You are on page 1of 329

‫مذكراتي‬

‫من العالم اآلخر‬


‫مذكراتي‬
‫من العالم اآلخر‬
‫رواية‬

‫هدى بكير‬
‫لمزيد من الكتب الحرصية‬

‫زوروا موقعنا‬

‫موقع عصري الكتب‬

‫‪www.booksjuice.com‬‬
‫ب�سلة‪ ،‬رمبا يف �لبد�ية �ساآخذ �أبطايل‬
‫هذه �لرو�ية ال متت للو�قع ِ‬
‫من عاملنا‪ ،‬لكني �ساأطوف بهم الأزمنة �أخرى و�أماكن غريبة لي�ست‬
‫و�قعية � ًأبد�‪..‬‬
‫المقدمة‬

‫أغيه‪ ..‬لقد‬
‫مبجرد ��ستيقاظي بهذ� �لعامل‪� ..‬أنني �سا ّ‬
‫مل �أكن �أعلم �أن ّ‬
‫قررت‬ ‫�أ ّثرت يف كل نف�س قابلتها‪ ..‬لقد �أحدثت ً‬
‫فارقا‪ ..‬والأجل هذ�‪ّ ،‬‬
‫كتابة ّ‬
‫مذكر�تي بالعامل �الآخر‪ ،‬و�لتي ��ستعنت بكل نف�س قابلتها‬
‫للتعبي عن ما حدث‪..‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ها قد اســتيقظت األميرة‬

‫هل �سعرت يف م ّرة �أنك منت ل�سنني؟ �أخذتك �ملوتة �ل�سغرى لدرجة �أنك ن�سيت‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ماذ� ومن كنت بحياتك؟ ال تذكر �إال �أنك كنت بخري قبل تلك �الآالم �ملزمنة يف‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫عظامك‪ ،‬تن ّغ�ص عليك بد�ية يومك غري �لظاهر‪ ،‬و�لذي عليك �أن تكت�سفه بنف�سك‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫و�الآن‪ ..‬هذ� ما �سعرت به حني نه�ست من ذلك �لفر��ص �لوثري و�لذي مل مينع عني‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫كل ما ي�سعر به ج�سدي‪ ،‬وكاأن �سي ًئا ده�سه ع ّدة م ّر�ت وترك يل فتات ج�سد‪ ..‬فتحت‬
‫عيني �جلديدتني و�أبعدت عنهما �آثار �لنوم �لعميق‪ ،‬تن ّف�ستُ بتثاقل وكاأن قلبي ُخلق‬
‫ّ‬
‫ليدق �أوىل د ّقاته‪ ،‬كما �سهقت رئتاي �أول �أنفا�سهما‪..‬‬
‫للت ّو ّ‬
‫نظرت حويل بينما �أحاول �لقيام ببطء وحذر‪ ،‬ال �أعلم �أين �أنا‪ ،‬وال �أذكر �أي مكان‬
‫ماألوف ليكون موطني‪� ..‬أردت �أن يقع نظري على �أي �سيء يجلب يل �حلياة‪ ،‬ي�سعرين‬
‫بانتمائي ملن يتنف�سون‪ ،‬ويجعلني �أتن ّهد بارتياح‪ ،‬لكن ما من �سيءٍ هنا‪ ..‬فقط ذلك‬
‫�لفر��ص و�سط تلك �لغرفة �ملظلمة‪ ،‬ال ي�سيئها �سوى بع�ص �ل�سعالت �ملتّ�سلة بجد�ر‬
‫خارجي لتلك �خلل ّية �ل�سغرية �لتي �أقبع بها‪ ..‬حت ّركت لالأمام ببع�ص �خلطو�ت‬
‫ومددت يدي لالأمام‪ ،‬حتى الم�ست بع�ص �لق�سبان‪ ..‬وكان �أول ما جاء على بايل‪..‬‬
‫كلمة «�سجن»!‬
‫رفعت ر�أ�سي بحرية للحار�ص �جلال�ص �أمام زنز�نتي وحاولت ند�ءه‪ ،‬فاأتى �سوتي‬
‫ثقيال‪ ،‬غري ًبا ال ُمي َّيز �أبدً �‪ ..‬وكاأين �أُناديه من �أعماق �لبحر كحور ّية ملعونة‪ ،‬تتح ّدث‬
‫ً‬
‫ك�سمك جلدها‪ ..‬مل يلتفت يل‪ ،‬فاأخرجت كفي �الأمين‬ ‫من د�خل ف ّقاعة مائية �سميكة ُ‬
‫‪‬‬
‫من بني تلك �لق�سبان �لو��سعة ويدي �الأخرى تقب�ص على �حلديد كي ال �أقع � ً‬
‫أر�سا‪،‬‬
‫فج�سدي بالكاد يحملني‪ ..‬وم ّرة �أخرى ناديت‪ ..‬ب�سيء مل �أ�ستطع فهمه‪ ،‬لكن حل�سن‬
‫باب ما على �ليمني‪ ،‬حت ّرك‬
‫�حلظ �لتفت يل �أحد �حلار�سني‪� ،‬لو�قفني بثبات عند ٍ‬
‫للحار�ص �جلال�ص �أمامي و�لذي مل يتم ّكن من �سماعي‪ ،‬لكزه يف كتفه لي�ستفيق من‬
‫غفلته ويلتفت يل‪ ..‬وحني �أ�سبحت �الأربع عيون م�س ّوبة نحوي‪ ،‬حت ّرك ج�سدي‬
‫ب�سياع وح ّركت يدي ملوحة بها �أمام عيونهم بحركة رخوة �سعيفة‪ ،‬وما حدث �أمامي‬
‫�أذكره حق �لتذ ّكر‪..‬‬

‫ع‬
‫عاد �حلار�ص �لثاين للباب و�قرتب �الأول من زنز�نتي‪� ،‬أخذ يبحث عن مفتاح‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫خال�سي يف �سل�سلة �ملفاتيح �لكبرية‪� ،‬لتي �لتقطها من �سرتته من �لد�خل‪ ،‬وحني‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وجد ما يبحث عنه �قرتب من قفل زنز�نتي �النفر�دية و�أخرجني منها‪ً ،‬‬
‫قاب�سا‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫بيديه على مع�سم يدي �لي�سرى فوق �ليمنى بغري �كرت�ث‪ ،‬مث ّبتًا �إياهما خلف ظهري‬

‫ع‬
‫بق�سوة‪ ،‬الأهم�ص �أنا حرويف غري ّ‬
‫�ملنظمة بت�ستت‪ ..‬لك ّني مل �أ�سمع �سوتهم هذه �مل ّرة!‬
‫فبد�أت �أ�سك يف �أنني قد فقدت �لنطق‪� ،‬أو حا�سة �ل�سمع!‬
‫�أدرت ر�أ�سي للجانبني الأنف�ص تلك �الأفكار عني‪ ،‬ف�سعرت بن�سمات هو�ء قذرة‬
‫�لر�ئحة حتيط بي‪ ،‬تاأتيني من بني خ�سالت �سعري لت�سل الأنفي بطريقة م�ستفزّة‪،‬‬
‫وقبل �أن يعود وجهي ملو�سعه �الأول‪ ،‬الحظت وجود ثالث زنازين �أخرى غري �لتي‬
‫كنت �أقبع بها‪ ،‬توقفت قدماي �ل�سعيفتان عن �ل�سري فدفعني �حلار�ص‪ ،‬فعاندته‬
‫�أنا بوقويف وتثبيت ج�سدي على �الأر�ص �حلجرية‪ ،‬الأرى بو�سوح ما كان قد جذب‬
‫�نتباهي‪ ..‬زنز�نتي‪ ..‬هي �لوحيدة �خلالية‪ ،‬و�لثالث زنازين �الأخرى حتتوي على‬
‫نائمات بعمق‪ ،‬ال ت�سدر منهن تلك �الأنفا�ص �ل�سعيفة �أو �لهمهمات‬
‫ٍ‬ ‫فتيات غريي‪،‬‬
‫�لتي �سدرت مني حني قاربت على �ال�ستيقاظ‪ ،‬حتى ظننت �أنهن‪ ..‬لي�سو� باأحياء‬
‫من �الأ�سا�ص!‬
‫مل يلبث �حلار�ص �أن يرتكني لدقيقة �أخرى‪ ،‬فقب�ص على مع�سمي بق�سوة‬
‫ودفعني لالأمام‪ ،‬يح ّثني على �ل�سري‪ ،‬فيتح ّرك ج�سدي لالأمام تفاد ًيا لالأمل‪ .‬عرب‬
‫‪‬‬
‫بي �لباب �حلديدي �الأ�سود ذ� �ل�س ّر�عة �ل�سغرية‪ ،‬و�لذي يقف على حر��سته �ثنان‪،‬‬
‫�أدين الأحدهما بال�سكر الأنه الحظ ��ستيقاظي‪ ،‬ويف نف�ص �لوقت �أدين له بلكمة قو ّية‬
‫على وجهه‪ ،‬الأنه تركني بني يدي هذ� �لهمجي �لقا�سي‪..‬‬
‫مل يكن �ملم ّر �أكرث �إ�ساءة من �لغرفة ذ�ت �لزنازين �الأربع‪ ،‬ومل تكن �أنظف‬
‫أنفا�سا متباعدة من فمي؛‬
‫كذلك‪ ،‬فر�ئحة �لطني غزت �أنفي بق ّوة‪ ،‬جعلتني �أ�سهق � ً‬
‫حماولة يف جتاهل تلك �لر�ئحة �لعفنة‪ ..‬مل تطل حركتنا‪ ،‬فدقيقة وو�سلنا لباب‬
‫حديدي �آخر‪ ،‬ي�سع منه �لنور‪ ..‬ذلك �لنوع من �لنور �لذي يجعلك ت�سعر باأن �لباب‬

‫ع‬
‫باب �سحري‪ ،‬و�أن ما يقبع خلفه هو �مل�ستقبل �مل�سرق بكل غمو�سه‪..‬‬ ‫�لذي �أمامك هو ٌ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�رتع�ست �سفتاي و�تّ�سعت حدقتا عيني بحما�ص وده�سة عظمى‪ ،‬لكن �سرعان ما‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�أغم�ست عيني و�أخف�ست وجهي ب�سرعة حني تفاجاأت باأن نور �مل�ستقبل قوي لدرجة‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�أنه قادر على �سلب ب�سري‪� ،‬أ�سبلت �أهد�بي ع ّدة م ّر�ت متتالية حتى �سمعت �سوت‬
‫أي�سا �سوت �حلار�ص �لذي مي�سك‬ ‫�لباب من خلفي يغلق م�سد ًر� �سري ًر� عظي ًما‪ ،‬و� ً‬
‫بي يهم�ص يف �أذين ٍّ‬
‫بت�سف‪:‬‬
‫‪� -‬ألقي نظرة على ما حاربت الأجله و��ستيقظت‪ ..‬لن تنايل �أي �سيء �سدقيني!‪.‬‬
‫أنا�ص �أنا‬
‫عال وقال ال ٍ‬
‫ب�سوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ح ّل قب�سته �لقو ّية �لقا�سية عن مع�سمي و�سحك‬
‫غري قادرة على روؤيتهم بو�سوح‪:‬‬
‫‪�� -‬ستيقظت �الأمرية �لنائمة‪ ..‬فليخرتها �أحد ويحر�ص ج�سدها ّ‬
‫�له�ص‪..‬‬
‫ووجهها �لقبيح!‪.‬‬
‫�ألقى بي على �لع�سب �الأ�سود كظ ّله‪ ،‬وكظلمة كل �سيء من حويل‪� ،‬إال من بع�ص‬
‫�مل�سابيح �لتي ق ّربوها من وجهي بق�سوة ليتفقدو� ما قال وقتها‪ ..‬فباتت �لروؤية‬
‫يل و��سحة بع�ص �ل�سيء‪� ،‬أدركت �أن �أمامي خم�سة �أفر�د يرتدون مالب�ص ب�سيطة‪،‬‬
‫و�حد منهم جو�ده‪ ..‬رمبا هم فر�سان‪ ..‬وجوههم تبت�سم ٍّ‬
‫بت�سف‪� ،‬إال‬ ‫وبجانب كل ٍ‬
‫‪‬‬
‫و�حدً � منهم‪ ..‬مل يظهر وجهه يل حتى‪ ..‬وقبل �أن �أ�ستم ّر يف حتليلي لكل �سيء غريب‬
‫من حويل �سمعت و�حدً � منهم يقول با�ستهز�ء‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �أن�سحب يا �أ�سدقائي‪ّ � ..‬‬
‫أف�سل �نتظار �الأمرية �لتالية!‪.‬‬
‫�سرب ك ّفه يف ّ‬
‫كف �الآخر بجانبه و�لذي قال‪:‬‬
‫‪� -‬أعرف من �سيختارها!‪.‬‬
‫و�أ�سار بذقنه �إىل ذلك �لذي مل يهز�أ بي معهم‪ ،‬ذلك �ل�سامت‪ ،‬خفي �ملالمح‪،‬‬
‫�بي�ست مفا�سل يده‪ ،‬وكانت‬ ‫وحني الحظ هو ذلك �س ّد يده على جلام جو�ده حتى ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ظاهرة يل ب�سبب حمله مل�سباح بيده �الأخرى مما ز�د من هالة �ل�سوء حوله‪ ..‬ز�د‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�سوت �سحكات هوؤالء �الأ�سخا�ص �مل�ستهزئني‪ ،‬و�أنا �أر�قب �لو�سع �لغريب‪ ..‬مل �أ�ساأل‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عن ما يحدث يل‪ ..‬مل �أ�ساأل عن ما يتفوهون به هوؤالء �حلثالة‪� ....‬أو �أين �أنا‪ ..‬ومل‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫�أت�ساءل عن من �أكون!‬

‫ع‬
‫أر�سا منذ دقائق يتح ّدث بع�سب ّية ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫�سمعت �سوت �حلار�ص �لذي رماين � ً‬
‫‪ -‬فليخرتها �أحد‪� ،‬أريد �لعودة لباقي �لفتيات!‪.‬‬
‫ر ّدو� عليه ب�سحكاتهم‪ ،‬فزفر �حلر��ص ‪-‬على مييني‪ -‬مبلل وقال �أحدهم يريد‬
‫�إنهاء هذ� �ملو�سوع �لتافه بالن�سبة له‪:‬‬
‫‪ -‬ه ّيا يا ظافر‪� ..‬ظفر بها كما تظفر بكل �سيء!‪.‬‬
‫تق ّدم �ملدعو بـ «ظافر» �إ ّ‬
‫يل و�نحنى على ركبته‪� ،‬أبعد �مل�سباح عن وجهي �لقبيح‬
‫قليال حتى ال يوؤذيني �ل�سوء‪ ،‬وهم�ص يل ب�سوته �لعميق‪:‬‬ ‫ً‬
‫‪� -‬أت�ستطيعني �لوقوف؟‪.‬‬
‫حاولت �أنا �لوقوف لكن كان هذ� �لفعل متكل ًفا‪ ،‬فقد ��ستنفدت كل طاقتي‬
‫بالتفكري ومل �أعد قادرة على حتريك � ٍأي من عظامي‪ ،‬فهززت ر�أ�سي نف ًيا‪ ..‬زفر هو‬
‫ب�سيق ونظر حوله ً‬
‫قائال لهم‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬خرتت تلك �ل�سعيفة لتكون يف حمايتي‪...‬‬
‫ه ّز �آخر كتفيه وقال بال مباالة‪:‬‬
‫‪ -‬بل �أجربت �أن حتميها‪ ..‬فهي دميمة مثلك! هه! �لطيور على �أ�سكالها تقع!‪.‬‬
‫مل تكن حلظة عادية بالن�سبة يل‪ ،‬حني قام �لرجل �ملاثل �أمامي‪ ،‬و�س ّل خنجره يف‬
‫وجه من نعتني بالدميمة وقال بلهجة غام�سة حم ّذرة‪:‬‬
‫‪ -‬لن �أحب روؤيتك م ّرة �أخرى‪ ..‬ولكن ما �أبغ�سه ب�س ّدة‪ ،‬هو �أن �أرى وجهك‬
‫�ملز ّين ب�سنّ خنجري!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫زجمر �حلار�ص من خلفي ً‬
‫قائال بنفاد �سرب‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪ -‬فقط خذها و�ن�سرف من هنا‪ ..‬هيا!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫بعنف وقال بته ّكم‪:‬‬
‫وتوجه نحو �لباب �حلديدي وفتحه ٍ‬
‫ّ‬
‫‪� -‬أر�د �أن يحر�ص �أمرية ��ستثنائية‪ ..‬وها هي‪ ...‬م�ستثناة من قو�عد �الأنوثة‬
‫باأكملها!‪.‬‬
‫قالها لي�سحك �لباقني �إال هو‪� ..‬أو �أنا‪ .‬و�سع خنجره �لالمع بجر�به و�قرتب‬
‫برفق بعد �أن ع ّلق �مل�سباح على �سرج ح�سانه‪ ،‬وما هي �إال ٍ‬
‫ثو�ن حتى‬ ‫مني وحملني ٍ‬
‫�أ�سبحت على �جلو�د‪ ،‬و�نطلق بي بعيدً �‪ ،‬و�الأ�سو�ت من خلفه ت�سيح با�ستهز�ء‪،‬‬
‫و�سمعت �أحد �حل ّر��ص ذ� نفوذ يخر�سهم ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬كفى‪� ...‬إىل �أماكنكم!‪.‬‬
‫�سمعت �سوت �سهيل جو�د حار�سي‪ ..‬وقتها حاولت �العتد�ل يف جل�ستي‪ ،‬الأجد‬
‫�أنني �أ�ستند على �سدره �لو��سع �لقوي‪ ،‬مث ّبتة بذر�عيه �ملفتولتني بينما مي�سك‬
‫بهما �سرج �جلو�د‪ ..‬رفعت نظري باإعياء لالأعلى‪ ،‬الأجد �أنه يتح ّرك بي نحو قلعة‬
‫عظيمة‪ ..‬حماطة بال�سعالت لت�سيئها من كل �جلهات‪� ،‬أعلى ما بها بر ٌج عظيم‪،‬‬

‫‪‬‬
‫وجنودها يقفون حولها باملر�ساد‪ .‬حني �قرتبنا منها جاءت ببايل �إحدى �حلكايات‬
‫تر�سخت �لفكرة بعقلي �أكرث‪� ..‬أمرية‪ ..‬وفار�ص‬
‫�الأ�سطورية‪ ..‬فبذكرهم كلمة «�أمرية» ّ‬
‫على جو�د‪ ..‬لكن من �ملفرت�ص �أن ياأخذين من �لقلعة‪ ،‬بعيدً � عنها‪ ..‬ال �إليها!‬
‫وجو�ده‪ ..‬ينبغي �أن يكون �أبي�ص �للون‪ ..‬ال �أ�سود‪ ،‬و�لفار�ص‪� ..‬أين وجهه �لو�سيم‪..‬‬
‫بل �أين وجهه من �الأ�سا�ص؟!‬
‫ظ ّل عقلي يعبث باالأفكار بد�خلي‪ ،‬حتى �أدركت �أن كل �سيء ي�سري عك�ص ما ت�سري‬
‫�لرو�ية �الأ�سلية‪ ،‬فهنا ال يوجد �أمرية! ال يوجد �إال فتاة دميمة‪ ،‬قبيحة �لوجه م�سعثة‬

‫ع‬
‫�ل�سعر‪ ..‬ال تذيب �جلليد بابت�سامتها وال ت�سحر �أنبل �لفر�سان بنظر�تها‪ ..‬فاملوجودة‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�الآن هي‪� ..‬أنا‪ ..‬فقط �أنا! فتاة ال تذكر عن نف�سها �أي �سيء غري قبحها‪ ..‬و�نقبا�سة‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫قلبها من كل �سيء!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫‪T‬‬
‫ع‬

‫‪‬‬
‫)‪(2‬‬

‫انعكاســي الدميم‬

‫ال �أدري ملاذ� كل هذ� �الأمل‪ ،‬تلك �لد ّقات �لغريبة يف �سدري وطعم �ملر�رة يف‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫حلقي‪� ..‬لتقطت �أنفا�سي ب�سعوبة حني �أنزلني �حلار�ص الأحتامل على نف�سي وقت‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�لدخول‪ ،‬متع ّل ًال باأنني يجب �أن �أبدو قوية للحظات‪ ،‬حتى يتم �إدخايل‪ ..‬مل �أ�ساأل عن‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫م�سريي �إذ� كنت طبيعية هكذ� باآالمي �ملتف ّرقة‪ ،‬فبادرين هو بقول‪:‬‬
‫‪ -‬ال مكان لل�سعفاء هنا‪� ..‬إ ّما �أن تكوين قوية فيحرتمونك ويعتربونك من‬
‫بك �أحد‪ ..‬ويتم نفيك‬
‫�سمن �ملوجودين‪� ،‬أو �أن تكوين �سعيفة وال يعرتف ِ‬
‫من �لوجود‪.‬‬
‫�سرت بجانبه بخطو�ت قليلة‪ ،‬ال تتالءم مع خطو�ته �لو��سعة‪ ،‬ف�سبقني‪ ،‬الأرى‬
‫بنيته �ل�سديدة‪ ،‬وطوله �لفارع �ملتّ�سح بال�سو�د؛ فكان يرتدي ز ًّيا غري ًبا عن بع�ص‬
‫�حل ّر��ص باخلارج؛ من �للونني �الأ�سود و�لرمادي �لد�كن بعباءة �سود�ء ترفرف خلف‬
‫غطى �جلزء �لعلوي منها ن�سف وجهه �لعلوي‪ ،‬و�لن�سف �الآخر‬ ‫بنيته �لقوية بعد �أن ّ‬
‫��ستخدم قطعة قما�سية �أخرى الإخفائه‪ ،‬ليكون وجهه خمتف ًيا بالكامل‪ ..‬ال �أعرف‬
‫�سخ�ص مريب وغام�ص‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حقيق ًة ما طبيعة �لنا�ص هنا‪ ،‬لكن ما �أر�ه �أنه‬
‫بحة �سوته‪ ..‬عميقة‬‫مل �أ�سمع �سوته منذ �أن هم�ص يل باآخر ما قال‪ ،‬لك ّني �أتذكر ّ‬
‫تت�سلل للروح دون ��ستئذ�ن‪ ،‬فريدة من نوعها‪ ،‬مل �أ�سمع مثلها ّ‬
‫قط‪ ..‬يف حياتي‪� ..‬لتي‬
‫ال �أتذ ّكرها بتاتًا‪..‬‬
‫‪‬‬
‫ب�سكل‬
‫يل ٍ‬ ‫يل‪ ،‬عيناه �لرماديتان �لباهتتان م�س ّوبتان �إ ّ‬
‫تو ّقف �حلار�ص ونظر �إ ّ‬
‫و��سح‪ ..‬كعيني قاب�ص �أرو�ح حني روؤية �سح ّيته �الأخرية‪ ..‬عب�ست ً‬
‫قليال بينما‬
‫�أتف ّقدهما‪ ،‬لك ّنه حني الحظ �أنني �أفعل هذ� �س ّد غطاء ر�أ�سه لالأ�سفل �أكرث ليحجب‬
‫عني روؤية ما يظهر منه‪ ،‬وقال ب�سوته �لعميق‪:‬‬
‫بقو�م مم�سوق‪� ،‬ستاأتي من تتف ّقدك‪...‬‬
‫‪ -‬ق ِفي ٍ‬
‫وقبل �أن �أ�ساأل �أي �سيء وجدته ين�سرف من �أمامي‪ ،‬من�سح ًبا للخلف‪ ،‬م�ستندً �‬
‫�ملر�سق به عدد ال نهائي من �للوحات مللوك وملكات‪ ..‬جذبت‬ ‫على �جلد�ر �لد�كن ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�نتباهي هيئة �الأ�سخا�ص بتلك �للوحات‪ ،‬فهم فائقو �لو�سامة و�جلمال‪ ،‬مالب�سهم‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫مر�سعة بالنيا�سني‪ ،‬و�الإناث منهم‬ ‫فخمة للغاية‪� ،‬سدورهم �لرجولية �لو��سعة ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫حللي و�لزينة‪� .‬رتفعت عيناي لل�سقف ال �إر�د ًّيا حني تن ّبهت �أن‬ ‫يرتدون �أفخم � ُ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�ل�سوء � ٍآت من �الأعلى‪ ،‬الأجد ُّ َ‬
‫�لرث َّيا كبرية من �لكر�ستال‪ ،‬تتف ّرع بحر ّية من حول‬

‫ع‬
‫ليتدىل منها �أكرب قدر ممكن من ثمار �لكر�ستال و�أماكن‬ ‫�لو�سط كفروع �الأ�سجار‪ّ ،‬‬
‫خم�س�سة لو�سع �ل�سموع‪� ..‬سكلها �ساحر ب�سكل مبالغ فيه‪� ..‬أهذ� ما ي�سعونه يف‬
‫�لرو�ق؟ �أت�ساءل عن �أكرب غرفة وما بها!‬
‫�نتف�ست باإجفال حني �سمعت �سوت من تتنحنح بالقرب من �أذين‪ ،‬مقتحم ًة‬
‫�خلا�سة‪ ،‬وال �إر�د ًيا نظرت �إىل م�سدر �ل�سوت‪ ،‬الأجد �أنها �س ّيدة بدينة‬
‫ّ‬ ‫م�ساحتي‬
‫بي�ساء �لب�سرة ب�سكل مبالغ فيه‪ ،‬كبرية �س ًّنا‪ ،‬وهذ� ما الحظته بروؤية �لزينة كثيفة‬
‫�لطبقات على �سفحة وجهها‪ ،‬رم�ست بعيني دون كالم‪ ،‬وكنت �أق�سد �أن �أعلمها‬
‫باأنني يف كامل تركيزي‪ ،‬منتظرة ل�سماع �أي �سيء لينت�سلني من �سياعي وعجزي‪،‬‬
‫و�أدركت هي ر�سالتي‪ ،‬فتو ّقفت عن دور�نها من حويل متفح�سة ونظرت يف ّ‬
‫عيني‬
‫ب�سوت رفيع مزعج‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫بق�سوة وقالت‬
‫أنت؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما ��سمك يا عود �لثقاب � ِ‬

‫‪‬‬
‫فتحت فمي منده�سة وبال وعي نظرت لالأ�سفل‪� ،‬أتف ّقد ج�سدي ّ‬
‫بعيني‪ ،‬الأجد‬
‫�أنني ‪-‬كما �أ�سارت هي �إ ّ‬
‫يل‪ -‬نحيلة كمومياء متع ّفنة باأتربة من كل �الأزمان‪ ..‬فرفعت‬
‫ر�أ�سي لها وتلعثمت حرويف‪ ..‬لت�سرخ بي هي‪:‬‬
‫‪� -‬أال ت�سمعني؟ �ساألتك عن ��سمك!‪.‬‬
‫ب�سوت‬
‫ٍ‬ ‫رفعت يدي �ليمنى الأمل�ص ر�أ�سي �ملنزعج من �سوتها �لعايل‪ ،‬وقلت‬
‫�سعيف‪:‬‬
‫‪ -‬ال �أعرف‪ ..‬من �أنا؟‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫وجهت �ل�سوؤ�ل �إليها �سهقت ب�سدمة‪ ،‬و�قرتبت مني جدً � حتى �إن �أنفي‬
‫وبعد �أن ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�حل�سا�ص ��ستم ر�ئحة عطرها‪ ،‬ذي ر�ئحة �لقرنفل �ملزعجة جدً �‪ ،‬تلك �لر�ئحة‬ ‫ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ّ‬
‫تاأففني بحق‪ ..‬كيف ي�سنعون من هذ� �ل�سيء عط ًر�‪ ..‬هل يغوي �لرجال؟ عطار‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫رمبا!‬
‫�تّ�سعت عيناي بفزع حني و�سعت يدها على �سدر ف�ستاين �لرثّ ومزّقته بق ّوة‪،‬‬
‫يدي‬
‫ومع �سوت متزّق �لف�ستان عال �سوتي‪ ،‬ب�سرخة �سعيفة متفاجئة‪ ..‬رفعت كلتا ّ‬
‫فزعا من حركتها �ملباغتة‪،‬‬‫�إىل �سدري �أخفي ما ظهر منه بذعر‪ ،‬وج�سدي يرتعد ً‬
‫وظ ّلت هي على نف�ص �لو�سع‪ ،‬منحنية لالأ�سفل ً‬
‫قليال تق ّرب عد�سة م�ستديرة ب�سل�سلة‬
‫ذهب ّية من عينها �لي�سرى مغلقة �ليمنى بق ّوة‪ ،‬وكاأنها تقر�أ!‬
‫نظرت على مييني م�ستغيثة مبن ُيدعي حار�سي‪ ..‬لك ّنه كان فقط و�ق ًفا هناك‪..‬‬
‫ير�قب كل �سيء مبنتهى �لربود‪ ..‬ملاذ� ال يفعل �سي ًئا! ل�ست متاأكدة ح ّقا �إن كان ر�أى‬
‫عيني‪..‬‬
‫ما حدث وما ز�ل يحدث �أم ال‪ ،‬فعيناه حمجوبتان عن ّ‬
‫‪ -‬على ماذ� تخ�سني يا فتاة؟ مل �أر �أي �سيء ي�ستدعي �الختباء!‪.‬‬
‫قالتها �ل�سمطاء با�ستهجان و�سخرية وتركتني الأقب�ص �أنا على ف�ستاين �ملتمزّق‪،‬‬
‫و�أنظر لقامتها �لق�سرية منده�سة من ما حدث للت ّو‪ ،‬وقبل �أن �أقول �أي �سيء‪� ،‬ندلع‬
‫ً‬
‫جملجال يف �ملكان م ّرة �أخرى قائلة‪:‬‬ ‫�سوتها‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ال تقفي هكذ� كالتمثال! �تبعيني!‪.‬‬
‫�أجفلت من �سوتها وحت ّركت على �لفور خلفها‪ ،‬متنا�سية كل �آالمي �لتي ب ّدلتها‬
‫ثو�ن حتى ر�أيت حار�سي ي�سري معي جن ًبا �إىل جنب‪ ،‬خلف تلك‬‫�ل�سدمة‪ ..‬وما هي �إال ٍ‬
‫�ل�سيدة �ملريبة‪ ..‬مبنتهى �لهدوء و�لريبة!‬

‫‪T‬‬
‫�أ�سبحت بغرف ٍة �أكرث �إ�ساءة‪ ،‬و��سعة‪ ،‬بعك�ص ذلك �لرو�ق �لذي كنت به‪ .‬مل‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�أ�سمح لنف�سي بال�سرود بتكوين �لغرفة كث ًري�‪ ،‬فما ملحته كان كاف ًيا ملعرفة �أين �أنا‪..‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫�ل�سنع‪ ،‬بال روؤو�ص‪� ،‬أج�سادهم م�ستورة مبالب�ص‬ ‫ر�أيت متاثيل حجرية متقنة ُ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫من كافة �الألو�ن و�الأقم�سة‪� ..‬أ�سك يف �أن معامل تلك �الأج�ساد منحوتة ب�سكل ممتاز‬

‫ع‬
‫�سف �أو �ثنني على �ليمني و�لي�سار‪،‬‬ ‫يخطف �الأنظار لذ� �أخفوهم جمي ًعا‪� ،‬إال من ّ‬
‫ي�سعون فيه �لتماثيل بوجهها �إىل �حلائط‪ ،‬كاأطفال تتل ّقى عقابها بغرفة �ملدير‪.‬‬
‫د�ست على �لب�ساط �لو��سع بلون �لبحر بجميع درجات �نعكا�ص �ل�سم�ص عليه وقت‬
‫ب�سكل قذر‪ ،‬كاملت�سردين‪ ..‬عدت بب�سري‬ ‫�لغروب‪ ،‬الأالحظ �أنني حافية �لقدمني‪ٍ ..‬‬
‫لتلك �ل�سيدة الأجدها تتحدث الأخرى‪� ،‬أ�سغر منها �س ًّنا و�أن�سر منها وج ًها‪ ،‬بينما‬
‫أنت لتحتقريني يا ذ�ت �لوجه �ملج ّعد و�لرئحة �ملن ّفرة؟!‬ ‫تنظر يل باحتقار‪ ..‬من � ِ‬
‫وقبل �أن يحدث �سيء جديد �لتفتُ حلار�سي وهم�ست له‪:‬‬
‫‪َ -‬مل هذ� �الإذالل؟ �أين نحن ليعاملوين هكذ�؟‪.‬‬
‫و�أ�سفت بتذ ّمر‪:‬‬
‫‪� -‬أكانو� ي�سخرون مني � ً‬
‫أي�سا‪ ..‬حني دعوين باالأمرية؟‪.‬‬
‫علي‪ ،‬فمددت يدي �أرفع غطاء ر�أ�سه �مل�ستف ّز من على عينيه‪ ،‬لك ّنه �سبقني‬
‫مل يرد ّ‬
‫و�أم�سك بر�سغي و�أنزله كما كان وقال بهم�ص‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ال �أحد ير�ين غريك‪ ..‬لذ� ت�سريف وكاأنني غري موجود‪...‬‬
‫جحظت عيناي ب�سدمة‪ ،‬مل �أفهم ما قال‪ ..‬هل يق�سد �أنه �سبح؟ ما هذ� �لهر�ء؟‬
‫�أال يكفيني ما �أنا فيه �الآن؟!‬
‫أنت‪� ..‬قرتبي‪...‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫قالتها �ل�سيدة ذ�ت �ل�سوت �ملزعج‪ ،‬الأه ّز �أنا ر�أ�سي و�أقرتب منها ومن معها‬
‫بوهن‪ ،‬حماولة �لرتكيز عليهما فقط‪ ،‬دون �لنظر ال ٍأي من �لعيون �جلديدة �لتي‬
‫يل من عيون تلك �لتماثيل �مليتة‪ ..‬وحني �أ�سبحت �أمامهم‪ ،‬عب�ست �ل�سيدة‬ ‫تنظر �إ ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ب�سوت معتدل‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�الأخرى وقالت‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫‪� -‬أظ ّنها متعبة‪ ..‬ببع�ص �الهتمام و‪....‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫قاطعتها �الأخرى ب�سوتها �لذي �أذى �أذين ح ًّقا هذه �مل ّرة من عل ّوه‪:‬‬
‫‪ -‬ال يهم‪ ..‬قومي بعملك فقط‪ ،‬فالعربة بالنهاية‪.‬‬
‫و�أ�سافت بته ّكم هام�ص مع �بت�سامة خبيثة‪:‬‬
‫و��سحا ك�سوء �لقمر!‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬وقتها �سيكون كل �سيء‬
‫قالتها و�ن�سرفت ونظرت �أنا �إليها وهي مت�سي بني �لتماثيل �ملك�س ّوة‪ ،‬وعدت‬
‫بب�سري لتلك �ل�سيدة و�أردت �سوؤ�لها عن ماذ� �سيحل بي‪ ،‬لكنني تفاجاأت بها تقول‬
‫مبنتهى �لب�ساطة‪:‬‬
‫‪� -‬خلعي مالب�سك‪.‬‬
‫يل وعب�ست ب�سر��سة‪ ،‬ر�ف�سة ما تقول‪ ،‬برغم عدم تذكري‬ ‫ذر�عي �إ ّ‬
‫ّ‬ ‫�سم‬
‫زدت من ّ‬
‫�أي �سيء عن �لع ّفة‪� ...‬أو �لعهر‪ ..‬لك ّني فقط رف�ست! حتى �أتت مبر�آة طويلة‪ ،‬ح ّركتها‬
‫�أمامي حتى ظهرت بها �سورتي‪ ..‬وتفاجاأت!‬

‫‪‬‬
‫ذر�عي بجانبي من �ل�سدمة لينفتح �جلزء �لذي حاولت جاهدة‬ ‫ّ‬ ‫وقعت كلتا‬
‫�إخفاءه من متزّق ف�ستاين‪ ،‬و�تّ�سعت عيناي و�أنا �أقرتب بخطى بطيئة لتلك �ملر�آة‬
‫�لتي ك�سفت قبحي‪� ،‬لذي ز�د �أ�سعا ًفا فوق �ل�سورة �لتي ر�سمتها لنف�سي!‬
‫رم�ست بعيني و�أنا �أمل�ص ب�سرة وجهي �مل�س ّبعة بالبثور وباآثارها �لبن ّية‪� ،‬أنفي‬
‫عيني لي�ستا و��سعتني‪ ،‬بل �لو��سع‬
‫بلون مقزّز و�كت�سفت �أن ّ‬‫�لكبري‪� ،‬سفتاي �ملت�سققتني ٍ‬
‫هو ذلك �ل�سو�د �ملظلم حتتهما!‬
‫�سفتي دون مل�سهما الأرى �أ�سناين‪ ..‬وتن ّهدت بارتياح‪ ..‬مل تكن‬
‫باعدت �مل�سافة بني ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫بها م�ساكل‪ ،‬كلها موجودة ويف �أماكنها �ل�سحيحة‪ً � ..‬إذ�‪ ..‬هذ� هو وجهي! كنت �أعلم‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫باأنني قبيحة‪ ،‬وكاأنه �عتقاد ر��سخ بعقلي منذ قدمي �الأزل‪ ،‬كاأنني معتادة على هذ�‪..‬‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫لكن لي�ص لتلك �لدرجة! �ألهذ� كانو� ي�سخرون من وجهي! معهم كل حق!‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ع‬
‫حظي‪ ،‬تفاجاأت بال�سيدة تقف خلفي يف �ملر�آة‪ ،‬ر�قبت ما‬‫وقبل �أن �أبكي على ّ‬
‫كانت تفعل‪� ،‬أز�لت غطاء ر�أ�سي �ملت�سل بالف�ستان‪ ،‬لينك�سف �سعري‪ ..‬تن ّف�ست‬
‫ب�سعوبة حني ��ستممت ر�ئحته والحظت �أن �أطر�فه ق�سرية للغاية‪ ،‬بالكاد ت�سل‬
‫ل�سحمتي �أذ ّ‬
‫ين‪ ..‬وكاأنها‪ ..‬حمروقة!‬
‫‪ -‬دعيني �أك�سف على باقي ج�سدك‪ ،‬الأ�ستطيع تقدير حجم �مل�سكلة‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بقلق‪ ،‬وعيناي �لد�كنتان �نطفاأتا‪� ..‬أكرث من ذي قبل‪..‬‬
‫�أدخلتني �ل�سيدة �لهادئة �إىل غرفة �سغرية مر ّبعة متّ�سلة بالغرفة �الأم‪ ،‬جدر�نها‬
‫هي فقط مر�يا‪ ...‬مر�يا قا�سية‪ ،‬تعايرين بقبحي‪ ..‬وبدون �أي كلمة �أخرى من �ل�سيدة‬
‫ذر�عي ف�ستاين بحذر كي ال �أزيد قطعه‪ ،‬بالتاأكيد �ساأحتاجه ل�سرت‬
‫ّ‬ ‫تلك‪ ،‬خلعت عني‬
‫جميال كان �أم ب�س ًعا‪ ،‬و�أ�سبحت بدون �لف�ستان‪ .‬مالب�سي‬ ‫ج�سدي �أ ًيا كان نوعه؛ ً‬
‫ذر�عي‬
‫ّ‬ ‫�لد�خلية بالكاد ت�سرتين‪ ،‬وهذ� بال�سبط ما �أر�دته �ل�سيدة‪� ،‬أ�سارت �إ ّ‬
‫يل برفع‬
‫لالأعلى‪ ،‬و��ستندت على �ملر�آة من خلفها ونظرت على جميع �ملر�يا من خلفي‪ ،‬ومل‬
‫‪‬‬
‫تن�ص �لنظر جل�سدي نف�سه‪ ..‬مل تطلب مني �ال�ستد�رة‪ ،‬فكل �سيء و��سح‪ ..‬ج�سدي‬
‫قبيحا‪ ،‬لك ّنه كما قالت منذ قليل‪« :‬يحتاج لالهتمام»‪..‬‬
‫غري معتنى به بامل ّرة‪ ..‬لي�ص ً‬
‫�رتديته م ّرة �أخرى على عجلة الأ�ستطيع �لرتكيز يف ما تقول‪:‬‬
‫منت كث ًري�‪ ..‬وبالطبع ال تعرفني كم م�سى على �آخر م ّرة‬
‫أنك ِ‬
‫‪ -‬من �لو��سح � ِ‬
‫�عتنيت فيها بج�سدك!‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي نف ًيا و�نطلقت قائلة بذعر‪:‬‬
‫‪� -‬أنا ال �أتذكر �أي �سيء‪ ..‬كما �أنني ال �أعرف �سبب وجودي هنا!‪.‬‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫هزّت كتفيها بال مباالة وقالت وهي ت�سري �إىل �إحدى �ملر�يا �الأربع‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫‪� -‬الإجابة عن تلك �الأ�سئلة لي�ست من �خت�سا�سي‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫نظرت �إىل ما ت�سري �إليه‪ ،‬و�إذ بلوح ٍة ُمظلمة تظهر ً‬
‫بدال من تلك �ملر�آة‪ ،‬فاتّ�سعت‬
‫عيناي بغر�بة الأدرك �أنه‪ ..‬باب‪� ،‬أو نافذة بحجم لوح زجاج �ملر�آة �لتي تب ّدلت! وقبل‬
‫�أن �أ�ساألها‪� ..‬سعرت بها تدفعني بقوة‪ ..‬الأهوي لالأ�سفل! ظللت �أ�سرخ بذعر وقلبي‬
‫يو�سك على �لتو ّقف! وال �أتوقف عن �ل�سقوط! �لهو�ء �لبارد يغلفني ب�سرعة �سقوطي‪،‬‬
‫قليال‪ ،‬فقما�سه �لقدمي �ملهرتئ قد نال من‬‫�رتفع رد�ئي الأعلى ليحجب عني �لروؤية ً‬
‫وجهي معظمه‪ ،‬ليختفي بعدها يف �لهو�ء الأبقى بقطعتني خفيفتني من �لقما�ص ال‬
‫�أكرث‪ ...‬وفجاأة‪ ،‬وجدت حار�سي ذ� �ملالب�ص �ل�سود�ء يتبعني يف �سقوطي‪ ،‬لك ّنه كان‬
‫هاد ًئا‪ ،‬وكاأنه يح ّلق مبنتهى �لرب�عة! و�إذ ب�سوته يهم�ص يل بربود‪:‬‬
‫نف�سا عمي ًقا‪ ،‬و�أغلقي منافذ �لهو�ء لديك‪.‬‬
‫‪ -‬خذي ً‬
‫نظرت له بغري فهم وقد تو ّقفت عن �سر�خي �ملذعور‪ ..‬وقبل �أن �أنطق بالـ «ها؟»‬
‫�لتي تعرب عن غبائي‪� ..‬سقطت‪ ..‬يف ماء!‬
‫عيني ببطء الأرى فقاقيع �ملاء �لغزيرة حويل �أثر �سقوطي �ملفجع‪ ،‬وذر�عاي‬
‫فتحت ّ‬
‫مفرودتان بجانبي‪ ،‬و�ساقاي متعبتان‪ ،‬ال يقدر�ن على �ل�سباحة بي لالأعلى‪ ..‬زفرت‬
‫‪‬‬
‫رئتي للخارج لينت�سر ثاين �أك�سيد �لكربون �خلا�ص بي حويل‪،‬‬ ‫�آخر �أنفا�سي من ّ‬
‫يو ّدعني مبنتهى �لق�سوة‪ ..‬وقبل �أن �أدرك �أنه ً‬
‫فعال نف�سي �الأخري‪ ،‬تفاجاأت بحار�سي‬
‫يل‪ ،‬ميد ذر�عه يل من �الأعلى‪ ..‬ال �أتذ ّكر �إن كنت قد مددت له ذر�عي‪� ،‬أم‬ ‫ي�سبح �إ ّ‬
‫�لتقطها هو‪ ..‬لك ّنني �أتذكر جذبه يل لالأعلى‪ ..‬الأ�سبح خارج �ملاء‪ ..‬بطريقة مده�سة‬
‫كما دخلت �إليه!‬
‫‪ -‬لقد �أنذرتك‪� ..‬عتادي على �لت�س ّرف �ل�سريع من �الآن ف�ساعدً �‪.‬‬
‫قالها بنف�ص �لهدوء و�لربود ب�سوته �لذي يثري بد�خلي �لهو�ج�ص‪ ،‬الأنظر �أنا له‬

‫ع‬
‫بينما �أ�سهق �أك�سجي ًنا من �لهو�ء حول تلك �لـ‪ ..‬بركة �لغريبة‪ ...‬بركة؟!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫‪� -‬إنه جزء من �لنهر‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫قالها ليخر�ص ت�ساوؤالتي ونظرت حويل بغر�بة بينما �أُزيل خ�سالت �سعري‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫�لق�سرية �ملزعجة من على وجهي‪ ،‬الأجد �أنني يف مكان �أ�سبه بالكهف‪ ..‬حو�ئط‬
‫�سخرية بعيدة عني مب�ساحات كبرية‪ ،‬كما هي طبيعة �الأر�ص‪� ..‬إال من ذلك �لتجويف‬
‫�لكبري �ملليء باملاء �لذي �أتو�جد فيه‪ ..‬مع ذلك �لغريب!‬
‫هد�أت �أنفا�سي وت�ساءلت عن ماذ� حدث! وجدت �سوت �ل�سيدة �آت ًيا من �الأعلى‪،‬‬
‫فنظرت لالأعلى الأجدها تقف يف ذلك �لباب �مل�سيء‪� ،‬سبحها بالكاد يظهر من �سوء‬
‫علي‪:‬‬
‫غرفة �ملر�يا‪ ،‬تنادي ّ‬
‫‪ّ -‬‬
‫نظفي نف�سك ج ّيدً �‪ ،‬فاأنا �أنتظرك بالغرفة �الأخرى‪.‬‬
‫‪ -‬غرفة؟!‪.‬‬
‫يدي ب�سخط لتغلق هي �لباب وكاأنها مل ت�سمع‬ ‫�سحت بها ب�سخرية و�أنا �أرفع ّ‬
‫ته ّكمي‪ ..‬زفرت ب�سيق‪ ،‬و�رتعبت من �ملكان �لذي �أنا به‪ .‬نظرت لالأ�سفل الأجد �أنني‬
‫�أقف على �سخرة لزجة‪ ،‬ترفعني عن �سطح �ملاء ببع�ص �ل�سنتيمرت�ت‪ ..‬ول�سدمتي‪..‬‬
‫�أنا �الآن عارية!‬
‫‪‬‬
‫كيف حدث ذلك؟ هل �رتطمت ب�سطع �ملاء بق ّوة فتجردت من قطعتي �ملالب�ص؟‬
‫�أم �أن قما�سهما �ملتو��سع قد ذ�ب بعذوبة ماء �لنهر معتدل �حلر�رة؟‬
‫عليك‪.‬‬
‫أنت تهدرين �لوقت‪ ،‬ه ّيا قومي باأخذ ح ّمامك قبل �أن تنادي ِ‬
‫‪ِ �-‬‬
‫بذر�عي ونظرت له �سز ًر�‪ ،‬و�سببت غ�سبي عليه قائلة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫�سهقت و�أحطت نف�سي‬
‫ً‬
‫وف�سال عن‬ ‫‪� -‬أدر وجهك للجهة �الأخرى ّ‬
‫وكف عن �لت�سرف مبنتهى �لربود!‬
‫ذلك‪� ،‬أخربين باأي �سيء ير�سي ف�سويل!‪.‬‬
‫�سمعت �سحكاته‪ ،‬فتج ّمدت يف مكاين و�لتفتُ له بحذ ٍر وتر ُّقب‪ ،‬ووجهي �أحمر‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫خجال من هيئتي �ملهينة‪ ..‬الأجده ينظر للجهة �الأخرى‪ ،‬مي�سح على عباءته �لطويلة‬‫ً‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫متاما من �أي �أثر للماء! فق ّررت‬
‫‪�-‬لتي كانت تتطاير خلف ظهره‪ -‬و�لتي خلت ً‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�أن �أنتهي من هذ� �سري ًعا‪� ..‬أخذت �أدو�ت �ال�ستحمام من �إحدى �لزو�يا بالربكة‬

‫والتوز عي‬
‫�ملنظف على �سعري وج�سدي بينما �أفكر يف‬‫بع�سا من �ل�سائل ّ‬
‫يل‪� ،‬سكبت ً‬ ‫وق ّربتهم �إ ّ‬
‫ذلك �ملكان �لغريب بهوؤالء �لنا�ص وعن حالتي �لتي تفاقمت كث ًري� عن �ل�سورة �لتي‬
‫�أر�سمها يف خم ّيلتي‪ ،‬ورغ ًما عني‪ ،‬كنت �أذرف �لدموع �خلفيفة‪..‬‬

‫‪T‬‬
‫بعد مر�قبة رغوة ح ّمامي وهي تطفو� ‪-‬بعيدً � عني‪� -‬سابحة باجتاه م�سرف‬
‫منحدر‪ ،‬خرجت من �ملاء ببطء‪ ،‬ونظرت للحار�ص بحذر‪ ،‬فكان �ساردً� يف �سيء ما‬
‫بعيد عن موقعي‪ .‬بحثت بعيني عن �أي �سيء ي�سرت ما يظهر من ج�سدي �لنحيل‪،‬‬
‫�لذي بالطبع لن يغوي ذكر �خلنف�ساء حتى‪ ،‬مما جعلني مرتاحة بع�ص �ل�سيء‪،‬‬
‫حتى وجدت بع�ص �ملنا�سف فاحتة �للون مو�سوعة على �أحد �جلو�نب من �الأر�ص‬
‫�ل�سخرية‪ ،‬فاأ�سرعت �إليها متفاجئة بربودة �الأر�ص‪� ،‬رتع�ص ج�سدي و�أنا �أتناول‬
‫من�سفة طويلة‪ ،‬لففتها حول ج�سدي‪ ،‬و�أخرى حول ر�أ�سي لتمنع �لهو�ء �لبارد عن‬
‫‪‬‬
‫�لو�سول الأذين‪ ..‬وفجاأة وجدت �حلار�ص يقرتب مني وي�سري �إىل �أحد جتويفات‬
‫�ل�سخور كالكهوف ويقول‪:‬‬
‫‪ -‬ه ّيا‪...‬‬
‫�سرت خلفه ببع�ص �لقفز �خلفيف‪ ،‬الأتفاجاأ باأن وهني و�سعفي قد و ّليا‪ ..‬و�أنني‬
‫�سرت �سبه طبيع ّية!‬
‫درج غري مرئي بالن�سبة يل‪ ،‬ففعلت مثله مبنتهى �حلذر‬ ‫وجدت �أنه يهبط على ٍ‬
‫بينما يد�ي ممدودتان لالأمام‪� ،‬عتقدت �أنني كنت �ساأت�س ّبث بكتفيه �إن �خت ّل تو�زين‪،‬‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�أ�سبح �لظالم يحيط بنا من كل ّ�جتاه‪ ،‬فهم�ست له بذعر‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫‪ -‬هل و�سلنا؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫تو ّقف فجاأة فا�سطدمت بظهره �لقوي‪ ،‬ويف �لثانية �الأخرى وجدت نف�سي‬

‫ع‬
‫مرفقي بقليل ‪-‬كما ُحتمل �لدُمى‪ -‬وو�سعني‬
‫ّ‬ ‫ذر�عي‪ ،‬فوق‬
‫ّ‬ ‫حممولة بخفة بك ّفيه من‬
‫�أمامه على ذلك �لدرج �ل�س ّيق كمم ّر ثم هم�ص يل‪:‬‬
‫‪ -‬قومي بدفع �لباب‪.‬‬
‫مل �أ َر �أي �أبو�ب‪ ،‬لك ّنني بالفطرة دفعت �جلد�ر من �أمامي‪ ،‬الأتفاجاأ ب�سوء خفيف‬
‫يت�س ّلل منه‪ ،‬ليك�سف يل ما نقف عليه‪ ..‬درج من �ل�سخور‪ ...‬فارغ من �جلانبني‪..‬‬
‫ومن �أ�سفله فجوة من �لظالم‪ ..‬ال �أدري عمقها!‬
‫قدمي على �أر�ص تلك �لغرفة �الأكرث‬
‫ّ‬ ‫�سعرت بالذعر فاأ�سرعت بو�سع �إحدى‬
‫�أما ًنا‪ ،‬م�ستندة على جانبي �لباب‪ ،‬الأهرب من تلك �لكارثة �لتي �أقف فوقها‪ ،‬و�سرت‬
‫ً‬
‫قليال حتى �أ�سبحت بالد�خل وبجانبي �حلار�ص‪..‬‬
‫زي �خلدم‪� ،‬لف�ستان �لق�سري‬
‫�أغلقت �سا ّبة ما �لباب من خلفي وهي ترتدي ّ‬
‫خ�سو�سا �حلكايات‬
‫ً‬ ‫�الأبي�ص و�الأ�سود و�ملريول �لب�سيط‪� ،‬ملعرتف به يف ك ّل مكان‪،‬‬
‫‪‬‬
‫يل و�حدة مم�سكة بيدي‪ ،‬قادتني حتى جل�ست على مقعد وثري‪،‬‬ ‫�لقدمية‪ ..‬تق ّدمت �إ ّ‬
‫مريح للغاية ومل �أقاوم �إغما�ص عيني الأ�ست�سلم الإح�سا�ص �لر�حة هذ�‪ ،‬لكن �سمعت‬
‫�سوت �ل�سيدة �لهادئة تقول يل‪:‬‬
‫‪� -‬الآن �سنبد�أ باالعتناء بج�سمك‪ ..‬حاويل �ال�سرتخاء فقط‪ ،‬ال تتوتري‪.‬‬
‫نظرت لها بغري فهم وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬هل هناك ما �سيوؤمل؟‪.‬‬

‫ع‬
‫قا�ص للغاية! وكرد فعل �سرخت متاأملة‪..‬‬
‫وها قد جاءت �الإجابة على هيئة فعل‪ٍ ..‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫تذ ّكرت �أمل �لعملية �لب�سيطة تلك‪ ..‬و�ق�سع ّر بدين كث ًري�‪ ،‬ومل �أ�ستطع فتح ّ‬
‫عيني‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وبتُ �أذرف دموع �الأمل �لقليلة �لثقيلة‪ ،‬حتى جاءين �سوت �سحكات رجول ّية هادئة!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫عيني ب�سعوبة و�أنا �ألتقط �أنفا�سي باأمل‪ ،‬الأرى حار�سي يجل�ص على �ملقعد‬
‫ففتحت ّ‬
‫�لقريب مني‪ ،‬متهالك من كرثة �ل�سحك على هيئتي!‬
‫لزجا على وجهي ذ� ر�ئحة ن ّفاذة‪ ،‬ر�ئحة قهوة‬ ‫و�سعت �إحدى �خلادمات ً‬
‫�سائال ً‬
‫ّرمبا‪ ..‬فردت �ل�سائل بيديها بحذر وهم�ست يل‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� لتوحيد لون �لب�سرة‪.‬‬
‫فتاأوهت �أنا و�سط كل هذ� �ل�سخب �لذي �أ�سعر به وقلت با�ستهز�ء‪:‬‬
‫‪� -‬أي ب�سرة تلك! �أنا م�س ّوهة‪ ..‬لن يجدي � ٌأي من هذ� بالنفع!‪.‬‬
‫وبعد قليل‪ ،‬ق ّربت �إ ّ‬
‫يل �ل�سيدة �ملر�آة �لطويلة‪ ،‬فاقرتبت �أنا منها مبت�سمة بغر�بة‪،‬‬
‫الأرى �أن ما قد فعلوه بي‪ ،‬قد �أتى بالنفع!‬
‫�أ�سبح ج�سدي �أكرث ن�سارة من ذي قبل‪ ،‬كل مو�سع من مو��سع �الأمل �سكن‬
‫مبج ّرد روؤيتي �لنتيجة‪ ،‬وهذ� �لقناع �للزج على وجهي‪ ،‬قد �أدى لتفتيح لون بقع �لبثور‬
‫و�آثارها‪ ..‬و�الأ�سود حتت عيني‪� ،‬ختفى بطريقة ملحوظة! هو يظل قاب ًعا حتت عيني‬
‫‪‬‬
‫لكن ح�سوره ب�سيط‪ ..‬و�سعري‪� ..‬أطر�فه مت�ساوية‪ ،‬ال ت�سوكني بعد �الآن وال تزعجني‪،‬‬
‫كتفي‪،‬‬
‫قليال بطريقة فور ّية لتالقي �أطر�فه ّ‬‫قامو� بو�سع م�ستح�سر ما ليجعله يطول ً‬
‫هذ� ما قالوه حني �أزعجهم �سعري �لق�سري هذ�‪ ،‬باملد�ومة عليه �سيعود طوله‬
‫�الأ�سلي‪� ..‬أتذكر �سوت �ل�سيدة حني قالت باأ�سف‪:‬‬
‫أنت هزيلة‪ ،‬و�إمكانيات ج�سدك معدومة‪ ..‬بالتغذية �ل�سليمة �سيتح�سن هذ�‬
‫‪ِ �-‬‬
‫ب�سورة كبرية‪.‬‬
‫نظرت لل�سيدة بغري ت�سديق وت�ساءلت بف�سول‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬يف نظرك‪ ..‬هل ما زلت قبيحة؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�أق�سم باأنني ر�أيت �سبح �بت�سامة يرت�سم على وجهها‪ ..‬ومل جتبني! هل كانت‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ت�سخر مني بعقلها؟‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ع‬
‫ّ�جتهت الأحد �لف�ساتني و�أ�سارت يل �أن �أقرتب‪ ،‬تفح�ست �لف�ستان وزفرت‬
‫باإجهاد‪:‬‬
‫‪� -‬سن�سطر حلياكة ما ينا�سبك‪ ..‬لكن �رتدي هذ� موؤ ّقتًا‪.‬‬
‫ب�سيطا من خز�نة كبرية بعر�ص �حلائط‪ ،‬باللون �لرمادي �لباهت‬‫�أخذت ف�ستا ًنا ً‬
‫و�أعطته يل‪ ،‬قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬لقد �نتهى عملي هنا‪.‬‬
‫�بت�سمت لها و�سكرتها‪ ..‬وقبل �أن �أت�ساءل عن �أي �سيء �أ�سارت يل على �لباب‬
‫�لذي دخلت منه‪ ،‬فتنحنحت وخرجت وهم�ست ملن يتبعني‪:‬‬
‫‪ -‬و�الآن ماذ�؟‪.‬‬
‫كدت �أ�سع قدمي على �أوىل �لدرجات �ل�سخرية �ملريبة‪� ،‬إال �أنني وجدت �ملكان‬
‫من خلف �لباب قد تب ّدل‪� ..‬إىل �لرو�ق ذي لوحات �مللوك يف كل مكان‪ ..‬عب�ست‬
‫بغر�بة‪ ،‬الأ�سمع �سوت �حلار�ص يقول وهو يفتح باب �إحدى �لغرف‪:‬‬
‫‪‬‬
‫زلت قبيحة‪ ..‬وردًّ� على �لثاين‪،‬‬
‫‪ -‬كاإجابة عن �سوؤ�لك �الأول‪ ...‬نعم؛ ما ِ‬
‫ف�ستفهمني كل �سيء يف �حلال ريثما تعربين من هذ� �لباب‪.‬‬
‫جتاهلت جملته �الأوىل‪ ،‬مل ت�سبني يف مقتل‪ ،‬فاأنا �أدرى بنف�سي! لكن ما جذب‬
‫�نتباهي كانت ثاين جملة‪ ،‬فنظرت للباب �لذي مي�سك مبقب�سه وعربت من خالله‪..‬‬
‫الأجد نف�سي يف غرفة �سغرية؛ �الإ�ساءة بها خافتة‪ ،‬بها فر��ص ب�سيط‪ ،‬ومن�سدة‬
‫خ�سبية للطعام‪ ..‬ومقعد! مل �أف ّكر كث ًري�‪�ّ ،‬جتهت لل�سرفة �ل�سغرية ذ�ت �لق�سبان‪،‬‬
‫ونظرت منها على �ملظهر �خلارجي و�أطلقت �سهقة مكتومة‪ ،‬الأ�سمع �سوت �حلار�ص‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫يتكلّم بعد �أن �أغلق �لباب‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫بك يف �حلياة �الأخرى‪...‬‬ ‫‪ً �-‬‬
‫أهال ِ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫�لتفت �إليه وقد الحظت �أن نربته جد ّية‪ ،‬بعد �أن ترك �لهم�ص‪ ،‬هززت ر�أ�سي‬
‫بغري فهم فقال بغر�بة هادئة‪:‬‬
‫‪� -‬لعامل �الآخر �أمل ت�سمعي عنه؟ ذلك �لذي ياأتون �إليه بعد �ملوت!‪.‬‬
‫ّ‬
‫تدىل فمي من �ملفاجاأة و�ق�سع ّر بدين من ق�سوة ما قال‪ ..‬ومن برودة و�سفه‪..‬‬
‫وت�ساءلت مبا �أخ�سى‪:‬‬
‫‪ً � -‬إذ�‪� ..‬أنا ميتة؟‪.‬‬
‫و��سحا �أكرث �أ�ساف بال �أي تعبري‪:‬‬
‫ً‬ ‫ه ّز ر�أ�سه‪ ،‬ولكي يكون‬
‫‪ -‬موؤكد‪...‬‬
‫�ساقي �إىل �سدري؛ تلك‬
‫ّ‬ ‫أر�سا‪� ،‬سام ّة‬
‫يدي على فمي وجل�ست � ً‬‫و�سعت كلتا ّ‬
‫�جلل�سة �لتي تعرب عن �لعجز بالن�سبة يل‪ ..‬وال ت�ساألني كيف عرفت!‬
‫كتفي ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫�قرتب ذلك �حلار�ص مني ومد كلتا يديه لري ّبت على ّ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ال د�عي للحزن‪ ،‬لقد حمو ذ�كرتك لهذ� �ل�سبب �أتعلمني؟‪.‬‬
‫هطلت دمعة من عيني بينما و�سعت يدي على مو�سع قلبي هام�سة بغري وعي‪:‬‬
‫‪� -‬أنا ال �أتذ ّكر �أي �سيء ً‬
‫فعال‪ ..‬فقط ذلك �الإح�سا�ص �للعني باالأمل‪ ..‬و�لقهر!‪.‬‬
‫يل كي ي�ساعدين على �لوقوف‪ ،‬فوقفت مب�ساعدته و��ستندت على‬ ‫مد يده �إ ّ‬
‫�جلد�ر من خلفي وقد عاد �لوهن �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬وهم�ست باأمل‪:‬‬
‫‪ -‬حتى ��سمي‪ ...‬ن�سيته!‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�قرتب �إ ّ‬
‫يل ذلك �حلار�ص ‪-‬ببطء‪ -‬ومل يكن بو�سعي �لرت�جع‪ ،‬فاأنا �ألت�سق‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫عيني له بذعر‬ ‫باجلد�ر � ً‬
‫أ�سال‪� ..‬سعرت باأنه قريب مني بطريقة مريبة‪ ،‬فرفعت ّ‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫و�ساألته‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫‪ -‬و�أنت‪ ..‬من �أنت؟‪.‬‬
‫ذر�عي تلقائ ًيا �أمام �سدري‪ ،‬الأتفاجاأ به ينزلهما ببطء‪ ،‬ويق ّرب �أنامله‬
‫ّ‬ ‫رفعت‬
‫ل�سدر ف�ستاين يريد فتح �أزر�ره‪ ..‬ت�سارعت د ّقات قلبي و�أنفا�سي يف حماولة �البتعاد‬
‫عنه بينما �أك ّرر �سوؤ�يل‪:‬‬
‫‪ -‬من �أنت!‪.‬‬
‫و�أ�سفت بده�سة‪:‬‬
‫‪� -‬ترك مالب�سي و�بتعد عني فو ًر�!‪.‬‬
‫فكرة �أن ال �أحد ير�ه غريي جعلتني �أحب�ص �أنفا�سي يف �للحظة �الأخرية عن‬
‫�ل�سر�خ و�ال�ستنجاد باأي �أحد‪ ..‬رغم �أنني ال �أعرف �أحدً �!‬
‫ذر�عي فوق ر�أ�سي بقب�سته �لقو ّية بينما يده �الأخرى ما ز�لت تقوم‬
‫ّ‬ ‫ث ّبتني برفع‬
‫ف�ص �الأزر�ر �لعلو ّية‪ ،‬وفجاأة باعد بني �س ّفتي‬
‫وخ ّفة‪ ،‬حتى �نتهى من ّ‬
‫بعملها ب�سرعة ِ‬
‫بهم�ص منده�ص‪:‬‬
‫�لف�ستان كالباب �ملفتوح‪ ،‬وقال ٍ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬مقتولة‪...‬‬
‫�أخ ًري� ��ستطعت دفعه بكل ق ّوتي‪ ،‬ليبتعد عني ً‬
‫قليال‪ ،‬لكن �سرعان ما �قرتب وث ّبت‬
‫ذر�عي فوق ر�أ�سي م�ستطردً� بنربة هام�سة‪ ..‬غري م�سدقة‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬مل متوتي‪ ..‬بل ُق ِ‬
‫تلت!‪.‬‬
‫نظرت له بغري فهم‪ ،‬فاأ�سار على مو�سع �سدري وقال‪:‬‬
‫مكتوب هُ نا‪...‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫‪T‬‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬

‫‪‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ً‬
‫عاد مشــوها كما كان!‬

‫نظرتُ له بغري فهم‪ ،‬فاأ�سار على مو�سع �سدري وقال‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫مكتوب هُ نا‪...‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫ش‬
‫نظرت لالأ�سفل على ما ي�سري �إليه‪ ،‬حتت رقبتي ببع�ص �ل�سنتيمرت�ت‪ ،‬و�سهقت‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ٌ‬
‫خمطوط بالفعل! وكاأنه و�سم!‬ ‫حني ر�أيت �سي ًئا ما‪ ،‬هو‬

‫ع‬
‫�بتعدت عنه وظللت �أدور بالغرفة‪ ،‬ذها ًبا و�إيا ًبا‪� ،‬أبحث عن مر�آة‪ ..‬لك ّني مل �أجد!‬
‫ف�سحت فيه ليبحث معي‪:‬‬
‫‪� -‬أال ترى مر�آة؟ �أي مر�آة؟!‪.‬‬
‫وقبل �أن يجيب الحظت وجود وعاء عميق من �ملاء وبجانبه كوب حديدي �سغري‪،‬‬
‫ركبتي �ملك�س ّوتني بالقليل من �للحم‪ ،‬و�قرتبت بوجهي‬‫ّ‬ ‫فاجتهت �إليه وجل�ست على‬ ‫ّ‬
‫قليال وفتحت �لف�ستان‪ ،‬ومل �أر �سي ًئا! فاالإ�ساءة‬
‫منه‪ ،‬الأرى �نعكا�سي‪ ..‬رفعت ج�سدي ً‬
‫بالغرفة �سيئة للغاية!‬
‫�قرتب مني وقال بهدوء‪:‬‬
‫لك‪.‬‬
‫‪� -‬هد�أي‪ ..‬لن ت�ستطيعي روؤيته‪ ،‬ميكنني قر�ءته ِ‬
‫ز�دت د ّقات قلبي وقلت بتلعثم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬لكن‪ ..‬لكن تلك �ل�سيدة‪� ..‬لق�سرية‪�� ..‬ستطاعت قر�ءته‪ ..‬ملاذ�؟ و�أنت‪..‬‬
‫كيف ذلك؟‪.‬‬
‫كتفي‪ ،‬الأ�سبح و�قفة با�ستقامة �أمامه وقال بعمق‪:‬‬
‫�قرتب مني وث ّبتني من ّ‬
‫أنت‪.‬‬
‫‪ -‬ميكنها ذلك‪ ..‬وميكنني‪ ..‬لي�ص �جلميع ميكنه ذلك‪ ..‬مبا فيهم � ِ‬
‫و�أ�ساف ب�سرود‪:‬‬
‫غريب ح ًّقا!‪.‬‬
‫تعجبها من �الأمر‪ٌ ..‬‬
‫تبد ّ‬
‫‪ -‬وبالرغم من �أنها قر�أته‪ ،‬مل ِ‬

‫ع‬
‫نظرت ملو�سع عينيه وكاأنني �أر�هما وهم�ست برجاء‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪� -‬أطلعني على كل �سيء! �أ�سعر باأنه يتم قتلي فعل ًّيا بكل هذ� �لغمو�ص!‪.‬‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫دفعني للخلف ً‬

‫ر‬
‫�ساقي‬
‫قليال الأجل�ص على �لفر��ص من خلفي‪ ،‬فجل�ست و�سممت ّ‬

‫والتوز عي‬
‫يل‪� ،‬أحتوي نف�سي و�أحميني من �لهو�ج�ص‪ ..‬فكلمة «مذعورة» هي �أقل كلمة ميكنها‬‫�إ ّ‬
‫و�سف �سعوري بعد �أن �أخربين عن كوين مقتولة‪ ..‬وموجودة بالعامل �الآخر!‬
‫جذب �ملقعد �خل�سبي �لب�سيط لي�سعه �أمام جل�ستي على �لفر��ص‪ ،‬جل�ص بالو�سع‬
‫�ملعاك�ص لطبيعة �ملقعد‪ ،‬ومال بجذعه لالأمام م�ستندً � على �لظهر �خل�سبي بكلتا‬
‫يديه وبد�أ يف �حلديث‪ ،‬لياأتيني �سوته متنهّدً �‪:‬‬
‫ل�ست �لوحيدة‪ ..‬هناك �ملئات و�ملئات �أتني منذ �أيام‪.‬‬
‫‪ -‬ال تخايف ِ‬
‫�سفتي بتوتّر‪� ،‬أعتقد �أنها عادة حني �أكون م�ستّتة‪ ..‬و�ساألته بينما �سفتاي‬
‫ق�سمت ّ‬
‫م�سمومتان ً‬
‫قليال‪:‬‬
‫‪ -‬وماذ� قر�أت‪ ..‬غري كوين مقتولة‪ ..‬هل ��سمي مذكو ٌر � ً‬
‫أي�سا؟‪.‬‬
‫�ساألته و�أنا �أكاد �أجن‪� ،‬أ�ساأله �سو ًؤ�ال ً‬
‫ب�سيطا بينما �أعيد ترتيب كل ما �أردت �سوؤ�له‬
‫�سفتي �ملت�س ّققتني‪ ..‬ماليني‬
‫ّ‬ ‫عنه بعدها‪ ،‬حتى ال تهرب حرويف �ملرتع�سة من بني‬
‫�الأفكار و�لهو�ج�ص قفزت لط ّيات عقلي بال ��ستئذ�ن‪ ،‬الأرجتف ً‬
‫قليال و�أحترك بال‬
‫‪‬‬
‫وعي لالأمام وللخلف‪ ،‬م�ساعري متخ ّبطة‪ ،‬حتى قبل �أن يقول �أي �سيء‪ ..‬كم �أردت‬
‫�أن �أ�سيغ كل ما �أريد معرفته يف �سو ٍؤ�ل و�حد؛ كي �أ�ستمع لتف�سري عميق ي�سبع ف�سويل‬
‫وي�سكن قلبي ولو ً‬
‫قليال! مل �أ�ستطع ذلك بالطبع فاآثرت �ل�سمت‪ ،‬حتى �أتت �إجابته‪:‬‬
‫عنك‪ ،‬و�أعتقد �أنه لي�ص باالأمر‬
‫أنت مقتولة‪ ..‬فقط‪ ..‬ال يوجد �أي �سيء �آخر ِ‬
‫‪ِ �-‬‬
‫�لغريب‪ ..‬لقد �سمعت عن فتيات ياأتني بدون �أي معلومة!‪.‬‬
‫�أوماأت بر�أ�سي و�أرهفت �سمعي ل�سوته �لعميق و�لذي بد�أ باال�سرت�سال‪:‬‬
‫فلكل‬
‫‪ -‬نحن هنا يف �لعامل �الآخر‪ ،‬نقوم بعمل ما مل ن�ستطع فعله يف �حلياة‪ٍ ...‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫م ّنا هدف من �لوجود هنا‪ ..‬حتى لو �أن وجودنا هنا لي�ص مبح�ص �إر�دتنا‪...‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫مل ي�سكن كالمه ذلك �لت�سوي�ص بعقلي‪ ،‬ف�ساألته‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬وكيف �ساأعرف هديف �إن كنت �أجهل هو ّيتي؟!‪.‬‬

‫ع‬
‫و��سحا‪ ،‬بالتاأكيد �سمع كل ما قلته‪ ..‬ال �سيء م�سحك يف ما‬
‫ً‬ ‫�أُق�سم �أن �سوتي كان‬
‫�أقول! وبرغم هذ�‪� ..‬سحك‪..‬‬
‫�أرهفت �سمعي ل�سوت �لرياح �لقادم من �خلارج‪ ،‬ويف نف�ص �للحظة دخلت بع�ص‬
‫�لرياح عرب تلك �لفتحة �ل�سخيفة ذ�ت �لق�سبان باحلائط‪ ،‬لتجعل ج�سدي يرجتف‬
‫بوهن‪ ،‬فهممت الإغالق �أزر�ر ف�ستاين �خلفيف و�لذي ال يوجد �أي �سيء لي�سرت عظمي‬
‫متاما مبجرد �أن ر�أيت تلك �لكلمات‪� ..‬سعرت‬
‫�لبارز �إال هو‪ ،‬و�لتي ن�سيت �إغالقها ً‬
‫باالختناق‪ ...‬وجم ّددً�‪� ..‬ساألته‪:‬‬
‫‪ -‬ما �ملكتوب هنا؟‪.‬‬
‫و�أ�سرت �إىل ج�سدي بتلقائية‪ ،‬فاأجابني‪:‬‬
‫كنت حتاولني �إنقاذ �أحدهم‪...‬‬
‫‪ -‬مقتولة‪ِ ..‬‬
‫�عتدلت وجل�ست �لقرف�ساء وطالعته مبنتهى �الهتمام‪ ،‬وت�ساءلت‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬أنا؟ كنت �أنقذ �أحدهم؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه وقال با�ستهز�ء‪:‬‬
‫أنك ُم�سحية‪...‬‬
‫‪ -‬من �لو��سح � ِ‬
‫�بت�سمت ب�سرود‪ ..‬بقليل من �لفخر وحاولت تخ ّيل نف�سي يف � ٍّأي من مو��سع‬
‫�لبطولة و�لت�سحية‪ ..‬فلم �أجد! فعدت �إليه وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬وهل يل ��سم؟‪.‬‬

‫ع‬
‫حت ّركت �أ�سابعه تد�عب خ�سب �ملقعد �ملتهالك وقال بال �أي تعبري �أو �هتمام‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬موؤكد كان لديك‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�نقب�ست معدتي بتوتّر‪� ..‬أهكذ� ي�سعر �لغريب؟!‬

‫والتوز عي‬
‫‪� -‬إليونور�‪...‬‬
‫مل �أدرك تلك �لنربة �لغريبة يف �سوته‪ ..‬لك ّنها �أجفلت قلبي �ل�سغري‪ ،‬جعلته‬
‫يخفق بعنف‪ ..‬بحما�ص‪ ..‬بطريقة ر�ئعة! جعلت لوقع �ال�سم �لذي قاله رني ًنا‪..‬‬
‫‪� -‬أنا �إليونور�؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه وقال بنربته �لعادية‪ ،‬وكاأنه ال يهتم‪:‬‬
‫‪ -‬هل متانعني؟!‪.‬‬
‫وجدت �البت�سامة طريقها �إ ّ‬
‫يل‪ ..‬وقلت بال وعي‪:‬‬
‫‪� -‬أحببت �ال�سم!‪.‬‬
‫نه�ص من مقعده‪ ،‬وتركه بجانب �حلائط وقال بهدوء‪:‬‬
‫بك‪...‬‬
‫‪ -‬يليق ِ‬
‫و�أ�ساف بعد �أن �أدرك غر�بة ما قال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫عليك �لنوم‪ ..‬فاأمامك يو ٌم طويل بالغد‪.‬‬
‫‪� -‬الآن ِ‬
‫ّ‬
‫دق قلبي وقلت بطريقة معتوهة للغاية‪:‬‬
‫‪ -‬كيف لهذ� �ال�سم �جلميل �أن يليق بي؟ و�أنا دميمة هكذ�!‪.‬‬
‫باهتمام غريب‪ ،‬وكاأنها‬
‫ٍ‬ ‫م�سدها‬
‫خلع عنه عباءته �ل�سود�ء �ملث ّبتة بكتفي مالب�سه‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫قطة �سود�ء ناعمة‪ ..‬وناولني �إ ّياها‪ ،‬فنظرت له مت�سائلة‪ ..‬ليقول‪:‬‬
‫لك ما تتدثرين به‪ ..‬و�جلو بارد �لليلة‪.‬‬
‫‪ -‬مل يوؤ ّمنو� ِ‬

‫ع‬
‫وبقوله �آخر كلمة دوى �سوت �لهو�ء عال ًيا‪ ،‬فاأخذت عباءته ولففتها حول ج�سدي‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�ل�سئيل فابتلعتني باحت�سان‪ ،‬تد ّثرت بها جيدً � حتى �ختفى وجهي � ً‬

‫ك‬
‫أي�سا‪ ..‬كم هي‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫و��سعة‪ ..‬ود�فئة!‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫تنهدت بعد �أن عم �لدفء ج�سدي‪ ..‬ونظرت له الأجده يقف بالقرب من �ل�سرفة‪،‬‬

‫ع‬
‫يطالع �لقمر‪ ،‬مول ًيا ظهره �لعري�ص يل‪ ..‬فقلت مت�سائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هل‪� ..�� ..‬أال ت�سعر بالربد؟‪.‬‬
‫مل يجبني‪ ،‬فتنحنحت وناديته بينما ��ستلقيت بج�سدي �لنحيل على �لفر��ص‬
‫�لقدمي‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪....‬‬
‫ً‬
‫مت�سائال‪:‬‬ ‫�لتفت �إ ّ‬
‫يل و�قرتب مني‬
‫عرفت ��سمي؟‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ِ‬
‫عيني بغمو�ص‪ ،‬وكدت �أن �أر�وغه‪� ،‬إال �أنه قال متذ ّك ًر� وقت خروجي من‬
‫�س ّيقت ّ‬
‫�لزنز�نة‪:‬‬
‫‪�� -‬ه تذ ّكرت‪...‬‬
‫وما لبث لي�سمت وقال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ماذ� تريدين؟‪.‬‬
‫زفرت من ق ّلة �سربه وقلت ب�سخط م�ساعري‪:‬‬
‫علي هكذ�! �أنا مقتولة وفاقدة للذ�كرة‪ ...‬ر� ِع م�ساعري �إن تك ّرمت!‪.‬‬
‫‪ -‬ال تق�سو ّ‬
‫�سحك با�ستهز�ء فرميته بنظرة غا�سبة و�أردت �سوؤ�له عن �سيء‪ ،‬ال �أتذكر ما‬
‫عيني وهم�ص ب�سيء مل �أفهمه‪،‬‬‫هو‪ ..‬ال �أتذكر �إال �أنه �قرتب مني وم ّرر ك ّفه فوق ّ‬
‫لوقت �أطول‪.‬‬
‫عيني فقدتا �لقدرة على �لبقاء مفتوحتني ٍ‬ ‫�أجفلني الأول وهلة‪� ،‬إال �أن ّ‬
‫د�م�سا بال�سو�د حني �أ�سبلت �أهد�بي و��ست�سلمت لالإح�سا�ص �ملفاجئ‬
‫كل �سيء �أ�سبح ً‬

‫ع‬
‫علي تعويذة ما‪ ..‬الأنام!‬
‫بالنوم‪ .‬وقتها مل يبق بعقلي �أي فكرة �إال �أن‪ ..‬ظافر �ألقى ّ‬

‫‪T‬‬
‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬
‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬
‫والتوز عي‬
‫��ستيقظت‪ ..‬ال �أ�ستطيع �لقول �إذ� كنت قد ��ستيقظت يف �ليوم �لتايل‪� ..‬أم يف‬
‫قدمي ُالأالم�ص �الأر�ص‬
‫نف�ص �لليلة �لد�كنة‪ ..‬تن ّهدت و�أبعدت �لعباءة عني و�أنزلت ّ‬
‫�ل�سخرية د�كنة �للون كاجلدر�ن‪� ،‬كت�سفت �أنني منت باحلذ�ء �خلفيف �لذي‬
‫ح�سلت عليه �لبارحة مع �لف�ستان‪ .‬نظرت حويل‪� ،‬أبحث عن ظافر‪ ،‬لكن �لظالم‬
‫كان �أقوى من تلك �لرغبة‪�� ،‬ستندت على �حلائط وناديت ��سمه بهم�ص‪ ..‬لكن ال من‬
‫جميب! و�سعت �أناملي على عيني وقلت بغري وعي‪:‬‬
‫‪ -‬هل �أطفئت �ل�سعلة؟‪.‬‬
‫و�أ�سفت ب�سيق‪:‬‬
‫‪َ -‬مل هذ� �لظالم!‪.‬‬
‫وقبل �أن �أ�سل حلرف �مليم يف �آخر ما قلته‪� ،‬سمعت �سوت فرقعة �أ�سابع‪ ،‬وفجاأة‬
‫عاد ب�سري!‬

‫‪‬‬
‫�تّ�سعت عيناي بغر�بة الأجد ظاف ًر� هذ� يقف �أمامي‪ ..‬و�أ�سابعه ما ز�لت بالقرب‬
‫من عيني‪ ..‬فهم�ست بغري فهم‪:‬‬
‫‪ -‬كيف؟‪.‬‬
‫�أنزل �أ�سابعه ببطء ّ‬
‫وتخطاين‪ ،‬لياأخذ عباءته من على �لفر��ص‪ ..‬ن ّف�سها‪ ،‬ث ّبتها‬
‫خلف ظهره كما كانت‪ ،‬وعاد �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬وقال بلهجة غريبة‪:‬‬
‫‪�� -‬سربي ً‬
‫قليال من �ملاء‪...‬‬
‫مل �أفهم �سبب ما قال‪ ..‬لكن ال يهم‪ ،‬فاأنا كنت �أ�سعر بالعط�ص ً‬
‫فعال فاقرتبت‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ببطء لدلو �ملاء و�أنا �أطالع هيئته‪� ،‬إنه يدعو للريبة وال �أعرف �إن كان به هو ماء‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫نظيف �أم ال‪ ..‬وال يوجد �أمامي �إال �لتجربة ملعرفة ذلك! �أم�سكت بالكوب �ل�سغري‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫بالقرب منه وعزمت و�سعه د�خل �لدلو و�ل�سرب‪� ،‬إال �أنني حني �قرتبت من �ملاء‬

‫والتوزي‬
‫بوجهي‪ ..‬الحظت �سي ًئا ما‪ ..‬متن ّيت �أن ال يكون‬

‫ع‬
‫�سحيحا‪ ..‬لكن‪ ..‬هو حقيقي!‬
‫ً‬
‫�سقط �لكوب مني لي�سدر دو ًيا عال ًيا و�سرخت يف نف�ص �لوقت! ومل يجفل‬
‫ظافر‪ ..‬فهو بالطبع يعلم باأن وجهي‪ ..‬عاد دمي ًما! عاد م�س ّوهً ا كما كان!‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(4‬‬

‫الكارثة‬

‫�أردت و�سع وجهي يف كفى الأبكي بحر ّية‪ ..‬لكن مالم�سة ذلك �لوجه هو فعل‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫مقزز للغاية‪ ،‬حتى ولو كان وجهي �أنا!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�سعرت بيد حار�سي تو�سع على كتفي‪ ،‬فانتف�ست و�قفة و�بتعدت عنه �سائحة‪،‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫بينما �أخبئ وجهي يف �لفر��ص �لذي �رمتيت به‪:‬‬

‫والتوز عي‬
‫‪ -‬ماذ� فعلت بي! �أيها �مل�سعوذ! �أنت من فعلت بي هذ�!‪.‬‬
‫مل �أكن �أتوقع منه �إجابة‪ ..‬لكنه �أجاب بو�سوح‪:‬‬
‫أنت‪ ..‬ووجهك �لهادئ باالأم�ص كان‬‫‪ -‬ال تلقي باللوم على غريك‪ ..‬هذه هي � ِ‬
‫جم ّرد ��ستثناء‪...‬‬
‫رفعت وجهي من �لفر��ص و�سحت فيه بكل ما ّيف من ذعر‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذ�! ملاذ�!‪.‬‬
‫بكيت بلوعة و�هت ّز ج�سدي بق ّوة‪ ..‬و�سمعت �سوته يقول بهدوء‪:‬‬
‫فلديك �لكثري لتقلقي من �أجله‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ال تنهاري من �سيء ب�سيط كهذ�‪..‬‬
‫ويف نف�ص �للحظة �سمعت طر ًقا على �لباب‪ ،‬فالتفت الأجد �لباب ُيفتح‪ ،‬لتدلف‬
‫�ل�سيدة �ل�سمينة‪ ،‬وي�سبقها عطرها �ملنفر‪ ..‬و�سوتها �ملزعج‪:‬‬
‫‪ -‬كفى ً‬
‫ك�سال‪�� ،‬ستيقظي ه ّيا ه ّيا ه ّيا‪...‬‬
‫‪‬‬
‫قالتها وهي متجهة الآخر �لغرفة‪ ،‬يف �الجتاه �ملعاك�ص يل‪ ..‬وقبل �أن �أعتدل‬
‫ب�سكل �سليم‪ ،‬تفاجاأت بدلو �ملاء ينهمر على ج�سدي! ف�سهقت بذعر‬‫يف جل�ستي ٍ‬
‫و�سرخت! ثم �عتدلت باإجفال الأجد �ل�سيدة تنظر يل بده�سة وقد تركت �لدلو‪:‬‬
‫‪ -‬مل تذهبي للما�سطة بعد؟‪.‬‬
‫قالتها م�سرية لوجهي �لقبيح‪ ،‬فنك�ست �أنا وجهي وقلت بحزن‪:‬‬
‫وحت�سنت هيئتي‪ ..‬لكن‪ ..‬عاد وجهي ملا كان عليه!‪.‬‬
‫‪ -‬ذهبت‪ّ ..‬‬
‫�سحكت جملجلة �ملكان ب�سوتها �ملزعج الأنتف�ص �أنا مذعورة‪ ..‬وقالت �أخ ًري�‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫مبزحة مل �أفهمها �أنا‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪��� -‬ه موؤ ّكد ِ‬
‫كنت جميلة يف حياتك �الأوىل!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�أ�سبلت �أهد�بي ع ّدة مر�ت وهم�ست بـ‪:‬‬

‫ع‬
‫دوما قبيحة‪ ..‬لكن �إح�سا�سي هذ�‪...‬‬
‫‪ -‬ال �أتذكر‪� ..‬أ�سعر باأنني كنت ً‬
‫وقبل �أن �أو�سل لها ما �أريد‪ ،‬جذبتني من ذر�عي بق�سوة �ساغطة باأناملها‬
‫كتفي بق ّوة و�أخرجتني من �لغرفة قائلة‪:‬‬
‫�ل�سميكة على تلك �ملنطقة �أ�سفل ّ‬
‫‪ -‬ال د�عي للرثثرة‪ ..‬كوين قليلة �لكالم‪ ،‬ال وقت لدي الأ�سمع ثرثرة كل و�حدة‬
‫منكنّ !‪.‬‬
‫�نطلق �أنيني وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬لكن‪ ..‬كيف ال �أكف عن �لرثثرة و�أنا ال �أفهم �سي ًئا!‪.‬‬
‫�أ�سبحنا بالرو�ق ذي �للوحات �مللكية �لعظيمة و�سرنا حتت ُ‬
‫�لرث ّيا �ملتف ّرعة‪،‬‬
‫�سمعتها تقول بته ّكم‪:‬‬
‫لك �أيتها �ملعتوهة؟ �أال ترين �أن جميعنا م�سغولون؟‪.‬‬
‫‪ -‬ومن لديه �لوقت لي�سرح ِ‬
‫نظرت حويل بغر�بة وقلت‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬جميعكم؟ لكني ال �أرى �أحدً �!‪.‬‬
‫وبنطقي �لكلمة �الأخرية تفاجاأت باأننا عربنا بد�خل �حلائط وكاأنه حائط من‬
‫�لهو�ء فقط! و�أ�سبحنا بد�خل مكان حار للغاية‪ ،‬رفعت ك ّف ّي �أمام وجهي �أ�سارع تلك‬
‫�الأبخرة عديدة �لرو�ئح حتى �ت�سحت �لروؤية‪ .‬نحن يف مطبخ �أقل ما يقال عنه �أنه‬
‫أنا�سا ينت�سرون يف كل مكان؛ لينفو�‬
‫ثو�ن؛ �الآن �أنا �أرى � ً‬
‫كبري‪ ،‬والأعود ملا قلته منذ ٍ‬
‫بد�خلي فكرة �أن هذه �لقلعة مهجورة!‬
‫دفعتني �ل�س ّيدة الإحدى �لفتيات‪� ،‬لالتي يرتدين ق ّبعة بي�ساء حتجب خ�سالت‬
‫يقطعون �خل�سر‪ ..‬وقالت بق�سوة‪:‬‬‫�سعرهن عن وجوههن‪ّ ،‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬أعطيها �س ّكي ًنا‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫��ستق ّرت قدماي �ملتخبطتان بجانب تلك �لفتاة‪ ،‬كانت طويلة‪ ،‬يفوق طولها‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�ساف‪ ،‬بعك�ص ما يبدو وجهي‪� ،‬أنفها طويل‬ ‫�لفتيات باملطبخ‪ ،‬قمح ّية �لب�سرة‪ ،‬وجهها ٍ‬
‫ً‬
‫قليال نهايته مد ّببة يعطيها مظه ًر� ج ّذ� ًبا‪ ..‬مل �أ َر هيئة �سعرها‪ ،‬لكن لونه �الأ�سود‬
‫�لفاحم كان ظاه ًر� يل من تلك �لفتحة �مل�ستديرة �أعلى �لقبعة �لورقية‪..‬‬
‫‪� -‬أُدعى ميلد�‪ ..‬و�أنا كبرية �لطهاة هنا‪...‬‬
‫يل‪ ،‬و�أ�سعرين هذ�‬‫قالتها بعمل ّية بينما ت�سع �سكي ًنا كب ًري� يف يدي‪ ،‬ومل تنظر �إ ّ‬
‫قليال‪� ..‬سعرت ب�سيء بجانب �ساقي �لي�سرى‪ ،‬فنظرت لالأر�ص الأجد �أنه‬ ‫باالرتياح ً‬
‫بني رثّ للغاية‪ ،‬و�سعته فتاة للت ّو و�ن�سرفت‪..‬‬
‫�سو�ل كبري من قما�ص ّ‬
‫‪� -‬أريدك �أن ّ‬
‫تقطعي كل �لكم ّية‪ ،‬ال ترتكي �أي �سيء‪ ..‬وحني تنتهي تعايل �إ ّ‬
‫يل‪...‬‬
‫قالتها ميلد� ثم غادرت كما غادرت �ل�سيدة �لقرنفلية ‪�-‬مل�ستديرة‪� -‬ملح�س ّوة‬
‫بالق�سوة‪ ،‬وتركوين وحيدة و�سط كل هذ� �لكم من �لفتيات‪ ..‬و�لطعام‪� ...‬أدرت‬
‫ر�أ�سي الأرى جز ًء� من �حلائط �لرخامي بار ًز� للخارج‪ ،‬كما تخرج منه �أل�سنة �للهب‬
‫أي�سا �لعديد من �لرفوف و�سعت‬ ‫�ل�ساخن ل�سوي �للحم و�أكرث من دجاجة م�سكينة‪ً � ..‬‬
‫أو�ن ومالعق خ�سبية كبرية‪ ،‬وبع�ص �الأدو�ت �الأخرى معلقة‬
‫عليهم �أدو�ت �لطعام من � ٍ‬
‫‪‬‬
‫باجلد�ر وبالعو�ميد �لفا�سلة بني زو�يا �ملطبخ‪ .‬عدت بب�سري للفتيات‪ ،‬مبختلف‬
‫أي�سا �لطويلة‪� ،‬لبدينة و�لرفيعة‪ ،‬ولك ّني مل‬
‫�أ�سكالهن و�ألو�نهن؛ منهم �لق�سرية‪ ،‬و� ً‬
‫�أجد من تناف�سني يف كوين مومياء‪..‬‬
‫‪�� -‬ستعيدي تركيزك و�بد�أي فو ًر�!‪.‬‬
‫�أجفلت من �سوت ظافر وهو يهم�ص بالقرب من �أذين‪ ،‬و�نتف�ست لي�سقط‬
‫�ل�سكني من يدي‪ ..‬وفرت �سي ًقا و�لتقطتها بيد‪ ،‬وجررت �ل�سو�ل بيدي �الأخرى‪،‬‬
‫الأذهب بالقرب من من�سدة �لتقطيع‪ ..‬لي�سري هو خلفي مبنتهى �لهدوء‪ ،‬يعرب بني‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�أج�ساد من يتح ّركن‪ ،‬وكاأنهم كاأبخرة �حل�ساء �لذي يغلي يف �لقدر �لكبري‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫توقفت بجانب �إحدى �لفتيات �لتي بدت منهمكة يف تقطيع �جلزر �إىل حلقات‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫م�ستديرة‪ ،‬مل تكن ّ‬

‫ر‬
‫ب�سكل �سليم‪ ،‬نظرت ملا تفعله‪ ،‬و��ستفزين هدووؤها كث ًري�!‬
‫تقطعها ٍ‬

‫والتوزي‬
‫ورغ ًما عني وجدت نف�سي �أم�سك جزرة بيدي �لتي تركت �ل�سو�ل وقمت بتقطيعها‬

‫ع‬
‫بطريقة �سريعة ومثالية �أمامها‪ ،‬حتى �نبهرت هي وت�ساءلت ببع�ص �لغرور‪:‬‬
‫‪� -‬أمل تقطعي �جلزر من قبل؟‪.‬‬
‫هزّت �لفتاة كتفيها وهم�ست‪:‬‬
‫‪ -‬ال‪� ..‬أخذت �لكثري من �لوقت حتى �أعرف كيف �أم�سك �ل�سكني‪...‬‬
‫نظرت لها با�ستنكار‪ ،‬وفجاأة �سمعت �سوت كبرية �لطهاة ت�سكتنا‪:‬‬
‫‪ -‬ه�س�س�س�س�س�س�س�ص �أ�سمع ثرثرة! و�لرثثرة تقلل �إنتاج ّية �لعمل!‪.‬‬
‫متاما‪ ،‬وكاأنني ل�ست هنا‪ ..‬و�سرعت �أنا بعملي‪ ،‬بينما‬‫�نتف�ست �لفتاة وجتاهلتني ً‬
‫يل �سيدة مريعة لتاأخذين للعمل‪..‬‬ ‫�أفكر‪ ..‬ملاذ� ��ستيقظت يف منت�سف �لليل لتاأتي �إ ّ‬
‫�أهي مو�عيد �لعمل هنا؟ وملاذ� �أعمل باملطبخ؟ �أمل يقولو� �أنني �أمرية؟‬
‫كنت �أمرية �أم ال‪...‬‬
‫‪ -‬ركزي فقط على هذ� �ل�سو�ل �الآن‪ ..‬و�سرني �إن ِ‬

‫‪‬‬
‫قالها ظافر وهو ي�سري لل�سو�ل �ملجهول بجانب �ساقي‪ ،‬فنظرت له غري م�سدقة‬
‫وقلت بهم�ص‪:‬‬
‫‪� -‬أتقر�أ �الأفكار؟‪.‬‬
‫�أد�ر وجهي �أمامي وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ال تف�سحي �أمرك‪ ..‬لي�ص م�سموح باحلديث مع �حلار�ص �ل�سخ�سي �أثناء‬
‫�لعمل‪...‬‬
‫�سفتي وقلت يف عقلي ب�سخط‪:‬‬
‫�أغلقت ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬وما هذ� �لعمل؟ تقطيع �لـ‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وفتحت �ل�سو�ل الأجد �لعديد من �لب�سل �الأبي�ص‪ ...‬ف�سحت يف نف�سي بهم�ص‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪ -‬ر���ئع! �ستقع عيناي من كرثة �لبكاء و�لنو�ح على هذه �لكمية �لرهيبة من‬
‫�لب�سل!‪.‬‬
‫�سمعته يقهقه بهدوء‪ ،‬فزجمرت بغ�سب وبد�أت يف �لـ‪ ..‬عمل!‬
‫عيني �لد�معتني �مللتهبتني‬
‫نف�سا �سري ًعا من �أنفي �لذي ي�سيل‪ ،‬وم�سحت ّ‬
‫�سحبت ً‬
‫كتفي لهما‪ ،‬فها قد �نتهيت �أخ ًري� من �ل�سو�ل كله! و�جلميع‬
‫برفعة من عظمة ّ‬
‫ينظرون يل بغر�بة! جمعت بقايا وق�سور �لب�سل من على �ملن�سدة الأ�سعها يف‬
‫�ل�سو�ل‪ ،‬كقمامة‪ ،‬ونظفت �سكيني‪ ..‬متجاهلة نظر�تهم‪ ،‬بينما �لفتاة بجانبي مل‬
‫�ساقي من كرثة �لوقوف‪� ،‬أريد‬
‫تكمل ربع �سو�ل �جلزر حتى! حت ّركت بزهو رغم �أمل ّ‬
‫�لذهاب لرئي�سة �لطهاة «ميلد�» �سعرت بظافر يقرتب من مييني‪ ،‬فتجاهلته و�أكملت‬
‫�ل�سري‪ ،‬ومل �أر �أنه قد �أخذ �سريحة جزر غري مت�ساوية �لتقطيع من �لفتاة بجانبي‪،‬‬
‫و�ألقاها بطريقي‪ّ ..‬‬
‫لتتعرث بها قدمي!‬
‫ال �أريد �أن �أفزعكم‪ ..‬لكن ما حدث من وقوعي‪� ،‬أب�سط ما يقال عنه �أنه كارثي!‬
‫فبلحظة �إدر�كي �أن قدمي �ليمنى د��ست على �سيء مريب‪ ،‬حاولت تفادي �ل�سقوط‬
‫يدي للجانبني‪� ،‬أحاول �لت�سبث باأي �سيء! فالتقطت يدي‬
‫ب�ستّى �لطرق‪ ،‬مددت كلتا ّ‬
‫‪‬‬
‫�لي�سرى طرف �ملن�سدة �ملجاورة‪ ..‬ال‪ ..‬لي�ست �ملن�سدة نف�سها‪ ..‬بل �سو�ل عمالق من‬
‫أر�سا‪ ،‬ف�سقطت‬ ‫حبيبات �لبازالء �لتي �أخذن ً‬
‫�سوطا كب ًري� يف تق�سريها‪� ،‬أهدرتها �أنا � ً‬
‫ك�سالل �أخ�سر مريح للروؤية وغري مريح يف � ٍآن و�حد! ال �أنكر �أن مظهره �أعجبني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫و�عتقدت �أنني حمظوظة كفاية الأرى هذ� �مل�سهد باأوىل �أيام حياتي �جلديدة‪ ..‬لكن‬
‫ما �أثار فزعي؛ �أنني بيدي �الأخري ‪�-‬ليمنى‪ -‬جذبت مالب�ص فتاة �جلزر �مل�سكينة‪..‬‬
‫و�أعتقد‪� ..‬أنني جردتها من ن�سف مالب�سها �ل�سفلي!‬
‫�أتذكر �سوت �رتطام �أعلى ظهري باالأر�ص‪� ،‬سوت تناثر �لبازالء‪� ،‬سرخة فتاة‬
‫�جلزر و�سرخة �الأخريات‪� ،‬لتفاتة ميلد�‪ ..‬و�سحكة م�ستهزئة من ظافر!‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫عيني �إال حني �سمعت �سوت �سل �سكني تز�م ًنا مع �سوت �سرخة عالية‬

‫ل‬
‫مل �أفتح ّ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫مفاجئة من على �سمايل‪ ،‬وتفاجاأت باأنها �سرخة �لفتاة �لتي ق�ست �ساعات يف‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫تق�سري �لبازالء‪ ،‬و�أنها بذلك �ل�سكني‪ ،‬تريد طعني للتنفي�ص عن غ�سبها!‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫وقف ظافر بيني وبينها ب�سرعة‪ ،‬وظ ّلت نظر�تها معلقة بي �أنا‪ ،‬ت�سحذ �أنفا�سها‬
‫بغ�سب كثو ٍر هائج‪ ،‬ومت�سك �سكينها مبنتهى �ل ِغ ّل‪ ،‬وقبل �أن تقدم على فعل �أي‬
‫حماقات‪� ،‬أتت ميلد�‪ ،‬لت�سيح بعمق �سوتها‪:‬‬
‫‪ -‬من �ل�سبب يف هذه �لفو�سى؟‪.‬‬
‫مل يكن �سوتها غا�س ًبا كما هو �سوت �أنفا�ص �لفتاة على ي�ساري‪ ،‬بل كان �سوتها‬
‫متما�س ًكا‪ ،‬يبحث عن �حلقيقة‪..‬‬
‫�سمت �جلميع بينما �أ�سرن �إ ّ‬
‫يل‪ ..‬ت ًّبا! مل �أكن �أرى تلك �جلزرة �حلمقاء! ما‬
‫ذنبي!‬
‫خفي�ص‪� ،‬أقرب للهم�ص‪ ،‬يتنا�سب مع موقفي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ب�سوت‬
‫ٍ‬ ‫قلت‬
‫‪ -‬لقد د�ست على �سيء ما‪...‬‬
‫تعرثت به‪ ..‬ووجدت قطعة‬‫ركبتي ويد�ي تبحثان عن ما ّ‬‫ّ‬ ‫و�عتدلت الأجل�ص على‬
‫�جلزر عالقة يف حذ�ئي‪ ،‬فرفعتها يف وجه ميلد� بحذر بينما �أعتدل بالوقوف مبتعدة‬
‫‪‬‬
‫عن بقايا �خل�سر على �الأر�ص‪ ،‬فالتفتت ميلد� لفتاة �جلزر و�لتي �أم�سكت برد�ئها‬
‫تعيده كما كان وهي تذرف �لدموع خز ًيا‪ ،‬وقالت ب�سر�مة‪:‬‬
‫ت�سببت‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬لي�ست �مل ّرة �الأوىل �لتي توقعني فيها �لبقايا على �الأر�ص‪ ،‬ها قد‬
‫بكارثة!‪.‬‬
‫‪ -‬لكن‪� ،‬آن�ستي!‪.‬‬
‫قالتها �مل�سكينة برجاء �أحمق لت�سكتها ميلد� باإ�سارة من يدها‪ ..‬وقالت مبنتهى‬
‫�لهدوء‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬تعاونّ على تنظيف كل هذ�! �جلميع �سينظف �لفو�سى ومن ثم تعدن‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫الأعمالكن‪ ..‬لكن بحذر!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫ويف نف�ص �للحظة �أتت خادمة وهم�ست ب�سيء ما يف �أذن «ميلد�»‪ ،‬فزفرت ميلد�‬
‫ب�سيق وقالت‪:‬‬
‫‪ -‬ممتاز‪ ..‬ممتاز! كم �أنا �سعيدة بكنّ !‪.‬‬
‫بغ�سب مكتوم‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫و�أ�سافت‬
‫‪�� -‬ستيقظ �الأمري وما هي �إال دقائق ويطلب تناول �الإفطار! ولكن كيف مع هذه‬
‫�لفو�سى يا ترى!‪.‬‬
‫قالتها وهي ت�سري حولها حماول ًة �لتما�سك‪ ..‬وقبل �أن ت�سيف �أي �سيء �آخر‬
‫هم�ست �أنا با�ستنكار‪:‬‬
‫غريب �أمره!‪.‬‬ ‫‪ -‬ي�ستيقظ ليتناول �الإفطار ً‬
‫ليال؟ ٌ‬
‫�سمعت �سوت �ل�سحكات من كل مكان حويل‪ ..‬ي�سخرن من جهلي! فما قلته كان‬
‫فتوجهت �أنا مليلد� بحذر وقبل �أن �أ�سري‬
‫ب�سوت م�سموع‪ ..‬و�سرع �جلميع بالتنظيف‪ّ ..‬‬
‫ٍ‬
‫على كومة �لب�سل �لتي �أجنزتها �أم�سك ظافر بذر�عي وهم�ص‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ً -‬‬
‫مهال‪...‬‬
‫�لتفت له ببالهة‪ ،‬الأجد �سوت ميلد� ت�سيح ّيف‪:‬‬
‫‪� -‬لفتاة �جلديدة‪ ..‬تعايل �إىل هنا‪.‬‬
‫�لتفت لها وبحذر �سرت �إليها‪ ،‬ف�ساألتني‪:‬‬
‫‪ -‬ال تعملي بتنظيف �لفو�سى‪ ،‬فقط ّ‬
‫قطعي �لب�سل‪� ،‬أفهمت؟‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بفهم وقلت بتاأكيد‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬أنا بالفعل �نتهيت منه!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫كانت هي قد �لتفتت خلادمة‪ ،‬تتذ ّوق ما حتمل من طعام‪ ،‬فرتكت �مللعقة جان ًبا‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫ونظرت يل �ساحكة قائلة بغري ت�سديق‪:‬‬

