�ل ،يبحثن عني،
وقمت �أنا باملثل� ،أدور بعيني بينهم برب�ءة ..ماذ�؟! �أريد معرفة �حلقيقة لي�ص �أكرث!
خا�سة هذه �مل ّرة...
-نعم �آن�ستي ،لقد �ختارهنّ بالفعل ،يريد مو��سفات ّ
تكرب ُو ِلد
�سهقت �لفتيات بغر�بة حني و�سلت ثالثتهنّ جلليند� وعلى وجوههن ّ
حدي ًثا مبنتهى �لو�سوح ،فقالت �إحدى �لعر�ئ�ص مبلل:
-ح�س ًنا دعوه يفعل كما ي�ساء ،فلي�ص لديه �ختيار�ت عديدة كال�سابق!.
�ن�سرفت �لعر�ئ�ص كل و�حدة �إىل ما كانت تفعل �ساب ًقا ،ومل ين�سرف قول تلك
�لعرو�ص عن ذهني ،وخ ّمنتّ ..رمبا كالمها �سحيح! رمبا هو يفعل هذ� الأن �جلميالت
قد رحلن ..رمبا هو ال يعرف �أن هناك �لعديد من �جلميالت هنا! جالدي�ص تعترب
والتوز عي
لديه! لهذ� ،يجب ّ
باملنا�سبة ..متى يكون هذ�؟!
مل �أقر�أ �أي �سيء مثري يخ�ص �سم ّو �الأمري بعد ،وهذ� يثري جنوين ،وفجاأة وبدون
�أي مق ّدمات وجدت نف�سي �أذهب للفتاة ذ�ت �حلكايات �أهم�ص يف �أذنها:
-ال تبد�أي حكاياتك دون �أن تتاأكدي من كوين جال�سة معكنّ � ..ساأذهب
للخارج ً
قليال...
وقبل �أن �ألتفت �ساألتني بف�سول:
-ح�س ًنا لكن �إىل �أين؟.
فاأجبتها �أنا برتدد:
� -ساأزور �إز�لني لبع�ص �لوقت...
و�ن�سرفت ب�سرعة �أنادي ظاف ًر� بعقلي ،و�لذي ال �أدري �أين �ختفى فجاأة!
�أبطاأت من خطو�تي ما �إن و�سلت بالقرب من �ملكتبة وحدي ،ونظرت حويل
يتل�س�ص عليك عن
متفح�سة �لو�سع ،فهذ� �لطابق �آمن ،لكن ي�سعرك باأن �أحدهم ّ
ّ
خ�سو�سا بعد �أن قال ظافر:
ً بعد ،وقد ر�سخت هذه �لفكرة بعقلي
-تل ّقي �لعلم هنا يعترب ً
فعال �سا ًّذ� بع�ص �ل�سيء ..فال تثقي بوجودك هنا
دوما من ير�قب...
وحيدة ،يوجد ً
غ�سة م�س ّننة بحلقي ودفعت �لباب �لثقيل بكل ق ّوتي ،مل �أ�ستطع �أن
�بتلعت ّ
�أزيحه ولو لبع�ص �ل�سيء ،فزفرت ب�سيق ..وقبل �أن �أفقد �الأمل �سمعت �سوت
ص ع
خطو�ت بالقرب مني ،فهم�ست بده�سة ممزوجة باحلما�ص:
ع والتوزي
�سخ�سا �آخر ..حار�ص �إز�لني!
ً �ألتفت حمدثة �إياه ،بل وجدت
ت�ساءلت بنف�ص �لتعبري على وجهي:
-ما �لذي �أتى بك �إىل هنا؟.
�بتعدت خطوة للخلف الألت�سق بالباب حني وجدته يقرتب ً
قائال:
أنت هنا � ً
أي�سا ،فما �مل�سكلة؟. ِ �-
دفع �لباب �لذي ��ستند عليه ولده�ستي قد فتحه ،وبرغم عدم فعله ذلك بهدوء
و�سهولة -كما فعل ظافر -كنت ممت ّنة له ،فاإن هذ� يفي بالغر�ص .قلت هام�س ًة بينما
�أبتعد عن ج�سده لد�خل �ملكتبة:
� -سك ًر� مل�ساعدتك ..ميكنك �لذهاب ال �أريد �أن �أعطلك �أكرث من هذ�...
قلتها يف حماولة ل�سرفه� ،إال �أنه تبعني وترك �لباب ُيغلق بق ّوة وقال بهدوءٍ
م�ستفزّ:
-لقد و�سلت لوجهتي على �أ ّية حال ..ال ت�سغلي نف�سك بي ،ت�سريف بطبيعتك!.
و��ستطرد:
� -ساأنتظرك لتاأتني مبا تريدين و�أ�ساعدك يف فتح �لباب للخروج ،بالطبع ال
تريدين �أن تبقي هنا حتى �لغد؟!.
ُفتحت �سفتاي ً
قليال ببالهة ،وهززت ر�أ�سي مطلقة« :ح�س ًنا» بهم�صّ ،
و�جتهت
لذلك ّ
�لرف �لذي تقابلت �أنا وظافر عنده بينما نودع �لكتب ملكانها �الأ�سا�سي،
و�أخرجت ورقة من جيب رد�ئي �لو��سع ،وقر�أت �أ�سماء �لكتب بها برتكيز هام�ص،
ص ع
وح ّدثت نف�سي:
والتوز عي
تناولت �لكتاب بني يدي ،و�لذي �أعجبني غالفه للغاية؛ بتاج بارز للخارج ً
قليال
أحت�س�سه� ،أحت�س�ص ذلك �لتاج �لذهبي مر�سو ٌم عليه ،و�سعت يدي على �لغالف � ّ
�ملر�سع ..لكن حني و�سلت الإحدى �الأجز�ء �ملد ّببة بالتاج تاأوهت باأمل ،الأكت�سف �أنّ
بع�سا من جلد �إ�سبعي ،ليزيله بق�سوة ويرتك يل جت ّم ًعاذلك �جلزء �ملد ّبب قد جذب ً
دمو ًيا �سغ ًري� باللون �الأحمر �لد�كن!
وقع �لكتاب رغ ًما عني حني و�سعت �أنا �إ�سبعي يف فمي ب�سرعة� ،أهدئ من
�أمله بلعق ذلك �ل�سائل �الأحمر من ّفر �لطعم بل�ساين ،وهويت بيدي �الأخرى �ألتقط
�لكتاب ،وحني رفعت ج�سدي الأقف كما كنت ،تفاجاأت بوجود �حلار�ص �ل�سخيف
يقف خلفي ،فتجاوزته بعدم �هتمام مع حر�سي لعدم مل�سه بينما ما ز�ل طرف
�إ�سبعي بفمي ويدي �الأخرى تق ّرب �لكتاب مني لت�س ّمه �إ ّ
يل ،وقبل �أن �أدرك �أنه
كتفي باإحكام ،ليلقي بي � ً
أر�سا ي�ستدير �إ ّ
يل ،تفاجاأت بيديه �لقا�سيتني تق ّيد�ن ّ
ً
�ساغطا عليه بيده ،بينما ج�سده جال�ص فوقي لي�س ّل بق�سوة! �سرخت فهوى على فمي
حركتي ،جحظت عيناي بذعر ود ّقات قلبي تتز�يد ب�سعور �خلطر هذ�� ،الأدرينالني
بذر�عي يف
ّ يتد ّفق بق ّوة يف عروقي ليجعلني �أحت ّرك �أ�سفله بجنون� ،أحاول �لتلويح
وخ�سو�سا ركبتي �لتي تريد
ً �لهو�ء الأ�سربه بهما و�أبتعد ،وقدماي حتاوالن �الرتفاع
متاما من هذ� بكل برود هذ� �لعامل،
ركله ركلة ممتازة ،لكن ج�سده �لثقيل منعني ً
وناديت ��سم ظافر �أكرث من م ّرة من بني �سر�خي� .قرتب ذلك �الأحمق من �أذين
ب�سوت �أعلى من �سوت �سهقاتي �ملكتومة:
ٍ وهم�ص
أنت جميلة جدًّ� �إليونور� ..وهذ� لي�ص ً
عدال!. ِ �-
هززت ر�أ�سي للجانبني الأبعد �أنفا�سه �لقذرة �ل�ساخنة عن �أذين ،وبد�أ ج�سدي
ص ع
باالرتعا�ص �أكرث و�أكرث ...و�سمعته يقول بو�سوح:
والتوزي
و�حدة فقط!.
ع
مل �أكف للحظة عن �لتح ّرك و�لتململ �أ�سفل ج�سده �لثقيل ،ف�سحك هو ً
قائال
ك�سيطان يو�سو�ص باأذين:
ٍ
أردت لهذ� �أن يحدث� ..أن�سيت نظر�تك يل؟.
-كفي عن �ملقاومة! � ِ
قليال وخفت �سوت �سر�خي وحاولت تذ ّكر ما يقول ..فلم �أجد �أي ذكرى هد�أت ً
لهذ�! ف�سحت به رغم عدم �سماعه ملا �أقول:
-وكيف يل �أن �أنظر لك �أيها �حلقري! �تركني و�ساأين!.
T
ويف هذه �الأثناء بطابق �لعر�ئ�ص ،جت ّولت فتاة �حلكايات �سائحة بني �لفتيات:
-هل ر�أت �إحد�كن �إليونور�؟.
ور ّدت عليها �إحد�هنّ :
-لقد خرجت...
قطبت �لعرو�ص حاجبيها وقالت بغر�بة:
� -أمل تعد بعد؟.
ثم �ساألت حار�سها �إن كان قد ر�أى حار�سي -ظاف ًر� -فاأجابها بتاأكيد:
-لقد ��ستدعاه كبري �حلر�ص وم�ساعده� ..أظنّ �الأمر يتع ّلق بحار�ص جالدي�ص،
فكما تعلمني ميكنه �أن ي�ساألهم تخفيف �لعقاب له...
ع
�س ّمت �أ�سابعها بتوتّر قائلة بقلق:
ر ش
والتوز عي
�أ�سعر بالقلق!.
ف ّكر �حلار�ص ثم قال �سري ًعا بينما يرتدي معطفه �لب ّني �لب�سيط:
� -ساأذهب لظافر ،موؤ ّكد يعرف �أين هي ..كما يعرف كل �سيء بطريقته
�ملبهمة.
هزّت �لفتاة ر�أ�سها و�بت�سمت باأمل ،وجل�ست وحدها � ً
أر�سا ،ف�ساألتها �إحدى
�لفتيات:
� -ألن تبد�أي باحلكاية؟ �أ�سعر بالنعا�ص و�أريد �لنوم ،لكنني ال �أريد تفويت ما
�ستقولني!.
هزّت ر�أ�سها وقالت بتاأكيد من خلف قلبها:
-دقائق و�سنبد�أ ،فور و�سول �إليونور� �سنبد�أ ..لن �أطيل عليكنّ !.
وهم�ست برجاء..
-كوين بخ ٍري �أيتها �جلميلة!.
وبينما مت ّنت هي ذلك كنت �أنا ما زلت �أحاول تخلي�ص نف�سي من ذلك �ملنحرف
�خلبيث ،وقلت له بغري ت�سديق:
-من �ملفرت�ص �أنك حار�ص! حار�ص حتمي ما يخ�ص �الأمري!.
�سحك م ّرة �أخرى لكونه ال ي�سمع ماذ� �أقول ،وم�سح على جبيني �ملتع ّرق و�سعري
ً
قائال بعمق:
-و ّفري طاقتك عزيزتي وتذ ّكري ..يف ك ّل مرة ر�أيتني فيهاِ ،
كنت تنظرين يل
تلك �لنظرة �لد�فئة من عينيك بلون �لع�سل �ل�سهي ..لتثريي جنوين بهما
ص ع
يف ك ّل م ّرة!.
ع
نظرت يل و�بت�سمت قبل تاأديتك تلك �لرق�سة �لر�ئعة ..لقد ب ّدلت مكانك
مع عرو�ص �أخرى من �أجلي �أتذكرين؟.
�سهقت قائلة �أد�فع عن نف�سي:
-كان هذ� من �أجل ظافر �أيها �الأحمق �خلبيث!.
و�سمت فجاأة عن �ل�سر�خ دون �أن تكف يد�ي و�ساقاي عن �ملقاومة وكاأنني
مربجمة على فعل هذ� ..وتذ ّكرت �بت�سامة ظافر ..تلك �البت�سامة �جل ّذ�بة من
ليدق قلبي د ّقة تختلف عن باقي د ّقاته ..وت�ساءلت؛ هل كنت �أنظر لظافرعينيهّ ،
فعال؟ هل كانت نظر�تي له د�فئة كالع�سل �مل�سكوب؟ وكانت �بت�سامتي لروؤية هكذ� ً
عينيه �ل�ساحبتني بجاذب ّية مم ّيزة؟
�أغم�ست عيني بحرية ود ّقات قلبي تخفت �سي ًئا ف�سي ًئا ..وتذ ّكرت قول ظافر
�لقدمي يل حني كان مينعني من تنظيف �لزنز�نة:
أنت يا فتاة! تبدين كر ّبة منزل ح ّية �ل�سمري؛ تنهكني نف�سك باأعمال
-من � ِ
�ملنزل وكاأنك تنتظرين زوجك �حلبيب!.
تذ ّكرت نظرته �لقلقة وقتها ..وقارنتها بجميع �لنظر�ت �لتي ر�أيتها بعينيه ..ومل
�أ َر �أجمل من تلك �لتي جعلتني �أبت�سم ب�سرود..
�سعرت بقلبي يخفق بغر�بة ،فقلت بد�خلي �أُن ِّبه ّ
حو��سي �لتي �سيتم �نتهاكها
�الآن:
-قاومي �إليونور� ..قاومي ..يجب �أن حتافظي على قلبك لالأمري!.
ريص ع
وبرغم د ّقات قلبي �لثائرة ،تذ ّكرت كلمات �إز�لني ،وتر ّددت بخالياي ليكون
قلت هذ� و�أ�سبلت �أهد�بي با�ست�سالم ..ليقرتب �حلار�ص ب�سفتيه �خلبيثتني �إىل
وجهي....
وقبل �أن يحدث �أي �سيء� ،سمعت �سوت �لباب ُيركل بق ّوة ،وظافر ينادي ��سمي
يوما ..و�أفكار غريبة و�هنة
�سمود مل �أعهده ً
ٍ بجنون ..وبعد هذ� فقدت �لوعي ..بعد
كذلك...
T
)(17
لتت�سح �لروؤية تدريج ّيا ،وبد�أت �أ�سعر بد ّقات قلبي �ملرتاحة تزد�د
فتحت عيني ّ
ص ع
�سي ًئا ف�سي ًئا ،وت�ساءلت� ..أين �أنا؟ مل �لظالم د�م�ص هكذ�؟!
والتوز عي
بغرفة �حلكيمة ،تلك �لغرفة �لتي بها �إز�لني� ،أر�ها مغم�سة �لعينني م�ست�سلمة على
�لفر��ص �الآخر �أمامي على �أق�سى �ليمني� ،أما على �لي�سار بالقرب من �لباب ر�أيت
�سبحني متقاربي �لطول ،قو ّيي �لبنية يقرتبان ومن خلفهما �سوء �ل�سعلة �لكبرية،
�أ�سحت بنظري بعيدً � كي ال يوؤذيني �ل�سوء ،لكن �سرعان ما �لتفت م ّرة �أخرى حني
�سمعت �سوتًا غري ًبا ي�ساألني:
أنت �الآن؟.
-كيف � ِ
نظرت لذلك �ل�سخ�ص بريبة ،تذ ّكرته على �لفور! فتلك �لبنية �ل�سديدة ذ�ت
�لكتفني �لعري�سني و�لوجه �لهادئ �أثارت �لكثري من ت�ساوؤالتي من قبل� ،س ّيقت
�لف�سية �لتي تخ ّللت لونه �الأ�سقر �الأ�سلي
عيني بينما �سردت ببع�ص خ�سالت �سعره ّّ
مما ز�دته جاذب ّية ،وت�ساءلت بوهن:
ّ
-ر�أيتك من قبل� ،أنت ..م�ساعد �ل�ساحر �لعجوز؟.
�بت�سم بعذوبة:
-ت�س ّرفت بلقائك� ،أنا ِطر�د ..م�ساعد كبري �حلر�ص.
م�سح ًحا يل معلومتي برفق؛ �ساحر �أو كبري حر�ص ..من �أين يل �أن
هكذ� �نطلق ّ
�أعرف؟! وقبل �أن �أت�ساءل عن �ملزيد وجدته قد �أخذ يدي �ملو�سوعة �أمامي ب�سعف
ليطبع قبلة رقيقة عليها ورفع عينيه �حلا ّدتني يل بطيبة ً
قائال:
أنك بخ ٍري �الآن.
� -سعي ٌد با ِ
�حم ّرت وجنتاي ً
خجال من ر ّقة تعامله وهم�ست بغري ت�سديق مرددة ما قال
ثو�ن:
منذ ٍ
ر ش
والتوزي
يدي ِطر�د -م�ساعد كبري �حلر�ص-
بنحنحة ق�سرية ،قبل �أن يجذب يدي من بني ّ
ع
وي�سعها حتت �لغطاء ،ثم يرفعه ليد ّثرين ج ّيدً � ً
قائال:
-يجب �أن ترتاحي...
تع ّلقت عيناي مبو�سع عينيه �للتني �أخفاهما حتت غطاء �لر�أ�ص مبهارة وت�ساءلت
بينما �أحاول تذ ّكر �آخر �سيء تو ّقفت عنده ذ�كرتي منذ دقائق ..وكان م�سهد �قرت�ب
�حلار�ص �لقذر مني بدناءة ،فاق�سع ّر بدين وت�ساءلت:
-هل نال عقابه؟.
قب�ستي يديه حتى ّ
�بي�ست مفا�سلهما ّ مل يجبني ظافر ،والحظت �أنه ي�سغط
حاجبي
ّ ب�سكل ملحوظ ..يبدو �أن حتكمه يف غ�سبه يحرق �أع�سابه ب�س ّدة ..فرفعت
ٍ
بقلق..
-لقد نال �لعقاب م ّرتني ..م ّرة من ظافر وم ّرة من كبري �حلر�ص �سخ�س ًّيا.
قالها ِطر�د الألتفت له بت�ساوؤل ،بينما ��ستطرد دون �أن يالحظ ت�ساوؤيل:
� -حلقري! موؤ�سر�ته �حليوية كانت قد بد�أت بالت�ساوؤل �سي ًئا ف�سي ًئا بني ّ
يدي
تدخلنا بالوقت �ملنا�سب!. ظافر ،وكاد �أن يتو ّقف قلبه لوال �أن ّ
�سهقت بهدوء و�سدمة� ،أتخ ّيل ذلك �مل�سهد ،و�آخر ،فيه يحملني ظافر كطفلة
�سغرية ،بينما �أالم�ص �سي ًئا ما د�ف ًئا للغاية �أمام �سدره ..ال بل كان �ساخ ًنا! �أتذكر
�إخفاء ظافر لهذ� �ل�سيء مبالب�سه حني �أ�سرت �إليه بتيه ..كانت قالدة �أ�سطو�ن ّية
ب�سكل غام�ص ،وتخرج منها حر�رة جعلتني �أ�سعر بالطماأنينة الأ�سبل �ل�سكل ،تلمع ٍ
جفوين م ّرة �أخرى ..و�نتهي كل �سيء وقتها..
ص ع
رفعت وجهي لظافر ب�سدمة و�ساألته بعقلي:
ريص ع
-لكن كيف ��ستطاع �لو�سول بالوقت �ملنا�سب؟!.
ع
ظهر �سوت �لطنني بعقلي ب�سورة ملحوظة ،وباتت فكرة �للحاق به رغبة ُم ّلحة،
ففعلتها دون ��ستئذ�ن ،غادرت �لغرفة ومل �أد ِر �أن مبج ّرد رحيلي �بت�سم ِطر�د الإز�لني
ً
قائال:
� -آن�ستي ..هل تعلمني �سبب وجودي هنا �الآن؟.
غ�سة يف حلقها وقالت بنربة حاولت �أن تكون طبيع ّية بينما ترفع
�بتلعت �إز�لني ّ
رقبتها لرت�ه بو�سوح:
� -أتيت مع �أخي لالطمئنان على �إليونور�� ..ألي�ص كذلك؟.
-لي�ص هذ� فقط...
قليال لرت�ه دون �أن تتعب نف�سها ،وقال بينما ينحني بر�أ�سه ً
قليال قالها و�قرتب ً
بو�سع معني بحركة م�سرحية ً
قائال: مع طوي ذر�عه وفرد �الأخرى بجانبه ٍ
بك �إز�لني!.
� -أتيت الأل ّبي و�جبي ،فاأنا من �ليوم �حلار�ص �خلا�ص ِ
�حم ّر وجه �إز�لني ً
خجال �أثر �ملفاجاأة ّمما جعلها تهم�ص با�سمه بغري ت�سديق،
فقال هو بعذوبة:
� -أعتذر لتاأخري كل هذ� �لوقت...
�أغم�ست �إز�لني عينيها مبت�سمة ،و�نهمكت تخفي خجلها باإعادة خ�سلة متم ّوجة
من �سعرها �الأ�سقر خلف �أذنها..
T
�لرفرفة ،مانعة �إ ّياها من تقليد عباءتي �ملتفاعلة مع �لرياح �لباردة خلف ظهري.
�لقوي بوجهي ،وكم �أردت �أن �أدفن
بت �أحاول منع نف�سي من �ال�ستناد على ظهره ّ
نف�سي به حتى ال ي�ستطيع قر�ءة �أفكاري �لتي تد�فعت و�حدة تلو �الأخرى بق�سوة عن
ما كنت �أ�سعر به بلحظات �ملقاومة �الأخرية لذلك �حلار�ص �لنذل ،كما ��ستعدت
يهتم
�إح�سا�سي �لذي ��ستح�سرته الأ�سعر باالطمئنان ،و�إح�سا�ص وجودي بجانب �أحد ّ
الأمري ،يحميني ويطماأنني ..يعدين بحمايته لقلبي من �لتو ّقف ،ي�سمن د ّقاته بهذ�
�لعامل �لقا�سي �ملظلم ..وكتمت �سهقتي حني تذ ّكرت �آخر ما هم�ص به قلبي..
منظر ّ
ع
خالب ،مل �أكن الأت�س ّور �أنه يتو�جد مبثل هذ� �لعامل ٍ تو ّقف قمر �أمام
ع
يل ترفرف عباءته خلف ظهره ،فاقرتبت تلك �مل�سافة �لطويلة �لتي قطعها ،و�لتفت �إ ّ
يف�سر يل َمل نحن
أحت�س�ص �ملاء �لبارد بيدي� ،أنتظر من ظافر �أن ّ
�أنا من �ل�ساطئّ � ،
هنا �الآن ..وحني طال �ل�سمت ،عادت يل ت�ساوؤالتي مبنتهى �لق�سوة ..الأجد نف�سي
ب�سوت م�سموع:
ٍ �أت�ساءل
-مل يخفق قلبي بالذنب؟ وكاأنني �أخون من �أحببت؟.
�لتفت يل ظافر ،فاأخفيت �سوؤ�يل باآخر ،الأزيل حرجي ،رمبا يعتقد �أنه ت�سحيح
ملا تف ّوهت به للت ّو:
-كيف �أعرف �إن كنت �أحب �أحدً � بحياتي �الأوىل؟.
ر�أيت ظاف ًر� يعبث بالع�سب �لبايل بحذ�ئه ،فا�سرتجعت �أنا �سي ًئا ما تذ ّكرته
قري ًبا:
يوما عن كوين ر ّبة منزل ،ملا �أعرفه من مهار�ت باملطبخ و�لتنظيف
-ت�ساءلت ً
يوما؟.
وغريها ..هل تعتقد �أنني كنت كذلك ً
مما �أثار حنقي ،فاقرتبت منه وفتحت �سدر ف�ستاين و�ساألت
ظل ظافر �سامتًاّ ،
مبر�ر:
-مل قتلت؟ ت�سحية من �أجل من �أحب؟.
و�أ�سرت ل�سيء على ج�سدي ال �أر�ه بو�سوح قائلة:
-من كتب تلك �حلماقة؟ كيف له �أن يكتب ذلك بدون �أي تف�سري! هل ما زلت
ترى تلك �حلروف �مل�ستفزّة ظافر؟.
علي ليخفي ما ظهر من ج�سدي و�أجابني
�أبعد ظافر يدي و�أغلقت عباءتي ّ
ريص ع
بربود:
� -إذ� كان قد قب�ص روحي ،فبالطبع يعرف كيف ُمت� ..أق�سد كيف قتلت! كما
يوما!.
يعرف من �أنا ،كيف كانت حياتي �أو من كان قاب ًعا بقلبي ً
رفع يل ظافر عينيه الأول م ّرة منذ �أن �أتينا �أمام �لنهر ،الأرى �سوء �لقمر بعينيه،
بحزم وت�سميم:
وقلت ٍ
� -أريد �لو�سول لقاب�ص روحي!.
بتو�سل م�س ّممة على
�أ�ساح بب�سره عني ،فاقرتبت من ميينه الأو�جه عينيه وقلت ّ
فكرتي:
ص ع
� -أرجوك!.
زيع والتو
يوما ظافر؟.
-هل �سعرت باحلب ً
وبتمهل ر�سمت �بت�سامة �أمل على
ٍ �لتفت يل فجاأة ف�سعرت بب�سي�ص من �الأمل،
�سفتي حني �أجابني بـ:
ّ
-نعم...
فرجوته:
-من كانت؟ �أميكنك �إخباري؟.
قول ذلك تط ّلب مني �لكثري من �لق ّوة ،لك ّني لفظتها رغم غريتي و�س ّلمت �الأمر
له� ،أريده �أن يخربين بهو ّيتها ،كيف �أحبها ومتى ،حتى ميكنه �أن ي�سعر بتلك �مل�ساعر
بد�خلي ،فيقدم على م�ساعدتي!
أر�سا ،و��ستند بظهره �إىل جذع �سجرة عظيمة ،ففعلتحت ّرك خطوتني وجل�ص � ً
�أنا مثله وجل�ست � ً
أر�سا لكن �أمامه� ،أريد �لنظر �إليه بينما يحكي ،و�أظنه �سيفعل
ذلك لده�ستي!
نظرت له مبت�سمة بت�سجيع ،بينما دموعي -جمهولة �ل�سبب -ترت�ق�ص بعيني
تريد خيانتي �أمامه ،فاأطرقت بر�أ�سي وتن ّهدت ب�سمت بينما �أغلق �أهد�بي و�أعيدها
خطة دموعي ،ومن ثم �أعدت �لنظر لظافر مفتوحة الأكرث من م ّرة حتى �أجه�ست ّ
م ّرة �أخرى ،و�لذي بد� �ساردً� حني قال:
وقت طويل حني ر�أيتها �أول م ّرة ..كانت طفلة �سغرية تلعب -كان هذ� منذ ٍ
وحدها مبلل طفويل ..حتى جاء �إليها خرب و�سول مولودة �سغرية لت�ساركها
فرحا متالأ �لكون ب�سحكاتها �لر ّنانة..
حياتها� ،أختها �ل�سغرية ،فقفزت ً
كم بدت وقتها بريئة� ،سافية ونق ّية!.
ك
قليال ثم ��ستطرد:
ص ع
ب�سرود
ٍ �مل�ساعدة منه ليجعلني �أكت�سف من �أحب ،لك ّنني رغ ًما عن ذلك ت�ساءلت
زيع والتو
�سحك مبر�رة وقال م�ستنك ًر�:
-مل �أكن الأ�سمح لهذ� باحلدوث!.
الحظت نربته �ملتم ّلكة ،فاأثار ف�سويل �أكرث ،و��ستمعت له باإن�سات حني قال
ب�سرود:
-ماتت ..قبل �أن �أمت ّكن من �لظهور �أمامها و�لنظر بعينيها عن ٍ
قرب ولو
مل ّرة!.
�سهقت و��سعة يدي على فمي ومل �أدرك �أن دموعي قد بد�أت بالتج ّمع ،وقلت
ب�سوت متاأثر ،غري م�س ّدقة ما قال للت ّو:
ٍ
-و�نتهى كل �سيء؟ فقط بهذه �لب�ساطة؟.
فاأجابني بعد �أن تن ّهد تنهيدة �أثارت �لق�سعريرة بج�سدي:
-مل �أرد حلياتها �أن تنتهي هكذ� ..فمنعت قاب�ص �الأرو�ح من �القرت�ب منها،
وحني �أجربين بالت�سليم لالأمر �لو�قع� ..ساومته...
�عتدلت يف جل�ستي ونظرت بتط ّلع لوجهه �ملختفي حتت ذلك �ل�سو�د �لقامت،
الأجده ي�ستكمل ما يقول� ،ساردً� ما ب�سفحة قلبه:
-كنت �أعلم �أنني مبج ّرد عودتي للحياة لدي عمر حم ّدد ،وبانتهائه �ساأعود
للعامل �الآخر بدون �أي ذ�كرة عن حياتي ،عك�ص ما كنت �أفعل بطبيعة �حلال،
�أتن ّقل بني �لعاملني بحر ّية...
و��ستطرد:
�سحيت به.
-ف�ساومت بن�سف عمري باحلياة ،ومت تاأجيل موتها مبقد�ر ما ّ
ريص ع
�أزلت يدي عن فمي و�سرخت به بغري ت�سديق:
ص ع
وقبل �أن �أقول �أي �سيء قاطعني:
ع
-مل �أكن �أعلم خطورة كوين ً
قاب�سا �أرو�ح �إال بعد حت ّويل...
��ستطرد بنف�ص �لنربة ،ليذ ّكرين مبا قال �ساب ًقا حني �أر�ين ملعة عينه �لي�سرى:
-نظرة �الأرو�ح -دون �لوعي بكيف ّية �لتعامل معها -تعك�ص طبيعة �لفتاة� ..إن
كانت ح ّية متيتها ،و�إن كانت دميمة...
قاطعته �أنا:
-جتعلها جميلة!.
-بال�سبط!.
قالها ظافر ،ففهمت مغزى ما قال ور ّددت ما ف ّكرت به:
-هذ� يعني �أنك حرمت من �لنظر �إليها؟.
�أوماأ ببطء ،فانفجرت �أنا ببكاءٍ �أكرث مر�رة! كيف هذ�! كيف عا�ص بجانبها
آدمي �ملحظور عليه روؤيتها ب�سبب لعنة ن�سفه �الآخر!
بن�سفه �ال ّ
-مل يت�سن يل روؤيتها �إال حني قب�ست روحها بنف�سي ،حني �نتهت حياتها للمرة
�لثانية...
و�أ�ساف بدفء:
-و�سكرت �سنيع من ح ّولني لقاب�ص �أرو�ح ،بعد �أن علمت ما ت�سمى برق�سة
�لود�ع!.
�سهقت ب�سدمة بينما �أ�سع يدي على قلبي� ،هدئه ،قبل �أن يقتلع �سدري بد ّقاته،
وت�ساءلت بده�سة:
ريص ع
ً � -إذ� هي حقيقية؟ لي�ست جم ّرد ّ
ق�سة؟.
ر ش
والتوزي
تن ّهد و��ستطرد:
ع
-كما �أنهم �نتهاز ّيون للغاية ،رمبا �سيطمعون برق�سة ود�ع �أخرى مع �لفتاة
يوما!.
�لتي كانت لهم ً
�ق�سع ّر بدين وقلت بتقزّز:
-ال �أريد رق�سة �أخرية! فقط �أريد معرفة من �أنا!.
�لتفت يل ظافر ً
قائال بح�سم ،يغلق م�سار �حلديث:
-م�ستحيل ..لن ميكنك معرفة هذ�!.
زفرت ب�سيق ،وذهبت مقرتبة منه ونظرت لعينيه فتج ّمد للحظة ونظر يل،
�حم ّر وجهي تدريج ًّيا حتى �أ�سبحت كح ّبة �لطماطم ،وقد �سكن �لطنني بعقلي
�إال عن جملة و�حدة ..ر ّددتها كث ًري� بقلق فتاة مر�هقة تقدم على �سيء ال تعرف
خطورته:
� -أعتقد �أنني و�قعة بح ّبك ظافر!.
ركبتي م�ستندة بيدي على �سدر ظافر ،على مو�سع قلبه حتديدً �،
ّ وقفت على
وت�ساءلت بعقلي:
-هل يل بتف�سري؟.
يدي لقناع وجهه
مل �أجد منه ردًّ� ،و�نتهزت فر�سة جت ّمده هكذ� ،ورفعت �إحدى ّ
عيني ..ال يهمني كيف يبدو وجهه �الآن ..ال �الأ�سود� ،أجذبه لالأ�سفل ،و�أغم�ست ّ
ي�سغلني �سوى هو نف�سه ..هو فقط ظافر! ال �أريد �سي ًئا منه �إال غمو�سه ،نربة �سوته
�لعميقة �لهادئة و�ل�ساخرة �أحيا ًنا ،ثباته وحزمه معي ،و� ً
أي�سا �حت�سانه يل بدفء..
ص ع
رفعت يدي من على �سدره الأحيط بها موؤخ ّرة ر�أ�سه كما فعلت يدي �الأخرى،
� -أدركت �أن هذ� ميكنه �حلدوث جم ّددً�...
و��ستطرد:
-هذه ..حتميني من �أن �أقع بحب �أي �أحد غريها!.
�أد�رها باأنامله بخ ّفة �أمام وجهي الأر�ها ،وقد ��ستحال لون �لق ّنينة �أ�سطو�نية
�ل�سكل تلك من �الأ�سود �إىل �ل�س ّفاف بطريقة مذهلة ،ليت�سح يل ما بد�خلها! وقبل
�أن �أنطق مبا �أرى قال هو بتاأ ّثر:
-قطعة من قلبها ..ودموعي!.
ر ش
والتوزي
معه على �الإطالق!
ع
-هذه �لتي تذ ّكرين بها ً
دوما و�أبدً � ..و�لتي �ساأعطيها لها حني �ألقاها.
هم�ست �أنا مت�سائلة بغرية �سادقة:
-ميكنها �أن تاأتي لهذ� �لعامل؟.
�أعاد �لقالدة للونها �الأ�سلي قبل �أن يخفيها د�خل مالب�سه ،بالقرب من �سدره
وقلبه فابتعدت حر�رتها عن وجهي ،وال �أن�سى تلك �للمعة بد�خلها ،هل هي من نب�ص
قلبها بها �أم ب�سبب دموع ظافر �ملتالألئة؟
� -سرت�ين� ..أنا على يقني باقرت�ب هذ� �ليوم.
بركبتي بالقرب من �ملاء �لبارد� ،أخذت �لقليل منه
ّ ��ستدرت مبتعدة عنه الأهوي
بني يدي وبق�سوة قذفت به على وجهي� ،أ�سيح بد�خلي:
لك!.
� -أفيقي �إليونور�! لن يكون ظافر ِ
ك ّررت فعلتي و��ستطردت بحزم� ،أذكر نف�سي بهديف �الأول:
أنت �الأمرية �لتي �ستملك كل هذ�! حبيبك هو �الأمري ،ولن يكون بقلبك متّ�سع
ِ �-
لغريه �أبدً �!.
نه�ست متثاقلة فا�ستعنت بقمر الأ�ستقيم يف وقفتي ،وقلت لظافر بينما �سوتي ما
متح�سرجا �أثر �لبكاء:
ً ز�ل
� -أعدين للقلعة� ..أريد �لنوم...
م�سحت على �سعر قمر قائلة ب�سرود وكاأمنا �أذ ّكر نف�سي بهديف:
علي �ال�ستعد�د للرق�ص منذ �ل�سباح �لباكر...� -قرتب حفل مولد �الأمري ،ويجب ّ
ريص ع
ب�سمت و�ساعدين على �متطاء �لفر�ص ،وعدنا للقلعة بني ٍ �قرتب ظافر
والتوز عي
بظافر من �ليوم �الأول هنا ..و�أخ ًري� تذ ّكرت �سوؤ�يل �خلجول الإيفي:
-هل من �لطبيعي �أن� ..أن يحت�سن �حلار�ص �لفتاة �لتي يحميها؟.
وتذ ّكرت �إجابتها ..وجحظت �أمامي كلمة «�أ�سدقاء» بق�سوة ،لت�سفعني على
ف�سرت يل �سبب �حت�سان
وجهي الأ�ستفيق ..وباتت كلمات �إيفي ترت ّدد بد�خلي حني ّ
حار�سها لها �أكرث من م ّرة:
-طب ًعا ..فنحن �أ�سدقاء!.
دفنت ر�أ�سي بظهر ظافر رغ ًما عني وت�ساءلت مبر�ر:
-هل كان ما بيننا جم ّرد «�سد�قة» ..وهدمتها �أنا باندفاعي وته ّوري؟.
T
)(18
تلك �لليلة مل �أ�ستطع �لنوم قط ،وظ ّلت ذ�كرتي ت�سف يل كم كان موقفي
ريص ع
حمرجا �أمام ظافر ،مبا فيها دموعي �أمامه و�لتي مل �أدرك �-إال �الآن� -أنها مثرية
ً
والتوزي ر
ي�ستند على �لفر��ص يكتب �سي ًئا ما ،نظرت ملا يكتب بف�سول ،الأر�ه يخط بيده حرو ًفا
ع
�أعرفها ج ّيدً �! �إنها لغتي! وحني حاولت �لنهو�ص �أخذ �لورقة و�أبعدها كي ال يلم�سها
�لغطاء فيف�سد حربها ،وهم�ص بـ:
-ت�سعرين باالأرق؟.
�سحكت ب�سخرية من نف�سي و�أ�سحت بوجهي بعيدً � قائلة با�ستنكار:
-ال بل �سوت �حتكاك قلمك على تلك �ل�سفحة يزعجني!.
الحظ ظافر �أنني �أعانده ،فنه�ص ونظر يل وقال بنربة بها �سيء من �ل�سخرية:
ب�س ّم �أذنيك حتى �ل�سباح �آن�ستي؟.
-هل يل َ
زفرت ب�سيق ومتلملت ب ِعند للجهة �الأخرى ،وقلت:
-ال �أريد �أ ًّيا من تعاويذك� ،ساأكون بخري!.
مل هذ� �جلفاء بنربتي؟ �أنا ال �أكرهه كي �أعامله هكذ�!
-يف حالة بقائك م�ستيقظة ً
طويال؛ ميكنك قر�ءة هذه� ،أمتتت ترجمتها للت ّو.
مل �ألتفت له ،وت�س ّنعت �لالمباالة حني �ساألته من �جلهة �الأخرى بهم�ص:
-وماذ� يوجد بها الأقر�أه؟.
يل بجذعه وهم�ص باأذين بينما ترك �لورقة على �لو�سادة بجانب وجهي مال �إ ّ
بنعومة:
-ر�سالة من �لفتاة �لتي تلق ّبينها بفتاة �حلكايات.
�نتف�ست حني �بتعد و�ق ًفا كما كان و�أخذت �لورقة بحما�ص�� ،ستق ّريت بو�سع
�جللو�ص وقر�أت �لعنو�ن:
ريص ع
-ج ّثة ح ّية� ،أم بقايا عرو�ص؟.
ص ع
�بت�سمت يل �لفتاة ذ�ت �لعينني �لرماد ّيتني و�لكحل ير�سمهما باإتقان ،بينما
ر ش
والتوزي
�لتي ال تظهر �إال ر�أ�سها ،وت�سرت باقي ج�سدها �ملدفون و�ق ًفا ،الأ�سمعها بو�سوح تهم�ص
ع
باأذين بفحيح:
-هل تنتظرين �حلب منه؟.
�رتع�ست �بت�سامتي وت�ساءلت بهدوء وثبات:
يتغري هذ� �أبدً �!.
-م�سلحتي تكمن يف ُحب موالي �الأمري ،ولن ّ
�سمعتها ت�سحك با�ستهجان ،وفجاأة �سرخت باأذين:
قلب يا حمقاء؟.
-وهل لديه ٌ
�نتف�ست و�قفة الأرى �أنني �أرى برج �لعر�ئ�ص �لعايل ،و�أنادي با�ستعطاف:
يوما؟.
-يا عر�ئ�ص �لربج �لعايل� ..أميكنني �لزيارة ً
ف�سمعت �أ�سو�تًا متد�خلة� ،سوت �لثالث عر�ئ�ص� ،لفتاة ذ�ت �لكحل بعينيها،
و�سوت جالدي�ص! يقلن يف نف�ص �ل�سوت ،باختالف نرب�تهنّ :
دوما!.
-ت�ستطيعني هذ� ً
كانت نربة �لثالث فتيات حزينة مريرة ،نربة �لفتاة كحيلة �لعينني �سارخة،
ونربة جالدي�ص م�ستغيثة ر�جية!
�سعرت باأنني �أهوي بحفر ٍة عميقة� ،سحيقة ال تنتهي �أبدً �� ،سعرت بانقبا�سات
معدتي توؤ ّرقني ،و�أ�سو�ت �خللفية توؤذيني� ..أ�سو�ت ممتزجة من �ل�سرخات،
�ل�سحكات و�لنهنهة �ل�سامتة ..كنهنهة عرو�ص �الأمري �لتي ر�أيتها تبكي قبل �أن
تختفي باليوم �لتايل!
ص ع
فر��ص كبري
فجاأة �رتطمت ب�سيءٍ ناعم للغاية ،ففتحت عيني الأرى �أنني على ٍ
ع
بكل ق ّوتي بينما �أحاول �لتقاط �أنفا�سي ،الأجد �أنه فجاأة قد �س ّمني �إليه بقبلة! وكل ما
ع
�سرخات ..ونو�ح!
علي فقط �أن �أخرج من بني
هل �أتذكر �الآن رق�ستي �الأخرية؟ نعم! هي فر�ستي! ّ
�أح�سانه الأ�ساأله؟ من �أنا؟ كيف مت قتلي؟!
�أخرجني قاب�ص �الأرو�ح ب�سعوبة من بني �أح�سانه ونظر يف عيني ،الأرى عينيه
خا�سا وفجاأة وجدت نف�سي بعامل �آخر ،الأجد �سوته يهم�ص يل
�سعاعا ًّ
�لد�معة ت�سع ً
بـ:
عليك مل ّرة و�حدة فقط.
-حلظاتك �الأخرية� ..ساأعر�سها ِ
مبمر مظلم� ،أرتدي �أزياء
عيني وفتحتهما بغري ت�سديق ،الأرى �أنني ٍ
�أغم�ست ّ
غريبة غري ذلك �لرد�ء �ملعتادة على �رتد�ئه بطابق �لعر�ئ�ص ،نظرت حويل بتيه
وفجاأة �سمعت �سوت ��ستغاثة!
أتو�سل �إليكم �أنا مل �أفعل لكم �سي ًئا!.
-فليخرجني �أح ٌد من هنا �أرجوكم! � ّ
خفق قلبي ببطء وتن ّهدت بارتعا�ص ،وخرج مني �سوتي وكاأنني ال �أحتكم به:
أنت �سغريتي! ال تخايف ها �أنا هنا!.
� -أين � ِ
وفجاأة �سرخت �لفتاة بـ:
� -أختي! �أغيثيني!.
مل يكن لدي حل �سوى �أن �أفتح �أبو�ب ذلك �ملم ّر دون �حلاجة لل�سوء ،با ًبا تلو
باب
�الآخر� ،أ�سعر مبحتو�ه �لفارغ الأتنقل ملا يليه ،وفجاأة ملحت �سو ًء� ياأتي من حتت ٍ
ما ،فرك�ست �إليه وفتحته بكل ما ّيف من ق ّوة ،الأجد �أ�سو�تًا رجولية ت�سحك مبجون،
بغ�سب وغري ت�سديق:
ٍ �إال حني ر�آين و�حد منهم �ساح يف
ريص ع
أنت! كيف و�سلت �إىل هنا!.
ِ �-
ع والتوزي
ومل �أ�سعر ب�سيء �آخر وقتها ..فاأدركت باأنه �سوت �نف�سال فقر�ت رقبتي عن بع�سها
�لبع�ص ،مما �أنهى حياتي...
فتحت عيني م ّرة �أخرى الأجد �أنني طيف� ،أجل�ص على ج�سدي �ملنتهي ،و�أمامي
يقف هذ� �لطيف ،و�سمعته يقول بنربة خالية من �لتعبري:
-يجب علينا �لذهاب.
ب�سرود وغري ت�سديق ،و�أ�سحت بب�سري لتلك
ٍ وم ّد يده يل ،فو�سعت بها يدي
�مل�سكينة �لتي تغم�ص عينيها بني جثث �لرجال �لهامدة ،وقبل �أن �أقول �أي �سيء
�سمعت �سوت ذلك �لطيف يقول:
�سحيت به كان كاف ًيا الإنقاذها.
� -ستكون بخري ،ما ّ
ت�سديق و�سحت بغري فهم:
ٍ نظرت له بغري
-ماذ� تق�سد!.
جذبني الأنه�ص ،و�أحاطني بذر�عيه ً
قائال:
�سحيت بحياتك الأجلها! من �أجل �أن تعي�ص هي! �ستعي�ص ،و�سرتحلني!.
ّ -
نزلت من عيني دمعة فم�سحها �سري ًعا ،فابت�سمت �أنا وت�ساءلت بر�سا:
دوما؟.