‫زيع‬ ‫والتو‬
‫‪� -‬أعطيتك ً‬
‫�سو�ال‪ ..‬ال ب�سلتني!‪.‬‬
‫�بت�سمت بفخر وقلت‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫وقطعته �أنا ك ّله! حتى �آخر ح ّبة!‪.‬‬
‫كتفي‪ ،‬لته ّز ر�أ�سها بالنفي ً‬
‫قائال ب�س ٍرب‬ ‫رفعت حاجبيها بغر�بة ونظرت خلف ّ‬
‫عجيب‪:‬‬
‫‪ -‬ال �أرى ذلك يا �سغرية‪� ..‬ذهبي و�أجنزي �لكمية‪ ..‬ه ّيا!‪.‬‬
‫كتفي‪ ،‬الأ�سرع �أنا �إىل كومة �لب�سل خا�ستي‪ ..‬و�لتي‬
‫قالتها ب�سخرية وهي تدير ّ‬
‫ذرفت �لدموع من �أجلها و�لتهبت عيناي! لقد �ختفت �لكم ّية!‬
‫ر ّددت هام�سة بذهول‪:‬‬

‫‪T‬‬
‫‪� -‬أين؟!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(5‬‬

‫نظر ة‬

‫ر ّددت هام�سة بذهول‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬أين؟!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�نتف�ست حني خاطبني ظافر بغ�سب‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫أنت؟!‪.‬‬
‫أخربك باالنتظار؟ ملاذ� ال ت�سمعني �لكالم؟ �أحمقاء � ِ‬
‫‪� -‬أمل � ِ‬
‫كانت تلك �مل ّرة �الأوىل �لتي �سمعته فيها يحدثني بغ�سب‪ ،‬فنظرت له بذهول‬
‫وهم�ست بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقل يل �أنك �ل�سبب يف �ختفاء نتيجة جمهودي �ملميت؟‪.‬‬
‫‪ -‬مميت؟‪.‬‬
‫ك ّررها ظافر با�ستنكار و�أ�ساح بيديه يف �لهو�ء يف وجهي ً‬
‫قائال بده�سة‪:‬‬
‫وقت قيا�سي! وكل قطعة م�ساوية لالأخرى حتى دون �أن تنظري‬
‫‪ -‬لقد �نتهيت يف ٍ‬
‫ملا تفعلني! لقد قمت بها بطريق ٍة‪ ..‬مثالية للغاية!‪.‬‬
‫حاجبي بده�سة حتى كاد� �أن يف ّر� من جبهتي و�أنا �أقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ز�د �رتفاع‬
‫‪ -‬وهذ� جز�ئي؟!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫و�سرخت يف �آخر جملة الأرى �لفتيات ينظرنّ �إ ّ‬
‫يل بازدر�ء‪ ..‬وقابلتهن �أنا بنظرة‬
‫غا�سبة‪� ،‬أ�سافت لقبحي مظه ًر� ال يحتمل فاأ�سحن بب�سرهن بعيدً �‪ ..‬جذبني ظافر‬
‫من مع�سمي ملكان هادئ باملطبخ‪ ...‬وقال بهدوء‪:‬‬
‫‪ -‬ال تظهري قدر�تك دفعة و�حدة‪ ،‬كوين ذك ّية‪ ..‬كاحلاوي!‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بعدم فهم‪ ،‬وقبل �أن �أقول �أي �سيء �سمعت �سوت و�حدة من‬
‫�لفتيات تقول‪:‬‬
‫تناديك‪...‬‬
‫ِ‬ ‫‪� -‬الآن�سة ميلد�‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫هززت ر�أ�سي ونظرت لظافر �سز ًر� وهم�ست له‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪ -‬للحديث بق ّية!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�سار بجانبي نحو ميلد�‪ ..‬جمددً�‪ ،‬و�لتي نظرت يل قائلة برفق‪:‬‬

‫ع‬
‫�سجة‪...‬‬
‫أنت ال ت�سلحني للمطبخ‪ ،‬وجودك �سبب ّ‬
‫‪� -‬ن�سي �أمر �لب�سل‪ِ � ..‬‬
‫و�أ�سارت خلادمة تقف بجو�ر �لباب قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬ذهبي معها‪� ،‬سرت�سدك ملهمة �أخرى‪.‬‬
‫وبينما �أ�ستدير ظهرت خادمة �أخرى قالت مليلد�‪:‬‬
‫‪� -‬سيدتي‪� ،‬الأمري يريدك لطلب �لطعام‪.‬‬
‫تنهدت ميلد� وقالت‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪� ..‬آتية‪...‬‬
‫متاما‪ ..‬فغادرت �أنا �ملطبخ‬
‫تركت �ملن�سفة من يديها وغادرت‪ ،‬متجاهلة وجودي ً‬
‫متجهة للخادمة‪� ،‬لتي �نحنت �إ ّ‬
‫يل وهم�ست باأدب‪:‬‬
‫‪� -‬الآن �ستذهبني الإحدى �لغرف �لتجربية للتنظيف‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تنطيف! �الآن؟‪.‬‬
‫هكذ� رددت‪ ،‬بغري ت�سديق‪ ،‬وهتفت‪:‬‬
‫‪� -‬آ ٍه يا ظهري! كيف �ساأبد�أ يف �سيء �آخر بعد ما قد قمت به!‪.‬‬
‫�سحكت �خلادمة وقالت بتحفظ‪:‬‬
‫أنك �آن�ستي مل تفلحي يف مهام �ملطبخ‪ ،‬بالطبع �ستنجحني مبهام‬
‫‪ -‬طاملا � ِ‬
‫�لتنظيف!‪.‬‬

‫ع‬
‫�أطلقت �سحكة ق�سرية م�ستنكرة‪ ..‬وتاأففت من ر�ئحة �لب�سل �لن ّفاذة �ملنبعثة‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫يدي ومالب�سي‪� ،‬سمعت �سوت ظافر يهم�ص‪:‬‬
‫من ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪� -‬ساأكون معك‪ ،‬لن ننجح تلك �مله ّمة مهما كلفنا �الأمر‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫كدت �أن �أر ّد عليه �إال �أنه ك ّمم فمي بيديه‪ ،‬فالتفت له وهم�ست بني ط ّيات عقلي‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� تفعل؟ �تركني!‪.‬‬
‫تركني ببطء وهو يقول‪:‬‬
‫�سفتيك‪ ..‬فعقلك يكفي‪...‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ال تتح ّدثي م�ستخدمة‬
‫تن ّهدت و�أنا �أفكر‪:‬‬
‫‪ -‬هل ح ًّقا تقر�أ �أفكاري؟‪.‬‬
‫ر�أيته يهز ر�أ�سه فت�ساءلت م ّرة �أخرى‪:‬‬
‫‪ -‬ومن � ً‬
‫أي�سا ميكنه ذلك؟!‪.‬‬
‫قال مت�سل ًّيا بربود‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �ل�سح ّية �لوحيدة‪...‬‬
‫لكنني نظرت له بغ�سب وقلت بعقلي‪:‬‬
‫‪‬‬
‫حار�سا �آخر يرفق بي‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ومل �أنت حمتمل؟ فقط �بتعد عني‪ ،‬و�جلب يل‬
‫ويخربين باأي �سيء يح ّثني على �ال�ستمر�ر!‪.‬‬
‫وهم�ست بازدر�ء‪:‬‬
‫‪ -‬متعجرف!‪.‬‬
‫‪� -‬سمعتك!‪.‬‬
‫قالها‪ ..‬ور ّكزت �أنا على �ل�سري يف تلك �لردهة �لتي ال تنتهي‪ ..‬ردهة �أخرى‬

‫ع‬
‫م�سابهة للتي �أعرفها‪ ،‬ر ّكزت ب�سري على �لديكور�ت؛ حتف‪ ،‬ومتاثيل عتيقة‪ .‬حاولت‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫معرفة معناها‪� ،‬إال �أن �خلادمة تو ّقفت فجاأة �أمام �أحد �ل�سمعد�نات �لذهبية‪� ،‬قرتبت‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫من �سموعها ب�سفتيها‪ ،‬ومن بني �سفتيها نفخت �لهو�ء‪ ،‬لتنطفئ �سمعة و�حدة‪ ،‬ويف‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫لرجل قوي‪� ،‬ساربه يحت ّل معظم‬
‫نف�ص �للحظة �ختفت لوحة من على �جلد�ر‪ ،‬كانت ٍ‬

‫ع‬
‫وجهه‪� ..‬سهقت �أنا متفاجئة من ما حدث‪ ،‬فهم�ست �خلادمة‪:‬‬
‫‪� -‬ل�سمعة �الأوىل تفتح �لزنز�نة‪ ..‬تف�سلي �آن�ستي‪...‬‬
‫تبعتها للد�خل‪ ،‬وبجانبي ظافر‪ ،‬غري متفاجئ من �أي �سيء‪� .‬بتعدنا عن بقعة‬
‫�ل�سوء حتى ز�د �لظالم من حولنا‪� ،‬أعادت �خلادمة �لنور للمكان م�ستخدمة �أعو�د‬
‫�لثقاب يف جيب رد�ئها‪� ،‬أ�ساءت �ل�سعالت وحني �نتهت قالت بتح ّفظ‪:‬‬
‫‪� -‬آن�ستي يجب �أن تنتهي منهم قبل �أن يح�سر �لـ‪� ..‬حل ّر��ص‪.‬‬
‫عيني و�ساألتها برب�ءة‪:‬‬
‫�س ّيقت ّ‬
‫‪� -‬أي كم �ساعة �ساأبقى هنا؟‪.‬‬
‫نظرت �لفتاة للجانبني بحذر‪ ،‬ثم هم�ست‪:‬‬
‫�سيخربك �حلار�ص �ل�سخ�سي‪...‬‬
‫ِ‬ ‫‪-‬‬

‫‪‬‬
‫و�ن�سرفت م�سرعة �خلطى‪ ،‬لعل لديها �أعمال �أخرى! وقتها نظرت ملا حويل‬
‫قدمي و�أنا �أدخل لذلك �ملم ّر �ل�سغري‪� ،‬ملوؤدي الأربع زنازين فارغة‪،‬‬
‫وهوى قلبي يف ّ‬
‫كالتي كنت بو�حدة منهن! �نقب�ص قلبي ب�سورة ب�سعة و�أبيت �حلركة حتى نظر يل‬
‫�حلار�ص وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذ� تخاف جميع �لفتيات من �لعنابر؟ ماذ� ترون فيها �سوى �أنها �لب ّو�بة‬
‫لعاملكم �الآخر؟!‪.‬‬
‫قالها ظافر بنربة عالية م�ستنكرة‪ ،‬ليجفلني‪ ،‬فهم�ست �أنا بذعر‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬أعتقد �أنني لن �أن�سى هذ� �ملكان �أبدً �‪� ..‬إنه مريب!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ه ّز ر�أ�سه بال �هتمام ً‬

‫بل‬
‫قائال‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬نعم نعم �أعلم‪...‬‬
‫تن ّهدت وحاولت �أن �أحافظ على هدوئي‪ ..‬وتف ّقدت �أدو�ت �لنظافة من حويل؛‬
‫ِمنف�سة �أنف�ص بها �لفر��ص‪ ،‬قطعة قما�ص �أزيل بها �لغبار من على �لق�سبان وقطعة‬
‫قما�ص من �لكتّان‪ ،‬قدمية ومهرتئة‪ ..‬بجانب دلو مليء باملاء وحملول �لتنظيف‬
‫بالطبع هو لالأر�سية‪� ...‬ساأترك �مل�سح �آخر �سيء‪ ..‬لكن كيف �سيخرج �لغبار وال‬
‫يوجد �أي منفذ للهو�ء �أو �ل�سم�ص؟!‬
‫ً‬
‫مت�سائال بحزم‪:‬‬ ‫قاطع تفكريي ظافر يقول‬
‫‪ -‬هل �نتهيت من �لتفكري كر ّبة منزل؟‪.‬‬
‫نظرت له وزفرت ب�سيق قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬إذ� كنت ال تريد �ال�ستماع ملا �أقول فقط �سد �أذنيك! �أنا �أفكر يف �أ�سرع‬
‫طريقة لالنتهاء من هذ� �الأمر‪ ..‬فهذه �لغرفة ثقيلة على قلبي‪� ..‬أبغ�سها‪.‬‬
‫و�أ�سرت للمكان من حويل قائلة وكاأنني من ّومة مغناطي�س ًّيا �أو حتت تاأثري‬
‫�لو�سو��ص �لقهري للنظافة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬ملكان متّ�سخ للغاية‪ ..‬يجب �أن �أحت ّرك‪...‬‬
‫ّ�جتهت للمنف�سة‪ ،‬وفتحت �أول زنز�نة؛ بل �لزنز�نة �لو�سطى‪ ،‬تلك كالتي كنت‬
‫قابعة بها يف �أوىل حلظاتي هنا بتلك �حلياة‪ ..‬بهذ� �لعامل‪..‬‬
‫ذر�عي لالأعلى الأهوي على‬
‫ّ‬ ‫يدي‪ ،‬وقبل �أن �أرفع‬
‫�أم�سكت �ملنف�سة باإحكام بكلتا ّ‬
‫هذ� �لفر��ص بكل ق ّوتي‪ ،‬وقعت �ملنف�سة من يدي! فاأخذتها من على �الأر�ص وجم ّددً�‪،‬‬
‫زدت من �إحكام يدي عليها‪ ،‬ثم‪ ..‬وقعت م ّرة �أخرى!‬
‫زفرت ب�سيق ونظرت لظافر‪ ،‬الأجده يل ّوح باأ�سابعه يف �لهو�ء‪ً ،‬‬
‫قائال‪:‬‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬لن �أدعك تفعلني هذ�‪ ..‬تذ ّكري ما قلته منذ قليل‪...‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫رميت �ملنف�سة من يدي ّ‬
‫و�جتهت له بعد�ئية �سارخة بوجهه‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪َ ِ -‬مل ال ترتكني �أعمل!‪.‬‬

‫ع‬
‫ق ّرب ظافر �أ�سبعيه �الإبهام و�ل�س ّبابة من جبهتي‪ ..‬وفجاأة طرق جبهتي ب�س ّبابته‬
‫الأنتف�ص �أنا �أملًا! وتاأوهت بغيظ من تلك �لكهرباء �لتي �سرت يف ر�أ�سي لدقيقة‬
‫أر�سا ب�سعف بعد �أن �نت�سر تاأثريها يف ج�سدي ك ّله‪ ،‬وتاأوهت بوهن‪:‬‬
‫وجل�ست � ً‬
‫‪ -‬ما �لذي فعلته؟‪.‬‬
‫جل�ص مر ّب ًعا قدميه �أمامي بب�ساطة‪ ،‬ورفع ر�أ�سي �ملنك�ص باأنامله ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫قو�ك‪ ..‬يجب �أن تكوين �سعيفة هذ� �لوقت‪ ،‬حتى يعود �مل�سوؤول عن‬
‫‪� -‬أرخيت ِ‬
‫أنك فا�سلة يف تلك �الأعمال‪.‬‬
‫مر�قبتك ويعلم با ِ‬
‫�نتف�ست بر�أ�سي الأ�سعر بدو�ء وقلت بتيه‪:‬‬
‫‪ -‬لكني ل�ست فا�سلة‪� ...‬أعلم كيف �أقوم بالتنظيف!‪.‬‬
‫تن ّهد ظافر ب�سرب وقال‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬إذ� قمت بالتنظيف على �أكمل وجه �سينهكونك يف زنازين �أخرى‪ ،‬ويعيدون‬
‫عليك غ�سيل‬
‫�ختبارك ملهار�ت �لطبخ‪ ..‬وحني تتم ترقيتك‪� ،‬سيكون ِ‬
‫ورمبا غرفة‬
‫�ل�سحون و�الأطباق �مللك ّية‪� ..‬أو تنظيف �إحدى غرف �لوزر�ء ّ‬
‫�الأمري نف�سه!‪.‬‬
‫ورفع �سوته ليقول با�ستنكار‪:‬‬
‫أنت يا فتاة! تبدين كر ّبة منزل ح ّية �ل�سمري؛ تنهكني نف�سك باأعمال‬
‫‪ -‬من � ِ‬
‫�ملنزل وكاأنك تنتظرين زوجك �حلبيب!‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�تّ�سعت عيناي وقلت ب�سيق‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫‪ -‬هل �أنا هنا الأكون خادمة؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫ه ّز ر�أ�سه نف ًيا وقال برز�نة وحكمة‪:‬‬
‫أنت‪� ..‬إن �أردت �لر�حة‪� ،‬نبذي �لتعب من �الآن‪� ..‬تركي كل ما هو‬
‫‪ -‬هذ� بيدك � ِ‬
‫�سعب ليفعله �الآخرون‪.‬‬
‫‪ -‬وهل هذ� ممكن؟‪.‬‬
‫قلتها بغري ت�سديق فقال موؤكدً �‪:‬‬
‫‪ -‬كل �سيء ممكن‪.‬‬
‫و�أ�ساف‪:‬‬
‫عليك �إال �أن تطيعيني‪ ..‬و�ساأر�سدك لل�سو�ب‪.‬‬
‫‪ -‬ما ِ‬
‫مالت ر�أ�سي بحركة متعبة الأحد �جلانبني وقلت ب�سعف‪:‬‬
‫‪ -‬وكيف �أثق بك؟ و�أنا مل �أ َر وجهك قط؟!‪.‬‬
‫و�أ�سفت‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬تبدو كالهاربني و�أنت تخفي نف�سك هكذ�!‪.‬‬
‫مددت يدي لوجهه بحذر وبطء ناجت عن �سعفي‪ ،‬وقبل �أن �أقب�ص على غطاء‬
‫ر�أ�سه وقناعه‪ ،‬قب�ص هو بكفه �لبارد على مع�سمي‪ ...‬فارجتفت من برودته وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ�؟ هل �أنت دميم �لوجه مثلي؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه نف ًيا وهو يرتك مع�سمي ببطء‪ ،‬فقلت با�ستنكار‪:‬‬
‫قبحا‬
‫‪ -‬ال تقلق و�أرين وجهك‪ ..‬لن �أحكم عليك‪ ..‬و�ثقة �أنك لن تكون �أكرث ً‬
‫مني!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫�سحك با�ستخفاف ملا �أقول‪ ،‬و�أ�ساف بلهجة حتذير ّية‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬رمبا �ستحبني �إر�ساء ف�سولك بطرق �أخرى!‪.‬‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫كتفي بال مباالة‪ ..‬ثم هم�ست‪:‬‬
‫هززت ّ‬
‫‪ -‬كم باقي على وجودي هنا؟‪.‬‬
‫�أخرج �سي ًئا ما من جيب رد�ئه وو�سعه على �الأر�ص‪ ،‬الأجد �أنها �ساعة رمل ّية‬
‫�سغرية‪ ،‬ف�سهقت وحملتها بني يدي بحذر قائلة بده�سة‪:‬‬
‫‪ -‬كم هي غريبة! مثلك!‪.‬‬
‫رفع يدي بال�ساعة لتكن �أمام عيني وذقنه �خلفية‪ ،‬وقال بهدوء‪:‬‬
‫‪ -‬حني تختفي �لرمال من هنا‪.‬‬
‫و�أ�سار للجزء �لعلوي لل�ساعة ثم ��ستطرد‪:‬‬
‫‪� -‬سنخرج‪...‬‬
‫قالها ثم �أعاد �ل�ساعة �إىل جيبه فاأخف�ست �أنا يدي �خلاوية وتن ّهدت‪� .‬أ�سعر‬
‫بال�سعف يف د ّقات قلبي‪ ..‬كم هي بطيئة‪ ..‬كل�ساين حني �أحت ّدث! نظرت ملا حويل‬
‫و�ساألته‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬كيف �ساأتعامل مع �خلادمة‪� ..‬أو مع تلك �ملر�أة �ل�سخيفة �لتي �سكبت �ملاء‬
‫بوجهي‪� ..‬أعني‪ ..‬كيف �سيت�سرفون مع عدم تنظيفي للزنازين؟‪.‬‬
‫��ستند ظافر على �حلائط بجانبه وقال بهدوء‪:‬‬
‫‪� -‬سيو ّبخونك مبنتهى �لروتين ّية‪ ..‬ثم ينقلونك لغرفة �أخرى‪� ،‬أكرث �آدمية‪..‬‬
‫ويعطونك �سي ًئا لتاأكليه‪...‬‬
‫حاجبي بتعجب ملا يقول‪ ،‬فاأطلقت معدتي �سوتًا ماألو ًفا‪� ..‬أنا جائعة!‬
‫ّ‬ ‫رفعت‬
‫�سحك ظافر وقال ب�سوته �لعميق‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�سحتك‪...‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي �سيحر�سون على �إبقائك بكامل ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�سحكت فجاءت �سحكتي بطيئة‪ ..‬م�سناة للغاية‪ ..‬وقلت با�ستهز�ء‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪ -‬نعم �أعلم‪ ..‬كالفتيات يف �ملطبخ‪ ..‬يعملن ويعملن بال تو ّقف!‪.‬‬
‫�ختفت ب�سمة �سفاهي و��ستعدت تركيزي ً‬
‫قليال وقلت مت�سائلة‪:‬‬
‫‪ -‬كيف �أخفيت �لب�سل �لذي قمت بتقطيعه؟‪.‬‬
‫رفع كلتا يديه �أمام عيني وقال بربود‪:‬‬
‫أنك الحظت �أنني‪ ...‬م�سعوذ‪...‬‬
‫‪� -‬أعتقد � ِ‬
‫وقال �آخر كلمة بطريقة ذ�ت مغزى‪ ،‬ف�سحكت وحككت ر�أ�سي قائلة بغيظ‪:‬‬
‫‪ -‬نعم نعم بالطبع! تعرب من بني �لفتيات وكاأنك ِظل‪ ،‬ت�سبح يف �لهو�ء برب�عة‪،‬‬
‫تفرقع �إ�سبعيك لتاأخذ ب�سري وطاقتي‪� ..‬مممم‪ ..‬ماذ� بعد؟‪.‬‬
‫�سمعت �سوت �سحكته �ملت�سلية‪ ..‬وفجاأة نه�ص من مكانه‪ ،‬مبنتهى �التّز�ن‪،‬‬
‫و�ساعدين على �لوقوف بيديه �لباردتني‪ ،‬فهم�ست بريبة‪:‬‬
‫‪ -‬ما �الأمر؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�سمعت �سوت جلبة باخلارج‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ -‬قومي ب�سكب �لقليل من �ملاء على �الأر�ص وعلى مالب�سك‪ ،‬وم ّثلي �لقيام‬
‫بعملك‪.‬‬
‫�أوماأت بر�أ�سي وب�سرعة قمت بتنفيذ ما قال‪ ،‬لي�ص ثقة به‪ ،‬بل خلويف من �لعو�قب!‬
‫وبينما �أُم�سك بقطعة �لقما�ص �لكتّانية �ملت�س ّبعة من �ملاء و�أل ّوح بها على �الأر�ص‬
‫بع�سو�ئية �أحول �لغبار �إىل بقع طين ّية ع�سو�ئية‪ ،‬وفجاأة‪ُ ،‬فتح �لباب �خلارجي ّ‬
‫ب�سجة‬
‫كبرية‪ ،‬فانتف�ست ونظرت خلف كتفي �الأي�سر الأجد �ل�س ّيدة �لقرنفلية قد �أتت‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫علي �سهقت و�ساحت ب�سوتها �ملزعج‪:‬‬ ‫ب�سحبة خادمة ما‪ ،‬وحني وقعت عيناها ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪� -‬أمل تنت ِه بعد! ما هذ� �ال�ستهتار!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�قرتبت مني بغيظ فاأطرقت �أنا وجهي مرغمة‪ ..‬وقبل �أن �أت�ساءل بد�خلي عن ما‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫يفعله ج�سدي �خلائن‪ ،‬وجدت �سوت ظافر يقول‪:‬‬
‫‪ -‬ت�س ّنعي �ل�سعف �أكرث‪ ..‬كوين و�هنة لتلك �لدقائق فقط!‪.‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪.‬‬
‫قلتها بني ط ّيات عقلي بعد �أن �أدركت �أنه يتح ّكم بحركات ج�سدي‪ ..‬ورفعت‬
‫�سوتي لي�سل لتلك �ل�س ّيدة‪:‬‬
‫‪� -‬آ�سفة‪ ..‬بذلت ق�سارى جهدي‪ ،‬لكن‪....‬‬
‫قاطعتني بكلمة و�حدة‪:‬‬
‫‪� -‬نه�سي!‪.‬‬
‫بذلت �ملجهود الأقوم‪ ،‬وكان هذ� وف ًقا ملخطط ظافر‪ ..‬وحني وقفت معتدلة‪،‬‬
‫�قرتبت مني وجذبت �سعر�تي �لق�سرية بيدها لالأعلى‪ ،‬فتاأوهت ورفعت ر�أ�سي‪..‬‬
‫الأجدها تنظر �إ ّ‬
‫يل بغر�بة وهم�ست بـ‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تكونني هكذ� ووجهك‪...‬‬
‫‪‬‬
‫تركت باقي �جلملة دون �أن تكملها و�أ�سبلت �أهد�بي‪ ،‬لقد عرفت معنى ما �أر�دت‬
‫قوله‪ .‬قطعت �خلادمة حلظة �ل�سمت قبل �أن تبد�أ قائلة بقليل من �لهم�ص يف �أذن‬
‫�ملر�أة‪:‬‬
‫‪� -‬سيدة جليند� ميكنني �إ�سالح �الأمر‪ ،‬لن ياأخذ �إال دقائق فقط‪.‬‬
‫نظرت �ل�سيدة جليند� تلك للخادمة و�أوماأت ب�سمت‪ ،‬فاقرتبت �خلادمة وعربت‬
‫بجانبي‪ ،‬خمرتقة ج�سد ظافر ‪-‬غري �ملرئي بالن�سبة لها‪ -‬حتى و�سلت للزنز�نة‬
‫�لتي كنت �ساأبد�أ بها‪� ،‬أخذت �ملنف�سة وبد�أت بال�سرب على �لفر��ص بق ّوة ال تنا�سب‬

‫ع‬
‫وجهها �لهادئ وج�سدها �ل�سئيل‪ ،‬عدت �أنا بب�سري جلليند� �لقرنفلية و�بت�سمت‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫ب�سعف‪ ..‬فقالت‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‪� -‬تبعيني‪....‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫وحتركت للخارج‪ ،‬فتح ّركت خلفها مبنتهى �لطاعة‪ ..‬حتى و�سلنا للرو�ق �لذي‬
‫دخلنا منه‪ ،‬والحظت �أن مبجرد عودة لوحة �لرجل ذي �ل�سارب للجد�ر م ّرة �أخرى‪،‬‬
‫عادت �ل�سمعة �الأوىل لت�سعل نف�سها! و�ختفى �ملم ّر �لذي عربنا منه للت ّو!‬
‫‪� -‬ذهبي لال�ستحمام ليعود �لن�ساط جل�سدك‪...‬‬
‫و�أ�سافت متذكرة‪:‬‬
‫‪� -‬آه قبل �أن �أن�سى‪� ..‬أخربتني �ملا�سطة باأن �خل ّياطني �نتهو� من ف�ستانك‬
‫�جلديد‪� ..‬لهزيل مثلك‪...‬‬
‫هززت ر�أ�سي بحما�ص مل �أظهره‪ ..‬فاأنا ح ًقا �أريد �إز�لة ر�ئحة �لب�سل هذه عني‪،‬‬
‫و�رتد�ء ما ينا�سبني‪...‬‬
‫‪ -‬لكن �أ�سرعي‪ ،‬ث ّمة �سيوف �آتون �ليوم‪ ،‬ال نريد �ال�ستباك معهم‪� ،‬أفهمت؟‪.‬‬
‫‪ -‬نعم �سيدة جليند�‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أتغريت معاملتها يل ً‬
‫قليال �أم �أنني �أتوهم؟ �سوتها �أ�سبحت نربته خفيفة‪ ،‬ال‬ ‫� ّ‬
‫تلك �لنربة �ملزعجة! ونظر�تها � ً‬
‫أي�سا‪ ،‬فلم تنظر يل بعينيها �لكحيلتني �جلاحظتني‬
‫بق�سوة كما كانت تنظر يل يف بادئ �الأمر‪� .‬أظنها �قتنعت بكوين هزيلة فر�أفت‬
‫بحايل؟!‬
‫�ن�سرفت جليند� لترتكني �أنا وظافر وحدنا يف �ملمر‪ ،‬فنظرت له وقبل �أن �أطلب‬
‫طلبي وجدته يطرق جبهتي باإ�سبعيه �الإبهام و�ل�س ّبابة؛ وعادت طاقتي �إ ّ‬
‫يل! فتن ّهدت‬
‫بر�حة‪ ،‬وحني وجدته يرفع يده يف �لهو�ء ��ستوقفته قائلة‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬ظافر َمل ال نذهب �س ًري�؟! �أريد معرفة �لطريق‪� ،‬ألن �أعي�ص هنا لالأبد؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�أخف�ص ظافر يديه وقال بغمو�ص‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬كما تريدين‪...‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫خطو�ت ب�سيطة!‬
‫ٍ‬ ‫تقدمني بخطو�ته �لو��سعة‪ ،‬ر�أيته يعرب منت�سف �لرو�ق يف‬
‫فرك�ست �إليه و�سحت بهم�ص‪:‬‬
‫‪� -‬نتظرين! ال �أريد �أن �أ�سل �لطريق يف هذ� �ملكان �لو��سع‪...‬‬
‫�تّ�سعت خطو�تي حتى و�ءمت خطو�ته‪ ،‬فابت�سمت بفخر‪ ،‬ومل �أدرك �أنه هو‬
‫أنفا�ص الهثة من‬
‫قدمي و�أنا �أم�سي وقلت با ٍ‬
‫من �أبطاأ خطو�ته من �أجلي! �أ�سرت �إىل ّ‬
‫جمهود �مل�سي �ل�سريع‪:‬‬
‫�ساقي بع�ص‬
‫ّ‬ ‫علي تعويذة الأحترك ب�سرعة‪� ..‬أو ليزيد طول‬ ‫‪ِ -‬مل ال تلقي ّ‬
‫�ل�سنتيمرت�ت؟! �سي�ساعدين هذ� كث ًري�‪� ..‬ساأ�سبح �سريعة �حلركة مثلك!‪.‬‬
‫يل ثم �أعاد ب�سره لالأمام‪ ،‬لينعطف من عند �ملطبخ لن�سري يف �لرو�ق‬ ‫نظر �إ ّ‬
‫�لعظيم‪� ،‬أول رو�ق عرفته‪ ..‬ثم قال بعمق �سوته �ملعهود‪:‬‬
‫‪ -‬لن حتبي �أن تك�سر قو�عد �لق�سر با�ستخد�م �ل�سحر �ملبالغ فيه‪� ...‬لعو�قب‬
‫�ستكون وخيمة‪....‬‬
‫‪‬‬
‫رك�ست �إليه الأت�سبث يف ذر�عه كاالأطفال وقلت‪:‬‬
‫‪� -‬جعلني �أطول �أربعة �سنتيمرت�ت فقط من ف�سلك من ف�سلك!‪.‬‬
‫تو ّقف وقال وهو ينف�ص ذر�عه �لقو ّية من يدي‪:‬‬
‫‪ -‬طولك منا�سب‪ ،‬كفى تذ ّم ًر�‪ ..‬و�قلقي من �أجل وجهك فقط!‪.‬‬
‫�سحكت م�ستهزئة وقلت بته ّكم‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو �أننا مت�سابهان يف هذ� �الأمر‪ ،‬فكفى �سخرية على �سيء لي�ص لنا دخل‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫به!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫ه ّز كتفيه بال �هتمام و�سار �أمامي‪ ،‬الأرى �أنا عر�ص كتفيه وبنيته �لقو ّية فزفرت‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�سخ�ص‬
‫ٍ‬ ‫ب�سيق وت�ساءلت‪ ..‬هل ميكنني تغيري حار�سي؟ هل ميكنني �أن �أح�سل على‬

‫والتوز عي‬
‫ما �أرى وجهه؟ يحدثني ويطمئنني حني يخفق قلبي باإجفال‪� ..‬أو يخربين باأ�سر�ر‬
‫تلك �لقلعة حني �أريد �إر�ساء ف�سويل �للعني؟‬
‫نك�ست ر�أ�سي ب�سيق‪ ،‬لكن �سرعان ما رفعتها حني تو ّقف ظافر و��سطدمت‬
‫بج�سده‪� ،‬بتعدت عنه الأجده ينظر لباب �لقلعة‪� ..‬لذي دلفنا منه �أول م ّرة و�أنا‬
‫�سعيفة‪� .‬أر�هن على �أن عينيه �لرماديتني متّ�سعتان على �آخرهما‪ ،‬فمن تو ّقفه‬
‫�ملفاجئ هذ� علمت باأنه مهتم مبا يرى!‬
‫نظرت لباب �لقلعة الأجد حار�سي �لباب يقفان على �ليمني وعلى �لي�سار‪،‬‬
‫مف�سحني �لطريق ملن يعربون‪ ،‬لكن‪ ...‬من هم؟!‬
‫هيئتهم غريبة‪ ..‬ر�أيت ثالثة منهم‪ّ ،‬‬
‫يغطون روؤو�سهم و�أج�سادهم �ملهيبة بعباءة‬
‫�سود�ء و��سعة لونها باهت و�سبابي‪� .‬أخف�ست ب�سري الأرى �أطر�ف �لعباءة ترفرف‬
‫وهم بال �أقد�م! كاالأ�سباح! يطوفون يف �لهو�ء! يتح ّركون لالأمام مبنتهى �لبطء‪..‬‬
‫قليال‪ ،‬تريني من خاللها �سوء م�سابيح‬ ‫الحظت �أن عباءتهم تلك �سود�ء �س ّفافة ً‬
‫‪‬‬
‫�أحد �حل ّر��ص خارج �لقلعة‪� ..‬سهقت مبفاجاأة حني ر�أيت ما مي�سكون‪ ..‬كنّ فتيات‪..‬‬
‫ب�سعر طويل‪ ،‬يغطيهن قما�ص رثّ للغاية يظهر �أج�سادهن �لعارية‪ ،‬يغلفهن �لرت�ب‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ويت�ساقط منهن بقايا �الأر�ص من ح�سى ورمال‪ ...‬وطني!‬
‫ب�سكل ملحوظ‪ ،‬وبت �أ�سحذ �لهو�ء‬‫و�سعت يدي على قلبي �لذي تباطاأت د ّقاته ٍ‬
‫ب�سعوبة وعيناي ال تقدر�ن على �لنظر الأي �سيء غري هوؤالء! �قرتبو� ليعربو�‬
‫بجانبي‪ ،‬فوجدت ظاف ًر� يلتفت لهم ويلقي حت ّية ع�سكرية �ساخمة‪ ..‬مل �ألبث �أنا حتى‬
‫عدت بب�سري �إليهم‪ ،‬الأرى و�حدً � منهم يلتفت يل بكامل ر�أ�سه كالبومة‪ ،‬يرفع ر�أ�سه‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫بلون‬
‫قليال ببطء‪ ..‬وم ّد يده لريفع غطاء ر�أ�سه‪ ،‬حتى ظهرت عيناه‪ ،‬تلمعان ٍ‬ ‫لالأعلى ً‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�أبي�ص �أخاذ‪ ،‬وكاأنه �سوء �ل�سم�ص �لذي �فتقدته! �سرت رع�سة غريبة يف ج�سدي‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫عيني بعينيه‪ ،‬ف�سهقت �آخر �أنفا�سي ب�سعوبة حتى �سعرت بالهو�ء‬ ‫مبجرد تالقي ّ‬

‫ع‬
‫رئتي‪..‬‬
‫ينقطع عن ّ‬
‫�أعتقد �أن دوي �سوت حت�سرج �أنفا�سي قد و�سل له‪ ،‬فاأعاد غطاء ر�أ�سه ونظر‬
‫�لتم�سك باأي �سيء وكان ذر�ع ظافر‪،‬‬
‫يدي �أحاول ّ‬
‫لالأمام بان�سباط كما كان! مددت ّ‬
‫لك ّنه مل مينعني من �لتما�سك‪ ،‬ومل مينع فقدي للوعي!‬
‫مل �أد ِر ما �لذي حدث‪ ..‬وكيف حدث‪ ...‬لك ّنني �أدركت الح ًقا �أن ما ر�أيت‪ ..‬كان‬
‫قاب�ص �أرو�ح‪..‬‬
‫��ستيقظت يف غرفتي �مل�ساءة بال�سعلة �ل�سفر�ء �ل�سئيلة‪� ،‬سهقت �أنفا�سي‬
‫بج�سع‪ ،‬الأرى جليند� مقرتبة مني بوجهها مت�سح على �سعري �لق�سري‪ ،‬تنظر يل‬
‫بده�سة‪ ،‬وغري ت�سديق ف�ساألتها‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� حدث يل؟‪.‬‬
‫و�أ�سفت بخوف‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪َ -‬مل تتطلعني �إ ّ‬
‫يل هكذ�؟‪.‬‬
‫مل جتب‪ ،‬فهم�ست ��سمها برجاء‪ ،‬د ّقات قلبي و�هنة للغاية‪ ..‬لن حتتمل �الإحلاح‬
‫وق ّلة �ل�سرب‪ ..‬فليجبني �أحد!‬
‫وبينما �سوت �أنفا�سي �لالهثة هو �ل�سوت �لوحيد �لقاطع لل�سمت‪� ،‬أخذت‬
‫جليند� �سي ًئا ما على �ملن�سدة‪ ،‬وق ّربته �إ ّ‬
‫يل‪ ..‬كانت مر�آة‪ ،‬لها �إطار ومقب�ص نحا�سي‬
‫مزخرف بطريقة فريدة من نوعها‪� ،‬أخذتها منها بحذر‪ ،‬ونظرت فيها‪ ،‬وقد �زد�دت‬
‫د ّقات قلبي من حما�ص ما �أقدم عليه‪..‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫�ساقت �مل�سافة بني حاجبي �للذين �مت ّد طولهما وكثافتهما بطريقة مثالية؛‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫نظرت الآثار �لبثور �ملقزّزة �لتي حت ّولت �إىل من�ص جميل على �أنفي �لدقيق وعلى‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫ب�سرتي �جلديدة �لناعمة‪ ..‬و�سفتاي‪� ..‬أ�سبحتا ممتلئتني كالكرز‪ ،‬يلمعان من‬
‫ر ّقتهما‪� ..‬أ ّما عيناي‪ ..‬فاأ�سبحا بلون �لع�سل �ل�سايف و�الأ�سود هو لون �سعري‪� ،‬أ�سبح‬
‫كتفي بقليل‪ ..‬لقد ��ستحال كل �سيء‪..‬‬
‫لونه فاح ًما بطريقة مثالية وو�سل طوله لبعد ّ‬
‫لقد تب ّدلت هيئتي!‬
‫عيني‪،‬‬
‫غ�سة يف حلقي و�أ�سبلت �أهد�بي �لطويلة �لكثيفة عند �أطر�ف ّ‬ ‫�بتلعت ّ‬
‫�أغلقهما و�أفتحهما بغري ت�سديق ملا �أرى‪ ...‬فما �أرى هي �أنا‪� ..‬إليونور�‪ ..‬فتاة رقيقة‬
‫وجميلة! ذ�ت ج�سد �أنثوي جميل‪ ..‬وجديد!‬
‫فقدت وعيي كدميمة‪ ،‬وها �أنا �أ�ستيقظ كاجلميلة �لنائمة‪ ..‬ال‪ ..‬بل �أمرية!‬
‫فته�سمت لقطع �سغرية‪ ..‬مل تعباأ جليند� ملا‬‫تركت �ملر�آة من يدي ب�سدمة ّ‬
‫حدث‪ ،‬فقط �س ّمت قب�سة يدها �ليمنى و�أ�سندتها �إىل �سدرها‪ ،‬و��سعة قب�ستها‬
‫�لي�سرى خلف ظهرها‪ ..‬ونه�ست من على فر��سي‪ ..‬و�نحنت �إ ّ‬
‫يل‪ ..‬مطاأطئة ر�أ�سها‬
‫�إىل �الأر�ص �لباردة‪ ،‬لتقول مبنتهى �لهدوء و�لريبة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬هل يل �أن �أت�س ّرف با�سم موالتي؟‪.‬‬
‫ز�دت د ّقات قلبي‪ ،‬ونظرت حويل الأجد ظاف ًر� يقف باآخر �لغرفة‪ ،‬ينظر يل‬
‫بثبات وهدوء‪ ،‬فنظرت �أنا جلليند� �ملنحنية يل مبنتهى �خلنوع‪ ..‬وقلت ب�سوتي‬
‫�لذي �أدركت فقط �أن نربته تذيب �لقلوب‪:‬‬
‫‪� -‬إليونور�‪ ..‬هو ��سمي!‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ع‬ ‫والتوزي‬

‫‪‬‬
‫)‪(6‬‬

‫َ َ‬
‫جمالــي فر ض الهدف‬

‫‪� -‬إليونور�‪ ..‬هو ��سمي!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫نظرت يل جليند� مبت�سمة بارتباك‪ ..‬وقالت‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫ألك عنه من قبل؟‪.‬‬
‫��سم جميل! كيف مل �أ�سا ِ‬
‫‪ -‬يا له من ٍ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�أ�سحت �أنا بب�سري عنها‪ ..‬لظافر‪� ..‬أنظر له بت�ساوؤل‪ ،‬ومل تاأتني منه �أي ر ّدة‬
‫فعل‪ ،‬فاأم�سكت مبعدتي �لتي حرقتني فجاأة من �جلوع‪ ،‬م�سدرة �سوتًا �سمعه رفيقاي‬
‫بالغرفة‪ ،‬الأجد جليند� تهتف بهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬يا �إلهي ماذ� �أفعل!‪.‬‬
‫نظرت لها بت�ساوؤل فقالت‪:‬‬
‫بك عزيزتي!‪.‬‬
‫‪� -‬لطعام جاهز لكن‪ ..‬لكن‪ ..‬ال يليق ِ‬
‫‪ -‬عزيزتك؟‪.‬‬
‫هم�سا بغري ت�سديق‪ ..‬و�أنا �لتي كنت �أ�سك يف تغري معاملة جليند� يل!‬
‫قلتها �أنا ً‬
‫�الآن هي غري معقولة! �أمن تغري �سكلي فقط تغري معاملتها يل؟ غريب!‬
‫‪ -‬وكيف يليق �لطعام مبن ياأكله؟‪.‬‬
‫قلتها با�ستنكار‪ ،‬معدتي توؤملني �ساآكل �أي �سيء! ال يهمني ماهية �لطعام‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬فقط هاتيه!‪.‬‬
‫بتوج�ص‪ ،‬لتدخل خادمة بعد طرقتني‬‫قلتها بغري ت�سديق لت�سفق هي بكلتا يديها ّ‬
‫خفيفتني على �لباب‪ ،‬مم�سكة ب�سينية م�ستديرة ب�سيطة‪ ،‬ال �أرى ما عليها ب�سبب‬
‫ذلك �لغطاء �لد�كن عليه‪ ..‬فاعتدلت يف جل�ستي لتق ّرب جليند� �ملن�سدة ببطء‬
‫يل‪ ،‬رغم ثقلها‪�� ..‬ستقمت بظهري �لر�سيق وجل�ست �لقرف�ساء على طرف �لفر��ص‬ ‫�إ ّ‬
‫و��ستندت مبرفقي للمن�سدة ونظرت لل�سين ّية مرة �أخرية برت ّقب‪ ،‬و�سعت �خلادمة‬
‫�ل�سينية �أمامي وك�سفت عن حمتو�ها لتبت�سم �مل�سرفة باإحر�ج؛ فاملو�سوع �أمامي‬

‫ع‬
‫هو رغيف خبز بائت‪ ،‬قطعة �سغرية من �جلنب �الأبي�ص د�كن �للون بفظاعة‪ ،‬ح ّبات‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫من �لبازالء تعد على �أ�سابع يدي ونقاط من �سائل لزج‪ ..‬زيت‪ ..‬وذ ّر�ت من �مللح!‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫ال �أتذكر نوع �لطعام �لذي كنت معتادة على تناوله‪ ..‬لكن‪ ..‬من �لو��سح �أن هذ�‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�لطعام مل يعجبني‪ ..‬قط!‬

‫ع‬
‫�متقع لون وجه جليند� من تعبري�ت وجهي �لغريبة‪ ،‬وقالت بحرج‪:‬‬
‫�سيتغري‪� ..‬سيتم نقلك لطابق �لعر�ئ�ص‪ ..‬و�سيكون‬
‫ّ‬ ‫‪� -‬آ�سفة �آن�ستي‪ ..‬كل �سيء‬
‫لديك ٌ‬
‫فر��ص �أكرث ر�حة‪ ،‬وبالطبع طعا ٌم �سهي!‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قالتها ثم �أمرت �خلادمة باإح�سار طعام �آخر الآكله‪ ..‬نظرت �أنا لها بغر�بة‬
‫وت�ساءلت‪:‬‬
‫أقلت عر�ئ�ص؟‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫�بت�سمت م�سجعة وقالت بده�سة‪:‬‬
‫أنت منهنّ �الآن!‪.‬‬
‫‪ -‬بالطبع! � ِ‬
‫�أ�سرت لهيئتي وقلت م�ستنكرة‪:‬‬
‫‪ -‬فقط الأنني �أ�سبحت جميلة؟ فقط لهذ�؟‪.‬‬

‫‪‬‬
‫�س ّمت جليند� كلتا يديها بارتباك وهزّت ر�أ�سها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬باالإ�سافة الأ�سياء �أخرى‪ ..‬لي�ست بالقدر �لكايف كاجلمال بالطبع!‪.‬‬
‫�سفتي بغيظ وقبل �أن �أ�ساأل عن �أي �سيء �آخر ��ستاأذنت جليند�‪ ،‬مع‬
‫�سممت ّ‬
‫�إخباري باأن �لطعام �لبديل �سيح�سر فو ًر�‪ ..‬وبالفعل‪ ،‬مبج ّرد فتحها للباب ��ستقبلت‬
‫عربة خ�سب ّية �سغرية من طابقني‪ ،‬و�سع عليها كافة �أنو�ع �لطعام‪ ،‬وهذ� ما عرفته‬
‫دون ك�سف �لغطاء‪ ،‬فهذه �مل ّرة خمتلفة بالطبع!‬
‫�بت�سمت �خلادمة �لتي �أر�ها الأول م ّرة ودون �أن ترفع وجهها يل وهي تقول �أن‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لطابق �لعلوي يعد يف تلك �للحظة‪ ..‬و�أنه مبج ّرد تناول �لطعام و�لنوم ً‬
‫قليال �سيكون‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫يل مكان هناك‪ ..‬و�سعت �لطعام �أمامي على �ملن�سدة مبنتهى �حلذر؛ �لطعام فاخر‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫بحق! ال يتما�سى مع كاآبة �لغرفة �ملعتمة �لد�كنة‪ ..‬وال يليق مع كل �لهموم �لتي ت�سبح‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫بعقلي‪ .‬يليق بجمال وجهي‪ ..‬فقط‪..‬‬
‫�أ�سبحت وحيدة‪� ،‬إال من ظافر‪ ..‬فبغلقهم للباب �نهمكت يف ك�سف باقي �لطعام‬
‫�أمامي‪ ،‬ومع تناويل الأول ق�سمة �سكن كل �سيء؛ �سوت معدتي‪ ،‬طنني �لهو�ج�ص‬
‫بعقلي‪ ،‬د ّقات قلبي‪ ..‬و�سوت �لهو�ء �لبارد �ملزعج بالن�سبة يل‪ .‬بالق�سمة �لثانية‬
‫�سعرت باالنت�ساء و�بت�سمت بني �لق�سمة �خلام�سة و�ل�ساد�سة جلمايل �لذي منحني‬
‫�ختيا ًر� �أف�سل‪ ،‬و�لذي �سيمنحني �لكثري و�لكثري يف �مل�ستقبل بالطبع‪ ..‬وبتناويل‬
‫�لق�سمة �الأخرية تن ّهدت و�أم�سكت بطبق �حللوى‪...‬‬
‫الحظت �أنني وحيدة‪ ..‬بالرغم من وجود �سخ�ص معي بنف�ص �لغرفة �ل�سيقة‪..‬‬
‫رفعت وجهي �إليه‪ ،‬ذلك �لطيف �الأ�سود‪� ..‬لذي يرتدي مالب�ص �سبيهة بتلك �لتي‬
‫يرتدونها قاب�سو �الأرو�ح‪ ...‬وقلت ر�فعة �سوتي ً‬
‫قليال لي�سمعني‪..‬‬
‫ف�سر يل كيف حدث هذ�؟!‪.‬‬ ‫‪� -‬أنت مريب‪ ..‬حت ّدث �إ ّ‬
‫يل‪ّ ..‬‬
‫تعجبت وناديته با�سمه‪،‬‬
‫و�أ�سرت �إىل وجهي �جلميل ومل �أجد �أي رد فعل منه! ّ‬
‫الأقابل نف�ص �ل�سمت �ملطبق‪.‬‬
‫‪‬‬
‫زفرت ب�سيق‪ ،‬وتركت طبق �حللوى من يدي‪ ،‬فاأنا ال �أريده � ً‬
‫أ�سال لقد �متالأت‬
‫بع�سا من �ملاء �لنظيف �لذي و�سعوه بجانب �لطعام و�أو�سلته ملعدتي‬‫معدتي! �سببت ً‬
‫ب�سالم‪ ،‬ثم قمت بحذر لذلك �ملدع ّو ظافر‪..‬‬
‫خطو�ت قليلة و�أ�سبحت بالقرب منه‪ ..‬لك ّنه مل يتحرك � ً‬
‫إن�سا و�حدً � حتى‪.‬‬
‫ثو�ن والم�ست‬
‫تنحنحت و�أنا �أطالع عتمة غطاء �لر�أ�ص على وجهه‪ ..‬وما هي �إال ب�سع ٍ‬
‫ذلك �لغطاء‪ ،‬بد�فع �لف�سول‪ ..‬وبد�فع �آخر‪� ،‬أريده �أن مينعني‪ ،‬الأعرف باأنه هنا!‬
‫قدمي الأنا�سب طوله �لفارع‪ ،‬كما �أ�سبحت‬
‫�أ�سبحت و�قفة على �أطر�ف �أ�سابع ّ‬

‫ع‬
‫يدي على طر ّيف غطاء ر�أ�سه‪ ..‬وهم�ست �أمام وجهه مبر�وغة‪:‬‬

‫ص‬
‫كلتا ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�خلفي؟!‪.‬‬ ‫‪ -‬هل �أك�سف حقيقتك �أيها‬

‫بل‬
‫ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�سعرت وكاأنني �أحتدث لرد�ئه �لفارغ والأنفا�سه �خلفيفة �لتي تخرج ممتزجة‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫بعطره �لهادئ‪� .‬بت�سمت بخبث و�أرجعت غطاء ر�أ�سه للخلف ً‬
‫قليال‪ ،‬فاأفلتت مني‬
‫�سحكة متح ّم�سة بينما ظهر يل لون عينيه‪ ،‬وبت مت�س ّوقة �أكرث لروؤية هذ� �لوجه‬
‫يدي �ملرتع�ستني للو�سول لطرف �لقناع‬‫�ملخباأ عن �الأعني عمدً �! وبينما �أركز �أنا ّ‬
‫يدي بحركة‬
‫�الأ�سود بحركة حذرة وبطيئة‪ ،‬تفاجاأت بكلتا يديه يقب�سان على مع�سم ّ‬
‫قدمي! �قرتب‬
‫مباغتة منه! فتاأوهت بخفوت و�إجفال بينما هبطت من على �أ�سابع ّ‬
‫بعيني �لنا�سرتني‬
‫بوجهه مني و�أخذ يلهث بغ�سب فتقابلت عيناه �لرماد ّيتان ب�سحوب ّ‬
‫مو ّؤخ ًر�‪ ،‬خرجت مني عبارة �أ�سف و�حدة ‪-‬رغم �أنني ال �أعنيها‪ -‬فخرجت كلماته‬
‫خمرتقة خلاليا ج�سدي بق�سوة‪:‬‬
‫لك �إال بوجهك!‪.‬‬
‫‪ -‬ال �ساأن ِ‬
‫متلملت بني يديه فرتكني باإهمال مفاجئ الأقع �أنا على �الأر�ص‪ّ .‬‬
‫دق قلبي ب�سرعة‬
‫و�عتدلت الأقف متغا�سية عن �أمل �ل�سدمة ثم �نطلقت �سارخة به‪:‬‬
‫‪� -‬أتعلم؟ �أنت عدمي �الإح�سا�ص!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ً‬
‫متجاهال ما قلته‪ ،‬فاأ�سفت وكاأنني ال �أهتم ‪:‬‬ ‫جل�ص على �ملقعد �مل�ستند للحائط‬
‫‪ -‬كنت �أريد معرفة ما بك لي�ص �أكرث‪...‬‬
‫ورغم �أن ما قلته ي�سمى «�هتمام»‪ ..‬لكن ال باأ�ص‪ ..‬هو حار�سي و�عتدت كلماته‬
‫�لباردة‪ ،‬فلم �ل�سمت؟‬
‫‪ -‬ما يحدث يل �الآن ب�سبب غلطة تافهة‪...‬‬
‫�أزلت �ملن�سدة بعيدً � ب�سعوبة‪ ،‬بينما �ساألته‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬وما هي؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�أرجع ر�أ�سه لظهر �ملقعد و�حلائط �لد�كن و�أطلق نربة �سوت هادئة‪ ،‬تالئم‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�رتعا�ص �ل�سعلة بخ ّفة ب�سبب هبوب �لرياح باخلارج‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪ -‬كوين مل �أمنعك من �حل�سول على نظرة من قاب�ص �الأرو�ح‪ ،‬جعلهم ي�سلبو�‬
‫ق ّوتي ل�ساعات معدودة لهذ�‪...‬‬
‫رفعت ر�أ�سي �إليه بغر�بة بينما �أجل�ص على �لفر��ص �لذي لن يكون يل بعد �ليوم‬
‫وت�ساءلت بده�سة عظمى‪:‬‬
‫‪ -‬تلك �لنظرة �ملريبة! و�لتي جعلتني �أفقد وعيي؟!‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه ب�سمت فقلت و�أنا م�سدوهة مبا حدث‪:‬‬
‫‪ً � -‬إذ� هذ� مبثابة عقاب لك‪ ..‬لكن‪ ..‬ظافر‪ ..‬هل كنت نائ ًما؟ �أثناء وقوفك‬
‫بجانب �لق�سبان �حلديد ّية؟‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫قالها الأت�ساءل �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬وهل ينام �حل ّر��ص؟‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ر ّبع يديه وقال‪:‬‬
‫‪ -‬فقط �إن �سلبوهم ق ّوتهم كـ‪ ..‬عقاب!‪.‬‬
‫�سفتي �ملكتنزتني وقلت ب�سرود‪:‬‬
‫قال �آخر كلمة ب�سخرية من �حلال‪ ..‬فزممت �أنا ّ‬
‫‪ -‬لقد كانت تلك �لنظرة خميفة ً‬
‫فعال‪...‬‬
‫‪ -‬لك ّنها �أتت مبفعولها �ملطلوب‪...‬‬
‫قالها ظافر بثقة‪ ،‬ف�سرت ق�سعريرة يف ج�سدي ونظرت له م�سرية �إىل وجهي‬

‫ع‬
‫با�ستفهام فه ّز ر�أ�سه! ماذ� يق�سد!‬
‫�لتغري �ل�سامل ب�سبب نظرة و�حدة‪ ..‬نظرة‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪� -‬أتعني‪ ..‬وجهي‪ ..‬وج�سدي‪ ..‬هذ� ّ‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫قاب�ص �الأرو�ح؟‪.‬‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ع‬
‫ه ّز ر�أ�سه بفخر فاأطلقت �سحكة غري و�عية‪� ..‬ساردة‪ ..‬وت�ساءلت ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬لكن كيف‪ ..‬وقاب�ص �الأرو�ح نذير �سوؤم؟‪.‬‬
‫وقف ظافر فاردً� قامته �ملهيبة وقال بثقة‪:‬‬
‫‪ -‬نظرة قاب�ص �الأرو�ح تعك�ص طبيعة �لفتاة؛ �إن كانت ح ّية متوت‪ ..‬و�إن كانت‬
‫ميتة‪.....‬‬
‫تابعته يتح ّرك يف �لغرفة ب�سرود بينما يكمل‪:‬‬
‫معك‪..‬‬
‫متاما‪ ..‬وهذ� ما حدث ِ‬
‫‪ -‬جميلة كانت �أو قبيحة‪ ..‬يحيل حالتها للعك�ص ً‬
‫ما �أردت حدوثه بال�سبط‪....‬‬
‫�سهقت ب�سدمة وقلت ب�سدق‪:‬‬
‫‪� -‬أ�ساحمك‪ ..‬لكن �إن جعلته ينظر �إ ّ‬
‫يل م ّرة �أخرى‪� ،‬ستكون �لعو�قب وخيمة!‪.‬‬
‫�سحك بهدوء ثم قال بثقة م�س ًري� �إىل عقله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬كل �سيء ح�سب ّ‬
‫�خلطة‪ ،‬لذ� ال تقلقي‪.‬‬
‫‪� -‬أي ّ‬
‫خطة؟‪.‬‬
‫قلتها حني عاد �إىل �ملقعد‪ ،‬فاأجابني ب�سرود متط ّلع‪:‬‬
‫بك من جم ّرد عرو�ص جميلة الأمرية‪،‬‬ ‫خطة �لو�سول لالأمري؛ خطة �الرتقاء ِ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫لها مكانة بقلب �الأمري‪ ..‬و� ً‬
‫أي�سا بالقلعة وبالعامل �الآخر �أجمع!‪.‬‬
‫حاجبي متعجبة‪ ..‬وقلت بغري ت�سديق‪:‬‬
‫ّ‬ ‫رفعت‬

‫ع‬
‫‪ً � -‬إذ� هذ� هو �لهدف �لذي �ساأحيا من �أجله هنا؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫نظر يل وقال بته ّكم‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬وهل هناك �أ�سمى من ذلك بالن�سبة لفتاة ال مي ّيزها �سيء غري وجهها؟‬

‫والتوز عي‬
‫تغريت مالحمه من �لقبح للجمال دون ثمن؟‪.‬‬ ‫و�لذي ّ‬
‫‪ -‬ثمن؟‪.‬‬
‫ر ّددتها فتجاهل هو ما قلته و�أكمل بغري ت�سديق‪:‬‬
‫حار�ص بارع مثلي‪..‬‬ ‫‪ -‬يجب �أن تكوين ممت ّنة لكون تلك �لفر�سة �أتت � ِ‬
‫إليك مع ٍ‬
‫فمعي �ستكونني �ملر�أة �الأعلى �ساأ ًنا هنا!‪.‬‬
‫مل �أجبه‪ ،‬بل غرقت يف �أفكاري وبدون �إدر�ك مني �قرتب ليقف �أمامي‪ ،‬وهم�ص‬
‫بت�سجيع‪:‬‬
‫‪ -‬هل تريدين هذ�؟‪.‬‬
‫رفعت وجهي �إليه وهم�ست ببقايا �سرودي‪:‬‬
‫‪ -‬هل �ساأبتعد عن �لتنظيف و�لطهي و�أفعال �خلادمات‪ ..‬وياأتون يل مبا �أريد‪..‬‬
‫هل �ساأرتاح؟‪.‬‬

‫‪‬‬
‫وال �أعلم كيف خرجت تلك �لكلمات مني‪ ،‬لي�ص الأنني تذكرت �أي �سيء عن حياتي‬
‫�ل�سابقة �أو الأنني �أريد �ل�سلطة‪ ..‬بل ل�سيء �أجهله!‬
‫�أتى �سوته بنف�ص �لهم�ص �ملثري‪:‬‬
‫‪� -‬أجل‪� ..‬سرتتاحني لالأبد‪.‬‬
‫�أزلت �ل�سرود عني مب�سحة على وجهي‪ ،‬وهززت ر�أ�سي له وعيناي مع ّلقتان‬
‫بظلمة وجهه‪ ،‬وقلت بوعي‪:‬‬
‫‪ً � -‬إذ� �أُريد هذ�‪ ..‬فهو ي�ستحق!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫�نحنى ليكون يف م�ستوى ر�أ�سي‪ ،‬و�ساألني بهدوء‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬حتى ولو كان �لثمن قلبك؟‪.‬‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫و�سعت يدي على قلبي وقلت متفاجئة‪:‬‬
‫‪ -‬هل �سياأخذونه؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه وقال بنربة �سوته �لعميق‪:‬‬
‫لك‪...‬‬
‫‪� -‬سينب�ص بد�خلك‪ ..‬لكن لن يكون ِ‬
‫و�أكمل بنف�ص �لنربة‪:‬‬
‫أنت جم ّرد و�سي ملا ميتلك!‪.‬‬
‫‪� -‬سيكون ملك �الأمري‪ ..‬و�ستكونني � ِ‬
‫�رتخت يدي على قلبي وهم�ست ب�سعف‪:‬‬
‫‪� -‬أتق�سد‪� ..‬أن �أحبه؟‪.‬‬
‫�أوماأ ظافر فقلت و�أنا ال �أعلم ما �سيجلب هذ� يل من عو�قب‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا! �أو�فق‪� ..‬إن كان �سيعطيني حياة مثالية‪...‬‬
‫و��ستطردت‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬و�ساأ�سمع ملا تقول‪� ..‬ساأقبل م�ساعدتك دون عناد‪.‬‬
‫ر ّبت على ر�أ�سي بهدوء بينما ��ستقام و�ق ًفا وقال‪:‬‬
‫‪� -‬تفقنا‪ ..‬و�الآن‪�� ..‬ستلقي و�ح�سلي على قليل من �لنوم فاأمامك يوم طويل‪.‬‬
‫��ستلقيت و�أخذت منه عباءته ‪�-‬لتي ناولني �إ ّياها‪ -‬الأتد ّثر بها‪ ..‬وهم�ص بغيظ‪:‬‬
‫‪� -‬أغم�سي جفونك وحدك‪ ..‬حتى �أ�ستعيد �أنا طاقتي‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بطاعة و�أغم�ست جفوين ولكن قبل �أن �أ�ست�سلم للنوم �ساألته‬

‫ع‬
‫برب�ءة‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬متى �ست�سرق �ل�سم�ص؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سمعت �سوته يجيبني بغري ت�سديق‪:‬‬

‫والتوز عي‬
‫‪� -‬ل�سم�ص؟ كيف تذكرين وجودها يا فتاة؟‪.‬‬
‫فتحت جفوين بغري وعي ونظرت له بت�ساوؤل‪ ..‬الأجده قد ��ستد�ر �إ ّ‬
‫يل بهدوء‪..‬‬
‫وقال بعمق‪:‬‬
‫‪� -‬ل�سم�ص تعني �لدفء و�ل�سوء‪ ،‬وال يوجد يف قامو�ص �لعامل �الآخر كلمة‬
‫�سم�ص‪ ..‬ال يوجد �إال �سوء �لقمر‪ ..‬ودفء �لنار‪� ..‬أتفهمني؟‪.‬‬
‫�أ�سبلت �أهد�بي وفتحتها �أكرث من م ّرة بغري ت�سديق‪ ،‬الأ�سمعه يتنهد ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ال د�عي لذكر تلك �لكلمة م ّرة �أخرى‪ ..‬فقط تاأقلمي‪.‬‬
‫فتح ذر�عيه وكاأنه ي�سري على ما حوله ً‬
‫قائال بنربة غريبة‪:‬‬
‫كنت تكرهني �لظالم ر ّو�سي قلبك ليحبه‪ ..‬كما �ستح ّبني �الأمري مرغمة!‪.‬‬
‫‪ -‬و�إن ِ‬
‫مل �أفهم ق�سده يف �لبد�ية لكني نويت �أن �أعتاد على �لظالم‪ ،‬فرغم كوين ال‬
‫�أرتاح �إال لدفء �ل�سم�ص �ملعتدلة ت�ساءلت‪ ..‬هل �ختياري �سائب؟ وت�ساءلت مرة‬
‫�أخرى‪ ..‬هل هو �ختيار من �الأ�سا�ص؟!‬
‫‪‬‬
‫وقت �أجهله ق�سيته نائمة‪� ،‬أر�د ج�سدي �حلركة يف �لفر��ص‪ ،‬فنويت على‬ ‫بعد ٍ‬
‫تنفيذ رغبته لكنني الحظت �سي ًئا يعيق حركتي؛ �سيء يجعلني �أنام على جزء �سغري‬
‫جفني بانزعاج من هذ�‬
‫فقط مما يجعل فر�سة وقوعي على �الأر�ص ممكنة‪ .‬فتحت ّ‬
‫�الأمر‪ ،‬الأجد ج�سدً � �ساك ًنا بالقرب مني ويكاد يكون ملت�س ًقا ّ‬
‫بي؛ هادئ و�ساكن‪..‬‬
‫وحني �تّ�سحت �لروؤية‪..‬‬
‫‪ -‬ظافر!‪.‬‬
‫�سرخت بده�سة ومتلملت �أنوي �لقيام! �إال �أن حركتي �ملباغتة جعلتني �أقرتب من‬

‫ع‬
‫عيني با�ست�سالم للوقوع‪ ،‬لكن تو ّقف ج�سدي‬

‫ص‬
‫�أن �أهوي من فوق �لفر��ص فاأغم�ست �أنا ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫يف ن�سف �مل�سافة فقط!‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عيني ببطء مرت ّقب‪ ،‬الأدرك �أخ ًري� �أن‬

‫ر‬
‫�س ّيقت �مل�سافة بني حاجبي بينما �أفتح ّ‬

‫والتوزي‬
‫ظاف ًر� قد مد ذر�عه ليلتقطني قبل �أن �أقع � ً‬
‫أر�سا‪ ..‬وتاأكيدً � ال�ستنتاجي جذبني �إليه‬

‫ع‬
‫يدي �إىل �سدري بذعر‪ ،‬بينما عيناي معلقتان‬ ‫الأرتطم بجذعه �لقوي‪� ..‬سا ّمة كلتا ّ‬
‫ب�سباب عينيه!‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(7‬‬

‫مكاني الجديد‬

‫قبل �أن تنتظم د ّقات قلبي �عتدلت يف و�سع �جللو�ص‪ ،‬و�سحت به‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬كيف جتروؤ! كيف تنام على فر��سي وتلت�سق بي هكذ�!‪.‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وقبل �أن �أ�سل الآخر كلماتي كان هو قد رفع �إبهامه �إىل فمي ليطبع �سي ًئا وهم ًيا‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫�سفتي تلت�سقان بع�سهما ببع�ص؛ غري قادرين على �لكالم! الأجد ظاف ًر� يعتدل‬ ‫جعل ّ‬
‫و�ق ًفا يقول بزهو‪:‬‬
‫‪ -‬عظيم‪ ..‬عادت �إ ّ‬
‫يل ق ّوتي!‪.‬‬
‫�سرخت به فمالأت �سرخاتي �لغرفة‪ ،‬ممتزجة بحروف كثرية كلها من �لـ «م»‬
‫حماولة مني باحلديث لتوبيخه على فعلته‪ ،‬وبينما هو ي�سحك كنت �أ�سيح �أنا بني‬
‫ط ّيات عقلي‪:‬‬
‫‪� -‬أيها �ملتعجرف! ّ‬
‫كف عن هذ� �لعبث فو ًر�!‪.‬‬
‫�سفتي‬
‫�سمعنا �سوت طرقات خفيفة على �لباب‪ ،‬فاعتدلت يف جل�ستي و�أ�سرت على ّ‬
‫بنظر�ت نار ّية‪ ،‬فاقرتب مني‬
‫ٍ‬ ‫بعنف بينما �أتطلع �إىل ذلك �حلار�ص ‪�-‬ملتفاخر بقو�ه‪-‬‬
‫مم�س ًكا بذقني �لناعمة مقارن ًة مبلم�ص �أنامله �لقوية‪ ،‬وم�سح على ّ‬
‫�سفتي �لكرزيتني‬
‫باإبهامه‪ ،‬ليزول ما كان مينعني من �حلديث‪ ،‬وقلت بعد �أن �سهقت �أنفا�سي بر�حة‪:‬‬
‫‪ -‬تف�سلي بالدخول‪.‬‬

‫‪‬‬
‫�أبعدت نظر�تي عنه وكاأنني ال �أر�ه‪ ،‬الأت�سرف بطبيعية �أمام جليند� �لتي عربت‬
‫�لباب مبنتهى �لب�ساطة ودلفت لغرفتي �ملتو��سعة‪� .‬نحنت بر�أ�سها ثم ��ستقامت‬
‫ببطء ف�سمعت �سوت طقطقة �إحدى فقر�ت عمودها �لفقري بينما تقول‪:‬‬
‫‪ -‬مكانك جاهز �آن�ستي‪� ..‬تبعيني من ف�سلك‪.‬‬
‫�بت�سمت جمامل ًة وهززت ر�أ�سي وخرجت معها‪ ،‬غري مبالية مبالب�سي �لبالية‬
‫�لتي تك�سف مفاتن ج�سدي �جلديد‪� .‬سرت خلفها مبنتهى �حلما�ص لروؤية مكاين‬
‫�جلديد‪ ..‬و‪ ..‬لروؤية مكانتي �جلديدة!‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫علي �ال�ستحمام‬
‫�أخذتني جليند� للدرج �لذي يو�سلني لالأ�سفل‪ ..‬قالت �أن ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫و�رتد�ء ما يليق بالطابق �لعلوي‪ ..‬ف�سمعت ما قالت‪ ،‬و�أخ ًري�‪ ..‬عرفت طريق تلك‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�لربكة �لعذبة �لتي قذفتني بها �ملا�سطة‪ ..‬لكن مل �أقفز بها هذ� �مل ّرة‪ ،‬بل ذهبت لها‬

‫والتوزي‬
‫م�س ًيا‪ ،‬وكاأنني �أزور �لبحر‪..‬‬

‫ع‬
‫بب�ساط �أحمر كما كل �الأر�سيات �لفخمة‬
‫ٍ‬ ‫ردهة فخمة‪ ،‬توؤدي �إىل درج مفرو�ص‬
‫حويل؛ هذ� هو �لطريق للطابق �لثاين بدون �أي �سعوذة �أو طرق خمت�سرة كما حدث‬
‫�أول م ّرة‪ .‬و�سلنا ب�سالم لـ «طابق �لعر�ئ�ص» وخطوت �أوىل خطو�تي و�لعيون ترتقبني‬
‫متفح�سة‪ ،‬ل�سكلي وملا �أرتدي‪ ،‬عد� عينني �أ�ساحتا بغرور بعيدً � عني؛ عينان زرقاو�ن‬
‫كموج �لبحر �لثائر يف برودة �ل�ستاء‪ ،‬وهما عينان جذبا ظاف ًر� كث ًري� لدرجة �أنه‬
‫تركني و�قرتب منهما لري�هما عن قرب!‬
‫‪ -‬هذه هي �لعرو�ص �جلديدة‪� ..‬إليونور�‪� ..‬أرجوكنّ عاملنها كما ت�ستحق‪ ،‬فيبدو‬
‫�أنها �ستكون �أمرية مثلكنّ �آن�ساتي‪.‬‬
‫�نحنت للفتيات‪ ،‬ثم يل و�ن�سرفت بهدوء كما دخلت‪ ،‬وكاأنها مل تعرف �ل�سوت‬
‫بعيني الأجده ير�قب تلك‬
‫�لعايل وال �ل�سر�خ قط‪ .‬تن ّهدت بقلق وبحثت عن ظافر ّ‬
‫�ل�سقر�ء من على بعد‪ ..‬فتحدثت �إليه بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� �أفعل �الآن؟ �أنا مرتبكة!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�بت�سمت بارتباك وقلت لهنّ ‪:‬‬
‫‪ً �-‬‬
‫أهال!‪.‬‬
‫وقبل �أن �أرفع يدي الألقي �لتح ّية‪� ،‬أ�سحن بب�سرهن بعيدً � عني و�ن�سرفت كل‬
‫و�حدة منهنّ �إىل ما كانت تفعله قبل قدومي!‬
‫‪ -‬ت�سريف بطبيعية‪...‬‬
‫قالها ظافر بينما ينظر لل�سقر�ء �لتي جل�ست على و�حدة من �لو�سائد �لناعمة‬
‫على �الأر�ص‪ ،‬فهم�ست با�ستنكار‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬و�أنت � ً‬
‫أي�سا!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�أخذت خطوة جريئة للد�خل ورفعت عيني لكل �سيء موجود حويل؛ فما �أمامي هو‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫ٌ‬
‫مفرو�ص باأكمله‬ ‫م�سرت�حا‪� ،‬أما �لباقي فهو‬
‫ً‬ ‫طابق كامل؛ ربعه فقط خم�س�ص لكونه‬
‫لون د�كن‪ ،‬ليعك�ص لون �لبالط �الأبي�ص و�لرمادي‬ ‫بب�ساط كبري �سا�سع �لطول ذي ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غري �ملغطى بالب�ساط‪ ،‬وهي م�ساحات �سئيلة فقط‪� ..‬مل�ساحة و��سعة باملنت�سف‪،‬‬
‫بها من�سدة �أر�سية م�ستديرة‪� ،‬أنيقة �ل�سكل مو�سو ٌع حولها و�ساد�ت رمادية وحمر�ء‬
‫ناعمة‪ ،‬بنقو�ص ف�س ّية‪ ،‬و�لتي جتل�ص �ل�سقر�ء على و�حدة منها مم�سكة مبر�آة يد‬
‫مزخرفة بالنقو�ص ف�س ّية �للون‪ ،‬كلون �أعمدة �ل ُف ُر�ص �لعديدة بعدد �لفتيات هنا‪.‬‬
‫�لرقي‪ ،‬و�سادتان بي�ساويتان لكل فتاة كلون �ل�سر��سف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫�ل ُف ُر�ص يبدو عليها‬
‫�لف�سي؟! لكن كم هو �أنيق!‬
‫ّ‬ ‫وغطاء رمادي بنف�ص �لنقو�ص �لف�س ّية‪ ..‬ما بالهم مع‬
‫رفعت ر�أ�سي الأجد �ل�سقف عال ًيا‪ ،‬تتدىل منه ثر ّيا عظيمة‪� ،‬أجمل من تلك �لتي‬
‫بالرو�ق �الأول وث ّمة ر�ئحة مم ّيزة للمكان؛ عطر خفيف لك ّنه �أنثوي للغاية‪� ..‬أعجبني‪،‬‬
‫فهو يليق بكل �لر ّقة �ملنت�سرة‪ ..‬فهنا‪ ،‬ال مكان للقبح‪ ،‬فقط �جلميالت‪ ..‬و�أ�سبحت �أنا‬
‫و�حدة منهن �ليوم!‬
‫هم�سا‪:‬‬
‫تنحنحت حني �أتى ظافر ليقف بجانبي‪ ،‬وقلت له ً‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ما بالها تلك �ل�سقر�ء؟ يبدو �أنها مغرورة!‪.‬‬
‫وقبل �أن ت�سلني �إجابة منه‪� ،‬سمعت �سوت فتاة رقيقة ت�سحك بخفوت‪،‬‬
‫فا�ستدرت الأجد فتاة ق�سرية �لقامة‪ ،‬لطيفة‪ ،‬تبدو كقطعة �سكر ببيا�ص وجهها‬
‫ونعومة وجنتيها! �أم�سكت ب�سعرها �لبني فاحت �للون �ملجدول يف �سفرية �سميكة‬
‫‪-‬على كتفها‪ -‬بيدها �لي�سرى وم ّدت يدها �ليمنى يل بال�سالم‪ ،‬فالتقطتها �أنا‬
‫مبت�سمة البت�سامتها و�سمعت �سوتها �لطفويل �لناعم يقول‪:‬‬
‫أنت جميلة جدً �!‪.‬‬
‫بك معنا‪ِ � ..‬‬ ‫‪ً �-‬‬
‫أهال ِ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�تّ�سعت �بت�سامتي وخفق قلبي‪� ..‬آه لو تعلم �أنها ال تقل ً‬

‫ري‬
‫جماال عني!‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫أنت � ً‬
‫أي�سا جميلة!‪.‬‬ ‫لك‪ ..‬و� ِ‬
‫‪� -‬سك ًر� ِ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫قلتها بتلقائية‪ ،‬فتلك �لفتاة عفوية لدرجة جتعل قلبي ي�سرتيح مبجرد �لنظر‬

‫ع‬
‫�إليها‪ .‬رمبا �ست�سبح �سديقتي بهذ� �لعامل!‬
‫‪ -‬ال تزعجي بالك باإز�لني فهي هكذ� د�ئ ًما‪ ..‬ال ترى غري جمالها‪.‬‬
‫قالت �آخر جملة بهم�ص ثم �سحكت كاالأطفال‪ ،‬ف�سحكت لعفويتها‪ ،‬الأجدها‬
‫فر��ص ما قائلة بطريقة �أوبر�لية‪:‬‬
‫مم�سكة بيدي فا�ست�سلمت لها حتى و�سلت بي �أمام ٍ‬
‫‪ّ -‬‬
‫تف�سليييي!‪.‬‬
‫�سحكت �أنا و�سعدت �لدرجتني من �لبالط �للتني جتعالن �لفر��ص �أعلى من‬
‫�الأر�ص‪ ،‬وجل�ست على طرف �سريري بحذر‪ ،‬الأجدها هي تزيل �ل�ستار �الأبي�ص بني‬
‫�سريري و�ل�سرير �ملجاور يل جهة �ليمني وجتل�ص هي �الأخرى على �لفر��ص‪ ..‬وقالت‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� مكاين‪� ..‬أي �أننا جارتان!‪.‬‬
‫�بت�سمت ونظرت حويل‪ ،‬الأالحظ �أن �ل ُف ُر�ص مو�سوعة يف �س ّفني متقابلني‪ ،‬بينهما‬
‫�لب�ساط و�ملن�سدة �الأر�سية‪ ،‬وتوجد �سرفة كبرية؛ �ستائرها �لرمادية مفتوحة على‬
‫م�سر�عيها‪ ،‬لت�سمح للظالم �خلارجي باأخذ دوره يف �إزعاجي‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أتريدين �إلقاء نظرة من �ل�سرفة؟ �أتريدين �لوقوف بها؟‪.‬‬
‫قالتها فاأزعجني تكر�ر جملتها ب�سوتها �لطفويل‪ ،‬وخفتت �بت�سامتي ً‬
‫قليال‬
‫لتكون جماملة‪ ،‬فقلت بهدوء‪:‬‬
‫وقت الحق‪...‬‬
‫‪ -‬رمبا يف ٍ‬
‫هزّت ر�أ�سها بقوة و�سعادة و�أ�سارت لنف�سها قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �إيفي‪.‬‬

‫ع‬
‫�أعجبت با�سمها وقبل �أن �أع ّرف نف�سي قالت هي‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪�� -‬سمك �إليونور�؛ وهو معناه �ل�سوء �جلميل و�لد�فئ!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�بت�سمت لغر�بة �ملعنى‪ ،‬فنظرت لظافر الأجده قد �أ�ساح بب�سره بعيدً � عني‪ ،‬يتابع‬

‫والتوز عي‬
‫�لفتيات‪ ..‬فهم�ست �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬ك�سوء �ل�سم�ص‪.‬‬
‫نظرت يل �لفتاة بغري فهم‪ ،‬فاأ�سبلت �أهد�بي ومل �أعد ما قلت ونظرت حويل؛‬
‫الأجد فتاتني تلعبان �ل�سطرجن‪ ،‬و�أخريات يلعنب �لورق‪ ،‬و�حدة تطالع جم ّلة و�أخريات‬
‫يتهام�سن �أثناء جلو�سهن على نف�ص �لفر��ص‪ ،‬وجميعهنّ يرتدين ف�ساتني �أنيقة‪.‬‬
‫وقفت �أنا بغري وعي وذهبت للمر�آة �لكبرية‪� ،‬لتي تف�سل �لغرفة عن �مل�سرت�ح‪..‬‬
‫ودرت بف�ستاين �جلديد حول نف�سي‪ ،‬مل يت�سنّ يل روؤيته بو�سوح من جميع زو�ياه‪ ،‬ومل‬
‫�أ�سبع من روؤية ج�سدي �جلديد و�النبهار به! تذ ّكرت نظرة �خلادمة �لتي �أر�سلتها‬
‫�ملا�سطة �إ ّ‬
‫يل و�سوتها �ملتلجلج‪:‬‬
‫لك �آن�ستي؟ �أ�ق�سد‪�-� ..‬أق�سد‪ ..‬هو رفيع للغاية‬
‫‪ -‬هل‪ ..‬هل هذ� �لف�ستان ِ‬
‫لك!‪.‬‬
‫كيف هو ِ‬
‫وتذ ّكرت �سوت ظافر وهو يهم�ص يل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬ك�سفي �س ّرك لينتهي �أمرك‪� ..‬ستعودين قبيحة‪.‬‬
‫الم�ست طرف ف�ستاين �لوردي كلون �لعديد من �لف�ساتني هنا‪ ،‬كان خيا ًر� ج ّيدً �‬
‫ً‬
‫بدال من �لف�ستان �لذي �أح�سروه الإيليونور� �لقدمية �لدميمة! نظرت خل�سره �ل�س ّيق‬
‫فعال ر�سيقة‪ ..‬وج�سدي �أنثوي‬ ‫و�لذي يز ّينه بع�ص �لنقو�ص حتى �ل�سدر الأجد �أنني ً‬
‫للغاية‪ .‬بينما �أنظر باإعجاب بنف�سي ظهر �نعكا�ص ظافر باملر�آة من خلفي فنظرت‬
‫النعكا�سه بغر�بة وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪ ،‬مبا �أنك هنا‪ ..‬هل هذ� يعني �أن باقي �حل ّر��ص هنا � ً‬
‫أي�سا؟!‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫علي بالكلمات‪ ،‬لك ّنه وقف خلفي و�أد�رين للفتيات‪ ،‬قام بو�سع كلتا يديه‬

‫ري‬
‫مل يرد ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫بتعجب!‬
‫�أمام عيني على �سكل د�ئرتني كاملنظار ليجعلني �أرى من بينهما‪ ،‬ف�سهقت ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫كم جعلني هذ� �ملنظر م�سدوهة! فيوجد �لعديد و�لعديد من �حل ّر��ص هنا!‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫يوجد من يقفون بجانب �ل�سرفة للحديث‪ ،‬ومن يجل�سون بجانب �لفتيات �لالتي‬
‫أي�سا بجانب من تلعب �ل�سطرجن مع �الأخرى! كم �أ�سبح �لطابق‬ ‫يلعنب �لورق‪ ،‬و� ً‬
‫يدي ظافر وحتركت بهما يف �الأرجاء‪ ،‬فبدوت �أمام �لفتيات‬ ‫مزدح ًما �الآن! �أم�سكت ّ‬
‫كحمقاء ت�سع كلتا يديها بالقرب من وجهها لكن ال يهم‪� ،‬ملهم �أن �أرى بو�سوح! �سرت‬
‫معه ور�أيت �لعديد و�لعديد من �حلر�ص؛ �أحدهم يخرج من �مل�سرت�ح ويتح ّدث الآخر‬
‫ً‬
‫قائال بني �سحكاته غري �مل�س ّدقة‪:‬‬
‫‪ -‬روؤية �لفتيات يف �مل�سرت�ح؟! كم هذ� مقزّز يا رجل‪ ..‬يكفي �أن نرى وجوههنّ‬
‫�جلميلة!‪.‬‬
‫يدي ظافر و�لتفت له بق�سوة قائلة‪:‬‬
‫عب�ست بتقزّز ونظرت لهم‪ ،‬و�أنزلت ّ‬
‫‪ -‬هل يرونني؟ هل ير�ين؟‪.‬‬
‫�أ�سرت ملو�سع وقوفه بعيني وهو عند باب �مل�سرت�ح فقال ظافر من بني �أ�سنانه‪:‬‬
‫‪ -‬حت ّدثي بعقلك فقط يا حمقاء‪ ..‬ها هو � ٍآت‪...‬‬
‫‪‬‬
‫غريت ر�أيي فعدت م ّرة �أخرى‬
‫زفرت ب�سيق وحت ّركت خطوة‪ ،‬لكن �سرعان ما ّ‬
‫لظافر وقلت بد�خلي و�أنا �أنظر له بغيظ‪:‬‬
‫‪ -‬حني �أذهب لق�ساء حاجتي ال ت�سمح لهذ� �لوغد �أو �أحد �أ�سدقائه �لنظر‬
‫�إ ّ‬
‫يل!‪.‬‬
‫يل ً‬
‫قائال بربود‬ ‫ر�أيت ظاف ًر� يرفع يده ويومئ ل�سخ�ص �أنا ال �أر�ه ثم بعدها نظر �إ ّ‬
‫عابث‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪� ..‬ساأ�ساهد �حلدث وحدي!‪.‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫يظن نف�سه ليمزح معي؟ �أهو‬‫عب�ست يف وجهه بحنق و�ن�سرفت‪� ..‬أحمق! ماذ� ّ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ي�سمعني؟ ح�س ًنا! �أنت وغد مثله يا ظافر جميعكم ح ّر��ص قليلو �حلياء!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫�أرجو �أن مت ّر �أيامي هنا ب�سالم فاأنا �أكره �إح�سا�ص �ملر�قبة هذ�! ترى من ينظر‬
‫علي �الختباء حتى ميكنني �لتاأقلم!‬ ‫يل منهم؟ �سح ًقا‪ّ ..‬‬ ‫�إ ّ‬
‫كنت على بعد خطوة من فر��سي مبنت�سف �لغرفة‪ ،‬لكن جذب �نتباهي �سمت‬
‫�لفتيات فجاأة حني قالت �إحد�هن‪:‬‬
‫‪ -‬هل �سمع ّ‬
‫نت؟ لقد �أح�سر قاب�سو �الأرو�ح ثالث فتيات باالأم�ص!‪.‬‬
‫�أ�سبح �سوت �لهم�سات �أعلى من �سوت �سهقات �لبع�ص‪ ،‬وبينما �أنا و�قفة م ّرت‬
‫�إحدى �لفتيات من �أمامي وهي مت�سك بذر�ع �إحدى �لفتيات �الأخريات لتم�سي‬
‫بجانبها متكئة عليها‪ ،‬ف�سمعت ما هم�ست به بذعر‪:‬‬
‫‪� -‬إنها لي�ست �مل ّرة �الأوىل!‪.‬‬
‫و�سعت �الأخرى يدها على فمها بده�سة وقالت‪:‬‬
‫‪� -‬أعلم عزيزتي‪ ..‬ال تن�سي �أنني جئت قبلك!‪.‬‬
‫قبل �أن تن�سرفا هم�ست كي ال تلتفت �الأخريات ل�سوتي‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ما �لغريب يف ما قالته؟!‪.‬‬
‫تو ّقفت �لفتاة وجذبت �سديقتها من ذر�عها وقالت يل ب�سيء من ّ‬
‫�لتكرب‪:‬‬
‫يخربك �أحد؟‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪� -‬أمل‬
‫هززت ر�أ�سي نف ًيا وقلت بغر�بة لغبائها‪:‬‬
‫‪ -‬نعم ومن �لو��سح �أنه مل يخربكم �أحد � ً‬
‫أي�سا! فاخلرب جاء للت ّو!‪.‬‬
‫�سحكت �الأخرى على غباء �سديقتها‪ ..‬فتنهدت �ل�سديقة قائلة‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬أت�سخرين مني؟ � ًإذ� لن نخربك!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫ونظرت للفتاة �لتي ت�سحك وقالت مبتعدة بها‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫أنت �سديقتي!‪.‬‬ ‫أنت � ً‬
‫أي�سا! � ِ‬ ‫‪ -‬ال ت�سحكي � ِ‬

‫ع‬
‫�بتعد �سوتهما فجاءت �آخر كلمة م�س ّوهة يف �أذين ب�سبب تهام�ص �لبع�ص‪ ،‬ويف‬
‫يل ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫نف�ص �لوقت �أتى ظافر �إ ّ‬
‫‪ -‬ال ت�سغلي بالك بتلك �لتفاهات‪...‬‬
‫نظرت له وقلت بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬لكنني �أريد �أن �أعرف!‪.‬‬
‫تن ّهد ظافر ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬تلك �حلكايات يرتكنها لقبل �لنوم‪� ..‬ستعرفني كل �سيء لكن ال ت�سغلي بالك‬
‫بها كي ت�ستطيعي �لر�حة ً‬
‫ليال‪.‬‬
‫نظرت له بغري فهم وهززت ر�أ�سي ببالهة‪ ..‬ثم قلت مت�سائلة‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تعلم كل هذ�؟ منذ متى �أتيت؟‪.‬‬
‫�قرتب من �أذين وهم�ص بربوده �ملتناهي‪:‬‬
‫‪‬‬
‫لك‪...‬‬
‫‪ -‬ال �ساأن ِ‬
‫نظرت له بغيظ وكدت �ألكمه على كتفه ب�سبب غيظي منه و�لذي فاق �حلد هذه‬
‫�مل ّرة‪� ..‬إال �أنني �سمعت �سوت �سيدة ما ‪-‬وهي �ملا�سطة‪ -‬تقول بعلو �سوتها بطريقة‬
‫هادئة‪:‬‬
‫‪ -‬هدوء يا �آن�ساتي من ف�سلكنّ ‪� ..‬أريد فتاة بعينها؛ طلبها �الأمري للت ّو‪...‬‬
‫�سمتت جميع �لفتيات و��سطففن �أمام �ل ُف ُر�ص‪ ،‬حتى �إن �ل�سقر�ء �إز�لني قامت‬
‫من مكانها ووقفت كباقي �لفتيات‪ ..‬لكن مبت�سمة بغرور‪ ..‬تقدمت �ملا�سطة وم ّرت بني‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لفتيات‪ ،‬مت�سي بهدوء حافية �لقدمني حتى ال تدو�ص على �لب�ساط �لر�قي بحذ�ئها‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�لب�سيط‪ ،‬و��سعة كلتا يديها خلف ظهرها بوقار‪� ،‬بت�سمت يف وجه �لفتيات‪ ..‬حتى‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�قرتبت مني‪.‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫تالقت �أعيننا للحظة‪ ،‬فتح ّولت مالحمها للجد ّية وهد�أت �بت�سامتها‪ ،‬رفعت‬
‫يدها �إ ّ‬
‫يل وو�سعت يدها على كتفي قائلة‪:‬‬
‫أنت‪....‬‬
‫‪ِ �-‬‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(8‬‬

‫أول كتاب‬

‫أنت‪....‬‬
‫‪ِ �-‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫هوى قلبي بقدمي حني �سمعت نربتها �جلا ّدة‪� ،‬سمعت ع ّدة �سهقات و�لعديد من‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�لعبار�ت �لالذعة مثل‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪ -‬من هي ليختارها �الأمري؟‪.‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬ماذ� ر�أى فيها؟‪.‬‬
‫وعبارة �أخرى جذبتني‪ ،‬الأنني قلتها بد�خلي � ً‬
‫أي�سا بت�ساوؤل!‬
‫‪ -‬كيف ومتى ر�آها �الأمري � ً‬
‫أ�سال؟!‪.‬‬
‫تن ّهدت بذعر وت�ساءلت بينما �أنظر للما�سطة‪:‬‬
‫‪� -‬أنا؟‪.‬‬
‫م�سرية �إىل نف�سي م ّدعية �لغباء‪ ،‬فعب�ست �ملا�سطة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وج ٌه جديد!‪.‬‬
‫�أوماأت قائلة بحذر‪:‬‬
‫‪ -‬نعم �نتقلت �ليوم فقط‪.‬‬

‫‪‬‬
‫�أخذت يدي لت�سحبني لالأمام فتح ّركت معها خطوتني‪ ،‬ثم �أوقفتني لتدور‬
‫تتفح�سني بعينيها �خلبريتني‪� ،‬أعتقد �أنها �لت�سقت بر�أ�سي لتتفقد �سعري‪،‬‬
‫حويل‪ّ ،‬‬
‫و�أم�سكت باأذين تعبث بهما‪� .‬أدركت �أنه فح�ص �سريع للنظافة �ل�سخ�سية‪ .‬بعد �أن‬
‫�نتهت قالت بروتينية‪:‬‬
‫أح�سنت؛ �لنظافة �ل�سخ�سية هي �أهم �سيء‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫ثم عادت �بت�سامتها قائلة ر�فعة �سوتها للجميع وقد �نتهت مهمتها �ل�سريعة‬
‫و�ملفاجئة معي‪..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬الأمري طلب فتاة ر�آها بحفل �لزيارة‪ ..‬بعينني خ�سر�وين و�سفتني رفيعتني‪،‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بطول معتدل ووزن مثايل‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫تن ّهدت بر�حة‪ً � ..‬إذ� مل �أكن �أنا �ملطلوبة! �سعرت باالطمئنان الأن ال �سيء يحدث‬

‫والتوز عي‬
‫ّ‬
‫�ل�سف‪ ،‬وقال‬ ‫كتفي الأقف �سمن‬
‫�أ�سرع من ما تخ ّيلت‪ ،‬ووجدت ظاف ًر� ي�سحبني من ّ‬
‫هام�سا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬تطلعي لتلك �لفتاة‪� ،‬أمام �لفر��ص �الأخري بالقرب من �ل�سرفة‪ ..‬هي �ملختارة‪.‬‬
‫عيني ملكان تلك �لفتاة‪ ،‬الأجد �أن كل �لعيون عليها‪ً � ..‬إذ� هذه هي! ر�قبتها‬
‫رفعت ّ‬
‫خجال مبت�سم ًة بحياء‪ ،‬ت�سري بخطى ب�سيطة خلف �ملا�سطة �لتي‬ ‫تطرق ر�أ�سها ً‬
‫�أم�سكتها من يدها باأُلفة‪ ..‬قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هيا يا عرو�ص �الأمري �جلميلة‪ ..‬لي�ص �أمامنا �لكثري من �لوقت! �لزينة‬
‫أقربك من �لكمال!‪.‬‬
‫و�لف�ستان‪� ..‬سا ِ‬
‫ز�دت �بت�سامة �لفتاة حتى �سملت جميع وجهها‪ ..‬فالحظت �أنا عينيها؛ جميلتني‬
‫كر ّقة لون �سعرها �ملائل للون �لبندق �ملعقود يف كعكة‬
‫ح ًّقا! �أهد�بها كثيفة ورقيقة‪ِ ،‬‬
‫كبرية خلف ر�أ�سها‪� .‬بت�سمت بتط ّلع كباقي �لفتيات‪ ،‬لكن �سرعان ما خفتت �بت�سامتي‬
‫ً‬
‫منديال قما�س ًّيا بحركة ع�سبية متوتّرة‪.‬‬ ‫حني الحظت وجود ٍيد مرتع�سة‪ ،‬تعت�سر‬
‫رفعت عيني الأجد �أنها �ل�سقر�ء �ملغرورة؛ �إز�لني‪.‬‬
‫‪‬‬
‫الحظت جحوظ عينيها بلمعة �أخرى غري �للمعة بعيون جميع �لفتيات‪ ،‬لي�ست‬
‫ً‬
‫غمو�سا‪ ،‬لكن ما ��ست�سففته‪� ،‬أنها مليئة‬ ‫تلك هي �للمعة �حلاملة �ملتاأملة؛ بل هي �أكرث‬
‫بالغ ّل‪ ..‬و�حل�سد!‬
‫‪ -‬ح�س ًنا �آن�ساتي‪� ..‬أ�سكركن لوقتكنّ ‪...‬‬
‫قالتها جليند� بوقار ثم �أ�سافت‪:‬‬
‫‪ -‬يتم و�سع �للم�سات �الأخرية على طعام �لغد�ء‪...‬‬
‫عادت كل فتاة ملا كانت تفعل و�سمعت هم�سة‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫‪� -‬الأمري يريدها قبل �لغد�ء؟ غري معقول!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫و�سحكة خبيثة بعدها‪ ،‬الأبت�سم �أنا قائلة بحرية‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫‪ -‬يجب �أن �أعرف �أكرث عن هذ� �الأمري‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫جي�سا من حامالت �لوجبات‬ ‫ح�سرت �خلادمات بز ّيهن �الأبي�ص و�الأ�سود ليك ّونّ ً‬
‫�ل�سهية للعر�ئ�ص‪ .‬و�سعت كل خادمة �سين ّية من �لطعام على �سرير كل فتاة م ّنا‬
‫و�ن�سرفت باأدب بعد �أن متنت للعرو�ص وجبة هنيئة‪ .‬بد�أ �جلميع بتناول �لطعام‬
‫بحما�ص‪ ،‬مع �سحكات �أفلتت من �لكثري�ت بينما يتح ّدثن عن �أ�سياء ع�سو�ئية‪� .‬أما‬
‫�أنا‪ ،‬فبد�أت ب�سرب �ملاء‪ ،‬وقبل �أن �أم�سك باأدو�ت �لطعام �سمعت من تتنحنح‪ ،‬كانت‬
‫يل بنظرة بريئة كعيون �لقطط �ل�سغرية قائلة‪:‬‬ ‫�إيفي‪ ،‬تتطلع �إ ّ‬
‫‪ -‬هل ميكننا تناول �لطعام م ًعا؟‪.‬‬
‫مل �أجد هناك ما ي�ستدعي �لرف�ص‪ ،‬بل ر�أيتها فر�سة مثالية لتم�سية �لوقت مع‬
‫�أي �سخ�ص يجيد �لكالم‪ ،‬الأنني �كتفيت من �سمت ظافر �أغلب �لوقت! �أف�سحت لها‬
‫‪‬‬
‫فخذي فجل�ست هي وفعلت‬
‫ّ‬ ‫مكا ًنا بجانبي على �لفر��ص و�أخذت �سين ّية طعامي على‬
‫بهم�ص خجول‪:‬‬
‫�ملثل‪ ،‬وق�سمت ق�سمة من �لدجاج ثم قالت ٍ‬
‫أنت جديدة هنا!‪.‬‬
‫‪� -‬أ�سعر باأنني �أريد �حلديث مع �أي �سخ�ص‪ ..‬و� ِ‬
‫�بتلعت ما بفمها ثم مالأته مبلعقة من �الأرز قائلة دون �إز�لة نظرها عن ما تاأكل‪:‬‬
‫‪� -‬أحب �لتح ّدث للفتيات �جلدد‪....‬‬
‫‪ -‬وملاذ� �جلديد�ت على وجه �لتحديد؟‪.‬‬
‫قلتها ثم �سرعت بتناول �لطعام‪ ،‬فاأجابتني بعفوية‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬الأنهن بب�ساطة ال يعرفنني؛ فلن ي�سخرن مني �أو يحتقرنني‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫عب�ست وبطاأت حركة ف ّك ّي يف م�سغ �لطعام‪ ،‬و��ست�سعرت مبر�رة ما تقول‪ ،‬حتى‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�بتلعت طعامي ببطء وت�ساءلت بخفوت‪:‬‬
‫منك هنا؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل ي�سخرن ِ‬
‫هزّت ر�أ�سها ونظرت �إ ّ‬
‫يل متح ّدثة بفمها �ملمتلئ‪:‬‬
‫‪ -‬الأنني ق�سرية‪ ..‬و�سغرية‪ ..‬ل�ست مثلهنّ �أبدً �‪...‬‬
‫�بتلعت ما م�سغته و��ستطردت‪:‬‬
‫‪ -‬ويقلن �أنني �أتيت هنا مبح�ص �ل�سدفة ال �أكرث!‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي متفهمة‪ ..‬وقلت بابت�سامة‪:‬‬
‫أنت رقيقة كالدمى!‪.‬‬ ‫‪� -‬أرى �أن هذ� مي ّيزك‪ ..‬فا ِ‬
‫��ستخدمت �لفتاة ً‬
‫منديال قما�س ّيا �أبي�ص بجانب طبق �حللوى لتم�سح ز�وية فمها‬
‫�مللطخة بالطعام‪� ،‬ساحك ًة‪ ،‬ف�سحكت �أنا معها‪ ..‬و�سرعان ما �ساألت بف�سول‪:‬‬‫ّ‬
‫عرو�سا حقيق ّية؟ �أم لليلة‬
‫ً‬ ‫‪ -‬هل تلك �لفتاة �لتي ذهبت لالأمري‪� ..‬ستكون‬
‫و�حدة؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫نظرت �لفتاة حولها بعد �أن �حم ّر وجهها بدرجة كبرية‪ ،‬فقلت �أنا بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ�!‪.‬‬
‫ال �أ�سدق �أنها ال تعرف هذه �الأمور! يبدو �أنها �سغرية �ل�سنّ ‪� .‬أ�سفقت عليها‬
‫وتابعت حديثي‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا ال ِ‬
‫عليك‪� ..‬أنا فقط �أريد �أن �أفهم‪ ،‬ال �أحب �أن �أجل�ص كالبلهاء و�جلميع‬
‫حويل يدركون طبيعة كل �سيء!‪.‬‬
‫تن ّهدت ب�سيق وتذوقت �لقليل من �حللوى �لكرمي ّية مع قطع �لفاكهة‪ ،‬الأجد‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�لفتاة تهم�ص يل‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪ -‬لليلة و�حدة‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫عيني‪ ،‬فتابعت‪:‬‬
‫نظرت لها م�س ّيقة ّ‬

‫ع‬
‫عرو�ص؛ ��ستوىل‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬ال يحدث �أن يطلب �لفتاة �أكرث من م ّرة‪ ..‬لكن �إن �أعجبته‬
‫عليها‪ ..‬يجعلها ت�سكن معه بالطابق �مللكي‪...‬‬
‫�بتلعت طعامي ب�سعوبة وبحثت بعيني عن ظافر‪ ،‬مل �أجده‪ ،‬فابت�سمت لها بحرج‬
‫قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وماذ� � ً‬
‫أي�سا؟‪.‬‬
‫�بتلعت �لفتاة �ملزيد من �لطعام بنهم‪ ،‬ثم م�سحت فمها بتلقائية وقالت‪:‬‬
‫‪� -‬ختفت �لعديد من �لفتيات بيننا‪� ..‬أر�هن �أن �لطابق �لعلوي مليء بهنّ !‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بفهم‪ ،‬وللحظة تخ ّيلت �لطابق �لعلوي؛ �الأمري يجل�ص على فر��سه‬
‫ويحت�سن �لعديد من �لفتيات‪ ..‬وعلى مو�سيقى حاملة ترق�ص له �أخريات وتطعمه‬
‫�أخريات!‬
‫ن ّف�ست تلك �ل�سورة عن ذهني وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬هل ر�أيت �الأمري من قبل؟ �أق�سد‪ ..‬كيف يبدو؟ كم عمره وماذ� يحب؟‪.‬‬
‫ومبج ّرد قويل هذ� �نتبهت �أن �لفتاة قد �نتهت من تناول كل �سيء �أمامها‪ ،‬من‬
‫خ�سرو�ت وح�ساء‪� ،‬أرز ودجاج‪ ..‬فتنحنحت بحرج قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هل �سبعت؟ ميكنك تناول �ملزيد من طعامي �إن �أردت؟‪.‬‬
‫ملعت عينا �لفتاة وقالت‪:‬‬
‫أنت؟‪.‬‬
‫�سبعت � ِ‬
‫‪ -‬وهل ِ‬
‫م�سجعة فو�سعت �أطباقي �ملليئة بالطعام فوق تلك‬
‫هززت ر�أ�سي و�بت�سمت لها ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�الأطباق �لفارغة �لتي ��ستقرت حمتوياتها مبعدتها �ل�سغرية وقالت هي بغري‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ت�سديق‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫أنت ط ّيبة جدً �! ال ي�سمحون لنا مبلء �الأطباق‪ ..‬فمن ت�سمن تذهب لق�ساء‬‫‪ِ �-‬‬