-وهل �ستكون بخري ً
�أوماأ فز�دت �بت�سامتي �إ�سر� ًقا ،وهم�ست بر�حة:
-وهذ� كل ما �أريده.
ص ع
تن ّهدت فرفع ذلك �لطيف وجهي له ،الأنظر بعينيه ،وفجاأة ظهر �سعاع قوي،
ر ش
والتوز عي
-هل ر�أيت نهايتك؟ هل يكفي �أم �أنك تريدين روؤية نهاية �أخرى؟.
عيني بغري فهم ..بينما عيناي ما ز�لتا متّ�سعتني على �آخرهما من
فرفعت له ّ
�ل�سدمة!
من هذه؟!
ممر �س ّيق مظلم ال ينريه �إال �سعلتان �أر�هما من على
فتاة ت�سري �أمامي ببطء ،يف ٍ
بعد كبري ..ر�أيتها تلتفت خلفها مبت�سمة ب�سفاء ،فر�أيت وجهها� ..إنها جالدي�ص! ٍ
كيف �أن �أخطئ ربطة �سعرها غري �لناعم!
ناديتها بغر�بة:
-جالدي�ص؟ �أين تذهبني؟!.
و�أ�سرت خلفي قائلة بتاأكيد:
-طابق �لعر�ئ�ص من هنا!.
علي! فاأدركت �أن هذ� ب�سبب �سعف �سمعها ،فهرولت خلفها ،ونظرت
مل ترد ّ
بوجهها الأرى �سفتيها يهم�سان بحما�ص:
� -ساأرى موالي �الأمري �أخ ًري�!.
ر�أيتها حت ّل ربطة �سعرها لين�ساب على وجهها وجبينها بنعومة مل �أعتقد ً
يوما
�أنها تليق بها! وتلمع عيناها باأمل ،فقلت �أنا:
-جالدي�ص! ال ترحلي وترتكيني!.
ع
�سحكت هي و�لتفتت يل ،ثم عادت تنظر لالأمام وكاأنني ل�ست هنا من �الأ�سا�ص!
والتوزي
�أنني �أقف بجانب �إحدى �ل�سعالت!
ع
�سوت لدي� ،أحاول
جالدي�ص ت�سري ببطء ،و�أنا �أتبعها بريبة ..و�أناديها باأعلى ٍ
مل�ص يدها �إال �أن يدي تعرب من خاللها وال مت�سك بها ..وبكيت بذعر حني �قرتبت
من �ل�سقوط ،و�سرخت با�سمها بكل ما بي من ق ّوة:
-جالدييييييي�ص!.
و�نتهى كل �سيء! هَ َوت جالدي�ص!
و�سعت يدي على فمي بغري ت�سديق ،و�لتفت الأعود حيثما كنت ،لكنني فزعت
با�سطد�مي باأحدهم ..ج�سد �سئيل و�سغري ..ج�سد �إيفي!
نظرت لها بتيه ،الأر�ها تبت�سم يل بينما تفرك عينيها �لناع�ستني ،تتطاير
منامتها �لوردية �لناعمة وتهم�ص يل ب�سوتها �لناعم �ملبت�سم:
كنت �أختي؟.
� -أين ِ
يف حركة و�حدة �عتدلت بو�سع �جللو�ص و��سعة يدي على قلبي �لذي يخفق
�سفتي ،وفجاأة �سعرت بيد
بجنون ،ومل �أدرك �أن �سهقة عالية قد �نطلقت من بني ّ
تر ّبت على ظهري ،فالتفت الأر�ها �إيفي �ل�سغرية تهم�ص بـ:
� -آ�سفة هل �أفزعتك جم ّددً�؟.
جل�ست على طرف فر��سي ور ّبتت على يدي قائلة:
ليال �ملا�سية ت�ستيقظني مفزوعة! هل تر�ودك �لكو�بي�ص؟.
-ما بك؟ للثالث ٍ
ليال؟.
-ثالث ٍ
ن ل بل ت ك -يف �أي يوم نحن �الآن؟.
وز�د مع ّدل تن ّف�سي بني نظر�ت �إيفي �ملرتابة ،و�سمعت ر ّده �لفوري:
� -أجل؟.
��ستدرت الأجده يجل�ص على مييني ،وي�ساهد ما �آل �إليه حايل! ف�ساألته بغري
ت�سديق:
-ماذ� يحدث يل؟.
نه�ص تار ًكا �ملف ّكرة �ل�سغرية من يده ليخفيها بجيب مالب�سه من �لد�خل ،وقال
الإيفي:
وال ر
توزيع
-ح�س ًنا.
نه�ست من على فر��سي و�أ�سارت يل باأنها �سرتحل مبت�سمة ،وخرجت الأكت�سف
�أن كاليب كان يقف قرب �لباب ينتظرها� ،لتفت لظافر وت�ساءلت بذعر:
ليال؟.
-هل منت لثالث ٍ
ناولني كا ًأ�سا من �ملاء وقال:
أنت ال تذكرين �إال �لكو�بي�ص �الآن ..دقائق و�سيعود كل �سيء كما
� -هد�أيِ � ،
كان.
�سربت بع�ص �ملاء ثم �أعدت �لكاأ�ص �إليه مت�سائلة بغري ت�سديق:
-وهل �حلفل �ليوم؟ �الآن؟.
�أ�سار لل�سرفة ،فنه�ست ب�سرعة ومل �أبال بكوين د�ست على غطاء �لفر��ص �لذي
�أزحته عني لي�سقط � ً
أر�سا ،و�سهقت بذعر حني وجدت �الأ�سو�ء باالأ�سفل� ،ملقاعد
و�لب�ساط �لكبري �لذي يب ّدل لون �لع�سب� ..لتفت لظافر الأجده يقف بالقرب مني،
وقبل �أن �أقول �أي �سيء وجدته ي�سع يده �لي�سرى خلف ر�أ�سي يث ّبتها ،ويده �الأخرى
تد ّلك جبيني باإبهامهً ،
هام�سا ببع�ص �لكلمات �ملبهمة بالن�سبة يل ،وفجاأة عاد �إ ّ
يل
ر�سدي!
قر�أت حكاية قبل �لنوم من �لورقة..
طماأنت �لفتيات على حايل باليوم �لتايل..
عرو�سا..
�الأمري طلب ً
در�ص �لرق�ص �ساق للغاية ب�سبب �سدمة �ملد ّرب الختفاء �إز�لني..
ع
-ح�س ًنا ال د�عي للتفكري باملا�سي �الآن� ،ليوم فر�ستك للح�سول على �الأمري،
��سحريه برق�ستك وبرد�ئك �جلديد...
�لتفت� ،أريد �لو�سول ل�سندوق مالب�سي �أ�سفل �لفر��ص ،لكن ��ستوقفني ظافر
ً
قائال يقاطع ما نويت فعله:
عنك نظ ًر� -و�لرد�ء باالأ�سفل ،لقد قامت �إحدى �خل ّياطات باإنهائه ً
بدال ِ
ل�سيق �لوقت.
بحما�ص
ٍ �أوماأت وذهبت للم�سرت�ح� ،أنوي �الإ�سر�ع للذهاب للخ ّياطة ..و�أ�سعر
مفاجئ لهذ� �ليوم!
T
وقف يف منت�سف غرفة �حلياكة �لتي تعمل �ملا�سطة بجزءٍ منها و�جلميع
ينظرون يل بانبهار ،يخربونني �أنني �الأجمل ،وبالطبع �سيدعوين �الأمري لغرفته
�خلا�سة!
ّ الأق�سي معه �سهرة عيد مولده على طريقته
ر�أيت �لرد�ء �لذي حكته بنف�سي و�بت�سمت بفخر ،فكان من قما�ص �ل�سيفون
�خلفيف بلون �لع�سل من �الأكمام ،وقما�ص �آخر رقيق له نف�ص �للون على باقي �جل�سد
وتعجبت من كوين �سنعت غطا ًء خفي ًفا للوجه من
و�ل�ساقني ،بتطريز ب�سيط هادئّ ،
عيني فقط ،وين�سدل على رقبتي بنعومة..
نف�ص خامة �ل�سيفون ،ليربز ّ
ع
�حل�سا�سة -كما �أعطتني �ملا�سطة بع�ص �مل�ستح�سر�ت ّ
�ملح�سرة طبيع ًيا لب�سرتي ّ
ن
وبدال من �أن �أ�ستدير و� ّأجته للباب ومن ثم �أذهب للنهر
ر ش
والتوز عي
لال�ستحمام ،خطرت على بايل فكرة! �سيء �سيجعلني �أ�سرخ طاردة كل خماويف
إح�سا�سا م�ساع ًفا باحلما�ص و�ل�سجاعة!
دفعة و�حدة و�أكت�سب � ً
تركت رد�ئي� ،سر�ئطي وم�ستح�سر�تي الإحدى �خلادمات وطلبت منها �أن
ت�سعهم باالأ�سفل ،و��ستاأذنت من �ملا�سطة �أن �أدخل لغرفة �ملر�يا �ل�سغرية!
�أدركت هي ما �أرنو �إليه فرتكتني وحدي وقالت حلار�سي:
-تلك �لفتاة متح ّم�سة للغاية �ليوم!.
�قرتب مني ظافر ودلفنا للغرفة بهدوء ،تو ّقفت للحظة� ..أنظر �إليها باأمل ..كم
يوم ح�سرت فيه �إىل هنا ،حني تف ّقدو� ج�سدي بغري رحمة ،ال مبالني ذ ّكرتني باأول ٍ
بكر�متي! وحني دفعتني �ملا�سطة من هنا لالأ�سفل� ..لتفت الإحدى �ملر�يا �أدفعها
كالباب ،لتزيد �نعكا�سات �سورتي و�سورة ظافر بطريقة جنون ّية ،ونظرت لالأ�سفل
الأرى �لعر�ئ�ص يقمن باأخذ ح ّمامهن ،فتن ّهدت و�أغلقت �لباب ً
قليال برت ّدد ،و�سمعت
ي�سجعني:
�سوت ظافر ّ
� -ن�سي كل ما مررت به من هنا ،و�قفزي ..قفزة و�حدة �ستكون بد�ية حلياتك
�جلديدة� ،ستخرجني من هنا �أمرية!.
�سفتي بغري ثقة وكدت �أن �أ ُم ّر بجانبه الأخرج
نظرت له برت ّدد ،ثم ع�س�ست ّ
لغرفة �ملا�سطة م ّرة �أخرى حيث �لتماثيل �لباردة بينما �أقول:
علي ��ستعمال �لدرج �لعادي فقط...
ّ -رمبا يجب ّ
ه ّز ظافر ر�أ�سه نف ًيا ومنعني من �ملرور ،فنظرت له بت�ساوؤل ،الأجده ينظر يل يف
عيني موؤكدًّ�:
ع
ّ
�سقطت باملاء وغ�ست به ،فتحت عيني به على �لفور الأر�قب فقاقيع �ملياه تندفع
بجنون من حويل ،وفجاأة �سعرت مبوجة �أخرى حتركني� ،أحدهم قد قفز هو �الآخر،
يل ،ميد ذر�عي وما هي �إال حلظة حتى ر�أيت ظاف ًر� يغو�ص �إىل �أعماق �ملاء متّج ًها �إ ّ
بحما�ص،
ٍ �أمامه ليلتقطني ويجذبني خلارج �ملاء ،الأفتح عيني �ساهقة �أنفا�سي
و�سحكت!
كنت تريدين �ملكوث بق ّية �ليوم حتت �ملاء!.
� -أجننت؟ هل ِ
قالها ظافر بغري ت�سديق به �سيء من �النفعال ،فابت�سمت يف وجهه قائلة:
ص ع
� -سردت لبع�ص �لوقت! وال باأ�ص �أنا بخ ٍري �الآن!.
والتوز عي
�سخ�سا ما متحم�ص بع�ص �ل�سيء!.
ً -يبدو �أن هناك
�بت�سمت و�أنا �أعرف �أنها تق�سدين ،لكن �سرعان ما عب�ست حني تذ ّكرت
ق�ستها تلك بال ّ
�سك! و�سردت جم ّددً� ،فجاأة وجدت كو�بي�سي ،و�لتي هي ب�سبب ّ
�إيفي ّ
تر�سني باملاء وتناديني:
� -أختي �جلميلة! ال تن�سي وعدك يل!.
�لتفت لها بينما �أخفي ما ظهر من ج�سدي و�ساألت مبت�سمة بغر�بة:
-هه؟ �أي وعد؟.
و�سردت يف كونها تناديني «�أختي»!
م ّثلت �إيفي �النزعاج ب�سحك كاليب وقال يح ّدثني بعفوية من خارج �لنهر بينما
يجفف رد�ءه من �ملاء:
-وعدتيها �أن ت�سبح و�سيفتك! حني ت�سبحي �الأمرية!.
�سعرت باأنني قلت هذ� ،فانطلقت �أومئ بتاأكيد لها مبت�سمة بحما�ص:
-نعم بالطبع! �ستكونني كذلك!.
ليف�سر ما غاب عقلي عنه:
ح ّدثني ظافر ّ
معك كاأختها ،الأنها ذ ّكرتك باأختك باحلياة...
أنت من طلبت منها �أن تتعامل ِ
ِ �-
عب�ست برتكيز وحاولت تذ ّكر وجه �مل�سكينة �لتي كانت ت�سرخ بذلك �لكابو�ص..
لك ّنني �سمعت �أ�سو�ت �سحكات مت�سل ّية ،فنظرت مل�سدر �ل�سوت الأجده �آت ًيا من
ص ع
تنظف و�حدة بع�سا على �ال�ستحمامّ ،خلفي ،من ثالث عر�ئ�ص ي�ساعدن بع�سهنّ ً
ع
�سحكت �إحد�هنّ بغرور وقالت يل:
ل�ست وحدك �جلميلة هنا! �سيختار �الأمري �أي و�حدة م ّنا!.
� -أدرين �إليونور�؟ ِ
بت�سل ول ّوحت بيدي يف �لهو�ء بال مباال ٍة قائلة:
حاجبي ٍ
ّ رفعت
-وما �لنقطة �لتي تريدين تو�سيحها بال�سبط؟.
�سحكت �ساحبة �حلكايات و�إيفي وحار�ساهما ،وقال ظافر بعقلي لينهي
�حلديث:
-جتاهلي ..و��سرتخي ً
قليال قبل �حلفل...
هززت ر�أ�سي يف خفاء و�سبحت بعيدً � يف ز�وية غري و��سحة للعيون و�سببت
�سائل �ال�ستحمام على ج�سدي وبد�أت بتدليكه ببطء ،بينما �أغم�ص عيني �أحاول
تهدئة �أع�سابي..
�لزي �لذي �أم�سيت يف ُ�سنعهوقفت بغرفة �ملا�سطة م ّرة �أخرى ،مرتدية ّ
�لكثري من �لوقت ،ت�سبطه �إحدى م�ساعد�ت معلمة �حلياكة على ج�سدي بينما
�ملا�سطة بنف�سها ت�س ّفف يل �سعري �الأ�سود �لفاحم ،رفعته لالأعلى باأحد �الأ�سرطة
بلون رد�ئي ،تاركة بع�ص �خل�سالت �لناعمة لتن�سدل على وجهي بدالل ،وتركته
بهيئة مرتاحة ،فاأخذت �أنا غطاء �لوجه �ل�س ّفاف و�رتديته بنعومة ..ر�قبت �إحدى
�مل�ساعد�ت ت�س ّفف �سعر �إيفي يف جديلة تبد�أ من �أول ر�أ�سها حتى �آخره ،كما فعلن
ً
من�سدال بعد ب�سعر و�حدة من �لفتيات� ،أما �لفتاة ذ�ت �حلكايات ،فقد تركن �سعرها
�أن فردنه باحلر�رة ليعطيها مظه ًر� ج ّذ� ًبا ،و�سعن �لقليل من �لزينة على وجهها،
ع
ورف�ست �أنا �أن يتم و�سع �أي �سيء على وجهي ،و�أ ّيدين ظافر يف ذلك ،الأكون مبظهري
ر ش
والتوز عي
عيني..
�نعكا�سا للون ّ
ً �أخرية ،و�بت�سمت حني ر�أيت يف لونه �لرقيق
حو��سي
عربت �جل�سر فوق �خلندق وظافر بجانبي و�أ�سعر برهبة لذيذة تدغدغ ّ
و�لهو�ء �لبارد يدفع عباءتي يحاول ك�سف ما �أرتديه ،لكن هيهات ،بت �أق ّرب �لعباءة
من ج�سدي كي تكون مفاجاأتي لالأمري وحده.
�أوقفتنا جليند� خلف �ستا ٍر كبري بالباحة �خللف ّية للقلعة ،وباتت متلي علينا
إذن منه ،كما�لتعليمات :ممنوع �حلديث �أمام �الأمري� ،لتطلع بعينه يكون فقط با ٍ
يجب علينا تقبيل يديه بعد �أي مدح يلقيه علينا� ،لعبو�ص غري م�سموح ،فنحن هنا
لر�حة �الأمري ،من �ستوؤدي رق�ستها � ًأوال يجب عليها تقدمي باقة من �لورود �إليه..
وكانت ورودً� بي�ساء رقيقة ،لك ّنها مل تعجبني ..مل �أ�سعر بها بروح �لورود �لتي �أنا
معتادة عليها..
قام �ملد ّرب �لذي �رتدى مالب�ص ر�سمية ال تليق به بالوقوف �أمامنا و�ختار من
�ستوؤدي �لرق�سة �الأوىل ،وكانت �لفتاة ذ�ت �حلكايات ،تليها �لعر�ئ�ص �الأخريات ثم
�إيفي ،و�أنا كنت �الأخرية� ..قرتب مني وهم�ص باأذين بحذر خو ًفا من نظر�ت ظافر
له:
أنت �الأف�سل لذ� تركتك للنهاية ،كاحللوى!.
ِ �-
�أم�سك ظافر كتف مد ّربي وهم�ص باأذنه بطريقة عد�ئية ،ميلي عليه ما ي�سعر
به جتاهه:
� -أردت �أن تكون مدربتها �مر�أة جتيد �لرق�ص برب�عة ،لكن ها �أنت ذ� ،فقت
جميع تو ّقعاتنا و�أثبت �أنك مدرب بارع وخبري!.
�سحك �حلر�ص وكتمت �أنا �سحكاتي ،فاحم ّر وجه �ملد ّرب و�أرجع �سعره للخلف
بخجل ً
قائال:
ر ش
والتوزي
�ساحكني ب�س ّدة ،و�بتعدت �أنا �أخلي م�سوؤول ّيتي عن ما قال ،و�حم ّر وجه �ملد ّرب،
ع
ف�ساحت جليند� بهم�ص:
-ال ثرثرة ،ال �سحك ،فقط تركيز!.
�بت�سمت الإيفي ول ّوحت لها فابت�سمت بحما�ص وهم�ست بـ:
-تبدين ر�ئعة ح ًّقا!.
�بت�سمت ملجاملتها ور�أيت �لتاأكيد بعني كاليب ،فابت�سمت له بامتنان ،ونظرت
لظافر ،كم �أردت م�ساركته حلظتي �مله ّمة تلك ،لك ّنني مل �أجده! بحثت عنه بعيني
وتعجب كاليب من فعلته وهم�ص الإيفي
و�ساألت �أحد �حلر�ص فاأجابني باأنه ال يعرفّ ،
و�سمعته �أنا:
-مل يجب عليه �لرحيل هكذ�! حت ًما �ست�سعر بالتوتّر!.
�بت�سمت بارتعا�ص وحاولت جتاهل ما قال� ،إال �أنني فجاأة �سمعت �أ�سو�ت �ألعاب
نارية بال�سماء ،و�أبو�ق عالية ،و�أحدهم ينادي بعظمة �سوته:
� -سم ّو �الأمري غيث.
�لتل�س�ص،
ّ ً
و�سهيال لفر�ص ،حاولت و�سمعت �أ�سو�تًا باخلارج ،ووقع �أقد�م
ب�سرج �أنيق
ٍ فتح ّركت لز�وية ما ونظرت من خاللها فوجدت جو�دً� د�كن �للون
فار�ص مغو�ر بينما
للغاية ،يرتدي ما ي�سبه عباءة ملك ّية فخمة ،مي�سك بلجامه ٌ
جل�ص عليه بزه ٍو ليكون �أعلى من �جلميع؛ هو �سمو �الأمري! رفعت ر�أ�سي لذلك
�لتاج �لعظيم و�بت�سمت برت ّقب ،وقبل �أن �أحاول ملح �أي من مالمح �أمريي ،جذبتني
�ساحبة �حلكايات بحذر وهم�ست بـ:
ع
تتل�س�سني هكذ�! عودي ملوقعك!.
أتك ّ� -ستوبخك جليند� �إن ر� ِ
ص ع
على عنقها بغر�بة! �سهق حار�سها بغيظ:
ع والتوزي
منه قطر�ت من دمائها!
ح�سرت �إلينا �لفتاة ذ�ت �حلكايات وقبل �أن تنادي على �لفتاة �الأخرى تو ّقفت
أر�سا تنزف من رقبتها على مالب�سها بغز�رة�أمام مظهرها �ملوؤمل ،لقد كانت جاثية � ً
وال ت�ستطيع �لتن ّف�ص بطبيعية� ،نحنى حار�سها ليحملها ،و�ساحت جليند� بذعر:
-ماذ� حدث لها! ما �لذي كانت ترتديه!.
�ن�سحب حار�ص �لفتاة ذ�ت �لهد ّية �لثمينة وجذب فتاته ،ودفعها ببطء للخارج،
بدال من �أن تكون �لرق�سة مزدوجة مع تلك �لفتاة لتوؤ ّدي هي �لرق�سة وحدهاً ،
�مل�سابة!
نظر �حلار�ص �لقلق للحار�ص �الآخر �ملتظاهر بالرب�ءة وقال بغيظ:
-ماذ� فعلتم بها!.
ك ّنا نر�قب بده�سة� ،إيفي تخفي عينيها من فظاعة �ملنظر� ،لفتاة ذ�ت �حلكايات
قد قطعت جز ًء� من رد�ئها �خلفيف لت�سنع به �سمادة للم�سكينة� ،لفتاة �لثالثة
أر�سا مت�سح على �سعرها ،و�أنا �أر�قب ..فقط �أر�قب تلك �ملوؤ�مرة.. جتثو بجانبها � ً
�ملوؤ�مرة �لثانية! و�لتي بالطبع �ستتّخذ جليند� �س ّدها �إجر� ًء قو ّيا بعد �حلفل!
حمل �حلار�ص م�سكينته للحكيمة ،وكادت �أن تذهب معها �سديقتها �إال �أن
جليند� منعتها بحزم ،وطلبت منها �أن توؤ ّدي رق�ستها �ملنفردة � ًأوال ثم تذهب كما
ت�ساء ،فاأم�سكت �لفتاة بع�ساها ذ�ت �ل�سر�ئط وجل�ست على مقعدها بهدوءٍ غام�ص!
�أخذت تلك �لرق�سة وقتًا �أكرث من ما ينبغي ،وبينما �أنا �ساردة يف �سوت
�حل�سور �ملنبهرين خلف �سوت �ملو�سيقى �ل�ساخبة ،وجدنا خادمة تقرتب م ّنا من
ع
�لباب �خللفي ،تق ّدم لنا م�سرو ًبا ً
منع�سا بينما تهم�ص:
والتوز عي
-ميكروب باجل ّو �أم بقطعة ُحلي على رقبة و�حدة منهنّ ؟!.
أياد مرتع�سة ،وتن ّهدت بد�خلي قائلة:
�أخذنا �لكوؤو�ص با ٍ
-ظافر� ..أحتاجك بجانبي �الآن ،فاأنا ال �أ�سعر باالرتياح!.
�نتهى �أمر �ل�سو�ئل بالكوؤو�ص م�سكو ًبا على �لع�سب �أ�سفلنا؛ مل تو�فق � ٌّأي م ّنا على
�سرب �أي �سيء بعد ما حدث لتلك �لفتاة ،فمن �ل�سهل جدً � �أن يحتوي هذ� �مل�سروب
مثال! فاالأفاعي تنت�سر هنا بطريقة وفرية ب�سبب كوننا يف �سم ًعلى �سيء غري �آمنّ ..
غابة ،من �ل�سهل �أن يتم ��ستخال�ص �س ّمها لبدء موؤ�مرة رخي�سة للغاية ال تكلف غري
�أرو�ح �لبع�ص!
كنت �أ�سعر باجلوع �ل�سديد ،لك ّنني حتاملت على نف�سي ،فمنعنا �ملدرب من
تناول �الإفطار قبل �حلفلة حتى ال نخمل �أو تتعب معدتنا ،فتح ّملت..
ح�سرت �لفتاة �لغادرة بعد �أن �نتهت رق�ستها ،فهوت عليها �لفتاة ذ�ت
ت�سب يف
�الأ�سرطة بال�سفعات �خلاد�سة على وجهها ف�سرخت �الأخرى باأمل وباتت ّ
يوما! جليند� متوتّرة للغاية ،فطلب �ملدرب من �الأخرى ،وكاأنها مل تكن �سديقتها ً
�إيفي �أن توؤدي �لرق�سة قبل تلك �لفتاة �لثائرة حتى يتمكنو� من تخلي�ص يدها من
وجه �الأخرى ،لكن ،مل يدركو� �أنها ب�سفعتها تلك تل ّقت عقا ًبا ع�س ًري� من �حلار�ص
�خلبيث ببع�ص �لدبابي�ص و�الإبر �ملتو ّفرة بغرفة �خل ّياطة! فقط نرثها بخ ّفة حتت
وح ّلت �مل�سكلة! ولن ت�ستطيع �لوقوف على �أقد�مها �حلافية بينما تت�ساجر مع فتاتهُ ،
عالج مك ّثف!
قدمها م ّرة �أخرى �إال بعد ٍ
ها هي فتاة �أخرى قد رحلت ،وهذ� يعني �أنه مل يتبقّ غريي ..ورغم �ندالع
ع
موؤ�مرة ثالثة �إ�سافية بخ�سة ،مل يظهر ظافر بعد!
ت
بخطى متّزنة ،مل �أرفع عيني لالأعلى �سوى حني �أخذت �أوىل
ر ش
والتوزي
�لعديد من �حل�سور مبالب�سهم �لفخمة �لغالية ،ن�ساء ورجال يف �أبهى �سورهم،
ع
من �لبذالت �لر�قية� ،لفرو و�ل�ساعات �لغالية ..يظهر عليهم �لوقار و�لغرور،
يذكرونني بتلك �للوحات و�ل�سور على �جلد�ر بالردهة ،كما تظهر ر�ئحة عطورهم
�لكثيفة باجل ّو..
�ملر�سع بالذهب كلون تاجه
جال�سا على عر�سه �الأحمر ّ و�أخ ًري� ملحت �الأمري! ً
�لعظيم ،عر�سه يف م�ستوى �أعلى من �حل�سور لكن مل مينعه هذ� من مبادلتهم
حدي ًثا جانب ًيا ظهرت فيها �سحكته �ل�ساحرة يل ..كم �أ�سرتني!
حاولت �لرتكيز على �لوقوف بهدوء ،لكن م�سهد عينيه وهما مبت�سمتني هكذ�
بظهور جتاعيد خفيفة حولهما �أثار بقلبي تلك �لرهبة جم ّددً� و�رتع�ست �ساقاي
بوهن� ،سردت ب�سعره �لد�كن كلون جو�ده ،ويف ب�سرته �خلمرية �جل ّذ�بة �ملليئة
باحلياة ،و�لتي �أ�سعرتني بكوين �ساحبة للغاية مقارنة به ..مل �أ�ستطع �لنظر بعينيه
�أكرث كي ال تتقابال ،وتن ّهدت بارتعا�ص ،وقلت �أناديه بد�خلي مع بد�ية �للحن �لهادئ:
� -سمو �الأمري ..ها قد بد�أت �ملو�سيقى ،من ف�سلك �نظر �إ ّ
يل!.
رفعت ذر�عي تز�م ًنا مع بدء �أول �آلة بالعزف ،وفعلت �ملثل بذر�عي �الأخرى مع
يدي مع جذعي ً
قليال بتمايل �سوت �الآلة �لثانية ،ومع دجمهما م ًعا قمت بتحريك ّ
ناعم ،ون�سيت �أي �سيء بهذ� �لعامل �أو بغريه� ،سوى �سحكة �الأمري ..وباتت هي
هديف� ..ساأ�سل لك �س ّيدي ..و�ستكون يل وحدي �ليوم!
�نتهت رق�ستي ب�سالم ،وحني خفتت �ملو�سيقى عادت قدماي لي�سعر� مبلم�ص
�الأر�ص بعد �أن كنت عال ًيا بال�سحاب� ،س ّفق يل �جلميع فتجر�أت لرفع عيني ً
قليال
و�أده�سني ما ر�أيت وجعل قلبي يخفق بق ّوة! �الأمري يقف ي�س ّفق ببطء ،حتى بعد �أن
�سمتت �أ�سو�ت �لت�سفيق من حوله! ترى هل كنت بامل�ستوى �ملطلوب الإبهاره؟ وبدوت
ر ش
والتوز عي
بر ّقة ..وفجاأة �سمعت �سوت وقع � ٍ
أقد�م خفيفة ،و�سهقات �حل�سور!
أنفا�سا
�أخف�ست ر�أ�سي بارتعا�ص وحاولت عيني جذب �أي م�سهد� ،إال �أنني �سمعت � ً
رجول ّية منتظمة فوق ر�أ�سي ،فكتمت �سهقتي وت�ساءلت بد�خلي:
-هل ..هو �سم ّو �الأمري؟.
وقبل �أن �أخ ّمن �أكرث� ،سعرت باأنامله �لد�فئة تد�عب ذقني �لرقيقة ،ترفع وجهي
�إليه ،حتى تقابلت �أعيننا!
كم هو و�سيم! �سعرت بر�حة غريبة مبج ّرد �لنظر �إليه ،و�سعت يف عينيه
تعرب عن
�لزرقاوين بلون �ملحيط� ..سعرت بتج ّمع �لدموع بعيني ،تلك �لدموع �لتي ّ
ما عجزت عنه �لكلمات ..فما هو �أمامي �الآن هو �الأمري ذ�ته ،يبت�سم يل ب�سفتيه
�لناعمتني لتظهر تلك �لتجاعيد �لتي توؤ ّكد �سدق �بت�سامته حول عينيه ..مل �أ�ستطع
�أن �أفكر يف �أي �سيء �سوى �أنه �أجمل من ر�أت عيني ب�سن �ل�ساد�سة و�لع�سرين! ال..
مر كان!
بل باأي ُع ٍ
�أز�ل غطاء وجهي �خلفيف ..وتركه ين�سدل على رقبتي كالعقد..
أنت مم ّيزة ..وفريدة.
ِ �-
قالها �الأمري فاأ�سبلت جفوين عنهً ،
خجال من عينيه �للتني �أغرقاين مبياههما
�جلارية ،وقبل �أن �أفكر مبا قال وجدته يخدرين بكلماته �لعذبة:
-مل �أ َر بحياتي �سي ًئا �أكرث ِر ّقة ِ
منك!.
�أير�ين �أكرث ِر ّقة من �إيفي؟ كم هذ� موؤثر بالن�سبة يل! تذ ّكرت جليند� حني
ركبتي� ،أم�سكت بيده،
�أخربتنا بتقبيل يده بعد �أي جماملة يقول� ،نحنيت �أمامه على ّ
وقبل �أن �ألثمهما �ساألني بعذوبة �سوته �الأج�ص:
ر ش
والتوزي
� -إليونور� ..هو ��سمي.
ع
يدي بر ّقة ،وقبل
وبحذر �سديد �أخذت �أنحني على ك ّفه �لتي �أم�سكتها بني �أنامل ّ
�أن �أطبع ب�سفاهي قبلة �سغرية حتمل كل ما بي من م�ساعر متخبطة� ،سمعت �سوت
�لبوق ينفجر لي�سق �ل�سمت بفظاعة ،فرفع �الأمري ر�أ�سه لالأعلى بت�ساوؤل ،لنجد
�لرجل ذ� �ل�سوت �لعظيم يقول بتح ّفظ:
-يوؤ�سفني �إخباركم باأن حري ًقا �سديدً � قد ّ
�سب باملطبخ �لكبري ..و�أعتذر
منكم ،يجب �البتعاد عن �لقلعة قدر �الإمكان!.
ركبتي ،الأجد ّ
�لدخان ّ رفعت ر�أ�سي ببطء للقلعة ،بينما ما زلت جاثية على
يتطاير بكرثة من نو�فذ �لقلعة وفتحاتها باأحد �لطو�بق لتغ�سي عيني عن �لقمر
�لذي �سهد على �أروع حلظاتي بهذ� �لعامل ،بد�أت �أ�سمع �سوت �سرخات بعيدة تعرب
عن �لذعر و�لفزع ..هناك خادمات بالد�خل! � ً
أي�سا ميلد� كبرية �لطهاة! ترى هل
�جلميع بخري؟
جذب �الأمري يده من بني �أناملي ببطء حني �قرتب منه حار�ساه �ل�سخ�س ّيان
يقوالن بتح ّفظ:
-من �أجل �سالمتك �س ّيدي ،ينبغي لك �لذهاب قرب �لنهر.
وتابع �أحدهما وحده:
� -لقارب �مللكي جم ّهز ال�ستكمال �الحتفال و��ستقبال �سيادتكم.
نظر يل �الأمري بخيبة �أمل ،وقال بهم�ص:
ع
-يا للخ�سارة!.
ر ش
والتوز عي
نف�سي �ساجدة على �الأر�ص� ..أبكي بخيبة �أمل!
ما هذ� ّ
�حلظ! كنت قريبة للغاية وقاربت على �لو�سول له! ماذ� يظ ّنني �الآن يا
ترى؟ فاأل �سيئ؟ �أم جالبة للم�سائب؟
و��سحا بالبكاء ،حتى �إن �أ�سو�ت �جلميع
ً �نهمرت دموعي بغز�رة وبات �سوتي
ين وهم يرك�سون من �لقلعة و�إليها ينادون بع�سهم ً
بع�سا بذعر، قد خفتت عن �أذ ّ
دقيقة م ّرت قبل �أن �أ�سمع �حلر�ص ينادون على �جلميع� ..سو�ي!
علي فرفعت ر�أ�سي بت�ساوؤل..
وقت مل �أدركه قط� ،سعرت ب�سيء ناعم يو�سع ّوبعد ٍ
وجدته ظاف ًر�؛ قد �أح�سر عباءتي لي�سعها على ظهري ،ويف يده ت ّفاحة حمر�ء �سه ّية،
�أخذ يدي فتحاملت عليه الأنه�ص ببطء وخذالن وهم�ست بغري ت�سديق:
� -أين كنت؟.
بت�سل وقذف �لت ّفاحة عال ًيا ثم �لتقطها بنف�ص �ليد ً
قائال: �سحك ٍ
لك لتاأكليه!.
-كنت باملطبخ حتى �لدقيقة �الأخرية� ،أردت جلب �سيء ِ
و��ستطرد:
-بالتاأكيد ت�سعرين باجلوع بعد كل هذ� �ملجهودّ ..
تف�سلي!.
وناولني �لت ّفاحة ،فاأخذتها بني ده�ستي ،وقلت بغر�ب ٍة وقلق:
-لكن هناك حري ًقا باملطبخ! كيف كنت هناك!.
ر ّبت على يدي ً
قائال:
-تركتهم يتو ّلون �أمره ،فاحلر�ئق حتدث ب�سورة عادية ،ال د�عي للقلق!.
ريص ع
�سعفت قب�ستي حول �لت ّفاحة و�سحت به بغري ت�سديق:
ر ش
والتوزي
بعيني...
برق�ستي ونظر �الأمري ّ
ع
�سمتت �ألتقط �أنفا�سي ثم ��ستطردت بقهر:
-ثم تركني ورحل الأتاأ ّذي مرة �أخرى ..ومل تكن هنا!.
�سمت �أف ّكر ثم هطلت دموعي م ّرة �أخرى وت�ساءلت ب�سك:
� -أين كنت حينما �أ ّديت رق�ستي ظافر؟.
�سحك ظافر لي�ستفزّين ف�سرخت به:
-هل كنت �أنت م�س ّبب �حلريق؟.
ه ّز كتفيه وفرد ذر�عيه بال مباالة و�ن�سرف ،فلحقت به بني �ملكان �لذي خال
متاما من �لنا�ص ،الأ�سمعه يقول بهدوء:
ً
علي
� -ساهدت �جلزء �الأول من رق�ستك و�أعجبت بها للغاية ..لكن كان ّ
�الن�سر�ف لتح�سري موؤ�مرتي �لثانية!.
و�سعت يدي على قلبي -قبل �أن يهوي -بغري ت�سديق و�أم�سكت ذر�عه �أديره
�إ ّ
يل ،و�سحت فيه مبر�رة:
علي فر�ستي مع �الأمري! �أمل تك ِفك موؤ�مرة �إز�لني!.
-بفعلتك تلك �أ�سعت ّ
كتفي بيديه و�نحنى ليهم�ص بالقرب من �أذين بحر�رة:
ث ّبت ّ
أكتف بعد...
-مل � ِ
و��ستطرد لده�ستي:
ع
أنت موؤ�مرتي �لتالية �إليونور�!.
ِ �-
ر ش
والتوز عي
بطول ذر�عه ليخفينا بها عن �ملا ّرة ،ثم �نحنى �إ ّ
يل ،ويف حركة خاطفة كان قد �أنزل
حو��سي..
�سفتي ..ليذيبهما بقبلة خ ّدرت ّ قناع وجهه ،و�قتن�ص ّ
و� َ
أ�سقطت �لت ّفاحة من يدي!
T
)(19
ريص ع
عيني �إليه؛ �أحاول روؤية عينيه �لغام�ستني ،رفع هو طرف عباءته �ليمنى�أنا �أرفع ّ
وال ر
توزيع
و�أ�سقطت �لت ّفاحة من يدي!
ّ
ي�ستخف بك ..ير�ك رخي�سة بال قلب! �أفيقي! �إنه ي�ستغ ّل م�ساعرك جتاهه!
�رتعد قلبي وهوت دمعة من عيني ،ج�سدي ياأبى �حلر�ك ،عقلي ي�سرخ يف،
يوؤ ّنبني ب�س ّدة وقلبي يرجوين بالبقاء ..لكن ال!
دفعت ظاف ًر� بكل ما بي من ق ّوة ،قطعت ذلك �التّ�سال �لروحي بيننا بق�سوة،
ورفعت يدي �أريد �سفعه على وجهه �لذي �سرعان ما �أخفاه مبهارة ،لك ّنه فاجاأين
ب�سرعة يدي بتثبيت مع�سمي بني وجهينا ..لهثت �أنا �أنفا�سي� ،أكتم �سهقاتي �ملريرة،
وهو يلتقط �أنفا�سه بربود يوؤ ّكد ظنوين ..ومل �أجد يل قدرة على فعل �أي �سيء،
ف�سرخت به وجاء �سوتي ً
هزيال و�ه ًنا:
� -إ ّياك �أن ت�ستغ ّل �سعفي� ..أكرهك ظافر!.
�لدخان �لكريه ،وزدت حركتي �سي ًئاأ�سم ّحت ّركت ببطء للخلف وقد بد�أت � ّ
ف�سي ًئا ،تركته خلفي و�بتعدت م�سرعة لد�خل �لقلعة ..و�لغريب� ،أن �سي ًئا بد�خلي
�سعر باالنك�سار ..حني وقف ظافر مكانه ،ومل يتبعني!
بغرفة �حلكيمة ،على فر��ص �إز�لني حتديدً � ،نظرت �إز�لني حولها بقلق ،بينما
ر�أت نظر�ت �ل�سر�ر تتن ّقل بني ثالث فتيات ،يرف�سن تناول �لطعام �أو �لدو�ء رغم
حالتهنّ �ل�سح ّية �ملتدهورة ..و�حدة منهن رقبتها م�س ّمدة ،و�لثانية قدمها م�س ّمدة
و�لثالثة حتت ّل وجهها �لعديد من �لكدمات..
ِ -طر�د� ..أ�سعر بالقلق من مظهرهنّ ...
نظر ِطر�د الإز�لني �ملرتاحة على �ل ِفر��ص بو�سع �جللو�ص ،فنه�ص على �لفور
و�أغلق ِ�ستار فر��سها بالكامل ،وق ّرب مقعده من فر��سها وهم�ص:
ص ع
-هل هذ� �أف�سل؟.
والتوزي ر
ب�سوت غري م�سموع ،لك ّنه ��ستطاع
ٍ يد ِطر�د �لتي تالم�ص ذقنها بخ ّفة ..وهم�ست
ع
متييزه بكل �سهولة..
�� -ستقت �إليها�� ..ستقت الأمي!.
-مبا �أنها �لليلة �الأخرية يل هنا� ،ساأخربكن بحكاية� ..إحدى �حلكايات
�ملرتبطة باحلب ..و�خلذالن...
بعنف الآخر كلمتني ،وال �إر�د ًيا تذ ّكرت قبلة ظافر ،و�لذي مل ي�سعد
دق قلبي ٍ ّ
خلفي بعد �أن فررت من �أمامه ..ملعت عيني وحاولت �إخفاء تخ ّبط م�ساعري فقلت
خماطبة �لفتاة:
-قط ًعا لن تكون �لليلة �الأخرية ..فهناك فتاة عادت من طابق �الأمري من
قبل!.
قلتها الأ�سرف ذهني عن ما �أفكر به ،و�أخذتني خالياي لتلك �الأمرية �لتي
عادت ..لتبكي بح�سرة ومر�ر ،و�لتي ع ّذبني �سوتها و�أ ّرقني ٍ
لليال طويلة..
-وهل من عادت ..عادت بالفعل؟.
بقدمي و�بتلعت
ّ قالتها عرو�ص �حلكايات بابت�سامة �أليمة ذ�ت مغزى ..فهوى قلبي
غ�سة يف حلقي ،و�سددت على يد �إيفي �أر ّبت عليها� ..أتذكر حينما قالت: ّ
جماال فاالأجمل ..ليرتك �أكرثنا ً
جماال للنهاية!. -حت ًما يختار �لفتيات �الأقل ً
وعرفت من �ستكون �لتالية ..هل �الأمر �س ّيئ لهذه �لدرجة؟!
ً � -إذ� ..حكايتي �الأخرية بهذ� �لطابق ..عن فتاة جميلة ..ذبلت عيناها ب�سبب
يوما حتى تو ّقف قلبها...
دموع �لقهر و�ل�سعف ً
ريص ع
ب�سوت د�فئ،
ٍ �عتدلت يف جل�ستها و�حت�سنت �إحدى �لو�ساد�ت �الأر�سية ،وقالت
ريص ع
�لوحيدة من �لوزير!
والتوزي
للمغرور!
ع
�أحب �ملغرور فتاته وطفلته ود ّللها لعامني ،ثم بد�أ بتجاهلها وقتها الن�سغاله
باأمور �ململكة ،حتى جاء خرب �سعيد �آخر ..مت ّنى وقتها �أن يكون �ملولود ذك ًر� فت ًيا
قو ًياّ ،
ليتوىل من�سبه �ل�ساهق من بعده..
تو�لت �الأيام ،وو�سعت �ل�سقر�ء ما كان خمف ًّيا عن �لعيان لت�سعة �أ�سهر ،ولدين
جميلني ،بنف�ص لون عينيها ،و�سعر و�لدهما �لد�كن ،و�لذي منذ ذلك �ليوم �أطلق
على نف�سه لقب �مللك ،لتكون �ملر�أة �جلميلة �ل�سقر�ء ملكة ،و�ل�سغرية �أمرية و�أخت
الأمريين!
ً
مهال..
�أمريين؟
�سيتوىل �أمر �حلكم؟ ملن �ستكون �لقلعة �لبي�ساءّ كيف �سيكون �لو�سع؟ من
عمر طويل؟ هذ� ما ظ ّل ي�ساأله �مللك لنف�سه طو�ل خم�سة �أعو�م،
مبملكة �ل�سمال بعد ٍ
ر�قب فيهم �أطفاله.
دوما ما كان يرى �سورة م�س ّغرة من زوجته �حلزينة بابنته ،و�لتي �أ�سماها ً
باآخر ثالثة حروف من ��سم �الأم ،كما ر�أى فار ًقا كب ًري� ب�سخ�س ّية ولديهّ ،
مما �أتى
له بفكرة ..فكرة ��ستدعى من �أجل �لعمل بها �حلكيم ذ� �ل�سحر �لعظيم ،ليح�سر
وميثل �أمامه..
ح�سر �ل�ساحر �ملعالج �حلكيم ،و�سمع الأمر �مللك وبيده� ،لتي قد بد�أت تظهر
عليها بع�ص عالمات �لعمر ،ك�سف على قلب �الأمريين ،فات�سح �أن �أحدهما قا�سي
متاما مثل و�لدته و..
قلب حنون؛ ً �لقلب ،قوي وجريء ،و�الآخر ط ّيب ،م�سامل ذو ٍ
يعجل من قر�ر تدريب �أخته �الأمرية ..فابت�سم �مللك �بت�سامة خف ّية ،وعزم على �أن ّ
ص ع
ويل �لعهد ،و�لذي مت �ختياره �س ًّر�..