‫والتوز عي‬
‫خارجا لل�سري مل�سافات كبرية‬
‫ً‬ ‫فرتة يف تنظيف �لزنازين‪� ..‬أو يلقون بها‬
‫جدً �‪...‬‬
‫��ستمعت لها بحنان مبت�سمة‪ ،‬و��ستطردت هي‪:‬‬
‫‪� -‬أنا معدتي حتتاج للكثري من �لطعام ورغم ذلك ال يزيد وزين‪ ،‬هذه طبيعة‬
‫ج�سدي! لكن مل ي�سدقني �أحد مهما �سكوت‪...‬‬
‫بفم ممتلئ‪:‬‬
‫�بت�سمت يل وتابعت ٍ‬
‫‪� -‬أ�سكرك �إليونور�‪...‬‬
‫وتوجهت لو�سادتها‪ ،‬جذبت �سي ًئا ما ثم �أعطتني‬
‫تركت ملعقة �لطعام للحظة‪ّ ،‬‬
‫�إياه قائلة بحذر‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� �لكتاب‪ ..‬مهم جدً �‪ ،‬به معلومات عن تاريخ �لق�سر وت�سميمه ومو�سع‬
‫�ل�سلطة‪ ..‬من وزر�ء وم�سرفات‪ ..‬حتى �إنه يوجد كثري من �ملعلومات عن‬
‫�مللك �الأعظم‪ ..‬و�الأمري‪ ..‬كل �سيء �ستجدينه هنا!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫حت�س�ست �لكتاب بيدي قائلة بذهول‪:‬‬
‫�سهقت وفتحت فمي‪ّ ..‬‬
‫‪ -‬هل م�سموح هنا بقر�ءة �لكتب؟ كم هذ� عظيم!‪.‬‬
‫الحظت �سمت �جلميع ثم �إطالقهنّ �سحكات �ساخرة؛ فاأدركت �أن نربة �سوتي‬
‫قد �رتفعت بقول �جلملة �ملتعجبة‪� .‬أخف�ست ر�أ�سي ودفنتها بني �لكتاب �أ�ستم ر�ئحة‬
‫�سفحاته �ل�سفر�ء �لعتيقة وقلت بحما�ص‪:‬‬
‫‪� -‬ساأقر�أ كل ما به! كل �سطر‪ ...‬كل كلمة‪ ..‬هل به بع�ص �ل�سور �لتو�سيح ّية؟‪.‬‬
‫�سحكت �لفتاة وقالت‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬ ‫‪ً -‬‬

‫ك‬
‫مهال ال تتحم�سي! �قر�أي قدر ما تفهمني‪ ،‬فيوجد بع�ص �لكلمات بلغات غري‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫معروفة بالن�سبة يل‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�بت�سمت وقالت بحما�ص‪:‬‬

‫ع‬
‫أنك حتبني �لقر�ءة مثلي!‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو � ِ‬
‫خفق قلبي ب�سرعة وقلت مبت�سمة‪:‬‬
‫قلت‪ ،‬لكن �لقر�ءة �ست�سبع ف�سويل‪ ..‬وهذ� كل ما �أريد‬
‫‪ -‬ال ميكنني تاأكيد ما ِ‬
‫لالآن!‪.‬‬
‫�بت�سمت �لفتاة وتابعت طعامها‪ ،‬تناولت حلو�ها‪ ..‬وحلو�ي‪ ..‬بينما �أنا �أحت�س�ص‬
‫ذلك �لكتاب و�أفكر يف �لوقت �ملنا�سب لقر�ءته‪..‬‬

‫‪T‬‬
‫هد�أت و�سكنت �أ�سو�ت �لفتيات بالطابق‪� ..‬أ�سبحن خفي�سات �ل�سوت للغاية‪..‬‬
‫قالت يل �إيفي �أن بعد �لطعام ي�سرن خامالت‪ ..‬قالتها قبل �أن ت�ست�سلم للنوم‬
‫على طرف فر��سي فانتهزت �أنا �لفر�سة الأفتح �لكتاب‪� .‬تّ�سعت عيناي و�عتدلت‬
‫‪‬‬
‫فخذي‪ ،‬وقبل �أن �أفتح �أوىل‬
‫ّ‬ ‫ركبتي لالأعلى وجعلت �لكتاب على‬
‫ّ‬ ‫يف جل�ستي‪ ،‬ثنيت‬
‫�سفحاته �سمعت �سوت ظافر يقول بغر�بة‪:‬‬
‫جئت به؟‪.‬‬
‫‪ -‬من �أين ِ‬
‫نظرت له وهم�ست‪:‬‬
‫‪� -‬أين كنت؟ �أخربتني �إيفي ببع�ص �ملعلومات‪...‬‬
‫نظر للفتاة و�أ�سدر �سوتًا مت�سل ًّيا من بني �أ�سنانه‪ ،‬وجل�ص على طرف �سريرها‬
‫�ملجاور يل ً‬
‫قائال بف�سول‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫أنك بد� ِأت بتكوين �ل�سد�قات بالفعل!‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو � ِ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫زفرت بغري �س ٍرب وقلت‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫‪ -‬نعم نعم‪...‬‬
‫و��ستطردت ب�سرعة‪:‬‬
‫‪ -‬هي من �أعطتني هذ� �لكتاب‪� ..‬ساأقر�أه و�أرى �إن كنت �ساأفهم تلك �للغة �لتي‬
‫�أخربتني عنها‪.‬‬
‫فتحت �أوىل �ل�سفحات وقد نفد �سربي‪ ،‬وقبل �أن ترى عيناي �أي �سيء �سحب‬
‫ظافر �لكتاب وقال بربود‪:‬‬
‫‪� -‬لوقت ثمني هنا‪ ..‬دعيني �أخترب مهار�تك �للغوية � ًأوال‪...‬‬
‫رفعت له �لكتاب لك ّنه مل ياأخذه مني‪ ،‬بل �أخذ حر ّيته برفع �ساقه على فر��ص تلك‬
‫�ل�سغرية و�جللو�ص مول ًيا ظهره يل‪� .‬سمت للحظات و�سوت حفيف �أور�ق �لكتاب‬
‫يل ر�أيته ي�سري �إىل �إحدى �لكلمات‪ً ،‬‬
‫قائال‪:‬‬ ‫ي�سعل بقلبي �حلما�ص �أكرث‪ ..‬وحني �لتفت �إ ّ‬
‫‪� -‬قر�أيها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫نظرت �أنا للكلمة بغري فهم الأجده يطوي �ل�سفحة‪ ،‬ثم ينتقل �إىل �سفحة �أخرى‬
‫ظننتها ع�سو�ئ ّية‪ ،‬لكنني �نتبهت لكونه يعرف ما يبحث عنه بال�سبط‪ .‬من �لو��سح‬
‫�أنه يحفظ هذ� �لكتاب عن ظهر قلب‪� ..‬أ�سار لكلمة �أخرى وقال‪:‬‬
‫‪ -‬هل هي ماألوفة؟‪.‬‬
‫و�سعت يدي على عقلي �لذي بد�أ بالطنني‪ ،‬وهم�ست بخيبة �أمل‪:‬‬
‫‪ -‬ال! ال �أفهم �أي �سيء!‪.‬‬

‫ع‬
‫�أزلت يده عن باقي �ل�سفحة وقلت ب�سيق‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬‫‪ -‬ما هي تلك �للغة � ً‬


‫أ�سال!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سحب ظافر �لكتاب من يدي بخفة و�أغلقه‪ ،‬و�سعه بجانبه وقال بغري ت�سديق‪:‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫‪ -‬كانت تلك �لكلمة �لثانية من لغة م�سهورة‪ ..‬يعرفها �أي طفل مبجرد ح�سولة‬
‫على �لقليل من �الأيام بالتعليم �الأ�سا�سي!‪.‬‬
‫نظرت له وهم�ست بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪� -‬أتق�سد‪� ..‬أنني مل �أتلق �أي تعليم بحياتي؟‪.‬‬
‫‪� -‬سرنى‪...‬‬
‫لقطع �أو �سيءٍ من‬
‫ود�ص يده يف و�سادة �لفتاة‪ ..‬لتغو�ص باأكملها دون �أي �أثر ٍ‬
‫قالها ّ‬
‫هذ� �لقبيل‪ ..‬وفجاأة �أخرجها وبيده ري�سة بي�ساء معتدلة �حلجم‪ ،‬وو�سط نظر�تي‬
‫خا�سته‪ ..‬فو�سعت يدي على‬
‫�حلائرة وجدته يخرج خنج ًر� من جر�ب حز�م �لو�سط ّ‬
‫فمي ب�سدمة �أكتم �سهقتي من ريبة ما يفعل! بالطبع يعرف خطوته �لتالية‪ ،‬لكن لن‬
‫يكون ج ّيدً � �إن ملحت �إحدى �لفتيات ما يحدث �أمامي؛ ري�سة‪ ..‬وخنجر يطفو�ن يف‬
‫�لهو�ء! �أال يكفي �لكتاب؟‬

‫‪‬‬
‫نه�ست من مكاين منتف�سة الأغلق �ل�ستائر �لبي�ساء حول فر��سي وفر��ص �إيفي‪،‬‬
‫الأكون غرفة بي�ساء �س ّفافة ي�سكنها ثالثتنا‪ ،‬ثم عدت ملكاين الأجد ظاف ًر� قد جرح‬
‫�إ�سبعه ب�سنّ خنجره �حلا ّد وغم�ص �جلزء �ملدبب من �لري�سة يف خط دمائه ليبت ّل‬
‫باللون �الأحمر �لد�كن‪ .‬فتح �سفحة بالكتاب و�أعطاها يل‪ ،‬كما ناولني �لري�سة وقال‪:‬‬
‫‪� -‬كتبي �أي �سيء‪...‬‬
‫وبيد مرتع�سة �أم�سكت �لري�سة‪ ،‬وقبل �أخذ قر�ر بكتابة �أي‬
‫يل ٍ‬ ‫�أ�سندت �لكتاب �إ ّ‬
‫�سيء وجدت ظاف ًر� يحيط يدي بكلتا يديه ليع ّدل و�سع ري�ستي بينما ينظر �إ ّ‬
‫يل‪،‬‬

‫ع‬
‫منتظ ًر� ما �ساأكتبه‪ ..‬و�أتت ببايل كلمة ما!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫بد�أت � ّ‬
‫أخط �لورقة بري�ستي‪ ،‬وعندما �نتهيت نظرت لعيني ظافر �لظاهرتني‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عيني وقلت برت ّقب‪:‬‬

‫ش‬
‫�أمام ّ‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫‪ -‬ر�سمتها من خم ّيلتي‪...‬‬
‫يل ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫�أخذ مني �لكتاب و�أمعن �لنظر به‪ ..‬ثم رفع عينيه �إ ّ‬
‫ق�سدت كتابة‪�� ..‬سمي؟‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬هل‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(9‬‬

‫وقت النــوم وما قبله ج‪1‬‬

‫يل ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫�أخذ مني �لكتاب و�أمعن �لنظر به‪ ..‬ثم رفع عينيه �إ ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ق�سدت كتابة‪�� ..‬سمي؟‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬هل‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�أرخيت مالمح وجهي �لعاب�ص الأبت�سم برت ّقب قائلة‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪ -‬وهل هو �سحيح؟ �أعني‪ ..‬هل هو ما كتبته ً‬
‫فعال �أم �أنك قر�أت ما بعقلي؟‪.‬‬

‫ع‬
‫�أوماأ ظافر ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬بل هو �سحيح!‪.‬‬
‫�سمت ليبحث عن �سفحة معينة يف �لكتاب‪ ..‬وعندما وجدها �أد�ر �لكتاب يل‬
‫وقال بهدوء‪:‬‬
‫‪ -‬ميكنك قر�ءة هذه‪.‬‬
‫مل �أدعه يكمل جملته مفهومة �ملعنى‪ ،‬بل على �لفور �أخذت منه �لكتاب على‬
‫عجلة من �أمري‪ ،‬الأجد عقلي ال يقل �س ًرب� عن حركتي‪� .‬أخذت عيني ت�ستجيب ملا‬
‫ميليه عليها عقلي من �أو�مر الأجد نف�سي �أقر�أ ب�سمت‪:‬‬
‫‪� -‬لف�سل �لر�بع‪� :‬لعمال و�خلدم‪� ،‬لعامالت و�خلادمات‪.‬‬
‫وقبل �أن �أتابع �لقر�ءة ��ستوقفني ظافر بحركة من �إ�سبعه‪ ،‬فف ّكرت �أنا‪:‬‬

‫‪‬‬
‫�سحيحا؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬هل كان‬
‫وم ّرة �أخرى ه ّز ر�أ�سه فلمعت عيناي بحما�ص وقلت‪:‬‬
‫‪َ -‬كوين ال �أجهل �لقر�ءة و�لكتابة �سيء �أر�حني كث ًري�! ِمل مل يختربو� تلك‬
‫�لنقطة قبل دخويل لطابق �لعر�ئ�ص؟ �ألهذه �لدرجة يوؤمنون باملظاهر‬
‫فقط؟‪.‬‬
‫و�سع ظافر يده على �لكتاب‪� ،‬أغلق �ل�سفحة وو�سعه حتت و�سادتي ‪-‬كما كان‪-‬‬
‫ثم قال بهدوء‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬لعرو�ص كي تكون �أمرية؛ يجب عليها �أن تتقن كل ما يحب �الأمري‪ ..‬كالغناء‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫و�لرق�ص‪ ،‬وميكنها تعلم �حلياكة لتم�سية وقتها بعيدً � عنه �إن كرثت‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫م�سوؤولياته و�أعماله‪...‬‬

‫والتوز عي‬
‫�سفتي باأ�سف وف ّكرت‪:‬‬
‫�سممت ّ‬
‫‪� -‬عتقدت �أن �لكتب مفيدة يل كي �أبهره بثقافتي‪ ..‬يبدو �أنني �ساأتلقى تلك‬
‫�ملعلومات الأع ِّو�ص ق ّلة معلوماتي ال �أكرث!‪.‬‬
‫‪ -‬يبدو هذ� منا�س ًبا‪.‬‬
‫�بت�سمت و�أنا �أحاول �لنظر لعينيه وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬و�أنت �ست�ساعدين على �نتقاء �للغة �ملنا�سبة �ألي�ص كذلك؟ فاحلروف‬
‫علي حتديد ما �ساأقر�أه بال�سبط‪...‬‬
‫مت�سابهة‪ ،‬لذ� �سي�سعب ّ‬
‫ومل �ألقى منه �أي رد‪ ،‬فنظرت ملا ينظر �إليه الأجد �ل�سقر�ء �جلميلة «�إز�لني»‬
‫تتمايل �أمام �ملر�آة؛ مم�سكة برد�ئها �لو��سع و�لذي بالطبع يخفي ج�سدً � مم�سو ًقا‬
‫مبثالية‪ ،‬وعاودت �لنظر لظافر الأكت�سف �أنه �سارد كل �ل�سرود بتلك �ملغرورة فتن ّهدت‬
‫قائلة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬ما بالكم مع �ل�سقر�و�ت؟ جميع �لفتيات هنا جميالت لكن ِ َمل جتدون �ل�سعر‬
‫�الأ�سقر و�لب�سرة �لبي�ساء �أروع �آيات �جلمال؟‪.‬‬
‫ب�سرود نابع من �أعماقه‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫تنحنح ظافر بهدوء ونه�ص من فر��ص �إيفي ً‬
‫قائال‬
‫‪� -‬رتاحي ً‬
‫قليال قبل �أن تاأتي معلمة �حلياكة‪...‬‬
‫نظرت له بحرية الأجده يقرتب ببطء للمر�آة �لفا�سلة بني جزءي �لطابق غري‬
‫�ملت�ساويني‪ ،‬حتى توقف م�ستندً � على �جلد�ر من خلفه بظهره �لقوي‪ ،‬عاقدً � ذر�عيه‬
‫�أمام �سدره باهتمام‪ ،‬فالحظت �أن تلك �ملغرورة يخرج من بني �سفتيها �أحلان‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫وكلمات هادئة ال �أنكر �أنها جعلت بدين يرتع�ص تا ً‬

‫ري‬
‫أمال‪� ..‬أ�سغي لكلماتها مغم�سة‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�لعينني‪ ..‬فتب ّينت كلماتها �لغريبة بو�سوح‪..‬‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫~~~~~‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ع‬
‫«ا�ستثنيني‪ ..‬من قواعد العامل‪..‬‬
‫ا�ستثنيني من مظاهر الكون‪..‬‬
‫اأنا ل�ست مثلك‪ ،‬وال مثلهم �ساأكون‪..‬‬
‫�سخ�ص وحيد‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫�سخ�ص غريب‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫اأنا‬
‫لنداء احلب‪ ..‬ال اأ�ستجيب‪.‬‬
‫�سخ�ص فريد‪ ..‬فال تنتظر مني يف يو ٍم‪ ..‬اأن اأ�ستجيب‪.‬‬‫ٌ‬ ‫اأنا‬
‫لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي‪ ..‬لن تكون ا ّإال لنف�سي‪..‬‬
‫لن ياأ�سرين احلب يو ًما‪ ..‬لن اأكون اإال لنف�سي‪..‬‬
‫ما�ص كنت فيه اأنا �سعيف‪..‬‬ ‫فا�ستثنيني من ٍ‬
‫وا�ستثنيني من م�ستقبل اأنا من اأحداثه بريء‪..‬‬
‫ا�ستثنيني‪ ..‬ا�ستثنيني‪ ..‬دو ًما واأبدًا ا�ستثنيني‪»..‬‬
‫~~~~~~‬
‫‪‬‬
‫هم�سا‪ ،‬وكنت �أنا قد‬
‫ب�سوت �أكرث ً‬
‫ٍ‬ ‫وبعد �آخر كلمة �سعرت بكلماتها تعاد وتعاد‬
‫لنوم عميق‪ ،‬غري عابئة مبا يفكر فيه ظافر يف تلك �للحظة‪..‬‬
‫��ست�سلمت ٍ‬
‫عيني على �سوت �إيفي ‪:‬‬
‫فتحت ّ‬
‫‪�� -‬ستيقظي رجا ًء‪َ ِ ..‬مل كل هذ� �لنوم!‪.‬‬
‫عيني الأقابل بعدها �بت�سامة بريئة و�سوتًا عذ ًبا‪:‬‬
‫نه�ست وفركت ّ‬
‫ح�سة �حلياكة و�لتطريز �ليوم‪ ،‬وملنا�سبة غام�سة �سمعت �أن �أف�سل‬‫‪� -‬سناأخذ ّ‬
‫إنتاجا �ستح�سل على قما�ص خا�ص بها لت�سنع ما‬‫عرو�ص ��ستيعا ًبا للدر�ص و� ً‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫تريد!‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫هم�ست �أنا ب�سوتي �لناع�ص‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬و َمل ال تطلب من �خلدم �أن ِ‬
‫يحكن لها ما تريد؟ �ألي�ست هذه مكافاأة �أف�سل؟‪.‬‬
‫�تّ�سعت �بت�سامتها و�لتمعت عيناها بحما�سة ظهرت يف �سوتها‪:‬‬
‫‪� -‬أن ترتدي �لعرو�ص ما �سنعت بنف�سها هو متييز‪ ،‬و�سيء يدعو للفخر‪..‬‬
‫خ�سو�سا و�إن كانت �أنيقة‪.‬‬
‫ً‬
‫هم�سا‪:‬‬
‫و��ستطردت ً‬
‫‪ -‬يقولون �أن ذوقك بالعامل �الآخر يك�سف عن ذوقك �ل�سابق يف �حلياة!‪.‬‬
‫بهم�ص مبالغ فيه‪� ،‬أ�ساب فحيحه �أذين بالق�سعريرة‪ .‬نه�ست‬
‫وكانت �آخر كلمة ٍ‬
‫من فر��سي وقلت بينما �أنظر حويل‪:‬‬
‫‪� -‬ساأذهب للم�سرت�ح � ًأوال‪.‬‬
‫فردت قامتي �لر�سيقة الأكت�سف �أن �خلف ما ز�ل بقدمي‪�ّ ،‬جتهت خلارج ّ‬
‫�سف‬
‫�ل ُف ُر�ص بينما �أطالع �لفتيات �جلال�سات حول �ملعلمة باأدب‪ ،‬ويف نف�ص �لوقت �أبحث‬
‫عن ظافر‪..‬‬
‫‪‬‬
‫وجدته يقف وحده‪ ،‬فاقرتبت منه بحذر‪ ،‬ال �أعلم �إن كان �حلر�ص هنا �أم ال‪،‬‬
‫نظرت له وقلت بعقلي‪:‬‬
‫‪� -‬جعلني �أرى �حل ّر��ص‪ ،‬ال �أ�سعر بالطماأنينة بوجودهم �خلفي من حويل!‪.‬‬
‫كاد ظافر �أن ي�سع يديه حول عيني كاملنظار‪ ،‬لكنني ��ستوقفته قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ال ال‪� ..‬أريد روؤيتهم بنف�سي‪ ..‬وحدي‪...‬‬
‫هم�سا‪ ،‬وال �أدري ملاذ� هم�ست � ً‬
‫أ�سال‪:‬‬ ‫�ساد �ل�سمت لثانيتني‪ ،‬فقلت بعقلي ً‬

‫ع‬
‫علي �أحدهم!‪.‬‬
‫يتج�س�ص ّ‬
‫‪� -‬أريد دخول �مل�سرت�ح‪ ...‬و�أخ�سى �أن ّ‬
‫لعيني‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫تن ّهد وق ّربني منه الأكون �أمامه بال�سبط‪� ،‬أم�سك بر�أ�سي بني يديه‪ ،‬ونظر ّ‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫بينما يغلقهما باإبهاميه‪ ..‬وحني فتحتهما �أ�سبلت �أهد�بي �أكرث من م ّرة بريبة‪،‬‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫وهم�ست بعقلي‪:‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬أعتقد �أنني �أ�سمع �سوتهم � ً‬
‫أي�سا‪...‬‬
‫�لتفت بحذر وف ّكرت بريبة‪:‬‬
‫‪ -‬كم هم ُك ُرث!‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫تتغري طبيعته الأي �إن�سان‪ ..‬خادمة �أو‬
‫وبينما �أنا �ألبي ند�ء �لطبيعة �لذي ال ّ‬
‫عرو�ص ال فارق‪� ..‬لكل يفعل ذلك بال �سك‪� ..‬سمعت �سوت �سحكات رجول ّية‪ ،‬ثم‬
‫هام�سا بريبة‪:‬‬
‫�سوتًا ً‬
‫‪ -‬ر�أيت ذلك باأم عيني! مما جعلني �أتاأكد من فكرة �أن جميعهن عذر�و�ت‪...‬‬
‫و�سعت يدي على فمي بده�سة من معنى كالمه و�أنا �أتخيل �ملوقف ور�ء ذلك‬
‫�الكت�ساف �لذي جعله يبدو و�ث ًقا‪ ..‬و�أن�ست برتكيز‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ي�سمونهن عر�ئ�ص‪ ..‬فكرو� يف �الأمر!‪.‬‬
‫‪� -‬أجل!‪.‬‬
‫كان هذ� �سوتًا �آخر‪ ..‬ثم حت ّدث �ساحب �ل�سوت �الأول‪:‬‬
‫‪� -‬أعرف فتاتي ج ّيدً �‪ ..‬و�أر�هن‪ ..‬على �أنها �ستحكي عن ما حدث لزميالتها‪،‬‬
‫�ستحكي كل �سيء لده�ستها؛ الأنها تعلم �أنها كانت عاهرة يف حياتها �الأوىل!‪.‬‬
‫�رتفع �سوت �ل�سحك و�لقهقهة بعد �سهقات �الإعجاب �ملقزّزة‪ ،‬ليقول �سخ�ص‬
‫منهم‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬أقبل رهانك‪ ،‬فاإذ� حدث ما قلت �ساأجعلك حتظى بفتاتي للحظة؛ لتقتن�ص‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫قبلة �أو �سي ًئا من هذ� �لقبيل!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬مو�فق!‪.‬‬
‫�نتهيت من مللمة ثيابي بحذر‪� ،‬أخ�سى �أن يجذب �سوت حفيف مالب�سي �آذ�نهم‪،‬‬
‫نظرت ل�سوء �ل�سعلة �ملرتع�ص خارج خلوتي �ملغلقة وناديت بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪� ..‬أريد �خلروج من هنا وهناك بع�ص �لهمج باخلارج!‪.‬‬
‫حلظة م ّرت و�أنا �أجتاهل �سوت �سحكاتهم باخلارج الأ�ستطيع �لرتكيز مع �سوت‬
‫ظافر‪ ،‬وفجاأة �سمعت �أحدهم يتنحنح وقال بخفوت‪:‬‬
‫مكان �آخر‪ ..‬فالهو�ء هنا قد نفد!‪.‬‬
‫‪ -‬ه ّيا لنكمل حديثنا يف ٍ‬
‫�سحك �الآخرون لكن برتدد‪ ..‬وفجاأة وجدت �ل�ستار ُيفتح بحرك ٍة و�حدة! الأطلق‬
‫�أنا �سرخة خافتة‪� ،‬أ�سبه ب�سهقة مذعورة‪ ،‬لكنني وجدت ظاف ًر� �أمامي‪ ،‬مغطى‬
‫�ملالمح كالعادة‪ .‬ه ّد�أت من روعي وهم�ست ببقايا �أع�سابي‪:‬‬
‫‪ -‬كيف تعي�ص �لفتيات هنا و�سط هوؤالء �الأوغاد؟ �سمعتهم يتحدثون عن �أ�سياء‬
‫خاد�سة للحياء ح ًّقا!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫قال ظافر بهدوء بينما عربت من جانبه خلارج �خللوة‪:‬‬
‫‪ -‬الأنهم خارج نطاق �لتدريب يتح ّدثون بحر ّية‪ ..‬لكن ال تنبهري وتنظري‬
‫الأعينهم‪ ..‬جد ًّيا �أعني ما �أقول‪ ..‬ال تدعي هذ� يحدث مهما ك ّلفك �الأمر‪..‬‬
‫�ست�سبحني وقتها �سيدً � ثمي ًنا لهم‪...‬‬
‫�سببت �ملاء على يدي و�أنا �أف ّكر‪:‬‬
‫‪ً � -‬إذ� تلك �لفتاة �لتي حتدثو� عنها‪ ..‬مت ��سطيادها بالفعل!‪.‬‬
‫�سمت عن �لتفكري بخجل ليدرك ظافر �ملوقف‪ ،‬وقال بال مباالة‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ً � -‬إذ� علينا ‪-‬قري ًبا جدً �‪ -‬توديع عرو�ص وحار�ص‪ ..‬لن متر فعلتهما تلك على‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫خري‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫زفر ب�سيق ثم قال ب�سرود‪:‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬لعر�ئ�ص ملك لالأمري فقط‪ ..‬ومع ذلك ين�سى �الأحمق منهم مكانته!‪.‬‬
‫يدي ووجهي يف �ملن�سفة �ل�سغرية �لناعمة ثم رميتها يف �س ّلة �لغ�سيل‬‫ج ّففت ّ‬
‫‪-‬لت�ستقر فيه مع باقي �ملنا�سف �مل�ستعملة‪ -‬وقلت و�أنا �أنظر �إليه نظرة ذ�ت مغزى‪:‬‬
‫‪ -‬ي�ستثنون �أنف�سهم من �لقو�عد‪ ..‬مع �أنهم �سو��سية!‪.‬‬
‫وف ّكرت يف مر�قبته الإز�لني الأدعه يقر�أ �أفكاري و�ألقيت عليه نظرة �أخرية‬
‫وخرجت‪ ،‬مغط ّية جانبي وجهي بخ�سالت �سعري �الأ�سود �لفاحم كي ال يالحظني‬
‫�أحد �ملنحرفني منهم‪ .‬دخلت بهدوء و�سط جت ّمع �لفتيات وجل�ست �لقرف�ساء‬
‫بجانب �إيفي �لتي كانت مدخرة يل مكا ًنا‪ ،‬ويف نف�ص �للحظة وجدت قطعة من‬
‫فخذي‪ ،‬كذلك خيط وعلبة من �الإبر! رفعت‬ ‫ّ‬ ‫�لقما�ص ‪�-‬أحاد ّية �للون‪ -‬تُلقى على‬
‫ب�سري للجميع فالحظت �أن �ملعلمة �لعجوز هي من و�سعتها‪ ،‬هي �س ّيدة م�سنة ط ّيبة‬
‫�ملالمح‪ ..‬نظرت يل وقالت ب�سوتها �لهادئ �لبطيء‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬أريني ماذ� ميكنك �إنتاجه؛ �إنه �ختبار ب�سيط‪...‬‬
‫وختمت عبارتها بابت�سامة ودودة‪ ،‬فاأوماأت ورددت على �بت�سامتها مبت�سمة‬
‫باأدب‪ ،‬ونظرت لقطعة �لقما�ص �الأبي�ص يف يدي بحرية‪ ..‬ترى ماذ� �أفعل بها؟‬
‫نظرت للعر�ئ�ص من حويل‪ ،‬الأجد �أن كل و�حدة منهن تقوم ب�سيء خمتلف عن‬
‫�الأخرى‪ ،‬مما يك�سف تفاوت م�ستوياتهنّ ‪� ..‬بت�سمت يل �إيفي بت�سجيع لتاأتيني فكرة‪..‬‬
‫�أ�ستطيع تنفيذها بتلك �لقما�سة �ل�سغرية‪ ،‬ودون تفكري‪� ،‬أخذت �ملق�ص �ملعدين‬
‫�لكبري من �أمام �ملعلمة لتنظر يل برت ّقب جتاهلته �أنا الأ�ستطيع �لرتكيز يف �إنتاج‬

‫ع‬
‫ذلك �ل�سيء؛ �لذي �سيقول �جلميع عنه �أنه حتفة فن ّية! فقط �إن �أ�سعفتني ذ�كرتي‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫باخلطو�ت �ل�سليمة!‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫علي �سري ًعا رفعت ‪-‬باأطر�ف �أناملي‪ -‬ما �أنتجت يف �لدقائق‬
‫بعد حلظات م ّرت ّ‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫بنق�ص �سغري‪ ،‬فباخليوط �لزرقاء‬
‫�ل�سابقة؛ وهو ف�ستان �سغري بحجم ر�حة �ليد‪ٍ ،‬‬
‫�سم�سا د�فئة‪ ،‬حولها زرقة �ل�سماء �ل�سافية‬
‫و�ل�سفر�ء �ملائلة للون �لربتقايل؛ كانت ً‬
‫وقت �لغروب‪ ..‬ذلك �مل�سهد �لذي يجعلني �أتاأكد من �أنني كنت �أحيا بدفء ذ�ت‬
‫يوم‪...‬‬
‫متاما من بحر �لذكريات �ملطمو�سة‪� ،‬أخذت �إيفي �لف�ستان من‬
‫قبل �أن �أ�ستيقظ ً‬
‫يدي قائلة باإعجاب‪:‬‬
‫‪ -‬يبدو ف�ستا ًنا لدمية جميلة!‪.‬‬
‫‪� -‬أو لفاأرة نتنة!‪.‬‬
‫قالتها �إحدى �لفتيات لت�سحك �لفتيات‪ ،‬وتثري حنقي‪� .‬أنا ال �أحب �أن ي�سخر �أحد‬
‫من ما �أ�سنع!‬
‫�لتقطت عيناي �لع�سل ّيتان �لفتيات �ل�ساحكات ي�سربن كفوف بع�سهن ببع�ص‪،‬‬
‫م�ستمتعات باملزحة غري �ملقبولة بالن�سبة يل‪ ،‬نظرت للمعلمة كرد فعل طبيعي‪،‬‬
‫‪‬‬
‫�أريدها �أن تعاقب تلك �لفتاة! لكني وجدتها م�ستمتعة بحياكة ما بيدها ب�سرود!‬
‫فاأيقنت �أنها كعجوز �سمعها مل ي�سعفها ل�سماع ما قد قيل للت ّو‪ .‬تن ّهدت ور�سمت‬
‫�سفتي‪ ،‬الأبد�أ �للعب بالكلمات‪ ،‬و�لذي �أعتقد �أنني �أجيده ً‬
‫قليال!‬ ‫�بت�سامة مت�سل ّية على ّ‬
‫رفعت عيني ل�ساحبة �ملزحة غري �لطريفة وقلت بهدوء‪:‬‬
‫أنت؟ هل يل باإلقاء نظرة؟‪.‬‬
‫فعلت � ِ‬
‫‪ -‬وماذ� ِ‬
‫�نتقلت عدوى �بت�سامتي �ملت�سل ّية لالأخريات‪� ،‬أعجبتهن �للعبة‪ ،‬فتط ّوعت و�حدة‬
‫بخطف قطعة �لقما�ص من �ساحبة �ملزحة و�ألقتها يل‪ ،‬هززت �أنا ر�أ�سي لها بهدوء‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�سفتي ورفعت‬
‫لي�سلها �متناين‪ ،‬ثم �أعدت ر�سم تلك �البت�سامة �ملت�سل ّية على ز�وية ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫يدي‪� ..‬أريها للجميع‪ ،‬وقلت بربود‪:‬‬
‫�لقما�سة �أمام �سدري بكلتا ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪� -‬أترين �أي مالمح؟ �أي �سيء؟ ما هي تلك �لقطعة يا ترى؟‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫وزدت‪:‬‬
‫‪� -‬أهو منديل؟ �أم قما�سة ر ّثة مل�سح �أر�ص �لزنازين؟‪.‬‬
‫�نفجرت �لفتيات بال�سحك وكاأين للت ّو قد رميتهن بقنبلة من �لغاز �ملهلو�ص‪،‬‬
‫ورغم عدم �قتناعي كل ًّيا مبا قلت‪ ،‬وعلمي �أنها لي�ست باملزحة �جليدة‪� ،‬بت�سمت‬
‫خجال بني �سحكات �لعر�ئ�ص‪ ،‬وفجاأة قالت فتاة من على‬ ‫لروؤية تلك �لفتاة غارقة ً‬
‫�جلانب �الآخر‪:‬‬
‫ً‬
‫منديال‬ ‫‪ -‬لي�ست �أجمل من ما قامت ب�سنعه �إيفي �ل�سغرية‪ ..‬لقد �سنعت‬
‫�آخر‪ ،‬لكن هذ� �لنوع �لرديء ميكننا ��ستخد�مه مبا�سرة بعد �خلروج من‬
‫�مل�سرت�ح!‪.‬‬
‫�رتفع �سوت قهقهات �أخرى مت�سل ّية‪ ،‬فانتبهت �ملعلمة �أخ ًري� وقالت بعبو�ص‬
‫منده�ص‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� هناك؟ ملاذ� ت�سحكن؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وقبل �أن تزيد‪ ،‬وقبل �أن �أوقف تلك �ملعتوهة عند ح ّدها و�أجعلها تعتذر ل�سديقتي‬
‫�جلديدة‪ ،‬تالقت عيني بعني معلمة �حلياكة‪ ،‬فاأرخت تعبري�ت وجهها و�أخذت ما‬
‫�أم�سكته بيدي؛ �لف�ستان �ل�سغري‪ .‬رفعته لعينيها ورفعت �لعد�سة �مل�ستديرة ‪�-‬أمام‬
‫عينيها‪ -‬و�سهقت بذهول‪:‬‬
‫‪ -‬موهوبة يا عزيزتي! موهوبة!‪.‬‬
‫حت�س�ست باأناملها تلك �ل�سم�ص �ل�سغرية �ملل ّونة بدقة باألو�ن �خليط‪ ،‬لتنظر يل‬
‫ّ‬
‫بع�ص �لفتيات بغرية و�سمعت �إيفي تهم�ص يل‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫أنك �سديقتي! �أي لن ت�سخرين مني!‪.‬‬
‫‪ -‬كنت �أعتقد � ِ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫قالتها ونه�ست ب�سيق‪ ،‬وقبل �أن �أنه�ص للحاق بها ��ستوقفتني �ملعلمة باإم�ساكها‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫يدي بيدها �ملليئة بالتجاعيد‪ ،‬وو�سعت فيها ك ّمية �أخرى من �خلامات قائلة‪:‬‬

‫والتوز عي‬
‫أح�سنت �سن ًعا‪�� ..‬سنعي لنف�سك ف�ستا ًنا! و�أريني �إياه ريثما تنتهني!‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫نظرت بطرف عيني للفتاة �جلاثية على �لفر��ص �لذي بالطبع قد بد�أ بالتبلل‬
‫من دموعها �لغزيرة �ل�ساذجة‪ ،‬وعلى عجلة من �أمري مللمت �خلامات و�لف�ستان‬
‫�ل�سغري �لذي قمت ب�سنعه و�بت�سمت للمعلمة �أ�سكرها‪ ،‬وغادرت �لدر�ص م�ستاأذنة‪.‬‬
‫�أ�سرعت بو�سع كل ما �أحمل على فر��سي وجل�ست على طرف فر��ص �إيفي وهم�ست‪:‬‬
‫أنت �ملق�سودة قط!‪.‬‬
‫‪� -‬إيفي مل تكوين � ِ‬
‫�سمعت �سوت �سهقاتها بالبكاء‪ ،‬فو�سعت يدي على ظهرها �أم�سح عليه بحنان‬
‫وهم�ست كي ال ت�سمعنا باقي �لفتيات‪:‬‬
‫‪ -‬كنت فقط �أرد �عتباري‪ ..‬وحت ّول �الأمر �إليك دون ق�سد!‪.‬‬
‫أنت حتى مل تد�فعي عني! �تركيني و�ساأين!‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫قالتها يل وقبل �أن �أرد ظهر يل ظافر من �لعدم وقال بهدوء‪:‬‬

‫‪‬‬
‫فيك بذرة ال ٍأم حنون‪.‬‬
‫‪ -‬تبدين متعددة �ملو�هب‪ ..‬كما �أنني �أرى ِ‬
‫وقالها م�س ًري� ملا تفعله يدي بلطف ل�سعر �إيفي �لناعم فاأ�سحت وجهي عنه بغري‬
‫�هتمام‪ ،‬الأجده قال برب�ءة‪:‬‬
‫‪ -‬رمبا كما قلت �ساب ًقا‪ِ ..‬‬
‫كنت ر ّبة منزل ح ّية �ل�سمري و� ًأما � ً‬
‫أي�سا يف حياتك‬
‫�ل�سابقة!‪.‬‬
‫تذ ّكرت قدرتي على تقطيع �لب�سل و�لتنظيف وتن ّهدت‪� ..‬أفكر يف ما قال للت ّو‪،‬‬
‫�سحيحا‪ ..‬لكن �سرعان من نف�ست ذلك‬ ‫ً‬ ‫ودون وعي �بت�سمت بحنني ل�سيء رمبا يكون‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�لتفكري عني وهم�ست يف �أذن �إيفي �لقريبة مني‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫أنت �أول من ��ستقبلني بهذ� �لطابق و�أول �سديقة يل‪ ،‬لن �أكون لئيمة‬
‫‪� -‬آ�سفة‪ِ � ..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫معك �أبدً �!‪.‬‬

‫والتوزي‬
‫ِ‬

‫ع‬
‫م�سكينة �إيفي‪� ..‬أ�سعر بالتعاطف جتاهها‪..‬‬
‫‪ -‬دعي قلب �الأم جان ًبا وقومي بعمل �أي �سيء مفيد‪ ،‬كا�ستكمال ما بد�أ ِته يف‬
‫�حلياكة ً‬
‫مثال؟‪.‬‬
‫تن ّهدت بهدوء لتلمع �لفكرة بعقلي‪ ،‬فكرة جتعلني �أ�ستعمل خاماتي �خلا�سة �لتي‬
‫ح�سلت عليها للت ّو وك�سب �سد�قة �إيفي من جديد!‬
‫��ستغرقت دقائق فقط الأجمع �أفكاري و�أرتب �خلامات �أمامي ثم بد�أت بالتنفيذ‪.‬‬
‫بني �لوقت و�الآخر كنت �أالحظ ظاف ًر� يرفع عينيه من بني كتاب �إيفي لري�قب ما‬
‫�أفعل‪ ،‬ويف م ّرة ��ستفزّين بقوله‪:‬‬
‫‪� -‬إيفي �سعيفة؛ قليلة �ملوهبة‪ ،‬مز�حية وعاطفية‪ ..‬فال تكرتثي بك�سب و ّدها‬
‫بتلك �لدمية �ل�سلعاء!‪.‬‬
‫نظرت للدمية �لتي �أو�سكت على �النتهاء منها‪ ،‬بتثبيت ز ّرين باللون �لبني‬
‫كعينيها ورددت على ما قال ب�سدقٍ و�سرود‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تلك �لعرو�ص هي �إيفي‪ ..‬لديها �سحكة �سافية بريئة‪...‬‬
‫وفكرت بهدوء بينما عيناي تتج ّوالن على �لدمية �لتي �ألب�ستها �لف�ستان �ل�سغري‪:‬‬
‫‪� -‬أريد �أن �أعطيها �إياها‪ ،‬فهي ت�سبهها كث ًري�‪ ..‬عد� �فتقارها لل�سعر �لب ّني‬
‫�ملم ّوج‪...‬‬
‫ه ّز ظافر كتفيه ليظهر يل �لالمباالة خا�سته وتابع قر�ءة �لكتاب بيده‪ ..‬م ّر‬
‫وقت �إ�سايف رحلت فيه �ملعلمة‪ ..‬لت�سرخ فتاة بحما�ص‪:‬‬
‫�لق�سة!‪.‬‬
‫‪ -‬ه ّيا ه ّيا �ساأحكي لكن ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�أخفيت �لدمية حتت و�سادتي بجانب �لكتاب �لذي و�سعه ظافر للت ّو‪ ،‬الأجده‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫يقول وهو ينظر ل�ساعته �لرملية بينما يخفيها يف عباءته‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫لك من قبل‪ ..‬و�إن‬
‫‪� -‬قرتب وقت �لنوم؛ ال تنغم�سي معهن باحلكايات كما قلت ِ‬
‫�سعرت باخلوف �ن�سحبي فو ًر�‪...‬‬
‫ِ‬
‫هززت ر�أ�سي بخفاء وحت ّركت لتجمع �لفتيات وف ّكرت بف�سول‪:‬‬
‫‪ -‬ما �لذي قد يثري فزعي ملعرفة ق�سة �لثالث فتيات �لالتي �أح�سرهن قاب�سو‬
‫�الأرو�ح؟!‪.‬‬
‫تبعني ظافر فنظرت له بغر�بة و�ساألته ب�سمت‪:‬‬
‫‪ -‬هل �ست�سمع تلك �حلكاية؟ �أمل حتدث �أمام عينيك وتعرف ما �سببها؟‪.‬‬
‫كتفي الأكون يف مو�جهة �لفتيات وهم�ص يف �أذين من ّب ًها‪:‬‬
‫�أد�رين من ّ‬
‫أنك ال ترين ح ّر��سهنّ ‪ ..‬لذ� ت�س ّريف على‬
‫‪� -‬لفتيات ال يرينني‪ ،‬ومن �ملفرت�ص � ِ‬
‫هذ� �لنحو‪...‬‬
‫ف ّكرت بغر�بة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬ملاذ�؟ �أال ي�سحر �حلار�ص عني من يحر�سها لرتى �أي �سيء؟ كما تفعل �أنت‬
‫لعيني؟‪.‬‬
‫تن ّهد وقال ب�سرب‪:‬‬
‫أنت عرو�ص يف حماية �حلار�ص ظافر‪ ..‬فال تتعجبي من كونك مم ّيزة عنهنّ ‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫�لتفت له‪ ،‬و�أر�هن �أنه يبت�سم �بت�سامة مت�سل ّية‪ ،‬لكن هذ� �لقناع �لقما�سي �الأ�سود‬
‫�ملمتزج مع غطاء �لر�أ�ص �ملن�سدل على وجهه ال ي�ساعدين يف �لتاأكد من ظ ّني هذ�‪..‬‬
‫�سفتي مبا �أمليه عليه بعقلي‪:‬‬
‫فح ّركت ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬مغرور!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫يل‪ ،‬و�سع كلتا يديه خلف ظهره و�أ�سرف‬ ‫�عتدل يف وقفته بعد �أن كان ً‬
‫مائال �إ ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫علينا من عل ِّو كما فعل �أكرث من حار�ص تز�م ًنا مع بدء �لعرو�ص باحلديث‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬تعلمن �أن حار�سي قد �أ ّمن فتح قبور ع ّدة مر�ت لي�سهل وظيفة قاب�سي‬
‫�الأرو�ح‪.‬‬
‫قالتها بزهو والحظت �أنها تتبادل �لنظر�ت و�البت�سامات مع حار�سها �لذي وقف‬
‫و�ث ًقا‪ ،‬و��ستطردت‪:‬‬
‫مكان باخلارج‪.‬‬
‫‪ -‬حكى يل عن و�سول ثالث فتيات من ٍ‬
‫هم�ست بع�ص �لفتيات بكالم به عدم فهم‪ ،‬فاأو�سحت �لفتاة‪ ،‬وقد ّ‬
‫�لتف حول‬
‫فر��سها عدد �أكرب حتى �أ�سبح �سبي ًها بالزحام‪:‬‬
‫‪ -‬عر�ئ�ص‪ُ ..‬مهد�ة لالأمري غيث!‪.‬‬
‫‪ -‬هد�يا؟‪.‬‬
‫‪ -‬وماذ� ع ّنا؟‪.‬‬
‫‪ -‬من �أر�سلهن؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬غيث؟ ��سمه غيث؟ من �ملطر؟‪.‬‬
‫كلها ت�ساوؤالت قيلت على ل�سان �لعر�ئ�ص‪ ،‬وكان �آخر ت�ساوؤل من �لفتاة �الأقل‬
‫خربة ومعرفة بينهن‪� ..‬أنا!‬
‫‪ -‬مهد�ة من �أمري ببقعة �أخرى ال يهم ��سمها‪ ..‬و�لفتيات �أعيد تاأهيلهنّ ودخلن‬
‫جناح �الأمري فو ًر�!‪.‬‬
‫قالتها الأغرق �أنا يف ذكرى روؤية ثالثة من قاب�سي �الأرو�ح يحملن ثالث فتيات‬
‫بهيئة مزرية وكاأنهن �أتني من حتت �لرت�ب منذ حلظات‪ ...‬وقبل �أن �أ�سل لنقطة‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫تذكري نظرة قاب�ص �الأرو�ح يل‪� ،‬ختلط ما قالته �لعرو�ص منذ قليل مبا قالته للت ّو‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫حار�سها يوؤ ّمن فتح �لقبور‪ ..‬فهل فعلها حار�ص هذه �مل ّرة � ً‬
‫أي�سا؟ �أق�سد‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫«هل �أخرجو� �لفتيات من �لقبور‪ ،‬وبدون �أي �ختبار�ت دخلن غرفة �الأمري؟»‪.‬‬

‫والتوز عي‬
‫ب�سوت‬
‫ٍ‬ ‫نظرت يل �لفتيات باهتمام ل�سوؤ�يل‪ ،‬و�لذي �أدركت وقتها �أنني طرحته‬
‫م�سموع‪ ..‬فاأجابتني �لفتاة‪:‬‬
‫نعم هذ� الأنهنّ �أمري�ت � ً‬
‫أ�سال!‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫�سحكت �أنا بغري فهم‪ ،‬و�س ّيقت �مل�سافة بني حاجبي وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪� -‬أمري�ت؟ كيف و�أنا مل �أدرك �أنني عرو�ص حتى �آخر حلظة؟!‪.‬‬
‫قلتها با�ستنكار لت�سحك �لفتيات وقالت �إحد�هنّ توؤ ّيد ما قلت‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� �سحيح‪� ..‬الأمرية تكون عرو�ص � ًأوال‪ ،‬جتل�ص معنا بالطابق‪ ،‬ت�ساركنا‬
‫وجبات �لطعام و�لدرو�ص‪ ،‬وحني ياأتي �لوقت �ملنا�سب لها تقف على باب‬
‫أمر منه‪ ..‬ليجعلها �أمرية!‪.‬‬
‫�الأمري با ٍ‬
‫تعالت �لهم�سات �مل�سككة يف حديث �لعرو�ص �الأوىل‪ ،‬فنظرت حلار�سها �لذي‬
‫�نحنى على �أذنيها يخربها باملزيد من �لتفا�سيل‪ ،‬ويف نف�ص �للحظة �نحنى ظافر‬
‫�إ ّ‬
‫يل ليقول ب�سوته �لعميق‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ال تلفتي �لنظر لق�سة قدومك لهذ� �لطابق‪ ..‬ال تكوين مثرية لل�سكوك‬
‫و�لريبة‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بخفاء و�أرهفت �سمعي للفتاة �لتي بد�أت باال�سرت�سال‪:‬‬
‫‪� -‬لفتيات ل�سن عر�ئ�ص مثلنا‪ ..‬بل �أمري�ت‪� ..‬أمري�ت حقيق ّيات!‪.‬‬
‫و��ستطردت ب�سدق من يعرف �حلقائق كلها‪:‬‬
‫‪ -‬كانت كل و�حدة منهنّ �أمرية يف حياتها �ل�سابقة؛ لديهنّ كل �سيء؛ �جلمال‪،‬‬
‫أي�سا �ل�سوت �لعذب �لرقيق و�لقامة �ملعتدلة ذ�ت‬ ‫�الأناقة و�لتهذيب‪ً � ،‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�خل�سر �لرفيع‪ ..‬وموؤهالت عالية �أخرى! كملكات �لنحل يف �خللية!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫قالتها و�نفجرت بال�سحك مع �لفتيات �الأخريات‪ ،‬ثم ختمت �ملو�سوع بـ‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪ -‬وهذه �سد ًقا لي�ست �لعطايا �الأوىل لالأمري من �أم ٍري �آخر‪ ..‬فكما تعلمن‪ ،‬هو‬

‫ع‬
‫ي�ستهلك �لكثري من �الأمري�ت!‪.‬‬
‫�سحكت بدالل فاحم ّر وجهي وف ّكرت‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪ ..‬هل لك �أن تاأخذ �حل ّر��ص ال�ستن�ساق �لهو�ء خارج �لطابق‪� ..‬أو خارج‬
‫�لقلعة؟ يبدو �أن �حلديث قد �أخذ منح ًنى �آخر‪ ..‬ولن �أ�سعر بالر�حة بينما‬
‫�أرى �لنظر�ت �ملنحرفة يف عيون هوؤالء �لذئاب!‪.‬‬
‫�سحك ب�سخرية وقال‪:‬‬
‫‪ -‬ثرثرة �لفتيات هذه ال تعنيني يف �سيء‪� ..‬أما هم‪ ،‬فلن يف ّوتو� روؤية تلك‬
‫�حلمرة على خد كل و�حدة منكن‪ ..‬لذ� �عتادي �الأمر‪� ،‬أو �خلدي للنوم‬
‫�أف�سل‪...‬‬
‫تن ّهدت وف ّكرت بعناد‪:‬‬
‫‪ -‬بل �ساأبقى!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫و��ستمعت ملا تقول �لفتاة‪:‬‬
‫‪ -‬حار�سي يعرف �لكثري من قاب�سي �الأرو�ح وعندما يكون لديه �سيء مهم‬
‫يخربين به‪.‬‬
‫وقالت �أخرى‪:‬‬
‫أنت ال تبخلني علينا مبا يقول!‪.‬‬
‫‪ -‬و� ِ‬
‫�بت�سمت �لفتاة �الأوىل ول ّوحت لنا بيديها قائلة‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬يكفي هذ� لليوم عزيز�تي‪� ..‬ساأخلد للنوم‪...‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫قامت وخلفها حار�سها‪ ،‬قامت بتخفيف �الإ�ساءة ب�سكب �لقليل من �ملاء على‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�ل�سعالت ونفخ �ل�سموع‪ ..‬و�بت�سمت لفتاة ما قائلة‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫عليك �ملهمة‪� ..‬أ�سعريهن بالذعر عزيزتي!‪.‬‬
‫‪ -‬لقد �س ّهلت ِ‬
‫نظرت لفتاة بجانبي وت�ساءلت بريبة‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� �الآن؟‪.‬‬
‫�بت�سمت بحما�ص وقالت‪:‬‬
‫‪ -‬وقت حكاية �لرعب!‪.‬‬
‫ب�سكل ملحوظ‪،‬‬
‫غ�سة يف حلقي ونظرت حويل الأجد �أن عددنا �نح�سر ٍ‬ ‫�بتلعت ّ‬
‫فاأ�سبحنا جنل�ص يف د�ئرة �سغرية ال ي�سلها �إال بع�ص من �سوء �لقمر‪ ،‬و�سبح �سوء‬
‫قريب من �مل�سرت�ح‪ ..‬فتن ّهدت وقلت بعقلي بحما�ص الكت�ساف �ملزيد عن �سخ�س ّيتي‪:‬‬
‫‪� -‬الآن �ساأعرف �إن كنت �ساأخاف �أم ال‪...‬‬
‫عدت بب�سري لتلك �لد�ئرة �ملهيبة �لتي جنل�ص بها‪ ،‬كل فتاة جتل�ص �لقرف�ساء‬
‫ويقف خلف كل و�حدة منهن حار�سها بثبات وهدوء‪� ،‬إال من بع�ص هم�سات منحرفة‬
‫ي�سدرها فئة قليلة من �حل ّر��ص‪ ،‬مل تخف كلماتهم �لبذيئة عني لالأ�سف مما‬
‫‪‬‬
‫�أ�سابني بالتقزّز‪ ،‬لكنني �سمدت الأ�سمع حكاية �لفتاة �لتي بدت و�ثقة حني بد�أت‬
‫�لقول‪:‬‬
‫‪ -‬هل تت ّذكر �أي منكنّ ماذ� حدث لها قبل �أن تاأتي ل�سجن �لق�سر؟‪.‬‬
‫وقبل �أن ترد �أي من �لفتيات ��ستطردت‪:‬‬
‫‪ -‬وال �أق�سد بقويل تلك �لذكريات �لو�هنة �لتي تاأتينا عن حياتنا �ل�سابقة‪ ،‬بل‬
‫�أق�سد تلك �للحظات �لب�سيطة بني �حلياة و�ملوت و�لقدوم للعامل �الآخر‪...‬‬
‫عم �ل�سمت‪ ،‬فال �أحد يعلم ما تتح ّدث عنه! �بت�سمت �لفتاة بانت�سار‪ ،‬وبد�أت‬

‫ع‬
‫ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫باال�سرت�سال‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪ً � -‬إذ� مل ت�سمعن قط مبا ت�س ّمى‪ ..‬رق�سة �لود�ع!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�بت�سمت �أكرث من فتاة بجهل‪ ،‬لتزيد �بت�سامة �لفتاة بخبث وت�س ّلي‪ ،‬وكاأنها‬

‫ع‬
‫ت�ستمع الإيقاع منتظم ي�سدره كل قلب مرتقب هنا‪ ،‬ومن بينهم قلبي‪� ..‬لذي �سي�سعر‬
‫باخلوف ال حمالة‪� ..‬أ�سعر بهذ�‪� ..‬سمعنا �سوت �سحكة ق�سرية مت�سل ّية‪ ،‬تو ّقعت �أن‬
‫تكون منبعثة من �ساحبة �حلكاية‪� ،‬إال �أن �لعيون كانت كلها م�س ّوبة نحو �إز�لني؛ �لتي‬
‫قامت بغرور لريفرف �سعرها �الأ�سقر �ملم ّوج خلف ظهرها‪..‬‬
‫الحظت حركة ظافر باخللف‪� ،‬ختفى �سوت خطو�ته باالبتعاد بعد �أن كان و�ق ًفا‬
‫بالقرب مني‪ ،‬ليتبع �ملغرورة لل�سرفة �ملعتمة �إال من �سوء �لقمر �لكبري‪ ..‬وها هو‬
‫جم ّددً�‪ ..‬ي�ستثني نف�سه من �لقو�عد �لتي يتذ ّكرها ج ّيدً �!‬
‫فجاأة تذكرت كلمات �أغنية �إز�لني ذ�ت �لكلمات �لغريبة و�للحن �لهادئ �ملريح‬
‫و�ملريب يف � ٍآن و�حد‪��« ..‬ستثنيني‪� »..‬ق�سع ّر بدين من تلك �لكلمة ذ�ت �ل�سيغة‬
‫�لغريبة‪ ،‬وكاأنها ال تغني عن نف�سها‪ ..‬بل عن �أحد �آخر‪..‬‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫)‪(10‬‬

‫وقت النــوم وما قبله ج‪2‬‬

‫�أفقت من �سرودي‪ ،‬فال �أريد �أن �أف ّوت تلك �لق�سة ذ�ت �لعنو�ن �لغريب‪..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫بق�سها علينا‪:‬‬
‫«رق�سة �لود�ع»‪ ..‬و�لتي بد�أت �لفتاة ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪ُ -‬يحكى �أن فتيات �لق�سر بجميع �ألقابهن؛ �أمرية كانت‪ ،‬عرو�ص �أو خادمة؛‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سبات عميق‪ ،‬مملوكة لقاب�ص‬ ‫يوم من �الأيام نائمة يف قربها يف ٍ‬ ‫كانت يف ٍ‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫�الأرو�ح �لذي قبل روحها من �حلياة؛ تكون حبيبته‪ ،‬عرو�سه و�أمريته‪..‬‬
‫ويكون هو حبيبها وخادمها‪ .‬يحيا بالقرب منها‪ ،‬ومن حبيباته �الأخريات‪،‬‬
‫وحني ين�ساها جميع من عرفوها باحلياة‪ ،‬يكون هذ� وقت �نتقالها للعامل‬
‫�الآخر‪ ...‬ياأتي حار�ص من ق�سر �الأمري ليطلب حترير �لفتيات‪ ،‬ي�سرف‬
‫على فتح �لقبور ليلقي نظرة على �لفتاة‪ ،‬ثم يرتكها حلبيبها كي يو ّدعها؛‬
‫بالرق�سة �الأخرية‪ُ ..‬يقال �إن قاب�ص �الأرو�ح يبكي فر� ًقا الأمريته؛ يقربها‬
‫من هيكله ويحت�سنها د�مع �لعينني‪ ،‬لي�سحو ج�سدها �لنائم �ملبلل بدموعه‬
‫وتبت�سم له بحب‪ ،‬مت�سك بيديه �أو تط ّوق خ�سره لتتمايل معه على �أنغام‬
‫جتف دموع عينيه تنتهي �لرق�سة‪،‬‬ ‫�سوته �حلزين بالغناء و�لنو�ح‪ ..‬وحني ّ‬
‫كما تنتهي عالقته بها؛ وت�سبح جم ّرد �أمانة عليه ت�سليمها لق�سر �الأمري‪.‬‬
‫يلقي عليها �لنظرة �الأخرية يف فر��سها باإحدى زنازين �سجن �لق�سر‪ ..‬مت ّر‬
‫فرتة ما‪ُ ،‬متحى فيها جميع ذكرياتها �خلا�سة بحياتها �الأوىل‪ ،‬فرتة بقائها‬
‫بالقرب‪ ،‬وعالقتها بقاب�ص �الأرو�ح‪ ،‬ثم ت�ستيقظ؛ لت�سهق �أول �أنفا�سها بالعامل‬
‫�الآخر‪ ،‬فيكون لها حار�ص يالزمها كظ ّلها �أينما ذهبت حتى تقف �أمام باب‬
‫جناح �الأمري!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫�ق�سع ّر بدين و�سعرت بربودة �أطر�يف حني �نتهت �لفتاة من �ل�سرد‪ ،‬لينتهي معه‬
‫خيايل �لذي �س ّور يل كل �سيء وكاأنه يحدث يل!‬
‫�ملتوج�سات خو ًفا من حويل‪ ،‬وفجاأة �سدرت �سرخة‬ ‫ّ‬ ‫رفعت عيني للفتيات‬
‫�سعر �أ�سود طويل يغطي عينيها وناعم بطريقة غريبة‪.‬‬ ‫مذعورة! وكانت لعرو�ص ذ�ت ٍ‬
‫نظرنا لها بغر�بة لنجد �أن وجنتيها قد حت ّولتا للون �الأحمر‪ ،‬ف�سحكت �ساحبة‬
‫�لق�سة بانت�سار لتتبعها �سحكات �أخرى قليلة‪ ،‬الأملح �أنا يد حار�ص �لفتاة �ل�سارخة‬
‫تتج ّول على عنقها! � ًإذ� هذ� ما جعلها تبدو مذعورة فجاأة! كانت حركته مباغتة‪ ،‬ومل‬

‫ع‬
‫يلبث ذلك �حلار�ص باأن هم�ص يف �أذنها ب�سيءٍ ما‪ ،‬فا�ستاأذنت من �لفتيات ونه�ست‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫للنوم‪ ،‬ومن خلفها ي�سري حار�سها‪ .‬حني �بتعد� عن �لفتيات ً‬
‫قليال �أ�سبح بجانبها‪،‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫جذبها من و�سطها بذر�عيه ليقربها منه بطريقة وقحة للغاية‪ ،‬بينما يهم�ص �ملزيد‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫و�ملزيد يف �أذنها �ل�سغرية‪ .‬كم �أ�سعرين هذ� بالغر�بة! ملاذ� هي م�ست�سلمة حلار�سها‬

‫ع‬
‫بهذه �لطريقة؟!‬
‫باختفاء طيفيهما ظهر يل ج�سد ظافر‪ ،‬ي�ستند �إىل �ل�سرفة بظهره‪ ،‬عاقدً � كلتا‬
‫ذر�عيه �أمام �سدره‪ ..‬ال �أعلم مل يقف مركزً � حو��سه هكذ� بالقرب من تلك �لفتاة‬
‫بالذ�ت‪ ..‬هل هو منجذب جلمالها �مللفت لالأنظار؟ هل هو �سعرها �الأ�سقر �لد�فئ‬
‫كلون �ل�سم�ص �لتي مل تغب عن بايل للحظة؟ ال �أعلم‪ ..‬وال �أهتم‪ ..‬وما �ساأين �أنا؟‬
‫يكفي �أنه ال ي�سادق باقي �حلر�ص وال ينطق باالألفاظ �لتي ينطقون بها هم‪ ..‬تن ّهدت‬
‫وتذكرت �أول ما �سمعت عنه‪ ..‬بني �ل�سجن و�لق�سر‪:‬‬
‫‪� -‬ظفر بها يا ظافر‪ ..‬كما تظفر بكل �سيء!‪.‬‬
‫تو ّقفت عند هذ� �لقول‪ ..‬كيف يظفر بكل �سيء؟! وما هو يا ترى ما جعلهم‬
‫يتح ّدثون �إليه بتلك �لطريقة �حلا�سدة �ملغتاظة بينما هنا ال يتح ّدث �إليه �أحد؟‬
‫قال �أنه غري مر�أي بالن�سبة للفتيات‪ ..‬فاالأمر ال يتع ّلق بهنّ ‪ً � ..‬إذ� فما هو هذ� �الأمر‬
‫�خلفي؟!‬

‫‪‬‬
‫نظرت الإز�لني �لتي تر�قب �لقمر �لكبري ب�سرود‪ ،‬ت�سع وجهها �لناعم بني ك ّفيها‪..‬‬
‫تبدو هادئة‪ ..‬ككلمة «��ستثنيني» �لتي غ ّنتها لرت�سخ يف ذهني بغر�بة‪� .‬لتفت ظافر‬
‫يل‪� ،‬سعرت بنظرته رغم عدم روؤيتي لوجهه‪ ،‬فابت�سمت بعد �أن �أفقت من �سرودي‬ ‫�إ ّ‬
‫و�أدرت وجهي للفتيات‪ ،‬و�لتي بدت كل و�حدة منهن من�ستة باهتمام ملن تتح ّدث‪:‬‬
‫‪ -‬فعلتها مع حار�سي‪ ..‬هو �لرجل �الأول �لذي �سكن قلبي بهذ� �لعامل!‪.‬‬
‫هوى قلبي وز�دت د ّقاته و�أرهفت �سمعي‪ ،‬الأجد فتاة تت�ساءل با�ستنكار‪:‬‬
‫‪ -‬يا قليلة �حلياء! متى وكيف ونحن ننام على ُف ُر ٍ�ص �سبه متال�سقة ببع�سها‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لبع�ص! وال تف�سلنا غري تلك �ل�ستائر �ل�س ّفافة!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫زفرت �لفتاة �ملذنبة ورفعت ر�أ�سها بعناد‪ ،‬فالحظت ر�سمة عينيها بالكحل �لذي‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�أظهر عينيها �لرماديتني �ملخيفتني‪ ..‬ذ ّكر�ين بعيني ظافر للحظة‪ ..‬حني ملحتهما يف‬

‫والتوز عي‬
‫م ّرة �نح�سر فيها غطاء ر�أ�سه للخلف ً‬
‫قليال‪..‬‬
‫‪ -‬ال عيب يف �أن ميتلكني رجل قبل �الأمري‪ ..‬لن �أنتظره �أنا وج�سدي �جلميل‬
‫لالأبد!‪.‬‬
‫�سهقت �لفتيات من قول تلك �لعنيدة‪ ،‬وتابعت �الأخرى توبيخها قائلة‪:‬‬
‫عرفت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫كنت غري عذر�ء يف حياتك �الأوىل‪ ..‬ال �أدري كيف‬ ‫أنك ِ‬‫قلت � ِ‬
‫‪ -‬لقد ِ‬
‫��ستيقظت من بعد موتك عذر�ء‪ ،‬فهذ�‬
‫ِ‬ ‫أنك‬
‫ال يهمني‪ ،‬لكن ما يهم �أنه مبا � ِ‬
‫ل�سبب!‪.‬‬
‫�سهقت بع�ص �لهو�ء وتابعت بتح ّفز‪:‬‬
‫‪ -‬الأننا عر�ئ�ص �الأمري! وبالطبع �الأمري هو من ي�سع تلك �لقو�عد لرغبته‬
‫�خلا�سة!‪.‬‬
‫ّ‬
‫�حم ّر وجهي ونظرت لذ�ت �لعيون �لرمادية كما فعلت باقي �لفتيات‪ ،‬ننتظر ردًّ�‬
‫قو ًّيا‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬لعقل هو ما يكون ِبك ًر� ال �جل�سد! ومبا �أنني تذ ّكرت ‪-‬بالطريقة �لتي ال‬
‫ته ّمك‪ -‬كوين مملوكة الأكرث من رجل يف حياتي �الأوىل‪ ،‬فهذ� ال يجعلني ِبك ًر�‬
‫على �أ ّية حال‪ ..‬فلم �خلد�ع � ًإذ�!‪.‬‬
‫قالتها بثقة وغرور‪ ،‬فت�سهق �الأخرى وتقول بحزم‪:‬‬
‫أنت �ملخادعة!‪.‬‬
‫أنت! � ِ‬
‫‪ -‬خد�ع؟ من �ملخادع هنا! �إنها � ِ‬
‫ب�سخونة �حلو�ر؛ �رتفعت نربة كحيلة �لعينني قائلة بخبث ج ّمد �أو�سايل‪:‬‬
‫كنت ترين نف�سك بريئة‪ ،‬رغم �س ّكي يف هذ�‪ ..‬فالكثري�ت هنا ل�سن كذلك!‬
‫‪� -‬إن ِ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�أغلب �لفتيات هنا ل�سن بعذر�و�ت!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫خر�ست �الأل�سنة بقولها‪ ..‬حتى �إن �ل�سمت �ملريب هذ� فتح باب عقل كل و�حدة‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫م ّنا‪ ..‬وجعلها تت�ساءل‪ ..‬من � ً‬
‫أي�سا تفعل هذ�؟ �إال �أن �لفتاة ��ستطردت قولها لتختم‬

‫والتوزي‬
‫�لنقا�ص �جلريء‪:‬‬

‫ع‬
‫عرو�سا عذر�ء بج�سدها وعقلها م ًعا! فال ُعهر ال ُين�سى!‪.‬‬
‫‪ -‬لن جتدي بيننا ً‬
‫قالتها وقامت من مكانها‪ّ ،‬‬
‫و�جتهت لفر��سها ومل يتبعها حار�سها‪ ،‬بل �بت�سم‬
‫�بت�سامة �سفر�ء بينما �رتفعت له عيون �حلر�ص بده�سة و�إعجاب‪ ..‬وقال �أحدهم‬
‫بخيبة �أمل‪:‬‬
‫‪ -‬ربح �لرهان ككل م ّرة‪ ..‬كم هو حمظوظ!‪.‬‬
‫�تّ�سعت عيناي بذعر وتذ ّكرت ما �سمعت بامل�سرت�ح قبل �لدر�ص‪ .‬جت ّمد قلبي‬
‫للحظة قبل �أن تخرج د ّقاته بطيئة‪ ،‬الأ�سعر بثقل �سدري وتن ّف�سي‪ً � ..‬إذ�‪ ..‬هذه هي‬
‫فتاة �حلار�ص �لتي حت ّدثو� عنها! و�حلار�ص �الآن فخور بفعلته �مل�سينة معها!‬
‫بينما �أنا غارقة يف �أفكاري �ملرتابة وهو�ج�سي ب�ساأن حتذير�ت ظافر‪� ،‬سمعت‬
‫�سهقة فتاة‪ ،‬فنظرت �إىل م�سدر �ل�سوت ببطء الأجد �حلار�ص ذ� �لفعل �مل�سني‬
‫يعتدل بعد �أن ق ّبل فتاة ما على ز�وية �سفتيها‪ ..‬تلك �ملنطقة �لتي و�سعت �لفتاة يدها‬
‫عليها بذعر‪ ..‬بينما حار�سها يهنئ �لفائز بالرهان بفتور ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أمل تاأخذ جائزتك؟ ه ّيا �ذهب بعيدً �‪ ..‬يكفي قبلة و�حدة!‪.‬‬
‫�بت�سم �الآخر بخبث وهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬كم �أردت �أن �أمتادى‪ ،‬لكن �ل�سرب‪ ..‬لي�ص هذ� �آخر رهان!‪.‬‬
‫علي �الن�سحاب! خ�سيت‬
‫و�سعت يدي على فمي ب�سدمة وق ّررت �لرحيل‪ ..‬نعم‪ّ ..‬‬
‫�أن تتع ّلق عيناي بعني �أحد منهم‪ ،‬وبينما �أنا �أن�سحب مغادرة �إىل فر��سي‪� ،‬سمعت‬
‫همهمة خافتة تاأتي على بعد قليل من �ل ُف ُر�ص من مكاين‪ ،‬ف�سرت ببطء وبد�فع‬
‫�لف�سول �أقرتب من م�سدر �ل�سوت‪ ..‬الأجد �سي ًئا مل �أكن الأتوقعه يف تلك �للحظة‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫بالذ�ت‪ ..‬فعلى �سبح �ل�سوء �خلافت �ملنبعث من �ل�سعلة �ليتيمة ‪-‬بالقرب من‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫�مل�سرت�ح‪ -‬ر�أيت تلك �لفتاة‪� ،‬لتي يغطي �سعرها �لناعم عينيها‪ ،‬تفعل ما حكت عنه‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫ذ�ت �لعيون �لرماد ّية منذ جم ّرد دقيقة ملعونة و�حدة‪ ،‬بينما تغمغم بكلمات �لع�سق‬

‫والتوز عي‬
‫حلار�سها �لذي يبدو منجر ًفا ور�ء كل ما تقول‪ ..‬جمار ًيا لها يف م�ساعرها تلك!‬
‫ز�د �نقبا�ص قلبي وتبعته معدتي فو�سعت يدي على معدتي �ملتاأملة وفجاأة‬
‫��ستد�ر �إ ّ‬
‫يل �حلار�ص بعد �أن �أ�سارت فتاته �إىل وجهي �ملنقب�ص! ليتو ّقف عن ما يفعل‬
‫ويغلق �ل�ستار بق ّلة حياء‪ ..‬بعد �أن تالقت عيني بعينه!‬
‫بيد تو�سع على كتفي من �خللف‪ ،‬فانتف�ست‬
‫قبل �أن �أدرك مدى �خلطر‪� ..‬سعرت ٍ‬
‫بذعر و��ستدرت الأرى من �لفاعل‪ ..‬الأجد �أنه فقط ظافر‪ ..‬يقف بهدوئه �ملعهود‪.‬‬
‫ال �أدري �إن كان قد ر�أى ما ر�أيت �أنا‪ ،‬فهدووؤه يخونني يف كل م ّرة حاولت فهم ما‬
‫ور�ء هذ� �لقناع‪ ،‬لكن ما �أنا متاأكدة منه �أنني لن �أ�ستطيع �ل�سمود‪� ،‬أريد �إفر�غ ما يف‬
‫معدتي �لتي ز�دت �نقبا�ساتها‪ .‬هرولت للم�سرت�ح مبا تب ّقى يل من ق ّوة‪� ،‬أ�سم �أذين‬
‫تبني‬
‫عن �ملزيد من �لكلمات �لبذيئة �لتي تخرج يف مثل هذ� �لوقت؛ فربغم عدم ّ‬
‫�الأوقات من بع�سها بالن�سبة يل ب�سبب هذ� �لظالم �للعني‪ ،‬فاإنني ��ستطعت متييز‬
‫ثقيال على قلبي‪ ..‬هو وقت �لنوم‪..‬‬ ‫هذ� �لوقت من بني �لباقني‪ ..‬فهذ� �لوقت �أ�سبح ً‬
‫‪‬‬
‫ركبتي �ملرتع�ستني و�أفرغت ما مبعدتي‪ ..‬غ�سلت وجهي و�أ�سناين‬ ‫ّ‬ ‫جثوت على‬
‫ب�سعف وتركت قطر�ت �ملاء تنهمر مني لتربد �سخونة ج�سدي �ملرتاب من كل �سيء‪.‬‬
‫مررت من �أمام فر��سي مبنتهى �الأدب‪ ،‬منعزلة عن ما حويل ب�سعري �لذي �أ�سدلته‬
‫عيني من �جلانبني‪� ،‬رمتيت على فر��سي وتد ّثرت ج ّيدً �‪ ،‬دون �لنظر لفر��ص‬ ‫على ّ‬
‫�إيفي لالطمئنان عليها‪ ،‬و�إكمال دميتها‪� ..‬أو حتى قر�ءة �لكتاب �لذي كنت متح ّم�سة‬
‫له وقت �لغد�ء‪ ..‬فقط غطيت وجهي بطرف غطائي و�أغم�ست عيني‪ ،‬حماولة‬
‫�لهدوء‪ ..‬وبثّ �لطماأنينة يف نف�سي‪� ..‬إال �أن �سوت ظافر ظهر بجانب �أذين بينما‬
‫علي يد ّثرين ج ّيدً �‪:‬‬
‫يحكم �لغطاء ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫كاف لتدركي عدم فعلي الأي �سيء من هذ�‬
‫لوقت ق�سري لكنه ٍ‬ ‫‪ -‬لقد حر�ستك ٍ‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�لنوع‪ ..‬باإمكانك �لوثوق بي‪ ،‬فاأنا هنا من �أجلك‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫و��ستطرد بهم�ص ليطمئنني‪:‬‬

‫ع‬
‫أحميك‪...‬‬
‫‪� -‬سا ِ‬
‫�سرى كالمه بج�سدي لي�سكن مو�سع �الأمل به‪ ،‬ويخف�ص �سوت �لطنني بعقلي‪،‬‬
‫فف ّكرت ب�سعف‪:‬‬
‫‪ -‬لي�ص يل خيا ٌر �آخر‪� ..‬أنا �أثق بك ظافر‪.‬‬
‫مل �أد ِر ماذ� �أقول‪ ..‬لكن كلماته ح ًّقا جعلتني �أهد�أ كما ز�دت طماأنينتي حني‬
‫و�سع يديه على جبيني وهم�ص ببع�ص �لكلمات غري �ملفهومة بالن�سبة يل‪ ...‬الأغم�ص‬
‫�أنا عيني و�أذهب يف عامل �الأحالم‪ ..‬بينما �سوته كان �آخر ما �سمعته‪:‬‬
‫نوما هني ًئا �إليونور�‪� ..‬ستكونني بخري‪...‬‬
‫‪ً -‬‬
‫وتبني يل �سوت غناء �إز�لني يف �خللفية‪ ..‬وهي تقول‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪T‬‬
‫‪�� -‬ستثنيني‪...‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(11‬‬

‫وســر يجب اكتشــافه‬


‫ِ‬ ‫رقصة ثنائية‪..‬‬

‫عيني ببطء �أمامه �آملة �أن ت�سدمني �أ�سعة �ل�سم�ص عرب �أي منفذ‪� ،‬أتذ ّكر‬
‫فتحت ّ‬
‫�أنني كنت معتادة على �لعي�ص يف �ل�سوء‪� ،‬أ�ستيقظ فيه بن�ساط و�أعمل حتى يخفت‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ويذهب؛ لياأتي �ل�سيف �لثقيل على قلبي‪� ..‬لقمر!‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫�أر�ه مغرو ًر� كطاوو�ص ن�سي �أن لي�ص لري�سه معنى بدون �ألو�نه‪ ..‬فالقمر ين�سى �أن‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫متغطر�سا مبا ميلك من جمال!‬
‫ً‬ ‫�سوءه من �ل�سم�ص؛ فاأر�ه‬
‫‪� -‬إيفي‪� ..‬أيتها �ل�سغرية �لك�سولة‪� ..‬نه�سي كي ال نتا ّأخر!‪.‬‬
‫�سوت ذكوري حنون ينادي زميلتي‪ ،‬فا�ستدرت �إليه بحذر كي ال‬‫�نتبهت على ٍ‬
‫يدرك �أنني �أر�ه‪ ...‬الأرى �إيفي جتذب �لغطاء على وجهها �أكرث قائلة ب�سجر‪:‬‬
‫‪� -‬أنا ل�ست �سغرية‪ ..‬بل �أنت �ل�سغري!‪.‬‬
‫كتمت �سحكتي الأنظر حلار�سها‪ ،‬الأر�ه ق�س ًري� لكن بهيئة معتدلة‪ ..‬ي�سبهها‬
‫بدرجة كبرية‪ ،‬نف�ص لون �لعينني و�ل�سعر ونعومة �لب�سرة؛ وكاأنهما �سقيقان!‬
‫لكنك �أ�سغر‪ ..‬كفى ً‬
‫ك�سال!‪.‬‬ ‫‪ -‬ح�س ًنا �أنا �سغري ِ‬
‫ربم و��سح‪ ..‬كتربم �الأطفال‪ ،‬كما فعلت هي! فاأفلتت مني �سحكة رغ ًما‬ ‫قالها بت ُّ‬
‫عني‪ ..‬لينظر يل �حلار�ص �سز ًر�‪ ،‬فاأدرت �أنا وجهي للجهة �الأخرى �أم ّثل �ل�سعال‬
‫�خلفيف‪ ..‬الأجد ظاف ًر� �جلال�ص على �جلهة �الأخرى من فر��سي قد �أغلق �لكتاب‬
‫يل ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫للت ّو ورفع ر�أ�سه �إ ّ‬

‫‪‬‬
‫‪�� -‬ستعدي ال�ستقبال �سيء جديد �ليوم‪...‬‬
‫عب�ست ليزيدين �لعبو�ص ً‬
‫جماال بحاجبي �لكثيفني وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� تق�سد؟‪.‬‬
‫فاأ�سار يل �إىل �مل�سرت�ح‪ ،‬الأزحف �أنا �إىل ركبتي الآخر �ل�سرير كي �ألقي نظرة على‬
‫طويال من �لفتيات‪ ..‬يقفن يف �نتظار دورهنّ بهدوء‬ ‫ما ي�سري �إليه‪ ،‬فوجدت �س ًّفا ً‬
‫بهم�ص وقلت بعقلي‪:‬‬
‫ينم عن حقيقة ��ستيقاظهنّ من دقائق فقط‪ ..‬ف�سهقت ٍ‬ ‫وك�سل ّ‬
‫ملحة يف �لذهاب للم�سرت�ح!‪.‬‬
‫لدي حاجة ّ‬
‫‪ -‬لي�ص هذ� وقتًا لل�سفوف و�لنظام! ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫�سمعت �سحكة ظافر وقوله �مل�ساك�ص‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫�مللحة!‪.‬‬
‫‪ -‬ل�ست وحدك‪ ..‬جميعهنّ ي�سعرن بنف�ص �حلاجة ّ‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫و�أ�ساف وهو يزيل �لغطاء عني‪:‬‬
‫‪ -‬قفي يف �ل�سف قبل �أن ت�سبقك �سديقتك �ل�سغرية‪...‬‬
‫�نتبهت الإيفي �لتي نه�ست‪ ،‬فالتفت لها وناديتها‪ ..‬فنظرت يل بعني يغلب عليها‬
‫�لنعا�ص بينما �الأخرى �سبه مغلقة‪ ..‬فقلت بابت�سامة ودودة‪:‬‬
‫أيت جز ًء� منها باالأم�ص‪...‬‬
‫أنك ر� ِ‬
‫لك هد ّية �سغرية‪ ..‬و�أعتقد � ِ‬
‫‪ -‬لقد �سنعت ِ‬
‫و�أ�سفت معتذرة‪:‬‬
‫‪ -‬لكن تنق�سها خامة مل �أجدها بتلك �خلامات �لتي �أُعط َيت يل‪...‬‬
‫�أريد �أن �أرى �بت�سامتها ب�س ّدة‪ ،‬ف�سيء ما بد�خلي يريد ��ستعادة �أي بهجة بعد‬
‫�ال�ستيقاظ‪ً ،‬‬
‫تعوي�سا عن �سوء �ل�سم�ص و�سوت �لع�سافري �ملبهج‪..‬‬
‫نه�ست من فر��سي بينما �لتقطت �لدمية �لقطنية‪ ،‬ناولتها �إياها مبت�سمة‬
‫برت ّقب‪ ،‬لتاأخذها مني بتيه‪ ..‬فركت عينيها كاالأطفال و�أمعنت �لنظر يف هد ّيتها‪،‬‬
‫‪‬‬
‫لتت�سع �بت�سامتها �خلجولة‪ ..‬وقطع هذ� �ل�سمت �سوت حار�سها و�لذي قال بابت�سامة‬
‫ّ‬
‫د�فئة ولهجة طفول ّية ً‬
‫قليال‪:‬‬
‫‪ -‬مل تكن �لفتاة مذنبة باالأم�ص‪� ..‬ساحميها �إيفي �ساحميها!‪.‬‬
‫�تّ�سعت �بت�سامة �لفتاة ونظرت يل بعينيها �لربيئتني‪ ..‬و�سرعان ما قفزت فوق‬
‫ّ‬
‫لتتخطاه وتقف �أمامي‪ ،‬و�حت�سنتني بعفوية! �سحكت �أنا وربت على كتفيها‬ ‫�سريرها‬
‫وهم�ست‪:‬‬
‫‪ -‬ت�سبهك كث ًري� حني تبت�سمني!‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫منك ح ًّقا!‪.‬‬ ‫‪� -‬أ�سكرك �إليونور�‪ ..‬هذ� ٌ‬
‫لطف ِ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ّ‬
‫�ل�سف يف نف�ص‬ ‫وقطع �ل�سمت �سوت نحنحة �حلار�سني‪ ..‬و�إ�سارتهما على‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�لوقت‪ ..‬لرتتبك كل و�حدة م ّنا‪ ..‬فقلت‪:‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬ ‫‪ -‬ه ّيا لل�سف‪...‬‬


‫ب�سمت وحت ّركنا‪...‬‬
‫ٍ‬ ‫هزّت ر�أ�سها‬

‫‪T‬‬
‫بعد �نتهاء �مله ّمة �مل�ستحيلة بد�أت �أ�ستوعب �أن هناك مكا ًنا يجب �لذهاب �إليه‬
‫ب�سبب روؤية �لطابق �سبه هادئ‪� ،‬لتفت الإيفي قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬أين ذهبت باقي �لعر�ئ�ص؟‪.‬‬
‫تركت فر�ساة �سعرها وقالت بينما تر ّبت على �سفريتها على كتفها‪:‬‬
‫‪ -‬ذهنب لدر�ص �لرق�ص‪ ..‬نذهب �إليه كل يوم بعد �أن ن�ستيقظ يف نف�ص �مليعاد‪...‬‬
‫خرجت معها فاأم�سكت يدي لرتيني �لطريق‪ ،‬حار�سي على مييني وحار�سها على‬
‫�سمالها‪ ،‬نهبط �لدرج �لو��سع للطابق �الآخر‪ ..‬ف ّكرت يف �سيء و�ساألتها بينما نحن يف‬
‫طريقنا للدر�ص‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬من يوقظ �لعر�ئ�ص؟‪.‬‬
‫نظرت يل ور ّدت �سو ًؤ�ال ب�سو ٍؤ�ل لكن بحذر‪:‬‬
‫أنت؟‪.‬‬
‫أيقظك � ِ‬
‫‪ -‬من � ِ‬
‫مل �أفهم ما ترمي �إليه فاأجبت ب�سدق‪:‬‬
‫‪�� -‬ستيقظت وحدي‪ ..‬حني �كتفيت من �لنوم فتحت عيني‪.‬‬
‫�س ّمت �سفتيها ونظرت للخلف وللجانبني‪ ،‬تتاأكد من �أن ال �أحد ي�سمعنا‪ ..‬ثم‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫قالت بهم�ص‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫‪� -‬إن مل ت�ستيقظي يف �لوقت �ملنا�سب يوقظك �حلار�ص �ل�سخ�سي‪ ..‬كي ال‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫م�ستو�ك‪.‬‬ ‫تفوتني �لدر�ص وينخف�ص‬

‫والتوزي‬
‫ِ‬

‫ع‬
‫‪� -‬أي م�ستوى؟‪.‬‬
‫ت�ساءلت بغري فهم‪ ،‬فتغا�ست عن �لهم�ص يف �سوتها وقالت بلهجة عاد ّية‪:‬‬
‫‪ -‬لكل عرو�ص م�ستوى‪� ،‬إن كان عال ًيا يتم تر�سيحها لالأمري‪...‬‬
‫�أخربتني مبا يحدث عادة؛ فتدريب �لرق�ص وركوب �خليل‪ ،‬باالإ�سافة للحياكة‬
‫عرو�سا عالية �مل�ستوى‪ ،‬فتت�ساور‬
‫ً‬ ‫و�لتطريز و�لغناء لبع�ص �لفتيات يجعل منها‬
‫�مل�سرفة مع م�ساعد �الأمري يف �أمر عر�سها عليه‪� ،‬إن مل يكن ر�آها من قبل يف حفل‬
‫من �حلفالت �لتي غال ًبا ما تقام �سو�ء بد�خل �لق�سر �أو خارجه‪..‬‬
‫�سمتت بعد �أن �أخربتني بهذه �ملعلومات‪ ..‬و�سمت �أنا �أفكر يف ما قالت‪ ،‬ثم‬
‫عددت على �أ�سابعي �الأن�سطة �ليوم ّية للعرو�ص وقلت يف نف�سي ب�سيق‪:‬‬
‫‪� -‬لعرو�ص لديها وقتٌ �سئيل رغم عدم �أهمية ما تفعله لنف�سها‪ ..‬فاأين �ساأجد‬
‫وقتًا لقر�ءة ذلك �لكتاب‪ ،‬وغريه من �لكتب؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫باب كبري و�تّ�سعت عيناي ده�سة من ما ر�أيت‪ ،‬فالغرفة كبرية �حلجم‪،‬‬ ‫دلفنا من ٍ‬
‫جدر�نها مر�يا فقط‪ ،‬كتلك �لغرفة �لتي خلعت فيها مالب�سي الأعر�سها على �ملا�سطة‬
‫ثو�ن و�سردت‬
‫و�أحاطني �إح�سا�ص بالذنب لفعلي هذ� باملا�سي �لقريب‪ ..‬وما هي �إال ٍ‬
‫يف �نعكا�ص �لعديد من �لعر�ئ�ص �لو�قفات حول �ملر�يا‪� ،‬أو �جلال�سات � ً‬
‫أر�سا ينتظرن‬
‫�إ�سارة للوقوف‪ ...‬على �أق�سى �ليمني وجدت �لعديد من �الآالت �ملو�سيقية‪ ..‬خمتلفة‬
‫�الأ�سل‪ ،‬تع ّرفت على معظمها بف�سل ما تب ّقى من ذ�كرتي‪� ..‬سمعت �سوتًا رقي ًقا لكن‬
‫رجو ّ‬
‫يل يقول‪:‬‬
‫‪ -‬و�حد‪� ..‬ثنان‪ ..‬و�حد �ثنان ثالثة �أربعة‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫رفعت ر�أ�سي ل�ساحب �ل�سوت‪ ،‬الأجد �أنه مد ّرب �لرق�ص‪ ،‬يقف بر�ساقة مريبة‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ر�ف ًعا كلتا يديه يف �لهو�ء بطريقة غريبة‪ ،‬كما يرفع �إحدى �ساقيه ً‬

‫ن‬
‫قليال عن �الأر�ص‪،‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫وبكلماته �لتي يعيدها‪ ،‬يلم�ص �الأر�ص بقدمه �ملرفوعة ثم يعود لريفعها من جديد‪،‬‬
‫لي�سكل �إحدى �حلركات �ال�ستعر��سية متز�منة مع حركة يديه‪ ..‬وما هي �إال ثانيتان‬
‫و�سمعت �سوت هم�سات‪ ..‬وكانت للفتيات ي�سرن �إلينا باالقرت�ب‪ ..‬فتحركت بجانب‬
‫�إيفي وجل�سنا � ً‬
‫أر�سا بجانب �إحدى �لفتيات‪� ..‬لتي قالت بهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬مز�جه مع ّكر �ليوم فكونا حذرتني‪.‬‬
‫بتوج�ص و�أ�سحت �أنا وجهي بغري �هتمام‪� ،‬أطالع هيئتي باملر�آة‪،‬‬
‫هزّت �إيفي ر�أ�سها ّ‬
‫و�أ�ساهد ذلك �ملد ّرب �لذي يقف و�سط د�ئرة من �لفتيات �لالتي يقلدن حركاته‪،‬‬
‫مبزيج من �ملهارة و�لرت ُّقب‪ ..‬وما هي �إال حلظات حتى �قرتب ظافر وجل�ص بجانبي‪،‬‬
‫فهم�ست بعقلي بده�سة ُعظمى و�أنا ما زلت �أطالع �ملر�آة‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر �نظر! �أنت بال �نعكا�ص باملر�آة!‪.‬‬
‫مل يع ّلق ظافر على ما قلته‪ ،‬و�كتفى باأن �أد�ر وجهي بك ّفيه حتى �أنظر للمدرب‪،‬‬
‫ففكرت ب�سجر‪:‬‬
‫‪ -‬كنت �أنظر للدر�ص عرب �ملر�آة!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫جتاهل ظافر ما قلته وقال من ّب ًها‪:‬‬
‫‪ -‬لن يكون من �جليد �أن يرى عدم مالحظتك له‪.‬‬
‫زفرت ب�سيق‪ ..‬و�أنا �ألتفت‪ ..‬وفجاأة �سدح �سوت �ملد ّرب �لغا�سب حول كل‬
‫�الأركان‪:‬‬
‫‪ -‬من تلك �لتي زفرت؟ من �لتي ترى �أنها ممتازة وال حتتاج لتدريب؟!‪.‬‬
‫يل‪ ،‬فتوع ّدتهن �أنا بنظر�تي حتى �لتفت يل �ملد ّرب‪..‬‬‫�أ�سارت �أ�سابع كثرية �إ ّ‬
‫�لف�سي هادئ �للمعان‪-‬‬ ‫الحظت ما يرتدي‪ ،‬كانت قطعة من �ملالب�ص و�حدة ‪-‬باللون‬

‫ع‬
‫ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫ب�سكل ملحوظ‪ ،‬فبد� غري ًبا مبظهره غري �لرجويل بامل ّرة‪..‬‬
‫جت�سم جذعه و�ساقيه ٍ‬ ‫ّ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫رفعت عيني لعينيه �لغا�سبتني وقلت كاذبة‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬كنت �أنفخ خ�سلة من �سعري عن عيني ال �أكرث!‪.‬‬

‫ع‬
‫نظر على �سعري �ملعقود خلف ر�أ�سي بطريقة ال تدع �أ ًيا من خ�سالته تف ّر و�بت�سم‬
‫بطريقة م�ستفزّة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫أنك تقولني �حلقيقة عزيزتي‪...‬‬
‫‪ -‬ال �أظن � ِ‬
‫وقبل �أن �أب ّرر �لكذبة باأخرى‪� ،‬أ�سار يل بالوقوف‪ ،‬فوقفت وال �أدري ماذ� �سيح ّل‬
‫بي‪� ..‬ساألني‪:‬‬
‫أنت؟‪.‬‬
‫‪ -‬من �أين � ِ‬
‫�أدرت عيني حول �لغرفة وحاولت �لتذ ّكر‪ ،‬فقال ظافر من ّب ًها‪:‬‬
‫‪ -‬لي�ص من �ملفرت�ص �أن تتذكري �أي �سيء‪ ..‬هو يعبث بعقلك ال �أكرث‪...‬‬
‫ب�سوت م�سموع‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫فهمت مق�سد ظافر وقلت برب�ءة‬
‫‪ -‬ال �أعرف!‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه وقال وكاأنه ي�سحح كلماته �ل�سابقة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أنك م�ستجدة‪.‬‬
‫‪� -‬أرى � ِ‬
‫هززت ر�أ�سي بهدوء وقلت بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬وكم �أكره �أن �أكون هكذ�! كوين ال �أعرف ما �سيحدث ُين ِتج طني ًنا بعقلي!‪.‬‬
‫ؤذيك‪.‬‬
‫‪ -‬فقط متالكي �أع�سابك‪ ..‬لن يجروؤ على �أن يو ِ‬
‫قالها ظافر فابت�سمت �أنا بود�عة‪ ..‬الأمت�ص غ�سب ذلك �ل�سخ�ص غريب‬
‫�لهيئة‪ ..‬وفجاأة قال من �لعدم‪:‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬رق�سي‪� ..‬أريني ما لديك‪...‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫ذر�عي‬
‫ّ‬ ‫الحظت �أنه يتف ّقد ج�سدي بطريقة مك�سوفة للغاية‪ ..‬فرغ ًما عني رفعت‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫الأخبئ بهما مفاتن ج�سدي �لعلوي �لظاهرة ت�ساري�سها يف رد�ئي غري �لف�سفا�ص‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫وباإ�سارة منه بد�أت عازفتان باأخذ �آلتني و�لعزف عليهما‪ ،‬حل ًنا متناغ ًما مبو�سيقى‬
‫ب�سوت مرتفع يف �سكتة �للحن‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�سريعة‪ ..‬مل تتحرك �سعرة من ج�سدي‪ ،‬ف�ساح‬
‫‪ -‬بد�أت �ملو�سيقى! فماذ� تنتظرين!‪.‬‬
‫مل ت�سعفني ذ�كرتي لتذ ّكر �أي نوع من �أنو�ع �لرق�ص على تلك �ملو�سيقى‪ ،‬فربغم‬
‫معرفتي لالآالت �إال �أن �الأ�سو�ت �ملنبعثة منها ال ت�سجعني على �إبد�ء �أي حركة‪..‬‬
‫وللحظة تذ ّكرت حركات �ملد ّرب بينما يع ّد حركاته‪:‬‬
‫‪ -‬و�حد‪� ..‬ثنان‪ ..‬و�حد �ثنان‪...‬‬
‫ق ّلدت حركاته و�أنا �أعد حركاتي بعقلي‪ ،‬وجتاهلته الأنظر يف �ملر�آة الأر�قب‬
‫�نعاك�سي‪ ،‬لعلي �أ�سحح ما �أفعل‪ ..‬لكن ما نتج عن حركتي‪� :‬أقل ما يقال عنه �أنه‬
‫بالهة‪� ..‬أو �سلل!‬
‫�سحكت �لفتيات على مظهري و�أنا �أحاول جاهدة رفع قدمي و�لطرق بها على‬
‫�الأر�ص �لناعمة مع حتريك يدي ور�أ�سي مع �للحن‪ ..‬كنت كارثية‪ ..‬لهم كل �حلق‬
‫بال�سخرية!‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬كفى كفى!‪.‬‬
‫قالها �ملد ّرب بح ّدة وغ�سب ممتزجني بعد �أن �سئم �سري ًعا من �لنظر �إىل ج�سدي‬
‫غري �ملتناغم مع �ملو�سيقى‪ ،‬لي�سكت بها �لعازفتني �للتني �أ�ساحتا بب�سرهما بعيدً � كي‬
‫ال تنتقل عدوى �ل�سحك �إليهما‪..‬‬
‫‪ -‬كارثة؛ قطعة من �لكو�رث �ملتكتلة يف عرو�ص و�حدة ب�سكل ال ُيعقل!‪.‬‬
‫قالها تعلي ًقا على �أد�ئي‪ ..‬ور�أيت مبا قال بع�ص �ملجاملة‪ ،‬ورغم �سحك �لفتيات‬
‫من حويل مل �أبت�سم حتى‪ ،‬بل ز�دت �نقبا�سات قلبي وت�س ّلب ع�سالتي‪ ..‬حتى قال‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬تركي �ملو�سيقى و�تّبعي حركة خ�سري‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وبانتهائه من �آخر كلمة �أ�سار �إىل خ�سره �لذي بد�أ يف �الهتز�ز‪ ،‬ليذهب وياأتي‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫لليمني و�لي�سار بحركات �سغرية‪� ،‬سريعة ومرتع�سة ففغرت �أنا فاهي بغري ��ستيعاب‬

‫ع‬
‫ومل �أحاول حتى جتربة ما قال‪ ..‬ليزيد �سوت �لقهقهة على مظهري! �سمعت �سوت‬
‫ظافر يتن ّهد ويقول بخفوت‪:‬‬
‫‪ -‬هل يظنّ �أنه رجل؟ هذ� �ملتحول �لـ‪...‬‬
‫�سممت �أذين عن تلك �ل�س ّبة �لتي �أطلقها ظافر على �ملدرب لت�سدح �سحكات‬
‫�حلر�ص �لرجولية مع بع�ص �لتنحنح ‪-‬لف�ساحة ظافر‪ -‬بعد �أن كانو� �سامتني �إال من‬
‫�لهمز و�للمز‪ ..‬كان ينق�سني �سوتهم يف �أذين � ً‬
‫أي�سا!‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪ ..‬قفي يف تلك �لز�وية على �أطر�ف �أ�سابعك و�رفعي ذر�عيك‬
‫لالأعلى‪ ..‬هذ� �لتمرين �سي�ساعدك على تذ ّكر نوع �لرق�ص �لذي جتيدين‪...‬‬
‫وختم عبارته بـ‪:‬‬
‫‪ -‬ال توجد فتاة ال جتيد �لرق�ص!‪.‬‬
‫‪ -‬وال يوجد رجل يجيد �لرق�ص!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫قالها �أحد �حلر�ص مق ّلدً � �أ�سلوب ظافر �ل�ساخر لي�سحك �لباقني بجنون‪ ،‬و�أنا‬
‫�أقف حائرة‪ ..‬هل يريد تذنيبي؟ ح ًّقا؟‬
‫كتمت تنهيدتي كي ال ي�سمعها هذ� �الأحمق‪ ،‬و�جتهت للركن �لذي �أ�سار �إليه‪،‬‬
‫لتبتعد �لفتيات مف�سحات يل �لطريق وكاأنني ملكة مت ّوجة‪ ،‬لكنني فقط فتاة على‬
‫و�سك �لفتك بعظامها �لرقيقة من �أجل تذنيب‪ ..‬هه‪ ..‬مدرب �أحمق!‬
‫‪ -‬كم �سيطول �لتمرين؟‪.‬‬
‫قدمي بر�ساقة مل ّوحة‬
‫ّ‬ ‫هكذ� ت�ساءلت بعقلي بينما رفعت نف�سي على �أ�سابع‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫بذر�عي �أعلى ر�أ�سي حتى ��ستق ّرتا و�سكنتا بجو�ر بع�سهما �لبع�ص‪ ،‬فاأخرج ظافر‬
‫ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�ساعته �لرملية‪ ،‬نظر بها ومل يرين ما بها‪ ،‬وقال ب�سوته �لعميق بهدوء‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬لن تريدين معرفة �ل�سدق‪ ،‬لن يعجبك يف هذ� �ملوقف‪...‬‬

‫والتوز عي‬
‫بخفوت وحذر‪ ،‬لن �أ�ستطيع كبت رغبتي بالتنفي�ص عن غ�سبي‪ ..‬فتململت‬
‫ٍ‬ ‫زفرت‬
‫يف وقفتي بطريقة خفية وقلت ب�ساأم‪:‬‬
‫‪ -‬وهل �ساأظل و�قفة بهذه �لو�سعية كل وقت �لتدريب؟‪.‬‬
‫بغ�سب مكتوم‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ه ّز ظافر كتفيه بال مباالة‪ ،‬فنظرت له �سز ًر� قائلة بد�خلي‬
‫‪� -‬فعل �سي ًئا!‪.‬‬
‫ه ّز ظافر ر�أ�سه نف ًيا‪ ،‬الأقول �أنا بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ�! ال تعرف كيف ت�سحر قدمي؟ �أو ت�سكني تلك �الآالم �لتي �ستنتج عن‬
‫وقفتي هذه؟‪.‬‬
‫�سحك ظافر وجل�ص مرتب ًعا ليغيظني‪ ،‬رفع ر�أ�سه �إ ّ‬
‫يل وقال مبكر‪:‬‬
‫‪ -‬بلى‪ ..‬لكنني �أريد نف�ص �لنتيجة �لتي ي�سعى �إليها �ملدرب‪...‬‬
‫عاد بنظره لالأمام ير�قب �لفتيات حول �ملدرب‪ ،‬و�أ�ساف بخفوت‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تفاجئينني ك ّل مرة مبهارة جديدة‪ ..‬وهذه �ملرة �ساأتفاجاأ � ً‬
‫أي�سا‪ ..‬لدي‬
‫�إح�سا�ص قوي بهذ�‪...‬‬
‫‪ -‬و�أنا لدي �إح�سا�ص قوي ورغبة يف �سفع هذ� �لكائن ‪-‬لزج �جل�سد‪ -‬على‬
‫�لزي!‪.‬‬
‫وجهه �مللطخ مبالمح �لرجولة! كم يبدو �أحمق يف هذ� ِ‬
‫�سحك ظافر ومل يع ّلق‪ ..‬ف�سمت �أنا �أحاول �لرتكيز‪ ..‬و�ساعدين ظافر قبل �أن‬
‫متاما‪:‬‬
‫ي�سمت ً‬
‫‪ -‬ر ّكزي على �ملو�سيقى‪ ..‬وحدها �سرت�سدك‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫حلا�سة �ل�سمع‪ ..‬دقائق م ّرت بال‬
‫ّ‬ ‫هززت ر�أ�سي و�أغم�ست عيني الأ�ست�سلم‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫جدوى‪� ..‬أ�ستمع ملختلف �أنو�ع �ملو�سيقى لرتق�ص عليها فتيات خمتلفات ‪-‬لتثبت‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫حقيقة �أن �لعر�ئ�ص �آتيات من بقاع خمتلفة من بلد�ن �حلياة‪ -‬لكن مل �أجد �سالتي‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫قدمي الأريحهما ً‬
‫قليال �نتبهت‬ ‫بعد‪ ..‬فتحت عيني ب�ساأم‪ ،‬وقبل �أن �أحاول �لهبوط على ّ‬
‫ل�سمت �جلميع مع مناد�ة �ملدرب على فتاة ما‪:‬‬
‫بقليل من �الإبد�ع‪...‬‬
‫‪� -‬إز�لني‪� ..‬أمتعينا ٍ‬
‫�أدرت عيني ب�ساأم من روؤية تلك �لنظر�ت �حلاقدة على �أعني �لفتيات‪َ ..‬مل‬
‫ينظرن �إليها هكذ�؟ و َمل هي هكذ� من �الأ�سا�ص! �أ�سعر باأنها قريبة من �لكمال‪..‬‬
‫بطريقة ال تو�سف!‬
‫قبل �أن �أنغم�ص يف �أفكاري‪ ،‬الحظت �أنها تقرتب من �لز�وية �لتي متكث بها‬
‫�لعازفتان‪ ،‬هم�ست لو�حدة منهما ب�سيء ما وعادت ملنت�سف �لد�ئرة �لتي ز�د‬
‫�تّ�ساعها‪ ،‬لرت�جع �جلميع مل�ساهدتها ب�سورة �أو�سح‪� ..‬أم�سكت �لعازفتان باآلتني‬
‫�سكلهما ماألوف بالن�سبة يل‪ ..‬و�حدة ذ�ت �أوتا ٍر هادئة �ل�سوت و�الأخرى يتم �لنفخ‬
‫يف عودها �لرفيع مع �س ّد بع�ص �لفتحات �مل�ستديرة بها‪� ..‬أ�سبلت �أهد�بي �أكرث من‬
‫م ّرة بتح ّفز ود ّقات قلب �سريعة‪� ،‬أحاول تخمني �للحن �لذي �سينطلق بعد ٍ‬
‫ثو�ن فقط‪،‬‬
‫بل �أحاول �لتاأكد منه‪� ..‬أ�سعر باأنني �أعرف ما �سيحدث �الآن‪ ..‬لكن كيف �أ�سعر بهذ�؟!‬
‫‪‬‬
‫عيني بده�سة الإز�لني �لتي‬
‫وفجاأة �نطلقت مو�سيقى هادئة‪ ،‬حاملة! جعلتني �أرفع ّ‬
‫بد�أت بحركات �لرق�ص �خلفيفة‪ ..‬ت�ستند على �أ�سابع قدمها �ليمنى بينما ترتاح‬
‫قدمها �لي�سرى على �الأر�ص‪ ،‬مل تكن ترتدي حذ�ء‪ ..‬هذ� ما ظهر حني رفعت ف�ستانها‬
‫بيديها‪ ،‬كما ظهرت قطعة من �لزينة على قدميها‪ ..‬خلخال‪ ..‬لونه ذهبي‪ ،‬يتدىل‬
‫منه قطع �أخرى بطريقة ع�سو�ئية‪ ،‬فتهت ّز مع حركة قدميها وردفيها‪ ،‬لت�سدر رني ًنا‬
‫خافتًا يليق ب�سوت �ملو�سيقى‪ ..‬ويليق بها‪ ..‬ح ّركت ر�أ�سها بتناغم لت�ستقر عيناها‬
‫على يدها �ليمنى‪ ،‬يد�ها تتحركان بتمايل كتمايل �الأفعى‪ ،‬و�سرت �أنا منده�سة من‬
‫حركاتها؛ قلبي يهوي باإيقاع منتظم وهادئ �الآن‪ ..‬وكاأنه �سكن لري�قب تلك �حل�سناء‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫كما �أر�قبها �أنا!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�جلميع منده�ص من متايلها مع �ملو�سيقى بطريقة مثالية؛ فلم تقت�سر حركاتها‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫على حتريك يديها وقدميها ور�أ�سها فقط‪ ..‬بل كل جزء يف ج�سدها �آخذ دو ًر�‬