والتوز عي
�سديقهما �بن �ل�ساحر �حلكيم ،و�لذي كان �أكرب منهما بع ّدة �أعو�م فقط.
حر�ص على �أن يق�سي معظم وقته يف تدريب �بنه على �ل�سيد ،ومر�قبة درو�سه
للغات و�لعلوم� ،لتح ّدث معه و� ً
أي�سا �أخذه معه لتنفيذ بع�ص �الأحكام �خلا�سة..
كتعذيب حار�ص مذنب� ،أو �إق�ساء �إحدى �لعر�ئ�ص!
�سب �لطفل� ،سنتان كاملتان ،ظهر فيهما ل�سانه �لطليق� ،أ�سبح كالمه من ّم ًقا
ّ
بارعا باإم�ساك
�أكرث من حديث �أخيه ،ال ترجتف يده ب�سذ�جة �لطفولة ،بل كان ً
�لقو�ص و�ل�سهم� ،ل�سيوف و�خلناجر ،و� ً
أي�سا ��ستخد�م �ل�سوط للجلد و�لتعذيب!
�ساأم �مللك من تاأنيب �مللكة له ،تتهمه بعدم �مل�ساو�ة بني وليه ،و�إهماله البنته
حتى باتت منعزلة ،ال تتك ّلم �إال معها ومع ذلك �ل�ساب �بن �ل�ساحر ،فا�سط ّر �أن
ي�سارحها بنو�ياه ..و�لتي قد تط ّورت كث ًري� ،من ت�سليم �ل�سلطة لو�حد من �أبنائه
فقط ..مبا يقت�سي عليه �إبقاء روح �أحدهما فقط دون �الآخر!
�أر�د �مللك �أن يتم �إق�ساء ولده ط ّيب �الأ�سل و�ل�سعيف -من وجهه نظره -من
�لعامل ،بانتهاز فر�سة �سذ�جته و�سغر �س ّنة وعدم تع ّلقه به..
بكت �مللكة كث ًري� يومها ،حتى جاء موعد نوم �الأطفال ،وطلبت منها طفلتها �أن
تغني لها �أغنيتها ّ
�ملف�سلة ،و�لتي كانت �س ًّر� بينهما ،فابت�سمت �الأم وقبل �أن تاأخذها
بحنان ويبت�سم ..بينما مي�سح دموع عينيها بك ّفيهٍ للنوم ،الحظت �أخاها ينظر لها
�ل�سغريتني! فكتمت �سهقتها ولوعة بكائها ،وق ّررت �أن تغ ّني لهما ليناما ،و�سعتهما
�سوت مل ي�سمعاها منها من قبل ،وقد ك ٌل يف فر��سه �ل�سغري �مللكي ،وغ ّنت بنربة ٍ
كانت �ل�سبب بثبات كلمات �أغنيتها �لرقيقة بعقليهما ..وقلبيهما � ً
أي�سا..
�نتهت �الأغنية و�ن�سحبت �الأم لغرفتها ،وق ّررت �أن تقف �أمام �مللك �لعنيد
ص ع
وتعانده ،ومل تدر �أنها مبج ّرد خروجها من �لغرفة ،دخل �أحد �حلر�ص ليك ّمم فم
ع والتوزي
أر�سا بوهن بعد �أن تل ّقت �سفعة قالتها بعد �سجار د�م ً
طويال� ،نتهت فيه جال�سة � ً
قو ّية على وجهها �ل�ساحب �حلزين ،ذي �لعينني �لزرقاوين �لثائرتني ،كاملحيط وقت
�الأعا�سري ،ومل يكن للملك � ّإال �أن يزجرها بالق ّوة:
-قر�ر�تي �مللك ّية قابلة للتنفيذ فقط ال �لنقا�ص!.
�سرخت �الأمرية بجزع حني �سحر عينيها لرييها �أين ياأخذون �بنها يف تلك
حمموال بوح�سية و�إهمال ،ي�سعونه د�خلً �للحظة ،فقد كان و�ه ًنا فاقدً � للوعي،
�إحدى �الأَ ْ�س ِو َلة قامتة �للون قذرة �لر�ئحة ،لريموه بعيدً �!
بثقل
تخ ّيلت ما �سيحدث ودموعها تنهمر بغز�رة ويدها على قلبها �لذي بد�أ يدق ٍ
و�سعف� ..سيلقونه بالنهر! �سيظل يحاول �أخذ �أنفا�سه وطلب �لنجدة برب�ءة طفول ّية
لكن ذلك �لوزن �لذي �أرفقوه بال�سو�ل لن يجعله يتن ّف�ص �لهو�ء �أبدً �� ..سيغرق..
ويغو�ص حتى قاع �لنهر ..و�ستكون �آخر �أنفا�سه هناك باالأ�سفل ..وحده حيث �لظالم
و�لربودة ..حتى يتو ّقف قلبه �لربيء عن �لنب�ص!
هل هذ� جز�وؤك؟ ما بالهم ينفرون من �لقلب �لط ّيب ويبغ�سونه حتى يتو ّقف
عن �لنب�ص وحيدً �! كيف يفعل و�لدك هذ� بك من �أجل � ٍأخ لي�ص له ن�سف حنانك؟
�أفاقت من دموعها وحاولت حتريك ج�سدها �ملك ّبل � ً
أر�سا لتنظر البنتها
�ل�سغرية �لتي جاءت عند باب �لطابق تت�ساءل بنعا�ص:
� -أين �أخذو� �أخي؟.
رفعت �مللكة ر�أ�سها بفزع وهتفت بها:
� -رك�سي بعيدً � يا �بنتي� ..رك�سي!.
ع
-وقتها كان در�ص �ل�سحر �خلا�ص بي ،ع ّلمني و�لدي كيف �أقر�أ �الأفكار
ر ش
والتوزي
كنت
أنك ِ بك خائفة و�سائعة� ..أعلم � ِ ود ّقات قلبك �ملرجتف ،و�سعرت ِ
ع
تخ�سني �ملكوث بالق�سر �إن �ن�سغلت �سمو �مللكة �أو �الأمري ليث ..لكن كان
م�سرعا للقلعة
ً هذ� وقت �لليل ،من �ملفرت�ص �أن تكوين نائمة! نه�ست
�لتدخل ،ومل يقت�سر ّ بعد �أن �سمع و�لدي ما تفكرين به و�سعر ب�سرورة
�الأمر على ما �أ�سمعته �إياه فقط ..بل على ما ر�أى هو ..ر�أى �أملًا وذع ًر�..
قلوب نق ّية تخفق ببطء ،وكاأنها تدق د ّقاتها �الأخرية! و�سمع د ّقات ٍ
كنت
أن�ص حني ر�أيتك مق ّيدة ومك ّبلة على تلك �الألو�ح �خل�سبية �لدنيئةِ ..
مل � َ
عيناك مل تكونا بحالتهما ِ جم ّرد طفلة بريئة ..زهرة يافعة ملقاة باإهمال؛
�لطبيعية ،مل تريني فلم تبت�سمي ،وحني ��ستغللت فر�سة حت ّدث و�لدي مع
�سمو �مللك ناديتك ..ومل ت�سمعيني قط ..كما مل ت�سمع �سمو �مللكة �أي �سيء!
وقتها فقط ر�أيت �ل�سوط �الأ�سود بيده ،بيده �سم ّو �مللك ..كما ر�أيت تلك
�لعالمات �لدنيئة و�خلطوط �ملتقاطعة على ما ظهر من ج�سدك ّ
�له�ص
�ملف�سل �لذي لو ّثته دماوؤك ..ومل �أن�ص �أنه كان هناك...
ومالب�سك بلونك ّ
�سمو �الأمري غيث ،ير�قب ،ويتع ّلم ،كيف يظلم �لقلوب �لرقيقة!.
�سهقت �إز�لني بينما تنظر بعينيه لت�ستطيع تو�سيل ما تفكر به دون �أن ي�سعر بهما
�أحد من �لعر�ئ�ص وح ّر��سهنّ �ملنت�سرين بالغرفة �لكئيبة:
أن�ص قط ت�س ّرفه �ل�سادي معي َ -ع َّذ َبني �أبي ..و��ستمتع بهذ� ح ًّقا! مل � َ
علي بع�ص �سربات �ل�سوط ومع �أمي �لتي تو ّقف قلبها مبج ّرد �أن �نهالت ّ
�خلبيث ،مل حتتمل �أمي لك ّنني حت ّملت ...وما جعلني �أعذره هو �أنه
عرف �س ّرها ..علم باأنني ل�ست �بنته! مل �أ�ساأله كيف عرف ،الأنها كانت
مفاجاأة بالن�سبة يل � ً
أي�سا� ..أردت �أن �أ�ساأله ماذ� يق�سد باأنني ل�ست
�بنته؟ ظننت �أنه م�ستاء مني لكوين �ساألته عن ما �سيفعلونه باأخي
ص ع
ليث ،ومل �أكن �أدري �أنه ينتقم مني ومن و�لدتي الإخفاء حقيقة ن�سبي!
ر ش
والتوز عي
مر�ر �لتجربة قبله ،وكان لقلب �أمي �أن ينفطر ،كما حدث...
مل يحتمل ِطر�د �أن يرى دموعها �أكرث من ذلك ،م�سحها باإبهاميه و�س ّمها
بتقطع مع �هتز�ز�ت ج�سدها �لرقيق ،وقال ل�سدره بحنان لت�سهق هي �أنفا�سها ّ
ً
حماوال �إخر�جها من نوبة حزنها �لتي كان ي�سعر بها كل ليلة: بهدوء
كنت تنظرين للقمر وت�سكني له ،وكنت �أنا �أ�سمع ما -روز� ..أتعلمني ..حني ِ
ت�سكني به كل ليلة ،كم �أردت فعل هذ�؛ �أن �أ�س ّمك لتهد�أي...
تن ّهد وقال متاأوهً ا ل�سعفها:
� -آ�سف �سغريتي ..مل ت�ستح ّقي �خلذالن ً
يوما!.
دفنت �مل�سكينة وجهها �لباكي ب�سدره وهمهمت من بني بكائها:
� -أختار �لقدر �أن تكون باالأربعني من عمرك لتبقى معي بنف�ص �لعامل كما
�ختارين �أن �أكون بطابق عر�ئ�ص �الأمري �لذي ال يجوز يل ..لكن ..قلبك
يتغري قط؛ ما زلت ذلك �لفتى �ل�سجاع �لذي
ما ز�ل �سا ًّبا ِطر�د ..قلبك مل ّ
طاملا �أحببت �للعب معه و�لبقاء قربه وقت حزين.
�بت�سم ِطر�د و�أغم�ص عينيه متنهّدً � و�س ّدد من �س ّمها وهم�ص بعقلها:
-ويل �ل�سرف يا �سم ّو �الأمرية...
وبينما كنت �أنا غارقة بدموعي �ل�سامتة �ملذهولة ،دخلت جليند� بعد �أن عربت
منت�سف �مل�سافة بهدوء ،و�أ�سارت بيدها �لبي�ساء �ملكتنزة لفتاة �حلكايات ،وقالت
بتهذيب:
� -آن�ستي...
�نت�سر �سوتها �لرفيع �ملزعج كما �نت�سرت ر�ئحة �لقرنفل بالطابق ،فتاأففت
ر ش
والتوزي
لقد حان �لوقت...
ع
قاطعتها فتاة �حلكايات بهزّة ر�أ�ص ،ونه�ست بهدوء وهي تنظر �إلينا بدفء
تو ّدعنا ،وحني تقابلت عينها بعني �إيفي �سرخت �إيفي باعرت��ص:
-ال �أريدك �أن تذهبي ال ال!.
�سحكت �لفتاة وقالت م�ساك�سة:
أنك حتبني �جللو�ص معي �أم تريدين فقط �سماع
-ال تريدينني �أن �أذهب ال ِ
بق ّية �حلكاية؟.
�بت�سمت �إيفي باأمل وقالت بينما ت�سري باإ�سبعيها �أمام وجهها:
� -الثنان م ًعا� ..ساأفتقدك ح ًّقا!.
ق�ستها �لق�سعريرة
قالتها وقفزت حتت�سن تلك �لفتاة �لط ّيبة �لتي �أثارت ّ
بج�سدي وح ّفزت خاليا عقلي �لذي بد�أ بالطنني ،فابت�سمت باأمل ونه�ست ببطء
أي�سا بتاأ ّثر ،و�سمعت �إيفي تقول بني بكائها:
�أحت�سنها � ً
معك..
� -ساأذهب الأ�ساعدك بينما ت�ستع ّدين ،حتى �أحظى باملزيد من �لوقت ِ
ال �أ�سعر باأنني �أريد تركك �الآن!.
ثم �لتفتت �إ ّ
يل قائلة:
أنت � ً
أي�سا �إليونور� ،لنمكث معها هذ� �لوقت ،وناأخذ �حل ّمام �سو ًّيا ثم نعود -و� ِ
للطابق!.
فعلي
�رجتفت �سفتاي ومل �أ�ستطع كيف �أر ّد ..لن �أ�ستطيع �لذهاب معهماّ ،
�لبحث عن ظافر� ،أريده �أن يعرف مبا �سمعت!
ريص ع
أنت �إيفي ،فاإليونور� عليها �أن ت�سرتيح من ّ
دخان -ال د�عي؛ فقط تعايل � ِ
� -أ�سماها باآخر ثالثة حروف من ��سم �الأم...
بيدي �ملرتع�ستني برت ّدد لتقول هي مبت�سمة �بت�سامة ذ�ت مغزى،
�أم�سكت كتفيها ّ
يدي:
بينما تر ّبت على ّ
-حت ّري �حلقيقة �إليونور�...
مبج ّرد �أن قالت هي هذ� ،بد�أت حديثي هام�سة بارتباك:
� -أي حقيقة؟ �أتق�سدين �حلكاية؟ لكن ..كيف يل �أن �أعرف ما تب ّقى منها؟
وهل هي حقيق ّية؟.
وال ر
توزيع
وجنتي بهدوء:
ّ �بت�سمت يل بينما ر ّبتت على
لك �حلكاية...
� -أنت تعرفني من �سيكمل ِ
عب�ست برتكيز ،ور ّددت بعقلي ��سم ظافر� ..أريده �الآن بجانبي! �أريد �أن �أ�ساأله
ماذ� �سمعت للت ّو! نه�ست ب�سرعة �أبحث عنه بعيني ،فقالت هي وكاأنها جتيب على
ت�ساوؤيل:
-هو �الآن ببيت �ل�ساحر ..زوجي �لعزيز!.
رفعت عيني لها بغري ت�سديق ،وت�ساءلت بينما يكاد عقلي ينفجر:
� -ل�ساحر كبري �حلر�ص ..يـ ..يكون زوجك؟ لكن كيف! كيف ذلك ونحن
بنف�ص �لعمر ،وهو كه ٌل عجوز!.
�بت�سمت وهي تنه�ص وقبل �قرت�ب �إيفي هم�ست بـ:
-حت ّري �حلقيقة!.
هززت ر�أ�سي و�لف�سول يكاد يقتلني ..فكل هذه �ملعلومات مت ّثل خط ًر� كب ًري�..
كيف قابلت تلك �ل�سخ�س ّيات ومل �أتع ّرف �إليهم �أو � ّ
أ�سك باأمرهم حتى!
خرجت �لفتاة برفقة �إيفي �لتي كانت مت�سك مبالب�سها بحر�ص� ،بت�سمت �إيفي
ومت ّنت يل �أن �أح�سل على �لر�حة �لتي �أحتاج ..فهم�ست �أنا ب�سرود:
-نعم يا �سغريتي� ..أحتاج لذلك ح ًّقا!.
ومبج ّرد خروجهما ،حت ّركت ببطء ل�سوء �لقمر� ..أدين له باعتذ�ر ،فهذ�
�ملغرور كان يو�سل ر�سائل �أمرية حلبيبها �لبعيد ..كان �لر�سول �لذي ينقل �أخبارها
ص ع
دوما و�أبدً �� ..بت�سمت باأمل وناديت بينما �أم�سح على وجهي
له ،وكان مر�ساله �إليها ً
والتوز عي
T
طرقت �لباب �لد�خلي لغرفة �حلكيمة ،حيث فر��ص �إز�لني و�سط ُف ُر�ص ثالث
عر�ئ�ص متم ّرد�ت مذنبات وح ّر��سهنّ ،حت ّركت بهدوء و�أزلت �ل�ستار غري �ل�س ّفاف،
الأرى �سي ًئا �أذ�ب قلبي ح ًّقا ..تلك �لفتاة �ل�سقر�ء ،تبت�سم بحزن ،بينما مت�سك يد
م�ساعد كبري �حلر�ص ِطر�د بالقرب من وجنتها ،ترتاح على يده لتنام ،وهو ير�قب
تعبري�ت وجهها بحزن..
تنحنحت فالتفت يل� ،بت�سم و�أ�سار يل على �ملقعد �لقريب ،فاأغلقت �ل�ستار
خل�سو�س ّيتهما وجل�ست ..ر�أيته يقرتب منها ،طبع قبلة رقيقة على جبينها و�سحب
لي�سب كلماته بد�خل عقلي �س ًّبا:
ّ يده بهدوء و�لتفت يل ،وح ّدثني
-هل �نتهت و�لدتي من �سرد �حلكاية �الأخرية؟.
ّ
دق قلبي بعنف الأثر ما �سمعت ..وقبل �أن �أت�ساءل �بت�سم بينما يجيبني بكلماته
�خلف ّية:
� -أجل ..هي و�لدتي�� ،سطر و�لدي �أن يفرتق عنها باإر�سالها الإحدى �لزنازين
غري مالحمها و�س ّنها ،لتكون منا�سبة لذوق �الأمري ..حما قدرتها بعد �أن ّ
على �خلدمة لت�سعد لطابق �الأمري�ت ب�سرعة ..وبالرغم من �أننا هنا ال
ن�سيخ ،فاإنه �ساخ حز ًنا على فر�قها...
حاجبي و�أ�سرت له بغر�بة وت�ساءلت:
ّ �س ّيقت �مل�سافة بني
ريص ع
-و�أنت؟ �أنت ل�ست �سا ًّبا! �عتقدت �أنك تكرب �الأمرية بب�سع �سنو�ت فقط؟!.
ع
�سخ�ص �آخر غريب عنه ..لين�سى �مللك �أنني كنت �أعرفٌ �س ًّنا وكاأنني
�الأمرية...
تن ّهد ثم ��ستطرد:
-وليتاأكد من �أن وجودي بهذ� �ملن�سب هو ب�سبب كوين �أحد �حل ّر��ص �ملتم ّيزين
باخلربة فقط لي�ص �إال...
�عت�سرت جبيني بيدي وت�ساءلت ب�سك:
-وهل تو ّقف قلب �مللكة و�الأمرية كما �سمعت؟.
ه ّز ر�أ�سه �إيجا ًبا ..فنظرت الإز�لني �لنائمة ..فابت�سم هو ور ّبت على يدها �لتي
باتت تنقب�ص وتنب�سط بغري ر�حة ،حتى �سكنت ..وقال بحنان جتاهها:
أي�سا دفعت �لثمن ..تخ ّلت عن دمائها �مللك ّية وعا�ست مع �لعر�ئ�ص
-هي � ً
منتظرة ظهور �حلقيقة...
�بت�سمت لها باأمل ،فتابع هو �حلديث:
-حني ماتت �مللكة و�الأمرية و�ختفى �الأمري ليث� ،تهم �مللك �إحدى �لعر�ئ�ص
بد�ص �ل�سم لهما فدفعت �لثمن هي وحار�سها.. بفعل هذ� حل ّبها له� ،تهمها ّ
�أ�سرف �الأمري غيث على تعذيبهما برغم حد�ثة �س ّنه ..ومل يعلم �أحد
غريهما �أن �مللكة كانت �أوىل عر�ئ�ص �لربج �لعايل �ملتو ّقف قلبهن ..تليها
عزيزتي روز �أو �إز�لني كما �أ�سميتها� ..سمو �الأمرية �لرقيقة...
ه ّز ر�أ�سه باأ�سي و��ستطرد:
ع
-م ّرت �ل�سنو�ت ومات �مللك ،بل قتل ..وكان جز�وؤه من جن�ص �لعمل ..تعذيب
حني �نتهى من كلماته تلك تذ ّكرت كو�بي�سي� ،سرخات �آخر �أمرية ،نهنهتها
وتو�سلها ملن ي�سيطر عليها باأن يرتكها ،تد�خلت تلك �الأ�سو�ت مع
بالبكاء �ملرير ّ
�سر�خي حماولة تنبيه جالدي�ص لعدم �لذهاب لالأمري ،خويف من �نتهاك عر�ص
�أختي و�لتي �سرخت مبثل ما �سرخت به �لعر�ئ�ص ..و� ً
أي�سا كلمات عرو�ص �حلكايات:
-وهل من عادت ..عادت بالفعل؟.
و�سعت يدي على ر�أ�سي باأمل و�سعرت بالق�سوة تعت�سر قلبي ب�س ّدة ..كم هذ�
قا�ص! كم هذ� �لعامل �أ�سود مرير!
ٍ
ريص ع
كتفي و�ساألني:
و�سع ِطر�د يده على ّ
ع
-ظافر� ..أق�سد ليث...
و�أ�ساف لتتّ�سع عيناي:
� -سم ّو �الأمري!.
�سقطت دمعة من عيني حني تاأكدت من ما حاولت جتاهله ..وو�سعت يدي على
قلبي وتذ ّكرت قبلته يل� ..بت�سمت بارتعا�ص ونه�ست ..للبحث عنه!
T
)(20
حاربت هو�ج�سي و�نطلقت لطابق �لعر�ئ�ص ،نويت �أن �أجلب عباءتي �لثقيلة
ريص ع
و�لنزول للغابة� ،ساأبحث عن بيت �ل�ساحر و�لذي �ساأجد به ظاف ًر� ..بل �ساأجد �سمو
ص ع
ب�سكل
�أر�ه ..ال �أت�س ّوره ي�سبه �الأمري غيث �أبدً �! ّرمبا ب�سبب عينيه� ..إنهما خمتلفتان ٍ
والتوزي
ي�سح �أن �أنظر له
لكن �سرعان ما �رتبكت ،و�أدركت �أن من �أمامي هو �الأمري ..ال ّ
ع
هكذ�! لكن ،قلبي ياأبى �الن�سياع لهذه �لفكرة ..فيدق ويدق ،كاملجنون ..وعيني تلمع
بتح ّفز ..وعقلي ال ي�ساأل �إال �سو ًؤ�ال و�حدً �« ..كيف جنوت �سم ّو �الأمري؟»
يل ً
قائال: تن ّهد ظافر بهدوء ونظر �إ ّ
-ع�ست �أكرث من حياة� ..أمري �سغري ..طفل �سائع� ،ساب حذر ،وحار�ص..
لك ّنني مل �أن�ص طعم �ملوت ً
يوما...
غ�سة بحلقي ل�سماع نربته �ل�ساردة �لب�سيطة ،برغم ما يقوله من مر�ر.. �بتلعت ّ
مرتاحا بينما يلقي باحلمل من على
ً و�أردته �أن يحكي يل ..وقد كان ،بد� �سوته
�سدره ،و�رحتت �أنا لكوين �أ�سمع له� ،أردت �لتخفيف عنه ولو ب�سيءٍ ب�سيط..
ليوم �أ�سرقت به �ل�سم�ص ..وكاأن �لعامل حزن
-ليلة غرقي ،كانت �آخر ليلة ٍ
ُحز ًنا دفي ًنا على �لظلم �لذي قد حدث� ..أنقذين �ل�ساحر قبل �أن �أ�سهق
وطر�د؛ �بنه �أنفا�سي �الأخريةّ ..
فك وثاقي و�أخفاين بعباءته حتى منزلهِ ،
ينري �لطريق �أمامنا مب�سباح يدوي ب�سيط ..كنت �أعاين من �حل ّمي وقتها،
يف �حلقيقة عانيت منها مل ّدة �أيام ،و�سهر �لطبيب و�بنه ّ
يح�سر�ن يل
�الأع�ساب وقر�ءة �لتعاويذ ل�سفائي ،وزوجة �لطبيب ،تعرفينها ،كانت كاأنها
يوم
برفق و�عتنت بي حتى �سرت بخري ..ويف ٍ �أجنبت �ب ًنا ثان ًيا لها ،عاملتني ٍ
من �الأيام؛ وقف ثالثتهما �أمامي و�أخرب�ين مبا حدث ..ث ّبت �ل�ساحر تلك
�لذكرى بعقلي كي تكون ر��سخة لالأبد ،و�ختار يل ��سمي ..ظافر ..الأكون
دوما و�أبدً � ،و�أ ّكد يل �سرورة �النتقام ..و�إنهاء �لظلم..
ظاف ًر� بح ّقي ً
ع�ست بينهم ،ك�سب ّيهم �لثاين� ،أخفاين �ل�ساحر عن �الأعني لفرتة ،حتى
ع
علي جتعل كل من ير�ين م�سحو ًر� ،فينخدع بحجمي� ،سكلي، ��ستطاع �إلقاء تعويذة ّ
ر ش
والتوز عي
-ك ّلما �قرتبت �حلقيقة ،ظهر لون عينيك ..فحارب من �أجل ذلك ،حارب
من �أجل لون �لعني �الأزرق �ل�سايف و�لذي مياثل لون عيني �مللكة جيرنوز؛
و�لدتك...
ع ّلمني �ل�سحر كما ع ّلم ِطر�دً� ،حتى �أ�سبح م�ستو�ي �أقرب مل�ستو�ه ..خرجنا م ًعا
لن�سرف على �إ�سابات �حلر�ص �جلنود وقت �حلروب ،و�ساعدنا بعالج كبري �حلر�ص
�الأ�سبق ،ويف نف�ص �ليوم� ،أتى خرب تعيني �ل�ساحر ككبري �حلر�ص؛ حلكمته وملعرفته
�أ�سول �لكثري من �الأ�سياء..
وطر�دً� معه ،لرنى عاملًا
كان عليه �لتن ّقل من �لعامل �الآخر للحياة ،فا�سطحبني ِ
جديدً � غري �لذي نعي�ص به ..عامل ال تغيب به �ل�سم�ص �إال وت�سرق باليوم �لتايل ،عا ٌمل
به �جلميع مت�س ّبثون باحلياة ،وال يدرون بوجود حياة �أخرية لهم..
وكان �أول �سيء جعلنا نر�ه بهذه �حلياة بعد �ل�سم�ص ،حلظة ميالد روح بريئة
باحلياة ..روح �أختي روز �ل�سقر�ء �لرقيقة ..با�سم �إز�لني..
�أخربين �ل�ساحر باأنه �أعاد روحها لتولد و�سط �أ�سرة �سعيدة مرموقة �ل�ساأن،
تعوي�سا لها عن طفولتها �ل�سائعة ،ور ّبت على كتفي ،فاأدركت �أن ال طفولة يل،ً
أمال ،يكفي �أن ت�سعد هي بلحظاتها باحلياة ..ويكفي تلك �لنظرة بعيني و�بت�سمت � ً
دوما
ِطر�د ،ليجعلني �أوؤمن باأنها �ستكون �سعيدة بحياتها �الأخرى معه ..كما �آمنت ً
رغم �سغر �س ّني..
بتنا نرت ّدد على �حلياة ب�سورة غري منتظمة ،حتى ر�أيت فتاتي ..تلك �لتي
�سعرت بقربي منها مبج ّرد �لنظر بعينيها �لد�فئتني ..ومن يومها طلبت من �ل�ساحر
�أن يجعلني �أزور �حلياة و�أزور حياتها يوم ًّيا ..ع ّلمني كيف �أتنق ّل بني �لعاملني لكن
ر ش
والتوزي
أي�سا ..كم هي حمظوظة به!� ً
ع
��ستمعت له ي�ستطرد ب�سرود:
بعيني
ّ -كانت هي �لوحيدة �لتي جتعل �النتظار ه ّي ًنا ..فمتابعة يومها
-عدميتي �للون -لطاملا �أ�سعرتني بالدفء ..مل �أ�سعر بوجودها �أين ملفوظ
مرحب به بكال �لعاملني ..تابعتها تكربمن عاملي ،بل �سعرت باأنني �إن�سان ّ
يوما بعد يوم ،حتى �أ�سبحت �سا ّبة جميلة ،يكاد قلبي يتمزّق حني �أماميً ،
تخ�سني وحدي ..كما كانت يطيل �أحد �لنظر �إليها� ،سعرت باأنها ملكيّ ،
ل�سخ�ص ما دون غريه ،تنتظره باإخال�ص وال تعلم من هو..
ٍ هي؛ ت�سعر باأنها
لك ّنها ت�سعر به ..بقلبها وبروحها �لنق ّية ..حتى فقدت حياتها للمرة �الأوىل..
�لق�سة..
و�لثانية ..تعرفني باقي ّ
متحجرة بعيني ..الأ�سمعه يتابع بينما ينظر للقمر:
هززت ر�أ�سي باأمل ،و�لدموع ّ
-مبج ّرد �أن فقدتها ،عملت على �أن �أ�سرت ّدها ،كما عملت على �أن �أكون قو ًّيا
لالنتقام ..تد ّربت �أكرث ،تع ّلمت �أكرث وقر�أت �لعديد من �لكتب ،دخلت
�لقلعة �أكرث من م ّرة مع �ل�ساحر ومن دونه ،حفظت مد�خلها و�أبو�بها
وبت �أتردد
�ل�سر ّية �لتي ال يعلمها �أحد ،حتى �لربج �لعايل ..و�سلت لهّ ،
عليه الأرى من �فتقدتها� ،أهم�ص لها باأن تر�قب مرور �لزمن و�قرت�ب
ظهور �حلقيقة ،و�أم�سح دموعها كما فعلت قبل �أن �أفقدها ..وتفقدين..
كنت �أقوى �حل ّر��ص� ،أجت ّنب باقي �حلر�ص ،و�أظفر بثقة مد ّربي� ،أح�سل
على ترقيات حتى قدت ً
جي�سا خارج �ململكة ،بينما كان �أخي خممو ًر�
وبجانبه �أكرث من فتاة ..ي�سهر ليلته بغري ح�ساب...
تو ّقف عن �حلديث للحظة ..فالحظت �أنه يغم�ص عينيه بق ّوة ،وحني فتحهما
ريص ع
�ساألته برت ّقب:
ر ش
والتوز عي
حر��ستي؟.
�سحك ب�سخرية ،فاعتذرت منه لكوين غري ر�سمية معه باحلديثّ ..
ودق قلبي
يل ..وهي �أنني من كانوعقلي يبث بد�خلي فكرة و�حدة غريبة ،لك ّنها حمببة �إ ّ
ينتظرها ظافر� ..أنني حبيبته! �أ�سحت بنظري بعيدً � كي ال ي�ستطيع قر�ءة �أفكاري،
وهم�ست بد�خلي بـ:
-مل �خرتتني؟ مل؟.
�أجاب على �سوؤ�يل غري �لر�سمي مبت�س ًما:
أنت م�سحية؛ ُقتلت يف �سبيل �إنقاذ عر�ص
كنت �أكرث من منا�سبة كاختيارِ � ..
ِ -
�سقيقتك من �النتهاك ..ومل تكوين �ساخطة قط لهذ�...
غ�سة بحلقي بينما هم�ست له:
�بتلعت ّ
ً � -إذ� هذ� هو �ل�سبب؟ كوين م�سحية؟.
ه ّز ر�أ�سه ببطء ،فابت�سمت مبر�ر ..ونفيت فكرتي ،وقلت حمدثة نف�سي بو�سوح:
يوما حبيبته ..ولن تكوين!.
ل�ست �أكرث من �أد�ة �إليونور� ..مل تكوين ً
ِ -
تنحنحت قائلة ،بينما �أخفي م�ساعري �حلقيق ّية بينما �أتذكر قبلته:
-م�ساعدة �سم ّوك �سرف كبري يل ،كان عليك فقط �أمري بهذ� ..دون �لتح ّكم
مب�ساعري...
قلتها �إ�سارة �إىل �أفكاره �لتي كان يب ّثها بد�خلي ،كوين �أمرية على �عتبار ما
�سيكون ،كون قلبي لالأمري ،و�أخ ًري� ..قبلته..
ع
�سحك بهدوء ور ّبت على �سعري ً
قائال:
ع والتوزي
حب حار�سي ..فحار�سي� ،أو �الأمري ،مغرم بفتاة و�حدة ال يقبل بغريها ،ينتظرها
ب�سرب ليب ّثها م�ساعرهً � ..إذ�� ..أنا وحدي �الآن ..وال �أعتقد �أنني �سوف �أقع باحلب
م ّرة �أخرى..
-لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي ..لن تكون �إال لنف�سي...
تذ ّكرت �سوت �إز�لني بغناء تلك �لكلمات من �أغنيتها �ملتو�رثة و�خلا�سة ،ثم
تذ ّكرت وجه �الأمري �لو�سيم ،و�لذي مل �أ َر مثله قط� ..حم ّر وجهي ً
خجال ..و�قرتبت
ً
قليال من ظافر هام�سة:
ّ -رمبا �أعرف من تكون ..لكن ..ف�سويل يقتلني...
مل�ست قناع وجهه بيدي ،فر�أيت عينيه تبت�سمان ،وجاء �سوته �لهادئ يل لي�سعل
رغبتي �أكرث:
-ف�سويل يقتلني � ً
أي�سا...
ويف نف�ص �للحظة �سمعت �سوت فتح �لباب ،فتج ّمدت مكاين ،حتى �قرتبت من
ركبتي م�ستندة على
دخلت للت ّو ،لرت�ين بالقرب من ظافر� ،أميل �إليه بينما �أقف على ّ
إحر�ج وعدت للخلف
ٍيد و�حدة و�الأخرى كانت ممدودة لوجهه للت ّو ..فتنحنحت با ٍ
بع�ص تو ّت ًر� ..فابت�سمت هي بغر�بة ،و�سرعان ما
يدي بع�سهما �إىل ٍ
و�سممت كلتا ّ
ب�سوت وقور:
ٍ �أتت �سيدة لتقف بالقرب منها ،وقالت
أنك هنا �آن�سة �إليونور�...
-لقد �أخربتني �مل�سرفة با ِ
رفعت ر�أ�سي �إليها بغر�بة ،وهم�ست بـ:
ص ع
-ميلد�؟.
ع
-لقد �ساألنا �الآن�سة �إيفي و�أخربتني مبا تريد ،باالإ�سافة مل�ساعفة �لكم ّية �لتي
ع
� -ست�سعه ميلد� لغيث بطعامه ،لن ي�سبب �الأذى وقتها...
ريص ع
هي� ،لتي ظهرت يل �أثناء نومي ..جالدي�ص!
ع
أردت ..مل يكن بيدي منع �أي �سيء...
� -آ�سفة لكوين مل �أفهم ما � ِ
نزلت دمعة من عيني وهم�ست باأ�سماء فتيات كثري�ت �أعرفهنّ ..وفجاأة تذ ّكرت
�سوتي بالكابو�ص ..حني كنت �أ�ساأل:
يوما؟.
-يا عر�ئ�ص �لربج �لعايل� ..أميكنني �لزيارة ً
و�سوت �إجاباتهنّ ،وباأ�سو�ت تبدو ماألوفة:
دوما!.
-ت�ستطيعني هذ� ً
خ ّيل يل �أنني �أرى �سفاههن تتح ّرك مبا قلنه ،بينما ينظرن بعيونهن �ل�ساردة
بعيني ..فعدت ب�سع خطو�ت للخلف بخوف ..الأ�سطدم بظافر ،و�لذي �أم�سك بيدي
مر ّبتًا عليها ،وهم�ص بـ:
-تعايل معي...
بتوج�ص ،و�سرت خلفه بينما مل �أترك يده للحظة ،عربنا من �ستا ٍر
هززت ر�أ�سي ّ
�أ�سود ،لن�سبح بغرفة �سغرية ،بها عرو�ص و�حدة فقط ..ترتدي �أكرث �لف�ساتني
جماال و�سفاء ،وجهها ّ
مغطى بغطاءٍ من �لد�نتيل �الأبي�ص ،ر�أيته بو�سوح �لبي�ساء ً
بعد �أن �أ�ساء ظافر �ملكان بتميمته �لغريبة..
غ�سة يف حلقي برت ّقب..ر�قبته يرفع �لغطاء من على ر�أ�سها بحذر ،فابتلعت ّ
وجنتي �لناعمتني ،تنزلق
ّ دق قلبي بحنان وتاأ ّثر� ،سالت دموعي �ل�ساخنة على
حينها ّ
ب�سهولة لتحل حملها دموع �أكرث حر�رة ..كم هي جميلة من �أر�ها �الآن!
ع
ح ّركت ب�سري بني �سعرها �ملرفوع الأعلى ،مالئة ب�سري بلونه �الأ�سقر �لد�فئ،
ن
جماال ..وجهها �ل�سايف �أبي�ص �للون �إال �ل�سماء �ل�سافية ،با ٍ
ر ش
والتوز عي
ركبتي،
من حمرة وجنتيها و�سفتيها �لرقيقتني ..ال �إر�د ًّيا وجدت نف�سي �أجل�ص على ّ
و�أنحني بر�أ�سي ..فمن �أمامي هي �مللكة جيرنوز� ،لتي �أخفتها معظم كتب �لتاريخ
عن �جلميع!
هم�ص ظافر بدفء:
لك عنها من قبل...
-كيف حال جاللتك؟ هذه �إليونور�� ..لتي حكيت ِ
عيني الأرى عينيه تلمعان بحنني ،فاأخف�ست
رفعت ر�أ�سي بحذر ،م�سحت دموع ّ
ر�أ�سي ببطء وهم�ست بـ:
أنت جميلة!.
� -سعدت بلقائك �س ّيدتي ..كم � ِ
�سعرت بظافر يتن ّهد بحر�رة ثم يقول:
� -قرتبنا من �لو�سول �أمي� ..سي�سبح كل �سيء على ما ير�م ،فال تقلقي!.
هززت ر�أ�سي بتاأكيد ،وقلت باأدب:
� -أنا �أثق ب�سم ّو �الأمري ليث ..كما وثقت بحار�سي ظافر...
م�سحت دموعي و�بت�سمت بدفء ..كم ي�سعرين �لوجود بقربها بالر�حة! بالتاأكيد
كانت من �أطهر �الأرو�ح بهذ� �لعامل ..وكم ت�سبهها �إز�لني!
بك ..كم �أر�دت روؤيتك!.
أنك جميلة ..و�أنها تثق ِ
-تقول � ِ
�بت�سمت بينما �أرفع وجهي �أنظر له بتيه ..هل ً
فعال قال �آخر جملة عني؟ �أم �أنني
�أتوهّ م ،كما توهّ مت �أن �مللكة �جلميلة تت�سع �بت�سامتها؟
�سعرت بقلبي يخفق بعنف ..فان�سحبت للخارج قبل �أن �أفقد وعيي� ،أع�سابي
مل تعد حتتمل ،وعيني ال تكف عن ذرف �لدموع ..وتركته بالد�خل ..ينظر بعينيها
ص ع
ً
ري
طويال ..بطول �حلو�ر �خلفي بينهما..
ع والتوزي
�أخ�سى عليها من هذ� �الأمري �ل�سادي ،كما �أخ�سى من �مل�ستقبل �لقريب..
قبل �أن ننام ً
ليال ،دخلت جليند� ببطء وبينما هي مت�سك بفقر�ت ظهرها �ملتاأملة
من �سعود �لدرج �أكرث من م ّرة هذ� �ليوم قالت باأدب:
� -الأمري يو ّد �لعرو�ص �لتي �أعجب برق�سها باحلفل...
هوى قلبي بقدمي ونظرت لظافر ،و�إيفي ..ماذ� يعني هذ�؟ كم فتاة �أعجب
برق�ستها؟ تذ ّكرت �نبهاره برق�ستي ،فابتلعت ّ
�لغ�سة �مل�س ّننة �-لتي تك ّونت
بحلقي -ب�سعوبة وهم�ست جلليند�:
� -أي رق�سة تق�سدين؟.
�بت�سمت جليند� و�أ�سارت الإيفي قائلة:
-يريد �لعرو�ص �إيفي ..هو يعلم ��سمك �آن�ستي ،وقال يل �أنه �سيكون متف ّر ًغا
لك بالغد ،منذ بد�ية �ليوم!.
ِ
هل من �ملفرت�ص �أن �أطمئن بعد �أن قالت هذ�؟
هويت على �إيفي �أحت�سنها و�أدفن ر�أ�سي بعنقها �ل�سغرية بينما �أ�سهق �أنفا�سي
�ملتوح�ص ..و�لذي ال يكتفي
بتاأثر� ..سنفرتق� ..سترتكني تلك �ل�سغرية وتذهب لذلك ّ
�أبدً � من �إيذ�ء �لعر�ئ�ص!
أنك �الأجمل ،لذ� � ّدخرك للنهاية!.
لك �إليونور�! �إنه يعلم با ِ
-لقد قلت ِ
-ال تقويل نهاية!.
قلتها ب�سفتني مرتع�ستني بينما تو ّقفت عن �حت�سانها ونظرت بعينيها �لبن ّيتني،
ريص ع
ف�سحك كاليب ً
قائال:
ر
Tوالتوزي
ع
جل�ست بجانب ِفر��ص �إز�لني� ،أنظر �إليها باحرت�م و�أحت ّدث معها بر�سمية ،بينما
هي تبت�سم يل وجتيبني بر�حة؛ تعاملني وكاأنها �إز�لني ،ال روز �الأمرية!
مريحا باأن خرجت �لثالث مذنبات مع ح ّر��سهن لغرفة �حلكيمةكم كان �الأمر ً
�لعامة ،ليرتكا لنا م�ساحة �حلديث ..مل ي�سبحن عر�ئ�ص بعد �الآن ،الأ�سبح �أنا
�لعرو�ص �الأخرية �ملتاحة لالأمري...
مت ّنى ّطر�د لنا ّ
�حلظ ،و�أخرب ظاف ًر� باأن �جلميع �الآن بات يعلم بال�س ّر ،لقد
�أخربهم �ل�ساحر بطريقته ،وجميعهم منتظرون �إظهار �حلقيقة� ..سعرت بامل�سوؤولية
وز�د �لطنني بعقلي..
عدت للطابق ،للنوم ،الأجد �أن �خلادمات قد �نت�سرن يزلن كل �سيء من �لطابق،
�ل�ستائر� ،لو�سائد �الأر�س ّية ،و� ً
أي�سا �أدو�ت �لعر�ئ�ص و�ل�سناديق �خلا�سة باملالب�ص،
ف�سحت فيهن:
-ماذ� يحدث؟ ملاذ� تزلن كل �سيء!.
�نحنت يل و�حدة منهنّ قائلة:
-هذه �أو�مر� ..أمرنا �الأمري باإغالق �لطابق ..ظ ًّنا منه � ِ
أنك �ستبيتني مع
�سديقتك بغرفة �حلكيمة...
ع
� -أنا؟.
ر ش
والتوز عي
قبل �أن �أذهب �إليه ،مل يعاملني هكذ�!.
�سفتي قه ًر� ،و�سمعت �إحدى �خلادمات تهم�ص بـ:
ع�س�ست ّ
-هل ح ًّقا هي �آخر �لعر�ئ�ص؟.
لرتد �أخرى:
-مل ت�ستيقظ �أي و�حدة بعدً � ..إذ� هي �الأخرية!.
ب�سرود غا�سب:
ٍ و�سع ظافر يده على كتفي وقال بعقلي
� -أ�سلوبه و�حد يف كل �حلاالت� ..ملفاجاأة ..يفاجئ �لفتيات مبنت�سف
طعامهنّ ،وقت �لتدريب� ،أو مبنت�سف �لليل ..ال يريدك �أن تكوين مرتاحة
قبل �للقاء �أبدً �...
و�أ�ساف:
أنت �سعيفة وخائفة...
� -سي�سهل عليه ��ستعبادك و� ِ
�رجتف بدين وهم�ست بـ:
-وماذ� �ساأفعل؟.
ر ّبت على كتفي وطماأنني:
� -ستنامني بغرفة �حلكيمة ،لكن حتت تاأثري تعويذتي� ..ساأحر�ص على �أن
تكوين مرتاحة باآخر ليلة ،حتى يكون �للقاء قو ًّيا...
بتوج�ص ..وحت ّركنا لطابق �حلكيمة م ّرة �أخرى..
هززت ر�أ�سي ّ
علي
و�سعت ر�أ�سي على �لو�سادة �ملريحة ،وقبل �أن يغم�ص ظافر عيني ليلقي ّ
تعويذته� ،أم�سكت يده ورجوته �أن ينتظر� ..أردت �أن �أ�سغي لتلك �الأغنية �لتي تغنيها
ر ش
والتوزي
نف�سها وحيدة ..غريبة ..وتطلب من رفيقها �أن ال ينتظر لقلبها �أن ي�ستجيب ،فقلبها
ع
�سيظ ّل ملكها ،وملك من �ختارته هي� ..ستدع �ملا�سي �لذي �سعفت فيه ور�سخت له،
وت�ستثني نف�سها من �مل�ستقبل� ،لتي هي من �أحد�ثه بريئة!
~~~~~
«ا�ستثنيني ..من قواعد العامل..
ا�ستثنيني من مظاهر الكون..
اأنا ل�ست مثلك ،وال مثلهم �ساأكون..
�سخ�ص وحيد..