‫والتوز عي‬
‫ذر�عي من مو�سعهما‬
‫ّ‬ ‫ممتا ًز� على �أنغام �الآلتني‪ ..‬وقبل �أن تنتهي �ملو�سيقى �أنزلت‬
‫وبت �أقلد حركاتها‪ ..‬مغم�سة �لعينني‪ ..‬وحني فتحتهما فجاأة وجدت ظاف ًر� يقف‬
‫�أمامي‪ ..‬ر�أيت عينيه منده�ستني من ما �أقوم به‪� ..‬أعتقد �أنها كانت تلك �لنظرة‬
‫�لتي كان يطالع بها �إز�لني باالأم�ص �أمام �ملر�آة‪ ،‬و�لتي بالطبع كان ير�قبها بها منذ‬
‫ثو�ن فقط‪...‬‬
‫ٍ‬
‫يل فو�سعت يدي �ليمنى يف يده و�لي�سرى ما ز�لت تقوم بحركات‬ ‫مد يده �إ ّ‬
‫مائعة‪ ..‬وقبل �أن �أدرك ما يجري �سرت خلفه‪ ،‬الأر�ه يعرب من بني ج�سد �لفتيات‬
‫كالدخان‪ ،‬ليرتكني و�سط �لد�ئرة بالقرب من �إز�لني‪� ..‬نتبه �ملوجودون‬ ‫ّ‬ ‫و�حلار�ص‬
‫يل‪ ..‬فاأغم�ست عيني ور ّكزت على ��ستكمال حركاتي‪ ،‬بينما �أت�سور �سكلي يف تلك‬
‫ثو�ن م ّرت على هذ� �حلال‪..‬‬ ‫�لرق�سة �لثنائية ذ�ت �حلركات �ملتناغمة �ملت�سابهة‪ٍ ..‬‬
‫ال �أرى �أي �سيء غري ما �أ�س ّوره لنف�سي‪ ..‬حتى �نتهت �ملو�سيقى‪ ..‬الأجد ت�سفي ًقا حا ًر�‬
‫بعيني �إز�لني �ملنده�سة من فعلتي‪..‬‬
‫من م�سادر كثرية‪ ..‬فتحت عيني لتتالقى عيني ّ‬
‫تكرب‪ ..‬لكنها حتتوي‬‫تطالعني بعينيها �لزرقاوين بنظرة �أخطاأت يف فهمها‪ ..‬ظننتها ّ‬
‫‪‬‬
‫على معنى �آخر مل �أعرفه وقتها‪� ..‬أدرت عيني بني �جلموع الأرى ت�سفي ًقا من بع�ص‬
‫�لعر�ئ�ص من بينهن �إيفي �ملبت�سمة بده�سة‪ً � ،‬‬
‫أي�سا �حل ّر��ص‪� ،‬ملدرب‪ ..‬وظافر!‬
‫‪ -‬ال �أ�س ّدق! ال �أ�ستطيع �إيقاف تلك �لق�سعريرة �لتي �نتابتني!‪.‬‬
‫قالها �ملدرب بلهجة متاأثرة‪ ،‬الأالحظ ملعة عينيه بدمعة يتيمة ف ّرت على وجنتيه‬
‫�سفتي بغري فهم‪ ،‬الأجد �أنه �قرتب من‬
‫بخيانة‪ ،‬فر�سمت �بت�سامة �ساحبة على طرف ّ‬
‫كلينا‪� ،‬أخذ يدي يف يده وو�سعها يف يد �إز�لني ثم �بتعد ناظ ًر� �إلينا‪ ،‬كنت �أقف �أنا‬
‫بهدوء �ألتقط �أنفا�سي‪ ،‬بينما �أ�سمع �سوت �أنفا�ص �إز�لني �لرقيقة �لتي �أل�سقت ن�سف‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ظهرها بظهري بعد �أن ق ّربنا �ملدرب‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪ -‬لوحة فن ّية! �إز�لني و‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�أ�سار �إ ّ‬
‫يل وت�ساءل باإعجاب متحم�ص‪:‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫‪ -‬ما ��سمك؟‪.‬‬
‫فقلت بهدوءٍ و�ثق‪:‬‬
‫‪� -‬إليونور�‪.‬‬
‫رفع ك ّفيه م�سمومني �أمام وجهه بامتنان‪ً ،‬‬
‫قائال بنف�ص �لتاأ ّثر �ل�سابق‪:‬‬
‫‪� -‬إز�لني و�إليونور�‪ ..‬لوحة من �جلمال‪� ..‬آية عظيمة وهبة من �لقدر!‪.‬‬
‫بخ�سوع �سادق‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫رفع ك ّفيه �أكرث ونظر ل�سقف �لغرفة ً‬
‫قائال‬
‫‪� -‬سك ًر� للقدر‪� ..‬أ�سكرك على ما منحته لنا!‪.‬‬
‫�أنزل يديه وو�سعهما يف و�سطه‪ ،‬بد� �الرتياح عليه حني قال‪:‬‬
‫كاف حلفل عيد مولد‬
‫‪� -‬أ�ستطيع �لنوم بر�حة �الآن‪ ..‬فما �أر�ه �أمامي �أكرث من ٍ‬
‫�الأمري!‪.‬‬
‫‪ -‬عيد مولد �الأمري؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫قلتها �أنا و�إز�لني يف نف�ص �لوقت مع �سهقات �لفتيات غري �مل�سدقة‪ ..‬ليقول‬
‫�ملدرب بثقة �كت�سبها م ّنا‪:‬‬
‫أنت وهي يف هذ� �حلفل بال �سك!‪.‬‬
‫‪ -‬نعم! و�سرتق�سني � ِ‬
‫زفر بارتياح وم�سح على �سعره �لناعم ثم قال بغبطة‪:‬‬
‫‪� -‬جلميع �ن�سر�ف‪ ..‬عد� هاتني �جلميلتني!‪.‬‬
‫قامت �إيفي من مكانها و�أ�سارت �إ ّ‬
‫يل باأنها �ستذهب‪ ،‬فهززت ر�أ�سي‪ ..‬و�لتفت‬
‫الإز�لني الأجدها قد ح�سلت على �أنفا�ص منتظمة هادئة‪� ،‬بتعدت عني حني تالقت‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫عيوننا‪ ..‬و�أ�ساحت بوجهها للجهة �الأخرى حني �قرتب ظافر مني‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫نظرت لظافر بت�ساوؤل �أحمق‪ ،‬الأجده يرفع يده يف ت�ساوؤل هو �الآخر‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫كنت حت ّلقني!‪.‬‬
‫‪ -‬هل ر�أيت نف�سك؟ ِ‬

‫والتوز عي‬
‫�بت�سمت بغر�بة وت�ساءلت ب�سك‪:‬‬
‫‪ -‬ح ًّقا؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه وقال ب�سدق وبنربة د�فئة طماأنتني‪:‬‬
‫كنت �أكرث من ر�ئعة!‪.‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫كادت وجنتاي �أن تتل ّونا باللون �الأحمر‪ ،‬تفاجاأت باأن نظر�ته مع ّلقة على �إز�لني‬
‫�لتي �ن�سرفت تقف �أمام �ملر�آة‪ ،‬تعدل من و�سع �سعرها‪ ..‬فاأدركت �أنه كان يتح ّدث‬
‫عنها هي‪ ..‬ال �أنا!‬
‫وقف �ملدرب بفخر �أمامي �أنا و�إز�لني‪ ،‬وحار�سانا يقفان بالقرب من ذلك �لتج ّمع‬
‫�ل�سغري �لذي �سنعناه‪ ..‬حار�سها هادئ �ملالمح‪� ،‬أدركت خبثه من تلك �لنظرة �لتي‬
‫ينظر بها �إليها لتقابله هي بال مباالة‪ ،‬وكان هو حار�ص من �لذين �أ�سمعهم يتحدثون‬
‫ببذ�ءة مع بع�سهم �لبع�ص �أثناء مت�سية �لوقت بعيدً � عنها؛ هي �لتي من �ملفرت�ص‬
‫�أن تكون يف حمايته‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬قرتب �حلفل وكنت �أخ�سى من ندرة �ملو�هب يف جمموعتكنّ ‪ ..‬لكن‪ ..‬ها‬
‫هي موهبة فريدة! تبدو�ن كالتو�أمني‪ ..‬ن�سختني متطابقتي �حلركات دون‬
‫�أي تدريب حتى! �أعجزمتا ل�ساين عن �لتعبري ح ًّقا!‪.‬‬
‫تتغري مالمح �إز�لني‪ ..‬ومل ِيزل ظافر عينيه عنها قط‪..‬‬
‫�بت�سمت‪ ..‬ومل ّ‬
‫حت ّدث �ملدرب عن �سرورة �لتقرب من بع�سنا �لبع�ص وم�ساركة �لوقت كي‬
‫تزيد �لثقة بيننا‪ ..‬وقال �أننا موهوبتان بالفطرة ولكن نحتاج لبع�ص مترينات‬
‫للحفاظ على �للياقة وزيادتها‪ ..‬و�سرفنا‪ ..‬على موعد للغد لبدء تلك �لتمرينات‪..‬‬
‫فان�سرفت بجانب ظافر �لذي بالكاد رفع عينيه عنها‪� ..‬حرتت الأمره ومل يع ّلق هو‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫على �أفكاري‪ ..‬حتى �سمعت �إز�لني تقول بريبة‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫أنت ذ�هبة؟‪.‬‬
‫‪� -‬أين � ِ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫فتو ّقفت‪ ،‬قلت �أنا بغر�بة‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬لطابق �لعر�ئ�ص‪� ..‬أ‪�-‬ألي�ص هذ� هو �الجتاه؟‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها بالنفي وقالت بتاأفف‪:‬‬
‫لك‪ ..‬نحن نذهب لال�ستحمام بعد مترين �لرق�ص وقبل‬
‫‪ -‬هذ� �أول يوم كامل ِ‬
‫�الإفطار‪...‬‬
‫و�أ�سارت يل على �جلهة �لتي �سن�سري منها‪ ،‬فاأوماأت وقلت ببالهة‪:‬‬
‫‪� -‬آه‪ ..‬ح�س ًنا‪...‬‬
‫�سرنا بالقرب من بع�سنا �لبع�ص بهدوء‪ ..‬ال تنطق �أي م ّنا باأي �سيء يف �لظاهر‪،‬‬
‫لكن �أنا كنت يف هذه �للحظة �أحت ّدث لظافر بعقلي‪� ،‬ألفت نظره ل�سروده �ملتك ّرر يف‬
‫ح�سور تلك �ل�سقر�ء‪:‬‬
‫‪ِ -‬مل مل تنبهني بعدم �لذهاب للدرج �ملوؤدي لطابق �لعر�ئ�ص؟ يف ماذ� كنت‬
‫تفكر؟ �أكنت �سارد �لذهن؟‪.‬‬

‫‪‬‬
‫يجبني‪ ..‬بالطبع‪ ..‬فهذه هي فر�سته �لذهبية للبقاء بالقرب‬ ‫ه ّز ر�أ�سه نف ًيا ومل ِ‬
‫منها! بد�أ �الأمر ي�ستفزّين ح ًّقا‪ ..‬ال �أحب فكرة �لغمو�ص �ملتبادل يف �سخ�س ّيته‬
‫ربر‪ -‬وهما ال يعرفان بع�سهما ً‬
‫بع�سا‪� ..‬أم يعرفان بع�سهما‬ ‫و�سخ�س ّيتها ‪-‬دون �أي م ّ‬
‫بع�سا ً‬
‫قبال؟!‬ ‫ً‬
‫تو ّقفت �إز�لني حني تب ّدلت �جلدر�ن بال�سخور على �جلانبني‪ ،‬وهم�ست ب�سيء مل‬
‫�أ�سمعه‪ ،‬الأجد �أنها تتح ّرك بعيدً � وحار�سها قفز يف �ملاء بر�ساقة‪ ..‬الأكت�سف �أنها نف�ص‬
‫بتوج�ص‪..‬‬
‫دق قلبي ّ‬‫بركة �ملاء �لعميقة �لتي �سقطت بها حني كنت خادمة دميمة‪ّ ..‬‬
‫لتتبني �أمامي �سورة �سككت يف وجودها‪..‬‬ ‫ورفعت عيني بينما حتركت لالأمام ً‬
‫قليال ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫يتح�س�سن ج�سدهن لتنظيفه بتم ّعن‪ ،‬منهن من تتجاهل‬ ‫�لعر�ئ�ص جميعهن عاريات‪ّ ..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�أ�سو�ت �حلر�ص من حولها ومنهن من تفاعلت مع تعليقاتهم �لقذرة‪ ..‬هززت ر�أ�سي‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫للجانبني الأنف�ص ما ر�أيت‪ ،‬وف ّكرت ب�سيق‪:‬‬

‫و‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫التوز عي‬
‫‪ -‬لن �أقف بني هوؤالء! لن يحدث!‪.‬‬
‫بتوج�ص‪ ،‬ال �أريد الأحدهم �أن يلحق بي لري�ين �أخلع مالب�سي‪ ..‬فاأين‬
‫حتركت ّ‬
‫�أذهب؟‬
‫�لربكة و��سعة‪ ،‬فاأخذت طري ًقا بعيدً � الأ�سل الآخرها؛ حيث يوجد كهف �سغري‬
‫مظلم‪ ،‬ف ّكرت يف خلع مالب�سي هناك ثم �لنزول للماء �لنائي مبنتهى �لهدوء الأنظف‬
‫ج�سدي باأ�سرع ما لدي من �سرعة‪ ،‬وحني �قرتبت من �لكهف ��سطدمت باإز�لني‬
‫وعيني ظافر‪..‬‬
‫ّ‬ ‫عيني‪..‬‬
‫�لتي مبج ّرد �أن ر�أتني رفعت ذر�عيها تخفي ج�سدها عنّ ّ‬
‫فانتف�ست �أنا مبتعدة عنها متاأ�سفة‪ ..‬بينما �حت ّل تفكريي �سيء و�حد فقط‪ ..‬هل‬
‫ظهر يل للت ّو �أنها ر�أت ظاف ًر� �لو�قف بجانبي؟‬
‫‪ -‬هل لك �أن متنع �أي �أحد من �لقدوم لهنا؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه و�أد�ر ظهره يل‪ ،‬لي�س ّد هذ� �لكهف �لذي دخلت �إليه‪� ..‬أو لري�قب‬
‫�ل�سقر�ء �لتي ال ت�سع على ج�سدها �إال ذلك �خللخال �لذهبي‪� ..‬أطلقت �سحكة‬
‫�سفتي بينما �أخلع مالب�سي عني‪ ...‬وقلت بت�س ّلي‪:‬‬
‫�ساخرة من بني ّ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تعجبه �لفتاة ذ�ت �خللخال‪ ..‬هاه! �لطيور على �أ�سكالها تقع‪...‬‬
‫بعقل تائه‪:‬‬
‫و�أ�سفت ٍ‬
‫‪ -‬رغم �أين ال �أعلم �أي �سكل هو‪ ..‬وال �أتاأكد يقي ًنا �أي �سكل هي!‪.‬‬
‫�نتهيت من خلع مالب�سي ولففت �لف�ستان �إىل ج�سدي حتى �أعرب للماء‪ ،‬عربت‬
‫أر�سا وببطء وحذر مددت قدمي �لي�سرى للماء الأتف ّقد‬‫بجانب ظافر وتركت �لف�ستان � ً‬
‫حر�رته‪ ..‬فباملرة �الأوىل كان د�ف ًئا‪� ..‬أردت �لتاأكد فقط من �أنه كذلك �الآن‪ ..‬لكنني‬
‫تعرثت يف ف�ستاين و�سقطت‬ ‫حظي ّ‬‫�الآن �سدمت بربودته! فارتع�ص ج�سدي‪ ،‬ول�سوء ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫باملاء �لبارد‪ ،‬و�لذي �سعرت باأنني �أجتمد من برودته �ملفاجئة! و�الأدهى من ذلك‪،‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫م�سموعا �لتفت له �جلميع‪ ،‬لريوين �أنا و�إز�لني‪ ..‬عاريتني يف‬
‫ً‬ ‫�أنني قد �أ�سدرت �سوتًا‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ز�وية نائية‪ ..‬وقد كانت هذه فر�سة ذهبية للعديد من �حلر��ص �لذين ف�سحتهم‬

‫والتوزي‬
‫نظر�ت عيونهم �خلبيثة!‬

‫ع‬
‫م�سحت �إز�لني على وجهها بخيبة �أمل‪ ..‬بالطبع كانت تاأمل �أن تبقى وحدها دون‬
‫�أن يك�سف خمباأها �ملرئي �أي �أحد‪ ...‬كما كنت �أمتنى �أنا‪..‬‬
‫وقبل �أن يقرتب �أي من �حلر�ص �سعرت بظافر خلفي ‪-‬باملاء‪ -‬يجذبني من‬
‫أي�سا وخباأنا خلف ظهره‪ ..‬ثم ترك يدينا لت�سبح‬ ‫ذر�عي‪ ،‬ور�أيته يجذب ذر�ع �إز�لني � ً‬
‫يد�ه ح ّرتني‪ ،‬ر�سم �سي ًئا على �ملاء‪ ،‬ثم �أخذه بني يديه وقذفه بالهو�ء �أمامه‪ ،‬ليتك ّون‬
‫جم�سد�ن جل�سدينا‬ ‫ج�سد�ن عاريان بال�سبط كج�سدي �أنا و�إز�لني‪ ..‬ال‪ ..‬بل هما ّ‬
‫نحن! حترك �جل�سد�ن للجهة �الأخرى من �ملاء‪� ،‬سعدت ن�سخة �إز�لني من �ملاء‬
‫وم ّدت يدها لن�سخة ج�سدي‪ ،‬فالتقطتها وخرجتا من �ملاء‪ ،‬لتتبعهما كل �لعيون‪..‬‬
‫وكاأنهما نحن! ويف نف�ص �للحظة رفع ظافر ذر�عيه لالأعلى وهبط بهما ب�سورة‬
‫تدريجية‪ ،‬لرنى �ستا ًر� �س ّفا ًفا من �ملاء ُيغ ِلق �جلزء �لذي نحن فيه‪ ،‬لت�سبح خلوة‬
‫ب�سيطة ن�ستطيع فيها �الحتماء من �أعني �جلميع‪..‬‬
‫‪� -‬سك ًر� لك‪...‬‬
‫‪‬‬
‫قالتها �إز�لني بهدوء هام�ص و�سبحت للجهة �لبعيدة حت�سر �أدو�ت �ال�ستحمام‪..‬‬
‫فه ّز ظافر ر�أ�سه وكاأنه يرد عليها‪ ..‬و�أنا؟ فاغرة فاهي مبنتهى �لبالهة‪� ..‬أ�سرتجع‬
‫بعقلي ما فعله ظافر للت ّو‪ ..‬لقد خدع �حلر�ص و�لعر�ئ�ص‪� ..‬أكاد �أرى حار�سني يتبعان‬
‫‪-‬بعينهما‪ -‬ن�سختينا �ملتحركتني للدرج! ال �أ�سدق! كم هو بارع يف تلك �خلدع �لغريبة!‬
‫قذفني ظافر ببع�ص �ملاء برفق �أ�ستفيق‪ ،‬وقال م�س ًري� الأدو�ت �ال�ستحمام‪:‬‬
‫‪� -‬أ�سرعي‪ ..‬لن ينخدعو� ب�سورتيكما ً‬
‫طويال‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي ب�سرعة و�ن�سرفت عن عينيه‪ ..‬فبالرغم من �أنه ال ينظر جل�سدي‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫فاإنني حمرجة من وجوده‪ ..‬ر�قبته بطرف عيني ي�سرتخي يف �إحدى �لزو�يا‪ ،‬يلعب‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫باملاء باإ�سبعه‪ ،‬ير�سم �أ�سياء غري مرئية بالن�سبة يل‪ ..‬حتى الحظت �سخونة �ملاء‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫قليال لي�سبح د�ف ًئا‪ ،‬بالطبع هو من فعل هذ� بتعويذة �أخرى غريبة‪ ..‬و�سمعت �سوت‬
‫ً‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫تنهيدة مرتاحة‪ ..‬كانت الإز�لني‪..‬‬
‫�سبحت ببطء وحذر �إىل �إز�لني وهم�ست لها مت�سائلة بغيظ‪:‬‬
‫‪ -‬كيف ترين حار�سي؟‪.‬‬
‫يل بغرور‪ ،‬ثم �أ�ساحت بب�سرها بعيدً �‪ ،‬مولية ظهرها يل‪ ،‬بينما‬ ‫نظرت هي �إ ّ‬
‫ّ‬
‫تنظف �سعرها �لذي �أ�سبح لونه د�ك ًنا من �أثر �ملاء عليه‪..‬‬
‫‪� -‬أجيبي عن �سوؤ�يل!‪.‬‬
‫قلتها بنربة غري م�سدقة ملا فعلته �الآن‪� ..‬ملغرورة تتجاهلني! فالتفتت بعد �أن‬
‫�سمعت نربة �سوتي لتنظر يل وقالت ببطء‪:‬‬
‫لك‪...‬‬
‫‪ -‬ال �ساأن ِ‬
‫�سربت �ملاء بيدي بغ�سب فالتفتت يل هي مذعورة وهم�ست بحذر‪:‬‬
‫‪ -‬ال ت�سدري �الأ�سو�ت! ال نريد �أن يك�سف مكاننا م ّرة �أخرى بف�سلك!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫م�سحت على وجهي �جلميل بغ�سب وقلت بتما�سك‪:‬‬
‫‪� -‬أنتما‪ ..‬تثري�ن غ�سبي!‪.‬‬
‫�سمعت �سحكة ظافر �لهادئة‪ ..‬فالتفت له وت�ساءلت بنفاد �سرب‪:‬‬
‫‪ -‬ما �الأمر ظافر؟ �أخربين!‪.‬‬
‫حت ّركت �إز�لني بالقرب مني‪ ،‬و�سعت يف يدي �أدو�ت �ال�ستحمام وقالت بربود‪:‬‬
‫‪ -‬من �الأف�سل �أن تبد�أي قبل �أن تاأتي �مل�سرفة‪� ..‬ستنادينا لتناول �الإفطار‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫مل �آخذ منها �الأدو�ت ف�سقطت من يدها لتطفو على �ملاء‪ ،‬و�لذي الحظت �أنه‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫يجري ببطء ويتح ّرك نحو �أحد �الأركان‪ ..‬لي�سقط وي�سرف بعيدً �‪ ..‬رمبا خارج‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�لق�سر‪ ..‬فمددت يدي الألتقط �الأدو�ت مبلل قبل �أن تذهب بعيدً �‪ ،‬و�أفرغت ً‬
‫قليال‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫من �سائل �ال�ستحمام على يدي وبد�أت يف �الندماج‪ ،‬مركزة تفكريي على نظافتي‬

‫ع‬
‫�ل�سخ�سية موؤقتًا‪ ،‬متجاهلة فكرة نظر ظافر و�إز�لني على ج�سدي‪� ،‬أو نظرهما‬
‫لبع�سهما �لبع�ص‪ ..‬ال �أعلم ح ًّقا‪ ..‬وموؤقتًا �سغلت بايل باملا�سطة حني فح�ست‬
‫نظافتي‪ ،‬وق ّررت �أن ال �أتنازل عن كوين فتاة نظيفة‪ ،‬فبالطبع هذ� يكون �سمن‬
‫�مل�ستوى �لذي حت ّدثت عنه �إيفي‪..‬‬
‫عيني بعد �أن �سعدت من حتت �ملاء �لذي �أعجبتني حر�رته‪،‬‬ ‫م ّر وقت؛ فتحت ّ‬
‫و�سعدت بحذر الألف ج�سدي مبن�سفة‪ ..‬وتفاجاأت من ما ر�أيت‪ ..‬فكان ظافر يجل�ص‬
‫م�سرتخ ًيا يف �ملاء‪ ،‬و�إز�لني جال�سة و�ساقاها يتحركان بالقرب من ر�أ�سه يف �ملاء‪،‬‬
‫ج�سدها ملفوف مبن�سفة ورد ّية‪ ،‬تنظر له ب ِود‪ ..‬كما يبادلها هو نظر�تها‪ ..‬باأخرى‪..‬‬
‫غري مرئ ّية لعيني ب�سبب غطاء ر�أ�سه �للعني!‬
‫‪ -‬هل يل بتف�سري؟‪.‬‬
‫قلتها و�أنا �ألف من�سفة �أخرى على ر�أ�سي‪ ،‬بينما �أقرتب منهما بغيظ‪ ،‬فنظر� �إ ّ‬
‫يل‬
‫با�ستفهام‪ ،‬الأقول �أنا بنفاد �سرب‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أنتما عا�سقان �ألي�ص كذلك؟ نظر�تكما فا�سحة الأبعد حد!‪.‬‬
‫و�أ�سفت بلهجة تهديد‪:‬‬
‫‪� -‬إن مل تخرب�ين مبا �أرى �ساأف�سحكما �أمام �مل�سرفة!‪.‬‬
‫زفرت �إز�لني بقلق ونظرت لظافر وقالت ب�سعف‪:‬‬
‫‪� -‬إىل متى �سيظ ّل �الأمر �س ًر�؟‪.‬‬
‫و�أ�سافت بلهجة �أ�سبه باال�ستجد�ء‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬لقد �سئمت بُعدَ ك ظافر!‪.‬‬

‫‪T‬‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬
‫والتوز عي‬

‫‪‬‬
‫)‪(12‬‬

‫يوم مــن الجلبة والفزع‬

‫زفرت �إز�لني بقلق ونظرت لظافر وقالت ب�سعف‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬إىل متى �سيظ ّل �الأمر �س ًر�؟‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫و�أ�سافت بلهجة �أ�سبه باال�ستجد�ء‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫‪ -‬لقد �سئمت بُعدَ ك ظافر!‪.‬‬
‫�سهقت �أنا لق ّلة حيائها وقلت بغري وعي‪:‬‬
‫أنت يا مغرورة! يبدو �أن �لعر�ئ�ص متماثالت يف نقطة �حلياء‬
‫أنت! حتى � ِ‬
‫‪ -‬حتى � ِ‬
‫هذه!‪.‬‬
‫�أطلق ظافر �سحكته �ملت�سل ّية‪ ،‬فنظرت �إليه قائلة ب�سخط‪:‬‬
‫أي�سا! َمل ت�ستثني نف�سك من �لقو�عد؟ َمل حتب ً‬
‫عرو�سا من �ملمكن �أن‬ ‫‪ -‬و�أنت � ً‬
‫تكون �أمرية؟ هي ٌ‬
‫ملك �الأمري فما �ساأنك �أنت؟!‪.‬‬
‫أنت؟‪.‬‬
‫‪ -‬وما �ساأنك � ِ‬
‫قالها بربود فتجمدت من نربته‪ ،‬و�سمعت �سوت �سحكة �إز�لني �ملت�سل ّية‬
‫�ملمتزجة ببع�ص �خلجل و�لقلق‪� ..‬آه ما �لعمل �الآن! كالهما ي�سخر مني رغم غ�سبي‬
‫من �أمرهما!‬
‫عرفت �حلقيقة؟‪.‬‬
‫‪ -‬وماذ� �سيفيدك �إن ِ‬
‫‪‬‬
‫فعم �ل�سمت‬‫قالتها �إز�لني مبر�رة بعد �أن عادت مالحمها لالأ�سى م ّرة �أخرى‪ّ ..‬‬
‫للحظة‪ ..‬وفكرت يف ما قالت‪َ .‬مل ت�ستفزين روؤيتي للخطاأ؟ َمل ين�سغل عقلي بكل تلك‬
‫�لتفاهات �لتي ال تعنيني يف �سيء؟ تن ّهدت وقد �سئمت موؤ�مر�ت عقلي �س ّدي‪ ،‬فتارة‬
‫يثور ليعرف‪ ،‬وتارة �أخرى يطاأطئ مرت�ج ًعا‪..‬‬
‫‪ -‬فقط �بتعد� عن وجهي‪ ..‬يكفي ما ر�أيته باالأم�ص‪...‬‬
‫قلتها بخيبة �أمل‪ ..‬رمبا يف ظافر نف�سه‪� ..‬أعتقد �أنه لي�ص كباقي �حلر�ص؛ لكن‬
‫عندما د ّققت يف �الأمر وجدت �أنني �أظن �أنه ال ير�قب �لفتيات‪ ،‬لك ّنه ر�قب �إز�لني‪..‬‬

‫ع‬
‫وكنت �أظ ّنه ال ي�ستم ببذ�ءة‪ ،‬لكن ذلك �للفظ �لذي خرج من بني �سفتيه يف حلظة‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫غيظ من �ملدرب �أثبت �أنني كنت خمطئة‪ ..‬فبالرغم من �أنه و�سف �ملدرب بلزوجته‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫يف كلمة و�حدة م�سينة ال يعني �أنه على حق‪ ..‬ال �أدري ما بي‪ .‬للحظة مت ّنيت �أن �أعرف‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫من �أنا‪ ..‬هل كنت خلوقة؟ �أم فاجرة؟‬
‫رنّ �سوت �لعرو�ص ذ�ت �لعينني �لرماديتني �لكحيلتني‪�« :‬ل ُعهر ال ُين�سى!»‬
‫�أفقت من �سرودي على �سوت ظافر وهو يقول مقتح ًما جميع خاليا عقلي‬
‫ب�سوته �لعميق‪:‬‬
‫‪� -‬إز�لني لن تكون لالأمري ما حييت‪...‬‬
‫تن ّهدت وقبل �أن ي�ستطرد الحظت �بت�سامة �إز�لني �حلنونة و�ملفاجئة يل‪..‬‬
‫‪ -‬الأنها �أختي‪.‬‬
‫حاجبي ليالم�سا خ�سلة �سعري �ملت�سللة من �ملن�سفة‪� ..‬سرب قلبي‬
‫ّ‬ ‫قالها الأرفع‬
‫�سدري بعنف و�سهقت بده�سة عظمى‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� قلت؟‪.‬‬
‫ه ّز كتفيه وقال ب�سرود‪:‬‬

‫‪‬‬
‫�سمعت‪ ..‬فال د�عي للتكر�ر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أنك‬
‫‪ -‬متاأكد من � ِ‬
‫تن ّهد بحر�رة و�أ�ساف‪:‬‬
‫‪ -‬وال نريد الأي �أحد �أن يعرف‪...‬‬
‫بتوعد‪:‬‬
‫�أ�سارت �إز�لني يل وقالت ّ‬
‫أف�سيت �ل�س ّر ف�ساأقتلك!‪.‬‬
‫‪� -‬إن � ِ‬
‫ا�سا بكلمتها فقلت �أنا ب�سعوبة‪:‬‬
‫ح�س ً‬
‫مل�ست وت ًر� ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬جمددً�؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�سحك ظافر بت�س ّلي ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬ح�س ًنا ال باأ�ص‪ ..‬نحن �أمو�ت على �أية حال‪ ..‬و�أنا و�ثق من �أن �إليونور� لن‬

‫ع‬
‫تخرب �أحدً �‪...‬‬
‫يل ً‬
‫قائال بغمو�ص‪:‬‬ ‫رفع غطاء ر�أ�سه ً‬
‫قليال الأتبني عينيه �ملهددتني و�سوبهما �إ ّ‬
‫‪� -‬ألي�ص كذلك؟‪.‬‬
‫بتوج�ص‪:‬‬
‫غ�سة يف حلقي �أثر نظرته �لرماد ّية �لعا�سفة تلك‪ ..‬وقلت ُّ‬ ‫�بتلعت ّ‬
‫‪� -‬أجل‪ ..‬كا ّأين مل �أ�سمع �سي ًئا � ً‬
‫أ�سال!‪.‬‬
‫�أعاد غطاء �لر�أ�ص كما كان‪ ،‬وخرج من �ملاء‪ ،‬ورفع ك ّفيه �أعلى ر�أ�سه بقليل‬
‫لتجف مالب�سه كما كانت‪ ..‬وبك�سفه‬ ‫و�أم�سك بالال�سيء‪ ،‬وم ّرره على ما يرتدي‪ّ ،‬‬
‫لقدرته يف �لتح ّكم يف عن�سر �آخر من عنا�سر �لطبيعة �أفقت من �سرودي على �سوت‬
‫�إز�لني �لذي بد� حنو ًنا م ّرة �أخرى‪:‬‬
‫‪ -‬ميكنني فعل هذ� �الآن‪�� ..‬ستقت له جدً �‪.‬‬
‫�قرتبت من ظافر و�حت�سنته بعفو ّية لتت�سع عيناي رغ ًما عني لتتكون �أمامي‬
‫�سورة عاطفية للغاية‪ ..‬خفق قلبي وت�ساءلت بطيبة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬هل هو �سقيقك ح ًّقا؟‪.‬‬
‫ّ‬
‫وتدخل عقلي �ملعتاد على تلك �لكذبة فا�ستطرد‪:‬‬
‫‪� -‬أم هو جمرد �سبب لتفعال ما تريد�ن؟‪.‬‬
‫ر ّبت ظافر على ظهرها فلم �أمتالك نف�سي من �البت�سام بغر�بة‪ ..‬مل �أتوقع منه‬
‫�أن يلعب دور �الأخ بينما هو بب�ساطة‪ ..‬ظافر! �لغام�ص قليل �لكالم‪� ،‬لذي ال ي�سحك‬
‫�إال لي�سخر من �ملو�قف من حوله‪ ..‬وال يبت�سم �إال لنف�سه‪ ..‬هل يبت�سم �الآن يا ترى؟‬
‫وقت م�سى‪ ..‬لدي‬ ‫�سئمت من غطاء �لر�أ�ص هذ�‪� ..‬أريد روؤيته �الآن �أكرث من �أي ٍ‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ف�سول كبري لهذ�!‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫‪ -‬ماذ� عن غطاء �لر�أ�ص‪ ..‬هل الأنكما تو�أمان؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�بت�سمت �إز�لني و�أ�سارت �إىل عقلها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬عزيزتي ال تتعبي نف�سك بالتفكري!‪.‬‬
‫‪ -‬عزيزتك؟‪.‬‬
‫قلتها با�ستنكار ور�قبتها تبتعد عن �سدره مبت�سمة‪ ..‬و�سرعان ما خفتت‬
‫�بت�سامتها حني �سمعت �سوت جليند� �ملم ّيز‪:‬‬
‫‪ -‬وقت �لطعا���م!‪.‬‬
‫�بتعدت عن ظافر وعادت متح ّفظة كما كانت‪ ،‬و�أ�سارت يل على مكان �لنطاق‬
‫�ل�س ّفاف �لذي �أحاطنا ظافر به‪ ،‬الأجده قد بد�أ بالتال�سي‪ ..‬ففهمت ق�سدها‪ ..‬يجب‬
‫علينا �الإ�سر�ع لنكون �أول �ملوجود�ت بالطابق‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫�أخرجت �إز�لني �سندو ًقا خ�سب ًيا كب ًري� من حتت فر��سها‪� ،‬أر�ها من على بعد‪..‬‬
‫ً‬
‫مماثال‪ ،‬و�آخر حتت �سرير �إيفي؛‬ ‫فنظرت �أنا �الأخرى حتت فر��سي الأجد �سندو ًقا‬
‫خا�سا بها‪� .‬أخرجت �ل�سندوق وفتحته الأجد �لعديد‬ ‫يبدو �أن لكل عرو�ص �سندو ًقا ً‬
‫من �ملالب�ص �جلديدة و�أدو�ت �لتجميل‪ ،‬مر�آة �أنيقة كذلك‪� ..‬بت�سمت وقمت بتبديل‬
‫مالب�سي ب�سرعة مغلقة �ستار �لفر��ص من حويل‪ ،‬كي يبقى ج�سدي �س ًّر� لن يكت�سفه‬
‫�سخ�ص و�ح ٌد فقط‪ ..‬و�أمتنى من كل قلبي �أن يكون �الأمري‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫�إال‬
‫و�سعت �خلادمات طعام �الإفطار باأدب على �ملائدة �مل�ستديرة بو�سط �لغرفة‪،‬‬

‫ع‬
‫لتاأخذ كل و�حدة فطورها لل�سرير‪� ،‬أو تاأخذ و�سادة تفرت�ص بها �الأر�ص جال�سة‪ ..‬كل‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫لك للجميع‪..‬‬ ‫�الأماكن متاحة‪ ،‬فالطابق ِم ٌ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�بت�سمت الإيفي �لتي �أتت لتجل�ص بجانبي‪ ،‬فالحظت �أنها ت�سري يل بعينها على‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫من جتل�ص بجانبي‪ ..‬فقلت بلهجة عاد ّية‪:‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬أحتاج لتم�سية �لكثري من �لوقت مع �إز�لني‪ ..‬حلفل �الأمري كما تعلمني!‪.‬‬
‫خرجت منها �سحكة حمرجة وهم�ست يف �أذين‪:‬‬
‫‪� -‬إنها مغرورة!‪.‬‬
‫مل تكن �للهجة هام�سة كما ينبغي‪ ،‬فو�سل �سوتها مل�سامع �إز�لني �لتي �بت�سمت‬
‫أيت؟»‬
‫بغرور فجحظت عينا �إيفي وكاأنها تقول يل‪�« :‬أر� ِ‬
‫جذبتها من ذر�عها لتجل�ص بجانبي‪ ،‬ففعلت مرغمة‪ ،‬نظرت الإز�لني بينما‬
‫و�سعت قطعة من �خلبز يف فمي الأجدها مطرقة �لر�أ�ص بفزع‪ ،‬وظافر ناظ ٌر �إليها‪..‬‬
‫فهم�ست له بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬هل تتح ّدث معها �الآن؟ ِمل هي مفزوعة هكذ�؟‪.‬‬
‫رفع ظافر عينه عنها ونه�ص ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬هناك حالة طارئة‪ ..‬ومن �ملتو ّقع �أن حتدث جلبة‪ ..‬لذ� متا�سكي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫و��ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� ما كنت �أقول‪...‬‬
‫ويف نف�ص �للحظة ح�سرت �مل�سرفة جليند� رغم �ن�سر�فها منذ قليل مع‬
‫عال كاد �أن ي�سم �أذين‪:‬‬
‫ب�سوت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫�خلادمات‪ ،‬تنحنحت وقالت‬
‫‪ -‬هناك ما ي�ستدعي �نتباهكنّ يا جميالت‪.‬‬
‫وقفت �لعر�ئ�ص بتاأفف و��سح‪ ،‬لك ّنه �سرعان ما حتول رد فعلهنّ للغر�بة و�لت�ساوؤل‬
‫حني ظهر ج�سد�ن متناق�سان من نف�ص �جلن�ص؛ رجالن‪� .‬الأول بهيئة عظيمة من‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لوقار و�لهيبة‪ ،‬يغزو �للون �الأبي�ص �سعره وحليته �لطويلة كما هو لون جلبابه �لذي‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫��سترت حتت و�ساح باللون �الأزرق �ملط ّعم بالذهبي‪� ،‬الأزرق و�الأحمر‪� ،‬أما �لثاين‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫وعر�ص‬
‫ٍ‬ ‫طول فارع‬
‫فهو رجل يف �سنّ �الأربعني‪ ،‬يحتفظ بق ّوة بنيته فبد� ريا�س ًّيا ذ� ٍ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫ووجه �سبه مر ّبع ز ّينه �سعره �لكثيف �الأ�سقر �ملمتزج ببع�ص‬
‫خميف‪ ،‬مبالمح جامدة ٍ‬
‫�ل�سعر�ت �لف�س ّية‪ .‬ر�أيته يتنحنح فاقرتبت منه جليند� باأدب وتقدير‪ ،‬ليهم�ص هو يف‬
‫�أذنها ب�سيء ما‪ ..‬فهزّت ر�أ�سها برتحيب‪ ،‬ثم قالت‪:‬‬
‫‪ -‬نريدكنّ يف �س ّفني‪.‬‬
‫تركت كل عرو�ص م ّنا ما بيدها وم�سحت يدها‪ ،‬وب�سرعة ك ّنا يف �س ّفني متقابلني‪،‬‬
‫بتوج�ص وقلق‪ ،‬عربت جليند� بني �ل�س ّفني‬ ‫كل عرو�ص م ّنا تنظر للعرو�ص �ملقابلة لها ّ‬
‫أتبني �أي �سيء من ما ترنو �إليه‪ ،‬فتن ّف�ست بهدوء‬
‫وهي تنظر يف وجوهنا بغمو�ص‪ ،‬مل � ّ‬
‫ومتالكت �أع�سابي �لتي �تّ�سح �أنها لي�ست كق ّوة مالحظتي‪ ،‬ر�أيت �لرجل �لعجوز‬
‫بخطو�ت متّزنة خلف جليند�‪ ،‬وتبعه �لرجل �الآخر‪ ،‬حتى توقفت جليند�‬ ‫ٍ‬ ‫يتح ّرك‬
‫�أمام فتاة ما‪ ..‬ومبج ّرد �أن وقفت �أمامها ونظرت يف عينيها �أدركت �أنا ما يحدث‬
‫من حويل‪.‬‬
‫�أ�ساحت �لعرو�ص بعينها بعيدً �‪ ،‬وبالرغم من �أن عينيها يغطيهما �سعرها �الأ�سود‬
‫بخ�سالته ‪�-‬لفاحمة �لطويلة‪ -‬بدت مرتبكة للغاية‪ ،‬وهذ� ما حاولت �إخفاءه حني‬
‫نطقت جليند� با�سمها بغمو�ص‪ ،‬فر ّدت عليها برب�ءة م�سطنعة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫خطب ما �سيدة جليند�؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل هناك ٌ‬
‫�أح�س�ست بظافر قد �أتى ليقف خلفي‪ ،‬كما فعل كل �حلر��ص مع باقي �لعر�ئ�ص‬
‫حني رفع �لعجوز ع�ساه �خل�سبية �لعتيقة ‪�-‬لتي ي�ستند عليها‪ -‬لالأعلى‪ ..‬مل �ألتفت‬
‫لظافر‪ ،‬بل �أمعنت �لنظر يف �حلر�ص �أمامي‪ ،‬خا�سعني‪ ،‬مطاأطئي ب�سرهم لالأ�سفل‬
‫ّ‬
‫أ�ست�سف �أنا �أن ذلك �لرجل ذو �ساأن عظيم‬ ‫يف هدوء‪ ،‬يبدو �الرتباك على معظمهم‪ ،‬ال‬
‫بالن�سبة لهم‪.‬‬
‫�نتبهت و�أفقت من �سرودي حني �سهقت ع ّدة فتيات بت ّوج�ص‪ ،‬وقالت �إحد�هنّ‬

‫ع‬
‫بريبة‪:‬‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬ملاذ� كل هذ� �لعدد من �لرجال فجاأة؟‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫و�أ�سارت حولها بخوف‪ ،‬و�أعتقد �أنني ر�أيت �لفتاة �لتي تقف �أمامي تكتم‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫�سرختها حني ر�أت ظاف ًر�‪ ..‬بالطبع �أخافها بهيئته �لعظيمة و�لتفافه بال�سو�د عك�ص‬

‫ع‬
‫باقي �حلر�ص‪ ،‬وقبل �أن تعم �جللبة من �أي عرو�ص �أخرى‪ ،‬طرق �لعجوز ذو �لهيبة‬
‫أر�سا لت�سمت كل �الأ�سو�ت‪ ،‬حتى �إنني حاولت �حلديث فوجدت �أن �سوتي‬ ‫بع�ساه � ً‬
‫متاما‪ ..‬رفعت حاجبي بده�سة حني �لتفت �لرجل يل وه ّز ر�أ�سه‪ ،‬وقبل �أن‬ ‫قد �ختفى ً‬
‫قليال وهذ� ما عرفته من مالم�سة غطاء ر�أ�سه‬ ‫�أفعل �أي �سيء وجدت ظاف ًر� ينحني ً‬
‫لر�أ�سي و�أتى �سوته �لعميق خافتًا يقول باأدب‪:‬‬
‫‪� -‬س ّيدي‪...‬‬
‫�بت�سم �لرجل لكن �سرعان ما �ختفت �بت�سامته ليقرتب من جليند� �لتي تقف‬
‫�أمام تلك �لعرو�ص �لتي كادت �أن توؤ ّرق ليلتي باالأم�ص هي وحار�سها لوال ت�س ّرف‬
‫ظافر‪ ..‬هم�ص �ل�ساحر ب�سيء ما يف �أذن �لرجل �الأربعيني‪ ،‬فه ّز ر�أ�سه بعد �أن �أخذ‬
‫�الأو�مر‪ ،‬وعرب بني �لعر�ئ�ص بحذر ليم�سك بحار�ص �لفتاة بق ّوة جعلت �حلار�ص‬
‫ً‬
‫معرت�سا‪ ،‬فالتفت �أنا لظافر بذعر الأجده يهز ر�أ�سه نف ًيا وكاأنه يرف�ص �أن‬ ‫ي�سرخ‬
‫يخربين باأي �سيء‪ ،‬فعدت الأتابع �ملوقف‪ ،‬جذبت جليند� �لعرو�ص لتقف بجانب‬
‫حار�سها �أمام �لعجوز وقالت بق�سوة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫موقف ُم�سني‪.‬‬
‫‪ -‬لقد و�ست بكما �إحدى �لعر�ئ�ص‪ ،‬ر�أتكما يف ٍ‬
‫حاولت �لعرو�ص �لتح ّدث فخرجت منها كلماتها بعيدة بع�سها عن بع�ص‪ ،‬وظهر‬
‫�الختناق عليها حني حاولت �ل�سر�خ‪ ..‬فاقرتب منها حار�سها مبعدً � عنه قب�ستي‬
‫�لرجل �الأربعيني �لقوي وقال مد�ف ًعا عنها‪:‬‬
‫�سحيحا! لي�ص هذ� �لكالم �إال جمرد ح�سد وبغ�ص من زميالتها!‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬لي�ص‬
‫دمعت عني �لعرو�ص وهزّت ر�أ�سها بق ّوة لينتف�ص �سعرها عن عينيها‪ ،‬لينك�سف‬
‫�بتاللهما للعيان‪..‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬لو��سية ال م�سلحة لها يف �لكذب‪ ،‬فاختيار�ت �الأمري تخ�ص �الأمري فقط‪ ،‬ال‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫تتالعب بها جم ّرد فتاة!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫قالتها جليند� ردًّ� على �حلار�ص �لثائر‪ ،‬ثم �أدركت ما قالته‪ ،‬وبه ��ستخفاف‬
‫باالأمري‪ ..‬فاعتذرت بخفوت و�أطرقت بر�أ�سها �سام ًة ك ّفيها تخفي �رتعا�سهما‪ ،‬ليقول‬
‫�لرجل �الأربعيني‪:‬‬
‫‪ -‬كلمات كبري �حلر�ص �أو�مر تنفذ‪.‬‬
‫قالها بلهجة ر�سم ّية قو ّية بينما ينحني بر�أ�سه �أمام كبري �حلر�ص �لعجوز‪..‬‬
‫بكلمات ب�سيطة بطيئة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫و�لذي بد�أ بالكالم الأول م ّرة‬
‫‪� -‬إق�ساء من خدمة ومن�سب‪ ..‬وتاأديب‪.‬‬
‫مل �أتفهم �أنا و�لعر�ئ�ص معنى كلماته �ملتف ّرقة بال�سبط‪ ،‬وكتمت جليند� �سهقتها‬
‫بيديها �ملكتنزتني �ملرتع�ستني‪ ،‬وه ّز �لرجل �لقوي ر�أ�سه ً‬
‫قائال بر�سمية‪:‬‬
‫‪ُ -‬ع ِلم‪...‬‬
‫وح ّل قب�سة يده من مع�سمي �حلار�ص‪ ،‬وقبل �أن يتح ّرك �أد�ر ج�سمه �إليه‪ ،‬ويف‬
‫حركة مباغتة �أم�سك مبوؤخرة عنقه و�سغط عليها لالأ�سفل‪ ،‬متمت ًما ببع�ص �لكلمات‬

‫‪‬‬
‫�لغريبة كالتي يقولها ظافر‪ ،‬لي�سرخ �حلار�ص بق ّوة وغيظ‪ ،‬لكن �سرعان ما خفتت‬
‫�سرخته �ملغتاظة لت�سكن تدريج ًّيا بوهن‪ ،‬حتى �إنه �سقط على ركبتيه غري �لقادرتني‬
‫على حمله �أكرث من هذ�‪ ..‬وقبل �أن �أدرك ما حدث �سدح �سوت �لرجل �لقوي ليه ّز‬
‫�لطابق كله بقوله‪:‬‬
‫‪ -‬مت �إق�ساء هذ� �حلار�ص من خدمة �لعرو�ص �ملذنبة‪ ..‬و�سيحال للتاأديب‪.‬‬
‫تنحنحت جليند� و�قرتبت منهم بحذر‪ ،‬وقالت هي بدورها‪ ،‬وبدت مرتبكة ً‬
‫قليال‪:‬‬
‫‪ -‬ومت �إق�ساء �لعرو�ص �ملذنبة من من�سبها‪ ..‬لتعمل وف ًقا الأو�مر �الأمري بعد‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫تل ّقيها ن�سي ًبا من �لتاأديب‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�سقطت �لفتاة مغ�س ًيا عليها‪ ،‬فحملها �لرجل �لقوي على ظهره بحركة و�حدة‪،‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫بذل ليتقدمه‪ ،‬ففعل �ل�سعيف مرغ ًما‪..‬‬ ‫بينما دفع �حلار�ص‪� ،‬أو ما كان كذلك‪ّ ،‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫تق ّدمتهم جليند� لتف�سح �لطريق‪ ،‬وتب ّقى �لعجوز‪ ..‬ل ّوح بع�ساه لتعود �أ�سو�تنا م ّرة‬
‫�أخرى‪ ..‬فهذ� �لرجل هو �ساحر‪� ..‬ساحر كهل وكبري كفاية ليعرف متى ي�ستخدم‬
‫�سحره!‬
‫‪ -‬باحلكمة و�لذكاء تاأتي �ل�سلطة‪ ..‬ال بالف�سق!‪.‬‬
‫قالها �لعجوز متمال ًكا �أع�سابه‪ ،‬و�أوىل ظهره لنا لتظهر ع�ساه �لتي مي�سكها‬
‫بكلتا يديه خلف ظهره‪ ،‬وقال قبل �أن ي�سل للدرج‪:‬‬
‫‪ -‬ر�قبو� �أنف�سكم‪� ..‬أفكاركم فقط هي �لتي �ستظ ّل حمجوبة؛ فهي لكم‪...‬‬
‫�سهقت ع ّدة فتيات وجل�سن � ً‬
‫أر�سا بوهن‪ ..‬وجل�ست �أنا بذهول من ما ر�أيت‪ ..‬لقد‬
‫عرو�سا من بيننا بتلك �ل�سهولة!‬
‫�سلبو� ق ّوة �حلار�ص‪ ..‬و�أخذو� ً‬
‫�أفقت على �سوت �أنني‪ ،‬الأجد فتاة كفها قريب جدًّ� من وجهي‪ ،‬وما ي�س ّده �سيء‬
‫من �سفعي �إال قب�سة يد ظافر �لقو ّية على مع�سمها‪ ،‬و�سوته يقول بهدوء ما قبل‬
‫�لعا�سفة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تر�جعي فو ًر�!‪.‬‬
‫م ّد يده يل الأ�سع يدي بها‪ ،‬فخباأين خلف ظهره وقال ب�سر��سة لتلك �لثائرة‬
‫غ�س ًبا‪:‬‬
‫�سحيحا يا �ساحبة �لهو�ج�ص!‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ما تفكرين به �الآن لي�ص‬
‫رفعت عيني الأرى من يحدثها ظافر بتلك �ل�سر��سة‪ ،‬الأجد �أنها �لفتاة ذ�ت‬
‫�لعينني �لرماد ّيتني بر�سمة �لكحل �لغريبة‪� .‬أ�سدرت زجمرة غا�سبة قائل ًة‪:‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬بتعد عني! هي �لو��سية! هي من و�ست بها!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫تق ّدم حار�ص �لفتاة ليجذبها من ذر�عيها للخلف‪ ،‬وظ ّلت ت�سرب �الأر�ص بقدميها‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫قائلة وهي تنظر حلار�سها بغ�سب‪:‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫‪ -‬ال متنعني! �أنت من لفت �نتباهي �إىل ما فعلت باالأم�ص! لقد ر�أتهما بالفعل!‪.‬‬
‫و�سرخت بجنون وكادت �أن ت�سم كلماتها �أذين‪:‬‬
‫‪� -‬أيتها �حلقرية!‪.‬‬
‫��ستقمت و�قف ًة بعد �أن كنت منبطحة � ً‬
‫أر�سا خلف ظافر‪ ،‬الأجد �أن �إيفي قد‬
‫دفاعا عن نف�سي‪:‬‬
‫�قرتبت مني هي و�إز�لني‪ ،‬تنظر�ن يل بت�ساوؤل‪ ..‬فقلت �أنا ً‬
‫‪ -‬لقد ر�أيتهما بالفعل‪ ..‬لكن مل � ِأ�ص بهما! �أنا ل�ست و��سية!‪.‬‬
‫جذب كاليب �إيفي بعيدً � كي ال تتاأذى‪ ،‬فرتكتني مرغمة وعيناها متعلقتان بي‪..‬‬
‫ويف حلظة ملعونة �أخرجت �لعرو�ص �ملخيفة �س ّبة يل‪� ،‬سهقت لها �لعديد من �لفتيات‪،‬‬
‫و�أ�سافت بغ�سب‪:‬‬
‫فعلت �ل�سيئ‪ ..‬فانتظري �الأ�سو�أ يا فتاة!‪.‬‬
‫‪ -‬لقد ِ‬
‫رفع ظافر ر�أ�سه حلار�سها ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫ً‬
‫م�ستقبال �أ�سود يحيط بفتاتك بكل و�سوح �إن ��ستمرت يف هذ� �ل ُهر�ء‪..‬‬ ‫‪� -‬أرى‬
‫�أ�سلح �سوء �لفهم هذ� قبل �أن �أجعلك تلحق بهم وهي معك‪� ..‬الآن!‪.‬‬
‫وقال �آخر كلمة ب�سر��سة‪ ..‬لتغطي �لعديد من �لعر�ئ�ص �آذ�نهنّ من �سوته‬
‫�ملرعب‪ ،‬ليقول �الآخر بربود‪:‬‬
‫‪� -‬طلب ذلك من تلك �لعرو�ص �ملختبئة خلف عباءتك! هي �لفاعلة وال �ساأن‬
‫يل �أنا!‪.‬‬
‫وترك يد فتاته وقال‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ت‬ ‫ك‬
‫‪ -‬نفثي عن غ�سبك عزيزتي!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سرخت �لفتاة بجنون و�قرتبت مني جم ّددً� الأخرج �أنا وجهي من عباءة ظافر‬

‫والتوزي‬
‫قائلة بحزم‪:‬‬

‫ع‬ ‫�قرتبت مني ف�سوف �أقتلك!‪.‬‬


‫ِ‬ ‫‪� -‬إن‬
‫مل �أدرك تفاهة ما قلت �إال حني �سحكت �لفتيات‪ ..‬ما بال هذ� �لتهديد؟ �أال‬
‫يوجد ما هو �أفظع من �ملوت لنهدد به بع�سنا ً‬
‫بع�سا؟‬
‫مل �أحلظ بالطبع تلك �البت�سامة �خلبيثة على وجه �إحد�هنّ ‪ ..‬وقبل �أن تتخذ‬
‫�لفتاة �أي فعل تندم عليه دلفت جليند� للغرفة مهرولة بج�سدها �ملمتلئ ب�سعوبة‬
‫قائل ًة بحزم‪:‬‬
‫عال‬
‫‪ -‬ماذ� حدث لكل هذه �ل�سو�ساء؟ �خلادمات ي�سكني من �أن �سوتكم ٍ‬
‫للغاية!‪.‬‬
‫�سرخت �لفتاة بغ�سب‪:‬‬
‫‪ -‬ت ًبا لهنّ ولها! فتلك �لو��سية ت�ستحق �الإق�ساء!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫نظرت جليند� لوجهي �ملرتعب �لذي �أ�سارت عليه �ساحبة مقولة «�ل ُعهر ال‬
‫ُين�سى» فقالت بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪� -‬أتتهمني �إليونور�؟ تلك �مل�ستج ّدة �لرقيقة؟ ال بالطبع لي�ست هي!‪.‬‬
‫�سعرت بيد ظافر تر ّبت على ظهري فا�ستقمت وقلت متح ّدثة جلليند�‪:‬‬
‫كنت‬
‫‪ -‬تلك �لعرو�ص �ملجنونة �ستحاول �إيذ�ئي! �أخربيها من �لو��سية �إن ِ‬
‫تعلمني!‪.‬‬
‫ؤذيك �أحد!‪.‬‬
‫‪ -‬لن يو ِ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫قالها ظافر بحزم لت�سحك جليند� بتوتّر بعد �أن خافت من نربة ظافر قائلة‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪ -‬ال باأ�ص �أيها �ل�ساب لن يوؤذيها �أحد ً‬
‫فعال‪ ..‬فالو��سية لي�ست فتاة م�ستج ّدة‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫بل هي من �أو�ئل �لعر�ئ�ص بالطابق‪.‬‬
‫�ختفت �بت�سامة فتاة ما‪ ..‬وكانت �البت�سامة �خلبيثة‪ ،‬لتقول جليند� بعد �سمت‬
‫�جلميع‪:‬‬
‫‪ -‬لن �أ�سي بها‪ ..‬لكن بالطبع لي�ست �إليونور�!‪.‬‬
‫يل فتن ّهدت و�بت�سمت لها بامتنان‪ ،‬وما ز�د هذ� �لكالم �لفتاة‬‫قالتها م�سرية �إ ّ‬
‫�لغا�سبة � ّإال جنو ًنا‪ ،‬لتقفز �أمام جليند� مت�سكها من تالبيبها قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬قويل يل من هي!‪.‬‬
‫عم �ل�سمت حلظة‪ ،‬وترددت جليند� من تعبري�ت وجه �لفتاة �لغا�سبة وقالت‬
‫ّ‬
‫برتدد‪:‬‬
‫‪ -‬لقد طلبت حمايتي لذ� لي�ص بيدي �سيء!‪.‬‬
‫وقبل �أن تثور �لعرو�ص جمددًّ� �أتى �سوتٌ ما ماألوف بالن�سبة يل‪ ،‬قائلة بلهجة‬
‫ثائرة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬لرخي�سات م�سريهنّ �الإق�ساء‪� ،‬لتاأديب و�لتعذيب و� ً‬
‫أي�سا �لدفن �أحياء‬
‫حتى يتو ّقف قلبهنّ رع ًبا!‪.‬‬
‫�لتفتت جميع �لعيون �إىل �لفتاة �ملتح ّدثة‪ ،‬الأجد �أنها نف�ص �لفتاة �لتي كانت‬
‫تتناق�ص بحدة باالأم�ص‪ ..‬كيف مل ت�سك بها!‬
‫معك بالبارحة مل ياأت بنتيجة!‪.‬‬
‫أنت جم ّددً�؟ و��سح �أن كالمي ِ‬
‫‪ِ �-‬‬
‫تق ّدمت �لفتاة �لثائرة �أمام جليند� و�أ�سارت على �لفتاة ذ�ت �لعيون �لرمادية‬
‫وقالت‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬تلك �لفتاة ت�ستحق �الإق�ساء‪ ..‬وكي ال �أكون مت�سددة �أو منحازة لعرو�ص دون‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�الأخرى؛ �أطالب بك�سف عذرية لكل �لفتيات‪ ،‬كما يحدث مع تلك �لفتاة‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫باالأ�سفل �الآن‪ ،‬و�ستكون �أنا �أول من �ستخ�سع لهذ� �لك�سف!‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫ب�سوت مرتع�ص‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫لبع�ص بخوف‪ ،‬ف�ساحت فيها �الأخرى‬
‫نظرت �لفتيات بع�سهن ٍ‬
‫أنت تهينني عر�ئ�ص �الأمري! و‪ ..‬وت�ستحقني �لعقاب!‪.‬‬
‫‪ -‬كيف جتروؤين! � ِ‬
‫تن ّهدت جليند� وقالت بنفاد �سرب‪:‬‬
‫‪ -‬بل �أنا �لتي ت�ستحق كل هذ�‪� ..‬أنا من � ّأ�سررت على �أن �أكون م�سرفة عليكنّ ‪..‬‬
‫كم هذ� متعب!‪.‬‬
‫�لتفت لها برت ُّقب ف�سمتت تفكر‪ ..‬بالطبع ما حدث منذ قليل لي�ص ً‬
‫�سهال‪ ..‬لقد‬
‫فلم ال نك�سف باقي �مل�سائب دفعة‬
‫�أم�سكو� بفتاة و�حدة و�أق�سوها مع حار�سها‪َ ،‬‬
‫و�حدة؟ تن ّهدت وقالت بهدوء‪:‬‬
‫‪ -‬قفن بنظام �أرجوكن‪� ..‬ساآتي باحلكيمة ونبد�أ بالفح�ص‪...‬‬
‫ونظرت للفتاتني يف عينهما وقالت باأ�سف‪:‬‬
‫‪ -‬قفي �أنت وهي يف �أول �ل�سف‪ ..‬وحتمال �مل�سوؤولية‪.‬‬
‫‪‬‬
‫خرجت جليند� لت�سهق ع ّدة فتيات يف ذعر‪ ،‬بكني و�نتحنب بح�سرة؛ �سينتهي‬
‫�أمرهنّ قري ًبا! و�لفتاة ذ�ت �لعيون �لرمادية ��سو ّد وجهها و�سقطت يف مكانها‪ ،‬د�ر‬
‫�حلر�ص �ملذنبون يف كل مكان‪ ،‬فاقرتبت من ظافر‪� ،‬أم�سكت بذر�عه وقلت بقلق‪:‬‬
‫‪َ -‬مل هن خائفات هكذ�؟‪.‬‬
‫و�سرخت بذعر‪:‬‬
‫‪ -‬هل هذ� طبيعي؟‪.‬‬
‫نظر هو حوله بغر�بة وقال ب�سرود‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬الأمر �أ�سو�أ من ما تو ّقعت‪ ..‬هذه �ملجموعة �أ�سو�أ من باقي �ملجموعات‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�ل�سابقة‪ ..‬جيل �لعر�ئ�ص هذ� ي�سم �لعديد من �لفتيات �حلمقاو�ت!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫أر�سا بقلق‪ ،‬لي�ص الأنني مذنبة‪ ،‬بل لهذ� �خلوف �لفطري �لذي �نتقل‬ ‫جل�ست � ً‬
‫يل من �لباقيات‪ ،‬فاقرتبت مني �إيفي تبكي بينما تخبئ وجهها يف ذر�عي‪ ،‬و�إز�لني‬
‫جتل�ص ملت�سقة بي‪ ،‬كي ت�ستمد �لطماأنينة مني ومن ظافر‪ً ،‬‬
‫بدال من حار�سها عدمي‬
‫�لنفع‪ ..‬فهم�ست �أنا الإيفي‪:‬‬
‫أنت ل�ست منهنّ �أنا و�ثقة‪...‬‬
‫‪ -‬ال تخايف‪ِ � ..‬‬
‫رفعت عينيها �لربيئتني يل وقالت بخوف‪:‬‬
‫‪� -‬أ�سعر باأن هذ� لن مي ّر على خري‪ ..‬هذ� �ليوم �س ّيئ!‪.‬‬
‫�لتفت ظافر للم�سكينة �لباكية ب�سرود‪ ..‬ور ّدد ببطء‪:‬‬
‫‪ -‬ير�ودين نف�ص �ل�سعور‪.‬‬
‫�نقب�ص قلبي وقلب �إز�لني من ما قال‪ ..‬و�سمتنا وبقينا جال�سات يف مكاننا‪،‬‬
‫نحاول قدر �الإمكان عدم �إف�ساد ذلك �لنظام غري �ملوجود‪ ،‬وعدم �إ�سافة �أي �سيء‬
‫لتلك �جللبة �ل�سائدة من حولنا‪..‬‬
‫‪‬‬
‫�أتت �حلكيمة باأدو�تها �لطب ّية‪� ،‬أُغلق باب �لدرج �ملوؤدي للطابق و� ً‬
‫أي�سا �لنو�فذ‪،‬‬
‫لي�سبح �جل ّو حا ًر� متوت ًر� رغم �ل�سقيع باخلارج؛ ��ستخدمت �حلكيمة �أقرب �سرير‬
‫ّ‬
‫�ل�سف وطالت وقفتنا‬ ‫للم�سرت�ح للك�سف‪ ،‬وطلبت م ّنا �لوقوف يف ٍ‬
‫�سف و�حد‪ ،‬فطال‬
‫قدمي ب�سعوبة‪،‬‬
‫ورعبنا وهو�ج�سنا‪� ..‬جلميع يقف ب�سمت‪ ،‬و�أقف �أنا م�ستندة على ّ‬
‫تنفيذ� ملا طلبت جليند� من‬‫ويقف ظافر بجانبي بثبات‪ ،‬مدي ًر� وجهه للجهة �الأخرى ً‬
‫�حلر�ص‪ ،‬و�أ�سبح �حلر�ص يف منتهى �الأدب‪ ..‬فالكل يخاف من �الإق�ساء و�لتعذيب‪..‬‬
‫مل يذكر يل ظافر �أ ًيا من �أ�ساليب �لتعذيب �لتاأديبية تلك فتل ّقى عقلي �الأمر مبهارة‪،‬‬
‫وبد�أ ي�س ّور يل كل �الأ�ساليب من �حلياة‪ ،‬لي�ساعف رعبي �أ�سعا ًفا‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫وقعت �لعديد من �لعر�ئ�ص‪ ،‬منهن من ت ّدعي ومنهن من خارت قو�ها ب�سدق‪..‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�أ�سرعت �حلكيمة بالك�سف و�س ّنفت �لفتيات‪� ..‬لعفيفة على ميينها و�لفا�سقة على‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫ي�سارها‪ ..‬وقبل �أن ياأتي دوري يف �لك�سف‪� ،‬سمعنا �سوت فتاة ت�سهق �لهو�ء مبنتهى‬

‫ع‬
‫فتوجهت خليالتها ي�ساعدنها على �لوقوف‬
‫�ل�سعف‪ ،‬من �لالتي يقفن على �لي�سار‪ّ ،‬‬
‫ومترير �لهو�ء �إليها‪ ،‬حتى حار�سها �أ�سود �لوجه حاول م�ساعدتها‪ ..‬لكن‪ ..‬دون‬
‫ليف�سر يل ظافر‬
‫جدوى‪ ..‬و�سمعت من �حلكيمة �أثناء ك�سفها عليها �أنها «�نتهت»‪ّ ..‬‬
‫مبنتهى �لهدوء كي ال يفزعني‪:‬‬
‫‪ -‬تو ّقف قلبها‪ ..‬هي �الآن جم ّرد ج�سد فارغ‪� ،‬ستذوب �أع�ساوؤه �لد�خلية قري ًبا‬
‫بعد �أن ّ‬
‫تتبخر دماوؤه‪...‬‬
‫�سهقت بفزع وتابع هو ما يقول كي ال يتحدث يف هذ� �ملو�سوع م ّرة �أخرى‪:‬‬
‫‪ -‬من يتو ّقف قلبها ت�سبح من عر�ئ�ص �لربج �لعايل‪� ..‬ملوجود بالقلعة‪...‬‬
‫الحظت �ملر�رة يف نربته وهو ي�ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬يوجد �لعديد من �لفتيات و�ل�س ّيد�ت هناك‪ ..‬وتختلف حالة كل و�حدة‬
‫حظا‪ ..‬فلقد مت نفيهن من �حلياة ولفظهم �ملوت‪ ..‬ليبقو�‬‫منهنّ ‪ ..‬وهنّ �الأقل ًّ‬
‫هكذ�‪ ..‬كالتماثيل �ل�س ّماء‪.‬‬
‫‪‬‬
‫تخ ّيلت ما يقول عليه‪ ..‬فتذ ّكرت غرفة �حلياكة ذ�ت �لتماثيل متقنة �ل�سنع‬
‫‪�-‬لتي ال روؤو�ص لها‪ -‬حني قابلت �ملا�سطة �أول مرة‪ ..‬وال �إر�د ًيا ��ستبدلهم عقلي‬
‫بتماثيل ذ�ت روؤو�ص فتيات‪ ..‬عر�ئ�ص �أعرفهم‪ ،‬كتلك �لعرو�ص �لتي تو ّقف قلبها للت ّو‪..‬‬
‫ّ‬
‫ودق قلبي بق ّوة حني ��سرتجعت نربة ظافر حني قال‪:‬‬
‫‪ -‬عر�ئ�ص �لربج �لعايل‪.‬‬
‫وتوجهت لل�سرفة‪ ،‬فتحتها على م�سر�عيها‬‫�ل�سف ب�سرعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫فتح ّركت خارج‬
‫تبني يل �سيء ما من بعيد‪..‬‬
‫ونظرت لالأعلى‪ ،‬الأق�سى �ليمني و�أق�سى �لي�سار حتى ّ‬

‫ع‬
‫برج عظيم‪ ،‬كال�سهم �مل�سري لل�سماء �لد�كنة ذ�ت �لقمر �ملتغطر�ص‪ ..‬فف ّرت دمعة‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫من عيني �سفقة على من به‪ ..‬و�سربت قلبي بيدي �ليمنى كي يكف عن ّ‬

‫ك‬
‫�لدق بعنف‪،‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫وهم�ست له‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪�� -‬سمد معي �أرجوك؛ لكن دون �أن تخيفني بد ّقاتك!‪.‬‬
‫وحني �لتفت وجدت ظاف ًر� يهم�ص يل ب�سفقة‪:‬‬
‫‪ -‬حان دورك‪...‬‬
‫هززت ر�أ�سي برتدد وحتركت ببطء نحو �حلكيمة �لتي ��ستقبلتني بنظرة‬
‫متفح�سة ملالحمي‪ ،‬حاولت �أنا �أن �أكون هادئة قدر �مل�ستطاع‪ ،‬لكن �جل ّو �لعام‬
‫ّ‬
‫كان مري ًبا‪ ..‬ت�سببت عر ًقا بفعل �لتوتّر �لذي غز� ج�سدي مبنتهى �لوح�سية‪ ،‬وحني‬
‫�قرتبت مني م�ساعد�ت �حلكيمة ليخففن مالب�سي ومي�سكن بي �سرت ق�سعريرة يف‬
‫ج�سدي‪ ..‬فاأغم�ست عيني‪ ..‬و�أنا �أحاول �سرف ذهني عن �أي �سيء �سيئ ميكن �أن‬
‫أنفا�سا مرتعدة غري منتظمة‪ ..‬وقلت يف عقلي‪:‬‬
‫يحدث‪ ..‬تن ّهدت و�سهقت � ً‬
‫أنت‬
‫‪ -‬كوين �سجاعة‪ ..‬من �أجل �إيفي �ل�سغرية‪ ..‬ومن �أجل باقي �لعفيفات‪ِ � ..‬‬
‫منهم فال د�عي للقلق‪...‬‬
‫ويف حلظة �سمعت �سوت ظافر يغزو تفكريي‪ ،‬ليقول ب�سوته �لعميق‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أتعرفني معنى ��سمك؟‪.‬‬
‫�سمت م�سدوهة من ما قال‪ ..‬هل ح ًّقا ي�ساألني يف تلك �للحظة بالذ�ت؟ �أمل ير‬
‫وقتًا �أن�سب من هذ�؟ لكن �سوؤ�له ذ ّكرين مبا قالته �إيفي ب�سوتها �لناعم‪:‬‬
‫‪� -‬إليونور�‪ ...‬معناه �ل�سوء �جلميل و�لد�فئ‪.‬‬
‫لي�سيف هو ب�سوته �لذي تخلل كل خاليا ج�سدي بعذوبته‪:‬‬
‫‪ -‬معناه �سوء �ل�سم�ص‪...‬‬

‫ع‬
‫هد�أت �أنفا�سي وقد �قتحمت عقلي �سورة �ل�سم�ص وقت �ل�سروق‪ ،‬وهي تفرد‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�أ�سعتها على �سفحة �لبحر �لزرقاء لت�سبغها بلونها �خلجول يف بد�ية �لنهار‪،‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫�سفتي و�سقطت من عيني دمعة حنني‪ ..‬كم �أ�ستاق‬
‫فارت�سمت �بت�سامة م�سرتخية على ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫لهذ� �ملنظر‪ ..‬كيف تذ ّكرته يا ترى؟‬

‫ع‬
‫قدمي �حلافيتني يف �لرمال �لناعمة لتغو�ص‬
‫ر�أيت نف�سي يف هذ� �مل�سهد‪� ،‬أغر�ص ّ‬
‫مبنتهى �حلنان و�لدفء‪ ..‬و�سمعت �سوت بع�ص �لع�سافري تزقزق‪ ..‬كما �سمعت‬
‫�سوت مو�سيقى‪ ..‬وقتها تد�خل �سوت ظافر مع �لذكرى ليقول‪:‬‬
‫بك ح ًّقا‪.‬‬
‫‪ -‬هذ� ما �أتى ببايل حني ر�أيت جمالك الأول م ّرة‪ ..‬فهذ� �ال�سم يليق ِ‬
‫فتحت عيني بغري فهم‪ ،‬الأقابل نظرة ظافر �ملطمئنة‪ ،‬وقد �أز�ل غطاء ر�أ�سه‬
‫قليال ليك�سف عينيه �لتي بد� لونهما د�ف ًئا للغاية بطريقة غريبة‪ ..‬فهم�ست بد�خلي‬
‫ً‬
‫بغري فهم‪:‬‬
‫‪ -‬حني ر�أيت جمايل؟!‪.‬‬
‫ملحته يومئ بهدوء وقال و�سوته يدور يف ر�أ�سي لي�سبب يل خد ًر� مم ّيزً �‪:‬‬
‫‪ -‬كنت �أنتظرك‪� ..‬أنتظر تلك �لفتاة �ال�ستثنائ ّية �لتي تختلف عن �لباقيات‪..‬‬
‫أر�ك‪.‬‬
‫حار�سا من قبل �أن � ِ‬
‫لك ً‬ ‫ف ُوهبت ِ‬

‫‪‬‬
‫تن ّهدت بر�حة وقد �سرت بج�سدي �أثر كلماته �ملهدئة لالأع�ساب‪ ..‬حتى �سمعت‬
‫�سوت �حلكيمة تقول‪:‬‬
‫أنت بريئة يا �بنتي‪ ،‬ميكنك �لنهو�ص �الآن‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫ذر�عي وت�ساعد�ين على �رتد�ء مالب�سي‪ ،‬وقتها تع ّلق‬
‫ّ‬ ‫قالتها لتجذبني فتاتان من‬
‫ب�سري بظافر وهم�ست له بغري فهم‪:‬‬
‫‪� -‬أنت من ذ ّكرين بالبحر‪ ..‬وم�سهد �سروق �ل�سم�ص؟‪.‬‬
‫ُخ ّيل يل �أنني ر�أيت �إمياءته‪ ..‬فابت�سمت وهم�ست بامتنان حقيقي‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬أ�سكرك!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�نتهى �لك�سف على �إز�لني و�إيفي ب�سالم‪ ،‬كما �نتهى �لك�سف على باقي �لفتيات‪،‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫ق�سة «�لرق�سة �الأخرية»‪،‬‬
‫رفيقتي وح ّر��سنا‪� ،‬لفتاة ذ�ت ّ‬
‫ّ‬ ‫لينتهي �الأمر بوجودي مع‬
‫و�الأخرى �لثائرة للع ّفة �لتي تعذبنا ب�سبب �ندفاعها �الأهوج‪ ،‬باالإ�سافة لعدد قليل من‬
‫�لفتيات �الأخريات‪ ..‬فقط!‬

‫‪T‬‬
‫مل ناأخذ در�ص �لفرو�سية كما مل نكمل �إفطارنا‪ ،‬بل �رتدينا مالب�ص ثقيلة‬
‫لن�ساهد ما يحدث باالأ�سفل كما �أخربتنا جليند�‪.‬‬
‫�رتديت �لعديد من �ملالب�ص بع�سها فوق بع�ص وختمت مظهري بعباءة �سود�ء‬
‫كبرية وثقيلة‪ ،‬ت�سبه ما يرتدي ظافر‪ ..‬متمت على مظهري كما فعلت �لعر�ئ�ص‬
‫�ملتبقيات بهدوء‪ ..‬ووقفت خارج �لقلعة؛ �لهو�ء ي�سرب وجهي بعنف فرفعت غطاء‬
‫�لر�أ�ص �الأ�سود �إ ّ‬
‫يل ونظرت لظافر قائلة ب�سيق‪:‬‬
‫‪ -‬كيف ت�سيطر على ما ترتدي و�سط هذه �لرياح �لهوجاء؟ �أال ت�ساأم من �سبط‬
‫هيئة ما ترتدي كل ثانية �أو �ثنتني؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ب�سكل ملحوظ‪،‬‬
‫علي لتكف عن �لرفرفة ٍ‬ ‫�سحك بهدوء و�أحكم �إغالق عباءتي ّ‬
‫بفعل من �أفعاله �لغام�سة‪ ،‬فتن ّهدت و�أم�سكت بيد �إيفي �لباردة‬
‫الأدرك �أنه قد �سحرها ٍ‬
‫للغاية‪ ..‬فاحت�سنتها الأم ّدها بالدفء والأ�ستمد منها �لقليل من �أفكارها �لربيئة‪،‬‬
‫لتبدل هو�ج�سي ولتهدئ �لطنني بعقلي‪ ،‬وفجاأة �سمعت �سوت بوق عال ًيا‪ ،‬فانتبهت‬
‫رجال ينفخ يف �لبوق ثم يب�سط ر�سالة يف يده‪ ،‬يقر�أ منها قر�ر �الأمري �لذي‬ ‫الأجد ً‬
‫غ�سة يف حلقي حني جاء �لتاأكيد على تعذيب كل �لعر�ئ�ص‬ ‫�تخذ �سري ًعا‪� ..‬بتلعت ّ‬
‫�ملذنبات وح ّر��سهنّ ‪ ..‬فنظرت حويل �أتفقد كل جزء من �ملكان �لذي نقف به‪..‬‬
‫فنحن نقف بحديقة �لقلعة‪ ،‬لكن هي �أ�سبه بغابة‪ ..‬خميفة بظلمتها �لتي ال ينريها‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ري يف �ل�سماء وم�سابيح يدو ّية باالأر�ص‪� ،‬لقلعة �سود�ء‬ ‫�إال طاوو�ص م�ستدير م�ستن ٌ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫من عتمة �لليل‪ ..‬و�لقلوب و�جلة؛ �لوجوه �ملذنبة �سود�ء‪ ،‬و�الأخرى بي�ساء �ساحبة‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫ب�سحوب �ملوت‪ ،‬تخ�سى ما �سوف يحدث بعد دقائق‪ ..‬معظم �لعاملني بالق�سر �أتو�‬

‫والتوزي‬
‫لي�سهدو� هذ� �لقر�ر‪� ،‬ملا�سطة‪� ،‬مل�سرفة جليند�‪ ،‬كبرية �لطهاة ميلد� و�حلكيمة‬

‫ع‬
‫أي�سا تقف �خلادمات‬ ‫�لقوي‪ً � ،‬‬
‫كذلك‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم كبري �حلر�ص �لعجوز وم�ساعده ّ‬
‫�سف �آخر‪،‬‬
‫�سف و�حد بز ّيهن ذي �للونني‪ ،‬ويقف �خلدم ذو �ملالب�ص �لباهتة يف ٍ‬ ‫يف ٍ‬
‫ي�سهدون �حلدث ليعتربو� رغم �أن �خلدم ال يلقون �خلادمات �إال ناد ًر�‪ ،‬لكن �إن و�سل‬
‫�أحدهم ملكانة �أعلى ذ�ت يوم يجب �أن تكون تلك �لذكرى ر��سخة بعقله‪ ..‬ذكرى روؤية‬
‫�لعر�ئ�ص و�حل ّر��ص �ل�سابقني‪ ،‬مع ّلقني من �أيديهم و�أج�سادهم تذهب وتاأتي كورقة‬
‫مهب �لريح‪� ،‬سيبقون هكذ� لليوم �لتايل‪ ،‬بوجوههم ّ‬
‫�ملغطاة‪ ،‬فاإما �أن تاأكلهم‬ ‫يف ّ‬
‫�لوحو�ص �ملفرت�سة ً‬
‫ليال‪ ،‬و�إما �أن يفتك بهم �لربد‪� ،‬أو يتو ّقف قلبهم �أثناء تخ ّيل �أي‬
‫�سيء من ما �سوف يحدث يف ما بعد‪..‬‬
‫�سمعت �أن من ينجو منهم من �حلر�ص �ل�سابقني �سوف يعمل مبدبغة �جللود‪..‬‬
‫و�أن من �ستنجو من �لعر�ئ�ص �ل�سابقات �ستعمل يف تنظيف �حلظائر �لقذرة‪ ،‬مع‬
‫كنيتهم �جلديدة‪ ..‬كونهم عبيدً �‪ ...‬ال يحق لهم تناول �لطعام �إال يف �أوقات قليلة‬
‫حني يتب ّقى �أي ف�سالت من �خلدم‪ ،‬ال ر�حة لهم‪ ،‬يفعلون �أي �سيء ُيطلب منهم‪..‬‬

‫‪‬‬
‫حتى ولو كان بال نفع ومق ّر ًر� فقط الإنهاكهم عقل ًيا وج�سد ًّيا‪� ..‬سمعت �سوت فتاة‬
‫ت�سيح با�ستجد�ء‪ ،‬لكن كبري �حلر�ص �أخر�ص �سوتها‪ ..‬و�تّ�سعت عيناي حني �قرتب‬
‫حامال ً‬
‫�سوطا �أ�سود �سديد �لهيئة‪ ،‬جلد ك ٌل منهم على ج�سده‬ ‫رج ٌل قوي �لهيئة منهم‪ً ،‬‬
‫ع ّدة جلد�ت‪ ،‬فاهتزّت �أج�سادهم �أملًا بدون �أي �سوت من �أفو�ههم‪ّ ..‬‬
‫فدق قلبي‬
‫بعنف‪ ،‬و�سهقت �لهو�ء ب�سعوبة ومعدتي توؤملني من مظهرهم �لبائ�ص يف مالب�سهم‬
‫�ملهرتئة �لذي يزيده �لظالم بو ًؤ�سا‪ ..‬وقلت لظافر با�ستجد�ء‪:‬‬
‫حا�ستي �ل�سمع و�لب�سر حتى ينتهي �الأمر‪ ..‬لن �أ�ستطيع �الحتمال‬
‫‪�� -‬سلب مني ّ‬
‫�أكرث!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫ر ّبت على كتفي وهم�ص بالقرب من �أذين‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬متا�سكي‪ ..‬دقائق وينتهي كل �سيء‪.‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫ركبتي ب�سعف بعد �أن‬
‫ّ‬ ‫�سغطت على يده �ملو�سوعة على كتفي وهبطت على‬
‫خذلتني �ساقاي وقلت با�ستجد�ء‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر �أرجوك!‪.‬‬
‫�نحنى ليجل�ص على ركبتيه بالقرب مني لت�ساهدنا �إز�لني بغر�بة من حتت‬
‫م�سج ًعا‪:‬‬
‫عباءتها �لزرقاء كلون عينيها‪ ،‬و�سمعته يقول يل ّ‬
‫�ساهدت هذ� �لعذ�ب �سيهون كل ما هو � ٍآت‪� ..‬أريدك قو ّية �إليونور�‪ ..‬كوين‬
‫ِ‬ ‫‪� -‬إن‬
‫قو ّية‪ ..‬و��سمدي وتط ّلعي لالأعلى‪ً ..‬‬
‫دوما‪.‬‬
‫نظرت له بتيه‪ ،‬فاأ�سار برقبته لالأعلى جهة �لي�سار‪ ،‬فنظرت ملا ي�سري �إليه‪ ،‬الأجد‬
‫�سخ�سا يقف باأعلى طابق ‪-‬وهو �أ�سفل برج �لعر�ئ�ص بقليل فقط‪ -‬ينت�سر �ل�سوء‬ ‫ً‬
‫�ملر�سع‪ ،‬لكن وجهه خفي عن �لعيان ب�سبب �سقوط‬ ‫على مالب�سه �لفخمة وعلى تاجه ّ‬
‫ظل �لتاج عليه‪ ،‬يقف بعظمته لي�ساهد �حلدث‪ ،‬يرى من خانوه قبل �أن يلتقي بهم‪..‬‬
‫ي�سهد �حلدث وال يغفر لهم �أبدً �‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬خليانة د�ء ال دو�ء له �إال �لبرت‪ ،‬و�الإق�ساء برت‪...‬‬
‫قالها ظافر فتالءم قوله مع �أفكاري‪ ،‬فقلت م�سدوهة بهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬هل هذ� هو؟ هل هذ� هو �سمو �الأمري؟‪.‬‬
‫رفع ظافر ر�أ�سه �إليه وقال لي�سب �أفكاره بعقلي بلهجته �لعميقة �لتي �سابها‬
‫بع�ص من �لغمو�ص‪:‬‬
‫‪� -‬خليانة د�ء‪ ..‬و�النتقام هو �لبرت‪...‬‬

‫ع‬
‫�تّ�سعت عيناي بذعر الأثر كلماته بينما ي�ساعدين هو على �لنهو�ص‪ ،‬ورددت بغري‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫فهم‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪� -‬نتقام؟‪.‬‬

‫ر‬
‫‪ T‬والتوزي‬
‫ع‬

‫‪‬‬
‫)‪(13‬‬

‫ما بيــن اليقظة والنوم‬

‫بعد مرور �لوقت �لذي بد� من �أكرث �الأوقات �سعوبة علينا جمي ًعا‪ ،‬جل�سنا‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�سامتني حول �ملن�سدة �الأر�سية‪ ،‬نظرت حويل �أحاول تذ ّكر �أي وجه ماألوف يل بعد‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�أن رحلت �أغلب �ملذنبات‪ ،‬الأجد �أنني مع �إيفي‪ ،‬و�إز�لني‪ ،‬و�لفتاة �ساحبة �حلكاية‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�ملرعبة عن قاب�سي �الأرو�ح وبع�ص �لوجوه �الأخرى �ملاألوفة‪ ..‬تن ّهدت �سي ًقا وذهبت‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫�سخ�سا ما �سي�سرخ ِمن ما‬
‫لفر��سي‪ ..‬ال �أريد �جللو�ص معهم‪� ..‬أكاد �أجن! �أ�سعر باأن ً‬
‫م�ص كبري لكر�متنا‪ ،‬ولن �أن�ساه �أبدً �‪ ...‬مهما حدث!‬
‫به من فزع‪ ..‬فما حدث هذ� هو ّ‬
‫�أوقفني ظافر و�أ�سار على ز�وية بعيدة ن�سب ًّيا من �لطابق ‪-‬وهي بالقرب من‬
‫�لنافذة‪ً -‬‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪َ -‬مل ال تاأخذين ً‬
‫فر��سا �آخر بجانب �إز�لني؟ فالعديد من �لفتيات بالقرب منها‬
‫قد رحلن‪...‬‬
‫فهمت من �قرت�حه �أنه يريد توفري �لوقت يف حر��ستنا م ًعا‪ ،‬فو�فقت‪ ،‬لي�ص الأنني‬
‫فقط �أريد �لتق ّرب منها من �أجل رق�سة عيد مولد �الأمري‪ ،‬بل الأن مكاين بات يبعث‬
‫يل ذكريات �لفح�ص و�لفتيات �لالتي تو ّقف قلبهن‪ ..‬لن �أ�ستطيع �لنوم يف هذ�‬
‫�لفر��ص م ّرة �أخرى‪.‬‬
‫و�جتهت للفر��ص الأ�سعها هناك‪ ،‬والحظت �أن ظاف ًر� قد جعله‬ ‫�أخذت �أغر��سي ّ‬
‫وكاأنه جديد‪ ،‬كنت ممت ّنة له‪ ،‬فلن �أكون الأنام على فر��ص ��ستخدمته فتاة غريبة من‬
‫قبلي‪..‬‬
‫‪‬‬
‫�سمعت �سوت خادمتني تقوالن باأدب‪:‬‬
‫‪� -‬ل�سيدة جليند� �أخربتنا باإح�سار �لغد�ء ً‬
‫بدال من �لطعام �لذي مل تكملنه‬
‫�آن�ساتي‪...‬‬
‫مل يقل �أحد �سي ًئا‪ ،‬فاأنا بالكاد ف ّكرت يف �لطعام بعد ما حدث‪� .‬أح�سرتا �لطعام‬
‫وتناولناه بدون �سه ّية حقيق ّية‪ ،‬فاأنا عن نف�سي تناولت ما يجعلني قادرة على �ملتابعة‪،‬‬
‫وتركت �أكرث من ن�سف طعامي الإيفي‪ ،‬و�لتي ‪-‬على غري �لعادة‪ -‬ر�أيتها ال تاأكل ب�سه ّية‬
‫عرو�سا تقف‬
‫مفتوحة �أبدً �‪ ..‬وبينما �أنا خارجة من �مل�سرت�ح وبجانبي ظافر‪ ،‬ر�أيت ً‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫عند �لدرج‪ ،‬ولي�ست �أي عرو�ص‪ ..‬بل هي �لعرو�ص �الآتية من غرفة �الأمري!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�نده�ست �أنا كث ًري� لعودتها وقبل �أن �أ�ساألها �أي �سيء وجدتها هي ت�ساألني عن‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫تغري حال �لطابق‪:‬‬
‫ّ‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫‪َ -‬مل هناك �لقليل من �لفتيات؟ �أين ذهبت �لباقيات؟ و َمل هوؤالء �لرجال هنا!‪.‬‬
‫كدت �أن �أجيبها باأ�سف �إال �أنها �سرخت بفزع‪ ،‬فعدت خطوة للخلف من �سوتها‬
‫وت�ساءلت بغر�بة‪:‬‬
‫بك؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما ِ‬
‫فاأ�سارت ملن يقف بجانبي‪ ..‬ظافر‪ ..‬فابت�سمت الأهدئها وقلت ب ِو ّد‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� حار�سي‪ ..‬مت �إظهار جميع �حلر�ص‪...‬‬
‫عقد ظافر ذر�عيه �أمام �سدره وكاأنه ي�ساألها‪�« :‬أهناك �عرت��ص؟» الأجدها‬
‫بتوج�ص‪ ..‬وت�ساءلت بغر�بة وده�سة‬‫�أوماأت ع ّدة م ّر�ت وعيناها ما ز�لتا م�سبثتان به ُّ‬
‫عيني �لع�سل ّيتني‪:‬‬
‫بينما ج�سدها يرتع�ص رع�سة خفيفة مل تغب عن ّ‬
‫‪ -‬لكن ملاذ�؟‪.‬‬
‫مل �أ�ستطع مقاومة �القرت�ب منها و�لرتبيت على يديها الأهدئ �هتز�زهما‬
‫�مللحوظ وقلت بهدوء‪:‬‬
‫‪‬‬
‫لك‪� ..‬أنا �سئمت �لو�سع‪...‬‬
‫‪ -‬دعي �لفتيات يحكني ِ‬
‫و�سرت معها حتى منت�سف �لطابق‪ ،‬لت�ستقبلها �لعر�ئ�ص بالده�سة و�لف�سول‪،‬‬
‫حتى �إن �إحد�هنّ جتر�أت و�ساألت‪:‬‬
‫منك �الأمري؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل �سئم ِ‬
‫�سحكت �لفتاة بتوتّر وتركت يدي لتجل�ص على �إحدى �لو�سائد �الأر�س ّية‪ ،‬فالتفت‬
‫حولها �لعر�ئ�ص‪ ،‬ومل يردعن ف�سولهنّ ‪ ،‬بل �ساألنها عن كل �سيء! و�أجابتهن هي‬
‫بخفوت وخجل‪ ،‬وحني حا�سرنها باأ�سئلتهن �ملحرجة‪ ،‬ر ّدت بتح ّفظ‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬ما يحدث بطابق �الأمري يبقى �س ّر� بد�خله‪ ،‬لن �أحكي �أكرث من هذ�‪...‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫و�جتهت لز�وية بعيدة من �لغرفة لتجل�ص على فر��سها وحدها‪ ،‬وهو‬ ‫قالتها ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫‪-‬بال�سدفة‪� -‬لفر��ص �ملجاور يل‪ ،‬بالقرب من فر��ص �إز�لني!‬
‫�سرت خلفها بنف�ص ف�سولهنّ ‪ ،‬و�أنا �أريد �أن �أ�ساألها عن �سيء مل ت�ساألها عنه �أي‬
‫فتاة قط‪..‬‬
‫‪ -‬كيف يبدو �الأمري؟‪.‬‬
‫قلتها بهم�ص مرت ّقب بينما �أتابعها تتد ّثر ج ّيدً � بالغطاء لربودة �جل ّو‪ ،‬فابت�سمت‬
‫يل بطيبة‪ ..‬بها �سيء من �ملر�رة‪ ،‬وقالت يل‪:‬‬
‫‪� -‬قرتبي‪...‬‬
‫فعلت كما طلبت مني‪ ،‬فر ّبتت على يدي كما فعلت �أنا ليديها منذ قليل وقالت‬
‫بهدوء و�هن‪:‬‬
‫ل�ست لئيمة مثلهنّ ‪.‬‬
‫أنك ِ‬‫عليك فقط ال ِ‬
‫‪� -‬ساأرد ِ‬
‫‪ -‬لئيمة؟‪.‬‬
‫ر ّددتها بد�خلي بت�ساوؤل‪ ،‬الأجدها تقول بابت�سامة �ساردة‪ ..‬بها �سيء من �حلنني‪:‬‬
‫‪‬‬
‫يجعلك تقعني يف غر�مه‪ ..‬نربة‬
‫ِ‬ ‫ب�سكل � ّأخاذ‪..‬‬
‫‪ -‬هذ� �الأمري و�سيم للغاية‪ٍ ،‬‬
‫�سوته د�فئة‪ ..‬لكن‪...‬‬
‫�أكاد �أق�سم �أنني ر�أيت دمعة تك ّونت عند ز�وية عينيها حتاول �لتعبري عن‬
‫وجودها‪ ،‬لوال �أن قاطعتها �إيفي ب�سوتها �لربيء‪:‬‬
‫‪ -‬هل يل �أن �أنام هنا؟‪.‬‬
‫قالتها لعرو�ص �الأمري‪ ،‬فابت�سمت �الأخرى بطيبة حني ر�أت �إيفي تتحدث و�لنعا�ص‬
‫يبدو جل ًّيا على وجهها‪ ،‬مم�سكة بدميتي �جلميلة �ل�سلعاء‪ ،‬فنه�ست من فر��سها‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫قائلة‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫‪ -‬لتنامي بجو�ر �سديقتك؟ ح�س ًنا‪ِ ..‬‬
‫لك هذ�‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫فقامت من فر��سها وقالت بوهن وهي ترمي بحمل ج�سدها على �لفر��ص‬

‫ع‬
‫�ملجاور‪:‬‬
‫‪ -‬لن يكون يل مكان هنا � ً‬
‫أ�سال‪.‬‬
‫و�سحكت �سحكة هادئة‪ ،‬وكما فعلت يف �لفر��ص �الأول‪ ،‬تد ّثرت ج ّيدً � من برودة‬
‫�جل ّو‪ ،‬وهذ� �مل ّرة جتاهلت كوننا نقف يف نف�ص �لبقعة‪� ،‬أغم�ست عينيها و��ست�سلمت‬
‫لنوم عميق‪ ..‬يبدو �أنها مل تنم قط بطابق �الأمري!‬
‫ٍ‬
‫�بت�سمت �إيفي وهي جتذب �لغطاء على ج�سدها وقالت بنعومة‪:‬‬
‫‪� -‬مممم كم هو د�فئ‪ ..‬ت�سبحني على خ ٍري �إليونور�‪...‬‬
‫هززت ر�أ�سي ورددت عليها‪ ،‬وحت ّركت لل�سرفة‪ ..‬كم �أريد �أن �أنظر من خاللها‬
‫رغم �مل�ساهد �ملرعبة �لتي قد تظهر �أمامي‪� ..‬أزلت �ل�ستائر باأناملي بهدوء و�قرتبت‬
‫رئتي من‬
‫بر�أ�سي من �لهو�ء �لبارد م�ستن�سقة �أكرث ما �أ�ستطيع منه بنهم‪ ،‬ثم �أفرغت ّ‬
‫ما بي من قلق‪ ،‬وطماأنت نف�سي‪ ..‬جمرد نظرة فقط‪ ..‬لن يحدث �سيء!‬

‫‪‬‬
‫�أخف�ست ب�سري لالأ�سفل وفتّ�ست بعيني عن �أي بقعة �سوء تر�سدين‪ ،‬فوجدت‬
‫�سعالت م�ساءة مي�سكها بع�ص �خلدم �لذكور‪ ،‬يقفون بالقرب من ما �أبحث عنهن‬
‫بعيني‪� ..‬لعبيد �جلدد‪ ..‬تن ّهدت وز�دت د ّقات قلبي‪ ،‬ه ّيئ يل �أنني �سمعت �سوتهن‬
‫يبكني ب�سمت‪� ،‬إال من و�حدة منهن تبكي مبر� ٍر وتئن وت�سرخ بني �حلني و�الآخر‪..‬‬
‫حدقتي عينيها �لرماد ّيتني كاالأمو�ت ومن‬
‫ّ‬ ‫�أكاد �أرى �للون �الأحمر �لد�مي حول‬
‫حولهما �لكحل �الأ�سود ي�سجنهما بق�سوة‪� ..‬عت�سرت قلبي بيدي وق ّررت �لرحيل‪..‬‬
‫وحني ��ستدرت الأعود للخلف ��سطدمت بج�سد �سعيف �أ�سدر تاأوهً ا خافتًا‪..‬‬
‫‪� -‬إز�لني!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫ب�سمت هكذ�! مل �أ�سعر بها تقرتب مني لهذ� �حلد!‬
‫ٍ‬ ‫قلتها بغر�بة‪ ،‬ملاذ� تقف‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬تقفني مكاين‪.‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫مف�سرة ما �أفكر به‪ ،‬فان�سحبت �أنا ب�سمت الأجعلها تقف وتر�قب �سوء‬ ‫قالتها ّ‬
‫�لقمر �لرنج�سي �لذي ما ز�ل ي�سبهها ً‬
‫قليال‪ ..‬وعدت �أنا لتج ّمع �لفتيات‪� ،‬أحاول‬
‫علي قر�ءته حتت‬‫مت�سية �لوقت يف �أي �سيء‪ ،‬متغا�سية �لنظر عن وجود كتاب يجب ّ‬
‫و�سادتي‪ ،‬فال مز�ج يل للقر�ءة يف هذ� �للحظة‪ ..‬ال �أريد فعل �أي �سيء؛ فقط �أريد‬
‫�ل�سري يف هذ� �لطابق �ململ‪� ،‬أفكر يف �الأمري‪ ..‬وما �سي�سمنه يل وجودي بجانبه‪..‬‬
‫مر�سع رفيع‪ ،‬يختلف عن تاج �أمريي �لعظيم‪� ..‬أنظر‬ ‫تاج ّ‬ ‫تخ ّيلت نف�سي �أمرية‪ ،‬ذ�ت ٍ‬
‫للجميع بعل ّو‪� ،‬أبت�سم بغرور بينما �ألقي �الأو�مر ميي ًنا وي�سا ًر� من �أجل ر�حتي‪ ،‬بينما‬
‫مي�سك �الأمري بيدي‪ ،‬تتخ ّلل �أ�سابعه �أ�سابعي مبنتهى �لع�سق‪ ..‬كدت �أن �أر�سم له‬
‫�سورة يف خم ّيلتي �إال �أنني �سمعت �سوتًا عال ًيا يجادل‪:‬‬
‫‪ -‬نحن �لرجال نعمل لنحمي هذ� �لعامل‪ ،‬و�أن ّ‬
‫نت جم ّرد جاريات! لت�سل ّية وجودنا‬
‫ووجود �الأمري فقط!‪.‬‬
‫كان هذ� �أحد �حل ّر��ص �لعنيدين‪ ،‬و�أيدته بع�ص �الأ�سو�ت �لذكورية �الأخرى‪،‬‬
‫لتقول فتاة ما معرت�سة‪ ،‬مد�فعة عنها وعن �لباقيات‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ال ال لن �أ�سمح لك! فنحن �أجمل و�أرق منكم! ولهذ� يحتار �الأمري بيننا‪� ،‬أنتم‬
‫هنا حلمايتنا فقط‪� ،‬أي تعملون لدينا! وهذ� ال يعني �أي �سيء غري كوننا �أهم‬
‫منكم!‪.‬‬
‫�سحك �أكرث من حار�ص ب�سخرية و��ست ّدت �ملناق�سة‪ ،‬حتى �إن �لعديد من �لفتيات‬
‫�ن�سرفن على ر�أ�سهن �لفتاة �ساحبة �حلكاية‪ ،‬يبدو �أنها �ستحكي لهنّ �سي ًئا جديدً �‬
‫هذه �لليلة‪ ..‬ليتني �أ�ستطيع �سماع ما �ستقول‪ ،‬لكن �ل�سد�ع يف ر�أ�سي يكاد يقتلني‪..‬‬
‫ملحت ظاف ًر� ينهي حديثه مع حار�ص �إز�لني �لذي بد� وحيدً � دون �أ�سدقاء �ل�سوء‬
‫و�جته يل ً‬