ٌ �سخ�ص غريب..
ٌ اأنا
لنداء احلب ..ال اأ�ستجيب..
�سخ�ص فريد ..فال تنتظر مني يف يو ٍم ..اأن اأ�ستجيب..
ٌ اأنا
لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي ..لن تكون ا ّإال لنف�سي..
لن ياأ�سرين احلب يو ًما ..لن اأكون اإال لنف�سي..
ما�ص كنت فيه اأنا �سعيف..
فا�ستثنيني من ٍ
وا�ستثنيني من م�ستقبل اأنا من اأحداثه بريء..
ا�ستثنيني ..ا�ستثنيني ..دو ًما واأبدًا ا�ستثنيني»..
~~~~~
عذب
ب�سوت ٍ ٍ �ن�سم ظافر معها بالغناء
كم كان �سوت �إز�لني عذ ًبا ..ولده�ستيّ ،
� ّ
أج�ص ..ير ّدد�ن �لكلمات مرة بعد م ّرة ..تغري �سوت �إز�لني خمتن ًقا بالبكاء ،لك ّنها
تابعت ،وتابع ظافر �لغناء ..وهم�ست �أنا بـ:
ر ش
Tوالتوز عي
و�لتي ثبتت بعقل �سغرييها ..حتى �الآن..
ريص ع
-ظافر� ..أنا مرتابة ..هل ميكنه تاأجيل دخويل طابقه؟.
ع
�سهقت دموعي وت�ساءلت:
� -الأمري ال يقبل بعرو�ص مذنبة �ألي�ص كذلك؟.
�أوماأ ظافر يه ّز ر�أ�سه بغر�بة ،فانطلقت �ألقي نف�سي بني �أح�سانه� ..أمل�ص ج�سدي
بج�سده ،بينما خلعت عنه قناعه و�قتن�ست �سفتيه بينما �أهم�ص:
-لن يقبل بي ..بينما �أح ّبك �أنت ظافر...
�أم�سكني ظافر من خ�سري بكلتا يديه وجتاوب مع قبالتي �حلا ّرة ،وهم�ص بي:
-حبيبتي...
عيني ..مل �أظ ّنه �سينطقها قط!
تاأوهت و�أغم�ست ّ
T
)(21
ّ
نهاية مذكراتي
-حبيبتي�� ..ستيقظي!.
ريص ع
�أتت كلمة حبيبتي مقرتنة بالكلمة �الأخرى ..لي�ست ب�سوت ظافر ..بل ب�سوت
ر ش
والتوزي
� -أين �أنت؟ �ألن �أر�ك جمددً�؟.
ع
�نقب�ص قلبي حني تخ ّيلت �أنني لن �أر�ه � ّإال بالثوب �مللكي ،و�لتاج ّ
�ملر�سع..
نظفت ج�سدي بالنهر �جلاري و�ساعدتني �ملا�سطة على �لتز ّين كما رفعت ّ
�سعري بطريقة مغرية تربز نعومته كخيوط �حلرير �الأ�سود� ،أتت مع ّلمة �حلياكة
باأكرث من ت�سميم للمالب�ص يل ،بينما تهم�ص بت�سجيع:
-فتاتي �ملوهوبة �بتهجي! �ستكونني �الأمرية عزيزتي!.
وجنتي..
ّ �بت�سمت بوهن ،بينما �ملا�سطة ت�سيف ً
بع�سا من �للون �الأحمر �إىل
هم�ست بد�خلي بينما �أ�ساهد �نعكا�سي باملر�آة:
-كم م�سى من �لوقت ..على روؤية �نعكا�سي �لدميم؟ كم م�سى على معاملتهم
يل كخرقة بالية؟.
بطعم �سدئ بحلقي:
تن ّهدت و��ستطردت ٍ
-كم م�سى على �كت�سايف تلك �لكذبة؟ كوين جميلة ..يتم جتهيزها لتكون
عرو�ص �الأمري ،ال بل �أمرية ت�ساركه وقته! قلبها ينب�ص له ،بحبه ،بع�سقه!
بينما مل ت َر � ّإال ظ ّله!.
�سحكت ب�سخرية من نف�سي و�أ�سفت:
� -أما �الآن وقد علمت من يكون ،مبر�سه وميوله �ل�سا ّذة ،كما علمت �أن حار�سي
بدماء ملك ّية� ..كت�سفت كوين قد خدعت ..نعم خدعت! قلبي ال ينتمي ال ٍأي
من �الأمريين ،ليث� ،أو غيث� ..لط ّيب �أم �ملري�ص ..بل ينتمي حلار�ص ��سمه
ع
و�سيم ط ّيب
ظافر ..لكن ،مبا �أنه قد حت ّول -بينما �أ�سبل �أهد�بي م ّرة -الأم ٍري ٍ
ر ش
والتوز عي
قما�سي �أنيق
ّ مبنديل
ٍ �سقطت عربة ثقيلة �ساخنة من عيني فالتقطتها �ملا�سطة
قبل �أن تف�سد زينة وجهي �لرقيقةّ ،رمبا كانت تتابع ملعانها بعيني منذ م ّدة! وبالرغم
من ذلك جتاهلتها قائلة وبلهجة مازحة:
-ال تن�سينا يا �سم ّو �الأمرية!.
هززت ر�أ�سي ب�سرود ،ال �أعتقد �أنني �سمعت � ً
أ�سال ما قالته� ،أو فهمت ما تريد
مني �أن �أفهمه ..فقط هم�ست بد�خلي� ،أو ّثق �لعهد غري �ملكتوب بيني وبني حار�سي..
و�الإن�سان �لوحيد �لذي ّ
دق له قلبي:
حار�سا ..ما �أقدم عليه �الآن
-ظافر� ..أو ليث� ..أ ًيا كان ��سمك� ..أم ًري� كنت �أم ً
هو ب�سبب ح ّبي لك ..و�إن تو ّقف قلبي لهذ�� ،ساأكون �أكرث من �سعيدة لكون
قلبك �سينعم ببع�ص د ّقات �لر�سا و�لر�حة ..حتى �إن كانت د ّقات قلبك
�لثمينة تنتمي لغريي منذ �لبد�ية!.
تن ّهدت تز�م ًنا مع �نتهاء �ملا�سطة من زينتي ،ونظرت للف�ساتني يف يد �خلادمات،
ولفت نظري ف�ستان و��سع باللون �الأبي�ص� ..خرتته فو ًر� ..حينما ذ ّكرين مبا كانت
ترتديه عر�ئ�ص �لربج �لعايل ..و�مللكة جيرنوز �جلميلة ..كم كانت �سافية به
ونق ّية كما كانت بحياتها� ..خرتت �أن �أرتدي هذ� �لف�ستان لتكون روحي نق ّية ،حتى
ياأخذوين للربج �لعايل دون �حلاجة لالنتظار ..يف حالة مل يحتمل قلبي �لعناء..
وتو ّقف..
خرجت من غرفة �ملا�سطة بهدوء ظاهري ،مبت�سمة حت ّية ملن ينادونني ويتم ّنون
يل �لتوفيق ،خادمات �ساعدنني من قبل ،خادمات �ملا�سطة ،م�ساعد�ت كبرية
�لطهاة� ،لفتيات باملطبخ� ..حلكيمة وم�ساعد�تها ..حتى �إنني ر�أيت ِطر�دً� يقف
ع
خارج غرفة �ملا�سطة� ،إز�لني م�ستندة جلذعه �لقوي بيديها وتل ّوح يل مبت�سمة ،وه ّز
ع
وبعيونهم �لالمعة بكوين �ساأ�سبح �أمرية غيث؟ كيف ذلك!
رفعت ر�أ�سي الأ�سعد لطابق �الأمري ،بينما �أمت ّنى �أن �ألتقي بظافر �أمام باب
طابق �الأمري ..فابت�سمت عيناي وقلت بتلقائية� ،أج ّرب �سوتي حينما �أر�ه:
-كنت متاأ ّكدة من كوين �ساأر�ك فور و�سويل!.
يل ب�ساعته �لرملية �لغريبة ً
قائال: تخ ّيلت �أنه مي ّد يده �إ ّ
-تلك �ل�ساعة ،غالية جدًّ� على قلبي...
تابعت �لتخ ّيل ،الأر�ه ي�سمت للحظة ثم ي�ستطرد:
-لطاملا ق�سيت �أمامها وقتي� ،أنتظر و�أنتظر ..لكن بوجودك �الآن جاهزة
علي �النتظار �أبدً �...
ملقابلة �الأمري ،لي�ص ّ
�أعطاها يل ،فتخ ّيلت �أنني �أخذتها برتدد و�أمل�ص �أ�سابع يده �لد�فئة بيدي ،بينما
�أقول وقلبي ينزف �أملًا:
-يبقى عليك �نتظار حبيبتك ..لت�ساركك حياتك �جلديدة!.
�سعرت باأنني �أرى �بت�سامة عينيه ،فابت�سمت ل�سعادته وكبت دموعي ..وحت ّركت
نحو �لطابق� ،لذي مل يكن على بابه � ّإال حار�سني ..ومل يكن ظافر و�حدً � منهما!
�ن�سحب �حلار�سان ،ومل ين�سيا �أن ينحنيا يل باأدب ..فبقيت وحيدة �أمام هذ�
�لباب �ملهيب ..د�كن �للون ،تنبعث منه ر�ئحة غريبة ،زك ّية لكن تز�ل غريبة ،تر�سل
لقلبي د ّقات غري مطمئ ّنة ،و�نقبا�سات ملتاعة مبعدتي..
مفتوحا ..تر ّددت بالدخول� ،إال �أن ف�سويل جعلني �أدفع
ً طرقت �أنا �لباب ،وكان
ص ع
مبمر مظلم ،ال �أعلم �إن كان
�لباب و�أخطو �أوىل خطو�تي للد�خل ..الأجد نف�سي ٍ
بفهم ومل يخف �هتز�ز ج�سدي عنه قط .عقلي يخ ّمن �خلطوة هززت ر�أ�سي ٍ
�لتاليةّ � ،إال �أنني �سعرت ب�سيء �ساخن على ذر�عي �ملو�سوعة بان�سياع على فخذي،
�تّ�سعت عيناي وكتمت تاأوهي ،وبيدي �الأخرى مل�ست مو�سع �الأمل ،وتفاجاأت حني
متحج ًر� ،رفعته �إىل عيني ،وعلى �سوء �سمعته �لو�هنة..
ّ مل�ست يدي �سي ًئا د�ف ًئا
�أدركت ما هو ،فكتمت �سرختي �ملتفاجئة الأجده يهم�ص با�ستنكار:
عربي عن ما بد�خلك ..كما فعلت!.
-ال تكوين �سامتة هكذ�ّ ..
ز�د �سوت �أنفا�سي وظهر �لذعر ب�سوتي حني هم�ست بـ:
ص ع
علي.
� -سم ّو �الأمري� ..ل�سمع ..لقد �سال منه ّ
والتوز عي
أحت�س�ص مو�سع �الأمل �أخ ّففه:
بد�خلي بينما � ّ
� -أمتنى �أن ينتهي هذ� �سري ًعا!.
نفخ �ل�سمعة باأنفا�سه �لهادئة �لباردة ليطفئها ،و�أم�سك بيدي بالظالم ،ليجعلني
ملكان �آخر بالطابق..
�أ�ستقيم و�قفة ..وجذبني بهدوء الأ�سري خلفهٍ ،
�سعرت باأننا نعرب �ستا ًر� خفي ًفا ،كان له على وجهي ملم�ص �الأ�سباح ،فاق�سع ّر
أنفا�سا مرتعبة..
بدين م ّرة �أخرى ،و�سهقت � ً
دخلنا لغرف ٍة ما ،فاأبعد �الأمري يده �لباردة من فوق مع�سمي ،ليذهب ويوقد
�ل�سوء ..فجاأة وجدت �أن �لغرفة م�ساءة برثيا كبرية باالأعلى ،ثريا عظيمة بها
عدد كبري من �ل�سموع ..ومبج ّرد �أن هويت بنظري من عليها وجدت �سري ًر� خ�سب ًيا
يتدىل من �لرثيا! مو�سوعا �أ�سفلها ،وقتها فقط� ،أدركت �أن هناك ً
حبال ّ ً
الحظ �الأمري �رتباكي فقال:
-خم�سون �سمعة ..ي�سقط ما ذ�ب منها على ج�سد من �أريد...
�سهقت بذعر و�أم�سكت باجلزء �ملحرتق من ذر�عي ،ف�سحك هو �سحكة متل ّذ ّذة
ً
قائال:
-لعبة جديدة ..لك ّنها مل تعجبني قط ،تنهي د ّقات قلب �لفتاة يف �أقل من
ع�سر دقائق ،مل حتتمل � ٌّأي منهن �أكرث من هذ� ..الأحرم �أنا من �سوتهن
بالتو�سل و�ال�ستجد�ء!.
ّ �لعذب
و�سعت يدي على قلبي بذعر بينما �أتف ّقد باقي حمتويات �لغرفة �ملريبة ..وجدت
�أكرث من �سوط معلق على �حلائط� ،أدو�ت بد�ئ ّية للتعذيب و� ً
أي�سا �ألو�ح خ�سب ّية بها
مقاب�ص لالأيدي و�الأقد�م ..تلك �لتي �نتهت بها حياة �مللكة و�بنتها!
ر ش
والتوزي
�الأمر ..كم تخ ّيلت ما فعله بالعر�ئ�ص ..وكم مت ّنيت �أن يكون جز�وؤه من جن�ص عمله،
ع
قا�ص بهذ� �لعامل!
قلب ٍ
ليعترب كل ٍ
�سعرت به يقرتب ،حتى تو ّقف �أمامي مبا�سرة ،مل � ِ
أنحن بر�أ�سي هذه �مل ّرة � ً
أي�سا،
كفى �نحنائي له عند �لباب..
-تلك �لنظرة بعينيك عزيزتي ..ت�سعرين بالثورة!.
قال �آخر كلمة متاأوهً ا بحما�ص فنظرت له بغري فهم ،وتركني هكذ�� ،أخ ّمن
�ملق�سود من ما قال ،و�أت�ساءل عن �أي نظرة يق�سد!
د�ر حويل ببطء مدرو�ص ،ينه�ص بعينه ك ّل ذ ّرة بي ،بينما عباءته �مللك ّية �حلمر�ء
ذر�عي �لناعمتني � ّإال من �لبقعة �حلمر�ء �ملج ّعدة من نقطة �ل�سمع
ّ �لناعمة تخد�ص
�خلبيث..
� -أحب نظرة �خلوف� ،لذعر ،مع بع�ص دموع �الأمل ..لكن حني ر�أيتك ..ر�أيت
عينيك �جل ّذ�بتني ،ت�سعرين باأنني قد �أتخ ّلى عن هذه
ِ تلك �لنظرة بعمق
�لهو�ية فد� ًء لهما!.
ذر�عي خلف ظهري،
ّ بتوج�ص مل �أ�ستطع �إخفاءه ..وفجاأة وجدته يجذب
عب�ست ُّ
�أظ ّنه يحاول تكبيلي! وتذ ّكرت كلمات ظافر ،باأنه لن ي�ستطيع فعل هذ� ،فاأخف�ست
عيني ملحت
ر�أ�سي �أمثل �ن�سياعي لالأمر و�نتظرت �لنتيجة� ،إال �أنني قبل �أن �أغم�ص ّ
�سي ًئا يلمع بالقرب من �ل�ستار �الأحمر �لقاين ..ويف �أقل من ثانية ��ستدرت بر�أ�سي
قليال وعيناي مثبتتان على تلك �لنقطة �لالمعة بال�ستار ..هل هو �لقمر من خلف ً
�ل�ستار؟ �أم �إحدى جنومه �ملفقودة؟ ظهرت بجانب �ملغرور لت�سهد �نتهاك هذ�
�ل�سادي حلرمة كر�متي؟
بد�أ �ل�سباب �لرمادي يتك ّون حول تلك �لنقطة �لالمعة �ملتوهّ جة ،و�لتي مل
والتوز عي
ّ
�سفتي بق ّوة مرتع�سة ..وفجاأة �كتملت �ل�سورة على �ل�ستار ..الأجد جائع ..ف�سممت ّ
�سخ�سا ..بل �إنه قاب�ص �أرو�ح!
ً �أنه �سخ�ص يقف مرت ّب ً�سا ..ال ..لي�ص
T
-ظافر!.
�سهقت رغ ًما عني حني وجدته ينق�ص على ج�سد غيث ،وبخطوة و�حدة حائمة
يف �لهو�ء كان قد ث ّبته على و�حد من تلك �الألو�ح �خل�سب ّية �لدنيئة ،و�بتعد ليتطاير
ل�سخ�ص يتّ�سح �ل�سو�د
ٍ �ل�سباب من حوله حتى �ختفى ،بعد �أن ك ّون �سورة و��سحة،
حتى على وجهه ..فمن يقف بيني وبني �الأمري غيث �الآن ..هو حار�سي ..ظافر..
ولي�ص �سم ّو �الأمري ليث كما تو ّقعت!
�سعرت بد ّقات قلبي �خلائنة تدق بحبه من جديد ،تكاد تقتلع �سدري �سعادة
و�سو ًقا لروؤيته .لقد �أنقذين للت ّو من قبلة خبيثة من �سقيقه ..وعد ّوه يف نف�ص �لوقت..
� -أ ّيها �حلقري! كيف تتج ّر�أ على �لدخول مت�س ّل ًال من �لنافذة!.
بغ�سب مكتوم ،ليتح ّرك ظافر ليقف �أمام وجهه بال�سبط،
ٍ قالها �الأمري غيث
ويهم�ص ب�سيء جعل �لق�سعريرة ت�سري بج�سدي:
-وكيف جتر�أت �أنت على مالأ �لعامل بخطاياك؟.
للت ّو ..الحظت �أن �سوتهما كان متقار ًبا ،لكن �ستّان بني �لنربتني! نربة د�فئة
عميقة ..ونربة خبيثة خاد�سة!
حاولت �لنهو�ص ،لكن هو�ج�سي بد�خلي ث ّبتتني � ً
أر�سا ،وجعلتني �أر�قب كل �سيء
ع
�أخيه� ،لذي ��ستحال لون وجهه لالأحمر �لقاين �لغا�سب ،ونفرت عروقه �لزرقاء
دوما ما
حظي �لذي ً �ملقتحمة جلبهته وعنقه ..و�بت�سمت �أنا بتاأ ّثر �أحمق� ..أف ّكر يف ّ
يخفي عني وجهه� ..إىل متى �ساأظل �أقارنه بوجه غيث؟ ومل �أ َر لي ًثا م ّرة؟
-كيف! كيف هذ�! ما هذ� �ل ُهر�ء!.
قالها �الأمري غيث �ملك ّبل من مع�سميه و�ساقيه بده�سة جعلت كلماته تخرج غري
متّزنة بالبد�ية� ..إال �أن �سوته بعدها �أ�سبح ك�سوت حور ّية لعينة ،تهم�ص من عمق
�لبحر الآذ�ن �لو�قفني على �ل�ساطئ..
-كيف حالك يا� ..سقيقي؟.
خ�سو�سا �لكلمة �الأخرية ،وقد جعل هذ� قلبي
ً �سمعت لي ًثا يقولها با�ستنكار،
يدق ويهوي..
وفجاأة ملحت عيني �سو ًء� �سديدً � ،فوجدت ظاف ًر� قد ر�سم بيديه يف �لهو�ء �سي ًئا
ما ..يعر�سه على غيث �لذي جحظت عيناه ب�سدمة ..وكان ما يعر�سه عليه هو
ذكرى �ليوم �لذي تخ ّيلته �أنا مر� ًر� وتكر� ًر� ..ذكرى يوم تو ّقف قلب ملكة و�أمرية،
طفل مظلم �لقلب!
�سوط هوجاء ..من ٍ بفعل �سربات ٍ
� -أتتذ ّكر هذ� �ليوم �أخي؟ �أ�سك يف هذ�!.
ّ�جته لغيث وجذبه من �سعره �لد�كن �ملماثل ل�سعره و�سرخ به بق ّوة ٍ
ليث هادر:
� -رفع وجهك و��سهد على ميالد ذلك �لكائن �لدينء بد�خلك!.
قوي ،مع ّلق باجلد�ر� ،أم�سكه بيده و�قرتب
ل�سوط �أ�سود ّ
و�جته ٍ ترك وجهه بق ّوةّ ،
منه ببطء ،فلمحت جانب وجهه ،وكانت عيناه المعتني ..لكنهما قو ّيتان يف نف�ص
ص ع
�لوقت ..وقف �أمام �سقيقه و�ل�سورة �لقدمية تلوح فوقهما كالغيوم �ملل ّبدة..
�ل�سغرية قد �ختفيتا من �ل�سورة ،ومن تب ّقى مك ّب ًال باالألو�ح هو فقط �الأمري غيث!
و�أن من ي�سرب بال�سوط هو نف�سه ...غيث� ..لطفل �ل�سادي!
بذعر وقلبي يتمزّق ،وباتت مطالبتي للهو�ء �أم ًر� �سرور ًيا ،ل�سعوبة
�سهقت ٍ
لرئتي!
دخول �لهو�ء ّ
�أغم�ست عيني �لد�معة باأمل ..وهم�ست بينما �أ�سهق �أنفا�سي ب�سعوبة �مل�سهد
�أمامي:
-قـ ..قلبي ..يـ ..يتو ّقف...
ر
دوما ينب�ص با�سمك.
ع والتوزي
�لزي �مللكي..
يل ظافر ..ال ..بل �الأمري ليث ،وقد ر�أيته يرتدي ّ فجاأة �لتفت �إ ّ
حتى �لتاج على ر�أ�سه ..كيف حدث هذ�! هل �أتخ ّيل؟ كم يبدو �أني ًقا متنا�س ًقا مع
�لقوي ..وكم بد� وجهه و�سي ًما! يذيب �لقلب كما تخ ّيلته!
ج�سده ّ
مل �أكن الأمت ّنى �أكرث من هذ� بلحظاتي �الأخرية ..من �أحببت ،يقرتب مني بلهفة،
يحا�سر مالمح وجهي بعينيه بلون �ملحيط ،بينما �سفتاه تهم�سان با�سمي..
�سفتي �بت�سامة هادئة جميلة ..مل �أرد �أن �أرى نظرة �لقلق
ب�سعوبة ر�سمت على ّ
تلك بعينيه قط..
مرتاحا ر��س ًيا ..فكن كذلك �أرجوك!.