‫ع‬
‫قائال‪:‬‬ ‫خا�سته‪ّ ،‬‬
‫ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬من �الأف�سل �أن تبقي بعيدً � عن هذ� �ل�سجار‪ ..‬من �ملمكن �أن يتم �إق�ساء‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�ملزيد �الآن‪...‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫و�سعت يدي على ر�أ�سي وقلت ب�سعف‪:‬‬
‫‪ -‬طب ًعا هذ� �سهل‪� ..‬سياأتون بعر�ئ�ص �أخريات مبنتهى �ل�سهولة!‪.‬‬
‫ً‬
‫مت�سائال‪:‬‬ ‫�قرتب مني ظافر و�أنزل يدي من على ر�أ�سي ببطء‬
‫‪� -‬أت�سعرين بال�سد�ع؟‪.‬‬
‫نظرت له ب�سعف وهززت ر�أ�سي‪ ،‬فقال بهدوء‪:‬‬
‫‪ً � -‬إذ� فلرتتاحي ً‬
‫قليال‪...‬‬
‫�أ�سار على �لفر��ص �جلديد يل فذهبت بهدوء كي ال �أوقظ �إيفي �أو عرو�ص �الأمري‪،‬‬
‫و��ستلقيت وتد ّثرت ج ّيدً �‪ ،‬فوجدت ظاف ًر� �قرتب مني و�نحنى ً‬
‫قليال‪ ،‬و�سع يده على‬
‫جبيني ور�أ�سي وقبل �أن ميررها على عيني ��ستوقفته‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪ ..‬حلظة‪...‬‬
‫ً‬
‫مت�سائال‪ ،‬فت�ساءلت �أنا بينما‬ ‫قلتها بعقلي قبل �أن ير�سل خالياه للنوم‪ ،‬فاأز�ل يده‬
‫�أتذكر ما حدث‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬هل ح ًّقا تذ ّكرت م�سهد �لغروب حني نظرت لوجهي؟‪.‬‬
‫ه ّز ظافر ر�أ�سه ب�سمت‪ ،‬فاأ�سفت �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬وهل بد� وجهي ً‬
‫جميال؟ �أعني‪ ..‬هل �سيعجب �الأمري؟‪.‬‬
‫�عتدل يف وقفته ً‬
‫قائال ي�سب كلماته يف عقلي كي ال ي�سمعها �أحد‪:‬‬
‫أنك الحظت هذ�‪ ..‬لكنني ر�أيت وجهك بكلتا حالتيه يف �أول لقاء‪..‬‬‫‪ -‬ال �أعتقد � ِ‬
‫�أمام زنازين �لقلعة‪...‬‬

‫ع‬
‫�سمت لربهة ثم ��ستطرد‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬حني حملتك على جو�دي الأو�سلك للقلعة‪ ،‬وجاءت ببالك �إحدى �حلكايات‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�الأ�سطورية و�أنكرت وجود �أي �سبه بينك وبني �أمري�تها كنت �أنا �أبت�سم‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫ل�سذ�جتك‪ ..‬كيف مل تدركي كونك جميلة وقتها؟‪.‬‬
‫نظرت له بغري فهم وف ّكرت‪:‬‬
‫‪ -‬وجهي كان �أقبح ما يكون!‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه نف ًيا و�أر�سل كلماته لعقلي ً‬
‫هم�سا حتى �ق�سع ّر بدين‪:‬‬
‫يوما دميمة‪ ..‬كان هذ� فقط �ستار‪ ،‬جم ّرد �ستار يخفي �حلقيقة‬
‫‪ -‬مل تكوين ً‬
‫مل�سلحتك‪.‬‬
‫مل �أفهم �سي ًئا‪ّ ،‬‬
‫فف�سر يل‪:‬‬
‫كنت جميلة‪ ،‬لكان �حلر�ص يتقاتلون على حر��ستك‪ ،‬الإغو�ئك وحتويلك‬ ‫‪� -‬إن ِ‬
‫لعرو�ص مذنبة‪� ،‬أو ملج ّرد خادمة يائ�سة حتب حار�سها‪� ..‬أما بو�سعي لذلك‬
‫أ�سبحت منبوذة من �جلميع‪ ،‬مكروهة من عيونهم‪ ،‬حتى �أختارك‬ ‫ِ‬ ‫�ل�ستار �‬
‫�أنا‪ ..‬الأو�سلك للهدف �ملطلوب‪...‬‬
‫وختم ما قال بـ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬الأعلى مكانة هنا‪...‬‬
‫وبكلماته هذه تذ ّكرت قول �أحد �حل ّر��ص‪:‬‬
‫‪ -‬ه ّيا يا ظافر‪� ..‬ظفر بها كما تظفر بكل �سيء!‪.‬‬
‫ت�سديق‪ ..‬هل فعل كل هذ� من �أجل تفادي تلك �للحظة؟ حلظة‬ ‫ٍ‬ ‫فنظرت له بغري‬
‫�الإق�ساء؟ هل �أبقاين خادمة دميمة حتى �قتنع �جلميع بذلك حماية يل؟ نعم! لواله‬
‫الأ�سبحت �الآن جم ّرد عبدة جديدة! معلقة من �أطر�فها يف غابة �لقلعة‪ ،‬يائ�سة وال‬
‫تاأمل �أي �سيء �سوى �أن ير�أف بها �أحدهم‪� ،‬أو �أن يتو ّقف قلبها تفاد ًيا ٍ‬
‫لعذ�ب �أكيد‪..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫لقد ظفر ظافر مبا �أر�د ً‬

‫ري‬
‫فعال! هم�ست له بعقلي‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫‪ -‬كيف فعلت هذ�؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫قليال ليظهر ما بينه‬‫�نحنى ليقرتب مني‪ ،‬و�سع يده على غطاء ر�أ�سه يرفعه ً‬

‫ع‬
‫وبني غطاء وجهه‪ ..‬عينيه‪ ..‬بدون تفكري نظرت لهما‪ ،‬وكاأن �سي ًئا بد�خلي يح ّثني‬
‫على �أن �أفعل هذ�‪ ..‬الأجد �أن لونهما �لرمادي فاحت للغاية‪ ..‬وهذ� ما يبدو جل ًّيا يف‬
‫مهال‪ ..‬هي تلمع بطريقة ملفتة‪ ،‬حتى �إن لونها بد�أ يف �لذبول‪ ..‬حتى‬‫عينه �لي�سرى‪ً ..‬‬
‫�أ�سبحت خاوية‪ ..‬فقط باللون �الأبي�ص‪ ،‬و�لعني �الأخرى كما هي!‬
‫تخ ّلل �سوته خاليا عقلي حني قال‪:‬‬
‫أنت �لوحيدة �لتي �سرتين هذ�‬
‫‪ -‬ما ترينه �الآن هو جانبي �الآخر‪� ،‬إليونور�‪ِ � ..‬‬
‫بك‪...‬‬
‫�جلانب �خلا�ص بي‪ ..‬فقط الأنني �أثق ِ‬
‫و��ستطرد بني ده�ستي‪:‬‬
‫ب�سري‪ ،‬ون�سفي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ل�ست جم ّرد روح‪ ،‬بل �أنا قاب�ص لها � ً‬
‫أي�سا‪ ..‬فاأنا ن�سف‬
‫�الآخر هو قاب�ص �أرو�ح‪...‬‬
‫ز�دت د ّقات قلبي ب�سرعة‪ ،‬و�زد�دت جنو ًنا على جنون حني �أخذت عني ظافر‬
‫بلون �أبي�ص �أخاذ‪ ،‬وكاأنه �سوء �ل�سم�ص �لذي �فتقدته! �سرت رع�سة‬
‫�لي�سرى تلمع ٍ‬
‫‪‬‬
‫غريبة يف ج�سدي وتذ ّكرت �أن تلك �لنظرة هي ً‬
‫فعال‪ ..‬نظرة قاب�ص لالأرو�ح! �سهقت‬
‫�أنفا�سي بذعر فاأعاد ظافر عينيه لطبيعتهما كما �أعاد غطاء �لر�أ�ص ليخفي عينيه‪،‬‬
‫فقلت �أنا بينما �ألتقط �أنفا�سي ب�سعف‪:‬‬
‫‪ -‬وماذ� عن وجهك؟‪.‬‬
‫ر ّبت على كتفي وهو ي�سعني للنوم ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬دعي كل �سيء يحدث يف وقته �ملنا�سب‪...‬‬
‫و�أ�ساف بينما مي ّرر يديه على ر�أ�سي‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬ت�سبحني على خري‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�أغم�ست �أنا عيني الأ�سمع �لعديد من �الأ�سو�ت �لغريبة‪ ..‬هم�ص‪ ..‬بكاء‪� ..‬أنني‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫و��ستيقظت بعد قليل‪ ...‬الأجد �أنني قد قاومت �لنوم الأ�ستيقظ‪ ..‬على نف�ص �ل�سوت‬
‫�الأخري �لذي جاءين بحلمي‪� ..‬سوت �الأنني‪..‬‬
‫�لتفت حويل ومل �أجد ظاف ًر� بجانبي‪ ،‬والحظت �سمت جميع �الأ�سو�ت عد� ما‬
‫�أ�سمعه �الآن‪� ..‬جلميع نيام‪� ،‬إز�لني‪� ،‬إيفي و�جلميع‪� ،‬حلر�ص لي�سو� موجودين‪� ..‬أين‬
‫رحلو� يا ترى؟ �لتفت للي�سار تلقائ ًيا مل�سدر �ل�سوت‪ ..‬حت ّول �الأنني �إىل نحيب‪..‬‬
‫و�سهقات ّ‬
‫متقطعة! ماذ� يحدث!‬
‫نه�ست ببطء على �أطر�ف قدمي‪� ،‬أريد تتبع �ل�سوت‪ ..‬ف�سول غريب مت ّلكني‪..‬‬
‫مل �أ�سع �خلف �لناعم بقدمي‪ ،‬بل �سرت على �لبالط �لبارد ببطء وحذر‪� ،‬أقرتب‬
‫ين‪ ..‬وفجاأة تو ّقفت حني ملحت من جتل�ص مولية ظهرها �إ ّ‬
‫يل‬ ‫�أكرث‪ ،‬ليزيد �ل�سوت باأذ ّ‬
‫بجانب �ملن�سدة �الأر�سية‪ ..‬كانت عرو�ص �الأمري! تاأكل بنهم من �لفاكهة �ملرتوكة‬
‫على �ملن�سدة‪ ..‬يختلط �سوت بكائها �لذي حتاول كتمه مع �سوت ق�سمها لثمرة‬
‫�لت ّفاح يف يدها �لي�سرى‪ ،‬تظهر �سوت �سهقاتها وهي تدخل ح ّبات �لعنب بفمها‬
‫بنهم‪ ..‬هل هي جائعة لتلك �لدرجة؟ هل توؤملها معدتها؟ �رتعدت �أنفا�سي لت�سدر‬
‫‪‬‬
‫أتل�س�ص عليها‪ ،‬عدت لفر��سي‬
‫قليال‪ ،‬فرت�جعت قبل �أن تكت�سف �أنني � ّ‬ ‫�سوتًا عال ًيا ً‬
‫وتد ّثرت بهدوء‪ ،‬الأجد �أنني قد ��ست�سلمت للنوم م ّرة �أخرى!‬
‫�سوت �أنني‪ ..‬خمتلط مع �سوت نهنهة‪� ،‬سهيق وبكاء مكتوم‪ ..‬كل هذ� ي�سدر من‬
‫نف�ص �لفتاة �إال �أنه يك ّرر و�حدً � تلو �الآخر فيختلط على �أذ ّ‬
‫ين‪� ..‬إح�سا�ص بالربودة‬
‫يحت ّل عقلي‪� ..‬أ�سعر بهو�ء غريب يالم�سني‪ ،‬يد�عب جبيني‪� ، ،‬أهد�بي و�أنفي‪..‬‬
‫ينبعث من �أمامي‪ ..‬حاولت فتح عيني فوجدت �ل�سباب يعميني‪ ،‬ل ّوحت بيدي يف‬
‫�لهو�ء بينما �أ�سري لالأمام ببطء‪ ،‬لتقرتب �أ�سو�ت �لعويل مني بطريقة غريبة‪...‬‬

‫ع‬
‫و��سحا حني �سمعتها تقول ب�سعف‪:‬‬
‫ً‬ ‫الأدرك �أنه �سوت عرو�ص �الأمري‪ ..‬وبد� هذ�‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪� -‬تركني‪� ..‬تركني!‪.‬‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫وفجاأة و�سحت �ل�سورة �أمامي! �لفتاة مع ّلقة يف �لهو�ء وكاأنها تنام على ظهرها‪،‬‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫منامتها �لبي�ساء �لنظيفة تظهر بو�سوح ما يقف بالقرب منها متح ّك ًما فيها‪ ..‬قاب�ص‬

‫ع‬
‫�أرو�ح‪ ..‬يحمل �ل�سباب بني يديه يح ّركه حولها‪ ..‬بينما هي تئن وته ّز ر�أ�سها ب�سيق‪،‬‬
‫لكن تت�س ّو�ص �ل�سورة �أمامي الأر�ها مبت�سمة ب�سفاء مغم�سة �لعينني مغلقة �ل�سفاه‬
‫و�ل�سوت ما ز�ل ينبعث حول �أذين! وفجاأة! �سمت كل �سيء! �إال من ذلك �ل�سوت‪:‬‬
‫‪� -‬إليونور� ه ّيا ��ستيقظي!‪.‬‬
‫نه�ست بق ّوة ده�ستي الأكون جال�سة و�ساقاي ممددتان �أمامي يف فر��سي‪� ،‬أ�سهق‬
‫�أنفا�سي ب�سعوبة بينما �إيفي تنظر يل بده�سة وتقول ب�سوتها �لرقيق‪:‬‬
‫‪ -‬هل �أفزعتك؟‪.‬‬
‫قالتها ظ ًّنا منها �أن ب�سوتها �لعذب هذ� قد �أيقظتني من نومي‪ ،‬وهي ال تدري‬
‫�سي ًئا عن غر�بة ما �ساهدت! م�سحت على وجهي �أحمو ما �ساهدت من خم ّيلتي بينما‬
‫�أنادي ظاف ًر� بعقلي‪ ،‬نظرت حويل بتيه الأجد على �أق�سى �لي�سار �س ًّفا ق�س ًري� من‬
‫�لعر�ئ�ص �أمام �مل�سرت�ح‪ ..‬فهم�ست بغر�بة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬أين هي؟‪.‬‬
‫بحثت عنها بعيني يف وجوه �لعر�ئ�ص �لناع�سات‪ ،‬ويف جميع �لفر�ص‪ ..‬ف�ساألت‬
‫�إيفي بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬من هي؟ �أتق�سدين �إز�لني؟ هي يف �أول �ل�سف! �أمامكما تدريب طويل!‪.‬‬
‫�أ�سحت بر�أ�سي وهززتها نف ًيا ب�سعف‪:‬‬
‫‪ -‬ال ال‪� ..‬أق�سد‪ ..‬عرو�ص �الأمري‪� ..‬أين هي؟‪.‬‬

‫ع‬
‫هزّت كتفيها بجهل قائلة برب�ءة‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬ال �أدري‪ ..‬مل جتدها �أي و�حدة م ّنا‪ ..‬و�فرت�ست و�حدة �أنها مت ��ستدعاوؤها‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�أثناء نومنا‪ ،‬لتذهب لالأمري‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫��سرتجعت �سوت �أنينها يف �أذين‪� ،‬سوتها كان معذ ًبا‪ ..‬و�أعدت �آخر ما قالت‬
‫�إيفي بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬ذهبت لالأمري؟‪.‬‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(14‬‬

‫المؤامرة األولى‬

‫‪ -‬ذهبت لالأمري؟‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫نف�ست �لغطاء عني ونه�ست ب�سرعة وفتّ�ست عنها بنف�سي‪ ،‬بني وجوه �لفتيات‪..‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�عتقدت �أنني �سوف �أجدها‪ ،‬كما فتّ�ست يف فر��سها بذهول‪ ،‬غري م�س ّدقة ما قالته‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫�إيفي يل للت ّو! كيف تذهب لالأمري! كانت حالتها مزرية ليلة �أم�ص! كانت منك ّبة على‬

‫ع‬
‫�لطعام باأ�سى وكاأنها مل ت َر مثله يف حياتها‪ ..‬كما ذرفت �لدموع وكاأن عينيها قد‬
‫ُولدتا حدي ًثا!‬
‫‪� -‬إليونور�! تو ّقفي عن �لبحث فهي لي�ست هنا!‪.‬‬
‫برفق وقالت ب�سوتها‬
‫�أم�سكت �إيفي يدي وث ّبتتني بجانبها‪ ،‬ر ّبتت على كتفي ٍ‬
‫�لعذب‪:‬‬
‫أنت متوترة ب�سبب در�ص �لرق�ص؟‪.‬‬
‫بك �ليوم؟ هل � ِ‬
‫‪ -‬ما ِ‬
‫�سخ�ص �آخر مل �أعتد �ختفاءه موؤخ ًر� �أو بعده عن ظ ّلي‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫رفعت عيني الأبحث عن‬
‫ظافر‪..‬‬
‫‪� -‬أين �حلر�ص؟‪.‬‬
‫�ساألت �إيفي بعد �أن ��ستعدت تركيزي‪ ،‬وبت �أفكر يف �سيء ما خارج ذلك �لكابو�ص‬
‫علي‪:‬‬
‫�لغريب و�لذي �ستّتني بني �لنوم و�ليقظة‪ ،‬مما جعل �إيفي تتن ّهد قائلة باإ�سفاقٍ ّ‬
‫‪�� -‬ستدعاهم كبريهم ليلة �أم�ص‪...‬‬
‫‪‬‬
‫�أخرجت ورقة �سغرية مطو ّية من جيب رد�ئها �لو��سع‪ّ ،‬‬
‫ف�ستها و�أعطتها يل‪،‬‬
‫فقر�أتها �أنا بعيني �أمر بني �حلروف �سري ًعا الأفهم �ملوجز‪:‬‬
‫‪� -‬إيفي �ساأرحل و�أتركك لتعتني بنف�سك �لليلة‪ ،‬فلدي ��ستدعاء من كبري‬
‫�حلر�ص‪ ،‬ذلك �لرجل �لعجوز ذو �للحية �لبي�ساء‪ ،‬كما مت ��ستدعاء زمالئي‬
‫� ً‬
‫أي�سا‪ ..‬كوين بخري‪..‬‬
‫حار�سك �ملخل�ص؛ كاليب‪..‬‬
‫مما �أثارين لروؤية تلك �لنظرة �حلاملة يف‬
‫�بت�سمت ل�سذ�جة حروفه وبر�ءتها‪ّ ،‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫عني �إيفي‪ ..‬هل ي�سعدها ما يقول ح ًّقا؟ حار�سها �ملخل�ص! هه‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫أنت �إليونور�‪...‬‬
‫وخ�سو�سا � ِ‬
‫ً‬ ‫‪ -‬قفن يف �ل�سف‪ ،‬ال نريد �لتاأخر عن �لدر�ص‪،‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫�لتفت ل�ساحبة �ل�سوت �لناعم‪ ،‬الأجد �أنها �إز�لني‪ ،‬فابت�سمت بوهن ردًّ� على‬
‫كلماتها �لب�سيطة ولهجتها �لتي مل تخفي غرو ًر�‪� ..‬أو �عتز� ًز� بالنف�ص ز�ئدً � عن‬
‫ح ّده‪ ،‬ال �أدري‪ ،‬والحظت �أنها مت�سك بورقة �سغرية‪ ..‬كالتي ال تخ�سني لك ّني �أم�سكها‬
‫بيدي‪ ،‬فرتكت تلك يف يد �إيفي وعربت بجانبها الأ�سل الإز�لني �لتي قد وقفت يف‬
‫�ل�سف‪ ،‬وهم�ست بف�سول‪:‬‬
‫‪ -‬ما �ملكتوب بالورقة يف يدك؟‪.‬‬
‫��ستد�رت يل لتجدين خلفها �ألت�سق بها‪ ،‬فابتعدت ً‬
‫قليال ورفعت �لورقة الأتابعها‬
‫بت�سل قائلة؛ تهم�ص بالقرب من‬‫�أنا بعيني وكاأنها �سيء مده�ص للغاية‪ ،‬فابت�سمت ٍ‬
‫�أذين‪:‬‬
‫‪� -‬أتدرين؟ وقد �نح�سر عددنا �ستبد�أ �ملوؤ�مر�ت‪ ..‬للو�سول لالأمري‪ ..‬و�ستكون‬
‫�الأ�سر�ر وقتها مباحة‪ ،‬كما �سيكون كل �سيء!‪.‬‬
‫و�أ�سافت‪:‬‬
‫‪� -‬ستكون كاللعبة بال قو�عد!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫حاجبي بينما �أتابع عينيها �ل�سماو ّيتني‪� ،‬أحاول تخمني ما‬
‫ّ‬ ‫�س ّيقت �مل�سافة بني‬
‫�إن كانت �ستمطر �أو تر�سل �لرياح للغيوم‪ ..‬لك ّنني وجدت عينيها كما هي ً‬
‫دوما‪..‬‬
‫غ�سة يف حلقي وقلت بنربة ّ‬
‫�سك‪:‬‬ ‫�سافية‪ ..‬مبناخ هادئ ال ينذر ب�سيءٍ �أبدً �! فابتلعت ّ‬
‫أنك �ستع�سني ما يقول؟‪.‬‬
‫أنك لن تكوين لالأمري‪� ..‬أم � ِ‬
‫‪ -‬ظافر قال � ِ‬
‫�بت�سمت ثم تعالت �سحكتها �ملتعالية �ملت�سل ّية‪ ،‬فالتفتت �إلينا �لعديد من �لعر�ئ�ص‬
‫�لناع�سات‪ ،‬لتختتم هي �سحكتها برتبيتة �سريعة على ر�أ�سي هام�سة‪:‬‬
‫أنت ط ّيبة �لقلب‪ ..‬ت�سدقني كل �سيء لكن �أريدك �أن تعريف �سي ًئا‪� ..‬أنا‬ ‫‪ِ �-‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫أنت يف حمايتي‬ ‫أنك حتت حماية ظافر فا ِ‬
‫لك �أبدً �‪ ..‬وطاملا � ِ‬
‫لن �أكون عد ّوة ِ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫� ً‬
‫أي�سا‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫فغرت فاهي غري م�س ّدقة ملا تقول‪ ،‬و��سرتجعت �سبب وقويف يف بادئ �الأمر‪..‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫ما �ملوجود بتلك �لورقة؟ �أهي موؤ�مرة �أم جم ّرد ر�سالة من حار�سها؟ يجب �أن �أر�ها‬
‫�الآن!‬
‫خطفت �لورقة من بني �أناملها‪ ،‬و�لتي مل تكن حمكمة عليها كما ينبغي‪ ،‬الأدرك‬
‫�أنها تركتها يل عمدً �‪ ..‬فنظرت للورقة برت ّقب وف�س�ستها‪ ،‬الأك�سف عن هذ� �ملحتوي‬
‫بخط‬
‫�لذي �أثار ف�سويل للدقائق �لقليلة �ملا�سية‪ ..‬وجدت بع�ص �حلروف �ملت�سابكة‪ٍ ،‬‬
‫علي‬
‫�أ�سبه بالر�سم‪ ..‬تلك �لورقة رغم ب�ساطتها؛ هي حتفة فن ّية! و�ملكتوب كان �سع ًبا ّ‬
‫ً‬
‫قليال‪� ،‬أعرف هذه �للغة‪ ،‬هي لغة ر�قية للغاية ومن يربع بها هو بالتاأكيد ر�قٍ ومرموق‬
‫رجحته حني قالت �إز�لني بلهجة عادية‪:‬‬ ‫�ل�ساأن‪� ..‬أو مث ّقف للغاية‪ ..‬وهذ� ما ّ‬
‫‪ -‬تركها ظافر حتت و�سادتي‪ ..‬لي�ست بال�سيء �ملهم فال تقلقي‪...‬‬
‫نظرت لها با�ستنكار وكاأن ل�سان حايل يقول‪« :‬ل�ست قلقة‪� ..‬إنه ف�سويل �مللعون‬
‫�سفتي حماولة �إيجاد �لنطق‬
‫ّ‬ ‫فح�سب!‪ .‬وحاولت قر�ءة �لكلمات ببطء‪ ..‬و�سممت‬
‫�ل�سليم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪�� -‬س�ص‪� ..‬س�سرر‪ ..‬بي‪ ..‬ك‪ ..‬كثي‪ ..‬ر م‪ ..‬ن �مل‪� ..‬ء‪� ..‬ملاء‪� ..‬ألي�ص كذلك؟‪.‬‬
‫قلتها بقليل من �جلهل �الأبله‪ ،‬ثم رفعت ر�أ�سي لها الأجدها مبت�سمة بهدوء‪،‬‬
‫فك ّررت �جلملة عليها‪:‬‬
‫‪�� -‬سربي �لكثري من �ملاء؟‪.‬‬
‫و�أ�سفت مت�ساءلة‪:‬‬
‫‪ -‬لكن ملاذ�؟‪.‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫رفعت كتفيها و�أرختهما بعدم معرفة جو�ب ملا �ساألت للت ّو‪ ،‬فزفرت قائلة بريبة‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫لثو�ن فقط ملعرفة ما‬
‫أنت و�سقيقك غام�سني للغاية‪� ..‬أود لو �أدخل عقليكما ٍ‬
‫‪ِ �-‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫يدور بالد�خل!‪.‬‬
‫�سفتي بر ّقة قائلة ٍ‬
‫بهم�ص‬ ‫�تّ�سعت عينا �إز�لني �أث ًر� ملا قلته وو�سعت �س ّبابتها على ّ‬
‫مذعور‪:‬‬
‫‪� -‬تفقنا على �أن ال تف�سي �ل�س ّر!‪.‬‬
‫فانتبهت �أنا ملن حويل‪ ،‬وقلت معتذرة‪:‬‬
‫‪� -‬آه‪� ..‬آ�سفة‪...‬‬
‫ّ‬
‫بال�سف‪ ..‬ومل �أد ِر �أن من كانت تتابعنا من على بعد هي‬ ‫و�عتدلت الأقف خلفها‬
‫�إيفي‪ ،‬ت�سم �سفتيها بحزن طفويل بريء وكاأنها تقول‪:‬‬
‫‪ -‬ال ت�سرقي �سديقتي �لوحيدة!‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أرجوكنّ ‪ ..‬قلن يل �أن هذه مزحة‪ ..‬هذه مزحة ها؟ �أين باقي �لعر�ئ�ص!‪.‬‬
‫كان هذ� ما قاله �ملد ّرب �للزج رخو �لهيئة حني �أخربته �إحدى �لعر�ئ�ص �أننا‪،‬‬
‫وبفقد�ن �لعديد م ّنا‪ ،‬يف عددنا �لكامل‪ ..‬و�ل�سحيح‪..‬‬
‫‪ -‬كيف حدث هذ�؟ ملاذ� ومتى؟!‪.‬‬
‫ووجه م�سدوم‪ ،‬فاقرتبن �لفتيات منه‬‫ٍ‬ ‫�سقط � ً‬
‫أر�سا على موؤخرته بهدوء‬
‫ي�ساعدنه‪ ،‬فاأبعد يدهم عنه و�أخفى بها وجهه �لباكي وقال بياأ�ص‪:‬‬
‫يوما!‬
‫‪ -‬كنت �أ�سع كل �أملي فيكنّ ! كانت هذه �ملجموعة من �أرقى ما حظيت به ً‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫فاأن ّ‬

‫ل‬
‫آذ�ن مو�سيق ّية ر�ئعة‪...‬‬
‫نت جميالت‪ ،‬موهوبات وذو�ت � ٍ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�نتحب بهدوء ور ّقة ال تليق به‪� ،‬أو بجن�ص �لرجال �أبدً �‪ ،‬و�لفتيات ير ّبنت على كتفه‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫بع�سا! �أما هو فقد �أ�ساف خا ًمتا ما قد‬‫ليه ّون عليه‪ ،‬يعاملنه كما يعاملن بع�سهم ً‬

‫ع‬
‫قال عن �الآذ�ن �ملو�سيقية‪:‬‬
‫أنت!‪.‬‬
‫أعنيك � ِ‬
‫‪ -‬و�س ّدقيني‪ ،‬جالدي�ص‪ ،‬ال � ِ‬
‫�سحكت �لفتيات على مزحته حني �أ�سار على و�حدة منهنّ ‪ ،‬ترفع �سعرها �لكثيف‬
‫متاما لالأعلى‪ ،‬و�لتي �س ّيقت �مل�سافة بني حاجبيها لتقول ببالهة تربز‬
‫غري �لناعم ً‬
‫طيبتها‪:‬‬
‫‪ -‬هه؟ هل قلت �سي ًئا للت ّو؟‪.‬‬
‫فانفجرت �لفتيات �ساحكات م ّرة �أخرى �سخرية وت�سدي ًقا على مزحته‪ّ ،‬‬
‫ليتبني‬
‫يل �أن «جالدي�ص» لي�ست م�ستمعة ج ّيدة للمو�سيقى‪� ،‬أو الأي �سيء يف �حلقيقة‪� ..‬سمعها‬
‫�سعيف وطفيف للغاية‪ ،‬لدرجة �أنها تخطئ �سمع ��سمها يف �لكثري من �الأحيان فال‬
‫جتيب‪..‬‬
‫تن ّهدت وف ّكرت يف �أن �ختيار �لعر�ئ�ص هو طب ًقا ملعايري ال �أ�سا�ص لها من �لعقل‬
‫�أو �ملنطق‪ ..‬يختارون �لفتيات �لتي ال جتيد �أعمال �ملطبخ و�لتنظيف‪ ،‬كما يحر�سن‬
‫‪‬‬
‫على �أن تكون نظافتهنّ �ل�سخ�س ّية ممتازة بالفطرة‪ ،‬باالإ�سافة للوجه ذي �ملالمح‬
‫�للطيفة‪ ..‬فقط! الأدرك �حلقيقة �لتي كانت م�سترتة عني طو�ل هذه �لفرتة‪ ..‬نحن‬
‫كعر�ئ�ص خمتار�ت لالأمري ل�سنا فائقات �جلمال‪ ،‬بل نحن �أف�سل ما ميكن �ختياره‬
‫وف ًقا للمعايري �ل�سخيفة �الأخرى‪ ..‬ويف حلظة تذ ّكرت يف �ملطبخ خادمات جميالت‪،‬‬
‫وميكن �لقول �أنهنّ �أف�سل ً‬
‫�سكال من عر�ئ�ص �أمكث �أنا معهم بالطابق‪ ...‬لكن‪ ..‬ما‬
‫�لذي ميكنني �أن �أقول‪ ..‬هي فقط �لقو�عد �لعقيمة هنا!‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪� ..‬ساأتق ّبل �الأمر‪...‬‬

‫ع‬
‫قالها �ملد ّرب لينت�سلني من تفكريي‪ ،‬الأنظر �أنا �إىل هيئته �لتي ز�ل عنها �لوهن‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫أر�سا‪ ،‬ليبثّ فينا �لقليل من �ل�سجاعة ً‬ ‫ً‬
‫قليال‪ ،‬فهو قد نه�ص ر�م ًيا خماوفه � ً‬

‫ك‬
‫قائال‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬دعونا نن�سى �الأخريات‪� ،‬سيتم تدريبكنّ من جديد‪ ..‬فمن كانت جتل�ص طو�ل‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫�لتدريب �ستنه�ص وتهز ج�سدها بالكامل ليكون ل ّي ًنا رغ ًما عن �أنفها‪ ،‬ومن‬
‫فلتعط خربتها للباقيات‪ ..‬فما �سمعته �ليوم �سيجعلكنّ موؤمنات‬
‫كانت ج ّيدة ِ‬
‫مبا �أقوله جد ًّيا‪...‬‬
‫�سمتت جميع �لفتيات ووقفن يف د�ئرة و��سعة من حوله‪ ،‬لي�سمعن ما عنده‪ ،‬فقال‬
‫بلهجة عاد ّية متذ ّك ًر� �مل�سهد �أمامه ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬ذكرت يل جليند� �أن �لفتيات �جلديد�ت مل ي�ستيقظن بعد‪ ..‬ومنذ فرتة‬
‫وعدد �لو�فد�ت �جلدد يتناق�ص‪� ،‬إما ذلك �أو يبقني خادمات‪...‬‬
‫تن ّهد وقال بنربة �أعلى ً‬
‫قليال ليبثّ فينا �حلما�ص‪:‬‬
‫‪ -‬ما �أق�سده من هذ� هو �أنكنّ مم ّيز�ت �الآن‪ ..‬كالعملة �لنادرة‪ ..‬وبهذ� �لفريق‬
‫حمتاجا الأي �أمرية �أخرى‪ ،‬كنّ كافيات عزيز�تي! ولتكن هذه‬
‫ً‬ ‫لن يكون �الأمري‬
‫�لبد�ية � ًإذ�!‪.‬‬
‫�نتهى ما قال بفرك يديه بطريقة حما�س ّية‪ ،‬فالتفتت �لعر�ئ�ص بع�سهنّ �إىل‬
‫بع�ص بغري ت�سديق‪ ،‬حتى هتفت و�حدة فجاأة‪:‬‬
‫ٍ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬نحن �لوحيد�ت! �سيختار �الأمري من بيننا و�سنكون �أمري�ت حقيق ّيات!‪.‬‬
‫�بتهجت �لفتيات وفرحن‪ ،‬دخلت �ل�سعادة قلوبهنّ جمي ًعا عد�ي �أنا‪ ،‬فما دخل‬
‫قلبي هو �ملزيد من �لوجل و�حلرية‪ ..‬وت�ساءلت؛ ترى ماذ� �سيحدث لنا؟‬
‫وبينما نحن جنل�ص �لقرف�ساء يف نف�ص �لد�ئرة حول �ملدرب ون�ساهد ثالث‬
‫فتيات يتد ّربن على نف�ص نوع �لرق�ص‪� ،‬سمعنا طر ًقا على �لباب‪ ،‬ثم ُفتح بهدوء‬
‫�سف منظم‪ ،‬ويجل�سو� بالقرب من حائط �ملر�يا‬ ‫ليدخل �حلر�ص و�حدً � تلو �الآخر يف ٍ‬
‫بعيدً �‪ ،‬لري�قبو� �لتمرين وليكونو� على تاأهّ ب الأي �سيء‪..‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬عيناك هنا‪ ..‬هنا عزيزتي على متايل ج�سدي �لناعم‪ ،‬ال على هوؤالء! �أريد‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫تركيزً�!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫قالها �حلار�ص بق�سوة ناعمة حني ُ�سرقت �الأ�سو�ء منه عنوة‪ ،‬ف�سحكت �لفتيات‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫يتو�سطن �لقاعة ذ�ت �جلدر�ن �لعاك�سة‬
‫بهم�ص وتابعن �لنظر �إليه‪ ،‬و�لثالث �لالتي ّ‬
‫ٍ‬
‫ر ّكزن على �لنظر �إليه وتقليد حركاته‪..‬‬
‫رفعت ر�أ�سي بحذر الأنظر خلفي‪ ،‬فلمحت ظاف ًر� يجل�ص بعيدً � عن �حلر�ص‪،‬‬
‫ب�سكل كبري‪ ،‬وي�ستّت تركيزي � ً‬
‫أي�سا‪� ..‬سيالحظ �ملد ّرب �أنني‬ ‫مما يلفت �الأنظار له ٍ‬
‫�أنظر للخلف‪ ،‬و�سيو ّبخني �أمام �لفتيات! و�أنا ال �أريد �إال �ملعاملة �جل ّيدة حتى �أ�سل‬
‫لالأمري! نظرت لفتاة ما جتل�ص �أمامي‪ ،‬يحول ج�سد �ملد ّرب �لذي يعطي ظهره يل‬
‫وملن بجانبي بيننا‪� ،‬أ�سرت لها �أن تبدل �الأماكن‪ ،‬فو�فقت دون تر ّدد‪ ،‬فابت�سمت لها‬
‫و�سرت خلف �لد�ئرة كما فعلت هي وجل�ست مبكانها �ل�سابق‪ ،‬مما جعلني يف مكان‬
‫��سرت�تيجي ومنا�سب ملتابعة �لدر�ص‪ ،‬ويف نف�ص �لوقت �لنظر لظافر‪ ،‬فاأنا ح ًّقا �أريد‬
‫معرفة �أمر هذ� �ال�ستدعاء!‬
‫‪ -‬ظافر‪ ..‬ملاذ� رحلتم فجاأة؟‪.‬‬
‫قلتها له �أناديه بعقلي‪ ،‬فاأ�سمعني �سوت �سحكته �ملت�سلية فعب�ست قائلة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬ال وقت للمز�ح �أنا يف منت�سف �لدر�ص!‪.‬‬
‫ر�أيته يه ّز كتفيه ثم يب�سطهما ً‬
‫قائال مبرح‪:‬‬
‫‪ -‬كوين تلميذة جنيبة ور ّكزي على �لدر�ص فقط‪ ..‬وك ّفي عن �لرثثرة!‪.‬‬
‫نفخت �لهو�ء يف �سيق فالتفتت �إ ّ‬
‫يل عرو�ص ما‪ ،‬فاأ�سحت بب�سري بعيدً � �أتظاهر‬
‫بالالمباالة بينما �أحدث ظاف ًر�‪:‬‬
‫كال �أخربين‪� ،‬إذ� مل تخربين فلن �أكون يف كامل تركيزي وقت رق�ستي‬ ‫‪ّ -‬‬
‫�لثنائية مع �أختك‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬ال تقويل �أختك فقط ناديها با�سمها‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫قالها حم ّذ ًر� بهدوء فقلت بال مباالة حقيق ّية‪:‬‬

‫و‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫التوز عي‬
‫‪ -‬ح�س ًنا �أ ًيا كان‪...‬‬
‫‪ -‬نحن ال نريد لتدريب �ليوم �سوى �أن يكون ��ستثنائ ًيا كامل ّرة �ل�سابقة‪ ،‬فاأنا‬
‫�أنتظر هذ� جدً �‪...‬‬
‫و�أ�ساف‪:‬‬
‫‪ -‬لذ� �ساأخربك باالأمر‪...‬‬
‫�بت�سمت و�أ�سحت بب�سري عن در�ص �لرق�ص لربهة و�بت�سمت له ليبد�أ‪ ،‬فقال‬
‫ب�سوته �لهادئ �لعميق‪:‬‬
‫‪ -‬كانو� يريدون �إخبارنا بخطورة �خلرب �لذي بالطبع مل يخ ِفه هذ� �للزج‬
‫عنكن‪...‬‬
‫أي�سا �أل ّقبه بهذ�! كم ي�سعرين هذ�‬
‫كتمت �سحكتي حني نعت �ملدرب باللزج‪ ،‬فاأنا � ً‬
‫بالر�سا لعدم ظلمي له!‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬ميكن للعر�ئ�ص �أن تتاآمر على و�حدة منكنّ ليتم �إق�ساوؤها �أو �لتخ ّل�ص منها‬
‫باأي طريقة كانت‪...‬‬
‫�تّ�سعت عيناي ملا قال‪ ،‬وربطت بني ما قال للت ّو وبني ما قالته يل �إز�لني بطابق‬
‫�لعر�ئ�ص‪�« :‬ستكون كاللعبة بال قو�عد!» وكلمة �ملد ّرب‪« :‬كال ُعملة �لنادرة!»‪ ..‬فابتلعت‬
‫غ�سة يف حلقي و��ستمعت ملا يقول‪:‬‬‫ّ‬
‫‪ -‬و�مللخ�ص من كل ما حدث‪ ،‬نريد �حلر�ص‪ ..‬فقط‪...‬‬
‫‪ -‬فقط؟‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ر ّددتها فاأكد على ما قال بهزّة ر�أ�ص‪ ..‬فابت�سمت بتوتّر الأ�سمعه يقول‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫كنت تعرفني �ل�سبب ها؟‪.‬‬
‫‪ِ -‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�أوماأت ب�سورة خفيفة وعقلي يبثّ �لرعب يف نف�سي‪ ،‬ال �أريد �أن �أ�ستيقظ ً‬
‫يوما‬

‫ع‬
‫و�أجد �لعديد من �حلر�ص حويل يحاولون �لتح ّر�ص بي فقط من �أجل حتقيق موؤ�مرة‬
‫يجعلوين فيها مذنبة‪ ،‬ويتم �إق�سائي! �أو‪� ..‬أن ت�سربني �إحد�هن الأفتعل �سجا ًر�‪..‬‬
‫�أو‪...‬‬
‫‪ -‬ال د�عي لتلك �لهو�ج�ص!‪.‬‬
‫قاطع ظافر �سوت �لطنني بعقلي ود ّقات قلبي �ملرتع�سة‪ ،‬ليح ّدثني ب�سوته �لذي‬
‫طماأنني بدفئه‪:‬‬
‫أنك حتت حمايتي‪...‬‬
‫لك �سيء طاملا � ِ‬
‫‪ -‬لن يحدث ِ‬
‫تن ّهدت الأط ُرد ما �أ�ستطيع طرده من �لهو�ج�ص‪ ،‬وقلت يف نف�سي‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �أثق بك ظافر‪ ..‬لذ� �ساأطمئن‪.‬‬
‫‪ -‬و�أنا و�ثق من كونك �ستفعلني‪...‬‬
‫�بت�سمت وتذكرت �سي ًئا ما‪ ،‬ف�ساألته‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬هل �سحي ٌح �أنك تنتظر تاأديتي للرق�سة �لثنائية مع �إز�لني؟‪.‬‬
‫‪ -‬بفارغ �ل�سرب‪...‬‬
‫بت�سل فاحم ّر وجهي قائلة‪:‬‬
‫قالها ٍ‬
‫‪ -‬لو �أنك مل تخربين باأنها �سقيقتك‪...‬‬
‫وقبل �أن �أكمل باقي جملتي وجدته يقاطعني ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬لي�ست �سقيقتي‪ ..‬بل �أختي‪...‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�بت�سمت بال معنى‪ ،‬ل�ست �أفهم! فاأو�سح يل‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪ -‬هي �أختي من �أمي فقط‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫والتوز عي‬
‫�رتفع حاجباي بده�سة وقبل �أن �أ�ساأل �أي �سيء �سمعت �سوت �ملدرب يقول‪:‬‬
‫‪� -‬إز�لني و�إليونور�‪ ،‬عزيزتاي �جلميلتان! �أ�سكر �لقدر على كونكما معنا �الآن!‪.‬‬
‫حاجبي لو�سعهما ب�سرعة وث ّبت عيني عليه برتكيز‪ ،‬الأجد �إز�لني قد‬
‫ّ‬ ‫�أرجعت‬
‫وقفت بجانبه‪ ،‬ت�سري يل بعينيها‪ ،‬و�سفتاها تهم�سان بـ‪:‬‬
‫‪ -‬ه ّيا!‪.‬‬
‫وقفت ب�سرعة �أمامهما‪ ،‬ليتابع �ملدرب قوله مم�س ًكا بكلتا يدينا‪:‬‬
‫أمال كب ًري� على وجودكما يف حفلة �الأمري‪ ..‬لي�ص الأنكما �الأجمل فقط‪،‬‬ ‫‪� -‬أ�سع � ً‬
‫بل الأنكما ت�سكالن ثنائ ًيا ر�ئ ًعا!‪.‬‬
‫هم�سا‪ ،‬و�سكرته �إز�لني بابت�سامة و�هنة وهزّة ر�أ�ص‪..‬‬
‫�بت�سمت ملجاملته و�سكرته ً‬
‫فلم تهتم ملجاملته هذه؟!‬‫بالطبع هي تعلم بكونها �الأجمل و�الأف�سل‪َ ،‬‬
‫ترك �ملدرب كلتا يدينا بحذر وكاأنه يخ�سى عليهما من �لك�سر‪ ،‬وجل�ص � ً‬
‫أر�سا‬
‫مرتب ًعا بجانب �لفتيات وكاأنه و�حدة منهنّ ‪ ،‬م�ستندً � على جد�ر �ملر�يا كما فعل‬
‫‪‬‬
‫�لعديد من �حلر�ص باآخر �لغرفة‪ ،‬و�أ�سار بذر�عه بنعومة لعازيف �ملو�سيقى‪ ،‬لي�سرعو�‬
‫يف عزف مو�سيقاي �ملف�سلة‪ ..‬و�لتي تذ ّكرين ً‬
‫دوما ويف كل حلن لها باأغنية �إز�لني؛‬
‫«��ستثنيني»‪..‬‬
‫ملحت ظاف ًر� يعقد ذر�عيه �أمام �سدره ليتابع برتكيز‪ ،‬فابت�سمت و�أغم�ست عيني‬
‫الأركز على �ملو�سيقى‪ ،‬كما �مل ّرة �ل�سابقة‪ ..‬وحني بد�أت‪ ..‬ن�سيت كل �سيء يرهقني‬
‫و�ساقي‪� ،‬نحنى جذعي ً‬
‫قليال‬ ‫ّ‬ ‫وذر�عي‬
‫ّ‬ ‫ويوؤ ّرقني‪ ..‬وتفاعلت مع �ملو�سيقى‪ ..‬بيدي‪،‬‬
‫كما متايلت كل خل ّية يف ج�سدي لتلك �ملو�سيقى �لهادئة �جل ّذ�بة‪ ..‬بت �أفتح عيني‬

‫ع‬
‫متاما‪� ،‬أكرث من‬
‫بني �حلني و�الآخر الأركز بب�سري على �إز�لني‪ ،‬فوجدتها من�سجمة ً‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�أول م ّرة ر�أيتها تتمايل‪ ..‬وكاأنها توؤدي رق�ستها �الأخرية! �ق�سع ّر بدين لتلك �خلاطرة‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫ب�سكل �سليم‪ ،‬فروؤيتي لنظر�ت‬ ‫وف�سلت �أن �أركز فقط على �ملو�سيقى و�لتجاوب معها ٍ‬ ‫ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫�الإعجاب يف عني �لعر�ئ�ص‪� ،‬حلر�ص‪� ،‬ملدرب‪ ،‬وظافر جتعلني �أتاأكد من �أين �ساأر�ها‬

‫ع‬
‫يوما يف عني �الأمري نف�سه!‬
‫ً‬
‫تذ ّكرت نظرتي لالأمري �لعايل �لذي �نعك�ص ظ ّل تاجه على وجهه فاأخفى‬
‫مالحمه ب�سبب ذلك �لقمر �ملتغطر�ص‪ ،‬كم يدينني هذ� �لقمر‪� ..‬بت�سمت وتخ ّيلت‬
‫يل‪ ..‬ترى‪ ..‬هل هو و�سيم للغاية‪ ..‬هل �ست�سحرين‬ ‫�أن �الأمري يبت�سم يل‪ ..‬وي�سري �إ ّ‬
‫�سخ�س ّيته؟ هل يجيد حت ّدث �للغات؟ كيف ميتطي جو�ده؟ هل �سي�سحرين كاأي �أمري‬
‫يف �حلكايات؟ �أجل‪ ،‬نعم‪ ،‬بالتاأكيد‪ ..‬وبالطبع! ف�سيكون فائ ًقا لكل تو ّقعاتي‪� ..‬أ�سعر‬
‫باأنه‪�� ..‬ستثنائي! ما لبثت �أن �أغو�ص يف بحر �الأحالم حتى �سمعت ظاف ًر� ين ّبهني‪:‬‬
‫عينيك‪...‬‬
‫ِ‬ ‫‪� -‬فتحي‬
‫فتحتهما دون حتى �أن �أدرك �أن عقلي �أعطى �الأمر بذلك‪ ،‬الأجده يقول بنربة‬
‫جا ّدة‪:‬‬
‫‪ -‬عودي للخلف خطوتني فقط‪...‬‬
‫‪ -‬ملاذ�؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫قلتها و�أنا �أعود للخلف‪ ،‬بينما ال �أنتظر ردًّ� حقيق ًّيا‪ ،‬فعلت ما قال تلقائ ًيا كي‬
‫�أ�ستعيد تركيزي مع �لعازفني‪ ،‬وفجاأة وبدون �أي مق ّدمات‪ ،‬وبينما �أرفع �ساقي �ليمنى‬
‫كما تفعل �إز�لني لتاأدية حركات �لرق�سة بنعومة‪� ،‬سمعت �سوت �رتطام �سخم‪،‬‬
‫�سرخة �إز�لني‪ ،‬مع �نطفاء �سوء �لغرفة �الأو�سط‪ ..‬يف نف�ص �للحظة!‬
‫�سرخت �لعديد من �لفتيات �لالتي �نتف�سن و�قفات بفزع‪ ،‬و�أنا �أفقت من‬
‫�سرودي �للحظة الأجد �أنني ماكثة على �الأر�ص �أحمي ر�أ�سي من �سيء �أجهله‪ ،‬كما‬
‫فعلت �لعديد من �لعر�ئ�ص مع تغطية �آذ�نهنّ من �سوت �الرتطام �لقوي وكما فعل‬
‫�ملدرب نف�سه‪ ،‬وما هي �إال حلظات حتى بد�أت �إز�لني بالبكاء ب�س ّدة‪ ،‬فانطلق �حلر�ص‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫يهرولون‪ ،‬ك ٌل يبعد �لعرو�ص �لتي يف حمايته‪ ،‬مينعونها من م�ساعدة �إز�لني‪ ،‬باإز�لة‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�لرثيا ذ�ت �ل�سموع �لتي �نطفاأت ووقعت‪ ..‬على منت�سف ج�سدها �الأمين!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سهقت بلوعة وهرولت نحوها ما �إن فهمت ما قد حدث‪� ،‬لفتيات يبكني بفزع‪،‬‬

‫والتوز عي‬
‫منهم من تبكي من �ل�سدمة‪ ،‬ومنهم من تخ�سى �لظالم‪� ،‬أما �أنا فلم �أكن �أنظر الأي‬
‫�سيء �سوى �إز�لني‪� ،‬مل�سكينة تبكي مبر�رة! فقدمها �ليمنى عالقة حتت �لرثيا!‬
‫عنك!‪.‬‬
‫‪ -‬متا�سكي �سنزيلها ِ‬
‫قلتها و�أنا �أكر�ص كل جهدي يف تخلي�سها من ذ�ك �ل�سيء �لثقيل‪ ،‬لكن بال‬
‫ب�سكل‬
‫دما! �سائل ال ينتهي؛ �أحمر �للون ٍ‬‫ثو�ن �إال ور�أيتها تتقياأ ً‬
‫جدوى! وما هي �إال ٍ‬
‫فظيع! ر�أيته ببقايا �ل�سوء �الآتي من �آخر �لغرفة‪ ،‬قبل �أن يحجب �ل�سوء �أحد يقرتب‬
‫م ّنا! �سرخت بفزع و��سعة يدي على قلبي‪� ،‬أ�سعر به يدق بجنون! هل ميكنه �لتو ّقف‬
‫�الآن! هل ميكنه ذلك؟!‬
‫‪ -‬فليا ِأت �أحد للم�ساعدة �أرجوكم! هناك كارثة!‪.‬‬
‫قالها �حلار�ص �لذي هرول للخارج تار ًكا �جلميع يف هلع‪ ،‬دون حتى �أن يتك ّبد‬
‫�لعناء يف حماولة �إز�لة ذلك �ل�سيء عنها‪ ،‬كاأي رجل �سهم! على ذكر �ل�سهامة!‬
‫كال منهم مي�سك بيد �لفتاة �لتي يحر�سها مبنتهى �حلر�ص‪،‬‬ ‫�لتفت للحر�ص الأجد ً‬
‫ال يريدون �إفالتها‪ ،‬منهم من يهدئ من روعها‪ ..‬كما يفعل كاليب الإيفي �لتي تبدو‬
‫‪‬‬
‫م�سدومة للغاية‪ ،‬ونظرت بجانبي الأجد ظاف ًر� يزيل ذلك �حلمل من فوقها‪ ،‬بعد �أن‬
‫لطخته دماوؤها �ملتد ّفقة من جوفها �مل�سكني‪ ..‬وبني نظر�تي �ملذعورة �ساألته بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬كيف حدث هذ�! ملاذ�!‪.‬‬
‫قلتها و�أم�سكت بذر�ع �إز�لني �ملمدودة بجانبها باإعياء وم�سحت على جبينها‬
‫�لذي تع ّرق للغاية وبينما �أنا غارقة يف دموعي �سمعت �سوت ظافر يجيبني بغمو�ص‪:‬‬
‫‪� -‬ملوؤ�مرة �الأوىل‪...‬‬
‫و�أ�ساف‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫‪ -‬بل موؤ�مرتي �الأوىل!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫�سرت ق�سعريرة قو ّية بج�سدي بفعل ما قال للت ّو‪ ..‬وهم�ست باإعياء‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫‪ -‬ماذ� تق�سد؟‪.‬‬
‫نظر ظافر يل الأجد �أن �إحدى عينيه تلمع من حتت غطاء ر�أ�سه حني قال بلهجة‬
‫غام�سة‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �لفاعل‪ ،‬وال ي�سعرين هذ� بال�سوء �أبدً �!‪.‬‬
‫جاءت كل �الأفكار �ملزعجة يف عقلي دفعة و�حدة‪ ،‬ب�سوت �لطنني �لذي‬
‫دما‪ ،‬يغطي �لرثيا‪،‬‬
‫يزعجني‪ ،‬كما جت ّمدت �سورة �إز�لني جاحظة �لعينني تتقياأ ً‬
‫ومالب�سها‪ ،‬كما ّ‬
‫غطى �سعرها �ملن�سدل على وجهها بتم ُّوج خفيف‪ ..‬ف�سهقت �لهو�ء‬
‫رئتي ب�سعوبة‪ ،‬و�سكن كل �سيء‪..‬‬
‫من ّ‬
‫فقدت وعيي‪ ،‬الأ�سقط بجانب �سديقتي �جلديدة و�لتي فقدتها للت ّو‪ ..‬ليفرت�ص‬
‫لطخت بالطالء‪ ..‬و�آخر ما �سمعته �سوت‬ ‫�سعري �الأ�سود دماءها كفر�ساة ناعمة قد ّ‬

‫‪T‬‬
‫�إيفي ت�سرخ با�سمي بلوعة‪ ..‬ونظرة ظافر‪ ،‬ب�سعاع �لنور من عينه �لي�سرى!‬

‫‪‬‬
‫)‪(15‬‬
‫ّ‬
‫هل ابتســمت عيناه للتو ؟‬

‫فتحت عيني ب�سعف الأجد �أنني يف مكان خافت �الأ�سو�ء‪ ،‬فخ�سيت �أن �أكون يف‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫نف�ص غرفة �لرق�ص‪ ،‬و�سري ًعا م ّر كل �سيء �أمامي الأدرك �أنني فقدت �لوعي من‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫فظاعة �ملنظر‪ ..‬نه�ست لو�سع �جللو�ص لي�سقط ما كان ّ‬
‫يغطيني � ً‬
‫أر�سا؛ وكانت‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫دوما! تذ ّكرت نربة �سوته حينما‬‫عباءة ظافر �ل�سود�ء �لتي ترفرف خلف ظهره ً‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫قال بغمو�ص‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �لفاعل‪...‬‬
‫فاق�سع ّر بدين م ّرة �أخرى و�نتف�ص ج�سدي يرتع�ص بردً�‪ ،‬ومن �لعدم ظهر يل‬
‫ب�سوت د�فئ‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ظافر بجانبي يقول‬
‫‪ -‬كيف حالك �الآن؟‪.‬‬
‫��ستدرت له ب�سعوبة‪ ،‬خفت �أن �أو�جه عينيه‪ ،‬لكن حل�سن ّ‬
‫حظي مل يكونا‬
‫مك�سوفتني‪ ،‬فتن ّهدت بارتعا�ص ودفعته بيدي ب�سعف ليبتعد بينما بد�أت يف �لبكاء‬
‫�ملرير‪ ،‬وما فعلت مل يبعده عني �سنتيمرتً� و�حدً �‪ ،‬بل �أم�سك بيدي �ملو�سوعة على‬
‫�سدره و�أخف�سها وقال بهدوء‪:‬‬
‫‪ -‬مل يكن بو�سعي �إخبارك ما كنت �أنوي فعله �ليوم‪...‬‬
‫ب�سوت غري �سوتي حني قلت �ساخرة منه‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�رتع�ست كلماتي وخرجت‬
‫�سيغري �سي ًئا؟ تخربين �أم ال؟ �أهذ� كل ما تفكر به!‪.‬‬
‫‪ -‬وهل تعتقد �أنه كان ّ‬
‫‪‬‬
‫تن ّهد ظافر ور ّبت على ظهري فابتعدت �أنا عنه قائلة ب�سر��سة ت�سوبها �رتعا�سة‬
‫�سوتي من �لبكاء‪:‬‬
‫‪� -‬بتعد عني يا عدمي �لقلب!‪.‬‬
‫يدق د ّقات بطيئة للغاية‪� ،‬أظنها تخفت‬
‫ح ّركت يدي �ملرتع�سة �إىل قلبي �لذي ّ‬
‫�سي ًئا ف�سي ًئا قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬أال رحمة لديك؟ �إذ� كان هذ� ما �سيو�سلني لالأمري فال �أريد! �إذ� كانت تلك‬
‫علي! ال �أحب �لدماء وال �أريد‬
‫و�ق�ص ّ‬
‫علي �أنا ثان ًيا ِ‬
‫�ملوؤ�مرة �الأوىل‪ ،‬فتاآمر ّ‬

‫ع‬
‫�لقتل!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫تذ ّكرت �فرت��سي لدماء �إز�لني فاق�سع ّر بدين و�أم�سكت بخ�سالت �سعري‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫باأناملي �ملرتع�سة‪� ،‬أتفقد �أثر �لدماء بها ومعدتي منقب�سة بذعر‪ ،‬ولغر�بة �ملوقف‪،‬‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫أي�سا �أنني �أرتدي مالب�ص �أخرى غري �لتي كنت بها يف‬ ‫مل �أ َر �أي �أثر لها! والحظت � ً‬

‫ع‬
‫�لتدريب‪ ،‬وقبل �أن �أ�ساأل �أي �سيء �أجابني ظافر‪:‬‬
‫عنك �أثر �لدماء‪. ..‬‬
‫‪ -‬لقد قمت بتبديل ثيابك بعد �أن �أزلت ِ‬
‫نظرت له بقلق قائلة بذعر‪:‬‬
‫‪ -‬هل قمت بذلك بنف�سك؟ �أيها �حلقري �ملنحرف!‪.‬‬
‫يدي‪� ،‬أريد �أن �أهوي بهما على ج�سده الأبرحه �سر ًبا! كيف يتجر أ�‬
‫رفعت كلتا ّ‬
‫ويفعل هذ�! لقد خدعت فيه كل ًّيا‪ ..‬كنت �أثق به! وبينما يد�ي يف طريقهما �إليه‬
‫قطة مذعورة‬ ‫قليال‪ ،‬الأ�سقط �أنا من على �لفر��ص ليلتقطني هو كما تلتقط ّ‬
‫�بتعد هو ً‬
‫�سقطت من �أعلى �سجرة عالية‪ ...‬وبد�أ بالرتبيت على �سعري بهدوء‪ ،‬بينما يح ّدثني‬
‫ب�سوت بثّ يف نف�سي �لهدوء‪:‬‬
‫ٍ‬
‫‪� -‬هدئي من ف�سلك‪ ..‬مل �أفعل �سي ًئا يوؤذيك‪� ..‬سيكون كل �سيء على ما ير�م‬
‫ال تقلقي‪...‬‬
‫�أغم�ست عيني لتهبط دموعي ب�سمت‪ ،‬وقلت ب�سعف‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬لقد وثقت بك!‪.‬‬
‫�أعاد ترتيب �سعري بيديه ويده �الأخرى ملت ّفة حويل وتربت على كتفي‪� ،‬أعاد‬
‫خ�سالت �سعري خلف �أذين بهدوء وخ ّفة‪ ..‬وحني �نتهى �أد�رين الأكون يف مقابلته‪،‬‬
‫فاق�سع ّر ج�سدي من ريبة و�سعنا �الآن‪ ..‬مل �أعتد على �أكون قريبة منه لهذ� �لدرجة!‬
‫�سمعت �سوته �لعميق يقول‪:‬‬
‫لك‬
‫منك فقط �أن تتمالكي �أع�سابك لدقائق �إ�ساف ّية‪ ،‬وبعدها �سا ّأبني ِ‬
‫‪� -‬أريد ِ‬
‫ما حدث من منظو ٍر �آخر‪...‬‬

‫ع‬
‫هززت ر�أ�سي مو�فقة‪ ،‬ال �أدري ملاذ�! هل الأن نربة �سوته �لعميقة �لهادئة هذه‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫تثري �لرهبة بد�خلي؟ �أم الأنها جتعل كل خاليا ج�سدي خا�سعة له؟ �أم �أنها ما تب ّقى‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫من ثقتي به؟‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫تركني ظافر بهدوء و�أعاد تثبيت عباءته فوق ج�سده وقال يهم�ص يف �أذين‪:‬‬
‫‪� -‬حلكيمة هنا‪ ..‬جاءت لتطمئن على حالتك‪.‬‬
‫ثو�ن ووجدت �حلكيمة تفتح �ل�ستار �الأبي�ص حول‬‫هززت ر�أ�سي وما هي �إال ٍ‬
‫فر��سي‪ ،‬تبت�سم يل على رغم عادتها و�ساألت‪:‬‬
‫‪ -‬هل ت�سعرين باأي �أمل عزيزتي؟ �أم �أن �لدو�ء �أتى مبفعوله؟‪.‬‬
‫�أ�سرت لر�أ�سي وقلت ب�سعوبة‪:‬‬
‫‪ -‬فقط‪ ..‬بع�ص �ل�سد�ع‪. ..‬‬
‫ر�أيتها تقرتب مني لتقي�ص حر�رتي‪ ،‬فقلت �أنا ومقيا�ص �حلر�رة د�خل فمي‪:‬‬
‫‪ -‬حلظة! �أي دو�ء؟ لقد كنت فاقدة للوعي فقط ‪.‬‬
‫هزّت �حلكيمة ر�أ�سها باأ�سى قائلة‪:‬‬
‫كنت يف �سدمة ب�سبب ما حدث‪ ..‬و�أعطيتك دو� ًء مهد ًئا‪ ..‬لكن �طما ّأين‬ ‫‪ِ -‬‬
‫�سديقتك يف حالة م�ستق ّرة �الآن‪.‬‬
‫‪‬‬
‫نظرت للحكيمة �الأربعينية بغري ت�سديق‪ ،‬وبينما تاأخذ مقيا�ص �حلر�رة من فمي‬
‫تنظر �إىل �إ�سار�ته ت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬مل متت؟ لكن‪ ..‬ل‪-‬لكن!‪.‬‬
‫بحما�ص وقلق يف نف�ص �لوقت‪ ،‬وت�ساءلت على عجلة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫تن ّهدت بارتياح وقلبي يخفق‬
‫‪ -‬هل هي بخري ح ًّقا؟ هل ميكنني روؤيتها �الآن؟‪.‬‬
‫ر ّبتت على يدي باإ�سفاق قائلة‪:‬‬

‫ع‬
‫متاما‪ ،‬وتب ّقت بع�ص �لك�سور‪..‬‬
‫�حلظ مل متت‪ ..‬هد�أ �لنزيف �لد�خلي ً‬ ‫‪ -‬حل�سن ّ‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫وميكنك روؤيتها‪ ،‬هي بغرفة �لك�سف باالأ�سفل‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫توجه حديثها لظافر‪:‬‬
‫نه�ست من فر��سي ونظرت لظافر‪ ،‬فقالت بطيبة ّ‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ع‬
‫‪� -‬أ�سكرك لتعاونك‪ ،‬فلوالك ملا عرفنا �لت�س ّرف يف �لوقت �ملنا�سب!‪.‬‬
‫ه ّز ظافر ر�أ�سه باحرت�م ردًّ� على �سكرها ونظرت �أنا لظافر �سز ًر� وقلت ببايل‪:‬‬
‫‪ -‬ويعتقدون �أنك �لبطل � ً‬
‫أي�سا؟ عظيم‪ ..‬عظيم!‪.‬‬
‫وت�ساءلت برب�ءة ظاهر ّية‪:‬‬
‫‪ -‬هل �ساعدكم حار�سي يف �سيء؟‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها بينما تاأخذ يدي لتجعلني م�ستندة على ج�سدها لت�سري بي خلارج‬
‫�لطابق‪ ،‬يتبعنا ظافر‪ ،‬وحكت يل ما حدث‪:‬‬
‫‪ -‬نعم حمل �لرثيا وو�سعها بعيدً �‪ ،‬وبينما قمت بالك�سف على �مل�سكينة‬
‫و�كت�سفت �أن هناك ك�سو ًر� بج�سدها‪ ،‬كان هو قد حملك لغرفة �لك�سف‪..‬‬
‫ثم عاد �إلينا وفعل �ملثل الإز�لني‪ ..‬هو �لوحيد �لذي ق ّدم �مل�ساعدة بني كل‬
‫حار�سا مثله‪ ..‬فحار�ص �إز�لني مل يقدم‬
‫لديك ً‬
‫أنت حمظوظة الأن ِ‬ ‫�حل ّر��ص‪ِ � ..‬‬
‫على فعل �أي �سيء ولو ب�سيط لها!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫هززت ر�أ�سي بغر�بة و�أنا �أتخ ّيل ظاف ًر� يحملني‪ ..‬ومن ثم يزيل مالب�سي ّ‬
‫لينظف‬
‫علي �لتو ّقف عن �لتفكري �الأحمق فهو ي�ستطيع معرفة‬
‫�لدماء عنها و‪ ..‬ت ًّبا! يجب ّ‬
‫حمتال خاليا عقلي ً‬
‫قائال‬ ‫ما �أف ّكر به! لكن قبل �أن �أ�ستطيع �لتو ّقف جاءين �سوته ً‬
‫ب�سخرية هادئة‪:‬‬
‫ثو�ن‬
‫‪ -‬مل �أتك ّبد �لعناء بفعل هذ� بنف�سي‪ ،‬فلدي تعويذة تقوم بفعل هذ� يف ٍ‬
‫قليلة!‪.‬‬
‫�حم ّر وجهي و�أردت تغيري �ملو�سوع‪ ،‬فقلت ببالهة‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬وقمت باإلقاء �سحرك هذ� ومل يلحظ �أحد؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�سحك �سحكته �ملت�سل ّية ورد باإيجاز‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬لدي طريقتي!‪.‬‬
‫تن ّهدت وطردت هو�ج�سي بعيدً �‪ ..‬ور ّكزت فقط على �أنني �ساأرى �إز�لني‪ ،‬و�سلنا‬
‫لغرفة �لك�سف �لب�سيطة‪ ،‬عربناها ومل تتجاهل عيني �لنظر للعديد من �ملر�سى‬
‫و�ملري�سات من �خلدم و�خلادمات على ُف ُر�ص ب�سيطة‪ ،‬وحني و�سلنا لغرفة �أخرى‬
‫تف�سلنا عن �لغرفة �لعادية ب�ستار‪ ،‬وجدت �أنها �أرقى ً‬
‫حاال‪� ،‬أكرث هدو ًء� وخ�سو�سية‪،‬‬
‫مل �أجد �سوى �إز�لني وحار�سها‪ ،‬كانت هي تنام على ظهرها‪ ،‬بينما ذر�عها �الأمين‬
‫و�ساقها كذلك يختفيان حتت جبريتني باللون �الأبي�ص‪ ،‬م�سدودتني بعمود �لفر��ص‬
‫ب�سكل جعلني �أفكر يف كونها حمظوظة الأنها جنت من هذه �لكارثة‪ ،‬ويف نف�ص �لوقت‬ ‫ٍ‬
‫�أ�سفق على حالتها هذه‪ .‬نظرت لظافر نظرة جانب ّية‪� ،‬أر�سل له لومي‪ ،‬وكاأن ل�سان‬
‫حايل ي�ساأله‪:‬‬
‫‪ -‬هل هذ� ما كنت تريد؟‪.‬‬
‫تنحنحت �حلكيمة فرفعت �إز�لني ر�أ�سها ب�سعف بعد �أن وقف �حلار�ص‪ ،‬وقال‬
‫هو بارتباك‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬سديقتك �إليونور� جاءت للزيارة‪ ..‬معها �حلكيمة و‪. ...‬‬
‫نظر لظافر بارتباك‪ ،‬ع ّله تذ ّكر كون ظافر �ساعد �لفتاة �لتي يف حمايته بينما‬
‫هو �ختباأ كاجلرذ�ن ف�سعر باخلزي‪� ..‬أو هذ� ما �عتقدته �أنا!‬
‫هرولت الإز�لني و�أم�سكت بيدها �ملعافاة وقلت ودموعي تنهمر م ّرة �أخرى‪:‬‬
‫‪ -‬كاد قلبي �أن يتو ّقف قل ًقا لكن �الآن �طماأننت لكونك بخري!‪.‬‬
‫هم�سا‪:‬‬
‫�بت�سمت يل وقالت ً‬

‫ع‬
‫‪� -‬أنا بخري‪ ،‬ال تكوين حمقاء!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫نظرت حلالتها و�بت�سمت بغر�بة‪ ،‬فتنحنحت �حلكيمة قائلة‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪� -‬إذ� �حتجت الأي �سيء قومي بطرق �جلر�ص �لنحا�سي �ملوجود بجانب يدك‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫هزّت �إز�لني ر�أ�سها و�سكرت �حلكيمة قبل �أن تن�سرف وترتكنا‪ ،‬وقتها نظر‬
‫�حلار�ص �ل�سعيف الإز�لني ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪� -‬ساأترككم لدقائق‪ ..‬يبدو �أن �سديقتك قلقة للغاية‪...‬‬
‫بارتباك و��سح‪ ،‬وحني تالقت عيوننا �أ�ساح بب�سره بعيدً � وهرول‬
‫ٍ‬ ‫ونظر يل‬
‫للخارج‪ ،‬فت�ساءلت �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬كم هو جبان! �أمل يكن هذ� هو �ملهوو�ص مبر�قبة �لفتيات‪ ،‬و�لذي يتحاذق‬
‫على �أ�سدقائه ً‬
‫متلفظا باأكرث �لعبار�ت وقاحة؟‪.‬‬
‫هزّت �إز�لني ر�أ�سها وقالت �ساخرة‪:‬‬
‫دوما هكذ� �سعيف �ل�سخ�س ّية‪...‬‬
‫‪ -‬منذ �أن رحل �أ�سدقاوؤه وهو هكذ�‪ ..‬ال بل هو ً‬
‫�قرتب ظافر ليقف عند قدم �إز�لني ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬هل تتاأملني؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�بت�سمت له باإ�سر�ق قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬كنت خائفة ً‬
‫قليال لكن‪� ..‬أخي �أنت ر�ئع! مل �أ�سعر باأي �سيء �سيئ مطل ًقا!‪.‬‬
‫فغرت فاهي ببالهة ثم �أ�سرت عليه باإ�سبعي �ل�س ّبابة �أ�ساألها بغر�بة بها �سيء‬
‫من �لغ�سب‪:‬‬
‫‪ -‬هل ت�سكرينه؟ هل �أنت �سعيدة لكونه فعل بك هذ�؟‪.‬‬
‫�سحبت يدي لتت�سابك مع �الأخرى بارتباك ل�سحكة �إز�لني �لناعمة‪ ،‬وقلت بغر�بة‬
‫و�أنا �أم ّثل �مل�سهد بيدي‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫كنت حت ّلقني برق�ستك تلك‪ ،‬وفجاأة وقعت �لرثيا فوق ج�سدك بال�سبط!‬
‫‪ِ -‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫أنت؟ قاب�سة �أرو�ح!‪.‬‬
‫وت�سحكني هكذ�! من � ِ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫�لتفت ظافر �إ ّ‬
‫يل الأرى عينيه تلمعان يل بتحذير‪ ،‬ف�سحكت بارتباك بينما‬
‫تذ ّكرت �أنه �س ُّر بيننا‪ ..‬ما بال ل�ساين!‬
‫‪ -‬بل �أنا �أ�سكر �سنيعه هذ�‪. ..‬‬
‫قالتها �إز�لني الألتفت �إليها بغر�بة‪ ،‬و��ستطردت‪:‬‬
‫‪ -‬لن يعجب �الأمري بفتاة بجبريتني‪ ..‬وهذ� هو ما �أردناه‪� ..‬أخي عبقري!‪.‬‬
‫�سحكت ف�سحكت بغر�بة‪ ..‬ونظرت له �أ�ساأل الأتاأكد من ما فهمت للت ّو‪:‬‬
‫‪ -‬هل قمت بتخديرها �أو �سيء من هذ� �لقبيل؟ كيف مل ت�سعر باأي �أمل! و‪..‬‬
‫وماذ� عن �لدماء �لتي كانت تخرج من فمها و‪...‬‬
‫كنت �أدير نظري بني �إز�لني وظافر‪ ،‬فوجدت �إز�لني تغمز بعينها قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬أخربين ب�سرب �لكثري من �ملاء‪ ،‬ففعلت!‪.‬‬
‫تذ ّكرت تلك �لورقة �ل�سغرية ذ�ت ّ‬
‫�خلط �لف ّني‪ ،‬فنظرت لظافر بغري فهم‪،‬‬
‫حمتارة‪� ..‬أريد تف�س ًري�!‬
‫‪‬‬
‫عقد ظافر ذر�عيه �أمام �سدره ً‬
‫قائال بهدوئه �ملعهود‪:‬‬
‫‪� -‬أردت �أن تكون معدتها مملوءة باملاء كي �أ�ستطيع �لتح ّكم به‪ ..‬حولت لونه‬
‫وقو�مه من ماءٍ �إىل دماء �أمام �أعينكم‪ ،‬بينما مل ت�سعر هي باأي �سيء‪ ،‬حتى‬
‫�نقبا�سات �ملعدة‪ ..‬كما مل ت�سعر باأمل لوقوع �لرثيا من �الأ�سا�ص‪...‬‬
‫�تّ�سعت عيناي بفزع وت�ساءلت بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬حت ّكمت يف كل هذ�!‪.‬‬
‫�أوماأ بهدوء‪ ،‬وبت �أتخ ّيل �أن كل هذ� كان فقط‪ً ..‬‬
‫متثيال! وت�ساءلت م ّرة �أخرى‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫بحرج بينما �أتذكر �ملوقف‪ ،‬و� ً‬
‫أي�سا موقف نعتي له بالقاتل و‪ ..‬قا�سي �لقلب‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪ -‬لكن‪ ..‬لكن‪� ..‬سرختها! و‪ ..‬وكل �سيء!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫فقال‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬مل يكن �سوى خدعة ب�سيطة مل تكلفني �لكثري ‪.‬‬
‫جحظت عيناي ونظرت جل�سد �إز�لني قائلة بق�سوة‪:‬‬
‫‪ -‬ك ّلفتك هذ�! و�إن كان بال �أمل فهو ما ز�ل موجودً�! ك�سور بج�سدها وتلك‬
‫�خلدو�ص على وجهها ورقبتها!‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه نف ًيا وقال‪:‬‬
‫‪ -‬كان هذ� �أف�سل من �أن �أفقدها لالأبد‪. ..‬‬
‫مل �أعد �أحت ّمل �لوقوف‪ ،‬فج�سلت على طرف فر��سها وعيناي ما ز�لتا عليه‪ ،‬ذلك‬
‫�لهادئ �لبارد! و�أ�سرت �إىل قلبي قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وماذ� عني؟ �سعرت بقلبي يتو ّقف! فقدت وعيي � ً‬
‫أي�سا!‪.‬‬
‫حت ّدثت �إز�لني مد�فعة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫أنك �قتنعت جدًّ�‪ ،‬وحتى �الآن ال‬
‫‪ -‬هو �أخربين فقط �أنني �أجيد �لتمثيل‪ ،‬بدليل � ِ‬
‫كنت �ستتوترين وترفعني‬‫أنت؟ ِ‬‫تريدين ت�سديق �أنها كانت جم ّرد خدعة! �أما � ِ‬
‫ب�سرك للرثيا كل ثانية و�الأخرى!‪.‬‬
‫�سحكت بغري ت�سديق وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬قلبي كان �سيتو ّقف! و�أعتقد �أن ظاف ًر� ال يريد هذ� لكونه يريدين �لفوز بقلب‬
‫يبال بي!‪.‬‬
‫�الأمري‪ ..‬وبرغم ت�سميمه مل ِ‬
‫بروح فارغة‪:‬‬
‫و�سعت يدي على قلبي وقلت ٍ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬سعرت للحظة بـ‪ ..‬باخلذالن!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�ساد �ل�سمت للحظة‪ ،‬و�أطرقت �أنا بر�أ�سي �أ�س ًفا‪ ..‬الأجد ظاف ًر� يقرتب مني‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫كتفي بيديه ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫يط ّوق ّ‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬ ‫‪ -‬ه ّيا‪� ..‬ستتاأخرين عن در�ص �لفرو�سية‪.‬‬


‫نه�ست و�بت�سمت الإز�لني قائلة‪:‬‬
‫لك ِ�ص‪...‬‬
‫‪� -‬أمتنى ِ‬
‫ً‬
‫عاجال» تذك ّرت كونهما ال يريد�ن هذ�‪ ،‬فابت�سمت‬ ‫وقبل �أن �أقول «�سفا ًء‬
‫بارتباك وقلت‪:‬‬
‫ٍ‬
‫‪� -‬أمتنى �أن تكوين بخري!‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها يل مبت�سمة وتركتها بالغرفة‪ ،‬مرو ًر� بغرفة �لعا ّمة حتى و�سلنا ملمر‬
‫هادئ‪.‬‬
‫‪� -‬سنذهب � ًأوال للخ ّياطني لتح�سلي على رد�ء منا�سب‪ ..‬كي ال يعيقك هذ� ‪.‬‬
‫و�أ�سار على �لف�ستان �لف�سفا�ص �لذي �أرتديه فهززت ر�أ�سي ب�سمت وتق ّدمته‬
‫رغم �أنني ال �أعرف �لطريق‪ ،‬مل يتبعني‪ ،‬لكن يف �أقل من ثانيتني كان قد �لتقط‬
‫مع�سمي وجذبني منه‪ ،‬لي�سمني �إىل �سدره دون �أن �أدرك ماذ� يفعل!‬
‫‪‬‬
‫تفاجاأت من ما فعل وحاولت رفع ر�أ�سي �إليه فوجدت عينيه �لرماد ّيتني تنظر�ن‬
‫يل بهدوء‪ ،‬فدفنت ر�أ�سي ب�سدره م ّرة �أخرى الأجت ّنب لقاء �لعيون هذ�‪ ..‬ومل �أقاومه!‬
‫يدي وكاأنني �أحمي نف�سي منه به نف�سه! فهو حار�سي‪ ،‬ويف‬ ‫بل ت�س ّبثت يف رد�ئه بكلتا ّ‬
‫نف�ص �لوقت من جعل قلبي يخفق بذعر للدقائق �لقريبة �ل�سابقة! مل �أكن �أ�سمع‬
‫�سوى �سوت د ّقات قلبي‪ ..‬تتد�خل مع د ّقات �أخرى‪� ،‬أظنها منه هو‪ ،‬لكوين قريبة‬
‫منه لهذه �لدرجة‪ ..‬و�سكنت‪ ..‬و�ساألت نف�سي‪ ..‬كيف يل �أن �أكون م�ست�سلمة هكذ�؟!‬
‫‪� -‬آ�سف‪. ..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫قالها ظافر‪ ..‬مل �أ�سدقه بالبد�ية‪ ..‬مل �أكن �أعتقد �أنه من �لنوع �لذي يعتذر!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫فدق قلبي بعنف ورفعت عيني لعينيه بحذر‬ ‫ومن نربته تاأكدت من �أنه يعنيها ح ًّقا! ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫وت�ساءلت ببالهة‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫‪ -‬مل؟‪.‬‬
‫رفع يده �ليمنى وقر�ص على وجنتي بنعومة باأنامله‪ ،‬ويده �الأخرى ما ز�لت تلتف‬
‫غ�سة يف حلقي و�أن�ست ل�سوته �لعميق‪ ،‬وهو يجيب‬ ‫حويل لتق ّربني منه‪ ،‬فابتلعت ّ‬
‫عن ت�ساوؤيل‪ ،‬بالطبع هو مل يرد عليه الأن �الإجابة معروفة‪ ،‬بل قال �سي ًئا �آخر‪:‬‬
‫دوما‪ ..‬لذ� ال تفكري يف �أن قلبك‬
‫‪� -‬أنا حري�ص على �سالمتك‪ ،‬و�ساأكون كذلك ً‬
‫�سيتو ّقف �أبدً �‪...‬‬
‫�بت�سمت وت�ساءلت بغباء م ّرة �أخرى‪:‬‬
‫‪ -‬هل قمت بعمل تعويذة �أو متيمة �أو �سيء له من هذ� �لقبيل؟‪.‬‬
‫ونهرت �سوؤ�يل �لغبي هذ�‪ ..‬ملاذ� تو ّقف عقلي �الآن ليجعلني �أقول �أي �سيء يخطر‬
‫على بايل فجاأة؟! كل ما �أفكر به �الآن هو �سعوري بالدفء! هذ� �ل�سعور �لذي يجعلني‬
‫�أن�سى برودة �ل�ستاء و�سوت �لهو�ء �ملرعب‪ً ،‬‬
‫وبدال من �لتفكري يف �سوء �لقمر‪ ،‬تذ ّكرت‬
‫دفء �ل�سم�ص! تن ّهدت بر�حة بينما قال يل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫لك ذ�ت يوم‪.‬‬
‫تخ�سك بالفعل‪� ..‬ساأريها ِ‬
‫‪ -‬لدي متيمة ّ‬
‫‪ -‬متى؟‪.‬‬
‫ت�ساءلت بف�سول‪ ،‬ف�سحك بطيبة وقال ب�سدق‪:‬‬
‫‪ -‬قري ًبا‪ ..‬قري ًبا جدً �‪� ..‬أ�سعر بهذ�!‪.‬‬
‫�أخرجني من �سدره لينقطع هذ� �لدفء فجاأة‪� ،‬حم ّر وجهي ب�س ّدة ونظرت‬
‫حويل �أتف ّقد �لردهة‪ ،‬مل يكن هناك �أحد! ملاذ� تركني � ًإذ�!‬

‫ع‬
‫‪� -‬سنذهب لغرفة �حلياكة‪...‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫قالها وتق ّدمني يف �ل�سري‪ ،‬فهززت ر�أ�سي ب�سرود قائلة‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪� -‬ممم‪ ..‬نعم‪� ..‬سنذهب ‪.‬‬

‫والتوز عي‬
‫وحت ّركت نحوه ب�سرود‪� ،‬أ�سرعت �خلطى ً‬
‫قليال كي ال ي�سبقني هو بخطو�ته‬
‫�لو��سعة فاأ�س ّل �لطريق‪ ..‬الأنني بب�ساطة �أدركت �أنني بدون حار�سي ظافر‪ ،‬تائهة‪..‬‬
‫بال ماأوى!‬
‫ق ّررت �أن �أ�سمت كي ال يك�سف ت�س ّو�ص تفكريي‪ ،‬ف�ساألته بريبة‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪ ..�� ..‬هللل‪ ...‬هل تعرف كل ما �أف ّكر به طو�ل �ليوم؟‪.‬‬
‫�سمت ً‬
‫قليال ثم قال بعد برهة‪:‬‬
‫عينيك ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وخ�سو�سا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬حني �أنظر لوجهك فقط‪..‬‬
‫و�سعت يدي على فمي �أفكر ب�سرود‪ ،‬ومل �أ�سمع �سحكته �ملت�سل ّية‪ ..‬بالطبع كان‬
‫يقول هذ� فقط ليجعلني �أفكر بحر ّية‪ ..‬وقد كان!‬
‫خرجت من غرفة �حلياكة بعد حديث ق�سري مع معلمة �حلياكة �لعجوز‪ ،‬الأجد‬
‫�إيفي تنتظرين‪ ،‬فابتهجت لروؤيتها و�بت�سمت بدفء‪ ،‬كم تبهجني تلك �ل�سغرية! �آ ٍه‬
‫لو تعلم �أن كلمة �سغرية هذه هي مدح ولي�ص ذ ًّما كما تعتقد!‬
‫‪‬‬
‫كنت �ألف يدي حول ج�سدي وكاأنني �أخفيه‪� ،‬أو �أخفيه ً‬
‫فعال! و�أتل ّفت خلفي بينما‬
‫�أ�سري بجانبها الأرى ظاف ًر� ي�سري ببطء‪ ..‬تار ًكا لنا م�ساحتنا لنتح ّدث بحرية‪ ،‬وكانت‬
‫�إيفي حت ّدثني بلطافة‪:‬‬
‫أنك لن تبد�أي هذ� �لتمرين ب�سبب �ل�سدمة �لتي حدثت‪ ..‬لكن‪..‬‬ ‫‪� -‬عتقدت � ِ‬
‫�أنا �سعيدة بكونك �سرتين �خليول �ليوم! �ستبتهجني لروؤيتها كث ًري�!‪.‬‬
‫بذر�عي‪ ،‬وت�ساءلت يف نف�سي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫زدت من �حت�سان نف�سي‬
‫‪َ -‬مل رد�ء �لفرو�س ّية هذ� �س ّيق هكذ�!‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫مر�سوما حتت مالب�سي بو�سوح‪ ،‬كم ي�سعرين هذ�‬ ‫ً‬ ‫فاأنا ال �أحب �أن يكون ج�سدي‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫باالإحر�ج! ج�سدي جمي ٌل ومتنا�سق‪ ،‬لكن هو يل! ملك ّية خا�سة‪ ،‬ال �أريد الأحد �أن يطيل‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�لنظر �إليه �أبدً �!‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫معك حقّ ‪...‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫تو ّقفت عن �ل�سري حني �سمعت �سوت ظافر موؤ ّكدً � على ما قلت‪ ،‬وقبل �أن �ألتفت‬
‫أي�سا‪ ،‬تنظر على ما يفعل برت ّقب‪ ،‬فلقد �قرتب ليقف خلفي‪ ،‬وو�سع‬ ‫له توقفت �إيفي � ً‬
‫علي‪ ،‬ثم �لتفت لريبط �خليطني �لرفيعني من �الأمام و�لذي ّ‬
‫يتدىل‬ ‫عباءة ظهره ّ‬
‫منهما حجر�ن �أ�سود�ن د�كنان للغاية‪ ،‬بخطوط رمادية �سعب مالحظتها �إال عن‬
‫تعجبت من كونه قد ��ستجاب الأفكاري بتلك �ل�سرعة‪� ..‬أم �أنه كان يفكر فيما‬‫قرب‪ّ ،‬‬
‫كنت �أفكر به � ً‬
‫أي�سا؟ هل لهذه �لدرجة كان ج�سدي ظاه ًر� للعيان؟!‬
‫تنحنحت بحرج وغمغمت بكلمة �سكر‪ ،‬ثم �أخذت يد �إيفي و�نطلقت بعيدً �‪ ،‬بينما‬
‫قلبي‪ ..‬يدق بغر�بة!‬
‫و�سلت مع �إيفي للج�سر �مل�ساء من �جلانبني‪ ،‬ليهدينا ملكان تو�جد �خليول‪،‬‬
‫فت�ساءلت هي بغر�بة‪:‬‬
‫بك؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما ِ‬
‫‪‬‬
‫�بت�سمت بغر�بة و�أم�سكت بطرف عباءة ظافر �لطويلة �لتي ّ‬
‫غطت معظم‬
‫ج�سدي‪ ،‬وت�ساءلت مت�س ّنعة عدم �لفهم‪:‬‬
‫‪ -‬ما بي؟ هل �أبدو مرهقة؟‪.‬‬
‫ت�س ّنعت �لعبث بوجهي وكاأنني �أتفقد حيو ّيته‪ ،‬وبينما نحن ن�سري ببطء �بت�سمت‬
‫هي‪ ..‬فارتبكت‪ ..‬هل علمت مبا حدث منذ قليل؟ هل ر�أت ظاف ًر� يجذبني فجاأة‬
‫متاما‪ ...‬لعل ظاف ًر� فعل‬
‫ويقربني منه؟ بالطبع مل ت َر هذ�‪ ..‬فاملكان كان خال ًيا ً‬
‫هذ�‪ ..‬لكن‪� ..‬أريدها �أن تعرف‪ ،‬هناك �سيء ما بد�خلي يح ّثني على �أن �أحكي ما‬
‫حدث‪ ..‬الأنني �أريد تذ ّكره م ّرة �أخرى‪ ،‬وكاأنني �أ�ستعيده جمددً�!‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬إيفي‪. ..‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫نطقت با�سمها فنظرت يل مبت�سمة بت�ساوؤل‪ ،‬فقلت بينما نهبط �جل�سر بهدوء‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪ -‬هل من �لطبيعي �أن‪� ..‬أن يحت�سن �حلار�ص �لفتاة �لتي يحميها؟‪.‬‬
‫لوت �سفتيها بابت�سامة بينما تف ّكر‪ ،‬ثم قالت بتلقائية‪:‬‬
‫‪ -‬يفعل كاليب هذ� بني �حلني و�الآخر!‪.‬‬
‫نظرت لها منده�سة وقلت ب�سدمة‪:‬‬
‫‪ -‬ح ًّقا؟‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها وقالت موؤكدة على ما قالت‪ ،‬بتلقائية‪:‬‬
‫لدي �أي‬
‫‪ -‬طب ًعا‪ ..‬فنحن �أ�سدقاء! مررنا بالكثري م ًعا‪ ..‬وكما تعرفني مل يكن ّ‬
‫�أ�سدقاء �سو�ه قبل �أن تاأتي!‪.‬‬
‫ر ّبت على كتفها و�بت�سمت‪ ،‬وتو ّقفنا فجاأة لنجد كاليب �آت ًيا مم�س ًكا بجو�د جميل‬
‫ب�سعر ناعم وطويل‪ ،‬يهز ذيله ليبعد عنه ح�سر�ت �لليل‬ ‫جدً �‪ ،‬لونه هو �لب ّني �ملح ّبب‪ٍ ،‬‬
‫�لتي حتوم حول ج�سده متط ّفلة‪ ،‬فابت�سمت �إيفي و�قرتبت منه قائل ًة‪:‬‬
‫‪� -‬إليونور� �أعرفك بثاين �سديق يل هنا بعد كاليب‪ ..‬قهوة!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�سحكت ب�سعادة و�قرتبت منه قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬قهوة؟! كم �أنت لطيف!‪.‬‬
‫�سحك كاليب ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫متاما!‪.‬‬
‫‪� -‬أ�سميته بنف�سي‪ ..‬ميكنك �لرتبيت عليه‪ ،‬هو م�سامل ً‬
‫�بت�سمت برت ّقب ورفعت يدي ببطء‪� ،‬أريد مل�ص �سعره �لذي يلمع مع �سوء �لقمر‪،‬‬
‫الحظت �لتفات عينيه �لبن ّيتني �لو��سعتني يل‪ ،‬ف�سحكت بهدوء وقلبي يدق بحما�ص‪،‬‬
‫وقبل �أن �أ�ستطيع مل�سه‪� ،‬سمعت ظاف ًر� يناديني‪ ،‬فالتفت له الأجده يقف بثبات مم�س ًكا‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫بجو�ده �أ�سود �للون‪ ..‬مل �أ َر جو�ده هذ� منذ �أول يوم ��ستيقظت فيه بهذ� �لعامل!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�بت�سمت بحما�ص وقلت‪� ،‬أنادي ظاف ًر� من مكاين‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬كاليب يلقب جو�ده بقهوة‪ ،‬فما ��سم جو�دك؟‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫عم �ل�سمت للحظة‪ ،‬مل يقل ظافر �أي �سيء ليجيبني! فتنحنحت بحرج‪ ..‬كدت‬ ‫ّ‬
‫�أن �أعيد عليه �سوؤ�له حتى تفاجاأت باأنه ين�سرف بجانب جو�ده‪..‬‬
‫�حم ّر وجهي بخجل �سديد و�عتذرت من �إيفي وحار�سها كاليب و�ن�سرفت خلف‬
‫ظافر‪ ،‬لرتفرف عباءته خلف ظهري من �أثر �لهو�ء!‬
‫�قرتبت من ظافر وت�ساءلت بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬هل تخفي ��سم جو�دك كما تخفي وجهك؟‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬بل ال �أف�سل �لرثثرة وقت �لتدريب‪.‬‬
‫ثو�ن حتى‬
‫علي بينما ير ّبت على �سعر جو�ده �الأ�سود �لناعم‪ ،‬وما هي �إال ٍ‬
‫هكذ� ر ّد ّ‬
‫قال بهدوء‪:‬‬
‫‪ -‬قمر‪...‬‬
‫�قرتبت ً‬
‫قليال منه دون �القرت�ب من �جلو�د‪ ،‬وت�ساءلت بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬هل يدعي قم ًر�؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬نعم‪. ..‬‬
‫قالها ظافر بينما يتاأكد من ثبات �ل�سرج‪ ،‬فابت�سمت ورفعت ر�أ�سي للقمر‬
‫وت�ساءلت مبت�سمة‪:‬‬
‫‪ -‬وهل هو مغرور كهذ� �لقمر؟‪.‬‬
‫�لتفت يل ظافر متفاج ًئا من ما �أقول‪ ،‬وحني الحظت �سحكت بخجل وقلت‬
‫ربرة ما �أفكر به‪:‬‬
‫م ّ‬
‫لدي فكرة ر��سخة بعقلي‪ ..‬وهي �أن �لقمر مغرور‪ ..‬كذكر‬ ‫‪ -‬لطاملا كان ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لطاوو�ص �لذي يتباهي بري�سه �ملل َّون‪...‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ظل ناظ ًر� يل‪ ..‬ظننته ي�سخر مني بد�خله‪ ..‬لك ّنه يف حقيقة �الأمر كان يبت�سم‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫بغري ت�سديق!‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫أحت�س�ص نعومته‪ ،‬فاأبعد رقبته عني‬
‫�قرتبت من �جلو�د ببطء وو�سعت يدي عليه � ّ‬
‫ً‬
‫قليال فقلت �أنا �أد�عبه‪:‬‬
‫‪ -‬لن �أ�سدق كونك مغرو ًر�‪ ،‬ولدي �سعور ج ّيد باأننا �سوف نكون �أ�سدقاء!‪.‬‬
‫�لتفت يل ظافر م ّرة �أخرى‪ ،‬فقلت بجرج‪:‬‬
‫‪ -‬رمبا �سيفهم ما �أقول!‪.‬‬
‫�سحك ظافر ثم �ساألني‪:‬‬
‫‪ -‬هل ت�ستطيعني رفع نف�سك المتطاء �جلو�د؟‪.‬‬
‫نظرت لقمر الأجده يقف ب�سموخ‪ ،‬ظهره �أعلى من ر�أ�سي ً‬
‫قليال‪ ..‬ف�سحكت قائلة‬
‫ب�سك‪:‬‬
‫‪ّ -‬رمبا!‪.‬‬
‫ث ّبت عباءة ظافر على �إحدى جانبي ج�سدي‪ ،‬و�قرتبت من قمر‪ ،‬رفعت �ساقي‬
‫الأ�سندها على �ل�سرج �ملريح �ملث ّبت عليه باإحكام وكدت �أرفع نف�سي بينما ت�س ّبثت‬
‫‪‬‬
‫بال�سرج بق ّوة‪ ،‬وفجاأة حت ّرك �جلو�د لالأمام مبنتهى �لربود‪ ،‬الأقفز �أنا على �ساق‬
‫و�الأخرى مع ّلقة به لع ّدة خطو�ت‪ ،‬هام�س ًة بده�سة‪:‬‬
‫‪ -‬قمر �نتظر! تو ّقف تو ّقف!‪.‬‬
‫�قرتب م ّنا ظافر وث ّبته باإ�سارة و�حدة منه‪ ،‬و�قرتب مني وط ّوق خ�سري بيديه‪،‬‬
‫وبكل �سهولة رفعني الأجل�ص على �جلو�د ب�سرعة‪ ..‬فتن ّهدت بغر�بة قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬سك ًر�! يبدو �أنك معتاد على رفع �الأثقال!‪.‬‬
‫�سحك بت�س ّلي ثم قال‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ل�ست ِح ً‬

‫ك‬
‫مال‪. ..‬‬ ‫‪ّ -‬رمبا‪ ..‬لك ّن ِك ِ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫�بت�سمت ملجاملته على كوين خفيفة �لوزن‪ ،‬وتل ّفت حويل برت ّقب قائلة ب�سرود‪:‬‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫‪ -‬هل تا ّأخر �ملد ّرب؟ �عتقدت �أنه �سوف يو ّبخني على تا ّأخري باحل�سور!‪.‬‬

‫ع‬ ‫وبينما �أنا �ساردة �سمعته يقول‪:‬‬


‫لك بالدقائق �ملا�سية‪ ..‬فلن �أو ّبخك‪ ،‬بل �سنبد�أ �لدر�ص على‬
‫‪� -‬أعلم ما حدث ِ‬
‫�لفور‪...‬‬
‫عدت بنظري له مبت�سمة بغري ت�سديق‪ ،‬و�ساألته‪:‬‬
‫‪� -‬أتعني‪� ..‬أنك‪� ..‬أنت؟‪.‬‬
‫كفي بحما�ص وقلت بتح ّفز‪:‬‬
‫�أوماأ باإيجاب‪ ،‬ف�س ّفقت ّ‬
‫‪ -‬نعم! كم هذ� ر�ئع! فالفرو�س ّية تليق بك ظافر!‪.‬‬
‫يل فلمحت بع�ص �لتجاعيد قد تك ّونت حول عينيه بينما �سعور د�فئ‬ ‫رفع ر�أ�سه �إ ّ‬
‫حو��سي حني ت�ساءلت ب�سرود‪ ..‬هل �بت�سمت عيناه للت ّو؟‬
‫�جتاح ّ‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫)‪(16‬‬

‫كتب‪ ،‬دروس‪ ،‬وحــارس خان أمانته!‬

‫�أحببت در�ص �لفرو�سية وركوب �خليل كث ًري�‪� ،‬أطاعني قمر بوجود ظافر بالقرب‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫منه‪ ،‬لكن عندما يبتعد ظافر عني م�سافة لريى كيف �ساأ�سل �إليه يعاندين ً‬
‫قليال‪،‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ي�سجعه كان ي�سهل بطاعة وي�سبح م�ساملًا للغاية! فبدت يل‬
‫وحني ي�سمع �سوت ظافر ّ‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عالقتهما وطيدة للغاية‪ ،‬فظافر �لذي يتح ّكم به ً‬
‫دوما‪..‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫تعلمت �أن ال �أُقبل على �حل�سان من �خللف �أبدً �‪ ،‬يجب �أن �آتيه من مكان ير�ين‬
‫به‪ ،‬مع �إ�سد�ر �سوت خفيف كي ال يفزع‪ ،‬ن�سحني ظافر مبناد�ته با�سمه كتحية‬
‫له‪ً � ،‬‬
‫أي�سا �لرتبيت على نا�سيته �أو رقبته‪ ،‬في�سهل �حل�سان وكاأنه يرد �ل�سالم!‬
‫�أر�ين كيفية تركيب �ل�سرج �سري ًعا وقال �أنه �سرييني �إياها �أكرث من م ّرة فيما بعد‬
‫علي جتهيز �أي جو�د فيما بعد‪،‬‬ ‫حتى تر�سخ �لطريقة يف ذهني؛ ليكون من �ل�سهل ّ‬
‫قام بامتطاء �جلو�د �أمامي بر�ساقة ليخربين كيف �أفعل‪ ،‬فالركوب يكون من جهة‬
‫�لي�سار ‪-‬كما هو تركيب �ل�سرج‪ -‬وبحركة �سريعة وخفيفة‪� ،‬أجل�ص بو�سع م�ستقيم‪،‬‬
‫أي�سا! كم بد� هذ� ً‬
‫�سهال‪ ،‬لكن‬ ‫وحني �أريد �لنزول �أثبت �حل�سان و�أنزل �إىل ي�ساره � ً‬
‫كانت م�سكلتي فقط يف �لركوب و�لنزول فكان ي�ساعدين ظافر بهذ�‪ ..‬عد� ذلك‪،‬‬
‫كنت �أقود برب�عة فطر ّية كفار�سة‪� ،‬أنعطف ميي ًنا وي�سا ًر� م�ستخدمة ذلك �للجام يف‬
‫يدي‪ ،‬مع حركة ب�سيطة من قدمي جل�سد قمر‪ .‬قال ظافر �أنه فخور بي الأنني �سريعة‬
‫�لتعلم‪ ،‬ف�سعدت بهذ� ح ًّقا! وحت ّم�ست الأتعلم �سي ًئا جديدً �‪� ،‬سيء �سيك�سبني �لكثري‬
‫من �ملعرفة‪ ..‬وهو قر�ءة �لكتاب �لذي ��ستعرته من �إيفي!‬

‫‪‬‬
‫تناولت �إفطاري بهدوء‪ ،‬وعيني تر�قب �ملن�سدة �الأر�سية �لتي ر�أيت عرو�ص‬
‫�الأمري بها ليلة �أم�ص حني نه�ست فجاأة‪ ..‬مل �أ�سعر برغبة حقيق ّية يف تناول �لطعام‬
‫فرتكته كعادتي �لتي مل �أدركها �إال �ليوم‪ .‬خمنت؛ رمبا �أكون �سعيفة �ل�سهية فيما‬
‫يتع ّلق بالطعام‪ ،‬فاأنا �أعطي ن�سف طعامي الإيفي‪ ،‬و�الآن ال �أ�ستطيع �إكمال �لن�سف‬
‫�ملخ�س�ص يل! ال باأ�ص‪ ،‬فاأنا �أ�سعر بال�سبع‪ ..‬نه�ست الأغ�سل يدي وقابلت ظاف ًر�‬
‫بالردهة‪ ،‬كان يتح ّدث مع حار�ص �إيفي و�لذي حني ر�آين رفع يده يل بتح ّية هادئة‬
‫فابت�سمت‪ ،‬و�أكملت م�س ًيا يف طريقي لفر��سي‪..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫م ّرت دقائق و�أنا �أحاول �لرتكيز يف هذ� �لكتاب‪ ،‬فبالرغم من �أنني ��ستخدمت‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ً‬
‫فر��سا �آخر غري فر��سي الأجل�ص فيه ليكون بعيدً � عن ثرثرة �لعر�ئ�ص و�حلر�ص مل‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫يكن هذ� كاف ًيا‪� ..‬أريد بع�ص �لهدوء! �لقر�ءة لي�ست �سهلة بالن�سبة يل كما تبدو‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫لبع�ص �لنا�ص؛ �أعتقد �أنني كنت �سعيفة ً‬
‫قليال يف �لدر��سة و�سياأخذ مني �لرتكيز‬

‫ع‬
‫�أ�سعا ًفا م�ساعفة من �لوقت و�جله ّد!‬
‫‪� -‬رتدي مالب�ص ثقيلة‪� ،‬سنذهب للمكتبة‪...‬‬
‫رفعت عيني من بني �سطور �لكتاب الأنظر لظافر �لذي وقف �أمام �لفر��ص‪ ،‬يبدو‬
‫�أنه هنا منذ فرتة كافية لي�سعر مبعاناتي! فابتهجت �أنا وتركت له �لكتاب و�أ�سرعت‬
‫لفر��سي‪� ،‬أخرجت �ل�سندوق �خل�سبي �لكبري من �أ�سفله و�لتقطت ذلك �ل�سيء �لذي‬
‫دوما‪ ..‬عباءة �لظهر‪ ،‬ذ�ت غطاء �لر�أ�ص �ملت�سل بها‪ ..‬كم ت�سعرين‬ ‫�أحب �رتد�ءه ً‬
‫باالحتو�ء‪ ،‬كما �أنها تعطيني �سعو ًر� لطي ًفا حني متر ن�سمات �لهو�ء بينها وبني‬
‫ذر�عي‬
‫ّ‬ ‫ج�سدي فرتفرف‪ ،‬و�أغم�ص �أنا عيني و�أتخ ّيل �أنني �أقف على �أعلى ت ّلة‪ ،‬عاقدة‬
‫بتحد‪ ،‬و�أقدم على �سيء خر�يف‪ ،‬كاإنقاذ �لعامل ً‬
‫مثال!‬ ‫�أمام �سدري ٍ‬
‫�سمعت ظاف ًر� ي�سحك �سحكته �لهادئة �لق�سرية‪ ،‬فالتفت له بنظرة ذ�ت‬
‫معنى‪« :‬هل قر�أت �أفكاري للت ّو؟»‬

‫‪‬‬
‫فه ّز كتفيه برب�ءة‪ ،‬فتق ّدمته �أنا كي ال يرى وجهي وي�ستطيع �لعبث و�سماع �أفكاري‬
‫�لطفولية �ل�ساذجة‪ ،‬ومل �أكن �ألتفت لفكرة �أنه ي�ستطيع قر�ءة �أفكاري من على بعد‬
‫يل‪ ،‬بل مبج ّرد �لتفكري بي!‬‫كبري جدً � دون �لنظر �إ ّ‬
‫خ�سبي ثقيل للغاية حني تدفعه لالأمام �أو �خللف‪ ،‬و�لذي‬
‫ٍ‬ ‫باب‬
‫دلفت للمكتبة عرب ٍ‬
‫بالطبع �ساعدين ظافر يف فتحه‪ ،‬وذهلت من ما ر�أيت! هي مكتبة عالية �الأرفف‪،‬‬
‫كثرية �لكتب من �ستّى �الأنو�ع و�الأحجام‪ ،‬بها من�سدة كبرية باللون �لبني و�سع عليها‬
‫مفر�ص �أنيق هادئ �للون‪ ،‬مبقاعد كثرية‪ ،‬عديدة‪ ..‬لك ّنها خالية!‬

‫ع‬
‫طرقت �الأر�ص بحذ�ئي لي�سدر �سدى عظي ًما‪ ،‬و�سرعان ما �ختفى حني خطوت‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫على �لب�ساط �لعريق‪ ،‬وت�ساءلت ب�سرود‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫‪َ -‬مل هي خاوية هكذ�؟ �أال �أحد يحب �لقر�ءة هنا؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫و�سرعان ما وجدت ظاف ًر� يتّجه الإحدى �لزو�يا بينما يح ّدثني دون ��ستخد�م‬
‫�لتو��سل �لعقلي بيننا‪ ،‬لي�سدح �سوته يف �أرجاء �ملكان بطريقة مثرية‪:‬‬
‫كاف من هنا �إال يف جماالت حمدودة‪...‬‬
‫علم ٍ‬
‫‪ -‬لن حت�سلي على ٍ‬
‫ر�أيته يجمع بع�ص �لكتب بطريقة مدرو�سة‪ ،‬ي�سندها بني ذر�عه �لي�سرى و�سدره‬
‫وبيده �ليمنى يختار كت ًبا �أخرى‪ ،‬بينما ي�ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬فالعلوم مثل �الأحياء‪ ،‬و�لريا�سيات‪ ،‬و�لفيزياء و�لكيمياء جميعها متوفرة‬
‫هنا بكرثة‪ ،‬و� ً‬
‫أي�سا �الأدب كالرو�يات و�ل�سعر و�لق�س�ص �لق�سرية‪...‬‬
‫و�أ�ساف‪:‬‬
‫‪� -‬أما بالن�سبة للجغر�فيا و�لتاريخ‪ ،‬فلن جتديهم يف �أي مكان �سوى �أر�ص‬
‫�لو�قع‪...‬‬
‫تعجبت من ما قال فرفعت �سوتي بغر�بة‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬كيف ذلك وكتاب �إيفي هو كتاب تاريخي؟ مذكور به ع ّدة مناطق جغر�فية!‬
‫�أعني‪ ..‬لقد عرفت منه �أننا يف مملكة �لـ‪...‬‬
‫قاطعني‪:‬‬
‫لك � ًأوال باأول‪...‬‬
‫أ�سححها ِ‬
‫‪ -‬معلومات ناق�سة‪� ،‬أو غري �سحيحة‪� ..‬سا ّ‬
‫فهمت مق�سده‪ ،‬فت�ساءلت بغر�بة بينما �أ�ستمع ل�سدى �سوتي ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� يعني �أنك كحار�ص‪ ،‬وبقية �حلر�ص‪ً � ،‬‬
‫أي�سا �لوزر�ء و�الأمري نف�سه فقط‬
‫من تعرفون جغر�فية هذ� �لعامل وتاريخه؟ الأنكم بطبيعة �حلال تتن ّقلون‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫وت�سافرون؟‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�نتهى ظافر من جمع ما يريد و�قرتب مني‪ّ ،‬‬
‫تخطاين و��س ًعا �لكتب �لتي جمعها‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫بطريقة غريبة‪ ،‬فاأمام كل مقعد كان ي�سع كتا ًبا‪ ،‬حتى �نتهى بو�سع �آخر كتاب وجل�ص‬

‫ع‬
‫ين�ص �أن يجيبني على ما �ساألت‪:‬‬
‫�أمامه‪ ،‬على ر�أ�ص �ملن�سدة جهة �لي�سار‪ ،‬ومل َ‬
‫‪ -‬لي�ص كل �حلر�ص‪� ..‬أما �الأمري ووزر�وؤه فنعم بالتاأكيد‪ ،‬هذه طبيعة عملهم‪..‬‬
‫بالرغم من �أنهم يتقاع�سون �أحيا ًنا‪...‬‬
‫هززت ر�أ�سي باهتمام‪ ،‬ثم ت�ساءلت بف�سول غلب عليه �ملز�ح بينما �أ�سري ملا فعله‬
‫للت ّو بالكتب‪:‬‬
‫�جتماعا؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬هل �ستقيم‬
‫�أ�سار يل على ر�أ�ص �ملن�سدة من �جلهة �الأخرى‪ ،‬فذهبت الأجل�ص‪ ،‬الأغو�ص يف‬
‫هذ� �ملقعد �لوثري �ملريح‪ ،‬هو مقعد خ�سبي‪ ،‬جمهز بو�سائد وم�سند للظهر‪ ،‬للجلو�ص‬
‫�لطويل‪..‬‬
‫لديك در�ص �لرق�ص‪� ،‬لفرو�سية وهي لي�ست كل يوم‪� ،‬إفطار‪ ،‬وقت فر�غ‪ ،‬در�ص‬ ‫‪ِ -‬‬
‫حياكة‪ ،‬وقت فر�غ ثم �لنوم‪� ..‬سن�ستغل وقت �لفر�غ بالقر�ءة‪ ،‬و�ستقر�أين كل‬
‫هذ�‪ ..‬و�أنا ال �أمزح يف هذ� �أبدً �‪...‬‬
‫‪‬‬
‫�بتهجت وحت ّم�ست كث ًري� جل ّديته يف �الأمر‪ ،‬لك ّني تذ ّكرت ع ّلتي بالقر�ءة وبطئي‪،‬‬
‫فت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬وهل �ست�ساعدين يف هذ�؟‪.‬‬
‫�أوماأ جمي ًبا‪:‬‬
‫دوما و�أبدً �‪...‬‬
‫‪ً -‬‬
‫�بت�سمت بامتنان وفتحت �لكتاب بيدي بعد �أن مالأت نظري من غالفه �ملم ّيز‬
‫ذي �لنقو�ص �لغريبة‪ ،‬وحني فتحته �متقع وجهي بغر�بة‪ ،‬فنظرت لظافر و�سحت به‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬ال �أرى �سوى �لطال�سم!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫ر�أيته يخرج �سي ًئا ما من جيب مالب�سه �لقريب من �سدره‪ ،‬و�لذي هو من �جلهة‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫متعجبة من ما يفعل‪،‬‬
‫�لتي تلت�سق بج�سده‪ ،‬فكان دفرتً� وقل ًما‪� ،‬أخذ يكتب وبينما �أنا ّ‬
‫وجدته يح ّدثني بعقلي‪:‬‬
‫‪� -‬أول �آد�ب �ملكتبة هو �لهدوء‪ ..‬ال نريد �أن تكون �أ�سو�تنا م�سموعة للعامة‪.‬‬
‫بتعجب طفويل‪:‬‬
‫فرفعت �سوتي ّ‬
‫‪ -‬لكن ال �أحد هنا‪ ،‬من نزعج؟!‪.‬‬
‫�سمعته يجيب‪:‬‬
‫‪ -‬هذه �ملكتبة تقع بال�سبط حتت غرفة �الأمري بالطابق �لعلوي‪ ..‬وال �أثق بفكرة‬
‫�أننا جنل�ص وحدنا �الآن‪...‬‬
‫بحما�ص‬
‫ٍ‬ ‫و�سعت يدي على فمي بده�سة ونظرت ل�سقف �ملكتبة باإعجاب‪ ،‬وقلت‬
‫هام�ص م�ستخدمة عقلي هذه �مل ّرة‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعني �أنه ميكن ل�سم ّوه �سماعنا؟ �أو روؤيتنا؟‪.‬‬
‫تعجبي‪:‬‬
‫با�ست�سالم وهو ما ز�ل يكتب بع�ص �لكلمات وقال ردًّ� على ّ‬
‫ٍ‬ ‫ه ّز كتفيه‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تل ّقي �لعلم هنا يعترب ً‬
‫فعال �سا ًّذ� بع�ص �ل�سيء‪ ..‬فال تثقي بوجودك هنا‬
‫دوما من ير�قب‪...‬‬
‫وحيدة‪ ،‬يوجد ً‬
‫�سفتي �أف ّكر فيما قال‪ ،‬وقلت ٍ‬
‫بتحد‪:‬‬ ‫لويت ّ‬
‫‪ -‬ال عيب يف تلقي �لعلم‪ ،‬فهو ما �سيو�سلني لالأمري!‪.‬‬
‫‪ -‬بال�سبط ر ّكزي على هذ� �لعلم‪ ..‬يف �سمت‪...‬‬
‫وقبل �أن ي�سلني �آخر كلماته‪ ،‬طارت يل �لورقة ‪�-‬لتي �نتزعها من مف ّكرته‪-‬‬

‫ع‬
‫بطريقة �سحرية‪ ،‬حتى ��ستق ّرت �أمامي بال�سبط على ميني �لكتاب! فانده�ست �أنا‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫ووجدت ظاف ًر� يقول‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬هذه لغتك �الأوىل‪� ،‬سرتين مفرد�ت غريبة منها بالكتاب لكن ال باأ�ص‪� ،‬ستكون‬

‫والتوزي‬
‫هكذ� يف �لبد�ية فقط‪ ،‬وما يف تلك �لورقة هي �ملفرد�ت �ل�سهلة �لق�سرية‪،‬‬

‫ع‬
‫و�لتي �إن جمعت �أكرث من حرف منها مع حروف كلمة �أخرى تك ّونت كلمة‬
‫جديدة‪...‬‬
‫فقلت برتكيز‪:‬‬
‫‪� -‬أتق�سد �أن �أعرف �لكلمات �ل�سغرية الأ�ستطيع تكوين منها ما هو �أكرب‬
‫و�أ�سعب لي�ساعدين يف قر�ءة �لكتاب؟‪.‬‬
‫‪ -‬موؤ ّكد‪ ،‬ه ّيا �نطلقي‪...‬‬
‫كطفل يتل ّقى �أوىل درو�سه‬
‫ٍ‬ ‫قالها بت�سجيع فابت�سمت وبد�أت يف قر�ءة �لورقة‬
‫بالتعليم �الأ�سا�سي‪ ،‬ومل �أد ِر �أن ظاف ًر� ‪-‬بالرغم من �أنه يكتب بع�ص �الأ�سياء �الأخرى‪-‬‬
‫ير�قبني مبت�س ًما‪ ،‬فخو ًر� مبا �أفعل!‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫�نتهيت للت ّو من قر�ءة �أول كتاب! كدت �أن �أنتقل للكتاب �الآخر لكن ��ستوقفني‬
‫ظافر ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫مهال‪...‬‬
‫رفعت عيني �ملجهدة �إليه بت�ساوؤل فقال‪:‬‬
‫‪ -‬كم مملكة بهذ� �لعامل؟‪.‬‬
‫�رتبكت من �سوؤ�له‪ ،‬فبالرغم من �أن هذ� �لكتاب كان عن �ملمالك �لثالث‪ ،‬فاإنني‬
‫ثو�ن حتى قلت‪:‬‬ ‫�رتبكت ً‬
‫قليال‪ ..‬وما هي �إال ٍ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬ثالث ممالك؛ مملكة �ل�سمال‪ ،‬و�لتي بها هذه �لقلعة‪ً � ،‬‬
‫أي�سا مملكة �جلنوب‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫و�لغرب‪ ..‬وال يوجد مملكة �سرق ّية‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫�سحح يل‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬بل توجد مملكة �سرق ّية‪ ،‬لك ّنها مهجورة بعد �أن ّ‬
‫توىل �الأمري �حلكم بعد‪...‬‬
‫بعد من؟‪.‬‬
‫ها هو �سوؤ�ل �آخر! فاأجبته بغري تردد‪:‬‬
‫‪ -‬و�لدة �مللك!‪.‬‬
‫�سحك وقال مبر�وغة‪:‬‬
‫‪ -‬لي�ص من ع ّمه ً‬
‫مثال؟‪.‬‬
‫هل ي�سخر مني لعدم ذكري ��سمه؟ عب�ست و�سبكت �أ�سابعي بتوتّر قائلة‪:‬‬
‫توىل �الأمري غيث �حلكم بعد �أن ّ‬
‫تويف �مللك �الأعظم «�إيا�ص �ساري» عام‪...‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫عددت على �أ�سابعي �سي ًئا ما‪ ،‬و�ساألت ببالهة‪:‬‬
‫‪ -‬يف �أي عام نحن �الآن؟‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أرقام متتالية قائلة‪:‬‬ ‫�بت�سم و�أجابني بت�س ّلي‪ ،‬فرفعت كلتا ّ‬
‫يدي با ٍ‬
‫تويف منذ خم�سة �أعو�م من �الآن وكان يف �لعقد �خلام�ص من �لعمر‪ ،‬حيث‬ ‫‪ّ -‬‬
‫عاما‪ ..‬ملاذ� يوجد �لكثري من‬
‫�إن �الأمري �الآن يبلغ من �لعمر خم�سة وع�سرين ً‬
‫رقم خم�سة؟!‪.‬‬
‫قلتها �ساحكة الأخفف من وطاأة توتّري بقول كل هذه �ملعلومات دفعة و�حدة‪،‬‬
‫ف�س ّفق ظافر بيديه ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ممتازة يا �إليونور�‪ ..‬تلميذة جنيبة‪...‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�بت�سمت بخجل الإطر�ئه قائلة‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪� -‬لف�سل يرجع لكلماتك‪ ،‬لقد �ساعدتني كث ًري� على فهم �لكتاب‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫قبل �أن �أنه�ص ��ستوقفني بجد ّية‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬لي�ص بعد!‪.‬‬
‫فتن ّهدت وتاأهبت لعدة �أ�سئلة �أخرى‪ ،‬لي�ساألني‪:‬‬
‫يف�سر ��سم �مللك‪�« ..‬إيا�ص �ساري»؟‪.‬‬
‫‪ -‬مباذ� ّ‬
‫فابت�سمت قائلة بثقة‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� �سهل!‪.‬‬
‫�أرجعت خ�سلة من �سعري خلف �أذين ونظرت لظافر مبت�سمة �أ�سرح بيدي‪:‬‬
‫‪� -‬إيا�ص يعني �لذنب‪ ..‬و�ساري معناه �ملر�فق يف �لليل‪ ،‬ال �أدري ملاذ� مل يذكرو�‬
‫ذلك يف �لكتاب‪ ،‬عرفت هذ� من �لورقة فقط‪...‬‬
‫�أ�سفت‪:‬‬
‫‪ -‬مكتوب هنا بالكتاب �أن هذ� يعني �جتماع �سفتني و�حدة عن �لق ّوة و�لذكاء‬
‫و�الأخرى عن �لثبات و�ل�سمود‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�أوماأ بر�أ�سه وقال ب�سخرية‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪ ..‬لن �أ�سحح هذ� وقد �كت�سفت بنف�سك؛ �إن �لكتب جت ّمل �لتاريخ!‪.‬‬
‫�بت�سمت بارتباك قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬وهل مل يكن كذلك؟ �أعني ذك ًيا �سامدً �؟‪.‬‬
‫�سمت ظافر ً‬
‫قليال لكن �سرعان ما �أجابني‪:‬‬
‫‪ -‬بلى‪ ..‬كان ذك ًّيا‪ ،‬لك ّنني �أف�سل ��ستخد�م �لذكاء يف �خلري‪ ..‬ولي�ص �لعك�ص‪.‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ثم ق ّرب �إ�سبعه �ل�س ّبابه �إىل مو�سع فمه وكاأنه يقول‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫‪� -‬أبقي هذ� �س ًّر� دون جد�ل‪ ..‬فاأوماأت و�نتظرت �ل�سوؤ�ل �لثاين‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫ب�سوت متح�سرج‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�ساد �ل�سمت حلظة‪ ..‬حتى وجدت ظاف ًر� ي�ساألني‬
‫‪ -‬وماذ� عن �مللكة؟‪.‬‬
‫�سريحا على نربة �سوته‪ ،‬بل نظرت له بتم ّعن‪ ،‬ثم �أجبت‪:‬‬
‫ً‬ ‫مل � ِأبد تعلي ًقا‬
‫‪ -‬كانت جميلة‪� ،‬أردت �أن �أرى لها ر�س ًما �أو حتى بع�ص �لكلمات �لو�سفية‪� ،‬إال‬
‫�أنني مل �أجد �أي �سيء عنها �سوى ��سمها‪ ..‬هي جيرنوز‪ ،‬من مقطعني‪ ،‬ويعني‬
‫�لوردة �لن�سرة �جلميلة ح�سب ما كتبته �أنت بالورقة‪� ،‬أما عن �لكتاب فذكر‬
‫�أنها حمبة ل�سريكها‪ ،‬مرحة‪� ،‬جتماعية ومليئة باحليوية‪...‬‬
‫تن ّهدت و��ستطردت �سري ًعا‪:‬‬
‫مبر�ص ما مل يكن له‬
‫‪ -‬كم �أردت �أن �أقابلها وقتها! يقال �إنها فقدت حياتها ٍ‬
‫دو�ء‪ ..‬و‪ ..‬هذ� فقط‪...‬‬
‫عم �ل�سمت ف�ساألت ظاف ًر�‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬هل �سهدت ع�سرهما؟ �أعني �مللك �الأعظم و�مللكة؟‪.‬‬
‫�أوماأ ظافر ر�أ�سه �إيجا ًبا‪ ،‬وقال ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬كنت �ست�سعدين مبج ّرد �لنظر �إليها فقط‪ ..‬دون �أن تعلمي �سي ًئا �آخر عنها‪...‬‬
‫�بت�سم و�أنا �أتخ ّيلها‪ ..‬ف�ساألته بف�سول‪:‬‬
‫‪ -‬كيف كانت؟ �سف يل جمالها!‪.‬‬
‫تنحنح ظافر ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬لن �أكون دقي ًقا بو�سفي‪...‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫ملو�سوع �آخر قبل �أن �أفكر يف ما قال للت ّو‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫و�نتقل‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪ -‬ح�س ًنا ميكنك �النتقال للكتاب �لثاين‪� ،‬جل�سي على مقعد خمتلف كي ال‬

‫ع‬
‫مت ّلي‪...‬‬
‫�بت�سمت بحما�ص ونه�ست الأجل�ص على �ملقعد �ملجاور �أمام �لكتاب �الآخر‪ ،‬وبينما‬
‫فعلت هذ� ت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬كيف لظافر �أن ال يكون دقي ًقا بالو�سف؟ فمن قر�أ كل هذه �لكتب �سيكون‬
‫�سهال عليه قول‪ ،‬وكتابة �أي �سيء! وقبل �أن �أفتقد ّ‬
‫خطه �ملر�سوم بد ّقة طارت‬ ‫ً‬
‫�إ ّ‬
‫يل ورقته �لثانية‪ ،‬وقال يل‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب �لقلعة �لبي�ساء‪ ..‬مهم جدً � ملعرفة �ملكان �لذي تعي�سني به‪...‬‬
‫حت�س�ست غالف �لكتاب بيدي‪ ،‬وكان �ملر�سوم على قطعة �لقما�ص �ملغ ّلفة للكتاب‬‫ّ‬
‫هي قلعة ت�سبه كث ًري� تلك �لتي نحن بها �الآن‪ ..‬لكن هل هي ً‬
‫فعال بي�ساء؟‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫�نتهيت من قر�ءة ثالثة كتب ثم ن ّبهني ظافر ل�سرورة �الن�سر�ف الأتناول‬
‫حل�سور در�ص �حلياكة‪ ،‬فذهبت معه �أعيد �لكتب ملكانها‪ ،‬فبد�أ هو من �أق�سى �ليمني‬
‫وبد�أت �أنا من �لي�سار‪ ،‬و�لتقينا يف �لو�سط‪ ،‬الأبت�سم بهدوء‪ ،‬وقبل �أن �أذهب‪ ،‬ر ّبت على‬
‫ر�أ�سي ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪� -‬أح�سنت‪ ..‬لقد �أجنزت �لكثري ببد�ية �ليوم‪.‬‬
‫�بت�سمت ب�سعادة حقيق ّية و�سرت �أمامه �أباعد بني خطو�تي و�أقفز ب�سعادة كطفل ٍة‬
‫تل ّقت �الإخبار بالعالمة �لنهائية! حتى و�سلت لطابق �لعر�ئ�ص‪ ،‬فا�ستقبلتني �ملعلمة‬
‫ببهجة‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫لك �سي ًئا مم ّيزً� �ليوم!‪.‬‬

‫ري‬
‫‪ -‬ها قد و�سلت �جلميلة �ملوهوبة! �أح�سرت ِ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�سحكت بفرح وهرولت �إليها الأتر ّبع بجانبها وبجانب �إيفي �لتي �أ�سارت يل‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫بحما�ص‪ ،‬الأجد �أن ما تعطيه يل كانت بكرة ممتلئة من �خليط �لناعم �ملجدول‬

‫والتوز عي‬
‫خطاف‪ ،‬فلمعت عيناي‬ ‫باللون �لب ّني بالدرجة �ملعتدلة‪ ،‬و�إبرة �سميكة و�حدة ذ�ت ّ‬
‫وقلت بتلقائ ّية‪:‬‬
‫‪� -‬ساأ�سنع بها �سع ًر� لدمية �إيفي! �سك ًر� �س ّيدتي!‪.‬‬
‫�سحكت �إيفي وح ّدثت �ملعلمة‪:‬‬
‫‪ -‬عرفت �أنها �ستفكر بالدمية �لتي �أعطتها يل‪ ،‬فهي �سديقتي!‪.‬‬
‫�بت�سمت و�هتززت بحما�ص �أنا و�إيفي و�أ�سدرنا �أ�سو�تًا تنم عن �سعادتنا بينما‬
‫لففت طرف �خليط على �إ�سبعي بحما�ص‪ ،‬و�ملعلمة ت�سحك‪� ،‬لفتاة ذ�ت �حلكايات‬
‫ت�ساركنا �ل�سحك‪ ،‬كما فعلت جالدي�ص‪ ،‬ال �أعتقد �أنها �سمعت ما قلناه حتديدً � لكن‬
‫توجه �إليها‪..‬‬
‫من �جليد �أن �أر�ها ت�سحك على �سيء �آخر غري تلك �ل�سخرية �لتي ّ‬
‫قمت بغزل �خليط مبهارة فطرية وحني �نتهيت منه �أخذت �لدمية من �إيفي‪،‬‬
‫�لتي ر�قبتني و�أنا �أث ّبت لها �ل�سعر �لبني �لذي ي�سبه �سعرها هي‪ ،‬ف�س ّفقت بحر�رة‬
‫حني �نتهيت و�حم ّرت وجنتاها بحما�ص و�أخذت مني �لدمية حتت�سنها‪ ..‬قائلة‪:‬‬
‫لك �سديقتي!‪.‬‬
‫‪� -‬سك ًر� ِ‬
‫‪‬‬
‫تناولنا �لغد�ء ب�سورة عاد ّية لك ّني الحظت �نزو�ء جالدي�ص بعيدً �‪ ،‬تاأكل وحيدة‬
‫على فر��سها‪ ،‬بالرغم من �أننا بتنا نتناول طعامنا بجو�ر �ملن�سدة �الأر�سية منذ �أن‬
‫ب�سكل ملحوظ‪ ..‬ال �أظنها غرية‪ ..‬تقول بع�ص �لفتيات �أنها ت�سعر‬ ‫تناق�ص عددنا ٍ‬
‫بذلك الأن �الأمري قد طلب ثالث عر�ئ�ص م ّنا دفعة و�حدة! لكن ال‪ ،‬فال �أعتقد �أنها من‬
‫هذ� �لنوع من �لفتيات‪ ،‬فهي ال ترى غري نف�سها‪ ،‬تذ ّكرت روؤيتها �ساب ًقا تبت�سم ب�سرود‬
‫قليال يف مت�سيطه لكن ال باأ�ص‪،‬‬ ‫مت�سط �سعرها �لطويل بلون �لبندق‪ ،‬تعاين ً‬ ‫بينما ّ‬
‫ال يظهر �المتعا�ص على وجهها �أبدً �‪ ،‬ت�سع على خ�سالته م�ستح�س ًر� جتميل ًّيا يف‬
‫�سورة زيت ّية لفرده �أثناء �لنوم‪ ،‬تو�ظب عليه يوم ًّيا وتغ�سله باليوم �لتايل‪ ،‬و�سمعتها‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫مو�د طبيع ّية �آمنة‪ ..‬هي لي�ست جميلة‬‫ي�سا من ٍ‬ ‫خ�س ً‬
‫تقول �أن �ملا�سطة قد �سنعته لها ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫لك ّنها حتاول‪� .‬بت�سمت و�أخذت ت ّفاحة الأنهي بها طعامي بعد �أن تركت �أكرث من‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ن�سفه‪ ،‬وذهبت جتاهها‪ ،‬جل�ست على طرف فر��سها بال ��ستئذ�ن قائلة‪:‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫�سايقتك �إحدى �لعر�ئ�ص ُمج‪..‬؟‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ملاذ� تاأكلني وحدك؟ هل‬
‫«جم ّددً�‪ .‬لك ّنني �بتلعتها قبل �أن ت�سل لطرف ل�ساين‪ ،‬مل �أرد �أن‬
‫كدت �أن �أقول ُ‬
‫�أ�سعرها باال�ستياء‪ ..‬فوجدتها تبت�سم يل قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬سوتك خفي�ص للغاية‪� ..‬سمعتك لكن‪ ،‬هل ميكنك رفعه ً‬
‫قليال عند �لتح ّدث‬
‫خ�سو�سا حني يكون هناك �أكرث من‬
‫ً‬ ‫�إ ّ‬
‫يل؟ لدي م�سكلة طفيفة بال�سمع‪..‬‬
‫�سخ�ص يتح ّدث‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي وقلت بنربة �أعلى �سوتًا‪:‬‬
‫‪ -‬ال ت�سغلي بالك بهذ�‪� ،‬ساأكون حري�سة على �أن ي�سل �سوتي لك!‪.‬‬
‫�سمعت ظاف ًر� يناديني بعقله‪:‬‬
‫‪ -‬ملاذ� ت�س ّرين على ترك طعامك لتلك �لفتاة؟ �ستف�سدين �سكل ج�سدك!‪.‬‬
‫�سفتي ب�سرود بينما �أق�سم ت ّفاحتي ورددت عليه‪:‬‬
‫تباعدت �مل�سافة بني ّ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬لقد �كتفيت من �لطعام‪ ،‬وال �أحب تناول تلك �حللوى كثرية �ل�س ّكر‪ ،‬ت�سيبني‬
‫بالقرف‪...‬‬
‫حاجبي‬
‫ّ‬ ‫وقبل �أن يقول �أي �سيء �آخر الحظت �أن جالدي�ص مل تاأكل �سي ًئا! فقطبت‬
‫بغر�بة و�ساألتها بتلك �لنربة �لتي جتعلها ت�سمع �سوتي �ملنزعج بو�سوح‪:‬‬
‫‪ -‬مل تتذ ّوقي �لطعام بعد؟ يجب �أن تنهيه ب�سرعة قبل �أن تاأتي �خلادمات الأخذ‬
‫�الأطباق!‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها نف ًيا ببطء و�أبعدت �لطعام و�أم�سكت مبعدتها‪ ،‬ف�ساألتها بقلق‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬ما بك؟‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫نظرت حويل �أبحث عن حار�سها‪ ،‬فقالت هي‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫‪� -‬أ�سعر باخلوف‪ ..‬معدتي منقب�سة وال �أريد �لطعام‪� ،‬سيزيد حالتي �سو ًء� بال‬
‫�سك‪.‬‬
‫�ساألتها بده�سة‪:‬‬
‫‪� -‬أين حار�سك؟ ال �أر�ه بجو�رك كما �عتدت هذ�!‪.‬‬
‫قالت باأ�سف‪:‬‬
‫‪ -‬ذهب لتل ّقي �لعقاب‪ ..‬لقد ت�سبب يل مب�سكلة‪ ،‬وهي �سبب ما �أ�سعر به �الآن!‪.‬‬
‫حاجبي ب�سعوبة و�أنا ك ّلي �آذ�ن �ساغية‪ ،‬لتحكي هي يل وقد وجدت يف‬
‫ّ‬ ‫�أرخيت‬
‫عيني �الهتمام‪:‬‬
‫يل بع�ص �لعر�ئ�ص وجيادهن‬ ‫‪ -‬كنت �أمتطي �خليل و�أ�سري ببطء‪ ،‬حتى �أتت �إ ّ‬
‫يل‪� ،‬سعرت بالقلق من كل تلك �الأ�سو�ت �خلافتة �ملتد�خلة‪ ،‬لقد‬ ‫يرك�سون �إ ّ‬
‫كانو� يتح ّدثون � ً‬
‫أي�سا‪ ،‬م ّرو� بجانبي ومل �أ�سمع ما قالوه يل‪ ..‬وبعد قليل �أتى‬
‫حار�سي من بعيد ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫خط م�ستقيم‪...‬‬
‫خال ميكنك جتربة جعل �جلو�د ي�سري يف ٍ‬
‫‪ -‬ه ًّيا‪� ،‬لطريق ٍ‬
‫�بت�سمت ومل �أعر حلديث �لعر�ئ�ص �نتباهً ا‪ ،‬ونظرت حلار�سي قبل �أن �أنطلق‬
‫باجلو�د‪� ،‬سربت ج�سده بقدمي بهدوء و�نطلق بي‪ ،‬وبينما �أنا �أم�سك باللجام‪ ،‬و�أنظر‬
‫يتعرث �جلو�د ب�سيء ما ‪-‬وقد حدث �أكرث‬ ‫لالأ�سفل على �جلانبني لكوين قلقة من �أن ّ‬
‫من م ّرة‪ -‬فاجاأين �سيء غريب‪ ،‬جعلني �أقب�ص على �للجام بق ّوة حتى �أذيت باطن‬
‫يدي‪...‬‬
‫م ّدت كلتا يديها تفردهما �أمامي بعد �أن كانت ت�سعهما حتت �لغطاء حتت�سن‬

‫ع‬
‫للون د�كن ً‬ ‫ً‬

‫ص‬
‫قليال تظهر من �سريطني‬ ‫خطوطا حمر�ء حت ّولت ٍ‬ ‫بهما ج�سدها‪ ،‬فر�أيت‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�أبي�سني خفيفني مل �أرهما �إال �الآن‪ ،‬فاق�سع ّر بدين و�أخذت يدها �أر ّبت عليها‪ ،‬وقلت‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫بف�سول وذعر‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫لها‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫‪ -‬ماذ� ر�أيت؟‪.‬‬
‫متاما قائلة‬
‫غ�سة يف حلقها‪ ،‬وم�سحت على مقدمة �سعرها غري �ملل�ساء ً‬ ‫�بتلعت ّ‬
‫ّ‬
‫بريبة‪ ،‬بينما عيناها تنظر�ن حولها بتقزّز‪:‬‬
‫‪ -‬ج ّثة! ج ّثة فتاة نعرفها!‪.‬‬
‫تف�سر يل ماذ� ر�أت بال�سبط ففعلت هذ�‪:‬‬
‫�سهقت ب�سدمة ورجوتها �أن ّ‬
‫‪ -‬كانت ترتدي ف�ستا ًنا �س ّفا ًفا باللون �الأبي�ص‪� ..‬أحد �لف�ساتني ذ�ت �لثقوب‬
‫�لو��سعة بنقو�ص �لورود تعرفينها‪ ..‬لك ّنها كانت ترتديها على لون ج�سدها‬
‫�لعاري دون وجود �أي �سيء ي�سرته من �الأ�سفل‪� ...‬سعرها ممزّق بوح�س ّية‪،‬‬
‫يخف وجهها رغم تناثره عليه‪ ،‬ر�أيت �ساقيها متالأهما �خلدو�ص �لطولية‬ ‫مل ِ‬
‫و�لعر�سية و�لتي قد تل ّوثت بفعل �لطني‪ ..‬وحني �قرتب حار�سي مني‬
‫بامل�سباح يف يده‪ ،‬و�سحت �لروؤية �أكرث‪ ،‬ور�أيت �أن �أظافر قدميها قد مت‬
‫�ملتحجرة فظيعة �للون‬
‫ّ‬ ‫�قتالعها‪ ..‬ليح ّل مكانها �للون �الأحمر‪ ..‬هي دماوؤها‬
‫و�ملنظر!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫و�سعت يدي على فمي وعيناي جاحظتان بغري ت�سديق‪ ،‬ويف نف�ص �للحظة قالت‬
‫أع�ساب وتبكي‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫جالدي�ص ب�سفتني مرتع�ستني قبل �أن تفقد ما تب ّقى لها من �‬
‫‪ -‬وكانت ح ّية! �أعتقد �أنني مل �أكن �أ�سمع �سي ًئا بو�سوح حتى قالت يل «�بتعدي‬
‫أنت من جعلتني عبدة يفعلون ّيف‬ ‫أنت �ل�سبب يف عذ�بي! � ِ‬ ‫�أيتها �حلقرية � ِ‬
‫�أي �سيء يريدونه!»‪ ..‬ليت�سح يل �أن هذ� كان عذ� ًبا‪ ..‬ولي�ص جم ّرد دفن‪..‬‬
‫دفنوها ح ّية بعد �أن ع ّذبوها!‪.‬‬
‫�نفجرت باكية فاحت�سنتها رغ ًما عني وقلبي يخفق بعنف‪� ،‬أ�سبت بالذعر‬

‫ع‬
‫و�ق�سع ّر بدين ملجرد �لتخ ّيل‪ً � ،‬إذ� ماذ� �إن كنت �أنا �لتي �أمام تلك �ملدفونة ح ّية؟!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬هل كانت تق�سدين �أنا؟ لكن‪ ..‬مل �أفعل �أي �سيء �سيئ الأحد! مل �أكن قط‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عد ّوة �لفتيات هنا!‪.‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫ذر�عي وباأنفا�سي �لهادرة قلت لها �أهدئها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قالتها بذعر وج�سدها يرتع�ص بني‬
‫‪ -‬مل تكن تق�سدك بالطبع! �أظنها �أر�دت �أن تخيفك لي�ص � ّإال! لن تكون موجودة‬
‫يف �مل ّرة �ملقبلة! �سيحر�ص �حلار�ص على عدم مرورك من تلك �جلهة �أبدً �‬
‫�أنا و�ثقة!‪.‬‬
‫�سمعت �سوت �لفتاة ذ�ت �حلكايات تت�ساءل‪:‬‬
‫‪ -‬هل ما �سمعته للت ّو �سحيح؟‪.‬‬
‫نظرت لها بذعر قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬قالت �أنها ر�أته!‪.‬‬
‫ب�سرود قائلة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�بت�سمت‬
‫‪� -‬أعتقد �أنني حلمت ب�سيء مثل هذ� من قبل‪ ..‬فتيات تتع ّذب‪ ..‬يقتلعون‬
‫�أظافرهن و�سعر�تهن �سعرة �سعرة‪...‬‬

‫‪‬‬
‫هدرت بها بانفعال‪:‬‬
‫‪ -‬هل ترين �أن �ملوقف منا�سب لتلك �حلكايات �ملرعبة؟ �مل�سكينة مذعورة!‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها باأ�سف وقالت بلهجة عادية‪:‬‬
‫‪ -‬ال �أظن �أنها �سمعتني من �الأ�سا�ص لكن‪ ..‬ح�س ًنا كما تقولني‪� ..‬ساأدخرها‬
‫لتكون حكاية قبل �لنوم‪...‬‬
‫نظرت لها بف�سول و�أردت �أن �أ�ساألها عن �حللم �لذي ر�أته‪ ..‬فاأنا � ً‬
‫أي�سا قد‬
‫�ساهدت �سي ًئا م�ساب ًها �أح ّل بي �لذعر!‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫بعد قليل �سمعنا �سوت �مل�سرفة جليند� حت ّيينا‪ ،‬وتنتظر الأخذ �لثالث عر�ئ�ص‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫�لالتي يريدهنّ �الأمري‪ ،‬ولده�ستي‪ ،‬ر ّبتت على جالدي�ص �لتي هد�أت و��ستاأذنت‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫قليال‪ ،‬ووقفت �أر�قب من �ستاأخذ جليند� وتفاجاأت باأنهن �أقل ثالث عر�ئ�ص ً‬
‫جماال‬ ‫ً‬

‫ع‬
‫بيننا! تهام�ست �لعديد من �لفتيات بغرية‪ ،‬و�سمعت �إحد�هن تقول بغر�بة‪:‬‬
‫‪� -‬أنا ال �أرى نف�سي فائقة �جلمال‪ ،‬لك ّنني بالطبع �أجمل منهنّ ! �أهذ� ذوق �الأمري‬
‫دوما؟‪.‬‬
‫�لذي يخربوننا عنه ً‬
‫وقالت �أخرى‪:‬‬
‫أ�ستحم �أكرث منها!‪.‬‬
‫‪� -‬أنا � ّ‬
‫قالتها م�سري الإحد�هنّ فقلت �أنا بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬هناك �سيء خاطئ!‪.‬‬
‫ب�سوت م�سموع‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�أدرت وجهي وقمت بتغيري �سوتي ً‬
‫قليال و�ساألت بف�سول‬
‫‪ -‬جليند�‪ ،‬هل تاأكدت من �أن �الأمري قد طلبهنّ �أم �أن هناك خطاأ ما؟!‪.‬‬
‫نظرت �لفتيات لليمني و�لي�سار يبحثن عن من �ساألت �ل�سوؤ�ل‪ ،‬يبحثن عني‪،‬‬
‫وقمت �أنا باملثل‪� ،‬أدور بعيني بينهم برب�ءة‪ ..‬ماذ�؟! �أريد معرفة �حلقيقة لي�ص �أكرث!‬
‫‪‬‬
‫خا�سة هذه �مل ّرة‪...‬‬
‫‪ -‬نعم �آن�ستي‪ ،‬لقد �ختارهنّ بالفعل‪ ،‬يريد مو��سفات ّ‬
‫تكرب ُو ِلد‬
‫�سهقت �لفتيات بغر�بة حني و�سلت ثالثتهنّ جلليند� وعلى وجوههن ّ‬
‫حدي ًثا مبنتهى �لو�سوح‪ ،‬فقالت �إحدى �لعر�ئ�ص مبلل‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا دعوه يفعل كما ي�ساء‪ ،‬فلي�ص لديه �ختيار�ت عديدة كال�سابق!‪.‬‬
‫�ن�سرفت �لعر�ئ�ص كل و�حدة �إىل ما كانت تفعل �ساب ًقا‪ ،‬ومل ين�سرف قول تلك‬
‫�لعرو�ص عن ذهني‪ ،‬وخ ّمنت‪ّ ..‬رمبا كالمها �سحيح! رمبا هو يفعل هذ� الأن �جلميالت‬
‫قد رحلن‪ ..‬رمبا هو ال يعرف �أن هناك �لعديد من �جلميالت هنا! جالدي�ص تعترب‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫جميلة‪ ،‬وفتاة �حلكايات‪ ،‬لديها �سعر مم ّوج يليق بها‪ ..‬و�إيفي‪ ،‬و�أنا! �أردت �أن �أقول‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫�إز�لني لكن لقد �أخرجها ظافر من �للعبة‪ ،‬فاالأمري ح ًّقا ال يدرك �الختيار�ت �لتي‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫علي �لتاأ ّكد من ظهوري بحفل عيد مولده �ل�ساد�ص و�لع�سرين‪..‬‬

‫والتوز عي‬
‫لديه! لهذ�‪ ،‬يجب ّ‬
‫باملنا�سبة‪ ..‬متى يكون هذ�؟!‬
‫مل �أقر�أ �أي �سيء مثري يخ�ص �سم ّو �الأمري بعد‪ ،‬وهذ� يثري جنوين‪ ،‬وفجاأة وبدون‬
‫�أي مق ّدمات وجدت نف�سي �أذهب للفتاة ذ�ت �حلكايات �أهم�ص يف �أذنها‪:‬‬
‫‪ -‬ال تبد�أي حكاياتك دون �أن تتاأكدي من كوين جال�سة معكنّ ‪� ..‬ساأذهب‬
‫للخارج ً‬
‫قليال‪...‬‬
‫وقبل �أن �ألتفت �ساألتني بف�سول‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا لكن �إىل �أين؟‪.‬‬
‫فاأجبتها �أنا برتدد‪:‬‬
‫‪� -‬ساأزور �إز�لني لبع�ص �لوقت‪...‬‬
‫و�ن�سرفت ب�سرعة �أنادي ظاف ًر� بعقلي‪ ،‬و�لذي ال �أدري �أين �ختفى فجاأة!‬

‫‪‬‬
‫�أبطاأت من خطو�تي ما �إن و�سلت بالقرب من �ملكتبة وحدي‪ ،‬ونظرت حويل‬
‫يتل�س�ص عليك عن‬
‫متفح�سة �لو�سع‪ ،‬فهذ� �لطابق �آمن‪ ،‬لكن ي�سعرك باأن �أحدهم ّ‬
‫ّ‬
‫خ�سو�سا بعد �أن قال ظافر‪:‬‬
‫ً‬ ‫بعد‪ ،‬وقد ر�سخت هذه �لفكرة بعقلي‬
‫‪ -‬تل ّقي �لعلم هنا يعترب ً‬
‫فعال �سا ًّذ� بع�ص �ل�سيء‪ ..‬فال تثقي بوجودك هنا‬
‫دوما من ير�قب‪...‬‬
‫وحيدة‪ ،‬يوجد ً‬
‫غ�سة م�س ّننة بحلقي ودفعت �لباب �لثقيل بكل ق ّوتي‪ ،‬مل �أ�ستطع �أن‬
‫�بتلعت ّ‬
‫�أزيحه ولو لبع�ص �ل�سيء‪ ،‬فزفرت ب�سيق‪ ..‬وقبل �أن �أفقد �الأمل �سمعت �سوت‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫خطو�ت بالقرب مني‪ ،‬فهم�ست بده�سة ممزوجة باحلما�ص‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪ -‬ظافر! ها قد �أتيت! �ساعدين فقط لدفع هذ� �لباب �لـ‪ ..‬ثقيل!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫قلت �آخر كلمة ببطء وبغر�بة �سديدة‪ ،‬وهذ� الأنني مل �أجد ظاف ًر� حني كنت‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫�سخ�سا �آخر‪ ..‬حار�ص �إز�لني!‬
‫ً‬ ‫�ألتفت حمدثة �إياه‪ ،‬بل وجدت‬
‫ت�ساءلت بنف�ص �لتعبري على وجهي‪:‬‬
‫‪ -‬ما �لذي �أتى بك �إىل هنا؟‪.‬‬
‫�بتعدت خطوة للخلف الألت�سق بالباب حني وجدته يقرتب ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫أنت هنا � ً‬
‫أي�سا‪ ،‬فما �مل�سكلة؟‪.‬‬ ‫‪ِ �-‬‬
‫دفع �لباب �لذي ��ستند عليه ولده�ستي قد فتحه‪ ،‬وبرغم عدم فعله ذلك بهدوء‬
‫و�سهولة ‪-‬كما فعل ظافر‪ -‬كنت ممت ّنة له‪ ،‬فاإن هذ� يفي بالغر�ص‪ .‬قلت هام�س ًة بينما‬
‫�أبتعد عن ج�سده لد�خل �ملكتبة‪:‬‬
‫‪� -‬سك ًر� مل�ساعدتك‪ ..‬ميكنك �لذهاب ال �أريد �أن �أعطلك �أكرث من هذ�‪...‬‬
‫قلتها يف حماولة ل�سرفه‪� ،‬إال �أنه تبعني وترك �لباب ُيغلق بق ّوة وقال بهدوءٍ‬
‫م�ستفزّ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬لقد و�سلت لوجهتي على �أ ّية حال‪ ..‬ال ت�سغلي نف�سك بي‪ ،‬ت�سريف بطبيعتك!‪.‬‬
‫و��ستطرد‪:‬‬
‫‪� -‬ساأنتظرك لتاأتني مبا تريدين و�أ�ساعدك يف فتح �لباب للخروج‪ ،‬بالطبع ال‬
‫تريدين �أن تبقي هنا حتى �لغد؟!‪.‬‬
‫ُفتحت �سفتاي ً‬
‫قليال ببالهة‪ ،‬وهززت ر�أ�سي مطلقة‪« :‬ح�س ًنا» بهم�ص‪ّ ،‬‬
‫و�جتهت‬
‫لذلك ّ‬
‫�لرف �لذي تقابلت �أنا وظافر عنده بينما نودع �لكتب ملكانها �الأ�سا�سي‪،‬‬
‫و�أخرجت ورقة من جيب رد�ئي �لو��سع‪ ،‬وقر�أت �أ�سماء �لكتب بها برتكيز هام�ص‪،‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫وح ّدثت نف�سي‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫‪ -‬لقد قر�أت بالفعل �لقلعة �لبي�ساء‪ ..‬هل ميكنني � ًإذ� بد�أ �لقر�ءة بكتاب‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�الأمري غيث �لثاين؟‪.‬‬

‫والتوز عي‬
‫تناولت �لكتاب بني يدي‪ ،‬و�لذي �أعجبني غالفه للغاية؛ بتاج بارز للخارج ً‬
‫قليال‬
‫أحت�س�سه‪� ،‬أحت�س�ص ذلك �لتاج �لذهبي‬ ‫مر�سو ٌم عليه‪ ،‬و�سعت يدي على �لغالف � ّ‬
‫�ملر�سع‪ ..‬لكن حني و�سلت الإحدى �الأجز�ء �ملد ّببة بالتاج تاأوهت باأمل‪ ،‬الأكت�سف �أن‬‫ّ‬
‫بع�سا من جلد �إ�سبعي‪ ،‬ليزيله بق�سوة ويرتك يل جت ّم ًعا‬‫ذلك �جلزء �ملد ّبب قد جذب ً‬
‫دمو ًيا �سغ ًري� باللون �الأحمر �لد�كن!‬
‫وقع �لكتاب رغ ًما عني حني و�سعت �أنا �إ�سبعي يف فمي ب�سرعة‪� ،‬أهدئ من‬
‫�أمله بلعق ذلك �ل�سائل �الأحمر من ّفر �لطعم بل�ساين‪ ،‬وهويت بيدي �الأخرى �ألتقط‬
‫�لكتاب‪ ،‬وحني رفعت ج�سدي الأقف كما كنت‪ ،‬تفاجاأت بوجود �حلار�ص �ل�سخيف‬
‫يقف خلفي‪ ،‬فتجاوزته بعدم �هتمام مع حر�سي لعدم مل�سه بينما ما ز�ل طرف‬
‫�إ�سبعي بفمي ويدي �الأخرى تق ّرب �لكتاب مني لت�س ّمه �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬وقبل �أن �أدرك �أنه‬
‫كتفي باإحكام‪ ،‬ليلقي بي � ً‬
‫أر�سا‬ ‫ي�ستدير �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬تفاجاأت بيديه �لقا�سيتني تق ّيد�ن ّ‬
‫ً‬
‫�ساغطا عليه بيده‪ ،‬بينما ج�سده جال�ص فوقي لي�س ّل‬ ‫بق�سوة! �سرخت فهوى على فمي‬
‫حركتي‪ ،‬جحظت عيناي بذعر ود ّقات قلبي تتز�يد ب�سعور �خلطر هذ�‪� ،‬الأدرينالني‬
‫‪‬‬
‫بذر�عي يف‬
‫ّ‬ ‫يتد ّفق بق ّوة يف عروقي ليجعلني �أحت ّرك �أ�سفله بجنون‪� ،‬أحاول �لتلويح‬
‫وخ�سو�سا ركبتي �لتي تريد‬
‫ً‬ ‫�لهو�ء الأ�سربه بهما و�أبتعد‪ ،‬وقدماي حتاوالن �الرتفاع‬
‫متاما من هذ� بكل برود هذ� �لعامل‪،‬‬
‫ركله ركلة ممتازة‪ ،‬لكن ج�سده �لثقيل منعني ً‬
‫وناديت ��سم ظافر �أكرث من م ّرة من بني �سر�خي‪� .‬قرتب ذلك �الأحمق من �أذين‬
‫ب�سوت �أعلى من �سوت �سهقاتي �ملكتومة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫وهم�ص‬
‫أنت جميلة جدًّ� �إليونور�‪ ..‬وهذ� لي�ص ً‬
‫عدال!‪.‬‬ ‫‪ِ �-‬‬
‫هززت ر�أ�سي للجانبني الأبعد �أنفا�سه �لقذرة �ل�ساخنة عن �أذين‪ ،‬وبد�أ ج�سدي‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫باالرتعا�ص �أكرث و�أكرث‪ ...‬و�سمعته يقول بو�سوح‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪ -‬ال يت�س ّنى يل �لكثري من �لوقت لروؤيتك وحدك دون حار�سك �لغام�ص‪ ..‬وما‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�إن وجدتك ت�سريين وحدك عرفت باأنها فر�ستي‪ ...‬و�لفر�سة تاأتي م ّرة‬

‫والتوزي‬
‫و�حدة فقط!‪.‬‬

‫ع‬
‫مل �أكف للحظة عن �لتح ّرك و�لتململ �أ�سفل ج�سده �لثقيل‪ ،‬ف�سحك هو ً‬
‫قائال‬
‫ك�سيطان يو�سو�ص باأذين‪:‬‬
‫ٍ‬
‫أردت لهذ� �أن يحدث‪� ..‬أن�سيت نظر�تك يل؟‪.‬‬
‫‪ -‬كفي عن �ملقاومة! � ِ‬
‫قليال وخفت �سوت �سر�خي وحاولت تذ ّكر ما يقول‪ ..‬فلم �أجد �أي ذكرى‬ ‫هد�أت ً‬
‫لهذ�! ف�سحت به رغم عدم �سماعه ملا �أقول‪:‬‬
‫‪ -‬وكيف يل �أن �أنظر لك �أيها �حلقري! �تركني و�ساأين!‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫ويف هذه �الأثناء بطابق �لعر�ئ�ص‪ ،‬جت ّولت فتاة �حلكايات �سائحة بني �لفتيات‪:‬‬
‫‪ -‬هل ر�أت �إحد�كن �إليونور�؟‪.‬‬
‫ور ّدت عليها �إحد�هنّ ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬لقد خرجت‪...‬‬
‫قطبت �لعرو�ص حاجبيها وقالت بغر�بة‪:‬‬
‫‪� -‬أمل تعد بعد؟‪.‬‬
‫ثم �ساألت حار�سها �إن كان قد ر�أى حار�سي ‪-‬ظاف ًر�‪ -‬فاأجابها بتاأكيد‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ��ستدعاه كبري �حلر�ص وم�ساعده‪� ..‬أظنّ �الأمر يتع ّلق بحار�ص جالدي�ص‪،‬‬
‫فكما تعلمني ميكنه �أن ي�ساألهم تخفيف �لعقاب له‪...‬‬

‫ع‬
‫�س ّمت �أ�سابعها بتوتّر قائلة بقلق‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪ -‬لقد تاأخرت �إليونور� باخلارج‪ ،‬لقد �أتت �إيفي من عند �إز�لني للت ّو‪ ،‬وقالت‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�أنها مل ت ّر �جلميلة ذ�ت �ل�سعر �لد�كن هناك قط كما قالت �ل�سقر�ء‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�أ�سعر بالقلق!‪.‬‬
‫ف ّكر �حلار�ص ثم قال �سري ًعا بينما يرتدي معطفه �لب ّني �لب�سيط‪:‬‬
‫‪� -‬ساأذهب لظافر‪ ،‬موؤ ّكد يعرف �أين هي‪ ..‬كما يعرف كل �سيء بطريقته‬
‫�ملبهمة‪.‬‬
‫هزّت �لفتاة ر�أ�سها و�بت�سمت باأمل‪ ،‬وجل�ست وحدها � ً‬
‫أر�سا‪ ،‬ف�ساألتها �إحدى‬
‫�لفتيات‪:‬‬
‫‪� -‬ألن تبد�أي باحلكاية؟ �أ�سعر بالنعا�ص و�أريد �لنوم‪ ،‬لكنني ال �أريد تفويت ما‬
‫�ستقولني!‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها وقالت بتاأكيد من خلف قلبها‪:‬‬
‫‪ -‬دقائق و�سنبد�أ‪ ،‬فور و�سول �إليونور� �سنبد�أ‪ ..‬لن �أطيل عليكنّ !‪.‬‬
‫وهم�ست برجاء‪..‬‬
‫‪ -‬كوين بخ ٍري �أيتها �جلميلة!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫وبينما مت ّنت هي ذلك كنت �أنا ما زلت �أحاول تخلي�ص نف�سي من ذلك �ملنحرف‬
‫�خلبيث‪ ،‬وقلت له بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪ -‬من �ملفرت�ص �أنك حار�ص! حار�ص حتمي ما يخ�ص �الأمري!‪.‬‬
‫�سحك م ّرة �أخرى لكونه ال ي�سمع ماذ� �أقول‪ ،‬وم�سح على جبيني �ملتع ّرق و�سعري‬
‫ً‬
‫قائال بعمق‪:‬‬
‫‪ -‬و ّفري طاقتك عزيزتي وتذ ّكري‪ ..‬يف ك ّل مرة ر�أيتني فيها‪ِ ،‬‬
‫كنت تنظرين يل‬
‫تلك �لنظرة �لد�فئة من عينيك بلون �لع�سل �ل�سهي‪ ..‬لتثريي جنوين بهما‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫يف ك ّل م ّرة!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫وقال متذ ّك ًر�‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬تذكري وقت تدريب �لرق�ص باأول �ليوم! قبل �أن تنهاري ل�سديقتك‪..‬‬

‫ع‬
‫نظرت يل و�بت�سمت قبل تاأديتك تلك �لرق�سة �لر�ئعة‪ ..‬لقد ب ّدلت مكانك‬
‫مع عرو�ص �أخرى من �أجلي �أتذكرين؟‪.‬‬
‫�سهقت قائلة �أد�فع عن نف�سي‪:‬‬
‫‪ -‬كان هذ� من �أجل ظافر �أيها �الأحمق �خلبيث!‪.‬‬
‫و�سمت فجاأة عن �ل�سر�خ دون �أن تكف يد�ي و�ساقاي عن �ملقاومة وكاأنني‬
‫مربجمة على فعل هذ�‪ ..‬وتذ ّكرت �بت�سامة ظافر‪ ..‬تلك �البت�سامة �جل ّذ�بة من‬
‫ليدق قلبي د ّقة تختلف عن باقي د ّقاته‪ ..‬وت�ساءلت؛ هل كنت �أنظر لظافر‬‫عينيه‪ّ ،‬‬
‫فعال؟ هل كانت نظر�تي له د�فئة كالع�سل �مل�سكوب؟ وكانت �بت�سامتي لروؤية‬ ‫هكذ� ً‬
‫عينيه �ل�ساحبتني بجاذب ّية مم ّيزة؟‬
‫�أغم�ست عيني بحرية ود ّقات قلبي تخفت �سي ًئا ف�سي ًئا‪ ..‬وتذ ّكرت قول ظافر‬
‫�لقدمي يل حني كان مينعني من تنظيف �لزنز�نة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫أنت يا فتاة! تبدين كر ّبة منزل ح ّية �ل�سمري؛ تنهكني نف�سك باأعمال‬
‫‪ -‬من � ِ‬
‫�ملنزل وكاأنك تنتظرين زوجك �حلبيب!‪.‬‬
‫تذ ّكرت نظرته �لقلقة وقتها‪ ..‬وقارنتها بجميع �لنظر�ت �لتي ر�أيتها بعينيه‪ ..‬ومل‬
‫�أ َر �أجمل من تلك �لتي جعلتني �أبت�سم ب�سرود‪..‬‬
‫�سعرت بقلبي يخفق بغر�بة‪ ،‬فقلت بد�خلي �أُن ِّبه ّ‬
‫حو��سي �لتي �سيتم �نتهاكها‬
‫�الآن‪:‬‬
‫‪ -‬قاومي �إليونور�‪ ..‬قاومي‪ ..‬يجب �أن حتافظي على قلبك لالأمري!‪.‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫وبرغم د ّقات قلبي �لثائرة‪ ،‬تذ ّكرت كلمات �إز�لني‪ ،‬وتر ّددت بخالياي ليكون‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�خلا�سة بها‪:‬‬
‫ّ‬ ‫طنني عقلي هو �ملو�سيقى‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي‪ ..‬لن تكون �إال لنف�سي‪...‬‬
‫لكن ملاذ�؟ َمل �أكون لنف�سي فقط؟ �أريد �أن يكون يل �أحد �أ�سكن �إليه‪� ..‬أحتمي‬
‫ب�سدره حني �أكون خائفة‪ ،‬كاالآن!‬
‫تذ ّكرت �لدفء �لذي يرتبط ب�س ّمه يل‪ ..‬جل�سده �لقوي‪ ،‬فاجتاحني هذ� �ل�سعف‬
‫�لذي �أ�سعر به معه‪ ..‬تلك �لرجفة �لتي ت�سيبني حني ملحت �سعاع عينه �لي�سرى �أول‬
‫م ّرة‪ ،‬و�ختفاء �لطنني من عقلي بعد �أن ت�سكنه نربة �سوته �لعميقة �لهادئة‪� ..‬رتخت‬
‫�سفتاي يف �بت�سامة و�هنة‪ ،‬و�سقطت ذر�عاي قبل �أن ي�سال لوجه هذ� �خلبيث قبل‬
‫�أن � ّ‬
‫أقطعه �إر ًبا بعد �أن �سنحت يل �لفر�سة �أخ ًري�‪..‬‬
‫هم�ست بد�خلي‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪ ..‬قلت يل �أنك ت�سمن عدم تو ّقف قلبي‪ ..‬فاأين �أنت �الآن؟!‪.‬‬
‫وهم�ست �آخر �أنفا�سي وقد �سعرت �أن �لهم�ص يخرج من قلبي‪:‬‬
‫يوما ظافر؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل �سعرت باحلب ً‬

‫‪‬‬
‫قلت هذ� و�أ�سبلت �أهد�بي با�ست�سالم‪ ..‬ليقرتب �حلار�ص ب�سفتيه �خلبيثتني �إىل‬
‫وجهي‪....‬‬
‫وقبل �أن يحدث �أي �سيء‪� ،‬سمعت �سوت �لباب ُيركل بق ّوة‪ ،‬وظافر ينادي ��سمي‬
‫يوما‪ ..‬و�أفكار غريبة و�هنة‬
‫�سمود مل �أعهده ً‬
‫ٍ‬ ‫بجنون‪ ..‬وبعد هذ� فقدت �لوعي‪ ..‬بعد‬
‫كذلك‪...‬‬

‫‪T‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ع‬ ‫والتوزي‬

‫‪‬‬
‫)‪(17‬‬

‫ظافر‪ ..‬من أنا؟‬

‫لتت�سح �لروؤية تدريج ّيا‪ ،‬وبد�أت �أ�سعر بد ّقات قلبي �ملرتاحة تزد�د‬
‫فتحت عيني ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�سي ًئا ف�سي ًئا‪ ،‬وت�ساءلت‪� ..‬أين �أنا؟ مل �لظالم د�م�ص هكذ�؟!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫متاما‬
‫ليتدىل طرف غطاء ما من على ج�سدي �إىل �الأر�ص‪ ،‬فاأزلته ً‬ ‫نه�ست ببطء ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫وقمت بحذر‪ ،‬وقبل �أن تلم�ص قدماي �الأر�ص عادت �لروؤية يل‪ّ ،‬‬
‫ليت�سح كل �سيء؛ كنت‬

‫والتوز عي‬
‫بغرفة �حلكيمة‪ ،‬تلك �لغرفة �لتي بها �إز�لني‪� ،‬أر�ها مغم�سة �لعينني م�ست�سلمة على‬
‫�لفر��ص �الآخر �أمامي على �أق�سى �ليمني‪� ،‬أما على �لي�سار بالقرب من �لباب ر�أيت‬
‫�سبحني متقاربي �لطول‪ ،‬قو ّيي �لبنية يقرتبان ومن خلفهما �سوء �ل�سعلة �لكبرية‪،‬‬
‫�أ�سحت بنظري بعيدً � كي ال يوؤذيني �ل�سوء‪ ،‬لكن �سرعان ما �لتفت م ّرة �أخرى حني‬
‫�سمعت �سوتًا غري ًبا ي�ساألني‪:‬‬
‫أنت �الآن؟‪.‬‬
‫‪ -‬كيف � ِ‬
‫نظرت لذلك �ل�سخ�ص بريبة‪ ،‬تذ ّكرته على �لفور! فتلك �لبنية �ل�سديدة ذ�ت‬
‫�لكتفني �لعري�سني و�لوجه �لهادئ �أثارت �لكثري من ت�ساوؤالتي من قبل‪� ،‬س ّيقت‬
‫�لف�سية �لتي تخ ّللت لونه �الأ�سقر �الأ�سلي‬
‫عيني بينما �سردت ببع�ص خ�سالت �سعره ّ‬‫ّ‬
‫مما ز�دته جاذب ّية‪ ،‬وت�ساءلت بوهن‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬ر�أيتك من قبل‪� ،‬أنت‪ ..‬م�ساعد �ل�ساحر �لعجوز؟‪.‬‬
‫�بت�سم بعذوبة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ت�س ّرفت بلقائك‪� ،‬أنا ِطر�د‪ ..‬م�ساعد كبري �حلر�ص‪.‬‬
‫م�سح ًحا يل معلومتي برفق؛ �ساحر �أو كبري حر�ص‪ ..‬من �أين يل �أن‬
‫هكذ� �نطلق ّ‬
‫�أعرف؟! وقبل �أن �أت�ساءل عن �ملزيد وجدته قد �أخذ يدي �ملو�سوعة �أمامي ب�سعف‬
‫ليطبع قبلة رقيقة عليها ورفع عينيه �حلا ّدتني يل بطيبة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫أنك بخ ٍري �الآن‪.‬‬
‫‪� -‬سعي ٌد با ِ‬
‫�حم ّرت وجنتاي ً‬
‫خجال من ر ّقة تعامله وهم�ست بغري ت�سديق مرددة ما قال‬
‫ثو�ن‪:‬‬
‫منذ ٍ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬تـ‪ ..‬ت�سرفت بلقائك!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وعند هذه �لنقطة الحظت وقوف ظافر بجانبي‪ ،‬و�لذي ك�سف عن وجوده‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫يدي ِطر�د ‪-‬م�ساعد كبري �حلر�ص‪-‬‬
‫بنحنحة ق�سرية‪ ،‬قبل �أن يجذب يدي من بني ّ‬

‫ع‬
‫وي�سعها حتت �لغطاء‪ ،‬ثم يرفعه ليد ّثرين ج ّيدً � ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬يجب �أن ترتاحي‪...‬‬
‫تع ّلقت عيناي مبو�سع عينيه �للتني �أخفاهما حتت غطاء �لر�أ�ص مبهارة وت�ساءلت‬
‫بينما �أحاول تذ ّكر �آخر �سيء تو ّقفت عنده ذ�كرتي منذ دقائق‪ ..‬وكان م�سهد �قرت�ب‬
‫�حلار�ص �لقذر مني بدناءة‪ ،‬فاق�سع ّر بدين وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬هل نال عقابه؟‪.‬‬
‫قب�ستي يديه حتى ّ‬
‫�بي�ست مفا�سلهما‬ ‫ّ‬ ‫مل يجبني ظافر‪ ،‬والحظت �أنه ي�سغط‬
‫حاجبي‬
‫ّ‬ ‫ب�سكل ملحوظ‪ ..‬يبدو �أن حتكمه يف غ�سبه يحرق �أع�سابه ب�س ّدة‪ ..‬فرفعت‬
‫ٍ‬
‫بقلق‪..‬‬
‫‪ -‬لقد نال �لعقاب م ّرتني‪ ..‬م ّرة من ظافر وم ّرة من كبري �حلر�ص �سخ�س ًّيا‪.‬‬
‫قالها ِطر�د الألتفت له بت�ساوؤل‪ ،‬بينما ��ستطرد دون �أن يالحظ ت�ساوؤيل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬حلقري! موؤ�سر�ته �حليوية كانت قد بد�أت بالت�ساوؤل �سي ًئا ف�سي ًئا بني ّ‬
‫يدي‬
‫تدخلنا بالوقت �ملنا�سب!‪.‬‬ ‫ظافر‪ ،‬وكاد �أن يتو ّقف قلبه لوال �أن ّ‬
‫�سهقت بهدوء و�سدمة‪� ،‬أتخ ّيل ذلك �مل�سهد‪ ،‬و�آخر‪ ،‬فيه يحملني ظافر كطفلة‬
‫�سغرية‪ ،‬بينما �أالم�ص �سي ًئا ما د�ف ًئا للغاية �أمام �سدره‪ ..‬ال بل كان �ساخ ًنا! �أتذكر‬
‫�إخفاء ظافر لهذ� �ل�سيء مبالب�سه حني �أ�سرت �إليه بتيه‪ ..‬كانت قالدة �أ�سطو�ن ّية‬
‫ب�سكل غام�ص‪ ،‬وتخرج منها حر�رة جعلتني �أ�سعر بالطماأنينة الأ�سبل‬ ‫�ل�سكل‪ ،‬تلمع ٍ‬
‫جفوين م ّرة �أخرى‪ ..‬و�نتهي كل �سيء وقتها‪..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫رفعت وجهي لظافر ب�سدمة و�ساألته بعقلي‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�سحيحا؟‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬هل ما تذ ّكرته �الآن‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫وقبل �أن يجيبني �سمعنا �سوت �إز�لني تت�ساءل بر ّقة‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪ ...‬هل ��ستيقظت �إليونور� بعد؟‪.‬‬
‫�لتفت لها وهم�ست با�سمها غري م�س ّدقة �أنا ت�ساأل عني بينما هي من ت�ستحق �أن‬
‫بجبريتي‬
‫ّ‬ ‫�أ�ساأل عنها! يف خالل حلظات كنت �أقف بجو�ر فر��سها �لتي هي مث ّبتة به‬
‫ذر�عها و�ساقها‪ ،‬وحني ر�أتني �بت�سمت بعذوبة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬كم �أنا مرتاحة لروؤيتك بخري!‪.‬‬
‫مل يكن با�ستطاعتي كبح دموعي �أكرث من هذ�‪ ..‬فا�ست م�ساعري و�أبت �أن تظ ّل‬
‫م�سترتة كما كانت منذ دقائق‪ ،‬فهويت على �إز�لني �أحت�سنها و�أبكي ب�سمت‪� ،‬إال من‬
‫بع�ص �لنهنهات �لق�سرية‪ ،‬وكاأنني �أخرج كل تلك �لدموع و�النفعاالت �لتي كبحتها‬
‫علي بذر�عها‬‫�أمام ذلك �لنذل �أثناء �عتد�ئه على كر�متي قبل ج�سدي! ر ّبتت ّ‬
‫�ل�سليمة لتهم�ص باأذين‪:‬‬
‫‪ -‬ال تخايف‪ ..‬فهذ� �لنذل �حلقري يتذ ّوق �الآن �أ�سد �لعذ�ب على فعلته تلك!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�سمعت ظاف ًر� يزفر ب�سيق ويغادر �لغرفة بغ�سب‪ ،‬مل ي�ستطع ِطر�د �أن يوقفه‪،‬‬
‫فاقرتب من ِفر��ص �إز�لني‪� ،‬سعرت بقلبها تزيد د ّقاته فجاأة فابتعدت ما�سحة دموعي‬
‫وقلت برب�ءة حزينة‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �ل�سبب يف هذ�‪ ..‬ذهبت لهذ� �ملكان �لهادئ وحدي دون علم ظافر‪� ..‬أنا‬
‫�لتي ت�ستحقّ �للوم!‪.‬‬
‫قلتها ونه�ست �أنوي �للحاق بظافر‪ ،‬و�لذي �أ�سعر به يغلي غ�س ًبا‪ ،‬وقبل �أن �أذهب‬
‫ب�سوت م�سموع‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ت�ساءلت‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬لكن كيف ��ستطاع �لو�سول بالوقت �ملنا�سب؟!‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�بت�سمت �إز�لني وقالت ب�سدق‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬هو من عرث عليك!‪.‬‬

‫ع‬
‫ظهر �سوت �لطنني بعقلي ب�سورة ملحوظة‪ ،‬وباتت فكرة �للحاق به رغبة ُم ّلحة‪،‬‬
‫ففعلتها دون ��ستئذ�ن‪ ،‬غادرت �لغرفة ومل �أد ِر �أن مبج ّرد رحيلي �بت�سم ِطر�د الإز�لني‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪� -‬آن�ستي‪ ..‬هل تعلمني �سبب وجودي هنا �الآن؟‪.‬‬
‫غ�سة يف حلقها وقالت بنربة حاولت �أن تكون طبيع ّية بينما ترفع‬
‫�بتلعت �إز�لني ّ‬
‫رقبتها لرت�ه بو�سوح‪:‬‬
‫‪� -‬أتيت مع �أخي لالطمئنان على �إليونور�‪� ..‬ألي�ص كذلك؟‪.‬‬
‫‪ -‬لي�ص هذ� فقط‪...‬‬
‫قليال لرت�ه دون �أن تتعب نف�سها‪ ،‬وقال بينما ينحني بر�أ�سه ً‬
‫قليال‬ ‫قالها و�قرتب ً‬
‫بو�سع معني بحركة م�سرحية ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫مع طوي ذر�عه وفرد �الأخرى بجانبه ٍ‬
‫بك �إز�لني!‪.‬‬
‫‪� -‬أتيت الأل ّبي و�جبي‪ ،‬فاأنا من �ليوم �حلار�ص �خلا�ص ِ‬
‫‪‬‬
‫�حم ّر وجه �إز�لني ً‬
‫خجال �أثر �ملفاجاأة ّمما جعلها تهم�ص با�سمه بغري ت�سديق‪،‬‬
‫فقال هو بعذوبة‪:‬‬
‫‪� -‬أعتذر لتاأخري كل هذ� �لوقت‪...‬‬
‫�أغم�ست �إز�لني عينيها مبت�سمة‪ ،‬و�نهمكت تخفي خجلها باإعادة خ�سلة متم ّوجة‬
‫من �سعرها �الأ�سقر خلف �أذنها‪..‬‬

‫‪T‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫و�سلت �أخ ًري� للرو�ق بعد خطو�تي �لبطيئة برغم تد�فع �الأفكار بعقلي‪ ،‬وبحثت‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫عن ظافر بعيني‪ ،‬وفجاأة وجدته ياأتي من �آخر �لرو�ق مم�س ًكا ب�سيء ماألوف‪ ،‬منعت‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫نف�سي من �لعدو �إليه‪ ،‬حتى وقف هو �أمامي و�أحاطني بذلك �ل�سيء �ملاألوف بيده‪،‬‬
‫�ملخ�س�سة للخروج للجو �لبارد‪ ،‬وقال بنربة هادئة تخلو من �لتعبري‪:‬‬
‫عباءتي �لثقيلة ّ‬
‫‪� -‬سنغادر للخارج لبع�ص �لوقت‪.‬‬
‫�نتظرين حتى �أوماأت ‪-‬بغر�بة‪ -‬وتق ّدمني‪ ،‬و�سرت خلفه وعقلي يجلب يل �لعديد‬
‫من �الأفكار �ملتز�حمة‪� ،‬أولها‪� ،‬أن كيف لذلك �لرو�ق �أن ي�سهد موقفني متناق�سني‬
‫للغاية هكذ�؟ �الأول هو موقف �حت�سان ظافر يل بكل �لدفء �لذي مل �أ�سعر به‬
‫يوما‪ ..‬و�الآخر هو تعامله معي بجفاء هكذ�‪ ..‬وغريها من �الأفكار و�مل�ساهد �لتي‬ ‫ً‬
‫حاولت تذ ّكرها قبل �أن �أفقد وعيي للم ّرة �لثانية �أو �لثالثة لهذ� �ليوم‪ ..‬لكن �أكرث ما‬
‫�سغلني هو تلك �لقالدة �الأ�سطو�نية �لغريبة �لتي ر�أيتها مع ّلقة ب�سدره‪ ..‬وعن ذلك‬
‫�لدفء �لغريب �ملنبعث منها!‬
‫بينما ي�سهل قمر بحما�ص‪ ،‬كان �ل�سمت �سائدً � بيني وبني ظافر ب�سورة‬
‫يوجه قم ًر� ‪�-‬لذي يرك�ص �سري ًعا مبتعدً � عن �لقلعة‪ -‬بهدوءٍ ومت ّر�ص‪،‬‬
‫ملحوظة‪ ،‬فكان ّ‬
‫بينما �أجل�ص �أنا خلفه‪� ،‬أم�سك بطرف عباءته �لتي منعها �لت�ساق ج�سدي بها من‬

‫‪‬‬
‫�لرفرفة‪ ،‬مانعة �إ ّياها من تقليد عباءتي �ملتفاعلة مع �لرياح �لباردة خلف ظهري‪.‬‬
‫�لقوي بوجهي‪ ،‬وكم �أردت �أن �أدفن‬
‫بت �أحاول منع نف�سي من �ال�ستناد على ظهره ّ‬
‫نف�سي به حتى ال ي�ستطيع قر�ءة �أفكاري �لتي تد�فعت و�حدة تلو �الأخرى بق�سوة عن‬
‫ما كنت �أ�سعر به بلحظات �ملقاومة �الأخرية لذلك �حلار�ص �لنذل‪ ،‬كما ��ستعدت‬
‫يهتم‬
‫�إح�سا�سي �لذي ��ستح�سرته الأ�سعر باالطمئنان‪ ،‬و�إح�سا�ص وجودي بجانب �أحد ّ‬
‫الأمري‪ ،‬يحميني ويطماأنني‪ ..‬يعدين بحمايته لقلبي من �لتو ّقف‪ ،‬ي�سمن د ّقاته بهذ�‬
‫�لعامل �لقا�سي �ملظلم‪ ..‬وكتمت �سهقتي حني تذ ّكرت �آخر ما هم�ص به قلبي‪..‬‬
‫منظر ّ‬

‫ع‬
‫خالب‪ ،‬مل �أكن الأت�س ّور �أنه يتو�جد مبثل هذ� �لعامل‬ ‫ٍ‬ ‫تو ّقف قمر �أمام‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�لبارد‪ ،‬فتحت �سوء �لقمر �لكبري �ملتط ّفل ّ‬
‫علي �أنا وحار�سي‪ ،‬يقبع �لنهر �جلاري‪،‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫و�لذي ر�أيت جز ًء� منه باخلندق حول �لقلعة‪ ،‬وبد�خلها � ً‬
‫أي�سا‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫ر ّبت ظافر على قمر بينما يخف�ص عنقه لي�سرب من �ملاء‪ ،‬يروي عط�سه بعد‬

‫ع‬
‫يل ترفرف عباءته خلف ظهره‪ ،‬فاقرتبت‬ ‫تلك �مل�سافة �لطويلة �لتي قطعها‪ ،‬و�لتفت �إ ّ‬
‫يف�سر يل َمل نحن‬
‫أحت�س�ص �ملاء �لبارد بيدي‪� ،‬أنتظر من ظافر �أن ّ‬
‫�أنا من �ل�ساطئ‪ّ � ،‬‬
‫هنا �الآن‪ ..‬وحني طال �ل�سمت‪ ،‬عادت يل ت�ساوؤالتي مبنتهى �لق�سوة‪ ..‬الأجد نف�سي‬
‫ب�سوت م�سموع‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�أت�ساءل‬
‫‪ -‬مل يخفق قلبي بالذنب؟ وكاأنني �أخون من �أحببت؟‪.‬‬
‫�لتفت يل ظافر‪ ،‬فاأخفيت �سوؤ�يل باآخر‪ ،‬الأزيل حرجي‪ ،‬رمبا يعتقد �أنه ت�سحيح‬
‫ملا تف ّوهت به للت ّو‪:‬‬
‫‪ -‬كيف �أعرف �إن كنت �أحب �أحدً � بحياتي �الأوىل؟‪.‬‬
‫ر�أيت ظاف ًر� يعبث بالع�سب �لبايل بحذ�ئه‪ ،‬فا�سرتجعت �أنا �سي ًئا ما تذ ّكرته‬
‫قري ًبا‪:‬‬
‫يوما عن كوين ر ّبة منزل‪ ،‬ملا �أعرفه من مهار�ت باملطبخ و�لتنظيف‬
‫‪ -‬ت�ساءلت ً‬
‫يوما؟‪.‬‬
‫وغريها‪ ..‬هل تعتقد �أنني كنت كذلك ً‬
‫‪‬‬
‫مما �أثار حنقي‪ ،‬فاقرتبت منه وفتحت �سدر ف�ستاين و�ساألت‬
‫ظل ظافر �سامتًا‪ّ ،‬‬
‫مبر�ر‪:‬‬
‫‪ -‬مل قتلت؟ ت�سحية من �أجل من �أحب؟‪.‬‬
‫و�أ�سرت ل�سيء على ج�سدي ال �أر�ه بو�سوح قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬من كتب تلك �حلماقة؟ كيف له �أن يكتب ذلك بدون �أي تف�سري! هل ما زلت‬
‫ترى تلك �حلروف �مل�ستفزّة ظافر؟‪.‬‬
‫علي ليخفي ما ظهر من ج�سدي و�أجابني‬
‫�أبعد ظافر يدي و�أغلقت عباءتي ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫بربود‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫‪ -‬قاب�ص روحك هو من حفرها باأظافره‪ ..‬تطبي ًقا للقو�عد‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫بحنق حني �أز�ل يده عني هكذ� ليجعلني �أبدو كبائعة هوى‬
‫�أغلقت ف�ستاين ٍ‬
‫بغيظ‪ ،‬بينما �أحاول كبح دموعي ومنعها من �لنزول �أمامه‪:‬‬
‫رخي�سة‪ ،‬وت�ساءلت ٍ‬
‫‪ -‬قو�عد؟ �أي قو�عد جتعلني مرتعبة من كوين مقتولة وال �أعرف �ل�سبب؟ �أي‬
‫�سخ�سا و�حدً �‪ ،‬مل �أ َر �إال ظ ّله‬
‫ً‬ ‫قو�عد جتعلني هنا فقط من �أجل �أن �أحب‬
‫�لعايل وال �أعرف عنه �أي معلومات غري من �لكتب �ملجملة للحقائق؟ هه؟‬
‫�أي قو�عد؟!‪.‬‬
‫وللحظة ��ستعاد ظافر عادته �لقدمية معي‪ ،‬و�أجاب على �جلزء �لذي يختار‬
‫فقط من �أ�سئلتي �ملتتالية‪ّ ،‬مما �أثار حنقي‪:‬‬
‫‪� -‬عرت� ًفا من قاب�ص �الأرو�ح باأنه لن يع�سق ج�سد �لفتاة بعد ذهابها للقلعة؛‬
‫يحفر �سبب موتها و�أي معلومة يريد على �سدرها‪ ..‬وي�س ّلمها للحار�ص‬
‫�مل�سوؤول عن تو�سيلها للزنز�نة‪.‬‬
‫كظمت غيظي منه وف ّكرت لدقائق‪ ،‬ثم رفعت �سوتي باآخر ما ّ‬
‫تو�سل �إليه عقلي‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬إذ� كان قد قب�ص روحي‪ ،‬فبالطبع يعرف كيف ُمت‪� ..‬أق�سد كيف قتلت! كما‬
‫يوما!‪.‬‬
‫يعرف من �أنا‪ ،‬كيف كانت حياتي �أو من كان قاب ًعا بقلبي ً‬
‫رفع يل ظافر عينيه الأول م ّرة منذ �أن �أتينا �أمام �لنهر‪ ،‬الأرى �سوء �لقمر بعينيه‪،‬‬
‫بحزم وت�سميم‪:‬‬
‫وقلت ٍ‬
‫‪� -‬أريد �لو�سول لقاب�ص روحي!‪.‬‬
‫بتو�سل م�س ّممة على‬
‫�أ�ساح بب�سره عني‪ ،‬فاقرتبت من ميينه الأو�جه عينيه وقلت ّ‬
‫فكرتي‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬أرجوك!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫يعم �ل�سمت �ملرير م ّرة �أخرى‪� ،‬ساألته عن ما يدور بعقلي وي�سدر ذلك‬
‫وقبل �أن ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�لطنني �ملوؤ ِّرق‪:‬‬

‫زيع‬ ‫والتو‬
‫يوما ظافر؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل �سعرت باحلب ً‬
‫وبتمهل ر�سمت �بت�سامة �أمل على‬
‫ٍ‬ ‫�لتفت يل فجاأة ف�سعرت بب�سي�ص من �الأمل‪،‬‬
‫�سفتي حني �أجابني بـ‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬نعم‪...‬‬
‫فرجوته‪:‬‬
‫‪ -‬من كانت؟ �أميكنك �إخباري؟‪.‬‬
‫قول ذلك تط ّلب مني �لكثري من �لق ّوة‪ ،‬لك ّني لفظتها رغم غريتي و�س ّلمت �الأمر‬
‫له‪� ،‬أريده �أن يخربين بهو ّيتها‪ ،‬كيف �أحبها ومتى‪ ،‬حتى ميكنه �أن ي�سعر بتلك �مل�ساعر‬
‫بد�خلي‪ ،‬فيقدم على م�ساعدتي!‬
‫أر�سا‪ ،‬و��ستند بظهره �إىل جذع �سجرة عظيمة‪ ،‬ففعلت‬‫حت ّرك خطوتني وجل�ص � ً‬
‫�أنا مثله وجل�ست � ً‬
‫أر�سا لكن �أمامه‪� ،‬أريد �لنظر �إليه بينما يحكي‪ ،‬و�أظنه �سيفعل‬
‫ذلك لده�ستي!‬
‫‪‬‬
‫نظرت له مبت�سمة بت�سجيع‪ ،‬بينما دموعي ‪-‬جمهولة �ل�سبب‪ -‬ترت�ق�ص بعيني‬
‫تريد خيانتي �أمامه‪ ،‬فاأطرقت بر�أ�سي وتن ّهدت ب�سمت بينما �أغلق �أهد�بي و�أعيدها‬
‫خطة دموعي‪ ،‬ومن ثم �أعدت �لنظر لظافر‬ ‫مفتوحة الأكرث من م ّرة حتى �أجه�ست ّ‬
‫م ّرة �أخرى‪ ،‬و�لذي بد� �ساردً� حني قال‪:‬‬
‫وقت طويل حني ر�أيتها �أول م ّرة‪ ..‬كانت طفلة �سغرية تلعب‬ ‫‪ -‬كان هذ� منذ ٍ‬
‫وحدها مبلل طفويل‪ ..‬حتى جاء �إليها خرب و�سول مولودة �سغرية لت�ساركها‬
‫فرحا متالأ �لكون ب�سحكاتها �لر ّنانة‪..‬‬
‫حياتها‪� ،‬أختها �ل�سغرية‪ ،‬فقفزت ً‬
‫كم بدت وقتها بريئة‪� ،‬سافية ونق ّية!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫تو ّقف ً‬

‫ك‬
‫قليال ثم ��ستطرد‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬ر�قبتها تتق ّدم بالعمر‪ ،‬ترتك مرحلة �لطفولة لتخطو �أوىل خطو�تها‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫باملر�هقة ً‬
‫و�سوال لل�سباب‪ ،‬ومل يكن مبقدوري �القرت�ب‪ ،‬رغم وقوعي بح ّبها‬
‫منذ �لنظرة �الأوىل‪...‬‬
‫نظرت له بحرية وت�ساءلت بغري فهم‪:‬‬
‫تتغري‬
‫‪� -‬آ�سفة ملقاطعتك لكن‪ ..‬كيف ر�قبت مر�حلها �لعمرية تلك ومل ّ‬
‫بنظرك‪� ..‬أعني‪ ..‬حني تتقدم بالعمر تتغري روؤيتك لالأ�سياء و�الأ�سخا�ص‪،‬‬
‫فكيف ذلك؟‪.‬‬
‫ر�أيته ي�سع يده على �سدره‪ ،‬يالم�ص ذلك �لربوز �لذي يثري ف�سويل‪ ،‬و�لذي‬
‫بالطبع �س ّببته قالدته �لغام�سة‪ ،‬وقال ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬الأين كنت �أم ّر مر�حلها ذ�تها تلك رغم �أنني �أكربها ب�ستّة �أعو�م‪ ،‬وكنت‬
‫بت �أتردد على‬
‫م�ساف ًر� من �لعامل �الآخر للحياة حني قابلتها‪ ،‬ومن يومها ّ‬
‫تلك �حلياة الأر�ها ب�سورة م�ستم ّرة‪.‬‬
‫بعنف وقلت باإعجاب به بع�ص �خلجل‪:‬‬ ‫ّ‬
‫دق قلبي ٍ‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أحببتها منذ �أن كنت ً‬
‫طفال؟ كم هذ� ر�ئع!‪.‬‬
‫الحظت �بت�سامة ب�سوته حني قال‪:‬‬
‫‪ -‬ولن �أتو ّقف عن ح ّبها ً‬
‫يوما‪.‬‬
‫�أثارت كلماته د ّقات قلبي‪ ،‬لتجعلها ترت�ق�ص بجنون‪ ..‬كم بد� و�ث ًقا حني قال‬
‫هذ�! ح�سدته على ثقته تلك‪ ،‬فاأنا �لتي �أ�سعر بد ّقات �حلب ال �أ�ستطيع متييز ملن‬
‫تكون؟ �أهي لالأمري �لذي ُف ِر�ص ّ‬
‫علي ح ّبه من قبل �أن �أر�ه؟ �أم؟!‬
‫مل �أحتمل هذ�‪� ،‬أريد معرفة �ملزيد! كان باإمكاين �الكتفاء عند هذ� �حلد وطلب‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ب�سرود‬
‫ٍ‬ ‫�مل�ساعدة منه ليجعلني �أكت�سف من �أحب‪ ،‬لك ّنني رغ ًما عن ذلك ت�ساءلت‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫وف�سول‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬وماذ� حدث؟ هل تز ّوجت؟‪.‬‬

‫زيع‬ ‫والتو‬
‫�سحك مبر�رة وقال م�ستنك ًر�‪:‬‬
‫‪ -‬مل �أكن الأ�سمح لهذ� باحلدوث!‪.‬‬
‫الحظت نربته �ملتم ّلكة‪ ،‬فاأثار ف�سويل �أكرث‪ ،‬و��ستمعت له باإن�سات حني قال‬
‫ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬ماتت‪ ..‬قبل �أن �أمت ّكن من �لظهور �أمامها و�لنظر بعينيها عن ٍ‬
‫قرب ولو‬
‫مل ّرة!‪.‬‬
‫�سهقت و��سعة يدي على فمي ومل �أدرك �أن دموعي قد بد�أت بالتج ّمع‪ ،‬وقلت‬
‫ب�سوت متاأثر‪ ،‬غري م�س ّدقة ما قال للت ّو‪:‬‬
‫ٍ‬
‫‪ -‬و�نتهى كل �سيء؟ فقط بهذه �لب�ساطة؟‪.‬‬
‫فاأجابني بعد �أن تن ّهد تنهيدة �أثارت �لق�سعريرة بج�سدي‪:‬‬
‫‪ -‬مل �أرد حلياتها �أن تنتهي هكذ�‪ ..‬فمنعت قاب�ص �الأرو�ح من �القرت�ب منها‪،‬‬
‫وحني �أجربين بالت�سليم لالأمر �لو�قع‪� ..‬ساومته‪...‬‬
‫‪‬‬
‫�عتدلت يف جل�ستي ونظرت بتط ّلع لوجهه �ملختفي حتت ذلك �ل�سو�د �لقامت‪،‬‬
‫الأجده ي�ستكمل ما يقول‪� ،‬ساردً� ما ب�سفحة قلبه‪:‬‬
‫‪ -‬كنت �أعلم �أنني مبج ّرد عودتي للحياة لدي عمر حم ّدد‪ ،‬وبانتهائه �ساأعود‬
‫للعامل �الآخر بدون �أي ذ�كرة عن حياتي‪ ،‬عك�ص ما كنت �أفعل بطبيعة �حلال‪،‬‬
‫�أتن ّقل بني �لعاملني بحر ّية‪...‬‬
‫و��ستطرد‪:‬‬
‫�سحيت به‪.‬‬
‫‪ -‬ف�ساومت بن�سف عمري باحلياة‪ ،‬ومت تاأجيل موتها مبقد�ر ما ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�أزلت يدي عن فمي و�سرخت به بغري ت�سديق‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫‪ -‬ماذ� تقول؟ ماذ� �إن كانت حياتك �نتهت عند هذ� �حلد؟ �ستكون هي على‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫قيد �حلياة و�أنت حتت �لرت�ب!‪.‬‬
‫ه ّز كتفيه با�ست�سالم ف�ساألته من قبل �أن يجيبني على ما قلت للت ّو‪:‬‬
‫‪ -‬وماذ� حدث؟‪.‬‬
‫عادت نربته لل�سرود جم ّددً�‪ ،‬ر�أيته يعتدل يف جل�سته ليجل�ص �لقرف�ساء مثلي‪،‬‬
‫و�نحنى بوجهه لالأمام ليكون بالقرب مني ورفع غطاء ر�أ�سه للخلف ً‬
‫قليال وقال‬
‫بينما ي�سري لعينه �لي�سرى‪:‬‬
‫‪� -‬أ�سبحت هكذ�‪...‬‬
‫�ختلجت �مل�ساعر ب�سدري فجاأة و�ختنق �سوتي بدموعي حني �أدركت �أنه قد‬
‫�سحى بن�سف حياته من �أجل �أن حتيا هي مزيدً � من �لوقت‪ ،‬و�أ�سبح ن�سفه �الآخر‬‫ّ‬
‫قاب�ص لالأرو�ح!‬
‫ر ّبت هو على ر�أ�سي ببطء يو��سي ما �أ�سعر به ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬ال باأ�ص‪ ..‬مل يكن �سي ًئا قط‪ ،‬وال �أندم على فعلي هذ�!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫رفعت عيني �لغارقتني بالدموع و�ساألته ب�سوتي �ملختنق‪:‬‬
‫‪ -‬وهل قابلتها لتنظر بعينيها وتعرتف لها بجنون ح ّبك؟‪.‬‬
‫�ساد �ل�سمت حلظة‪ ،‬الأجده ي�سحك مبر�ر ٍة ويقول‪:‬‬
‫يوما!‪.‬‬
‫‪ -‬مل تكن للجميلة �أن حتب �لوح�ص ً‬
‫�سدمتني كلماته فقلت �أنا ‪-‬بتح ّفز‪ً -‬‬
‫دفاعا عن فكرتي �لر��سخة بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬ال بل ميكنها �أن حت ّبه! �حلب للقلب و�لروح‪ ،‬ال للوجه �أو �جل�سد!‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫وقبل �أن �أقول �أي �سيء قاطعني‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫‪ -‬هذ� �إن كانت ر�أته � ً‬
‫أ�سال‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫م�سحت عيني ونظرت له بغري فهم‪ ،‬ف�سحك با�ستنكار و�سخرية من نف�سه ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬مل �أكن �أعلم خطورة كوين ً‬
‫قاب�سا �أرو�ح �إال بعد حت ّويل‪...‬‬
‫��ستطرد بنف�ص �لنربة‪ ،‬ليذ ّكرين مبا قال �ساب ًقا حني �أر�ين ملعة عينه �لي�سرى‪:‬‬
‫‪ -‬نظرة �الأرو�ح ‪-‬دون �لوعي بكيف ّية �لتعامل معها‪ -‬تعك�ص طبيعة �لفتاة‪� ..‬إن‬
‫كانت ح ّية متيتها‪ ،‬و�إن كانت دميمة‪...‬‬
‫قاطعته �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬جتعلها جميلة!‪.‬‬
‫‪ -‬بال�سبط!‪.‬‬
‫قالها ظافر‪ ،‬ففهمت مغزى ما قال ور ّددت ما ف ّكرت به‪:‬‬
‫‪ -‬هذ� يعني �أنك حرمت من �لنظر �إليها؟‪.‬‬
‫�أوماأ ببطء‪ ،‬فانفجرت �أنا ببكاءٍ �أكرث مر�رة! كيف هذ�! كيف عا�ص بجانبها‬
‫آدمي �ملحظور عليه روؤيتها ب�سبب لعنة ن�سفه �الآخر!‬
‫بن�سفه �ال ّ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬مل يت�سن يل روؤيتها �إال حني قب�ست روحها بنف�سي‪ ،‬حني �نتهت حياتها للمرة‬
‫�لثانية‪...‬‬
‫و�أ�ساف بدفء‪:‬‬
‫‪ -‬و�سكرت �سنيع من ح ّولني لقاب�ص �أرو�ح‪ ،‬بعد �أن علمت ما ت�سمى برق�سة‬
‫�لود�ع!‪.‬‬
‫�سهقت ب�سدمة بينما �أ�سع يدي على قلبي‪� ،‬هدئه‪ ،‬قبل �أن يقتلع �سدري بد ّقاته‪،‬‬
‫وت�ساءلت بده�سة‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ً � -‬إذ� هي حقيقية؟ لي�ست جم ّرد ّ‬
‫ق�سة؟‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫و�أغم�ست عيني بتاأثر حني �أجابني‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬هي �حلقيقة‪ ،‬و�لق�سة �لتي تعي�ص ذكر�ها بد�خلي حتى �الآن‪ ،‬ولالأبد!‪.‬‬
‫بحزن قائلة‪:‬‬
‫�أم�سكت يده ٍ‬
‫علي تذكريك بها‪� ،‬سيكون تذ ّكرها �أ�سعب عليك بينما‬
‫‪� -‬أنا ح ًّقا �آ�سفة! مل يكن ّ‬
‫�أنت خال ٌد بهذ� �لعامل �لقا�سي!‪.‬‬
‫ر ّبت على يدي ثم نه�ص ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫عليك‪ ،‬مل تغب عن بايل ولو للحظة الأن�ساها‪...‬‬
‫‪ -‬ال ِ‬
‫ج ّففت دموعي وقلت بخفوت‪:‬‬
‫‪ -‬وبعد �أن �أخربتني بح ّبك �الأ�سطوري لتلك �لفتاة‪ ،‬تتو ّقع مني �أن �أنتظر جم ّرد‬
‫نظرة من �الأمري ليعجب بي من بني كل تلك �لعر�ئ�ص؟‪.‬‬
‫تن ّهدت و�نطلقت قائلة بتم ّر ٍد �أهوج‪:‬‬
‫‪ -‬لن يرتاح بايل �إال بعد �أن �أعرث على قاب�ص �أرو�حي الأ�ساأله من كنت �أحب‪،‬‬
‫�أريد �أن تكون يل ذكرى ج ّيدة �أحيا بها حتى يت�س ّنى يل �لوقوع بحب �الأمري!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ً‬
‫مت�سائال با�ستنكار‪:‬‬ ‫�لتفت ظافر يل‬
‫عليك �أن تتذ ّكري ح ّبك الأحدهم قبل روؤية �الأمري؟ نحن بالعامل‬
‫‪ -‬وهل يجب ِ‬
‫�الآخر! حياتك �نتهت وقد �نتهى معها كل �سيء‪ ،‬لهذ� ت�ستيقظني هنا بال‬
‫ذ�كرة!‪.‬‬
‫نظرت له بغرية وقلت ب�سعوبة‪:‬‬
‫‪� -‬أح�سدك ظافر! فاأنت تتذ ّكر كل �سيء عن حبيبتك!‪.‬‬
‫تن ّهد وقال متحا�س ًيا �لنظر �إ ّ‬
‫يل‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫جن�ص �آخر غري ذكور‬
‫‪� -‬لتفاهم مع قاب�سي �الأرو�ح لي�ص باالأمر �ل�سهل‪ ،‬فهم ٌ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫و�إناث �لب�سر‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫تن ّهد و��ستطرد‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬كما �أنهم �نتهاز ّيون للغاية‪ ،‬رمبا �سيطمعون برق�سة ود�ع �أخرى مع �لفتاة‬
‫يوما!‪.‬‬
‫�لتي كانت لهم ً‬
‫�ق�سع ّر بدين وقلت بتقزّز‪:‬‬
‫‪ -‬ال �أريد رق�سة �أخرية! فقط �أريد معرفة من �أنا!‪.‬‬
‫�لتفت يل ظافر ً‬
‫قائال بح�سم‪ ،‬يغلق م�سار �حلديث‪:‬‬
‫‪ -‬م�ستحيل‪ ..‬لن ميكنك معرفة هذ�!‪.‬‬
‫زفرت ب�سيق‪ ،‬وذهبت مقرتبة منه ونظرت لعينيه فتج ّمد للحظة ونظر يل‪،‬‬
‫�حم ّر وجهي تدريج ًّيا حتى �أ�سبحت كح ّبة �لطماطم‪ ،‬وقد �سكن �لطنني بعقلي‬
‫�إال عن جملة و�حدة‪ ..‬ر ّددتها كث ًري� بقلق فتاة مر�هقة تقدم على �سيء ال تعرف‬
‫خطورته‪:‬‬
‫‪� -‬أعتقد �أنني و�قعة بح ّبك ظافر!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫ركبتي م�ستندة بيدي على �سدر ظافر‪ ،‬على مو�سع قلبه حتديدً �‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقفت على‬
‫وت�ساءلت بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬هل يل بتف�سري؟‪.‬‬
‫يدي لقناع وجهه‬
‫مل �أجد منه ردًّ�‪ ،‬و�نتهزت فر�سة جت ّمده هكذ�‪ ،‬ورفعت �إحدى ّ‬
‫عيني‪ ..‬ال يهمني كيف يبدو وجهه �الآن‪ ..‬ال‬ ‫�الأ�سود‪� ،‬أجذبه لالأ�سفل‪ ،‬و�أغم�ست ّ‬
‫ي�سغلني �سوى هو نف�سه‪ ..‬هو فقط ظافر! ال �أريد �سي ًئا منه �إال غمو�سه‪ ،‬نربة �سوته‬
‫�لعميقة �لهادئة و�ل�ساخرة �أحيا ًنا‪ ،‬ثباته وحزمه معي‪ ،‬و� ً‬
‫أي�سا �حت�سانه يل بدفء‪..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫رفعت يدي من على �سدره الأحيط بها موؤخ ّرة ر�أ�سه كما فعلت يدي �الأخرى‪،‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ب�سفتي‪� ..‬أن �أقبله بكل ما‬
‫ّ‬ ‫الأق ّربها مني‪� ..‬أ�سعر برغبة جاحمة يف �أن �أمل�ص وجهه‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫بي من م�ساعر متد�خلة من �سمنها تلك �لغرية من حبيبته �لتي �سياأبى ن�سيانها‪..‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫و�لتي عزمت على �أن �أتّخذ مكانها من �الآن ف�ساعدً �‪ ،‬دون �أن يهمني من�سبي‬
‫�مل�ستقبلي �ملرتبط بحب �الأمري‪ ،‬فقط �أريد هذ� �حلب! لكن‪ ،‬قبل �أن �أفعل �أي �سيء‬
‫�سدمت ب�سيءٍ د�فئ للغاية لدرجة �لغليان‪� ،‬سعرت باأنه �أحرق �سدري �ملتال�سق‬
‫عيني وجدته قد �أعاد �إخفاء‬
‫أر�سا‪ ،‬وحني فتحت ّ‬ ‫ب�سدره‪ ،‬فتاأوهت مبتعدة‪ ،‬و�سقطت � ً‬
‫وجهه كما كان بينما ينظر يل بغ�سب‪ ..‬فانتبهت على ما كنت مقدمة عليه وهم�ست‬
‫متو�سلة منه �أن ال يكرهني ب�سبب فعلتي! خلته يريد هذ� كما �أريد‪ ..‬للحظة‬
‫معتذرة‪ّ ،‬‬
‫�أردت ت�سديق �أن �ل�سعور متبادل‪ ..‬الأنه بب�ساطة مل مينعني‪ ..‬مل يوقفني!‬
‫‪ -‬بل منعتك للت ّو!‪.‬‬
‫قالها بحزم‪ ،‬فاأغم�ست �أنا عيني �أمنع نف�سي من �لوقوع يف �أ�سر نربته �لعميقة‬
‫تلك‪ ،‬ونه�ست و�قفة �أت�ساءل بقلق‪:‬‬
‫‪ -‬هل �أغ�سبتك مني؟ �أعتذر ظافر �أنا‪...‬‬
‫�أخرج قالدته �لغريبة و�قتلعها و�أ�سدلها �أمام وجهي‪ ،‬وقال بغمو�ص‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬أدركت �أن هذ� ميكنه �حلدوث جم ّددً�‪...‬‬
‫و��ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬هذه‪ ..‬حتميني من �أن �أقع بحب �أي �أحد غريها!‪.‬‬
‫�أد�رها باأنامله بخ ّفة �أمام وجهي الأر�ها‪ ،‬وقد ��ستحال لون �لق ّنينة �أ�سطو�نية‬
‫�ل�سكل تلك من �الأ�سود �إىل �ل�س ّفاف بطريقة مذهلة‪ ،‬ليت�سح يل ما بد�خلها! وقبل‬
‫�أن �أنطق مبا �أرى قال هو بتاأ ّثر‪:‬‬
‫‪ -‬قطعة من قلبها‪ ..‬ودموعي!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫و�سعت يدي على فمي ب�سدمة وغري ت�سديق‪ ،‬وهوت دموعي م ّرة �أخرى �أكرث‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ل�سخ�ص ما �أن يتذكر ح ّبه الأحد لتلك �لدرجة! لن تكون لدي �أي فر�سة‬
‫ٍ‬ ‫ق ّوة‪ ..‬كيف‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫معه على �الإطالق!‬

‫ع‬
‫‪ -‬هذه �لتي تذ ّكرين بها ً‬
‫دوما و�أبدً �‪ ..‬و�لتي �ساأعطيها لها حني �ألقاها‪.‬‬
‫هم�ست �أنا مت�سائلة بغرية �سادقة‪:‬‬
‫‪ -‬ميكنها �أن تاأتي لهذ� �لعامل؟‪.‬‬
‫�أعاد �لقالدة للونها �الأ�سلي قبل �أن يخفيها د�خل مالب�سه‪ ،‬بالقرب من �سدره‬
‫وقلبه فابتعدت حر�رتها عن وجهي‪ ،‬وال �أن�سى تلك �للمعة بد�خلها‪ ،‬هل هي من نب�ص‬
‫قلبها بها �أم ب�سبب دموع ظافر �ملتالألئة؟‬
‫‪� -‬سرت�ين‪� ..‬أنا على يقني باقرت�ب هذ� �ليوم‪.‬‬
‫بركبتي بالقرب من �ملاء �لبارد‪� ،‬أخذت �لقليل منه‬
‫ّ‬ ‫��ستدرت مبتعدة عنه الأهوي‬
‫بني يدي وبق�سوة قذفت به على وجهي‪� ،‬أ�سيح بد�خلي‪:‬‬
‫لك!‪.‬‬
‫‪� -‬أفيقي �إليونور�! لن يكون ظافر ِ‬
‫ك ّررت فعلتي و��ستطردت بحزم‪� ،‬أذكر نف�سي بهديف �الأول‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أنت �الأمرية �لتي �ستملك كل هذ�! حبيبك هو �الأمري‪ ،‬ولن يكون بقلبك متّ�سع‬
‫‪ِ �-‬‬
‫لغريه �أبدً �!‪.‬‬
‫نه�ست متثاقلة فا�ستعنت بقمر الأ�ستقيم يف وقفتي‪ ،‬وقلت لظافر بينما �سوتي ما‬
‫متح�سرجا �أثر �لبكاء‪:‬‬
‫ً‬ ‫ز�ل‬
‫‪� -‬أعدين للقلعة‪� ..‬أريد �لنوم‪...‬‬
‫م�سحت على �سعر قمر قائلة ب�سرود وكاأمنا �أذ ّكر نف�سي بهديف‪:‬‬
‫علي �ال�ستعد�د للرق�ص منذ �ل�سباح �لباكر‪...‬‬‫‪� -‬قرتب حفل مولد �الأمري‪ ،‬ويجب ّ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ب�سمت و�ساعدين على �متطاء �لفر�ص‪ ،‬وعدنا للقلعة بني‬ ‫ٍ‬ ‫�قرتب ظافر‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫دوما لل�سرعة‪ ..‬ال يدري �أن �سرعته تلك كانت‬ ‫�أ�سو�ت �سهيل قمر �ملتح ّم�ص ً‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫تناف�ص �سرعة �أفكاري ودموعي �ملنهمرة حني تذ ّكرت كل �سيء جمعني‬