ً -لقد فعلت هذ� من �أجل �أن �أر�ك
هوى ج�سدي ببطء ،جتذبني �الأر�ص تريد �حت�ساين� ..إال �أنني �سقطت بني
ذر�عني قو ّيتني� ،أعرف دفئهما حقّ �ملعرفة� ..أ�سمع د ّقات قلب حار�سي وموالي
بالقرب من قلبي �لذي �ختفت د ّقاته ،حروف ��سمي تخرج د�فئة الأذين ببطء من
بني �سفتيه ..وفجاأة خفت ك ّل �سيء� ..سمت كل �سيء ..و��سو ّد كل �سيء ..ك�سو�د
�أول ليلة مظلمة ر�أيتها بهذ� �لعامل ،الأدرك �أن �لظالم قابع بد�خلي �أنا ..لقد �سكنت
د ّقات قلبي ً
متاما ،و�نتهيت!
جحظت عينا �الأمري ليث بينما ير�قب �سحوب تلك �جلميلة بني �أح�سانه..
ال حول لها وال ق ّوة ،م�سح على �سعرها �لناعم بيدين مرتع�ستني ،يهم�ص بعبار�ت
�الأ�سف بالقرب من �أذنها بينما ي�س ّدد من �حت�سانها..
� -إليونور� ..ال �أريدك �أن ت�ساحميني ..كم كنت �أنان ًّيا ،نعم كنت كذلك حني
رف�ست �لت�سريح مبا �أ�سعر به �أمامك ولو مل ّرة!.
ص ع
رفع يدها �لناعمة ،و�لتي بد�أ �لدفء يرحل عنهما �سي ًئا ف�سي ًئا� ،إىل �سدره..
والتوز عي
�سوت �سر�خ �أخيه �ملكتوم ياأتي من خلفه متز�م ًنا مع �سوت كل �سربة �سوط
�أحدثها �لطفل �ل�سغري �أمامه� ،سوت �لفتاة �لتي يرتاح ج�سدها �ل�ساكن على �سدره
يلوح بعقله بني �حلني و�الآخر ..تهم�ص با�سمه ..حت ّدثه� ..سوت �سحكاتها ..مرو ًر�
ب�سوت حديثها لنف�سها ..حتى �سوت �سهقتها �الأخرية!
تركها من بني يديه باأمل ،لريتاح ج�سدها �لرقيق على �الأر�ص �لباردة� ..أ�سبل
�أهد�بها بعد �أن و ّدع عينيها بقبلة من عينيه ..و�لتفت ببطء الأخيه �لذي ينال ً
ق�سطا
من �لعذ�ب ال رحمة به ،وهدر بكل ما به من م�ساعر غ�سب ناجمة عن فر�قها:
� -أفقدتني �أ�سرتي� ..أمي و�أختي ..وحبيبتي!.
مرتع�سا �إىل رئتيه ثم هدر ب�سوته �لذي زلزل �لقلعة ك ّلها:
ً نف�سا
�أخذ ً
بيدي!.
� -ساأنهي قلبك �خلبيث ّ
�قرتب منه و�أز�ل �سورة ذلك �لطفل �ملم�سك بال�سوط بق�سوة ،د�ف ًعا �إياهً ا
مبقربة �لزمن بعقله �لباطن ،و�أحاط يديه حول �أخيه �ملع ّذب ومتتم ببع�ص �لكلمات
�خلافتة وبني �سفتيه بغ�سب مارد خرج للت ّو من قمقمه ،ليختفي ج�سد �الأمري غيث
ب�سو�ل باهت �للون ،تز�م ًنا مع ظهور تلك �لف ّقاعة �لكبرية حوله ..و�لتي بد�أت متتلئ
ٍ
�حلقيقي ..رغبة منه بجعله يتذ ّوق ما ذ�قه هو من عذ�ب..
ّ باملاء بكلمات �الأمري
�نتقاما لكل من تو ّقف قلبهم ب�سببه..
ً
ظ ّل ير�قب ذلك �لذي يتململ د�خل �ل�سو�ل باملاء ،يحاول تخلي�ص نف�سه منه
لينجو ،وتذ ّكر هو نف�سه ذلك �ملوقف ،حني كان يعافر بالتقاط �أي �أنفا�ص من �لهو�ء
لرئتيه �ل�سغريتني� ،إال �أن �ملاء كان يبدله يف ك ّل م ّرة ..حتى كاد �أن يختنق..
ريص ع
رفع يده مي ّررها بني خ�سالت �سعره بغ�سب حتى �إنه كاد �أن يقتلعها ..وظ ّل
ع
�سرب ف ّقاعة �ملاء �لقو ّية بيديه بغ�سب وهدر بنف�سه الئ ًما:
� -ن�سرفت عنها باالنتقام ..وها هو �لقدر ينتقم منها ً
بدال من ذلك �حلقري!.
�أ�سبل �أهد�به و��س ًعا يده على قلبه ..متذ ّك ًر� �آخر ما قالته هي له:
مرتاحا ر��س ًيا ..فكن كذلك �أرجوك!.
ً -لقد فعلت هذ� من �أجل �أن �أر�ك
ً
مت�سائال وكاأنه يح ّدثها: �سرب قلبه بيده بق ّوة وهو يهم�ص
-كيف؟ كيف؟.
بخطو�ت خافتة من خلفه ،فا�ستد�ر ب�سرعة ،متمن ًيا �أن تكون هي ..لكن
ٍ �سعر
كيف؟
�تّ�سعت عيناه حني وجد �أنه �ل�ساحر!
ني� ..نتهت �أيام �ل�س ّر و�نق�ست.
-ال حتزن ُب ّ
عيني �ل�ساحر ،فتذ ّكر تلك �الأيام �لتي ق�ساها حتت
نظر �الأمري ليث بعمق ّ
�سقف بيته �لب�سيط ،و�لذي مل يكن ليخرج منه �إال للتدريب� ،أو للتنقل و�لذهاب
للحياة ..لروؤيتها!
�لتفت �ل�ساحر للفتاة �لناعمة �لغائبة روحها � ً
أر�سا ،وهم�ص بـ:
� -حرتت بو�سف هذه �لفتاة...
�نطلق ليث ً
قائال بوجوم:
-م�سح ّية...
ر ش
والتوز عي
�بت�سم �ل�ساحر مر ّبتًا على كتف �الأمري ..ثم حت ّرك حلمل جثمان �الأمري..
غيث� ..لذي تو ّقف قلبه..
قال �ل�ساحر بهدوء:
� -سيلتحق �الأمري بو�لده ..لقد ج ّهزت قربه بنف�سي...
�أز�ل تلك �لف ّقاعة �لكبرية مبياهها ،و�أخرج �الأمري من ما هو مو�سو ٌع به ،وقال
بثقة:
تغريه
�سخ�سا ..هي �حلكمة ..لكن �أن ال ت�ساحمه يف حالة عدم ّ
ً � -أن ت�سامح
فيما بعد ،هي �الأكرث حكمة...
ه ّز ليث ر�أ�سه ب�سرود ..بينما ل�سان حاله يقول:
ليتغري ..لقد تاأكدت من قلبه �لقا�سي...
-مل يكن ّ
عد� �ل�ساحر يخرج ً
حامال ج�سد �الأمري ليقوم بدفنه ،باملقابر �لتي ال تقام �إال
للملوك و�الأمر�ء ..وقبل �أن يعرب من باب �لطابق ،قال:
-ما هي �إال دقائق و�سيكون �جلميع بالغابة ..ينتظرون كلمتك �سم ّو �الأمري...
�نقب�ص ّ
فك ليث ،و�أغم�ص عينيه متنهّدً � حتى �نغلق �لباب ..فرفع يديه وبحركة
تغريت مالمح �لطابق ..وغرفة �الأمري ،لغرفة �أكرث هدو ًء� و�حدة من �إ�سبعه ّ
ً
وجماال..
أر�سا ..حملها بني ذر�عيه باأ�سى ،وو�سعها على فر��سه.. ّ�جته �إىل فتاته �جلاثية � ً
وجل�ص بجانبها ،مم�س ًكا بيدها ..ع ّز عليه ود�عها ..كما ع ّز عليه روؤيتها تتع ّذب يف
كل م ّرة �أخفى عنها حقيقته..
ريص ع
�سعر بحر�رة غريبة تاأتي من قلبه ..فم ّد يده بجيب مالب�سه و�أخرج تلك �لقالدة
بل
ّ
والتوزي ر
قالها �ل�ساحر �لذي تب ّناه بفرتة �بتعاده عن �لق�سر:
ع
ني ..هي متيمة ..حتفظ ..متنع ..وتعيد ما عجز �لزمن عن -تلك �لقالدة ُب ّ
�إعادته ..ومبا �أن بها قلب من حتب ،ودموع حزنك عليها� ..ستجد �لطريق
دوما...
�إليها ً
وتذ ّكر تركه لها بعد رق�سة �لود�ع ،و�لتي بكى لفر�قها وذرف دموع �الأمل ،كما
تذ ّكر حلظة �س ّقه �سدرها و�لو�سول لقلبها ..قلبها �لربيء �ل�سايف ..تذ ّكر �أخذه
قطعة من قلبها باأظافره كقاب�ص �أرو�ح ،وو�سعه يف تلك �لتميمة ،تذ ّكر ر ّيه لقطعة
قلبها بدموعه ..وكتابته على �سدرها �سبب موتهاً ،
نق�سا باأظافره فوق قلبها ،و�لذي
�سعر بخد�سه بج�سده ال بج�سدها:
-ماتت يف �سبيل من حتب...
مل يرد �أن يعلم �أحد �أي �سيء عنها ..فمحا ما كتبه ،ونق�ص باإيجاز:
-مقتولة...
ثم طبع قبلة على �سفتيها ليب ّلل وجهها بدموعه ،وحني �سعر باحلار�ص ياأتي
لياأخذها للزنز�نة ،نظر �إليها مل ًّيا ،وح َّول دموع عينه على وجهها الآثار بغي�سة ،بقع
وت�س ّوهات ..وهم�ص بتاأثر:
� -آ�سف حبيبتي ..لكن لن �أ�سمح �أن تكوين لغريي!.
ودعها بينما هي حممولة على جو�د �حلار�ص �ملبعوث من �لق�سر وهم�ص بلمعة
عينيه بعينيها �ملغلقتني:
دوما ..يا �أمريتي �ال�ستثنائ ّية...
� -ساأنتظرك ً
ريص ع
�أفاق من �سروده ليالحظ تالحق �أنفا�سه ..وملع �أمامه �حلل!
ريص ع
مر�س ًعا ..تاج �الأمري ..كم
تاجا ّ
عيني ..الألتقط بب�سري ً
�أنفا�سي منذ فرتة ،وفتحت ّ
ر
مهال ..هل ما زلت ح ّية؟!
ع والتوزي
�سهقت بده�سة حني ر�أيته ،ينظر يل بكل �ل�سوق �ملوجود بالعامل ..تلمع عيناه
�لزرقاو�ن لتغرقاين ح ًّبا مبوجاته �لناعمة ..تبت�سم �سفتاه يل ..الأجد �أنني �أنظر
الأكرث �لرجال و�سامة على وجه �الأر�ص!
تاأوهت بغري ت�سديق ،ناطقة با�سمه:
-ظافر!.
وللحظة تذ ّكرت مكانتي ،فاأخف�ست ر�أ�سي قائلة بخ�سوع:
� -سم ّو �الأمري...
طويالً ..
طويال ..حتى مل �أ�سعر �إال بجذبه يل ،الأرتاح على �سدره ..يعانقني ً
دمعت عيناي!
بذر�عي بينما �أنظر له
ّ �أخرجني من �سدره �لقوي وحملني ،فتع ّلقت برقبته
بعيني �لد�معتني بغري ت�سديق ..د�ر بي حول �لغرفة ب�سعادة بينما تر�ق�ص حويل ّ
لعيني بينما يقول بتاأثر:
ف�ستاين �جلديد ،وعباءته �مللك ّية ،عيناه تبت�سمان ّ
أنت معي!.
أنت هنا! � ِ
ِ �-
هززت ر�أ�سي �أمام عينيه وقد بد�أت عيني بذرف �لدموع بينما �سفتاي ترجتفان،
فتو ّقف عن �لدور�ن بي و�أنزلني بالقرب من �ل�سرفة الأقف على ّ
قدمي بغري �تّز�ن،
�أحاط ذر�عه �لي�سرى حول خ�سري وجذبني �إليه ليلت�سق ج�سد�نا ،وبيده �الأخرى
وجنتي �لناعمتني ،وبات يهم�ص بالقرب منّ م�سح دموعي �حلا ّرة �لالمعة من فوق
وجهي ،يلفحني باأنفا�سه �لد�فئة �ملحببة يل:
ودوما �ساأكون!.
-ال باأ�ص حبيبتي� ..أنا هناً ..
ص ع
ملعت عيناي بروؤية �بت�سامة عينيه �ملتاأثرتني ،فهم�ست متاأوهة:
ع
فاحت�سنني هو بحر�رة ..فهم�ست بـ:
-كنت �أنت قاب�ص روحي ..لقد حلمت بهذ�! رق�ست معي �لرق�سة �الأخرية..
كما حلمت بتقبيلك يل ..وح ّبك!.
-كم �نتظرت هذ� �ليوم...
قالها يل فارت�سمت �بت�سامة مرتع�سة متاأ ّثرة على ّ
�سفتي بينما �أغم�ص عيني،
ً
مت�سائال: فقال هو
� -أال ت�سعرين بال�سوء من �أنان ّيتي؟ من كوين �خرتتك �أنت من بني كل �لفتيات
باحلياة �الأوىل ،و� ً
أي�سا �خرتتك لتكوين ملكي بالعامل �الآخر؟.
هززت ر�أ�سي نف ًيا وقلت بدفء:
يوما...
-كل ما �أ�سعر به �الآن �أن�ساين جميع ما �سعرت به ً
لعيني ،و�ساألني برت ّقب:
�أخرجني من �سدره ونظر ّ
لك؟.
-هل هذ� معناه �أنك متقبلة �متالكي ِ
هززت ر�أ�سي مبت�سمة بخجل ..فاقرتب بوجهه مني ..طاب ًعا قبلة عميقة د�فئة
على وجنتي ..بينما يهم�ص:
أنت �أمريتي �إليونور�...
ِ �-
لعيني فقط:
�أبعد وجهه عني وهم�ص ّ
� -أح ّبك...
ص ع
فرحا:
رفعت يده �أمل�ص بها وجهه ،وقلت بتاأثر وقلبي يرق�ص ً
ص ع
� -إليونور� ..دفء �ل�سوء� ..سوء �ل�سم�ص! هذ� معنى ��سمك!.
ع والتوزي
وجنتي باأنامله برفق:
ّ نظر يل و�أوماأ موؤ ّكدً � وقال بينما يقر�ص
-دفء م�ساعرك� ..أعاد �ل�سم�ص� ..أعاد �لدفء لهذ� �لعامل!.
�سحكت بخفوت بغري ت�سديق ،ور�قبت �بت�سامته تتّ�سع حتى �نفلتت منه �سحكة
هادئة ق�سرية �أذ�بت قلبي ع�س ًقا..
�أخرجتنا بع�ص �الأ�سو�ت �لغريبة من �سرودنا ..قادمة من �الأ�سفل؛ �أ�سو�ت
تهليل وفرحة ،ظهرت بو�سوح ،تاأتي من �لغابة ..وبع�ص �لهتافات..
-يعي�ص �الأمري ليث!.
-حتيا �الأمرية �إليونور�!.
ما ز�ل �أمريي ً
حميطا بي بتم ّلك ،نظرنا لالأ�سفل بده�سة لرنى �أن �جلميع يقف
مه ّل ًال لنا ،وحني وجدونا نظهر لهم� ..نحنو� بطاعة ،بينما ير ّددون عبار�تهم� ..لتي
جعلت قلبي يخفق ب�س ّدة ،فهد�أين حبيبي بامل�سح على ظهري بنعومة..
�أفقنا من �سرودنا على �سوت طرق على �لباب ،فالتفتنا ،ونادى �الأمري ليث
ب�سوته �لذي �أع�سقه:
ّ -
تف�سل.
ُفتح �لباب بهدوء ظاهري ،ليظهر �أمامنا ِطر�د� ..نحني بر�أ�سه ونظر�ته لربهة
ً
قائال:
� -الأمري ليث� ..الأمرية �إلينور�...
ص ع
نظرت له �أنا وليث بت�ساوؤل ،وقد وجدت �سعوبة بالتاأكد من كونه هو ِطر�دً� �لذي
ه ّز ر�أ�سه يل بخفوت و�أم�سك ّ
بيدي ،ف�سغطت �أنا عليهما بينما �أ�سابعنا
ثو�ن وك ّنا نهرول للربج،
مت�سابكة ،ن�ستم ّد �لق ّوة من بع�سنا �لبع�ص ..وما هي �إال ٍ
بطر�د �لذي يخربنا باأن كل �سيء بات �أف�سل ..عاد ل�سبابه كما عاد �ل�ساحر نلحق ِ
رجال باأو�خر �الأربعني وعادت زوجة �ل�ساحر ،و�لدته� ،أربعين ّية جميلة و�لده ً
�ملالمح ..و�أن �إز�لني قد ��ستعادت كامل عافيتها!
عربنا �لطابق ،حتى ر�أينا جميع �لعر�ئ�ص ينظرن لبع�سهنّ �لبع�ص بغر�بة
و�سعادة� ،لعفيفات منهنّ فقط ��ستيقظن� ،أما �لباقيات� ..ختفني!
والتوزي
يل ..كما كان وجه جالدي�ص ،وباقي �لعر�ئ�ص!
ع
دق قلبي بعنف �مل�ساعر تبعت �أمريي لتلك �لغرفة �ملنف�سلة ،وحني دلفنا �إليها ّ
�لتي �أرى ..فما �أرى �أمامي ،هي �مللكة جيرنوز ..حتت�سن �بنتها �ل�سا ّبة �جلميلة
�ملتعافية� ..الأمرية روز� ..أو كما �أعرفها �أنا ..با�سم �إز�لني!
جذبني �أمريي بعناق ،و�سرعان ما �ساركنا �مللكة و�الأمرية بعناقٍ كبري� ،أغم�ست
له عيني �لد�معة تاأ ّث ًر� ،لكن �سرعان ما كبت دموعي لتبقى بجو�ر دموع حبيبي
بد�خلي ..كما قال يل..
�بت�سمت �مللكة يل ور ّبتت على جبيني ،و�س ّددت �إز�لني من �الإم�ساك بيدي..
وهم�ست بد�خلي:
أنك حبيبة �أخي و�أمريته!.
-لطاملا علمت � ِ
�سحكت بتاأثر و�بت�سم يل �أمريي ليث ..وظ ّل ِطر�د ير�قبنا بتاأثر و�إحر�ج ،وقبل
�أن ين�سرف ..نادته �مللكة ،بابت�سامتها ويديها �ملمدودتني �أمامه ،قائلة:
ني!. ً �-
أهال بك يف �أ�سرتنا يا ُب ّ
مل ي�س ّدق نف�سه ،فانحنى بر�أ�سه ويف نف�ص �لوقت �نطلق �إلينا ي�سارك يف ذلك
�لعناق �لكبري ،ف�سحكنا م ًعا ،ومل يغفل �أحد منا عن �لنظر�ت �ملتبادلة بعيني وعني
�الأمري� ..أو بني �الأمرية روز وحبيبها ِطر�د� ..أو نظرة �مللكة جيرنوز �لتي �سملتنا
جمي ًعا!
T
ل ا ريص ع
ن لبل ت ك
ر ش
عوالتوزي
كم �أ�سبح كل �سيء ر�ئ ًعا!
مملكة �ل�سمال كانت �ل�سبب باإعادة �سوء �ل�سم�ص جلميع ممالك �لعامل �الآخر،
مما جعلها �ململكة �حلاكمة� ..أ�سبحت �خلادمات �أكرث � ً
إقباال على �لعمل ب�سوء
�لنهار ،بد�خل �لقلعة وخارجها ،وكافاأ �الأمري �حل ّر��ص و�خلدم بالزو�ج وجعل لهم
ريص ع
خا�سة للعي�ص بها ،بجانب �لعمل ..عادت �لفتيات ي�ستيقظن بالزنازين ،لكنقرية ّ
تز ّوجت روز من ِطر�د كما �أ�سبحت �أنا زوجة و�أمرية فعل ّية الأمريي �لو�سيم،
لن�سبح �أنا وروز �أمريتني من �أجمل ما يكون ..وع�سنا يف �سعادة وهناء مع زوجينا،
حتت ظ ّل ّ
وحب �مللكة �الأم ..جيرنوز �جلميلة..
�آه كدت �أن�سى! �أنا �أحمل ويل �لعهد �الآن! ومتاأكدة من كونه �سب ًّيا� ..سيكون
بعيني �لد�فئتني �أو عينيه ..ال فارق� ،ملهم �أن يحظى بح ّبنا �لذي
و�سي ًما كو�لدهّ ،
لن ينتهي!
T
ل ا ريص ع
ن ل بل ت ك
ر ش
ع والتوزي
ا لخا تمة
ص ع
كل نف�ص قابلتها ..لقد �أحدثت فار ًقا� ..أعدت �سم�ص �لعامل �الآخر ،كما تركت ذكرى
والتوز عي
وخ�سو�سا �أمريي �لعزيز ليث ..حار�سي �لظافر بي..
ً قابلتها للتعبري عن ما حدث،
يعرب يل
يوم ق�ساه دون �أن ّ عرب يل ..وبق ّوة ..عن ما بد�خله! ً
تعوي�سا عن كل ٍ و�لذي ّ
عن ح ّبه ،و��ستغللت �أنا هذ� �أف�سل ��ستغالل!
دوما حبيبته ،مد ّللته ،و�سيظل هو ً
دوما حار�سي و�أمريي.. �ساأظ ّل ً
T
ل ا ريص ع
ن لبل ت ك
ر ش
عوالتوزي
النهاية !
ص ع
�لرفيع ...و�لذي لن يظ ّل على حاله كث ًري� ب�سبب �حلمل� ،لتفت له مبت�سمة ٍ
ري
بع�سق
والتوز عي
� -أمريي ليثَ ..مل قالو� ً
يوما �أنك تظفر بكل �سيء؟!.
�سفتي بنظرة ذ�ت
مالم�سا ز�وية ّ
ً وجنتي باأنامله،
ّ �بت�سمت عيناه يل ،والم�ص
مغزى ..وقال قبل �أن نغو�ص بعامل �آخر ..من �مل�ساعر..
-ظفرت باأ�سياء كثرية فكانو� يغارون ..لكن ما �أ�سعر �أنا بالغرية من نف�سي
بك �أمريتي...
ب�سببه ،هو �أنني ظفرت ِ
تن ّهد بحر�رة ً
قائال:
� -أح ّبك �إليونور�...
نه�ست ورميت نف�سي باأح�سانه بينما �أهم�ص بني �سفتيه:
-و�أحبك� ..أيها �لظافر ليث!.
ل ا ريص ع
ن لبل ت ك
ر ش
عوالتوزي