‫والتوز عي‬
‫بظافر من �ليوم �الأول هنا‪ ..‬و�أخ ًري� تذ ّكرت �سوؤ�يل �خلجول الإيفي‪:‬‬
‫‪ -‬هل من �لطبيعي �أن‪� ..‬أن يحت�سن �حلار�ص �لفتاة �لتي يحميها؟‪.‬‬
‫وتذ ّكرت �إجابتها‪ ..‬وجحظت �أمامي كلمة «�أ�سدقاء» بق�سوة‪ ،‬لت�سفعني على‬
‫ف�سرت يل �سبب �حت�سان‬
‫وجهي الأ�ستفيق‪ ..‬وباتت كلمات �إيفي ترت ّدد بد�خلي حني ّ‬
‫حار�سها لها �أكرث من م ّرة‪:‬‬
‫‪ -‬طب ًعا‪ ..‬فنحن �أ�سدقاء!‪.‬‬
‫دفنت ر�أ�سي بظهر ظافر رغ ًما عني وت�ساءلت مبر�ر‪:‬‬
‫‪ -‬هل كان ما بيننا جم ّرد «�سد�قة»‪ ..‬وهدمتها �أنا باندفاعي وته ّوري؟‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫)‪(18‬‬

‫ما حدث بكوابيســي‪ ..‬والحفل!‬

‫تلك �لليلة مل �أ�ستطع �لنوم قط‪ ،‬وظ ّلت ذ�كرتي ت�سف يل كم كان موقفي‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫حمرجا �أمام ظافر‪ ،‬مبا فيها دموعي �أمامه و�لتي مل �أدرك ‪�-‬إال �الآن‪� -‬أنها مثرية‬
‫ً‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫لل�سفقة‪ ..‬تن ّهدت و�أبت جفوين �لر�حة‪ ،‬ف ّكرت يف تغيري طريقة نومي‪ ،‬متلملت يف‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫فر��سي بهدوء الأنام على جنبي �الأمين‪ ،‬فوجدت ظاف ًر� يجل�ص على مقعد جماور‪،‬‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ي�ستند على �لفر��ص يكتب �سي ًئا ما‪ ،‬نظرت ملا يكتب بف�سول‪ ،‬الأر�ه يخط بيده حرو ًفا‬

‫ع‬
‫�أعرفها ج ّيدً �! �إنها لغتي! وحني حاولت �لنهو�ص �أخذ �لورقة و�أبعدها كي ال يلم�سها‬
‫�لغطاء فيف�سد حربها‪ ،‬وهم�ص بـ‪:‬‬
‫‪ -‬ت�سعرين باالأرق؟‪.‬‬
‫�سحكت ب�سخرية من نف�سي و�أ�سحت بوجهي بعيدً � قائلة با�ستنكار‪:‬‬
‫‪ -‬ال بل �سوت �حتكاك قلمك على تلك �ل�سفحة يزعجني!‪.‬‬
‫الحظ ظافر �أنني �أعانده‪ ،‬فنه�ص ونظر يل وقال بنربة بها �سيء من �ل�سخرية‪:‬‬
‫ب�س ّم �أذنيك حتى �ل�سباح �آن�ستي؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل يل َ‬
‫زفرت ب�سيق ومتلملت ب ِعند للجهة �الأخرى‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬ال �أريد �أ ًّيا من تعاويذك‪� ،‬ساأكون بخري!‪.‬‬
‫مل هذ� �جلفاء بنربتي؟ �أنا ال �أكرهه كي �أعامله هكذ�!‬
‫‪ -‬يف حالة بقائك م�ستيقظة ً‬
‫طويال؛ ميكنك قر�ءة هذه‪� ،‬أمتتت ترجمتها للت ّو‪.‬‬
‫‪‬‬
‫مل �ألتفت له‪ ،‬وت�س ّنعت �لالمباالة حني �ساألته من �جلهة �الأخرى بهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬وماذ� يوجد بها الأقر�أه؟‪.‬‬
‫يل بجذعه وهم�ص باأذين بينما ترك �لورقة على �لو�سادة بجانب وجهي‬ ‫مال �إ ّ‬
‫بنعومة‪:‬‬
‫‪ -‬ر�سالة من �لفتاة �لتي تلق ّبينها بفتاة �حلكايات‪.‬‬
‫�نتف�ست حني �بتعد و�ق ًفا كما كان و�أخذت �لورقة بحما�ص‪�� ،‬ستق ّريت بو�سع‬
‫�جللو�ص وقر�أت �لعنو�ن‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬ج ّثة ح ّية‪� ،‬أم بقايا عرو�ص؟‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫وهم�ست ما بني �الأقو��ص با�ستنكار‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬دليلك لتتح ّويل من عرو�ص‪ ،‬خلادمة �أو عبدة!‪.‬‬
‫�بت�سمت ببالهة وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪ -‬هل كتبت هذ� من �أجلي؟‪.‬‬
‫وكانت �الإجابة بال�سطر �الأول‪:‬‬
‫عليك كث ًري� لكن طماأنني حار�سك للت ّو‪ ،‬لذ�‬
‫‪ -‬عزيزتي �إليونور�‪ ..‬لقد قلقت ِ‬
‫ق�سة �لليلة و�لتي مل �أرد �أن �أحكيها � ّإال بح�سورك‪ ،‬لكن‪ ..‬تعلمني‬
‫لك ّ‬
‫�أكتب ِ‬
‫�إ�سر�ر �لعر�ئ�ص وت�سميمهنّ !‬
‫لك جالدي�ص؟‬ ‫هل تتذ ّكرين ما حكته ِ‬
‫لك �لتخ ّيل‪..‬‬ ‫�ساأ�سيف عليه ً‬
‫قليال‪ ،‬و�أترك ِ‬
‫ُيقال �إن �الأمري ال يك ّل من فتياته‪ ..‬عر�ئ�سه �أو �أمري�ته‪ ..‬ف�سنع لهنّ طاب ًقا‬
‫مم ّيزً �‪ ،‬هو �أعلى من طابقه نف�سه‪ ،‬يحمل �لعديد من �لعر�ئ�ص �لقدميات �عتز� ًز�‬
‫بهنّ ‪ ..‬يذهب ليلقلي عليهنّ تلك �لنظرة �لفخورة وين�سرف مل�سوؤول ّياته‪ ..‬لكن‪ ،‬كيف‬
‫ر�أت جالدي�ص ج ّثة ح ّية لفتاة نعرفها؟ فتاة مت �أخذها لطابق �الأمري ً‬
‫يوما؟‬
‫‪‬‬
‫علي‪ ،‬وبكل ما بي من ف�سول �تّ�سعت‬ ‫تق�سها ّ‬
‫وهكذ� تابعت قر�ءة ر�سالتها �لتي ّ‬
‫عيناي الأتلقى �ملزيد و�ملزيد من حروف كلماتها‪ ،‬وكاأنها جرعة من خم ّد ٍر قوي‬
‫معتادة عليه و�أحتاجه‪ ،‬ومل �أد ِر �أين �نتهت �سطورها‪� ،‬أو �أين �نتهى وعيي مبا حويل‪..‬‬
‫ليختلط عامل �لو�قع‪ ،‬باالفرت��سات و�الأحالم‪ ..‬بال متييز!‬
‫دما‪ ،‬دماء ثقيلة ال يخ ّففها �إال قطر�ت �لعرق‬
‫ر�أيت وجه �لثالث فتيات يقطر ً‬
‫�لند ّية على جبينهن �ملل ّوث بالكدمات مبختلف �ألو�نها‪ ،‬يطلنب �لرحمة‪ ..‬يطلنب‬
‫�ل�سماح‪ ،‬ويعتذرن لكونهنّ دميمات وال يلقن باالأمري!‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�بت�سمت يل �لفتاة ذ�ت �لعينني �لرماد ّيتني و�لكحل ير�سمهما باإتقان‪ ،‬بينما‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫تبدو كاجل ّثة‪ ،‬ف�سعرها �الأ�سود �لفاحم �لطويل ��ستحال لونه للرمادي من كرثة ما‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫عانى من قرب �لرت�ب و�الأر�ص‪ ..‬تهمهم بكلمات ال �أفهمها‪ ..‬فاقرتبت من �الأر�ص‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�لتي ال تظهر �إال ر�أ�سها‪ ،‬وت�سرت باقي ج�سدها �ملدفون و�ق ًفا‪ ،‬الأ�سمعها بو�سوح تهم�ص‬

‫ع‬
‫باأذين بفحيح‪:‬‬
‫‪ -‬هل تنتظرين �حلب منه؟‪.‬‬
‫�رتع�ست �بت�سامتي وت�ساءلت بهدوء وثبات‪:‬‬
‫يتغري هذ� �أبدً �!‪.‬‬
‫‪ -‬م�سلحتي تكمن يف ُحب موالي �الأمري‪ ،‬ولن ّ‬
‫�سمعتها ت�سحك با�ستهجان‪ ،‬وفجاأة �سرخت باأذين‪:‬‬
‫قلب يا حمقاء؟‪.‬‬
‫‪ -‬وهل لديه ٌ‬
‫�نتف�ست و�قفة الأرى �أنني �أرى برج �لعر�ئ�ص �لعايل‪ ،‬و�أنادي با�ستعطاف‪:‬‬
‫يوما؟‪.‬‬
‫‪ -‬يا عر�ئ�ص �لربج �لعايل‪� ..‬أميكنني �لزيارة ً‬
‫ف�سمعت �أ�سو�تًا متد�خلة‪� ،‬سوت �لثالث عر�ئ�ص‪� ،‬لفتاة ذ�ت �لكحل بعينيها‪،‬‬
‫و�سوت جالدي�ص! يقلن يف نف�ص �ل�سوت‪ ،‬باختالف نرب�تهنّ ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫دوما!‪.‬‬
‫‪ -‬ت�ستطيعني هذ� ً‬
‫كانت نربة �لثالث فتيات حزينة مريرة‪ ،‬نربة �لفتاة كحيلة �لعينني �سارخة‪،‬‬
‫ونربة جالدي�ص م�ستغيثة ر�جية!‬
‫�سعرت باأنني �أهوي بحفر ٍة عميقة‪� ،‬سحيقة ال تنتهي �أبدً �‪� ،‬سعرت بانقبا�سات‬
‫معدتي توؤ ّرقني‪ ،‬و�أ�سو�ت �خللفية توؤذيني‪� ..‬أ�سو�ت ممتزجة من �ل�سرخات‪،‬‬
‫�ل�سحكات و�لنهنهة �ل�سامتة‪ ..‬كنهنهة عرو�ص �الأمري �لتي ر�أيتها تبكي قبل �أن‬
‫تختفي باليوم �لتايل!‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫فر��ص كبري‬
‫فجاأة �رتطمت ب�سيءٍ ناعم للغاية‪ ،‬ففتحت عيني الأرى �أنني على ٍ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫ّ‬
‫و�لف�سية‪ ،‬فاعتدلت جال�سة‪،‬‬ ‫و��سع‪ ،‬ناعم للغاية تز ّينه �لو�سائد �لبي�ساء‪� ،‬حلمر�ء‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫وقبل �أن �أنطق باأي �سيء �سمعت نربة رجول ّية مبهمة تهم�ص بالقرب من �أذين‪:‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫أنت جميلة جدًّ� �إليونور�‪ ..‬وهذ� لي�ص ً‬
‫عدال!‪.‬‬ ‫‪ِ �-‬‬
‫�تّ�سعت عيناي لتذكري تلك �جلملة بو�سوح‪ ،‬و�ق�سع ّر بدين وتو ّقعت �أن يكون من‬
‫يوم ومل يوؤ ّرق نومي‪ ،‬بل‬
‫ظال ر�أيته يف ٍ‬‫يهم�ص باأذين هو حار�ص �إز�لني‪ ،‬لكن‪ ..‬ملحت ًّ‬
‫مر�سع‪� ،‬أذت �أطر�ف ر�سمته �حلا ّدة �إ�سبعي ذ�ت‬
‫بتاج ّ‬
‫ل�سخ�ص ٍ‬
‫ٍ‬ ‫�أثار ف�سويل‪ًّ ..‬‬
‫ظال‬
‫ج�سد ر�سيق‪ ،‬يقرتب‬
‫�ساب ذو ٍ‬ ‫يوم باملكتبة‪ ..‬لكن ما �أر�ه �الآن هو تاج حقيقي‪ ،‬يرتديه ٌ‬
‫ٍ‬
‫�سفتي الأهمهم �أنا بتيه‪:‬‬
‫من وجهي ويطبع ب�سفتيه قبلة على ز�وية ّ‬
‫‪� -‬سمو �الأمري؟‪.‬‬
‫وقت‬
‫بوخز يف �سدري‪ ،‬فرفعت ر�أ�سي �لذي كان �أثقل من �أي ٍ‬ ‫وفجاأة �سعرت ٍ‬
‫م�سى الأرى ما يحدث‪ ،‬فر�أيت ج�سدي عار ًيا‪ ،‬لك ّنه رفيع للغاية‪ ،‬دميم‪ ،‬متالأه �لبثور‬
‫�لرمادي �لباهت كال�سباب‬
‫ّ‬ ‫و�لبقع! وكان ما يق ّيد حر�كه هو قاب�ص �أرو�ح! برد�ئه‬
‫�لذي ال يظهر بنهايته �إال طيفه‪ ،‬حتا�سيت �لنظر بعينيه وير ّدد هو بفحيح‪:‬‬
‫أنت مقتولة‪ ..‬مقتولة!‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫‪‬‬
‫وتز�م ًنا مع كلماته تلك �أتت �سرخات �الأمل من بني ّ‬
‫�سفتي وكاأنني �أ�سرخ حتت‬
‫ٌ‬
‫حروف‬ ‫�ملاء‪ ،‬الأتفاجاأ باأنه يغر�ص �أحد �أظافر يده ينق�ص حروفه �لغام�سة وكاأنها‬
‫من نار! فتململت �أنا و�سعرت فجاأة بيد تقب�ص على عنقي‪ ،‬مل �أعد قادرة على‬
‫�لتمييز بني �للم�سات‪ ،‬ال �أدري �إن كانت مل�سة قاب�ص �الأرو�ح؟ حار�ص �إيفي؟ �أم �سمو‬
‫�الأمري؟ فال�سيء �لوحيد �لذي كنت �أ�سعر به هو �نخفا�ص مع ّدل د ّقات قلبي ب�سورة‬
‫متاما‪ ..‬و�نتهت!‬
‫ملحوظة‪ ..‬حتى خفتت ً‬
‫بيد قو ّية جتذبني من حتت �لرت�ب باالأر�ص‪�� ،‬ستندت على ذلك �ل�سخ�ص‬ ‫�سعرت ٍ‬

‫ع‬
‫بكل ق ّوتي بينما �أحاول �لتقاط �أنفا�سي‪ ،‬الأجد �أنه فجاأة قد �س ّمني �إليه بقبلة! وكل ما‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫جاء بعقلي وقتها �أنها قبلة �حلياة‪ ..‬ال‪ ...‬بل قبلة �لعامل �الآخر‪ ..‬فبعد �أن �نتهت تلك‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�لقبلة �لعميقة �سهقت �أنفا�سي بانتظام‪ ،‬وعاد قلبي يخفق م ّرة �أخرى‪ ،‬مل يخرجني‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫أنغام غريبة‪ ..‬ال بل‬
‫ذلك �ل�سخ�ص من �أح�سانه ولو للحظة! بل متايل بي على � ٍ‬

‫ع‬
‫�سرخات‪ ..‬ونو�ح!‬
‫علي فقط �أن �أخرج من بني‬
‫هل �أتذكر �الآن رق�ستي �الأخرية؟ نعم! هي فر�ستي! ّ‬
‫�أح�سانه الأ�ساأله؟ من �أنا؟ كيف مت قتلي؟!‬
‫�أخرجني قاب�ص �الأرو�ح ب�سعوبة من بني �أح�سانه ونظر يف عيني‪ ،‬الأرى عينيه‬
‫خا�سا وفجاأة وجدت نف�سي بعامل �آخر‪ ،‬الأجد �سوته يهم�ص يل‬
‫�سعاعا ًّ‬
‫�لد�معة ت�سع ً‬
‫بـ‪:‬‬
‫عليك مل ّرة و�حدة فقط‪.‬‬
‫‪ -‬حلظاتك �الأخرية‪� ..‬ساأعر�سها ِ‬
‫مبمر مظلم‪� ،‬أرتدي �أزياء‬
‫عيني وفتحتهما بغري ت�سديق‪ ،‬الأرى �أنني ٍ‬
‫�أغم�ست ّ‬
‫غريبة غري ذلك �لرد�ء �ملعتادة على �رتد�ئه بطابق �لعر�ئ�ص‪ ،‬نظرت حويل بتيه‬
‫وفجاأة �سمعت �سوت ��ستغاثة!‬
‫أتو�سل �إليكم �أنا مل �أفعل لكم �سي ًئا!‪.‬‬
‫‪ -‬فليخرجني �أح ٌد من هنا �أرجوكم! � ّ‬
‫خفق قلبي ببطء وتن ّهدت بارتعا�ص‪ ،‬وخرج مني �سوتي وكاأنني ال �أحتكم به‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أنت �سغريتي! ال تخايف ها �أنا هنا!‪.‬‬
‫‪� -‬أين � ِ‬
‫وفجاأة �سرخت �لفتاة بـ‪:‬‬
‫‪� -‬أختي! �أغيثيني!‪.‬‬
‫مل يكن لدي حل �سوى �أن �أفتح �أبو�ب ذلك �ملم ّر دون �حلاجة لل�سوء‪ ،‬با ًبا تلو‬
‫باب‬
‫�الآخر‪� ،‬أ�سعر مبحتو�ه �لفارغ الأتنقل ملا يليه‪ ،‬وفجاأة ملحت �سو ًء� ياأتي من حتت ٍ‬
‫ما‪ ،‬فرك�ست �إليه وفتحته بكل ما ّيف من ق ّوة‪ ،‬الأجد �أ�سو�تًا رجولية ت�سحك مبجون‪،‬‬
‫بغ�سب وغري ت�سديق‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�إال حني ر�آين و�حد منهم �ساح يف‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫أنت! كيف و�سلت �إىل هنا!‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫أعو�م ب�سيطة‪ ،‬مك ّبلة‬ ‫نظرت خلفه ور�أيت ج�سدً � ً‬
‫�سئيال لفتاة ما ت�سغرين با ٍ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫أياد رجول ّية قذرة‪ ،‬بينما �مل�سكينة تتململ وت�سرخ وقد وجدت �سا ّلتها‪:‬‬
‫با ٍ‬
‫‪� -‬أختي! �أنقذيني!‪.‬‬
‫�أنا؟ �أخت تلك �لفتاة �مل�سكينة؟ رمبا �أنا هنا الإنقاذها! �قرتبت من �لرجل‬
‫أر�سا مم�س ًكا مبنطقته �ملحظورة يتاأوه �أملًا لي�سيح‬
‫بغ�سب وركلته ركلة ممتازة فهوى � ً‬
‫بباقي �لرجال باأن مي�سكو� بي‪ ،‬نظرت حويل فوجدت زجاجات من �خلمر‪ ،‬فارغة‪..‬‬
‫بت �أقذفهم بها بينما �أ�سيح بغ�سب و��ستماتة‪ ،‬هوى رجالن‬ ‫لك ّنها �ستفي بالغر�ص‪ّ ،‬‬
‫أر�سا ف�سعرت ب�سهولة ذلك‪ ،‬جتر�أت و�قرتبت من �خلبيثني �للذين‬ ‫خممور�ن � ً‬
‫يك ّبالن تلك �مل�سكينة �أختي‪� ،‬أريد منع ذلك �خلبيث من طبع قبالته �لثملة على‬
‫وجهها وج�سدها!‬
‫فجاأة �سمعت زجمرة �لرجل �لذي قد ركلته باخللف مني‪ ،‬ي�سرخ باأ�سياء غري‬
‫مفهومة‪ ،‬وفجاأة �لتفت �لرجل �لذي ينهال على ج�سد �أختي ب�سكب �خلمر على‬
‫ج�سدها �له�ص ليتذ ّوقه‪� ،‬لتفت �إ ّ‬
‫يل بغ�سب‪ ،‬ثم �أخرج �سكي ًنا �سغ ًري� وجعله بالقرب‬
‫بجنون وفحيح �سوتها ال يغادر �أذين �أبدً �‪ ،‬مذعورة‬
‫ٍ‬ ‫من رقبة �أختي و�لتي باتت تبكي‬
‫‪‬‬
‫جدً � تخ�سى �ملوت ويف نف�ص �لوقت تخ�سى �حلياة بهذ� �ل�سكل! ف�سحت �أنا بغري‬
‫وعي مني‪:‬‬
‫ٍ‬
‫‪� -‬تركوها! دعوها تذهب وخذوين �أنا!‪.‬‬
‫هام�سا‪:‬‬
‫بطمع ً‬
‫�ساقت يد من يقف خلفي على رقبتي وقال ٍ‬
‫‪� -‬أو ميكننا �حل�سول على كليكما! فاأنتما �سه ّيتان للغاية!‪.‬‬
‫عيني و�لدموع تنهار منهما بينما �أمتلمل بكل ق ّوتي‪ ،‬وفجاأة ملحت من‬
‫�أغم�ست ّ‬
‫رمادي �للون‪ ،‬يقرتب من رجل ما‪ ،‬يعرب من بني ج�سده بخ ّفة في�سقط‬ ‫ّ‬ ‫بعيد طي ًفا‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫أر�سا بكل �سهولة! و�قرتب من �الآخر �لذي ي�سكب �خلمر على ج�سد �أختي‪،‬‬ ‫�لرجل � ً‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫و�آخر و�آخر حتى �نتهو� جميعهم‪ ،‬عد� ذلك �لذي يحيط رقبتي بيديه �لقو ّيتني‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�ملتع ّرقتني‪ ،‬وقبل �أن يلتفت يل ذلك �لطيف �ملبهم‪� ،‬سمعت �سوت طقطقة عالية‪،‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫ومل �أ�سعر ب�سيء �آخر وقتها‪ ..‬فاأدركت باأنه �سوت �نف�سال فقر�ت رقبتي عن بع�سها‬
‫�لبع�ص‪ ،‬مما �أنهى حياتي‪...‬‬
‫فتحت عيني م ّرة �أخرى الأجد �أنني طيف‪� ،‬أجل�ص على ج�سدي �ملنتهي‪ ،‬و�أمامي‬
‫يقف هذ� �لطيف‪ ،‬و�سمعته يقول بنربة خالية من �لتعبري‪:‬‬
‫‪ -‬يجب علينا �لذهاب‪.‬‬
‫ب�سرود وغري ت�سديق‪ ،‬و�أ�سحت بب�سري لتلك‬
‫ٍ‬ ‫وم ّد يده يل‪ ،‬فو�سعت بها يدي‬
‫�مل�سكينة �لتي تغم�ص عينيها بني جثث �لرجال �لهامدة‪ ،‬وقبل �أن �أقول �أي �سيء‬
‫�سمعت �سوت ذلك �لطيف يقول‪:‬‬
‫�سحيت به كان كاف ًيا الإنقاذها‪.‬‬
‫‪� -‬ستكون بخري‪ ،‬ما ّ‬
‫ت�سديق و�سحت بغري فهم‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫نظرت له بغري‬
‫‪ -‬ماذ� تق�سد!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫جذبني الأنه�ص‪ ،‬و�أحاطني بذر�عيه ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫�سحيت بحياتك الأجلها! من �أجل �أن تعي�ص هي! �ستعي�ص‪ ،‬و�سرتحلني!‪.‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫نزلت من عيني دمعة فم�سحها �سري ًعا‪ ،‬فابت�سمت �أنا وت�ساءلت بر�سا‪:‬‬
‫دوما؟‪.‬‬
‫‪ -‬وهل �ستكون بخري ً‬
‫�أوماأ فز�دت �بت�سامتي �إ�سر� ًقا‪ ،‬وهم�ست بر�حة‪:‬‬
‫‪ -‬وهذ� كل ما �أريده‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫تن ّهدت فرفع ذلك �لطيف وجهي له‪ ،‬الأنظر بعينيه‪ ،‬وفجاأة ظهر �سعاع قوي‪،‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫جعلني �أحب�ص �أنفا�سي بذعر‪ ،‬فاأغم�ست عيني‪ ،‬تز�م ًنا مع �أ�سو�ت كثرية‪ ،‬طنني‪..‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سرخات‪ ...‬نهنهة وبكاء‪ ..‬حتى �سمعت �سوت �لطيف م ّرة �أخرى يقول بال تعبري‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪ -‬هل ر�أيت نهايتك؟ هل يكفي �أم �أنك تريدين روؤية نهاية �أخرى؟‪.‬‬
‫عيني بغري فهم‪ ..‬بينما عيناي ما ز�لتا متّ�سعتني على �آخرهما من‬
‫فرفعت له ّ‬
‫�ل�سدمة!‬
‫من هذه؟!‬
‫ممر �س ّيق مظلم ال ينريه �إال �سعلتان �أر�هما من على‬
‫فتاة ت�سري �أمامي ببطء‪ ،‬يف ٍ‬
‫بعد كبري‪ ..‬ر�أيتها تلتفت خلفها مبت�سمة ب�سفاء‪ ،‬فر�أيت وجهها‪� ..‬إنها جالدي�ص!‬ ‫ٍ‬
‫كيف �أن �أخطئ ربطة �سعرها غري �لناعم!‬
‫ناديتها بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬جالدي�ص؟ �أين تذهبني؟!‪.‬‬
‫و�أ�سرت خلفي قائلة بتاأكيد‪:‬‬
‫‪ -‬طابق �لعر�ئ�ص من هنا!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫علي! فاأدركت �أن هذ� ب�سبب �سعف �سمعها‪ ،‬فهرولت خلفها‪ ،‬ونظرت‬
‫مل ترد ّ‬
‫بوجهها الأرى �سفتيها يهم�سان بحما�ص‪:‬‬
‫‪� -‬ساأرى موالي �الأمري �أخ ًري�!‪.‬‬
‫ر�أيتها حت ّل ربطة �سعرها لين�ساب على وجهها وجبينها بنعومة مل �أعتقد ً‬
‫يوما‬
‫�أنها تليق بها! وتلمع عيناها باأمل‪ ،‬فقلت �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬جالدي�ص! ال ترحلي وترتكيني!‪.‬‬

‫ع‬
‫�سحكت هي و�لتفتت يل‪ ،‬ثم عادت تنظر لالأمام وكاأنني ل�ست هنا من �الأ�سا�ص!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫وقبل �أن �أدرك �أنني جم ّرد طيف‪ ،‬ملحت �أن هذه �الأر�ص �لتي ال ت�سري بها‪ ،‬ال‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫تنتهي نهاية ج ّيدة �أبدً �! بل تغو�ص �إىل حفر ٍة مظلمة‪� ،‬أ�سعر بربودتها بالرغم من‬

‫والتوزي‬
‫�أنني �أقف بجانب �إحدى �ل�سعالت!‬

‫ع‬
‫�سوت لدي‪� ،‬أحاول‬
‫جالدي�ص ت�سري ببطء‪ ،‬و�أنا �أتبعها بريبة‪ ..‬و�أناديها باأعلى ٍ‬
‫مل�ص يدها �إال �أن يدي تعرب من خاللها وال مت�سك بها‪ ..‬وبكيت بذعر حني �قرتبت‬
‫من �ل�سقوط‪ ،‬و�سرخت با�سمها بكل ما بي من ق ّوة‪:‬‬
‫‪ -‬جالدييييييي�ص!‪.‬‬
‫و�نتهى كل �سيء! هَ َوت جالدي�ص!‬
‫و�سعت يدي على فمي بغري ت�سديق‪ ،‬و�لتفت الأعود حيثما كنت‪ ،‬لكنني فزعت‬
‫با�سطد�مي باأحدهم‪ ..‬ج�سد �سئيل و�سغري‪ ..‬ج�سد �إيفي!‬
‫نظرت لها بتيه‪ ،‬الأر�ها تبت�سم يل بينما تفرك عينيها �لناع�ستني‪ ،‬تتطاير‬
‫منامتها �لوردية �لناعمة وتهم�ص يل ب�سوتها �لناعم �ملبت�سم‪:‬‬
‫كنت �أختي؟‪.‬‬
‫‪� -‬أين ِ‬

‫‪‬‬
‫يف حركة و�حدة �عتدلت بو�سع �جللو�ص و��سعة يدي على قلبي �لذي يخفق‬
‫�سفتي‪ ،‬وفجاأة �سعرت بيد‬
‫بجنون‪ ،‬ومل �أدرك �أن �سهقة عالية قد �نطلقت من بني ّ‬
‫تر ّبت على ظهري‪ ،‬فالتفت الأر�ها �إيفي �ل�سغرية تهم�ص بـ‪:‬‬
‫‪� -‬آ�سفة هل �أفزعتك جم ّددً�؟‪.‬‬
‫جل�ست على طرف فر��سي ور ّبتت على يدي قائلة‪:‬‬
‫ليال �ملا�سية ت�ستيقظني مفزوعة! هل تر�ودك �لكو�بي�ص؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما بك؟ للثالث ٍ‬
‫ليال؟‪.‬‬
‫‪ -‬ثالث ٍ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ر ّددتها بتيه �سوت �لناع�ص‪ ،‬و�أ�سفت‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫‪ -‬يف �أي يوم نحن �الآن؟‪.‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫�بت�سمت �إيفي و�س ّفقت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬يوم مولد �الأمري!‪.‬‬
‫أم�سدها‪ ،‬ونظرت حويل الأجد �أن‬
‫بذعر وو�سعت يدي على رقبتي � ّ‬
‫�تّ�سعت عيناي ٍ‬
‫�لطابق �سبه فارغ‪ ،‬فت�ساءلت‪:‬‬
‫‪� -‬أين �لعر�ئ�ص؟ �أهم يف �حلفل؟‪.‬‬
‫هزّت ر�أ�سها نف ًيا بغر�بة قائلة‪:‬‬
‫أنت‪ ،‬و�لباقيات قد ذهنب للخ ّياطات‪،‬‬‫‪ -‬ال يوجد �أح ٌد بالطابق �سو�ي �أنا و� ِ‬
‫خا�ستهن لريتدينها بعد �حل ّمام �لد�فئ‪،‬‬
‫�سيح�سلن على مالب�ص �لرق�ص ّ‬
‫للتوجه للحفل!‪.‬‬
‫�ق�سع ّر بدين و�سعرت بنذير �سوؤم كبري‪ ،‬ونظرت حويل وناديت با�ستجد�ء‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫وز�د مع ّدل تن ّف�سي بني نظر�ت �إيفي �ملرتابة‪ ،‬و�سمعت ر ّده �لفوري‪:‬‬
‫‪� -‬أجل؟‪.‬‬
‫��ستدرت الأجده يجل�ص على مييني‪ ،‬وي�ساهد ما �آل �إليه حايل! ف�ساألته بغري‬
‫ت�سديق‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� يحدث يل؟‪.‬‬
‫نه�ص تار ًكا �ملف ّكرة �ل�سغرية من يده ليخفيها بجيب مالب�سه من �لد�خل‪ ،‬وقال‬
‫الإيفي‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫أنت و�سناأتي على �لفور‪.‬‬
‫‪� -‬ذهبي � ِ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫�بت�سمت �إيفي لثقة ظافر‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪.‬‬
‫نه�ست من على فر��سي و�أ�سارت يل باأنها �سرتحل مبت�سمة‪ ،‬وخرجت الأكت�سف‬
‫�أن كاليب كان يقف قرب �لباب ينتظرها‪� ،‬لتفت لظافر وت�ساءلت بذعر‪:‬‬
‫ليال؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل منت لثالث ٍ‬
‫ناولني كا ًأ�سا من �ملاء وقال‪:‬‬
‫أنت ال تذكرين �إال �لكو�بي�ص �الآن‪ ..‬دقائق و�سيعود كل �سيء كما‬
‫‪� -‬هد�أي‪ِ � ،‬‬
‫كان‪.‬‬
‫�سربت بع�ص �ملاء ثم �أعدت �لكاأ�ص �إليه مت�سائلة بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪ -‬وهل �حلفل �ليوم؟ �الآن؟‪.‬‬
‫�أ�سار لل�سرفة‪ ،‬فنه�ست ب�سرعة ومل �أبال بكوين د�ست على غطاء �لفر��ص �لذي‬
‫�أزحته عني لي�سقط � ً‬
‫أر�سا‪ ،‬و�سهقت بذعر حني وجدت �الأ�سو�ء باالأ�سفل‪� ،‬ملقاعد‬
‫و�لب�ساط �لكبري �لذي يب ّدل لون �لع�سب‪� ..‬لتفت لظافر الأجده يقف بالقرب مني‪،‬‬
‫‪‬‬
‫وقبل �أن �أقول �أي �سيء وجدته ي�سع يده �لي�سرى خلف ر�أ�سي يث ّبتها‪ ،‬ويده �الأخرى‬
‫تد ّلك جبيني باإبهامه‪ً ،‬‬
‫هام�سا ببع�ص �لكلمات �ملبهمة بالن�سبة يل‪ ،‬وفجاأة عاد �إ ّ‬
‫يل‬
‫ر�سدي!‬
‫قر�أت حكاية قبل �لنوم من �لورقة‪..‬‬
‫طماأنت �لفتيات على حايل باليوم �لتايل‪..‬‬
‫عرو�سا‪..‬‬
‫�الأمري طلب ً‬
‫در�ص �لرق�ص �ساق للغاية ب�سبب �سدمة �ملد ّرب الختفاء �إز�لني‪..‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�أ�سنع بنف�سي ما �ساأرتديه باحلفل‪..‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫در�ص �لرق�ص بدل در�ص �لفرو�سية‪..‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫�الأمري طلب ثالث عر�ئ�ص‪..‬‬
‫ال وقت للمكتبة‪ ،‬فقط �إنهاء �لف�ستان‪..‬‬
‫ال �أنهي طعامي‪..‬‬
‫�ثنان من �لعر�ئ�ص قد رحلتا لطابق �الأمري‪..‬‬
‫تدريب مميت للرق�ص و�لتاأهب للحفل‪..‬‬
‫رحيل جميع �لعر�ئ�ص‪ ،‬من بينهن جالدي�ص‪� ،‬إىل طابق �الأمري‪ ،‬وال يتب ّقى �سوى‬
‫�أنا‪ ،‬و�إيفي‪ ،‬وفتاة �حلكايات‪ ،‬وثالث عر�ئ�ص �أخريات!‬
‫�سهقت ب�سدمة بينما و�سعت يدي على قلبي وقلت‪:‬‬
‫‪ -‬كيف حدث هذ�! كيف م ّرت تلك �الأيام دون �أن �أتذكر؟!‪.‬‬
‫ه ّز ظافر كتفيه وقال بغمو�ص‪:‬‬
‫أنت �لتي طلبت مني �أن �أجعل �الأيام متر لياأتي يوم حفل �الأمري‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫‪‬‬
‫ت�سديق وتذ ّكرت �إح�سا�ص �ل�سيق بد�خلي و�أنا �أرى �أن ظاف ًر�‬
‫ٍ‬ ‫نظرت له بغري‬
‫يتعامل معي كال�سابق‪ ،‬و�أنا �لتي �أ�سخم م�ساعري و�أ�سعر باحلرج من كوين بجانبه‬
‫طو�ل �لوقت‪ ،‬فالتفت له قائلة ب�ساأم‪:‬‬
‫‪ -‬هل ميكنك �أن جتعل هذه �الأيام متر �سري ًعا؟ �أريدها �أن متر باأي حال من‬
‫�الأحو�ل حتى �أ�ستيقظ يوم حفل �الأمري بدون �أي م�ساكل!‪.‬‬
‫�أرجعت �سعري �الأ�سود �لفاحم غري �لطويل بيدي للخلف وطماأنت نف�سي‪ ،‬ثم‬
‫هم�ست بغري �سدمة‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ً � -‬إذ�‪ ،‬كما قلت �أنت ظافر‪� ،‬أنا مرتاعة فقط ب�سبب ذلك �لكابو�ص �لطويل‪..‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫فقط‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫ر ّبت على ر�أ�سي وقال بت�سجيع‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬ح�س ًنا ال د�عي للتفكري باملا�سي �الآن‪� ،‬ليوم فر�ستك للح�سول على �الأمري‪،‬‬
‫��سحريه برق�ستك وبرد�ئك �جلديد‪...‬‬
‫�لتفت‪� ،‬أريد �لو�سول ل�سندوق مالب�سي �أ�سفل �لفر��ص‪ ،‬لكن ��ستوقفني ظافر‬
‫ً‬
‫قائال يقاطع ما نويت فعله‪:‬‬
‫عنك نظ ًر�‬ ‫‪ -‬و�لرد�ء باالأ�سفل‪ ،‬لقد قامت �إحدى �خل ّياطات باإنهائه ً‬
‫بدال ِ‬
‫ل�سيق �لوقت‪.‬‬
‫بحما�ص‬
‫ٍ‬ ‫�أوماأت وذهبت للم�سرت�ح‪� ،‬أنوي �الإ�سر�ع للذهاب للخ ّياطة‪ ..‬و�أ�سعر‬
‫مفاجئ لهذ� �ليوم!‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫وقف يف منت�سف غرفة �حلياكة �لتي تعمل �ملا�سطة بجزءٍ منها و�جلميع‬
‫ينظرون يل بانبهار‪ ،‬يخربونني �أنني �الأجمل‪ ،‬وبالطبع �سيدعوين �الأمري لغرفته‬
‫�خلا�سة!‬
‫ّ‬ ‫الأق�سي معه �سهرة عيد مولده على طريقته‬
‫ر�أيت �لرد�ء �لذي حكته بنف�سي و�بت�سمت بفخر‪ ،‬فكان من قما�ص �ل�سيفون‬
‫�خلفيف بلون �لع�سل من �الأكمام‪ ،‬وقما�ص �آخر رقيق له نف�ص �للون على باقي �جل�سد‬
‫وتعجبت من كوين �سنعت غطا ًء خفي ًفا للوجه من‬
‫و�ل�ساقني‪ ،‬بتطريز ب�سيط هادئ‪ّ ،‬‬
‫عيني فقط‪ ،‬وين�سدل على رقبتي بنعومة‪..‬‬
‫نف�ص خامة �ل�سيفون‪ ،‬ليربز ّ‬

‫ع‬
‫�حل�سا�سة ‪-‬كما‬ ‫�أعطتني �ملا�سطة بع�ص �مل�ستح�سر�ت ّ‬
‫�ملح�سرة طبيع ًيا لب�سرتي ّ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫تعتقد‪ -‬كما �أعطتني مع ّلمة �حلياكة �سر�ئط �أنيقة ل�سعري الأرفعه به وقت �لرق�سة‪،‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫حظا مو ّف ًقا‪ً ..‬‬
‫ومت ّنت يل ً‬

‫ن‬
‫وبدال من �أن �أ�ستدير و� ّأجته للباب ومن ثم �أذهب للنهر‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫لال�ستحمام‪ ،‬خطرت على بايل فكرة! �سيء �سيجعلني �أ�سرخ طاردة كل خماويف‬
‫إح�سا�سا م�ساع ًفا باحلما�ص و�ل�سجاعة!‬
‫دفعة و�حدة و�أكت�سب � ً‬
‫تركت رد�ئي‪� ،‬سر�ئطي وم�ستح�سر�تي الإحدى �خلادمات وطلبت منها �أن‬
‫ت�سعهم باالأ�سفل‪ ،‬و��ستاأذنت من �ملا�سطة �أن �أدخل لغرفة �ملر�يا �ل�سغرية!‬
‫�أدركت هي ما �أرنو �إليه فرتكتني وحدي وقالت حلار�سي‪:‬‬
‫‪ -‬تلك �لفتاة متح ّم�سة للغاية �ليوم!‪.‬‬
‫�قرتب مني ظافر ودلفنا للغرفة بهدوء‪ ،‬تو ّقفت للحظة‪� ..‬أنظر �إليها باأمل‪ ..‬كم‬
‫يوم ح�سرت فيه �إىل هنا‪ ،‬حني تف ّقدو� ج�سدي بغري رحمة‪ ،‬ال مبالني‬ ‫ذ ّكرتني باأول ٍ‬
‫بكر�متي! وحني دفعتني �ملا�سطة من هنا لالأ�سفل‪� ..‬لتفت الإحدى �ملر�يا �أدفعها‬
‫كالباب‪ ،‬لتزيد �نعكا�سات �سورتي و�سورة ظافر بطريقة جنون ّية‪ ،‬ونظرت لالأ�سفل‬
‫الأرى �لعر�ئ�ص يقمن باأخذ ح ّمامهن‪ ،‬فتن ّهدت و�أغلقت �لباب ً‬
‫قليال برت ّدد‪ ،‬و�سمعت‬
‫ي�سجعني‪:‬‬
‫�سوت ظافر ّ‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬ن�سي كل ما مررت به من هنا‪ ،‬و�قفزي‪ ..‬قفزة و�حدة �ستكون بد�ية حلياتك‬
‫�جلديدة‪� ،‬ستخرجني من هنا �أمرية!‪.‬‬
‫�سفتي بغري ثقة وكدت �أن �أ ُم ّر بجانبه الأخرج‬
‫نظرت له برت ّدد‪ ،‬ثم ع�س�ست ّ‬
‫لغرفة �ملا�سطة م ّرة �أخرى حيث �لتماثيل �لباردة بينما �أقول‪:‬‬
‫علي ��ستعمال �لدرج �لعادي فقط‪...‬‬
‫‪ّ -‬رمبا يجب ّ‬
‫ه ّز ظافر ر�أ�سه نف ًيا ومنعني من �ملرور‪ ،‬فنظرت له بت�ساوؤل‪ ،‬الأجده ينظر يل يف‬
‫عيني موؤكدًّ�‪:‬‬

‫ع‬
‫ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫أنت تريدين هذ� �إليونور�‪� ..‬قفزي و��سرخي قدر ما تريدين! لن ي�سل‬ ‫‪ِ �-‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سوتك لالأعلي‪ ،‬لن تعرت�ص �لعر�ئ�ص �أبدً �‪ ،‬و�ست�سعرين باملزيد من �لثقة!‪.‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫تن ّهدت بقلق ونظرت له قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا‪� ..‬ساأج ّرب‪.‬‬
‫فتحت �لباب �لزجاجي ونظرت لالأ�سفل‪ ،‬الأجد �أن �لبقعة �لتي �أ�سفل �لباب‬
‫نف�سا عمي ًقا‬
‫متاما‪ ،‬مما جعله وقتًا منا�س ًبا للقفز من تلك �مل�سافة‪� ..‬أخذت ً‬
‫خالية ً‬
‫ثو�ن‪..‬‬
‫وزفرته بحما�ص و�بت�سامة‪ ،‬وكاأنني فتاة �أخرى غري �لتي كانت قلقة منذ ٍ‬
‫وقفزت!‬
‫�سرخت باأعلى �سوتي بحما�ص و�سعادة‪ ،‬و�لهو�ء يد�عبني من كل ناحية‪ ،‬مل‬
‫�أ�سعر باخلوف كامل ّرة �الأوىل �لتي فعلت بها هذ�‪ ،‬الأن هذه �مل ّرة كانت باإر�دتي!‬
‫رفعت يدي لالأعلى �ساحمة ملنامتي �أن تطري لالأعلى الأجت ّرد من مالب�سي‬
‫نف�سا عمي ًقا و�أنا �أقول‪:‬‬
‫بحر ّية‪ ،‬ونظرت لالأ�سفل مبرح و�أغم�ست عيني بعد �أن �أخذت ً‬
‫‪� -‬ليوم �ساأ�سبح �أمرية!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫�سقطت باملاء وغ�ست به‪ ،‬فتحت عيني به على �لفور الأر�قب فقاقيع �ملياه تندفع‬
‫بجنون من حويل‪ ،‬وفجاأة �سعرت مبوجة �أخرى حتركني‪� ،‬أحدهم قد قفز هو �الآخر‪،‬‬
‫يل‪ ،‬ميد ذر�عي‬ ‫وما هي �إال حلظة حتى ر�أيت ظاف ًر� يغو�ص �إىل �أعماق �ملاء متّج ًها �إ ّ‬
‫بحما�ص‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫�أمامه ليلتقطني ويجذبني خلارج �ملاء‪ ،‬الأفتح عيني �ساهقة �أنفا�سي‬
‫و�سحكت!‬
‫كنت تريدين �ملكوث بق ّية �ليوم حتت �ملاء!‪.‬‬
‫‪� -‬أجننت؟ هل ِ‬
‫قالها ظافر بغري ت�سديق به �سيء من �النفعال‪ ،‬فابت�سمت يف وجهه قائلة‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬سردت لبع�ص �لوقت! وال باأ�ص �أنا بخ ٍري �الآن!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�سبحت بعيدً � عنه بعد �أن وجدت مالب�سي و�أدو�تي وبد�أت باال�ستحمام ب�سرود‪،‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫بينما �س ّفرت فتاة �حلكايات وقالت باإعجاب‪:‬‬

‫والتوز عي‬
‫�سخ�سا ما متحم�ص بع�ص �ل�سيء!‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬يبدو �أن هناك‬
‫�بت�سمت و�أنا �أعرف �أنها تق�سدين‪ ،‬لكن �سرعان ما عب�ست حني تذ ّكرت‬
‫ق�ستها تلك بال ّ‬
‫�سك! و�سردت جم ّددً�‪ ،‬فجاأة وجدت‬ ‫كو�بي�سي‪ ،‬و�لتي هي ب�سبب ّ‬
‫�إيفي ّ‬
‫تر�سني باملاء وتناديني‪:‬‬
‫‪� -‬أختي �جلميلة! ال تن�سي وعدك يل!‪.‬‬
‫�لتفت لها بينما �أخفي ما ظهر من ج�سدي و�ساألت مبت�سمة بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬هه؟ �أي وعد؟‪.‬‬
‫و�سردت يف كونها تناديني «�أختي»!‬
‫م ّثلت �إيفي �النزعاج ب�سحك كاليب وقال يح ّدثني بعفوية من خارج �لنهر بينما‬
‫يجفف رد�ءه من �ملاء‪:‬‬
‫‪ -‬وعدتيها �أن ت�سبح و�سيفتك! حني ت�سبحي �الأمرية!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�سعرت باأنني قلت هذ�‪ ،‬فانطلقت �أومئ بتاأكيد لها مبت�سمة بحما�ص‪:‬‬
‫‪ -‬نعم بالطبع! �ستكونني كذلك!‪.‬‬
‫ليف�سر ما غاب عقلي عنه‪:‬‬
‫ح ّدثني ظافر ّ‬
‫معك كاأختها‪ ،‬الأنها ذ ّكرتك باأختك باحلياة‪...‬‬
‫أنت من طلبت منها �أن تتعامل ِ‬
‫‪ِ �-‬‬
‫عب�ست برتكيز وحاولت تذ ّكر وجه �مل�سكينة �لتي كانت ت�سرخ بذلك �لكابو�ص‪..‬‬
‫لك ّنني �سمعت �أ�سو�ت �سحكات مت�سل ّية‪ ،‬فنظرت مل�سدر �ل�سوت الأجده �آت ًيا من‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫تنظف و�حدة‬ ‫بع�سا على �ال�ستحمام‪ّ ،‬‬‫خلفي‪ ،‬من ثالث عر�ئ�ص ي�ساعدن بع�سهنّ ً‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�سعر �الأخرى بينما �الأخرية ّ‬
‫تنظف ظهر من تقف باملنت�سف‪ ،‬فت�ساءلت �أنا با�ستنكار‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬ما �مل�سحك؟‪.‬‬

‫ع‬
‫�سحكت �إحد�هنّ بغرور وقالت يل‪:‬‬
‫ل�ست وحدك �جلميلة هنا! �سيختار �الأمري �أي و�حدة م ّنا!‪.‬‬
‫‪� -‬أدرين �إليونور�؟ ِ‬
‫بت�سل ول ّوحت بيدي يف �لهو�ء بال مباال ٍة قائلة‪:‬‬
‫حاجبي ٍ‬
‫ّ‬ ‫رفعت‬
‫‪ -‬وما �لنقطة �لتي تريدين تو�سيحها بال�سبط؟‪.‬‬
‫�سحكت �ساحبة �حلكايات و�إيفي وحار�ساهما‪ ،‬وقال ظافر بعقلي لينهي‬
‫�حلديث‪:‬‬
‫‪ -‬جتاهلي‪ ..‬و��سرتخي ً‬
‫قليال قبل �حلفل‪...‬‬
‫هززت ر�أ�سي يف خفاء و�سبحت بعيدً � يف ز�وية غري و��سحة للعيون و�سببت‬
‫�سائل �ال�ستحمام على ج�سدي وبد�أت بتدليكه ببطء‪ ،‬بينما �أغم�ص عيني �أحاول‬
‫تهدئة �أع�سابي‪..‬‬
‫‪‬‬
‫�لزي �لذي �أم�سيت يف ُ�سنعه‬‫وقفت بغرفة �ملا�سطة م ّرة �أخرى‪ ،‬مرتدية ّ‬
‫�لكثري من �لوقت‪ ،‬ت�سبطه �إحدى م�ساعد�ت معلمة �حلياكة على ج�سدي بينما‬
‫�ملا�سطة بنف�سها ت�س ّفف يل �سعري �الأ�سود �لفاحم‪ ،‬رفعته لالأعلى باأحد �الأ�سرطة‬
‫بلون رد�ئي‪ ،‬تاركة بع�ص �خل�سالت �لناعمة لتن�سدل على وجهي بدالل‪ ،‬وتركته‬
‫بهيئة مرتاحة‪ ،‬فاأخذت �أنا غطاء �لوجه �ل�س ّفاف و�رتديته بنعومة‪ ..‬ر�قبت �إحدى‬
‫�مل�ساعد�ت ت�س ّفف �سعر �إيفي يف جديلة تبد�أ من �أول ر�أ�سها حتى �آخره‪ ،‬كما فعلن‬
‫ً‬
‫من�سدال بعد‬ ‫ب�سعر و�حدة من �لفتيات‪� ،‬أما �لفتاة ذ�ت �حلكايات‪ ،‬فقد تركن �سعرها‬
‫�أن فردنه باحلر�رة ليعطيها مظه ًر� ج ّذ� ًبا‪ ،‬و�سعن �لقليل من �لزينة على وجهها‪،‬‬

‫ع‬
‫ورف�ست �أنا �أن يتم و�سع �أي �سيء على وجهي‪ ،‬و�أ ّيدين ظافر يف ذلك‪ ،‬الأكون مبظهري‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫فلم �أحتاج �إبر�ز جمايل بطريقة مفتعلة؟‬
‫�لطبيعي‪ ..‬فاأنا �أعرتف بكوين جميلة �الآن‪َ ،‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�نتهت �مل�ساعد�ت من �إعد�دنا على �أكمل وجه‪ ،‬وقبل �لرحيل نظرت لرد�ئي م ّرة‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫عيني‪..‬‬
‫�نعكا�سا للون ّ‬
‫ً‬ ‫�أخرية‪ ،‬و�بت�سمت حني ر�أيت يف لونه �لرقيق‬
‫حو��سي‬
‫عربت �جل�سر فوق �خلندق وظافر بجانبي و�أ�سعر برهبة لذيذة تدغدغ ّ‬
‫و�لهو�ء �لبارد يدفع عباءتي يحاول ك�سف ما �أرتديه‪ ،‬لكن هيهات‪ ،‬بت �أق ّرب �لعباءة‬
‫من ج�سدي كي تكون مفاجاأتي لالأمري وحده‪.‬‬
‫�أوقفتنا جليند� خلف �ستا ٍر كبري بالباحة �خللف ّية للقلعة‪ ،‬وباتت متلي علينا‬
‫إذن منه‪ ،‬كما‬‫�لتعليمات‪ :‬ممنوع �حلديث �أمام �الأمري‪� ،‬لتطلع بعينه يكون فقط با ٍ‬
‫يجب علينا تقبيل يديه بعد �أي مدح يلقيه علينا‪� ،‬لعبو�ص غري م�سموح‪ ،‬فنحن هنا‬
‫لر�حة �الأمري‪ ،‬من �ستوؤدي رق�ستها � ًأوال يجب عليها تقدمي باقة من �لورود �إليه‪..‬‬
‫وكانت ورودً� بي�ساء رقيقة‪ ،‬لك ّنها مل تعجبني‪ ..‬مل �أ�سعر بها بروح �لورود �لتي �أنا‬
‫معتادة عليها‪..‬‬
‫قام �ملد ّرب �لذي �رتدى مالب�ص ر�سمية ال تليق به بالوقوف �أمامنا و�ختار من‬
‫�ستوؤدي �لرق�سة �الأوىل‪ ،‬وكانت �لفتاة ذ�ت �حلكايات‪ ،‬تليها �لعر�ئ�ص �الأخريات ثم‬
‫�إيفي‪ ،‬و�أنا كنت �الأخرية‪� ..‬قرتب مني وهم�ص باأذين بحذر خو ًفا من نظر�ت ظافر‬
‫له‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أنت �الأف�سل لذ� تركتك للنهاية‪ ،‬كاحللوى!‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫�أم�سك ظافر كتف مد ّربي وهم�ص باأذنه بطريقة عد�ئية‪ ،‬ميلي عليه ما ي�سعر‬
‫به جتاهه‪:‬‬
‫‪� -‬أردت �أن تكون مدربتها �مر�أة جتيد �لرق�ص برب�عة‪ ،‬لكن ها �أنت ذ�‪ ،‬فقت‬
‫جميع تو ّقعاتنا و�أثبت �أنك مدرب بارع وخبري!‪.‬‬
‫�سحك �حلر�ص وكتمت �أنا �سحكاتي‪ ،‬فاحم ّر وجه �ملد ّرب و�أرجع �سعره للخلف‬
‫بخجل ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪� -‬أ�سكرك‪ ..‬كلماتك تلك �أ�سعدتني ح ًّقا!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫وكاد �أن يتف ّوه باملزيد �إال �أن ظاف ًر� زفر ب�س ّبة و�ن�سرف‪ ،‬لينفجر �حلر�ص‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�ساحكني ب�س ّدة‪ ،‬و�بتعدت �أنا �أخلي م�سوؤول ّيتي عن ما قال‪ ،‬و�حم ّر وجه �ملد ّرب‪،‬‬

‫ع‬
‫ف�ساحت جليند� بهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬ال ثرثرة‪ ،‬ال �سحك‪ ،‬فقط تركيز!‪.‬‬
‫�بت�سمت الإيفي ول ّوحت لها فابت�سمت بحما�ص وهم�ست بـ‪:‬‬
‫‪ -‬تبدين ر�ئعة ح ًّقا!‪.‬‬
‫�بت�سمت ملجاملتها ور�أيت �لتاأكيد بعني كاليب‪ ،‬فابت�سمت له بامتنان‪ ،‬ونظرت‬
‫لظافر‪ ،‬كم �أردت م�ساركته حلظتي �مله ّمة تلك‪ ،‬لك ّنني مل �أجده! بحثت عنه بعيني‬
‫وتعجب كاليب من فعلته وهم�ص الإيفي‬
‫و�ساألت �أحد �حلر�ص فاأجابني باأنه ال يعرف‪ّ ،‬‬
‫و�سمعته �أنا‪:‬‬
‫‪ -‬مل يجب عليه �لرحيل هكذ�! حت ًما �ست�سعر بالتوتّر!‪.‬‬
‫�بت�سمت بارتعا�ص وحاولت جتاهل ما قال‪� ،‬إال �أنني فجاأة �سمعت �أ�سو�ت �ألعاب‬
‫نارية بال�سماء‪ ،‬و�أبو�ق عالية‪ ،‬و�أحدهم ينادي بعظمة �سوته‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬سم ّو �الأمري غيث‪.‬‬
‫�لتل�س�ص‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫و�سهيال لفر�ص‪ ،‬حاولت‬ ‫و�سمعت �أ�سو�تًا باخلارج‪ ،‬ووقع �أقد�م‬
‫ب�سرج �أنيق‬
‫ٍ‬ ‫فتح ّركت لز�وية ما ونظرت من خاللها فوجدت جو�دً� د�كن �للون‬
‫فار�ص مغو�ر بينما‬
‫للغاية‪ ،‬يرتدي ما ي�سبه عباءة ملك ّية فخمة‪ ،‬مي�سك بلجامه ٌ‬
‫جل�ص عليه بزه ٍو ليكون �أعلى من �جلميع؛ هو �سمو �الأمري! رفعت ر�أ�سي لذلك‬
‫�لتاج �لعظيم و�بت�سمت برت ّقب‪ ،‬وقبل �أن �أحاول ملح �أي من مالمح �أمريي‪ ،‬جذبتني‬
‫�ساحبة �حلكايات بحذر وهم�ست بـ‪:‬‬

‫ع‬
‫تتل�س�سني هكذ�! عودي ملوقعك!‪.‬‬
‫أتك ّ‬‫‪� -‬ستوبخك جليند� �إن ر� ِ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫عدت ب�سرعة خلفها ووقفت حيث كنت �أقف منذ قليل‪ ،‬الأجد �أن جليند� قد �أتت‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫لنا مبقاعد لنجل�ص عليها‪ ،‬فا�سرتحت وعيني تدور يف كل مكان‪� ،‬أ�سمع مو�سيقى‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫�الحتفال و�سوت �حل�سور �ملتد�خل‪ ،‬و�أت�ساءل بغر�بة‪� ..‬أين ذهب ظافر؟!‬
‫نادت جليند� على فتاة �حلكايات‪ ،‬فوقفت مم�سكة بباقة �لورود تبت�سم بحما�ص‪،‬‬
‫و�سجعها حار�سها بعد �أن �سبط لها هيئة �سعرها‬‫عيني ّ‬ ‫ف�سجعتها بابت�سامتي وملعة ّ‬
‫ور ّبت على كتفها‪ ،‬فانطلقت من �ملم�سى �خللفي حتى ظهرت �أمام �حل�سور‪ ،‬تخ ّيلتها‬
‫بخطو�ت متمهلة على �لب�ساط �لناعم حافية �لقدمني‪ ،‬مم�سكة بباقة �لورود‬
‫ٍ‬ ‫مت�سي‬
‫�لكبرية‪ ،‬وبينما تخف�ص ب�سرها لالأ�سفل قدر �مل�ستطاع‪ ،‬تتق ّدم نحو �الأمري بحذر‪،‬‬
‫وبدون �أي كلمة تنحني لتجل�ص على ركبتيها وترفع باقة �لورود له ببطء‪ ،‬فيم�سكها‬
‫مبت�س ًما �بت�سامة غام�سة ج ّذ�بة‪ ..‬ترى كيف يبدو �الآن؟ كم �أريد �لنظر له! لكن‪..‬‬
‫�لقو�عد متنعنا!‬
‫�سمعت �سوت �حل�سور ي�سمت �سي ًئا ف�سي ًئا مع �ندالع �ملو�سيقى �ملبهجة‪ ،‬وبالطبع‬
‫قد بد�أت فتاة �حلكايات توؤ ّدي رق�ستها �ملليئة باحلركة كبد�ية ج ّيدة للحفل‪..‬‬
‫عليك! َمل ال جتربينها؟‪.‬‬
‫‪� -‬ستبدو قطعة �لزينة هذه ر�ئعة ِ‬
‫‪‬‬
‫�أفقت من �سرودي على �سوت تلك �لعرو�ص �لتي تُهدي �أخرى قطعة من � ُ‬
‫حللي‪،‬‬
‫تو�سع على �لرقبة ّ‬
‫ويتدىل منها �لعديد من �الأطر�ف �ل�سغرية �لرفيعة‪ ،‬فاأخذتها‬
‫�لعرو�ص بابت�سامة و�حت�سنت �الأخرى قائلة‪:‬‬
‫منك!‪.‬‬ ‫‪ -‬حبيبتي �أ�سكرك! كم هذ� ٌ‬
‫لطيف ِ‬
‫�ساعدتها على �رتد�ئها بعد �أن رفعت �سعرها‪ ،‬ومت ّنت لها ًّ‬
‫حظا ج ّيدً �! وفجاأة‪،‬‬
‫وقبل �أن تهد�أ �ملو�سيقى وقفت �لفتاة لت�ستعد للذهاب للح�سور من وزر�ء و�سيوف‬
‫�سرف من ممالك �أخرى وعلى ر�أ�سهم �الأمري‪ ..‬وفجاأة تاأوهت ب�سعف و��سعة يدها‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫على عنقها بغر�بة! �سهق حار�سها بغيظ‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫‪ -‬مكيدة!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫خلع عنها �لطوق ب�سرعة وقذفه بعيدً �‪ ،‬الأملحه بينما يطري بالقرب مني‪ ،‬يقطر‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫منه قطر�ت من دمائها!‬
‫ح�سرت �إلينا �لفتاة ذ�ت �حلكايات وقبل �أن تنادي على �لفتاة �الأخرى تو ّقفت‬
‫أر�سا تنزف من رقبتها على مالب�سها بغز�رة‬‫�أمام مظهرها �ملوؤمل‪ ،‬لقد كانت جاثية � ً‬
‫وال ت�ستطيع �لتن ّف�ص بطبيعية‪� ،‬نحنى حار�سها ليحملها‪ ،‬و�ساحت جليند� بذعر‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� حدث لها! ما �لذي كانت ترتديه!‪.‬‬
‫�ن�سحب حار�ص �لفتاة ذ�ت �لهد ّية �لثمينة وجذب فتاته‪ ،‬ودفعها ببطء للخارج‪،‬‬
‫بدال من �أن تكون �لرق�سة مزدوجة مع تلك �لفتاة‬ ‫لتوؤ ّدي هي �لرق�سة وحدها‪ً ،‬‬
‫�مل�سابة!‬
‫نظر �حلار�ص �لقلق للحار�ص �الآخر �ملتظاهر بالرب�ءة وقال بغيظ‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� فعلتم بها!‪.‬‬
‫ك ّنا نر�قب بده�سة‪� ،‬إيفي تخفي عينيها من فظاعة �ملنظر‪� ،‬لفتاة ذ�ت �حلكايات‬
‫قد قطعت جز ًء� من رد�ئها �خلفيف لت�سنع به �سمادة للم�سكينة‪� ،‬لفتاة �لثالثة‬
‫‪‬‬
‫أر�سا مت�سح على �سعرها‪ ،‬و�أنا �أر�قب‪ ..‬فقط �أر�قب تلك �ملوؤ�مرة‪..‬‬ ‫جتثو بجانبها � ً‬
‫�ملوؤ�مرة �لثانية! و�لتي بالطبع �ستتّخذ جليند� �س ّدها �إجر� ًء قو ّيا بعد �حلفل!‬
‫حمل �حلار�ص م�سكينته للحكيمة‪ ،‬وكادت �أن تذهب معها �سديقتها �إال �أن‬
‫جليند� منعتها بحزم‪ ،‬وطلبت منها �أن توؤ ّدي رق�ستها �ملنفردة � ًأوال ثم تذهب كما‬
‫ت�ساء‪ ،‬فاأم�سكت �لفتاة بع�ساها ذ�ت �ل�سر�ئط وجل�ست على مقعدها بهدوءٍ غام�ص!‬
‫�أخذت تلك �لرق�سة وقتًا �أكرث من ما ينبغي‪ ،‬وبينما �أنا �ساردة يف �سوت‬
‫�حل�سور �ملنبهرين خلف �سوت �ملو�سيقى �ل�ساخبة‪ ،‬وجدنا خادمة تقرتب م ّنا من‬

‫ع‬
‫�لباب �خللفي‪ ،‬تق ّدم لنا م�سرو ًبا ً‬
‫منع�سا بينما تهم�ص‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫‪� -‬أو�ست به �حلكيمة لزيادة مناعتكنّ �سد �أي ميكروب باجل ّو‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�سحك حار�ص �إيفي ب�سخرية ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫والتوز عي‬
‫‪ -‬ميكروب باجل ّو �أم بقطعة ُحلي على رقبة و�حدة منهنّ ؟!‪.‬‬
‫أياد مرتع�سة‪ ،‬وتن ّهدت بد�خلي قائلة‪:‬‬
‫�أخذنا �لكوؤو�ص با ٍ‬
‫‪ -‬ظافر‪� ..‬أحتاجك بجانبي �الآن‪ ،‬فاأنا ال �أ�سعر باالرتياح!‪.‬‬
‫�نتهى �أمر �ل�سو�ئل بالكوؤو�ص م�سكو ًبا على �لع�سب �أ�سفلنا؛ مل تو�فق � ٌّأي م ّنا على‬
‫�سرب �أي �سيء بعد ما حدث لتلك �لفتاة‪ ،‬فمن �ل�سهل جدً � �أن يحتوي هذ� �مل�سروب‬
‫مثال! فاالأفاعي تنت�سر هنا بطريقة وفرية ب�سبب كوننا يف‬ ‫�سم ً‬‫على �سيء غري �آمن‪ّ ..‬‬
‫غابة‪ ،‬من �ل�سهل �أن يتم ��ستخال�ص �س ّمها لبدء موؤ�مرة رخي�سة للغاية ال تكلف غري‬
‫�أرو�ح �لبع�ص!‬
‫كنت �أ�سعر باجلوع �ل�سديد‪ ،‬لك ّنني حتاملت على نف�سي‪ ،‬فمنعنا �ملدرب من‬
‫تناول �الإفطار قبل �حلفلة حتى ال نخمل �أو تتعب معدتنا‪ ،‬فتح ّملت‪..‬‬
‫ح�سرت �لفتاة �لغادرة بعد �أن �نتهت رق�ستها‪ ،‬فهوت عليها �لفتاة ذ�ت‬
‫ت�سب يف‬
‫�الأ�سرطة بال�سفعات �خلاد�سة على وجهها ف�سرخت �الأخرى باأمل وباتت ّ‬
‫‪‬‬
‫يوما! جليند� متوتّرة للغاية‪ ،‬فطلب �ملدرب من‬ ‫�الأخرى‪ ،‬وكاأنها مل تكن �سديقتها ً‬
‫�إيفي �أن توؤدي �لرق�سة قبل تلك �لفتاة �لثائرة حتى يتمكنو� من تخلي�ص يدها من‬
‫وجه �الأخرى‪ ،‬لكن‪ ،‬مل يدركو� �أنها ب�سفعتها تلك تل ّقت عقا ًبا ع�س ًري� من �حلار�ص‬
‫�خلبيث ببع�ص �لدبابي�ص و�الإبر �ملتو ّفرة بغرفة �خل ّياطة! فقط نرثها بخ ّفة حتت‬
‫وح ّلت �مل�سكلة! ولن ت�ستطيع �لوقوف على‬ ‫�أقد�مها �حلافية بينما تت�ساجر مع فتاته‪ُ ،‬‬
‫عالج مك ّثف!‬
‫قدمها م ّرة �أخرى �إال بعد ٍ‬
‫ها هي فتاة �أخرى قد رحلت‪ ،‬وهذ� يعني �أنه مل يتبقّ غريي‪ ..‬ورغم �ندالع‬

‫ع‬
‫موؤ�مرة ثالثة �إ�سافية بخ�سة‪ ،‬مل يظهر ظافر بعد!‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫حت ّركت للح�سور ً‬

‫ت‬
‫بخطى متّزنة‪ ،‬مل �أرفع عيني لالأعلى �سوى حني �أخذت �أوىل‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫خطو�تي فقط‪ ،‬وهالني ما ر�أيت!‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�لعديد من �حل�سور مبالب�سهم �لفخمة �لغالية‪ ،‬ن�ساء ورجال يف �أبهى �سورهم‪،‬‬

‫ع‬
‫من �لبذالت �لر�قية‪� ،‬لفرو و�ل�ساعات �لغالية‪ ..‬يظهر عليهم �لوقار و�لغرور‪،‬‬
‫يذكرونني بتلك �للوحات و�ل�سور على �جلد�ر بالردهة‪ ،‬كما تظهر ر�ئحة عطورهم‬
‫�لكثيفة باجل ّو‪..‬‬
‫�ملر�سع بالذهب كلون تاجه‬
‫جال�سا على عر�سه �الأحمر ّ‬ ‫و�أخ ًري� ملحت �الأمري! ً‬
‫�لعظيم‪ ،‬عر�سه يف م�ستوى �أعلى من �حل�سور لكن مل مينعه هذ� من مبادلتهم‬
‫حدي ًثا جانب ًيا ظهرت فيها �سحكته �ل�ساحرة يل‪ ..‬كم �أ�سرتني!‬
‫حاولت �لرتكيز على �لوقوف بهدوء‪ ،‬لكن م�سهد عينيه وهما مبت�سمتني هكذ�‬
‫بظهور جتاعيد خفيفة حولهما �أثار بقلبي تلك �لرهبة جم ّددً� و�رتع�ست �ساقاي‬
‫بوهن‪� ،‬سردت ب�سعره �لد�كن كلون جو�ده‪ ،‬ويف ب�سرته �خلمرية �جل ّذ�بة �ملليئة‬
‫باحلياة‪ ،‬و�لتي �أ�سعرتني بكوين �ساحبة للغاية مقارنة به‪ ..‬مل �أ�ستطع �لنظر بعينيه‬
‫�أكرث كي ال تتقابال‪ ،‬وتن ّهدت بارتعا�ص‪ ،‬وقلت �أناديه بد�خلي مع بد�ية �للحن �لهادئ‪:‬‬
‫‪� -‬سمو �الأمري‪ ..‬ها قد بد�أت �ملو�سيقى‪ ،‬من ف�سلك �نظر �إ ّ‬
‫يل!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫رفعت ذر�عي تز�م ًنا مع بدء �أول �آلة بالعزف‪ ،‬وفعلت �ملثل بذر�عي �الأخرى مع‬
‫يدي مع جذعي ً‬
‫قليال بتمايل‬ ‫�سوت �الآلة �لثانية‪ ،‬ومع دجمهما م ًعا قمت بتحريك ّ‬
‫ناعم‪ ،‬ون�سيت �أي �سيء بهذ� �لعامل �أو بغريه‪� ،‬سوى �سحكة �الأمري‪ ..‬وباتت هي‬
‫هديف‪� ..‬ساأ�سل لك �س ّيدي‪ ..‬و�ستكون يل وحدي �ليوم!‬
‫�نتهت رق�ستي ب�سالم‪ ،‬وحني خفتت �ملو�سيقى عادت قدماي لي�سعر� مبلم�ص‬
‫�الأر�ص بعد �أن كنت عال ًيا بال�سحاب‪� ،‬س ّفق يل �جلميع فتجر�أت لرفع عيني ً‬
‫قليال‬
‫و�أده�سني ما ر�أيت وجعل قلبي يخفق بق ّوة! �الأمري يقف ي�س ّفق ببطء‪ ،‬حتى بعد �أن‬
‫�سمتت �أ�سو�ت �لت�سفيق من حوله! ترى هل كنت بامل�ستوى �ملطلوب الإبهاره؟ وبدوت‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫حمرتفة برق�ستي؟‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫روؤية �الإعجاب باد ًيا عليه �أكدت �سعوري وز�دت �بت�سامتي بينما �ألتقط �أنفا�سي‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫بر ّقة‪ ..‬وفجاأة �سمعت �سوت وقع � ٍ‬
‫أقد�م خفيفة‪ ،‬و�سهقات �حل�سور!‬
‫أنفا�سا‬
‫�أخف�ست ر�أ�سي بارتعا�ص وحاولت عيني جذب �أي م�سهد‪� ،‬إال �أنني �سمعت � ً‬
‫رجول ّية منتظمة فوق ر�أ�سي‪ ،‬فكتمت �سهقتي وت�ساءلت بد�خلي‪:‬‬
‫‪ -‬هل‪ ..‬هو �سم ّو �الأمري؟‪.‬‬
‫وقبل �أن �أخ ّمن �أكرث‪� ،‬سعرت باأنامله �لد�فئة تد�عب ذقني �لرقيقة‪ ،‬ترفع وجهي‬
‫�إليه‪ ،‬حتى تقابلت �أعيننا!‬
‫كم هو و�سيم! �سعرت بر�حة غريبة مبج ّرد �لنظر �إليه‪ ،‬و�سعت يف عينيه‬
‫تعرب عن‬
‫�لزرقاوين بلون �ملحيط‪� ..‬سعرت بتج ّمع �لدموع بعيني‪ ،‬تلك �لدموع �لتي ّ‬
‫ما عجزت عنه �لكلمات‪ ..‬فما هو �أمامي �الآن هو �الأمري ذ�ته‪ ،‬يبت�سم يل ب�سفتيه‬
‫�لناعمتني لتظهر تلك �لتجاعيد �لتي توؤ ّكد �سدق �بت�سامته حول عينيه‪ ..‬مل �أ�ستطع‬
‫�أن �أفكر يف �أي �سيء �سوى �أنه �أجمل من ر�أت عيني ب�سن �ل�ساد�سة و�لع�سرين! ال‪..‬‬
‫مر كان!‬
‫بل باأي ُع ٍ‬
‫�أز�ل غطاء وجهي �خلفيف‪ ..‬وتركه ين�سدل على رقبتي كالعقد‪..‬‬
‫‪‬‬
‫أنت مم ّيزة‪ ..‬وفريدة‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫قالها �الأمري فاأ�سبلت جفوين عنه‪ً ،‬‬
‫خجال من عينيه �للتني �أغرقاين مبياههما‬
‫�جلارية‪ ،‬وقبل �أن �أفكر مبا قال وجدته يخدرين بكلماته �لعذبة‪:‬‬
‫‪ -‬مل �أ َر بحياتي �سي ًئا �أكرث ِر ّقة ِ‬
‫منك!‪.‬‬
‫�أير�ين �أكرث ِر ّقة من �إيفي؟ كم هذ� موؤثر بالن�سبة يل! تذ ّكرت جليند� حني‬
‫ركبتي‪� ،‬أم�سكت بيده‪،‬‬
‫�أخربتنا بتقبيل يده بعد �أي جماملة يقول‪� ،‬نحنيت �أمامه على ّ‬
‫وقبل �أن �ألثمهما �ساألني بعذوبة �سوته �الأج�ص‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬ما ��سمك؟‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫فرددت �أنا بينما �أحاول منع �سوتي من �الختناق بخجلي‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪� -‬إليونور�‪ ..‬هو ��سمي‪.‬‬

‫ع‬
‫يدي بر ّقة‪ ،‬وقبل‬
‫وبحذر �سديد �أخذت �أنحني على ك ّفه �لتي �أم�سكتها بني �أنامل ّ‬
‫�أن �أطبع ب�سفاهي قبلة �سغرية حتمل كل ما بي من م�ساعر متخبطة‪� ،‬سمعت �سوت‬
‫�لبوق ينفجر لي�سق �ل�سمت بفظاعة‪ ،‬فرفع �الأمري ر�أ�سه لالأعلى بت�ساوؤل‪ ،‬لنجد‬
‫�لرجل ذ� �ل�سوت �لعظيم يقول بتح ّفظ‪:‬‬
‫‪ -‬يوؤ�سفني �إخباركم باأن حري ًقا �سديدً � قد ّ‬
‫�سب باملطبخ �لكبري‪ ..‬و�أعتذر‬
‫منكم‪ ،‬يجب �البتعاد عن �لقلعة قدر �الإمكان!‪.‬‬
‫ركبتي‪ ،‬الأجد ّ‬
‫�لدخان‬ ‫ّ‬ ‫رفعت ر�أ�سي ببطء للقلعة‪ ،‬بينما ما زلت جاثية على‬
‫يتطاير بكرثة من نو�فذ �لقلعة وفتحاتها باأحد �لطو�بق لتغ�سي عيني عن �لقمر‬
‫�لذي �سهد على �أروع حلظاتي بهذ� �لعامل‪ ،‬بد�أت �أ�سمع �سوت �سرخات بعيدة تعرب‬
‫عن �لذعر و�لفزع‪ ..‬هناك خادمات بالد�خل! � ً‬
‫أي�سا ميلد� كبرية �لطهاة! ترى هل‬
‫�جلميع بخري؟‬

‫‪‬‬
‫جذب �الأمري يده من بني �أناملي ببطء حني �قرتب منه حار�ساه �ل�سخ�س ّيان‬
‫يقوالن بتح ّفظ‪:‬‬
‫‪ -‬من �أجل �سالمتك �س ّيدي‪ ،‬ينبغي لك �لذهاب قرب �لنهر‪.‬‬
‫وتابع �أحدهما وحده‪:‬‬
‫‪� -‬لقارب �مللكي جم ّهز ال�ستكمال �الحتفال و��ستقبال �سيادتكم‪.‬‬
‫نظر يل �الأمري بخيبة �أمل‪ ،‬وقال بهم�ص‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬يا للخ�سارة!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫وعد� بعيدً � عني‪ ..‬برفقة حار�سيه‪ ،‬فتطايرت عباءته من �أثر �لهو�ء �ملح ّمل‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�ملر�سعة‪ ،‬حتى وجدت‬ ‫بالدخان لت�سفعني على وجهي �لذي �أخف�سته باأطر�فها ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫نف�سي �ساجدة على �الأر�ص‪� ..‬أبكي بخيبة �أمل!‬
‫ما هذ� ّ‬
‫�حلظ! كنت قريبة للغاية وقاربت على �لو�سول له! ماذ� يظ ّنني �الآن يا‬
‫ترى؟ فاأل �سيئ؟ �أم جالبة للم�سائب؟‬
‫و��سحا بالبكاء‪ ،‬حتى �إن �أ�سو�ت �جلميع‬
‫ً‬ ‫�نهمرت دموعي بغز�رة وبات �سوتي‬
‫ين وهم يرك�سون من �لقلعة و�إليها ينادون بع�سهم ً‬
‫بع�سا بذعر‪،‬‬ ‫قد خفتت عن �أذ ّ‬
‫دقيقة م ّرت قبل �أن �أ�سمع �حلر�ص ينادون على �جلميع‪� ..‬سو�ي!‬
‫علي فرفعت ر�أ�سي بت�ساوؤل‪..‬‬
‫وقت مل �أدركه قط‪� ،‬سعرت ب�سيء ناعم يو�سع ّ‬‫وبعد ٍ‬
‫وجدته ظاف ًر�؛ قد �أح�سر عباءتي لي�سعها على ظهري‪ ،‬ويف يده ت ّفاحة حمر�ء �سه ّية‪،‬‬
‫�أخذ يدي فتحاملت عليه الأنه�ص ببطء وخذالن وهم�ست بغري ت�سديق‪:‬‬
‫‪� -‬أين كنت؟‪.‬‬
‫بت�سل وقذف �لت ّفاحة عال ًيا ثم �لتقطها بنف�ص �ليد ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫�سحك ٍ‬
‫لك لتاأكليه!‪.‬‬
‫‪ -‬كنت باملطبخ حتى �لدقيقة �الأخرية‪� ،‬أردت جلب �سيء ِ‬
‫‪‬‬
‫و��ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬بالتاأكيد ت�سعرين باجلوع بعد كل هذ� �ملجهود‪ّ ..‬‬
‫تف�سلي!‪.‬‬
‫وناولني �لت ّفاحة‪ ،‬فاأخذتها بني ده�ستي‪ ،‬وقلت بغر�ب ٍة وقلق‪:‬‬
‫‪ -‬لكن هناك حري ًقا باملطبخ! كيف كنت هناك!‪.‬‬
‫ر ّبت على يدي ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬تركتهم يتو ّلون �أمره‪ ،‬فاحلر�ئق حتدث ب�سورة عادية‪ ،‬ال د�عي للقلق!‪.‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�سعفت قب�ستي حول �لت ّفاحة و�سحت به بغري ت�سديق‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫‪ -‬لقد تع ّر�ست فتاتان ملكائد وموؤ�مر�ت‪ ،‬تاأذيت نف�س ًّيا ورغم ذلك �أبدعت‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫بعيني‪...‬‬
‫برق�ستي ونظر �الأمري ّ‬

‫ع‬
‫�سمتت �ألتقط �أنفا�سي ثم ��ستطردت بقهر‪:‬‬
‫‪ -‬ثم تركني ورحل الأتاأ ّذي مرة �أخرى‪ ..‬ومل تكن هنا!‪.‬‬
‫�سمت �أف ّكر ثم هطلت دموعي م ّرة �أخرى وت�ساءلت ب�سك‪:‬‬
‫‪� -‬أين كنت حينما �أ ّديت رق�ستي ظافر؟‪.‬‬
‫�سحك ظافر لي�ستفزّين ف�سرخت به‪:‬‬
‫‪ -‬هل كنت �أنت م�س ّبب �حلريق؟‪.‬‬
‫ه ّز كتفيه وفرد ذر�عيه بال مباالة و�ن�سرف‪ ،‬فلحقت به بني �ملكان �لذي خال‬
‫متاما من �لنا�ص‪ ،‬الأ�سمعه يقول بهدوء‪:‬‬
‫ً‬
‫علي‬
‫‪� -‬ساهدت �جلزء �الأول من رق�ستك و�أعجبت بها للغاية‪ ..‬لكن كان ّ‬
‫�الن�سر�ف لتح�سري موؤ�مرتي �لثانية!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫و�سعت يدي على قلبي ‪-‬قبل �أن يهوي‪ -‬بغري ت�سديق و�أم�سكت ذر�عه �أديره‬
‫�إ ّ‬
‫يل‪ ،‬و�سحت فيه مبر�رة‪:‬‬
‫علي فر�ستي مع �الأمري! �أمل تك ِفك موؤ�مرة �إز�لني!‪.‬‬
‫‪ -‬بفعلتك تلك �أ�سعت ّ‬
‫كتفي بيديه و�نحنى ليهم�ص بالقرب من �أذين بحر�رة‪:‬‬
‫ث ّبت ّ‬
‫أكتف بعد‪...‬‬
‫‪ -‬مل � ِ‬
‫و��ستطرد لده�ستي‪:‬‬

‫ع‬
‫أنت موؤ�مرتي �لتالية �إليونور�!‪.‬‬
‫‪ِ �-‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫بقدمي‪ ..‬ماذ� يعني بذلك؟ وبينما‬
‫ّ‬ ‫�تّ�سعت عيناي ب�سدمة و�سعرت بقلبي يهوي‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عيني �إليه؛ �أحاول روؤية عينيه �لغام�ستني‪ ،‬رفع هو طرف عباءته �الأمين‬
‫�أنا �أرفع ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫بطول ذر�عه ليخفينا بها عن �ملا ّرة‪ ،‬ثم �نحنى �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬ويف حركة خاطفة كان قد �أنزل‬
‫حو��سي‪..‬‬
‫�سفتي‪ ..‬ليذيبهما بقبلة خ ّدرت ّ‬ ‫قناع وجهه‪ ،‬و�قتن�ص ّ‬
‫و� َ‬
‫أ�سقطت �لت ّفاحة من يدي!‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(19‬‬

‫الحكايــة األخيرة لها‬

‫بقدمي‪ ..‬ماذ� يعني بذلك؟ وبينما‬


‫ّ‬ ‫�تّ�سعت عيناي ب�سدمة و�سعرت بقلبي يهوي‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫عيني �إليه؛ �أحاول روؤية عينيه �لغام�ستني‪ ،‬رفع هو طرف عباءته �ليمنى‬‫�أنا �أرفع ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫بذر�عه ليخفينا بها عن �ملا ّرة‪ ،‬ثم �نحنى �إ ّ‬
‫يل‪ ،‬ويف حركة خاطفة كان قد �أنزل قناع‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫حو��سي‪..‬‬
‫�سفتي‪ ..‬ليذيبهما بقبلة خ ّدرت ّ‬ ‫وجهه‪ ،‬و�قتن�ص ّ‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫و�أ�سقطت �لت ّفاحة من يدي!‬
‫ّ‬
‫ي�ستخف بك‪ ..‬ير�ك رخي�سة بال قلب!‬ ‫�أفيقي! �إنه ي�ستغ ّل م�ساعرك جتاهه!‬
‫�رتعد قلبي وهوت دمعة من عيني‪ ،‬ج�سدي ياأبى �حلر�ك‪ ،‬عقلي ي�سرخ يف‪،‬‬
‫يوؤ ّنبني ب�س ّدة وقلبي يرجوين بالبقاء‪ ..‬لكن ال!‬
‫دفعت ظاف ًر� بكل ما بي من ق ّوة‪ ،‬قطعت ذلك �التّ�سال �لروحي بيننا بق�سوة‪،‬‬
‫ورفعت يدي �أريد �سفعه على وجهه �لذي �سرعان ما �أخفاه مبهارة‪ ،‬لك ّنه فاجاأين‬
‫ب�سرعة يدي بتثبيت مع�سمي بني وجهينا‪ ..‬لهثت �أنا �أنفا�سي‪� ،‬أكتم �سهقاتي �ملريرة‪،‬‬
‫وهو يلتقط �أنفا�سه بربود يوؤ ّكد ظنوين‪ ..‬ومل �أجد يل قدرة على فعل �أي �سيء‪،‬‬
‫ف�سرخت به وجاء �سوتي ً‬
‫هزيال و�ه ًنا‪:‬‬
‫‪� -‬إ ّياك �أن ت�ستغ ّل �سعفي‪� ..‬أكرهك ظافر!‪.‬‬
‫�لدخان �لكريه‪ ،‬وزدت حركتي �سي ًئا‬‫أ�سم ّ‬‫حت ّركت ببطء للخلف وقد بد�أت � ّ‬
‫ف�سي ًئا‪ ،‬تركته خلفي و�بتعدت م�سرعة لد�خل �لقلعة‪ ..‬و�لغريب‪� ،‬أن �سي ًئا بد�خلي‬
‫�سعر باالنك�سار‪ ..‬حني وقف ظافر مكانه‪ ،‬ومل يتبعني!‬
‫‪‬‬
‫بغرفة �حلكيمة‪ ،‬على فر��ص �إز�لني حتديدً �‪ ،‬نظرت �إز�لني حولها بقلق‪ ،‬بينما‬
‫ر�أت نظر�ت �ل�سر�ر تتن ّقل بني ثالث فتيات‪ ،‬يرف�سن تناول �لطعام �أو �لدو�ء رغم‬
‫حالتهنّ �ل�سح ّية �ملتدهورة‪ ..‬و�حدة منهن رقبتها م�س ّمدة‪ ،‬و�لثانية قدمها م�س ّمدة‬
‫و�لثالثة حتت ّل وجهها �لعديد من �لكدمات‪..‬‬
‫‪ِ -‬طر�د‪� ..‬أ�سعر بالقلق من مظهرهنّ ‪...‬‬
‫نظر ِطر�د الإز�لني �ملرتاحة على �ل ِفر��ص بو�سع �جللو�ص‪ ،‬فنه�ص على �لفور‬
‫و�أغلق ِ�ستار فر��سها بالكامل‪ ،‬وق ّرب مقعده من فر��سها وهم�ص‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬هل هذ� �أف�سل؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫بخفوت ثم �بت�سمت‪ ..‬فابت�سم وتناول بيده �سين ّية �إفطارها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�سحكت‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬ه ّيا تناويل �لطعام لتتعايف �سري ًعا‪...‬‬
‫لعبو�ص �سارد‪ ،‬و�سرعان ما قالت بهم�ص‪:‬‬
‫حت ّولت �بت�سامتها ٍ‬
‫‪� -‬سمعت �أن و�حدة من �لفتيات قد و�سعت �ل�سم الإحد�هنّ ‪ ..‬لن �أتناول‬
‫�لطعام‪ ..‬ال �أريد �أن يتو ّقف قلبي قبل �أن يحدث ما �أريد‪...‬‬
‫تن ّهد ِطر�د و�أخرج من جيب رد�ئه �سي ًئا ما‪ ،‬ق ّنينة رذ�ذ �س ّفافة �للون‪ ،‬تظهر‬
‫ر�ص منها �لقليل على‬‫�ل�سائل �ل�س ّفاف بد�خلها فبد� كاملاء يف هيئته �خلفيفة‪ّ ،‬‬
‫بحر�ص وتركيز ثم قال ب�سدق‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�لطعام‬
‫م�سموما!‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتغري لون �لطعام �أو �سكله �إز�لني‪ً � ..‬إذ� هو طبيعي ولي�ص‬
‫‪ -‬مل ّ‬
‫و�أ�ساف وهو ي�سيح بب�سره بعيدً �‪:‬‬
‫بك هذ� �أبدً � طاملا �أنا �أتن ّف�ص بهذ� �لعامل‪...‬‬
‫‪ -‬لن �أ�سمح �أن يفعلو� ِ‬
‫�بت�سمت �إيفي باأمل وهم�ست بينما تدفع �لطعام بيدها‪:‬‬
‫‪ -‬لكن‪� ..‬أنا فقط ال �أريد‪...‬‬
‫‪‬‬
‫عاود حار�سها �جلديد �لنظر �إليها بقلق‪ ،‬وت�ساءل‪:‬‬
‫بك؟‪.‬‬
‫‪ -‬ما ِ‬
‫�أخف�ست ر�أ�سها كي ال يرى عينيها �لند ّيتني وقالت بق ّوة‪ ،‬تخفي م�ساعرها‬
‫خلفها‪:‬‬
‫‪�� -‬ستقت ل�سديقتي بالطابق لي�ص �أكرث‪...‬‬
‫�بت�سم ورفع ذقنها باأنامله لتنظر �إليه‪ ،‬و�كت�سف عينيها �لد�معتني‪ ،‬فم�سحهما‬
‫باإبهاميه وهم�ص‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫بعينيك!‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ال تخفي ما ت�سعرين به �إز�لني‪� ..‬أر�ه‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫�رتع�ست �سفتي �إز�لني قبل �أن تفقد �ل�سيطرة على دموعها‪ ،‬لت�سقط وتالم�ص‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫ب�سوت غري م�سموع‪ ،‬لك ّنه ��ستطاع‬
‫ٍ‬ ‫يد ِطر�د �لتي تالم�ص ذقنها بخ ّفة‪ ..‬وهم�ست‬

‫ع‬
‫متييزه بكل �سهولة‪..‬‬
‫‪�� -‬ستقت �إليها‪�� ..‬ستقت الأمي!‪.‬‬
‫‪ -‬مبا �أنها �لليلة �الأخرية يل هنا‪� ،‬ساأخربكن بحكاية‪� ..‬إحدى �حلكايات‬
‫�ملرتبطة باحلب‪ ..‬و�خلذالن‪...‬‬
‫بعنف الآخر كلمتني‪ ،‬وال �إر�د ًيا تذ ّكرت قبلة ظافر‪ ،‬و�لذي مل ي�سعد‬
‫دق قلبي ٍ‬ ‫ّ‬
‫خلفي بعد �أن فررت من �أمامه‪ ..‬ملعت عيني وحاولت �إخفاء تخ ّبط م�ساعري فقلت‬
‫خماطبة �لفتاة‪:‬‬
‫‪ -‬قط ًعا لن تكون �لليلة �الأخرية‪ ..‬فهناك فتاة عادت من طابق �الأمري من‬
‫قبل!‪.‬‬
‫قلتها الأ�سرف ذهني عن ما �أفكر به‪ ،‬و�أخذتني خالياي لتلك �الأمرية �لتي‬
‫عادت‪ ..‬لتبكي بح�سرة ومر�ر‪ ،‬و�لتي ع ّذبني �سوتها و�أ ّرقني ٍ‬
‫لليال طويلة‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬وهل من عادت‪ ..‬عادت بالفعل؟‪.‬‬
‫بقدمي و�بتلعت‬
‫ّ‬ ‫قالتها عرو�ص �حلكايات بابت�سامة �أليمة ذ�ت مغزى‪ ..‬فهوى قلبي‬
‫غ�سة يف حلقي‪ ،‬و�سددت على يد �إيفي �أر ّبت عليها‪� ..‬أتذكر حينما قالت‪:‬‬ ‫ّ‬
‫جماال فاالأجمل‪ ..‬ليرتك �أكرثنا ً‬
‫جماال للنهاية!‪.‬‬ ‫‪ -‬حت ًما يختار �لفتيات �الأقل ً‬
‫وعرفت من �ستكون �لتالية‪ ..‬هل �الأمر �س ّيئ لهذه �لدرجة؟!‬
‫‪ً � -‬إذ�‪ ..‬حكايتي �الأخرية بهذ� �لطابق‪ ..‬عن فتاة جميلة‪ ..‬ذبلت عيناها ب�سبب‬
‫يوما حتى تو ّقف قلبها‪...‬‬
‫دموع �لقهر و�ل�سعف ً‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ب�سوت د�فئ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫�عتدلت يف جل�ستها و�حت�سنت �إحدى �لو�ساد�ت �الأر�سية‪ ،‬وقالت‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫دوما‪:‬‬
‫مل �أعتده من نربتها �ملازحة ً‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪ -‬يحكى �أن كانت هناك �مر�أة‪ ..‬مل ير �لكون يف ر ّقتها وجمالها قط‪ ،‬فكان‬
‫�ملوج بعينيها �لزرقاوين يذيب قلوب �لرجال �أجمع‪ ،‬لك ّنها مل تخرت �إال و�حدً �‬
‫فقط‪ ،‬لتهبه جمالها‪ ..‬وقعت بغر�مه و�أذ�بها ع�س ًقا‪ ،‬ك ّلال ع�سقهما بالزو�ج‪،‬‬
‫�ساب مبملكة �لغرب‪...‬‬
‫لت�سبح زوجة �أ�سغر وزير ّ‬
‫يوم من �الأيام‪ ،‬ح�سر جميع �الأمر�ء من جميع �أنحاء �لعامل �الآخر ملنا�سبة‬ ‫ويف ٍ‬
‫مه ّمة تعقد مبملكة �لغرب‪ ،‬وت�سامر �لوزر�ء‪ ،‬وزوجاتهنّ م ًعا بعد �أن ناق�سو� ِع ّدة‬
‫�أمور تخ�ص �أمن �ململكة و�سالمتها‪ ..‬وعلى ر�أ�ص �ملدع ّوين كان �أمري مملكة �ل�سمال‪،‬‬
‫�ملعروف ب�سلطته ونفوذه بني �ملمالك ومالكيها‪ ،‬يجل�ص بفخر‪ ،‬يتابع �إحدى �جلال�سات‬
‫بعينيه �لزرقاوين كعينيها‪ ..‬ير�قب �ل�سقر�ء �جلميلة‪ ،‬ويطلق �لعنان خلياله ليجعلها‬
‫بطلة �أفكاره �لهوجاء ومت ّنى وق ّرر �أن تكون له‪ ..‬وقد كان!‬
‫تقدم بخطوة مل يندم عليها � ّإال وزير‪ّ ،‬متت �إز�لته من �حلكم ومن �لعامل �أجمع‬
‫يف غم�سة عني‪ ،‬ب�سبب رف�ص حبيبته �جلميلة تركه من �أجل �أمري �ل�سمال‪ ،‬وبعد‬
‫�أيام‪ُ ،‬ز ّفت �ل�سقر�ء �حلزينة ‪-‬وقد �نطفاأت ملعة عينيها‪ -‬لالأمري‪ ،‬ب�سفتها �الأمرية‬
‫�ملن�سودة للقلعة �لبي�ساء‪ ..‬ذ�ت �لربج �لو�حد �لعايل‪..‬‬
‫‪‬‬
‫حاولت �أن تدمي �إخال�سها لزوجها �لوزير �ملقتول غد ًر�‪ ،‬وعا�ص قلبها �أرمل رغم‬
‫وجودها حتت �سقف �لقلعة �لبي�ساء على فر��ص �الأمري‪ .‬ج ّفت دموعها من كرثة‬
‫وهيجه �لذهبي وغابت عن‬‫�لبكاء‪� ،‬أ�سبحت ب�سرتها �ساحبة كالثلج‪� ،‬سعرها �نطفاأ ُ‬
‫�لوعي �أكرث من م ّرة وحدها‪ ..‬ودون علم �أحد‪ ،‬وحني �سعر �الأمري بهذ�‪�� ،‬ستدعى‬
‫�حلكيم فو ًر�‪..‬‬
‫�لطب وغري �لطب �أن يكت�سفو� �خلرب �ل�سعيد‪ ،‬خرب‬ ‫مل يكن خف ًّيا على �سحر ِ‬
‫حمل �الأمرية بو ّ‬
‫يل �لعهد‪ ،‬لكن ما كان خف ًّيا‪ ،‬هو ما �أدركته �الأم مبج ّرد �أن و�سعت‬
‫مولودها‪ ،‬طفلتها ذ�ت �ل�سبعة �أ�سهر‪ ..‬مل تكن تلك طفلة �الأمري‪ ..‬بل هي �بنتها‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�لوحيدة من �لوزير!‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫كتمت �الأم �خلرب و�أح ّبت �بنتها �لتي ت�سبهها كث ًري� بلون �سعرها �الأ�سفر‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�ملنطفئ‪ ،‬يف طباعها وحركاتها ووهبتها حياتها بعد �أن كانت ز�هدة بها و�لف�سل‬

‫والتوزي‬
‫للمغرور!‬

‫ع‬
‫�أحب �ملغرور فتاته وطفلته ود ّللها لعامني‪ ،‬ثم بد�أ بتجاهلها وقتها الن�سغاله‬
‫باأمور �ململكة‪ ،‬حتى جاء خرب �سعيد �آخر‪ ..‬مت ّنى وقتها �أن يكون �ملولود ذك ًر� فت ًيا‬
‫قو ًيا‪ّ ،‬‬
‫ليتوىل من�سبه �ل�ساهق من بعده‪..‬‬
‫تو�لت �الأيام‪ ،‬وو�سعت �ل�سقر�ء ما كان خمف ًّيا عن �لعيان لت�سعة �أ�سهر‪ ،‬ولدين‬
‫جميلني‪ ،‬بنف�ص لون عينيها‪ ،‬و�سعر و�لدهما �لد�كن‪ ،‬و�لذي منذ ذلك �ليوم �أطلق‬
‫على نف�سه لقب �مللك‪ ،‬لتكون �ملر�أة �جلميلة �ل�سقر�ء ملكة‪ ،‬و�ل�سغرية �أمرية و�أخت‬
‫الأمريين!‬
‫ً‬
‫مهال‪..‬‬
‫�أمريين؟‬
‫�سيتوىل �أمر �حلكم؟ ملن �ستكون �لقلعة �لبي�ساء‬‫ّ‬ ‫كيف �سيكون �لو�سع؟ من‬
‫عمر طويل؟ هذ� ما ظ ّل ي�ساأله �مللك لنف�سه طو�ل خم�سة �أعو�م‪،‬‬
‫مبملكة �ل�سمال بعد ٍ‬
‫ر�قب فيهم �أطفاله‪.‬‬
‫‪‬‬
‫دوما ما كان يرى �سورة م�س ّغرة من زوجته �حلزينة بابنته‪ ،‬و�لتي �أ�سماها‬ ‫ً‬
‫باآخر ثالثة حروف من ��سم �الأم‪ ،‬كما ر�أى فار ًقا كب ًري� ب�سخ�س ّية ولديه‪ّ ،‬‬
‫مما �أتى‬
‫له بفكرة‪ ..‬فكرة ��ستدعى من �أجل �لعمل بها �حلكيم ذ� �ل�سحر �لعظيم‪ ،‬ليح�سر‬
‫وميثل �أمامه‪..‬‬
‫ح�سر �ل�ساحر �ملعالج �حلكيم‪ ،‬و�سمع الأمر �مللك وبيده‪� ،‬لتي قد بد�أت تظهر‬
‫عليها بع�ص عالمات �لعمر‪ ،‬ك�سف على قلب �الأمريين‪ ،‬فات�سح �أن �أحدهما قا�سي‬
‫متاما مثل و�لدته و‪..‬‬
‫قلب حنون؛ ً‬ ‫�لقلب‪ ،‬قوي وجريء‪ ،‬و�الآخر ط ّيب‪ ،‬م�سامل ذو ٍ‬
‫يعجل من قر�ر تدريب‬ ‫�أخته �الأمرية‪ ..‬فابت�سم �مللك �بت�سامة خف ّية‪ ،‬وعزم على �أن ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ويل �لعهد‪ ،‬و�لذي مت �ختياره �س ًّر�‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�نعزل �مللك عن �أطفاله‪ّ � ،‬إال عن ويل عهده �ل�سغري �ملندفع‪ ،‬فكان يرتك زوجته‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ويهجرها هي وطفليه �الآخرين؛ �ل�سغرية و�أخاها �لربيء‪ ،‬فكانا يلهو�ن بالغابة‪ ،‬مع‬

‫والتوز عي‬
‫�سديقهما �بن �ل�ساحر �حلكيم‪ ،‬و�لذي كان �أكرب منهما بع ّدة �أعو�م فقط‪.‬‬
‫حر�ص على �أن يق�سي معظم وقته يف تدريب �بنه على �ل�سيد‪ ،‬ومر�قبة درو�سه‬
‫للغات و�لعلوم‪� ،‬لتح ّدث معه و� ً‬
‫أي�سا �أخذه معه لتنفيذ بع�ص �الأحكام �خلا�سة‪..‬‬
‫كتعذيب حار�ص مذنب‪� ،‬أو �إق�ساء �إحدى �لعر�ئ�ص!‬
‫�سب �لطفل‪� ،‬سنتان كاملتان‪ ،‬ظهر فيهما ل�سانه �لطليق‪� ،‬أ�سبح كالمه من ّم ًقا‬
‫ّ‬
‫بارعا باإم�ساك‬
‫�أكرث من حديث �أخيه‪ ،‬ال ترجتف يده ب�سذ�جة �لطفولة‪ ،‬بل كان ً‬
‫�لقو�ص و�ل�سهم‪� ،‬ل�سيوف و�خلناجر‪ ،‬و� ً‬
‫أي�سا ��ستخد�م �ل�سوط للجلد و�لتعذيب!‬
‫�ساأم �مللك من تاأنيب �مللكة له‪ ،‬تتهمه بعدم �مل�ساو�ة بني وليه‪ ،‬و�إهماله البنته‬
‫حتى باتت منعزلة‪ ،‬ال تتك ّلم �إال معها ومع ذلك �ل�ساب �بن �ل�ساحر‪ ،‬فا�سط ّر �أن‬
‫ي�سارحها بنو�ياه‪ ..‬و�لتي قد تط ّورت كث ًري�‪ ،‬من ت�سليم �ل�سلطة لو�حد من �أبنائه‬
‫فقط‪ ..‬مبا يقت�سي عليه �إبقاء روح �أحدهما فقط دون �الآخر!‬
‫�أر�د �مللك �أن يتم �إق�ساء ولده ط ّيب �الأ�سل و�ل�سعيف ‪-‬من وجهه نظره‪ -‬من‬
‫�لعامل‪ ،‬بانتهاز فر�سة �سذ�جته و�سغر �س ّنة وعدم تع ّلقه به‪..‬‬
‫‪‬‬
‫بكت �مللكة كث ًري� يومها‪ ،‬حتى جاء موعد نوم �الأطفال‪ ،‬وطلبت منها طفلتها �أن‬
‫تغني لها �أغنيتها ّ‬
‫�ملف�سلة‪ ،‬و�لتي كانت �س ًّر� بينهما‪ ،‬فابت�سمت �الأم وقبل �أن تاأخذها‬
‫بحنان ويبت�سم‪ ..‬بينما مي�سح دموع عينيها بك ّفيه‬‫ٍ‬ ‫للنوم‪ ،‬الحظت �أخاها ينظر لها‬
‫�ل�سغريتني! فكتمت �سهقتها ولوعة بكائها‪ ،‬وق ّررت �أن تغ ّني لهما ليناما‪ ،‬و�سعتهما‬
‫�سوت مل ي�سمعاها منها من قبل‪ ،‬وقد‬ ‫ك ٌل يف فر��سه �ل�سغري �مللكي‪ ،‬وغ ّنت بنربة ٍ‬
‫كانت �ل�سبب بثبات كلمات �أغنيتها �لرقيقة بعقليهما‪ ..‬وقلبيهما � ً‬
‫أي�سا‪..‬‬
‫�نتهت �الأغنية و�ن�سحبت �الأم لغرفتها‪ ،‬وق ّررت �أن تقف �أمام �مللك �لعنيد‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫وتعانده‪ ،‬ومل تدر �أنها مبج ّرد خروجها من �لغرفة‪ ،‬دخل �أحد �حلر�ص ليك ّمم فم‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�مللكي!‬
‫ولدها �ل�سغري‪ ،‬لياأخذه عنوة لتنفيذ �الأمر ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪� -‬أرجوك! ال تفعل هذ� به! ماذ� فعل قلبه �مل�سكني ليحرم من د ّقاته؟‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫أر�سا بوهن بعد �أن تل ّقت �سفعة‬ ‫قالتها بعد �سجار د�م ً‬
‫طويال‪� ،‬نتهت فيه جال�سة � ً‬
‫قو ّية على وجهها �ل�ساحب �حلزين‪ ،‬ذي �لعينني �لزرقاوين �لثائرتني‪ ،‬كاملحيط وقت‬
‫�الأعا�سري‪ ،‬ومل يكن للملك � ّإال �أن يزجرها بالق ّوة‪:‬‬
‫‪ -‬قر�ر�تي �مللك ّية قابلة للتنفيذ فقط ال �لنقا�ص!‪.‬‬
‫�سرخت �الأمرية بجزع حني �سحر عينيها لرييها �أين ياأخذون �بنها يف تلك‬
‫حمموال بوح�سية و�إهمال‪ ،‬ي�سعونه د�خل‬‫ً‬ ‫�للحظة‪ ،‬فقد كان و�ه ًنا فاقدً � للوعي‪،‬‬
‫�إحدى �الأَ ْ�س ِو َلة قامتة �للون قذرة �لر�ئحة‪ ،‬لريموه بعيدً �!‬
‫بثقل‬
‫تخ ّيلت ما �سيحدث ودموعها تنهمر بغز�رة ويدها على قلبها �لذي بد�أ يدق ٍ‬
‫و�سعف‪� ..‬سيلقونه بالنهر! �سيظل يحاول �أخذ �أنفا�سه وطلب �لنجدة برب�ءة طفول ّية‬
‫لكن ذلك �لوزن �لذي �أرفقوه بال�سو�ل لن يجعله يتن ّف�ص �لهو�ء �أبدً �‪� ..‬سيغرق‪..‬‬
‫ويغو�ص حتى قاع �لنهر‪ ..‬و�ستكون �آخر �أنفا�سه هناك باالأ�سفل‪ ..‬وحده حيث �لظالم‬
‫و�لربودة‪ ..‬حتى يتو ّقف قلبه �لربيء عن �لنب�ص!‬
‫‪‬‬
‫هل هذ� جز�وؤك؟ ما بالهم ينفرون من �لقلب �لط ّيب ويبغ�سونه حتى يتو ّقف‬
‫عن �لنب�ص وحيدً �! كيف يفعل و�لدك هذ� بك من �أجل � ٍأخ لي�ص له ن�سف حنانك؟‬
‫�أفاقت من دموعها وحاولت حتريك ج�سدها �ملك ّبل � ً‬
‫أر�سا لتنظر البنتها‬
‫�ل�سغرية �لتي جاءت عند باب �لطابق تت�ساءل بنعا�ص‪:‬‬
‫‪� -‬أين �أخذو� �أخي؟‪.‬‬
‫رفعت �مللكة ر�أ�سها بفزع وهتفت بها‪:‬‬
‫‪� -‬رك�سي بعيدً � يا �بنتي‪� ..‬رك�سي!‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫مكتوما وكاأنها ت�سرخ من د�خل ف ّقاعة مائية‪ ،‬وذلك �أثر ما فعله بها‬
‫جاء �سوتها ً‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�مللك �لقا�سي‪ ،‬ك ّبلها � ً‬
‫أر�سا ومنع �سوتها حني �أرهقته بنو�حها �ملرير‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫‪� -‬ذهبي لبيت �حلكيم‪� ..‬أخربيه باأنهم �سيقتلون �الأمري!‪.‬‬
‫و�سعت �لفتاة يدها على فمها ب�سدمة حني قر�أت �سفاه و�لدتها وتن ّبه قلبها‬
‫�مل�سكني باخلطر‪ ،‬وفعلت كما �أمرتها على �لفور حني ر�أت نظرة �لغدر بعني و�لدها‬
‫يوما‪ ..‬خرجت ر�ك�سة‪ ،‬بينما ت�سمع �أباها �مللك يهدر با�سمها‪،‬‬ ‫�لذي مل ت�سعر بحنانه ً‬
‫فبد� �سوته خمي ًفا لقلبها �ل�سغري ك�سوت �لرعد يف ليلة �سود�ء ممطرة‪ ،‬حاولت‬
‫�لعبور بني �حلر�ص لك ّنهم منعوها باأمر ذي �ل�ساأن �لوحيد بالقلعة‪ ،‬منعو� حركتها‬
‫باأيديهم �لقذرة كما ك ّممو� �سوتها‪ ،‬حتى ح�سر �مللك وفعل هذ� بنف�سه‪ ،‬ب�سحره‬
‫�الأ�سود �للعني‪ ،‬وظ ّل يهم�ص باأذنها بني �سهقاتها �ملكتومة‪ ،‬يحاول �أن يعود ذلك �الأب‬
‫�لط ّيب �لذي ن�سي كيف يوؤ ّديه منذ فرتة‪:‬‬
‫‪� -‬هد�أي �سغريتي‪� ..‬الأمر لي�ص بهذ� �ل�سوء! فاالأمري غيث �سيظ ّل � ِ‬
‫أخاك لالأبد‪،‬‬
‫هو �أكرث قدرة على حمايتك!‪.‬‬
‫هطلت دموعها �لربيئة وظ ّلت تهم�ص وبعينيها رجاء‪ ،‬فربغم حد�ثة �س ّنها مل‬
‫تكن غافلة عن ما حدث‪ ..‬فالتل�س�ص على �الأبو�ب عادة مل ت�ستطع �أن تتخ ّل�ص‬
‫‪‬‬
‫أحد�ث‬
‫منها رغم كونها �أمرية‪�� ،‬سرتجعت ذكرياتها و�حدة تلو �الأخرى‪ ،‬وربطتها با ٍ‬
‫م�سوؤومة حتدث حولها لتدرك �حلقيقة‪ ..‬وليتها مل تفعل هذ� قط!‬
‫ع ّز عليه �أن يرى دموعها تلك تنهمر �أمامه‪ ،‬كما تهدر مياه �الأمطار �ل�سافية‪،‬‬
‫تخطيها هذ� �الأمر ‪�-‬لقدمي‪-‬‬ ‫لكن كان عليه �أن يتابع ما كان يقول‪ .‬فبالرغم من ّ‬
‫ظاهر ًّيا‪ ،‬فاإنها مل تتحدث معه به من قبل‪� ..‬سعر ب�سرورة �حلديث �الآن‪� ،‬سرييحها‬
‫هذ� ويجعلها ّ‬
‫تتخطى �الأمر فعل ًّيا‪ ..‬م�سح على يدها بينما بد�أ بالنظر بعينيها ليب ّثها‬
‫�أفكاره ب�سوته‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬وقتها كان در�ص �ل�سحر �خلا�ص بي‪ ،‬ع ّلمني و�لدي كيف �أقر�أ �الأفكار‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫أنت �أول من �أتى‬ ‫عن بعد‪ ..‬ور�قبني بينما �أفعل هذ�‪ ،‬لريى �لنتيجة‪ِ � ..‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫أنت �الأقرب يل منذ �سغري‪ ،‬تفاجاأت باأفكارك �مل�س ّو�سة‬ ‫ببايل روز‪ ،‬فا ِ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫كنت‬
‫أنك ِ‬ ‫بك خائفة و�سائعة‪� ..‬أعلم � ِ‬ ‫ود ّقات قلبك �ملرجتف‪ ،‬و�سعرت ِ‬

‫ع‬
‫تخ�سني �ملكوث بالق�سر �إن �ن�سغلت �سمو �مللكة �أو �الأمري ليث‪ ..‬لكن كان‬
‫م�سرعا للقلعة‬
‫ً‬ ‫هذ� وقت �لليل‪ ،‬من �ملفرت�ص �أن تكوين نائمة! نه�ست‬
‫�لتدخل‪ ،‬ومل يقت�سر‬ ‫ّ‬ ‫بعد �أن �سمع و�لدي ما تفكرين به و�سعر ب�سرورة‬
‫�الأمر على ما �أ�سمعته �إياه فقط‪ ..‬بل على ما ر�أى هو‪ ..‬ر�أى �أملًا وذع ًر�‪..‬‬
‫قلوب نق ّية تخفق ببطء‪ ،‬وكاأنها تدق د ّقاتها �الأخرية!‬ ‫و�سمع د ّقات ٍ‬
‫كنت‬
‫أن�ص حني ر�أيتك مق ّيدة ومك ّبلة على تلك �الألو�ح �خل�سبية �لدنيئة‪ِ ..‬‬
‫مل � َ‬
‫عيناك مل تكونا بحالتهما‬ ‫ِ‬ ‫جم ّرد طفلة بريئة‪ ..‬زهرة يافعة ملقاة باإهمال؛‬
‫�لطبيعية‪ ،‬مل تريني فلم تبت�سمي‪ ،‬وحني ��ستغللت فر�سة حت ّدث و�لدي مع‬
‫�سمو �مللك ناديتك‪ ..‬ومل ت�سمعيني قط‪ ..‬كما مل ت�سمع �سمو �مللكة �أي �سيء!‬
‫وقتها فقط ر�أيت �ل�سوط �الأ�سود بيده‪ ،‬بيده �سم ّو �مللك‪ ..‬كما ر�أيت تلك‬
‫�لعالمات �لدنيئة و�خلطوط �ملتقاطعة على ما ظهر من ج�سدك ّ‬
‫�له�ص‬
‫�ملف�سل �لذي لو ّثته دماوؤك‪ ..‬ومل �أن�ص �أنه كان هناك‪...‬‬
‫ومالب�سك بلونك ّ‬
‫�سمو �الأمري غيث‪ ،‬ير�قب‪ ،‬ويتع ّلم‪ ،‬كيف يظلم �لقلوب �لرقيقة!‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�سهقت �إز�لني بينما تنظر بعينيه لت�ستطيع تو�سيل ما تفكر به دون �أن ي�سعر بهما‬
‫�أحد من �لعر�ئ�ص وح ّر��سهنّ �ملنت�سرين بالغرفة �لكئيبة‪:‬‬
‫أن�ص قط ت�س ّرفه �ل�سادي معي‬ ‫‪َ -‬ع َّذ َبني �أبي‪ ..‬و��ستمتع بهذ� ح ًّقا! مل � َ‬
‫علي بع�ص �سربات �ل�سوط‬ ‫ومع �أمي �لتي تو ّقف قلبها مبج ّرد �أن �نهالت ّ‬
‫�خلبيث‪ ،‬مل حتتمل �أمي لك ّنني حت ّملت‪ ...‬وما جعلني �أعذره هو �أنه‬
‫عرف �س ّرها‪ ..‬علم باأنني ل�ست �بنته! مل �أ�ساأله كيف عرف‪ ،‬الأنها كانت‬
‫مفاجاأة بالن�سبة يل � ً‬
‫أي�سا‪� ..‬أردت �أن �أ�ساأله ماذ� يق�سد باأنني ل�ست‬
‫�بنته؟ ظننت �أنه م�ستاء مني لكوين �ساألته عن ما �سيفعلونه باأخي‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ليث‪ ،‬ومل �أكن �أدري �أنه ينتقم مني ومن و�لدتي الإخفاء حقيقة ن�سبي!‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫لكن ف ّكر معي ِطر�د‪ ..‬ماذ� لو كانت �أمي �أخربته بحقيقتي حني ولدت؟ مل‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫يكن ليختلف م�سريي حينها‪ ..‬بل كان �سيفعل بي ما فعله بليث‪ ،‬الأتذ ّوق‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫مر�ر �لتجربة قبله‪ ،‬وكان لقلب �أمي �أن ينفطر‪ ،‬كما حدث‪...‬‬
‫مل يحتمل ِطر�د �أن يرى دموعها �أكرث من ذلك‪ ،‬م�سحها باإبهاميه و�س ّمها‬
‫بتقطع مع �هتز�ز�ت ج�سدها �لرقيق‪ ،‬وقال‬ ‫ل�سدره بحنان لت�سهق هي �أنفا�سها ّ‬
‫ً‬
‫حماوال �إخر�جها من نوبة حزنها �لتي كان ي�سعر بها كل ليلة‪:‬‬ ‫بهدوء‬
‫كنت تنظرين للقمر وت�سكني له‪ ،‬وكنت �أنا �أ�سمع ما‬ ‫‪ -‬روز‪� ..‬أتعلمني‪ ..‬حني ِ‬
‫ت�سكني به كل ليلة‪ ،‬كم �أردت فعل هذ�؛ �أن �أ�س ّمك لتهد�أي‪...‬‬
‫تن ّهد وقال متاأوهً ا ل�سعفها‪:‬‬
‫‪� -‬آ�سف �سغريتي‪ ..‬مل ت�ستح ّقي �خلذالن ً‬
‫يوما!‪.‬‬
‫دفنت �مل�سكينة وجهها �لباكي ب�سدره وهمهمت من بني بكائها‪:‬‬
‫‪� -‬أختار �لقدر �أن تكون باالأربعني من عمرك لتبقى معي بنف�ص �لعامل كما‬
‫�ختارين �أن �أكون بطابق عر�ئ�ص �الأمري �لذي ال يجوز يل‪ ..‬لكن‪ ..‬قلبك‬
‫يتغري قط؛ ما زلت ذلك �لفتى �ل�سجاع �لذي‬
‫ما ز�ل �سا ًّبا ِطر�د‪ ..‬قلبك مل ّ‬
‫طاملا �أحببت �للعب معه و�لبقاء قربه وقت حزين‪.‬‬
‫‪‬‬
‫�بت�سم ِطر�د و�أغم�ص عينيه متنهّدً � و�س ّدد من �س ّمها وهم�ص بعقلها‪:‬‬
‫‪ -‬ويل �ل�سرف يا �سم ّو �الأمرية‪...‬‬
‫وبينما كنت �أنا غارقة بدموعي �ل�سامتة �ملذهولة‪ ،‬دخلت جليند� بعد �أن عربت‬
‫منت�سف �مل�سافة بهدوء‪ ،‬و�أ�سارت بيدها �لبي�ساء �ملكتنزة لفتاة �حلكايات‪ ،‬وقالت‬
‫بتهذيب‪:‬‬
‫‪� -‬آن�ستي‪...‬‬
‫�نت�سر �سوتها �لرفيع �ملزعج كما �نت�سرت ر�ئحة �لقرنفل بالطابق‪ ،‬فتاأففت‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�لق�سة‪� ..‬إال �أنها ��ستطردت‪:‬‬
‫وحاولت تركيز �أفكاري على تلك ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫بك‪ ...‬لذ�‬
‫�خلا�سة ِ‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لقد �نتهت �ملا�سطة من حت�سري م�ستح�سر�ت �لتجميل‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫لقد حان �لوقت‪...‬‬

‫ع‬
‫قاطعتها فتاة �حلكايات بهزّة ر�أ�ص‪ ،‬ونه�ست بهدوء وهي تنظر �إلينا بدفء‬
‫تو ّدعنا‪ ،‬وحني تقابلت عينها بعني �إيفي �سرخت �إيفي باعرت��ص‪:‬‬
‫‪ -‬ال �أريدك �أن تذهبي ال ال!‪.‬‬
‫�سحكت �لفتاة وقالت م�ساك�سة‪:‬‬
‫أنك حتبني �جللو�ص معي �أم تريدين فقط �سماع‬
‫‪ -‬ال تريدينني �أن �أذهب ال ِ‬
‫بق ّية �حلكاية؟‪.‬‬
‫�بت�سمت �إيفي باأمل وقالت بينما ت�سري باإ�سبعيها �أمام وجهها‪:‬‬
‫‪� -‬الثنان م ًعا‪� ..‬ساأفتقدك ح ًّقا!‪.‬‬
‫ق�ستها �لق�سعريرة‬
‫قالتها وقفزت حتت�سن تلك �لفتاة �لط ّيبة �لتي �أثارت ّ‬
‫بج�سدي وح ّفزت خاليا عقلي �لذي بد�أ بالطنني‪ ،‬فابت�سمت باأمل ونه�ست ببطء‬
‫أي�سا بتاأ ّثر‪ ،‬و�سمعت �إيفي تقول بني بكائها‪:‬‬
‫�أحت�سنها � ً‬
‫‪‬‬
‫معك‪..‬‬
‫‪� -‬ساأذهب الأ�ساعدك بينما ت�ستع ّدين‪ ،‬حتى �أحظى باملزيد من �لوقت ِ‬
‫ال �أ�سعر باأنني �أريد تركك �الآن!‪.‬‬
‫ثم �لتفتت �إ ّ‬
‫يل قائلة‪:‬‬
‫أنت � ً‬
‫أي�سا �إليونور�‪ ،‬لنمكث معها هذ� �لوقت‪ ،‬وناأخذ �حل ّمام �سو ًّيا ثم نعود‬ ‫‪ -‬و� ِ‬
‫للطابق!‪.‬‬
‫فعلي‬
‫�رجتفت �سفتاي ومل �أ�ستطع كيف �أر ّد‪ ..‬لن �أ�ستطيع �لذهاب معهما‪ّ ،‬‬
‫�لبحث عن ظافر‪� ،‬أريده �أن يعرف مبا �سمعت!‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫أنت �إيفي‪ ،‬فاإليونور� عليها �أن ت�سرتيح من ّ‬
‫دخان‬ ‫‪ -‬ال د�عي؛ فقط تعايل � ِ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�حلريق‪ ،‬لقد مكثت باخلارج كث ًري� ال بد �أنها ��ستن�سقت �لكثري منه!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫رفعت ر�أ�سي لها بذهول‪ ،‬بعد �أن غمزت يل بعينها‪ ،‬هل ق�سدت �أن تعطيني‬
‫فر�سة للبقاء وحدي ح ًّقا؟‬
‫خرجت �إيفي من �لعناق ّ‬
‫و�جتهت لفر��سها ب�سرعة قائلة‪:‬‬
‫‪� -‬ساأح�سر مالب�سي حلظة و�حدة!‪.‬‬
‫�بت�سمت جليند� وقالت ب�سوتها �لرفيع بخفوت‪:‬‬
‫‪� -‬ساأكون باخلارج �آن�ساتي‪...‬‬
‫وحني خرجت �قرتبت �لفتاة على �أذين و�ساألتني بغمو�ص‪:‬‬
‫‪ -‬هل تعلمني وجه �ل�سبه بني �ال�سمني‪ :‬روز‪ ،‬و�إز�لني؟!‪.‬‬
‫ودق قلبي ب�سرعة‪ ،‬ملاذ� يوجد ربط بني �ال�سمني � ً‬
‫أ�سال!‬ ‫حاجبي ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫قطبت‬
‫‪� -‬ل�سعر �الأ�سقر‪� ،‬لعينني �لزرقاوين ب�سفاء‪ ..‬و َن َ�سب ُمتّ�سل بامللكة جيرنوز‪...‬‬
‫�تّ�سعت عيناي ونظرت لها بده�سة‪ ،‬وتذ ّكرت قولها باحلكاية‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪� -‬أ�سماها باآخر ثالثة حروف من ��سم �الأم‪...‬‬
‫بيدي �ملرتع�ستني برت ّدد لتقول هي مبت�سمة �بت�سامة ذ�ت مغزى‪،‬‬
‫�أم�سكت كتفيها ّ‬
‫يدي‪:‬‬
‫بينما تر ّبت على ّ‬
‫‪ -‬حت ّري �حلقيقة �إليونور�‪...‬‬
‫مبج ّرد �أن قالت هي هذ�‪ ،‬بد�أت حديثي هام�سة بارتباك‪:‬‬
‫‪� -‬أي حقيقة؟ �أتق�سدين �حلكاية؟ لكن‪ ..‬كيف يل �أن �أعرف ما تب ّقى منها؟‬
‫وهل هي حقيق ّية؟‪.‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫هم�سا‪ ،‬ت�سبه �ال�ستجد�ء‪:‬‬
‫و��ستطردت بنربة �أكرث ً‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫ق�سة �مللكة جيرنوز! �ألي�ص كذلك؟‪.‬‬
‫‪ -‬هي ّ‬

‫وال‬ ‫ر‬
‫توزيع‬
‫وجنتي بهدوء‪:‬‬
‫ّ‬ ‫�بت�سمت يل بينما ر ّبتت على‬
‫لك �حلكاية‪...‬‬
‫‪� -‬أنت تعرفني من �سيكمل ِ‬
‫عب�ست برتكيز‪ ،‬ور ّددت بعقلي ��سم ظافر‪� ..‬أريده �الآن بجانبي! �أريد �أن �أ�ساأله‬
‫ماذ� �سمعت للت ّو! نه�ست ب�سرعة �أبحث عنه بعيني‪ ،‬فقالت هي وكاأنها جتيب على‬
‫ت�ساوؤيل‪:‬‬
‫‪ -‬هو �الآن ببيت �ل�ساحر‪ ..‬زوجي �لعزيز!‪.‬‬
‫رفعت عيني لها بغري ت�سديق‪ ،‬وت�ساءلت بينما يكاد عقلي ينفجر‪:‬‬
‫‪� -‬ل�ساحر كبري �حلر�ص‪ ..‬يـ‪ ..‬يكون زوجك؟ لكن كيف! كيف ذلك ونحن‬
‫بنف�ص �لعمر‪ ،‬وهو كه ٌل عجوز!‪.‬‬
‫�بت�سمت وهي تنه�ص وقبل �قرت�ب �إيفي هم�ست بـ‪:‬‬
‫‪ -‬حت ّري �حلقيقة!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫هززت ر�أ�سي و�لف�سول يكاد يقتلني‪ ..‬فكل هذه �ملعلومات مت ّثل خط ًر� كب ًري�‪..‬‬
‫كيف قابلت تلك �ل�سخ�س ّيات ومل �أتع ّرف �إليهم �أو � ّ‬
‫أ�سك باأمرهم حتى!‬
‫خرجت �لفتاة برفقة �إيفي �لتي كانت مت�سك مبالب�سها بحر�ص‪� ،‬بت�سمت �إيفي‬
‫ومت ّنت يل �أن �أح�سل على �لر�حة �لتي �أحتاج‪ ..‬فهم�ست �أنا ب�سرود‪:‬‬
‫‪ -‬نعم يا �سغريتي‪� ..‬أحتاج لذلك ح ًّقا!‪.‬‬
‫ومبج ّرد خروجهما‪ ،‬حت ّركت ببطء ل�سوء �لقمر‪� ..‬أدين له باعتذ�ر‪ ،‬فهذ�‬
‫�ملغرور كان يو�سل ر�سائل �أمرية حلبيبها �لبعيد‪ ..‬كان �لر�سول �لذي ينقل �أخبارها‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫دوما و�أبدً �‪� ..‬بت�سمت باأمل وناديت بينما �أم�سح على وجهي‬
‫له‪ ،‬وكان مر�ساله �إليها ً‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�لذي قد ج ّفت دموعه للم ّرة �الألف �ليوم‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬ظافر‪� ..‬أين �أنت؟‪.‬‬

‫والتوز عي‬
‫‪T‬‬
‫طرقت �لباب �لد�خلي لغرفة �حلكيمة‪ ،‬حيث فر��ص �إز�لني و�سط ُف ُر�ص ثالث‬
‫عر�ئ�ص متم ّرد�ت مذنبات وح ّر��سهنّ ‪ ،‬حت ّركت بهدوء و�أزلت �ل�ستار غري �ل�س ّفاف‪،‬‬
‫الأرى �سي ًئا �أذ�ب قلبي ح ًّقا‪ ..‬تلك �لفتاة �ل�سقر�ء‪ ،‬تبت�سم بحزن‪ ،‬بينما مت�سك يد‬
‫م�ساعد كبري �حلر�ص ِطر�د بالقرب من وجنتها‪ ،‬ترتاح على يده لتنام‪ ،‬وهو ير�قب‬
‫تعبري�ت وجهها بحزن‪..‬‬
‫تنحنحت فالتفت يل‪� ،‬بت�سم و�أ�سار يل على �ملقعد �لقريب‪ ،‬فاأغلقت �ل�ستار‬
‫خل�سو�س ّيتهما وجل�ست‪ ..‬ر�أيته يقرتب منها‪ ،‬طبع قبلة رقيقة على جبينها و�سحب‬
‫لي�سب كلماته بد�خل عقلي �س ًّبا‪:‬‬
‫ّ‬ ‫يده بهدوء و�لتفت يل‪ ،‬وح ّدثني‬
‫‪ -‬هل �نتهت و�لدتي من �سرد �حلكاية �الأخرية؟‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ّ‬
‫دق قلبي بعنف الأثر ما �سمعت‪ ..‬وقبل �أن �أت�ساءل �بت�سم بينما يجيبني بكلماته‬
‫�خلف ّية‪:‬‬
‫‪� -‬أجل‪ ..‬هي و�لدتي‪�� ،‬سطر و�لدي �أن يفرتق عنها باإر�سالها الإحدى �لزنازين‬
‫غري مالحمها و�س ّنها‪ ،‬لتكون منا�سبة لذوق �الأمري‪ ..‬حما قدرتها‬ ‫بعد �أن ّ‬
‫على �خلدمة لت�سعد لطابق �الأمري�ت ب�سرعة‪ ..‬وبالرغم من �أننا هنا ال‬
‫ن�سيخ‪ ،‬فاإنه �ساخ حز ًنا على فر�قها‪...‬‬
‫حاجبي و�أ�سرت له بغر�بة وت�ساءلت‪:‬‬
‫ّ‬ ‫�س ّيقت �مل�سافة بني‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬و�أنت؟ �أنت ل�ست �سا ًّبا! �عتقدت �أنك تكرب �الأمرية بب�سع �سنو�ت فقط؟!‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫علي ب�سرود‪:‬‬
‫ر ّد ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬من �أر�د �لبقاء دفع �ملقابل‪ ،‬دفعت �أنا �سنو�ت عمري فجعلني و�لدي �أكرب‬

‫ع‬
‫�سخ�ص �آخر غريب عنه‪ ..‬لين�سى �مللك �أنني كنت �أعرف‬‫ٌ‬ ‫�س ًّنا وكاأنني‬
‫�الأمرية‪...‬‬
‫تن ّهد ثم ��ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬وليتاأكد من �أن وجودي بهذ� �ملن�سب هو ب�سبب كوين �أحد �حل ّر��ص �ملتم ّيزين‬
‫باخلربة فقط لي�ص �إال‪...‬‬
‫�عت�سرت جبيني بيدي وت�ساءلت ب�سك‪:‬‬
‫‪ -‬وهل تو ّقف قلب �مللكة و�الأمرية كما �سمعت؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه �إيجا ًبا‪ ..‬فنظرت الإز�لني �لنائمة‪ ..‬فابت�سم هو ور ّبت على يدها �لتي‬
‫باتت تنقب�ص وتنب�سط بغري ر�حة‪ ،‬حتى �سكنت‪ ..‬وقال بحنان جتاهها‪:‬‬
‫أي�سا دفعت �لثمن‪ ..‬تخ ّلت عن دمائها �مللك ّية وعا�ست مع �لعر�ئ�ص‬
‫‪ -‬هي � ً‬
‫منتظرة ظهور �حلقيقة‪...‬‬

‫‪‬‬
‫�بت�سمت لها باأمل‪ ،‬فتابع هو �حلديث‪:‬‬
‫‪ -‬حني ماتت �مللكة و�الأمرية و�ختفى �الأمري ليث‪� ،‬تهم �مللك �إحدى �لعر�ئ�ص‬
‫بد�ص �ل�سم لهما فدفعت �لثمن هي وحار�سها‪..‬‬ ‫بفعل هذ� حل ّبها له‪� ،‬تهمها ّ‬
‫�أ�سرف �الأمري غيث على تعذيبهما برغم حد�ثة �س ّنه‪ ..‬ومل يعلم �أحد‬
‫غريهما �أن �مللكة كانت �أوىل عر�ئ�ص �لربج �لعايل �ملتو ّقف قلبهن‪ ..‬تليها‬
‫عزيزتي روز �أو �إز�لني كما �أ�سميتها‪� ..‬سمو �الأمرية �لرقيقة‪...‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه باأ�سي و��ستطرد‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬م ّرت �ل�سنو�ت ومات �مللك‪ ،‬بل قتل‪ ..‬وكان جز�وؤه من جن�ص �لعمل‪ ..‬تعذيب‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫بال�سوط بعد تكبيله � ً‬
‫أر�سا بال�سحر �الأ�سود‪ ،‬وكان �لفاعل هو �الأمري‪..‬‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫و�ل�سبب غري و��سح‪...‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫عب�ص وف ّكر معي‪:‬‬
‫منطقي‪ ،‬غري و�سول �الأمري لل�سنّ �لقانوين‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬ال �أعتقد �أنه كان هناك �سبب‬
‫للحكم‪� ..‬أو �أن ميوله �لدفينة �ملكت�سبة قد بد�أت بالتح ّكم به‪.‬‬
‫ت�ساءلت �أنا بغري فهم‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� تق�سد مبيوله‪� ..‬لدفينة؟!‪.‬‬
‫�أجابني ِطر�د باأ�سف‪:‬‬
‫‪� -‬ل�سادية‪ ..‬يحب �لتح ّكم وروؤية �الأمل مبن يتح ّكم بهم‪...‬‬
‫و�أ�ساف لتكون هذه ّ‬
‫�لق�سة �لتي ق�سمت ظهر �لبعري‪:‬‬
‫‪ -‬هو يفعل هذ� مع �لعر�ئ�ص �لتي تخفى من طابقكنّ ‪ ..‬يك ّبلهن � ً‬
‫أر�سا �أو باألو�ح‬
‫خ�سب ّية بالغرفة �ل�سر ّية بطابقه‪ ،‬ويفعل هذ� مبنتهى �لوح�س ّية‪ ،‬ال يفعل �إال‬
‫هذ� حتى يتو ّقف قلبهنّ ‪ ..‬وال ي�سمع �أحد �سوت �سرخاتهن! ولو �سمعها‬
‫�أحدهم الأتته �لكو�بي�ص ك ّل ليلة!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫حني �نتهى من كلماته تلك تذ ّكرت كو�بي�سي‪� ،‬سرخات �آخر �أمرية‪ ،‬نهنهتها‬
‫وتو�سلها ملن ي�سيطر عليها باأن يرتكها‪ ،‬تد�خلت تلك �الأ�سو�ت مع‬
‫بالبكاء �ملرير ّ‬
‫�سر�خي حماولة تنبيه جالدي�ص لعدم �لذهاب لالأمري‪ ،‬خويف من �نتهاك عر�ص‬
‫�أختي و�لتي �سرخت مبثل ما �سرخت به �لعر�ئ�ص‪ ..‬و� ً‬
‫أي�سا كلمات عرو�ص �حلكايات‪:‬‬
‫‪ -‬وهل من عادت‪ ..‬عادت بالفعل؟‪.‬‬
‫و�سعت يدي على ر�أ�سي باأمل و�سعرت بالق�سوة تعت�سر قلبي ب�س ّدة‪ ..‬كم هذ�‬
‫قا�ص! كم هذ� �لعامل �أ�سود مرير!‬
‫ٍ‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫كتفي و�ساألني‪:‬‬
‫و�سع ِطر�د يده على ّ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫‪� -‬أمل تتح ّدثي معه بعد؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫رفعت ر�أ�سي له بغري فهم‪ ،‬فهم�ص يل مبت�س ًما بطيبة‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬ظافر‪� ..‬أق�سد ليث‪...‬‬
‫و�أ�ساف لتتّ�سع عيناي‪:‬‬
‫‪� -‬سم ّو �الأمري!‪.‬‬
‫�سقطت دمعة من عيني حني تاأكدت من ما حاولت جتاهله‪ ..‬وو�سعت يدي على‬
‫قلبي وتذ ّكرت قبلته يل‪� ..‬بت�سمت بارتعا�ص ونه�ست‪ ..‬للبحث عنه!‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫)‪(20‬‬

‫ما قبــل النهاية‬

‫حاربت هو�ج�سي و�نطلقت لطابق �لعر�ئ�ص‪ ،‬نويت �أن �أجلب عباءتي �لثقيلة‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫و�لنزول للغابة‪� ،‬ساأبحث عن بيت �ل�ساحر و�لذي �ساأجد به ظاف ًر�‪ ..‬بل �ساأجد �سمو‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�الأمري ليث! قلبي يخفق بق ّوة‪� ،‬سيء ما يح ّثني على �الإ�سر�ع لطابق �لعر�ئ�ص‪� ،‬أعتقد‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫�أن ث ّمة �أم ًر� مه ًما‪� ..‬أ�سعر بذلك!‬
‫رفعت رد�ئي و�أ�سرعت �أ�سعد �لدرج �ل�سخري و�مل�ساء حائطاه ب�سعالت خافتة‪،‬‬
‫وبخطو�ت خفيفة كنت‬
‫ٍ‬ ‫وحني �قرتبت من باب �لطابق دفعته وعربت من خالله‪،‬‬
‫باجلزء �خلا�ص بجل�سة �لعر�ئ�ص‪ ..‬ور�أيته‪ ..‬يقف بالقرب من �ل�سرفة‪ ،‬وكاأنه يحاور‬
‫�لقمر!‬
‫ركبتي‪� ،‬أخف�ست ر�أ�سي � ً‬
‫أر�سا بينما‬ ‫ّ‬ ‫�لتفت مبج ّرد �قرت�بي‪ ،‬فهويت �أنا على‬
‫ل�ساين يهم�ص برهبة حم ّببة‪:‬‬
‫‪� -‬سم ّو �الأمري ليث‪...‬‬
‫�سعرت بخطو�ته‪ ،‬فاأغم�ست عيني و�أنا �أنتظر م�سريي‪ ..‬فمنذ �ساعات فقط‬
‫كنت �أقف �أمام �الأمري �الآخر غيث مبنتهى �لر�سوخ‪� ،‬أما �الآن‪ ،‬و�أمامي �الأمري ليث‪،‬‬
‫متوج�ص‪ ..‬ويف نف�ص �لوقت مطمئن! الأنني‬ ‫و�لذي جنا من �ملوت لياأخذ بالثاأر‪ ،‬قلبي ّ‬
‫�أعرف �أن من �أنحني �أمامه هو ظافر‪� ..‬لذي �أثق به ب�س ّدة‪..‬‬
‫‪‬‬
‫�سعرت به ينحني �أمامي‪ ،‬كما �سعرت مبلم�ص �أنامله على ذقني‪ ،‬يرفع وجهي‬
‫غ�سة بحلقي و�بت�سمت بارتباك‪،‬‬
‫�إليه‪� ،‬أعتقد �أن هذ� �مل�سهد ماألوف للغاية‪� ..‬بتلعت ّ‬
‫بينما هم�ص هو بعقلي‪:‬‬
‫‪ -‬فقط ظافر‪ ..‬لالآن‪...‬‬
‫هززت ر�أ�سي بخفاء‪ ،‬و��ستجبت ليده �لتي �أخذت بيدي ليوقفني بالقرب منه‪..‬‬
‫وقبل �أن �أنظر له وجدته يتّجه م ّرة �أخرى للقمر‪ ..‬ف�سرت خلفه بهدوء‪ ..‬وعلى‬
‫مالحمي ظهر �الرتباك جل ًّيا‪ ..‬ظننت �أنه �سيكون بال قناع وجهه �لقما�سي حني‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ب�سكل‬
‫�أر�ه‪ ..‬ال �أت�س ّوره ي�سبه �الأمري غيث �أبدً �! ّرمبا ب�سبب عينيه‪� ..‬إنهما خمتلفتان ٍ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫غريب‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫جل�ست معه �أ�سفل �ل�سرفة على بع�ص �لو�سائد �الأر�سية‪ ،‬ونظرت لعينيه بتيه‪،‬‬

‫والتوزي‬
‫ي�سح �أن �أنظر له‬
‫لكن �سرعان ما �رتبكت‪ ،‬و�أدركت �أن من �أمامي هو �الأمري‪ ..‬ال ّ‬

‫ع‬
‫هكذ�! لكن‪ ،‬قلبي ياأبى �الن�سياع لهذه �لفكرة‪ ..‬فيدق ويدق‪ ،‬كاملجنون‪ ..‬وعيني تلمع‬
‫بتح ّفز‪ ..‬وعقلي ال ي�ساأل �إال �سو ًؤ�ال و�حدً �‪« ..‬كيف جنوت �سم ّو �الأمري؟»‬
‫يل ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫تن ّهد ظافر بهدوء ونظر �إ ّ‬
‫‪ -‬ع�ست �أكرث من حياة‪� ..‬أمري �سغري‪ ..‬طفل �سائع‪� ،‬ساب حذر‪ ،‬وحار�ص‪..‬‬
‫لك ّنني مل �أن�ص طعم �ملوت ً‬
‫يوما‪...‬‬
‫غ�سة بحلقي ل�سماع نربته �ل�ساردة �لب�سيطة‪ ،‬برغم ما يقوله من مر�ر‪..‬‬ ‫�بتلعت ّ‬
‫مرتاحا بينما يلقي باحلمل من على‬
‫ً‬ ‫و�أردته �أن يحكي يل‪ ..‬وقد كان‪ ،‬بد� �سوته‬
‫�سدره‪ ،‬و�رحتت �أنا لكوين �أ�سمع له‪� ،‬أردت �لتخفيف عنه ولو ب�سيءٍ ب�سيط‪..‬‬
‫ليوم �أ�سرقت به �ل�سم�ص‪ ..‬وكاأن �لعامل حزن‬
‫‪ -‬ليلة غرقي‪ ،‬كانت �آخر ليلة ٍ‬
‫ُحز ًنا دفي ًنا على �لظلم �لذي قد حدث‪� ..‬أنقذين �ل�ساحر قبل �أن �أ�سهق‬
‫وطر�د؛ �بنه‬ ‫�أنفا�سي �الأخرية‪ّ ..‬‬
‫فك وثاقي و�أخفاين بعباءته حتى منزله‪ِ ،‬‬
‫ينري �لطريق �أمامنا مب�سباح يدوي ب�سيط‪ ..‬كنت �أعاين من �حل ّمي وقتها‪،‬‬
‫‪‬‬
‫يف �حلقيقة عانيت منها مل ّدة �أيام‪ ،‬و�سهر �لطبيب و�بنه ّ‬
‫يح�سر�ن يل‬
‫�الأع�ساب وقر�ءة �لتعاويذ ل�سفائي‪ ،‬وزوجة �لطبيب‪ ،‬تعرفينها‪ ،‬كانت كاأنها‬
‫يوم‬
‫برفق و�عتنت بي حتى �سرت بخري‪ ..‬ويف ٍ‬ ‫�أجنبت �ب ًنا ثان ًيا لها‪ ،‬عاملتني ٍ‬
‫من �الأيام؛ وقف ثالثتهما �أمامي و�أخرب�ين مبا حدث‪ ..‬ث ّبت �ل�ساحر تلك‬
‫�لذكرى بعقلي كي تكون ر��سخة لالأبد‪ ،‬و�ختار يل ��سمي‪ ..‬ظافر‪ ..‬الأكون‬
‫دوما و�أبدً �‪ ،‬و�أ ّكد يل �سرورة �النتقام‪ ..‬و�إنهاء �لظلم‪..‬‬
‫ظاف ًر� بح ّقي ً‬
‫ع�ست بينهم‪ ،‬ك�سب ّيهم �لثاين‪� ،‬أخفاين �ل�ساحر عن �الأعني لفرتة‪ ،‬حتى‬

‫ع‬
‫علي جتعل كل من ير�ين م�سحو ًر�‪ ،‬فينخدع بحجمي‪� ،‬سكلي‪،‬‬ ‫��ستطاع �إلقاء تعويذة ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫وهيئتي‪� ..‬أر�هم �أنني ولده �لثاين‪ ،‬ذو �لت�س ّوه �لكبري بوجهه‪ ،‬و�لذي يد�وم على‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ودوما ما كان يقول يل‪:‬‬
‫عيني‪ً ،‬‬
‫�رتد�ء �الأقنعة‪� ..‬سلب لون ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫‪ -‬ك ّلما �قرتبت �حلقيقة‪ ،‬ظهر لون عينيك‪ ..‬فحارب من �أجل ذلك‪ ،‬حارب‬
‫من �أجل لون �لعني �الأزرق �ل�سايف و�لذي مياثل لون عيني �مللكة جيرنوز؛‬
‫و�لدتك‪...‬‬
‫ع ّلمني �ل�سحر كما ع ّلم ِطر�دً�‪ ،‬حتى �أ�سبح م�ستو�ي �أقرب مل�ستو�ه‪ ..‬خرجنا م ًعا‬
‫لن�سرف على �إ�سابات �حلر�ص �جلنود وقت �حلروب‪ ،‬و�ساعدنا بعالج كبري �حلر�ص‬
‫�الأ�سبق‪ ،‬ويف نف�ص �ليوم‪� ،‬أتى خرب تعيني �ل�ساحر ككبري �حلر�ص؛ حلكمته وملعرفته‬
‫�أ�سول �لكثري من �الأ�سياء‪..‬‬
‫وطر�دً� معه‪ ،‬لرنى عاملًا‬
‫كان عليه �لتن ّقل من �لعامل �الآخر للحياة‪ ،‬فا�سطحبني ِ‬
‫جديدً � غري �لذي نعي�ص به‪ ..‬عامل ال تغيب به �ل�سم�ص �إال وت�سرق باليوم �لتايل‪ ،‬عا ٌمل‬
‫به �جلميع مت�س ّبثون باحلياة‪ ،‬وال يدرون بوجود حياة �أخرية لهم‪..‬‬
‫وكان �أول �سيء جعلنا نر�ه بهذه �حلياة بعد �ل�سم�ص‪ ،‬حلظة ميالد روح بريئة‬
‫باحلياة‪ ..‬روح �أختي روز �ل�سقر�ء �لرقيقة‪ ..‬با�سم �إز�لني‪..‬‬
‫‪‬‬
‫�أخربين �ل�ساحر باأنه �أعاد روحها لتولد و�سط �أ�سرة �سعيدة مرموقة �ل�ساأن‪،‬‬
‫تعوي�سا لها عن طفولتها �ل�سائعة‪ ،‬ور ّبت على كتفي‪ ،‬فاأدركت �أن ال طفولة يل‪،‬‬‫ً‬
‫أمال‪ ،‬يكفي �أن ت�سعد هي بلحظاتها باحلياة‪ ..‬ويكفي تلك �لنظرة بعيني‬ ‫و�بت�سمت � ً‬
‫دوما‬
‫ِطر�د‪ ،‬ليجعلني �أوؤمن باأنها �ستكون �سعيدة بحياتها �الأخرى معه‪ ..‬كما �آمنت ً‬
‫رغم �سغر �س ّني‪..‬‬
‫بتنا نرت ّدد على �حلياة ب�سورة غري منتظمة‪ ،‬حتى ر�أيت فتاتي‪ ..‬تلك �لتي‬
‫�سعرت بقربي منها مبج ّرد �لنظر بعينيها �لد�فئتني‪ ..‬ومن يومها طلبت من �ل�ساحر‬
‫�أن يجعلني �أزور �حلياة و�أزور حياتها يوم ًّيا‪ ..‬ع ّلمني كيف �أتنق ّل بني �لعاملني لكن‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫بحذر‪ ،‬كي ال ّ‬
‫جتف دمائي �مللك ّية‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�بت�سمت بغرية‪ ..‬بينما قلبي ّ‬
‫يدق بعنف‪ ..‬مل ين�ص �أن يخربين عنها هذه �مل ّرة‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫أي�سا‪ ..‬كم هي حمظوظة به!‬‫� ً‬

‫ع‬
‫��ستمعت له ي�ستطرد ب�سرود‪:‬‬
‫بعيني‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬كانت هي �لوحيدة �لتي جتعل �النتظار ه ّي ًنا‪ ..‬فمتابعة يومها‬
‫‪-‬عدميتي �للون‪ -‬لطاملا �أ�سعرتني بالدفء‪ ..‬مل �أ�سعر بوجودها �أين ملفوظ‬
‫مرحب به بكال �لعاملني‪ ..‬تابعتها تكرب‬‫من عاملي‪ ،‬بل �سعرت باأنني �إن�سان ّ‬
‫يوما بعد يوم‪ ،‬حتى �أ�سبحت �سا ّبة جميلة‪ ،‬يكاد قلبي يتمزّق حني‬ ‫�أمامي‪ً ،‬‬
‫تخ�سني وحدي‪ ..‬كما كانت‬ ‫يطيل �أحد �لنظر �إليها‪� ،‬سعرت باأنها ملكي‪ّ ،‬‬
‫ل�سخ�ص ما دون غريه‪ ،‬تنتظره باإخال�ص وال تعلم من هو‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫هي؛ ت�سعر باأنها‬
‫لك ّنها ت�سعر به‪ ..‬بقلبها وبروحها �لنق ّية‪ ..‬حتى فقدت حياتها للمرة �الأوىل‪..‬‬
‫�لق�سة‪..‬‬
‫و�لثانية‪ ..‬تعرفني باقي ّ‬
‫متحجرة بعيني‪ ..‬الأ�سمعه يتابع بينما ينظر للقمر‪:‬‬
‫هززت ر�أ�سي باأمل‪ ،‬و�لدموع ّ‬
‫‪ -‬مبج ّرد �أن فقدتها‪ ،‬عملت على �أن �أ�سرت ّدها‪ ،‬كما عملت على �أن �أكون قو ًّيا‬
‫لالنتقام‪ ..‬تد ّربت �أكرث‪ ،‬تع ّلمت �أكرث وقر�أت �لعديد من �لكتب‪ ،‬دخلت‬
‫‪‬‬
‫�لقلعة �أكرث من م ّرة مع �ل�ساحر ومن دونه‪ ،‬حفظت مد�خلها و�أبو�بها‬
‫وبت �أتردد‬
‫�ل�سر ّية �لتي ال يعلمها �أحد‪ ،‬حتى �لربج �لعايل‪ ..‬و�سلت له‪ّ ،‬‬
‫عليه الأرى من �فتقدتها‪� ،‬أهم�ص لها باأن تر�قب مرور �لزمن و�قرت�ب‬
‫ظهور �حلقيقة‪ ،‬و�أم�سح دموعها كما فعلت قبل �أن �أفقدها‪ ..‬وتفقدين‪..‬‬
‫كنت �أقوى �حل ّر��ص‪� ،‬أجت ّنب باقي �حلر�ص‪ ،‬و�أظفر بثقة مد ّربي‪� ،‬أح�سل‬
‫على ترقيات حتى قدت ً‬
‫جي�سا خارج �ململكة‪ ،‬بينما كان �أخي خممو ًر�‬
‫وبجانبه �أكرث من فتاة‪ ..‬ي�سهر ليلته بغري ح�ساب‪...‬‬
‫تو ّقف عن �حلديث للحظة‪ ..‬فالحظت �أنه يغم�ص عينيه بق ّوة‪ ،‬وحني فتحهما‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�ساألته برت ّقب‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ن‬ ‫ل‬
‫‪ -‬وماذ� عن حبيبتك؟ �أمل تظهر بعد؟ �أم �أنك �سئمت �النتظار فاخرتت‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫حر��ستي؟‪.‬‬
‫�سحك ب�سخرية‪ ،‬فاعتذرت منه لكوين غري ر�سمية معه باحلديث‪ّ ..‬‬
‫ودق قلبي‬
‫يل‪ ..‬وهي �أنني من كان‬‫وعقلي يبث بد�خلي فكرة و�حدة غريبة‪ ،‬لك ّنها حمببة �إ ّ‬
‫ينتظرها ظافر‪� ..‬أنني حبيبته! �أ�سحت بنظري بعيدً � كي ال ي�ستطيع قر�ءة �أفكاري‪،‬‬
‫وهم�ست بد�خلي بـ‪:‬‬
‫‪ -‬مل �خرتتني؟ مل؟‪.‬‬
‫�أجاب على �سوؤ�يل غري �لر�سمي مبت�س ًما‪:‬‬
‫أنت م�سحية؛ ُقتلت يف �سبيل �إنقاذ عر�ص‬
‫كنت �أكرث من منا�سبة كاختيار‪ِ � ..‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫�سقيقتك من �النتهاك‪ ..‬ومل تكوين �ساخطة قط لهذ�‪...‬‬
‫غ�سة بحلقي بينما هم�ست له‪:‬‬
‫�بتلعت ّ‬
‫‪ً � -‬إذ� هذ� هو �ل�سبب؟ كوين م�سحية؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه ببطء‪ ،‬فابت�سمت مبر�ر‪ ..‬ونفيت فكرتي‪ ،‬وقلت حمدثة نف�سي بو�سوح‪:‬‬
‫‪‬‬
‫يوما حبيبته‪ ..‬ولن تكوين!‪.‬‬
‫ل�ست �أكرث من �أد�ة �إليونور�‪ ..‬مل تكوين ً‬
‫‪ِ -‬‬
‫تنحنحت قائلة‪ ،‬بينما �أخفي م�ساعري �حلقيق ّية بينما �أتذكر قبلته‪:‬‬
‫‪ -‬م�ساعدة �سم ّوك �سرف كبري يل‪ ،‬كان عليك فقط �أمري بهذ�‪ ..‬دون �لتح ّكم‬
‫مب�ساعري‪...‬‬
‫قلتها �إ�سارة �إىل �أفكاره �لتي كان يب ّثها بد�خلي‪ ،‬كوين �أمرية على �عتبار ما‬
‫�سيكون‪ ،‬كون قلبي لالأمري‪ ،‬و�أخ ًري�‪ ..‬قبلته‪..‬‬

‫ع‬
‫�سحك بهدوء ور ّبت على �سعري ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�سحة �ختياري يف ك ّل م ّرة �إليونور�!‪.‬‬
‫‪ -‬توؤ ّكدين ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫حب �الأمري‪� ..‬أو‬
‫�بت�سمت ملجاملته‪ ..‬و�سردت‪ ..‬يف كون قلبي وحيدً �‪� ،‬إال من وهم ّ‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫حب حار�سي‪ ..‬فحار�سي‪� ،‬أو �الأمري‪ ،‬مغرم بفتاة و�حدة ال يقبل بغريها‪ ،‬ينتظرها‬
‫ب�سرب ليب ّثها م�ساعره‪ً � ..‬إذ�‪� ..‬أنا وحدي �الآن‪ ..‬وال �أعتقد �أنني �سوف �أقع باحلب‬
‫م ّرة �أخرى‪..‬‬
‫‪ -‬لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي‪ ..‬لن تكون �إال لنف�سي‪...‬‬
‫تذ ّكرت �سوت �إز�لني بغناء تلك �لكلمات من �أغنيتها �ملتو�رثة و�خلا�سة‪ ،‬ثم‬
‫تذ ّكرت وجه �الأمري �لو�سيم‪ ،‬و�لذي مل �أ َر مثله قط‪� ..‬حم ّر وجهي ً‬
‫خجال‪ ..‬و�قرتبت‬
‫ً‬
‫قليال من ظافر هام�سة‪:‬‬
‫‪ّ -‬رمبا �أعرف من تكون‪ ..‬لكن‪ ..‬ف�سويل يقتلني‪...‬‬
‫مل�ست قناع وجهه بيدي‪ ،‬فر�أيت عينيه تبت�سمان‪ ،‬وجاء �سوته �لهادئ يل لي�سعل‬
‫رغبتي �أكرث‪:‬‬
‫‪ -‬ف�سويل يقتلني � ً‬
‫أي�سا‪...‬‬

‫‪‬‬
‫ويف نف�ص �للحظة �سمعت �سوت فتح �لباب‪ ،‬فتج ّمدت مكاين‪ ،‬حتى �قرتبت من‬
‫ركبتي م�ستندة على‬
‫دخلت للت ّو‪ ،‬لرت�ين بالقرب من ظافر‪� ،‬أميل �إليه بينما �أقف على ّ‬
‫إحر�ج وعدت للخلف‬
‫ٍيد و�حدة و�الأخرى كانت ممدودة لوجهه للت ّو‪ ..‬فتنحنحت با ٍ‬
‫بع�ص تو ّت ًر�‪ ..‬فابت�سمت هي بغر�بة‪ ،‬و�سرعان ما‬
‫يدي بع�سهما �إىل ٍ‬
‫و�سممت كلتا ّ‬
‫ب�سوت وقور‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫�أتت �سيدة لتقف بالقرب منها‪ ،‬وقالت‬
‫أنك هنا �آن�سة �إليونور�‪...‬‬
‫‪ -‬لقد �أخربتني �مل�سرفة با ِ‬
‫رفعت ر�أ�سي �إليها بغر�بة‪ ،‬وهم�ست بـ‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬ميلد�؟‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫�بت�سمت �ل�س ّيدة ورفعت ق ّبعتها �لبي�ساء �لتي تخ�ص �لطهاة يل كتح ّية‪ ،‬وقالت‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫‪� -‬أ�س ّرين �أنك تتذ ّكريني‪...‬‬
‫�سفتي بغر�بة حني �أدركت �لفتاة �لتي تقف بجانب كبرية �لطهاة‬‫باعدت بني ّ‬
‫يوما و�إلقاء �للوم عليها‪..‬‬
‫�الآن‪ ،‬ر�أيتها باملطبخ وت�س ّببت بخلع رد�ئها ً‬
‫‪ -‬فتاة �جلزر؟‪.‬‬
‫قدمي �أمامها ببطء‪ ،‬فابت�سمت هي بارتباك قائلة‪:‬‬
‫قلتها بغر�بة بينما وقفت على ّ‬
‫‪ -‬يف �حلقيقة كنت معروفة بفتاة �لبازالء‪ ..‬لكن مل يعد �أحدً � يدعوين بهذ�‬
‫�الآن!‪.‬‬
‫ح ًّقا؟ هل ت�س ّببت فعلتي �لقدمية باإبقاء هذ� �للقب بها!‬
‫يوما ب�سبب جمهودها وطموحها!‪.‬‬
‫‪ -‬هذه �لفتاة ممتازة‪ ،‬قد ت�سلبني مكانتي ً‬
‫قالتها ميلد� م�سرية �إىل تلك �لفتاة بفخر‪ ،‬ووقتها فقط الحظت �أنها ترتدي‬
‫ق ّبعة مماثلة لق ّبعة ميلد� �لبي�ساء‪ً � ..‬إذ� هي م�ساعدة كبرية �لطهاة!‬
‫هم�ست �لفتاة يل باأدب‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬جئت الأ�ساألك �آن�ستي‪ ..‬ماذ� حتبني لطعام �لغد�ء؟‪.‬‬
‫�س ّيقت �مل�سافة بني حاجبي بغر�بة وهم�ست بـ‪:‬‬
‫‪ -‬منذ متى وياأتي �أحد لي�ساأل هذ� �ل�سوؤ�ل؟‪.‬‬
‫�رتبكت �لفتاة قائلة‪:‬‬
‫‪ّ -‬رمبا الأنه عيد مولد �الأمري؟‪.‬‬
‫و�أ�سافت لده�ستي‪:‬‬

‫ع‬
‫‪ -‬لقد �ساألنا �الآن�سة �إيفي و�أخربتني مبا تريد‪ ،‬باالإ�سافة مل�ساعفة �لكم ّية �لتي‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�ستاأكلها‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫هم�ست �أنا ب�سرود‪:‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫‪� -‬أخ ًري� �ست�ستجنب لطلبها!‪.‬‬
‫وبينما قلت هذ� الحظت �أن ظاف ًر� يعطي �سي ًئا ما مليلد�‪ ،‬وحني �لتفت بج�سدي‬
‫وجدتها تنحني له بطاعة‪ ،‬وكاأنها تعلم بهو ّيته! فقلت بغر�بة‪:‬‬
‫‪ -‬ما �لذي يحدث؟‪.‬‬
‫جذبت �لفتاة يدي و�أعطتني قل ًما ونوتة �سغرية وقالت‪:‬‬
‫لك �أن تختاري من قائمة �حللوى؟ لقد مت �سنع �لكثري منها �ليوم!‪.‬‬ ‫‪ -‬هل ِ‬
‫خطا حتت �أحد‬‫الحظت �أنها تربك تركيزي لت�سغلني عن ما ر�أيت‪ ،‬فو�سعت �أنا ًّ‬
‫�الأ�سناف �لع�سو�ئية بينما عيني ما ز�لت مث ّبتة على ميلد� �لتي ت�س ّنعت عدم حدوث‬
‫�أي �سيء‪ ..‬وحني �نتهت �بت�سمت �لفتاة وقالت مليلد�‪:‬‬
‫‪� -‬أعتقد �أنه �لوقت للبدء بتجهيز �لغد�ء‪...‬‬
‫�لتفتت ميلد� �إليها و�أخذت �لنوتة من يدها ورحلتا على �لفور‪ ،‬فالتفت �أنا لظافر‬
‫بغر�بة‪ ،‬ف�ساألني‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬تريدين معرفة ما �لذي �أعطيته لها �ألي�ص كذلك؟‪.‬‬
‫�قرتبت �أنا منه وجل�ست فاأجابني وهو يرى �لف�سول بعيني‪:‬‬
‫�ل�سحر ويبطل �ملقاومة‪...‬‬
‫‪�ُ -‬سم‪ ..‬بطيء �ملفعول‪ ،‬ي�سل حركات ِ‬
‫و�سعت يدي على فمي فقال هو ليطمئنني‪:‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي‪� ..‬ساأكون مطمئ ًنا ِ‬
‫عليك �أكرث هكذ�‪...‬‬
‫فف�سر يل‪:‬‬
‫مل �أفهم ما قال‪ّ ،‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬ست�سعه ميلد� لغيث بطعامه‪ ،‬لن ي�سبب �الأذى وقتها‪...‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫و�سعت يدي على قلبي بر�حة‪ ..‬وهم�ست بـ‪:‬‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪ -‬هل �ستكون زوجة �ل�ساحر بخري؟ و�إيفي؟‪.‬‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫مت ّهلت ً‬
‫قليال حني هم�ست م�ستطردة‪:‬‬
‫‪ -‬و�أنا؟‪.‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه بتاأكيد فتن ّهدت‪ ..‬ثم ملحت بعيني من �لنافذة �سي ًئا ما‪� ..‬أر�ه بو�سوح؛‬
‫�لربج �لعايل!‬
‫وتذ ّكرت �لكابو�ص �لقريب‪ ،‬فانتف�ص ج�سدي وطلبت من ظافر بعد �أن ناديت‬
‫هم�سا‪:‬‬
‫��سمه ً‬
‫‪� -‬أميكنني �لذهاب للربج �لعايل؟‪.‬‬
‫نه�ص من جل�سته ونه�ست �أنا � ً‬
‫أي�سا‪ ،‬ويف ملح �لب�سر كان قد ل ّوح بعباءته ليخفيني‬
‫مبكان �آخر‪..‬‬
‫بها‪ ،‬الأفتح عيني‪ ،‬و�أجدين ٍ‬
‫حت ّركت الأقرب نافذة الأنظر منها‪ ،‬و�سهقت ملا ر�أيت! �أنا باأعلى نقطة بالقلعة!‬
‫طابق‬
‫بيدي‪ ،‬وباالأ�سفل �أرى كل �سيء �سغ ًري� للغاية‪ ،‬كما ر�أيت تر�ص ٍ‬
‫�أكاد �أمل�ص �لقمر ّ‬
‫يخ�ص �الأمري!‬
‫عظيم‪� ..‬أعتقد �أنه ّ‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ميكنهم �سماعك و�الإح�سا�ص بك‪...‬‬
‫�لتفت لظافر‪ ،‬الأرى �أن خلفي جمموعة كبرية من �لعر�ئ�ص‪ ،‬يقفن بثبات‪،‬‬
‫يرتدين �الأبي�ص‪� ،‬جلميالت بال�سفوف �الأمامية و�لدميمات باخللف‪ ..‬وجوههن‬
‫ثابتة‪ ،‬عيونهن �ساردة‪ ،‬مبت�سمات‪ ،‬تختلف �بت�ساماتهنّ ‪ ..‬بينهن من تبت�سم بارتباك‪،‬‬
‫وبينهن من تبت�سم ب�سفاء ور�حة‪� ..‬أعتقد باأن تلك �البت�سامات هي �لتي مت ّيزهن‬
‫عن بع�سهنّ �لبع�ص‪..‬‬
‫�رجتف قلبي و�قرتبت من �إحد�هنّ ‪ ..‬حني �سعرت باأنها ماألوفة‪ ..‬وبالفعل‪ ،‬كانت‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫هي‪� ،‬لتي ظهرت يل �أثناء نومي‪ ..‬جالدي�ص!‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫هم�ست با�سمها‪ ،‬وقبل �أن �أر�قب تعبري�ت وجهها‪ ،‬وجدت �أخرى‪ ،‬تلك �لتي‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫�أ ّرقني �سوت �سر�خها ً‬
‫طويال‪ ،‬ور�أيتها تطلب �لرحمة من �سخ�ص ما‪ ..‬فهمت �الآن‪..‬‬

‫ع‬
‫أردت‪ ..‬مل يكن بيدي منع �أي �سيء‪...‬‬
‫‪� -‬آ�سفة لكوين مل �أفهم ما � ِ‬
‫نزلت دمعة من عيني وهم�ست باأ�سماء فتيات كثري�ت �أعرفهنّ ‪ ..‬وفجاأة تذ ّكرت‬
‫�سوتي بالكابو�ص‪ ..‬حني كنت �أ�ساأل‪:‬‬
‫يوما؟‪.‬‬
‫‪ -‬يا عر�ئ�ص �لربج �لعايل‪� ..‬أميكنني �لزيارة ً‬
‫و�سوت �إجاباتهنّ ‪ ،‬وباأ�سو�ت تبدو ماألوفة‪:‬‬
‫دوما!‪.‬‬
‫‪ -‬ت�ستطيعني هذ� ً‬
‫خ ّيل يل �أنني �أرى �سفاههن تتح ّرك مبا قلنه‪ ،‬بينما ينظرن بعيونهن �ل�ساردة‬
‫بعيني‪ ..‬فعدت ب�سع خطو�ت للخلف بخوف‪ ..‬الأ�سطدم بظافر‪ ،‬و�لذي �أم�سك بيدي‬
‫مر ّبتًا عليها‪ ،‬وهم�ص بـ‪:‬‬
‫‪ -‬تعايل معي‪...‬‬

‫‪‬‬
‫بتوج�ص‪ ،‬و�سرت خلفه بينما مل �أترك يده للحظة‪ ،‬عربنا من �ستا ٍر‬
‫هززت ر�أ�سي ّ‬
‫�أ�سود‪ ،‬لن�سبح بغرفة �سغرية‪ ،‬بها عرو�ص و�حدة فقط‪ ..‬ترتدي �أكرث �لف�ساتني‬
‫جماال و�سفاء‪ ،‬وجهها ّ‬
‫مغطى بغطاءٍ من �لد�نتيل �الأبي�ص‪ ،‬ر�أيته بو�سوح‬ ‫�لبي�ساء ً‬
‫بعد �أن �أ�ساء ظافر �ملكان بتميمته �لغريبة‪..‬‬
‫غ�سة يف حلقي برت ّقب‪..‬‬‫ر�قبته يرفع �لغطاء من على ر�أ�سها بحذر‪ ،‬فابتلعت ّ‬
‫وجنتي �لناعمتني‪ ،‬تنزلق‬
‫ّ‬ ‫دق قلبي بحنان وتاأ ّثر‪� ،‬سالت دموعي �ل�ساخنة على‬
‫حينها ّ‬
‫ب�سهولة لتحل حملها دموع �أكرث حر�رة‪ ..‬كم هي جميلة من �أر�ها �الآن!‬

‫ع‬
‫ح ّركت ب�سري بني �سعرها �ملرفوع الأعلى‪ ،‬مالئة ب�سري بلونه �الأ�سقر �لد�فئ‪،‬‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫�لالمع كلون �أ�سعة �ل�سم�ص �لالمعة حني ت�سرق بحياء‪ ..‬عيناها �لزرقاو�ن كلون‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫أهد�ب كثيفة تزيدها ً‬

‫ن‬
‫جماال‪ ..‬وجهها �ل�سايف �أبي�ص �للون �إال‬ ‫�ل�سماء �ل�سافية‪ ،‬با ٍ‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫ركبتي‪،‬‬
‫من حمرة وجنتيها و�سفتيها �لرقيقتني‪ ..‬ال �إر�د ًّيا وجدت نف�سي �أجل�ص على ّ‬
‫و�أنحني بر�أ�سي‪ ..‬فمن �أمامي هي �مللكة جيرنوز‪� ،‬لتي �أخفتها معظم كتب �لتاريخ‬
‫عن �جلميع!‬
‫هم�ص ظافر بدفء‪:‬‬
‫لك عنها من قبل‪...‬‬
‫‪ -‬كيف حال جاللتك؟ هذه �إليونور�‪� ..‬لتي حكيت ِ‬
‫عيني الأرى عينيه تلمعان بحنني‪ ،‬فاأخف�ست‬
‫رفعت ر�أ�سي بحذر‪ ،‬م�سحت دموع ّ‬
‫ر�أ�سي ببطء وهم�ست بـ‪:‬‬
‫أنت جميلة!‪.‬‬
‫‪� -‬سعدت بلقائك �س ّيدتي‪ ..‬كم � ِ‬
‫�سعرت بظافر يتن ّهد بحر�رة ثم يقول‪:‬‬
‫‪� -‬قرتبنا من �لو�سول �أمي‪� ..‬سي�سبح كل �سيء على ما ير�م‪ ،‬فال تقلقي!‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي بتاأكيد‪ ،‬وقلت باأدب‪:‬‬
‫‪� -‬أنا �أثق ب�سم ّو �الأمري ليث‪ ..‬كما وثقت بحار�سي ظافر‪...‬‬
‫‪‬‬
‫م�سحت دموعي و�بت�سمت بدفء‪ ..‬كم ي�سعرين �لوجود بقربها بالر�حة! بالتاأكيد‬
‫كانت من �أطهر �الأرو�ح بهذ� �لعامل‪ ..‬وكم ت�سبهها �إز�لني!‬
‫بك‪ ..‬كم �أر�دت روؤيتك!‪.‬‬
‫أنك جميلة‪ ..‬و�أنها تثق ِ‬
‫‪ -‬تقول � ِ‬
‫�بت�سمت بينما �أرفع وجهي �أنظر له بتيه‪ ..‬هل ً‬
‫فعال قال �آخر جملة عني؟ �أم �أنني‬
‫�أتوهّ م‪ ،‬كما توهّ مت �أن �مللكة �جلميلة تت�سع �بت�سامتها؟‬
‫�سعرت بقلبي يخفق بعنف‪ ..‬فان�سحبت للخارج قبل �أن �أفقد وعيي‪� ،‬أع�سابي‬
‫مل تعد حتتمل‪ ،‬وعيني ال تكف عن ذرف �لدموع‪ ..‬وتركته بالد�خل‪ ..‬ينظر بعينيها‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ً‬

‫ري‬
‫طويال‪ ..‬بطول �حلو�ر �خلفي بينهما‪..‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫م ّر �لوقت‪ ،‬حاولت قدر �الإمكان �أن �أكون طبيع ّية بتعاملي مع ظافر �أمام �إيفي‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫وكاليب‪ ،‬كما حاولت �أن تكون معاملتي لها طبيع ّية‪� ..‬أ�سع ّر باأنني �أفتقدها من �الآن‪..‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫�أخ�سى عليها من هذ� �الأمري �ل�سادي‪ ،‬كما �أخ�سى من �مل�ستقبل �لقريب‪..‬‬
‫قبل �أن ننام ً‬
‫ليال‪ ،‬دخلت جليند� ببطء وبينما هي مت�سك بفقر�ت ظهرها �ملتاأملة‬
‫من �سعود �لدرج �أكرث من م ّرة هذ� �ليوم قالت باأدب‪:‬‬
‫‪� -‬الأمري يو ّد �لعرو�ص �لتي �أعجب برق�سها باحلفل‪...‬‬
‫هوى قلبي بقدمي ونظرت لظافر‪ ،‬و�إيفي‪ ..‬ماذ� يعني هذ�؟ كم فتاة �أعجب‬
‫برق�ستها؟ تذ ّكرت �نبهاره برق�ستي‪ ،‬فابتلعت ّ‬
‫�لغ�سة �مل�س ّننة ‪�-‬لتي تك ّونت‬
‫بحلقي‪ -‬ب�سعوبة وهم�ست جلليند�‪:‬‬
‫‪� -‬أي رق�سة تق�سدين؟‪.‬‬
‫�بت�سمت جليند� و�أ�سارت الإيفي قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬يريد �لعرو�ص �إيفي‪ ..‬هو يعلم ��سمك �آن�ستي‪ ،‬وقال يل �أنه �سيكون متف ّر ًغا‬
‫لك بالغد‪ ،‬منذ بد�ية �ليوم!‪.‬‬
‫ِ‬

‫‪‬‬
‫هل من �ملفرت�ص �أن �أطمئن بعد �أن قالت هذ�؟‬
‫هويت على �إيفي �أحت�سنها و�أدفن ر�أ�سي بعنقها �ل�سغرية بينما �أ�سهق �أنفا�سي‬
‫�ملتوح�ص‪ ..‬و�لذي ال يكتفي‬
‫بتاأثر‪� ..‬سنفرتق‪� ..‬سترتكني تلك �ل�سغرية وتذهب لذلك ّ‬
‫�أبدً � من �إيذ�ء �لعر�ئ�ص!‬
‫أنك �الأجمل‪ ،‬لذ� � ّدخرك للنهاية!‪.‬‬
‫لك �إليونور�! �إنه يعلم با ِ‬
‫‪ -‬لقد قلت ِ‬
‫‪ -‬ال تقويل نهاية!‪.‬‬
‫قلتها ب�سفتني مرتع�ستني بينما تو ّقفت عن �حت�سانها ونظرت بعينيها �لبن ّيتني‪،‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ف�سحك كاليب ً‬
‫قائال‪:‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫‪ -‬ال �أحب حلظات �لود�ع تلك!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫تنحنحت جليند� فنه�ست �إيفي على �لفور قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا �أنا قادمة!‪.‬‬
‫ق ّبلتني على وجنتي وقالت مبرح‪:‬‬
‫‪ -‬بالتاأكيد عرو�ص �حلكايات تنتظرين!‪.‬‬
‫�سححت ما قالت‪:‬‬
‫�سحكت ب�سذ�جة ثم ّ‬
‫‪� -‬أق�سد �أمرية �حلكايات! �ساأذهب لالأمري و�أر�ها‪ ،‬و�سننتظرك �إليونور� كوين‬
‫باأف�سل حال!‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي وقد بد�أت �أ�سعر بالدو�ر‪ ،‬فاقرتب ظافر وهم�ص بعقلي‪:‬‬
‫‪� -‬سنكون بخري ال تقلقي‪.‬‬
‫نه�ص كاليب ليحت�سن �إيفي برب�ءة وتركها تذهب بعد �أن �حت�سنتني‪ ،‬ثم �سافح‬
‫ظاف ًر� وقال �أنه �سيكون مبق ّر �ل�ساحر حتى يعطي له مه ّمة �أخرى‪ ..‬وقبل �أن يقرتب‬
‫أر�سا‪ ،‬فنظر يل بغر�بة ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫مني لي�سافحني تر�جعت للخلف بتيه‪ ..‬ومت ّددت � ً‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أت�سعرين بالدو�ر؟‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي ب�سرود‪ ،‬فقال كاليب بقلق‪:‬‬
‫‪ -‬ح�س ًنا �ساأ�ستدعي �حلكيمة بينما �أنا بطريقي لالأ�سفل!‪.‬‬
‫رفعني ظافر الأجل�ص و�أعطاين �لقليل من �ملاء‪ ،‬ف�سربت ثم هم�ست لكاليب‪:‬‬
‫‪ -‬ال تهتم بذلك‪� ..‬ساأذهب �أنا للحكيمة‪...‬‬
‫�لتفت لظافر قائلة‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬لن �أحتمل �أن �أجل�ص بهذ� �لطابق �لكبري وحدي‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫ش‬
‫ه ّز ظافر ر�أ�سه و�ساعدين على �لنهو�ص‪ ،‬وخرج ثالثتنا من �لطابق‪..‬‬

‫ر‬
‫‪ T‬والتوزي‬
‫ع‬
‫جل�ست بجانب ِفر��ص �إز�لني‪� ،‬أنظر �إليها باحرت�م و�أحت ّدث معها بر�سمية‪ ،‬بينما‬
‫هي تبت�سم يل وجتيبني بر�حة؛ تعاملني وكاأنها �إز�لني‪ ،‬ال روز �الأمرية!‬
‫مريحا باأن خرجت �لثالث مذنبات مع ح ّر��سهن لغرفة �حلكيمة‬‫كم كان �الأمر ً‬
‫�لعامة‪ ،‬ليرتكا لنا م�ساحة �حلديث‪ ..‬مل ي�سبحن عر�ئ�ص بعد �الآن‪ ،‬الأ�سبح �أنا‬
‫�لعرو�ص �الأخرية �ملتاحة لالأمري‪...‬‬
‫مت ّنى ّطر�د لنا ّ‬
‫�حلظ‪ ،‬و�أخرب ظاف ًر� باأن �جلميع �الآن بات يعلم بال�س ّر‪ ،‬لقد‬
‫�أخربهم �ل�ساحر بطريقته‪ ،‬وجميعهم منتظرون �إظهار �حلقيقة‪� ..‬سعرت بامل�سوؤولية‬
‫وز�د �لطنني بعقلي‪..‬‬
‫‪‬‬
‫عدت للطابق‪ ،‬للنوم‪ ،‬الأجد �أن �خلادمات قد �نت�سرن يزلن كل �سيء من �لطابق‪،‬‬
‫�ل�ستائر‪� ،‬لو�سائد �الأر�س ّية‪ ،‬و� ً‬
‫أي�سا �أدو�ت �لعر�ئ�ص و�ل�سناديق �خلا�سة باملالب�ص‪،‬‬
‫ف�سحت فيهن‪:‬‬
‫‪ -‬ماذ� يحدث؟ ملاذ� تزلن كل �سيء!‪.‬‬
‫�نحنت يل و�حدة منهنّ قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬هذه �أو�مر‪� ..‬أمرنا �الأمري باإغالق �لطابق‪ ..‬ظ ًّنا منه � ِ‬
‫أنك �ستبيتني مع‬
‫�سديقتك بغرفة �حلكيمة‪...‬‬

‫ع‬
‫‪� -‬أنا؟‪.‬‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫قلتها بغر�بة وغيظ‪ ،‬وهم�ست بـ‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫‪ -‬ال �أ�س ّدق! كيف �أطرد من مكان نومي بهذه �ل�سهولة‪ ..‬تب ّقت يل ليلة �أباتها‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫قبل �أن �أذهب �إليه‪ ،‬مل يعاملني هكذ�!‪.‬‬
‫�سفتي قه ًر�‪ ،‬و�سمعت �إحدى �خلادمات تهم�ص بـ‪:‬‬
‫ع�س�ست ّ‬
‫‪ -‬هل ح ًّقا هي �آخر �لعر�ئ�ص؟‪.‬‬
‫لرتد �أخرى‪:‬‬
‫‪ -‬مل ت�ستيقظ �أي و�حدة بعد‪ً � ..‬إذ� هي �الأخرية!‪.‬‬
‫ب�سرود غا�سب‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫و�سع ظافر يده على كتفي وقال بعقلي‬
‫‪� -‬أ�سلوبه و�حد يف كل �حلاالت‪� ..‬ملفاجاأة‪ ..‬يفاجئ �لفتيات مبنت�سف‬
‫طعامهنّ ‪ ،‬وقت �لتدريب‪� ،‬أو مبنت�سف �لليل‪ ..‬ال يريدك �أن تكوين مرتاحة‬
‫قبل �للقاء �أبدً �‪...‬‬
‫و�أ�ساف‪:‬‬
‫أنت �سعيفة وخائفة‪...‬‬
‫‪� -‬سي�سهل عليه ��ستعبادك و� ِ‬
‫�رجتف بدين وهم�ست بـ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬وماذ� �ساأفعل؟‪.‬‬
‫ر ّبت على كتفي وطماأنني‪:‬‬
‫‪� -‬ستنامني بغرفة �حلكيمة‪ ،‬لكن حتت تاأثري تعويذتي‪� ..‬ساأحر�ص على �أن‬
‫تكوين مرتاحة باآخر ليلة‪ ،‬حتى يكون �للقاء قو ًّيا‪...‬‬
‫بتوج�ص‪ ..‬وحت ّركنا لطابق �حلكيمة م ّرة �أخرى‪..‬‬
‫هززت ر�أ�سي ّ‬
‫علي‬
‫و�سعت ر�أ�سي على �لو�سادة �ملريحة‪ ،‬وقبل �أن يغم�ص ظافر عيني ليلقي ّ‬
‫تعويذته‪� ،‬أم�سكت يده ورجوته �أن ينتظر‪� ..‬أردت �أن �أ�سغي لتلك �الأغنية �لتي تغنيها‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�إز�لني‪��« ..‬ستثنيني‪»..‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫كانت هذه � ًإذ� �أغنية �مللكة �الأخرية لهما‪ ..‬ت�ستثني نف�سها من �لقو�عد‪ ..‬ترى‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫نف�سها وحيدة‪ ..‬غريبة‪ ..‬وتطلب من رفيقها �أن ال ينتظر لقلبها �أن ي�ستجيب‪ ،‬فقلبها‬

‫ع‬
‫�سيظ ّل ملكها‪ ،‬وملك من �ختارته هي‪� ..‬ستدع �ملا�سي �لذي �سعفت فيه ور�سخت له‪،‬‬
‫وت�ستثني نف�سها من �مل�ستقبل‪� ،‬لتي هي من �أحد�ثه بريئة!‬
‫~~~~~‬
‫«ا�ستثنيني‪ ..‬من قواعد العامل‪..‬‬
‫ا�ستثنيني من مظاهر الكون‪..‬‬
‫اأنا ل�ست مثلك‪ ،‬وال مثلهم �ساأكون‪..‬‬
‫�سخ�ص وحيد‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫�سخ�ص غريب‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫اأنا‬
‫لنداء احلب‪ ..‬ال اأ�ستجيب‪..‬‬
‫�سخ�ص فريد‪ ..‬فال تنتظر مني يف يو ٍم‪ ..‬اأن اأ�ستجيب‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫اأنا‬
‫لن تذوب ع�س ًقا يا قلبي‪ ..‬لن تكون ا ّإال لنف�سي‪..‬‬
‫لن ياأ�سرين احلب يو ًما‪ ..‬لن اأكون اإال لنف�سي‪..‬‬
‫‪‬‬
‫ما�ص كنت فيه اأنا �سعيف‪..‬‬
‫فا�ستثنيني من ٍ‬
‫وا�ستثنيني من م�ستقبل اأنا من اأحداثه بريء‪..‬‬
‫ا�ستثنيني‪ ..‬ا�ستثنيني‪ ..‬دو ًما واأبدًا ا�ستثنيني‪»..‬‬
‫~~~~~‬
‫عذب‬
‫ب�سوت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫�ن�سم ظافر معها بالغناء‬
‫كم كان �سوت �إز�لني عذ ًبا‪ ..‬ولده�ستي‪ّ ،‬‬
‫� ّ‬
‫أج�ص‪ ..‬ير ّدد�ن �لكلمات مرة بعد م ّرة‪ ..‬تغري �سوت �إز�لني خمتن ًقا بالبكاء‪ ،‬لك ّنها‬
‫تابعت‪ ،‬وتابع ظافر �لغناء‪ ..‬وهم�ست �أنا بـ‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬متتلك �سوتًا عذ ًبا �سم ّو �الأمري‪...‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫و�أغم�ست عيني‪ ،‬مبت�سمة باأمل‪� ..‬أتخ ّيل �مللكة تبكي بينما تغ ّني �آخر كلماتها‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫‪ T‬والتوز عي‬
‫و�لتي ثبتت بعقل �سغرييها‪ ..‬حتى �الآن‪..‬‬

‫‪� -‬تركني! دعني �أرجوك!‪.‬‬


‫��ستيقظت ً‬
‫ليال بفزع على �سوت تلك �ل�سرخة‪� ،‬لتي �أطلقتها �إيفي با�ستجد�ء‪..‬‬
‫الأجد �أنني ما زلت بغرفة �حلكيمة‪� ..‬سوت �إيفي كان بكابو�ص‪ ..‬كم بد� �سوتها‬
‫حقيق ًّيا!‬
‫بحثت عن �سمو �الأمري بعيني‪ ..‬وناديت ب�سعف‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر‪...‬‬
‫��ستعدت وجه �إيفي �ملذعور‪ ،‬فانت�سر �لذعر على وجهي ونه�ست من فر��سي‬
‫الأجد �أمامي فر��ص �إز�لني‪ ،‬تنام بينما حتت�سن يد ِطر�د �لذي يبت�سم ب�سرود بينما‬
‫ينظر �إليها‪ ..‬تن ّهدت وناديت م ّرة �أخرى‪ ،‬فظهر ظافر وجل�ص على �ملقعد بجانب‬
‫فر��سي وقال ليهدئني‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أي كابو�ص ترينه �لليلة لي�ص حقيق ًّيا‪ ...‬بل جم ّرد وهم وهو�ج�ص ال �أكرث‪...‬‬
‫�سهقات ّ‬
‫متقطعة هادئة بينما �أتن ّف�ص بهدوء‪ ..‬و�أغم�ست عيني م�ست�سلمة‬ ‫ٍ‬ ‫�سهقت‬
‫لكلماته �لغريبة �لتي �سحرتني‪..‬‬
‫��ستيقظت باليوم �لتايل بذعر‪ ،‬كم ر�أيت من كو�بي�ص‪ ..‬كم �سعرت مبلم�ص‬
‫�ل�سوط �مللكي �لذي تخ ّيلته على ج�سدي و�رتعدت‪ ..‬بحثت حويل عن �أي �أحد‪،‬‬
‫فوجدت �أنني �أنام بطابق �لعر�ئ�ص! تعج ّبت ونه�ست‪ ،‬الأجد ظاف ًر� يجل�ص بالقرب‬
‫من �سرفة �لقمر‪ ،‬فاقرتبت منه وهم�ست‪:‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫‪ -‬ظافر‪� ..‬أنا مرتابة‪ ..‬هل ميكنه تاأجيل دخويل طابقه؟‪.‬‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ه ّز ظافر ر�أ�سه نف ًيا وقال باأ�سف‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬لن يرتكك‪...‬‬

‫ع‬
‫�سهقت دموعي وت�ساءلت‪:‬‬
‫‪� -‬الأمري ال يقبل بعرو�ص مذنبة �ألي�ص كذلك؟‪.‬‬
‫�أوماأ ظافر يه ّز ر�أ�سه بغر�بة‪ ،‬فانطلقت �ألقي نف�سي بني �أح�سانه‪� ..‬أمل�ص ج�سدي‬
‫بج�سده‪ ،‬بينما خلعت عنه قناعه و�قتن�ست �سفتيه بينما �أهم�ص‪:‬‬
‫‪ -‬لن يقبل بي‪ ..‬بينما �أح ّبك �أنت ظافر‪...‬‬
‫�أم�سكني ظافر من خ�سري بكلتا يديه وجتاوب مع قبالتي �حلا ّرة‪ ،‬وهم�ص بي‪:‬‬
‫‪ -‬حبيبتي‪...‬‬
‫عيني‪ ..‬مل �أظ ّنه �سينطقها قط!‬
‫تاأوهت و�أغم�ست ّ‬

‫‪T‬‬
‫‪‬‬
‫)‪(21‬‬
‫ّ‬
‫نهاية مذكراتي‬

‫‪ -‬حبيبتي‪�� ..‬ستيقظي!‪.‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�أتت كلمة حبيبتي مقرتنة بالكلمة �الأخرى‪ ..‬لي�ست ب�سوت ظافر‪ ..‬بل ب�سوت‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫جليند�!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫فتحت عيني ب�سدمة و�ألقيت بج�سدي لالأمام بذعر‪ ،‬الأرى �أنني ما زلت على‬
‫فر��ص �ملر�سى بغرفة �حلكيمة‪ ،‬وبجانبي جليند�‪ ،‬تطلب مني �أن �أ�ستيقظ!‬
‫تن ّهدت وم�سحت على وجهي‪ً � ..‬إذ� ما ر�أيته كان حل ًما‪ ..‬لالأ�سف!‬
‫كم بد� كل �سيء حقيق ًّيا‪� ..‬سعرت باأنفا�سه تلفح وجهي بحر�رة‪ ..‬حر�رة �مل�ساعر‬
‫بيننا! كما �سعرت بحر�رة تلك �لقالدة �لغريبة �لتي يرتديها‪ ،‬تكوي عنقي و�سدره‬
‫بدموعها �حلارقة‪ّ ..‬رمبا الأنه يخون حبيبته معي؟ ال‪ ..‬لقد قال �أنني حبيبته!‬
‫ّرمبا ر�أيت هذ� �حللم ب�سبب تفكريي �مل�ستمر باالأمر‪ ..‬تفكريي بكوين هي!‬
‫نظرت على مييني فوجدت ِطر�دً� ي�ساعد �إز�لني على تناول �الإفطار‪ ،‬وترف�ص‬
‫هي ب�س ّدة‪ ..‬الأ�سمعه يهم�ص لها بد�خل عقلها‪:‬‬
‫كنت تتناولني �لطعام من يدي يف طفولتك‪� ..‬أتذكرين؟‪.‬‬
‫‪ -‬ه ّيا تناوليه كما ِ‬
‫ر�أيت وجهها تظهر حمرته �ملح ّببة على وجنتيها و�أنفها �لرقيق بينما تنظر له‬
‫بخجل‪ ،‬فيبادلها هو �بت�سامة و�ثقة مطمئنة‪ ،‬لتتناول من يده �لطعام! وكاأنهما يف‬
‫عاملهما �خلا�ص‪ ،‬ال ي�سعر�ن بي‪ ،‬وال بجليند� �لو�قفة بالقرب من فر��سي!‬
‫‪‬‬
‫�لتوج�ص بحثت عن ظافر‪� ..‬سيء ما بد�خلي يخربين‬ ‫نه�ست ببطء‪ ،‬ومبنتهى ُّ‬
‫آمال بد�خلي بخربين باأنه ال ير�ين‬‫باأنه ر�أى حلمي فذهب بعيدً �‪ ،‬كما �أن هناك �سي ًئا � ً‬
‫�إال �لعرو�ص �لتي �ست�ساعده على �الأخذ بالثاأر و�إعادة �ملُلك له!‬
‫هم�ست بغري وعي مت�سائلة‪:‬‬
‫‪� -‬أين ظافر؟‪.‬‬
‫�سحكت جليند� وقالت بينما جتذبني من يدي بحذر‪:‬‬
‫أنت من‬
‫يوم مثل هذ� �أيتها �الأمرية! � ِ‬
‫‪ -‬ال ي�سح �أن تت�ساءيل عن حار�سك يف ٍ‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫�ختارها �الأمري لت�ساركه وقته �لثمني‪ ..‬لذ� فقط �هت ّمي باأمرك!‪.‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�رتبكت وناديته بعقلي‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫‪� -‬أين �أنت؟ �ألن �أر�ك جمددً�؟‪.‬‬

‫ع‬
‫�نقب�ص قلبي حني تخ ّيلت �أنني لن �أر�ه � ّإال بالثوب �مللكي‪ ،‬و�لتاج ّ‬
‫�ملر�سع‪..‬‬
‫نظفت ج�سدي بالنهر �جلاري و�ساعدتني �ملا�سطة على �لتز ّين كما رفعت‬ ‫ّ‬
‫�سعري بطريقة مغرية تربز نعومته كخيوط �حلرير �الأ�سود‪� ،‬أتت مع ّلمة �حلياكة‬
‫باأكرث من ت�سميم للمالب�ص يل‪ ،‬بينما تهم�ص بت�سجيع‪:‬‬
‫‪ -‬فتاتي �ملوهوبة �بتهجي! �ستكونني �الأمرية عزيزتي!‪.‬‬
‫وجنتي‪..‬‬
‫ّ‬ ‫�بت�سمت بوهن‪ ،‬بينما �ملا�سطة ت�سيف ً‬
‫بع�سا من �للون �الأحمر �إىل‬
‫هم�ست بد�خلي بينما �أ�ساهد �نعكا�سي باملر�آة‪:‬‬
‫‪ -‬كم م�سى من �لوقت‪ ..‬على روؤية �نعكا�سي �لدميم؟ كم م�سى على معاملتهم‬
‫يل كخرقة بالية؟‪.‬‬
‫بطعم �سدئ بحلقي‪:‬‬
‫تن ّهدت و��ستطردت ٍ‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬كم م�سى على �كت�سايف تلك �لكذبة؟ كوين جميلة‪ ..‬يتم جتهيزها لتكون‬
‫عرو�ص �الأمري‪ ،‬ال بل �أمرية ت�ساركه وقته! قلبها ينب�ص له‪ ،‬بحبه‪ ،‬بع�سقه!‬
‫بينما مل ت َر � ّإال ظ ّله!‪.‬‬
‫�سحكت ب�سخرية من نف�سي و�أ�سفت‪:‬‬
‫‪� -‬أما �الآن وقد علمت من يكون‪ ،‬مبر�سه وميوله �ل�سا ّذة‪ ،‬كما علمت �أن حار�سي‬
‫بدماء ملك ّية‪� ..‬كت�سفت كوين قد خدعت‪ ..‬نعم خدعت! قلبي ال ينتمي ال ٍأي‬
‫من �الأمريين‪ ،‬ليث‪� ،‬أو غيث‪� ..‬لط ّيب �أم �ملري�ص‪ ..‬بل ينتمي حلار�ص ��سمه‬

‫ع‬
‫و�سيم ط ّيب‬
‫ظافر‪ ..‬لكن‪ ،‬مبا �أنه قد حت ّول ‪-‬بينما �أ�سبل �أهد�بي م ّرة‪ -‬الأم ٍري ٍ‬

‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫أ�سحي مبا تبقى من نب�ص قلبي وقطر�ت‬ ‫�لقلب‪� ،‬ساأهبه قلبي �لد�مي‪� ،‬سا ّ‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫دوما‪ ،‬ال �أكرث‪ ،‬وال �أقل!‪.‬‬
‫دمائي ودموع عيني من �أجله‪ ..‬كما �أر�د مني ً‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫قما�سي �أنيق‬
‫ّ‬ ‫مبنديل‬
‫ٍ‬ ‫�سقطت عربة ثقيلة �ساخنة من عيني فالتقطتها �ملا�سطة‬
‫قبل �أن تف�سد زينة وجهي �لرقيقة‪ّ ،‬رمبا كانت تتابع ملعانها بعيني منذ م ّدة! وبالرغم‬
‫من ذلك جتاهلتها قائلة وبلهجة مازحة‪:‬‬
‫‪ -‬ال تن�سينا يا �سم ّو �الأمرية!‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي ب�سرود‪ ،‬ال �أعتقد �أنني �سمعت � ً‬
‫أ�سال ما قالته‪� ،‬أو فهمت ما تريد‬
‫مني �أن �أفهمه‪ ..‬فقط هم�ست بد�خلي‪� ،‬أو ّثق �لعهد غري �ملكتوب بيني وبني حار�سي‪..‬‬
‫و�الإن�سان �لوحيد �لذي ّ‬
‫دق له قلبي‪:‬‬
‫حار�سا‪ ..‬ما �أقدم عليه �الآن‬
‫‪ -‬ظافر‪� ..‬أو ليث‪� ..‬أ ًيا كان ��سمك‪� ..‬أم ًري� كنت �أم ً‬
‫هو ب�سبب ح ّبي لك‪ ..‬و�إن تو ّقف قلبي لهذ�‪� ،‬ساأكون �أكرث من �سعيدة لكون‬
‫قلبك �سينعم ببع�ص د ّقات �لر�سا و�لر�حة‪ ..‬حتى �إن كانت د ّقات قلبك‬
‫�لثمينة تنتمي لغريي منذ �لبد�ية!‪.‬‬
‫تن ّهدت تز�م ًنا مع �نتهاء �ملا�سطة من زينتي‪ ،‬ونظرت للف�ساتني يف يد �خلادمات‪،‬‬
‫ولفت نظري ف�ستان و��سع باللون �الأبي�ص‪� ..‬خرتته فو ًر�‪ ..‬حينما ذ ّكرين مبا كانت‬
‫‪‬‬
‫ترتديه عر�ئ�ص �لربج �لعايل‪ ..‬و�مللكة جيرنوز �جلميلة‪ ..‬كم كانت �سافية به‬
‫ونق ّية كما كانت بحياتها‪� ..‬خرتت �أن �أرتدي هذ� �لف�ستان لتكون روحي نق ّية‪ ،‬حتى‬
‫ياأخذوين للربج �لعايل دون �حلاجة لالنتظار‪ ..‬يف حالة مل يحتمل قلبي �لعناء‪..‬‬
‫وتو ّقف‪..‬‬
‫خرجت من غرفة �ملا�سطة بهدوء ظاهري‪ ،‬مبت�سمة حت ّية ملن ينادونني ويتم ّنون‬
‫يل �لتوفيق‪ ،‬خادمات �ساعدنني من قبل‪ ،‬خادمات �ملا�سطة‪ ،‬م�ساعد�ت كبرية‬
‫�لطهاة‪� ،‬لفتيات باملطبخ‪� ..‬حلكيمة وم�ساعد�تها‪ ..‬حتى �إنني ر�أيت ِطر�دً� يقف‬

‫ع‬
‫خارج غرفة �ملا�سطة‪� ،‬إز�لني م�ستندة جلذعه �لقوي بيديها وتل ّوح يل مبت�سمة‪ ،‬وه ّز‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬


‫هو ر�أ�سه يل بتاأكيد‪ ..‬كم بدو� و�ثقني من كوين �ساأ�سبح �الأمرية! وكم بدوت و�ثقة‬

‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫باأن هذ� �سيكون �آخر يوم يل بهذ� �لعامل!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوزي‬
‫من �لو��سح �أن �ل�ساحر مل يخربهم باأي �سيء! كيف ينظرون يل بهذ� �لفخر‪،‬‬

‫ع‬
‫وبعيونهم �لالمعة بكوين �ساأ�سبح �أمرية غيث؟ كيف ذلك!‬
‫رفعت ر�أ�سي الأ�سعد لطابق �الأمري‪ ،‬بينما �أمت ّنى �أن �ألتقي بظافر �أمام باب‬
‫طابق �الأمري‪ ..‬فابت�سمت عيناي وقلت بتلقائية‪� ،‬أج ّرب �سوتي حينما �أر�ه‪:‬‬
‫‪ -‬كنت متاأ ّكدة من كوين �ساأر�ك فور و�سويل!‪.‬‬
‫يل ب�ساعته �لرملية �لغريبة ً‬
‫قائال‪:‬‬ ‫تخ ّيلت �أنه مي ّد يده �إ ّ‬
‫‪ -‬تلك �ل�ساعة‪ ،‬غالية جدًّ� على قلبي‪...‬‬
‫تابعت �لتخ ّيل‪ ،‬الأر�ه ي�سمت للحظة ثم ي�ستطرد‪:‬‬
‫‪ -‬لطاملا ق�سيت �أمامها وقتي‪� ،‬أنتظر و�أنتظر‪ ..‬لكن بوجودك �الآن جاهزة‬
‫علي �النتظار �أبدً �‪...‬‬
‫ملقابلة �الأمري‪ ،‬لي�ص ّ‬
‫�أعطاها يل‪ ،‬فتخ ّيلت �أنني �أخذتها برتدد و�أمل�ص �أ�سابع يده �لد�فئة بيدي‪ ،‬بينما‬
‫�أقول وقلبي ينزف �أملًا‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬يبقى عليك �نتظار حبيبتك‪ ..‬لت�ساركك حياتك �جلديدة!‪.‬‬
‫�سعرت باأنني �أرى �بت�سامة عينيه‪ ،‬فابت�سمت ل�سعادته وكبت دموعي‪ ..‬وحت ّركت‬
‫نحو �لطابق‪� ،‬لذي مل يكن على بابه � ّإال حار�سني‪ ..‬ومل يكن ظافر و�حدً � منهما!‬
‫�ن�سحب �حلار�سان‪ ،‬ومل ين�سيا �أن ينحنيا يل باأدب‪ ..‬فبقيت وحيدة �أمام هذ�‬
‫�لباب �ملهيب‪ ..‬د�كن �للون‪ ،‬تنبعث منه ر�ئحة غريبة‪ ،‬زك ّية لكن تز�ل غريبة‪ ،‬تر�سل‬
‫لقلبي د ّقات غري مطمئ ّنة‪ ،‬و�نقبا�سات ملتاعة مبعدتي‪..‬‬
‫مفتوحا‪ ..‬تر ّددت بالدخول‪� ،‬إال �أن ف�سويل جعلني �أدفع‬
‫ً‬ ‫طرقت �أنا �لباب‪ ،‬وكان‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫مبمر مظلم‪ ،‬ال �أعلم �إن كان‬
‫�لباب و�أخطو �أوىل خطو�تي للد�خل‪ ..‬الأجد نف�سي ٍ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫عري�سا �أم ال‪ ،‬تفا�سيله ك ّلها قد �بتلعها �ل�سو�د مبهارة‪ ،‬لك ّنني �كتفيت باأن �سرت‬
‫ً‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ذر�عي �أمامي‪� ،‬أل َّوح بك ّف ّي �أمام وجهي ككفيفة‬
‫ّ‬ ‫بخطو�ت هادئة م�ستقيمة‪ ،‬بينما �أمد‬
‫ٍ‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫عيني على �ت�ساعهما‪..‬‬
‫بائ�سة‪� ..‬سعرت برجفة ما ت�سري بج�سدي‪ ،‬جعلتني �أفتح ّ‬
‫فاجتهت �إليه‪ ،‬وحني �أ�سبحت قريبة‪� ،‬بتعد �ل�سوء‬ ‫الأملح �سو ًء� خافتًا على �سمايل‪ّ ،‬‬
‫ب�سوت ناعم‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫قليال‪ ..‬فتو ّقفت بحذر البتعاده عني كال�سر�ب‪ ،‬وتن ّهدت قائلة‬ ‫ً‬
‫‪ -‬لقد �أتيت �سم ّو �الأمري‪...‬‬
‫لقد �أتى �سوتي مرجت ًفا ً‬
‫قليال‪ ،‬به نربة خمتلفة عن كل م ّرة م�ست‪ ،‬من ما جعله‬
‫ب�سلة!‬
‫ميت لالإغر�ء ِ‬
‫علي‪ ..‬و�عتقدت �أنه ال ّ‬
‫غري ًبا ّ‬
‫‪ -‬جعلتيني �أنتظر كث ًري�‪ ..‬يا جميلتي‪...‬‬
‫�رجتف بدين و�هت ّز بو�سوح حني �سمعت عبارته ب�سوته �لعميق‪ ،‬ورغ ًما عني‬
‫��ست�سعرت باخلباثة بني ذبذباته �لهادئة‪ ..‬على عك�ص �سوت ظافر �ملريح‪� ،‬لذي‬
‫يبث �لهدوء لقلبي‪..‬‬
‫�لغ�سة �ملريرة �خلف ّية‬
‫�سعرت بالطعم �ل�سدئ يظهر جل ًّيا بحلقي‪ ،‬فابتلعت تلك ّ‬
‫وجل�ست مكاين كما �أخربتني جليند�‪ ..‬و�نحنيت بر�أ�سي لالأ�سفل قائلة بغر�بة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أعتذر منك �سم ّو �الأمري‪...‬‬
‫غر�بة ما تف ّوه به الأنني مل �أتاأخر قط‪ ،‬لقد �نتهيت بالوقت �ملنا�سب وكنت �أقف‬
‫على بابه!‬
‫بحركات خفيفة‪ ،‬حتى �نتهت بلم�سة �سعري‪ ..‬فاأغم�ست عيني‬ ‫ٍ‬ ‫وقتها �سعرت‬
‫مرتعدة حني تخ ّيلته يجذبني من �سعري �لناعم فجاأة‪ ..‬لكن لده�ستي‪ ،‬وجدته فقط‬
‫مي�سده ومي�سح عليه ببطء‪ ..‬فتن ّهدت بخفاء‪ ،‬وقلبي يخفق بعنف‪ّ ..‬رمبا لن يبد�أ‬ ‫ّ‬
‫بالق�سوة‪ ..‬ميكنه �لتالعب بي كما ي�ساء‪ ،‬فهو �الأمري �لذي ياأمر وينهي!‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫وجدت �سوته ي�ساألني‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫‪� -‬أتعلمني مل �لظالم حالك هكذ�؟‪.‬‬

‫وال‬ ‫ر‬ ‫ش‬


‫توزيع‬
‫ز�د �سوت تن ّف�سي و�أجبته نف ًيا‪:‬‬
‫‪ -‬ال �سم ّوك‪ ..‬ل�ست �أدري!‪.‬‬
‫�سمعت �سوت �سحكته �لهادئة �لتي جعلت �لق�سعريرة ت�سري بج�سدي‪ ..‬ومن‬
‫بعدها نربته �لغريبة‪:‬‬
‫‪ -‬الأذ ّكرك باأول م ّرة ر�أيتني بها‪ ..‬كان فقط �سوء �لقمر ي�سيئ تاجي �لالمع‪..‬‬
‫وباقي ج�سدي د�م�ص �للون‪� ..‬أ�سود كالظل‪...‬‬
‫تذ ّكرت ذلك �ليوم �لذي ر�أيته به‪ ،‬فرفعت وجهي له بت�ساوؤل‪ ،‬الأجده قد ق ّرب‬
‫�ل�سمعة من وجهي فر�أيته كما قال‪ ،‬كالظ ّل‪ ،‬يهم�ص بجانب �أذين‪:‬‬
‫‪� -‬أعلم باأنك يومها تط ّلعت للنظر �إ ّ‬
‫يل‪� ،‬إىل مالحمي‪ ..‬و�سماع �سوتي؛ �سعرت‬
‫أنت �أمامي كما تخ ّيلت‬
‫بذلك! لذ�‪� ،‬أردت �أن �أج ّرب هذ� �ل�سعور! وها � ِ‬
‫بال�سبط!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫بفهم ومل يخف �هتز�ز ج�سدي عنه قط‪ .‬عقلي يخ ّمن �خلطوة‬ ‫هززت ر�أ�سي ٍ‬
‫�لتالية‪ّ � ،‬إال �أنني �سعرت ب�سيء �ساخن على ذر�عي �ملو�سوعة بان�سياع على فخذي‪،‬‬
‫�تّ�سعت عيناي وكتمت تاأوهي‪ ،‬وبيدي �الأخرى مل�ست مو�سع �الأمل‪ ،‬وتفاجاأت حني‬
‫متحج ًر�‪ ،‬رفعته �إىل عيني‪ ،‬وعلى �سوء �سمعته �لو�هنة‪..‬‬
‫ّ‬ ‫مل�ست يدي �سي ًئا د�ف ًئا‬
‫�أدركت ما هو‪ ،‬فكتمت �سرختي �ملتفاجئة الأجده يهم�ص با�ستنكار‪:‬‬
‫عربي عن ما بد�خلك‪ ..‬كما فعلت!‪.‬‬
‫‪ -‬ال تكوين �سامتة هكذ�‪ّ ..‬‬
‫ز�د �سوت �أنفا�سي وظهر �لذعر ب�سوتي حني هم�ست بـ‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫علي‪.‬‬
‫‪� -‬سم ّو �الأمري‪� ..‬ل�سمع‪ ..‬لقد �سال منه ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫كنت �أعتقد �أنه ال يق�سد هذ�‪ ،‬حتى �سمعت �سوت �سحكته �ملكتومة‪ ،‬و�لتي‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫�سرعان ما حت ّولت �إىل �سحكات عالية �أجفلتني‪� ..‬أغم�ست عيني وهم�ست برجاء‬

‫والتوز عي‬
‫أحت�س�ص مو�سع �الأمل �أخ ّففه‪:‬‬
‫بد�خلي بينما � ّ‬
‫‪� -‬أمتنى �أن ينتهي هذ� �سري ًعا!‪.‬‬
‫نفخ �ل�سمعة باأنفا�سه �لهادئة �لباردة ليطفئها‪ ،‬و�أم�سك بيدي بالظالم‪ ،‬ليجعلني‬
‫ملكان �آخر بالطابق‪..‬‬
‫�أ�ستقيم و�قفة‪ ..‬وجذبني بهدوء الأ�سري خلفه‪ٍ ،‬‬
‫�سعرت باأننا نعرب �ستا ًر� خفي ًفا‪ ،‬كان له على وجهي ملم�ص �الأ�سباح‪ ،‬فاق�سع ّر‬
‫أنفا�سا مرتعبة‪..‬‬
‫بدين م ّرة �أخرى‪ ،‬و�سهقت � ً‬
‫دخلنا لغرف ٍة ما‪ ،‬فاأبعد �الأمري يده �لباردة من فوق مع�سمي‪ ،‬ليذهب ويوقد‬
‫�ل�سوء‪ ..‬فجاأة وجدت �أن �لغرفة م�ساءة برثيا كبرية باالأعلى‪ ،‬ثريا عظيمة بها‬
‫عدد كبري من �ل�سموع‪ ..‬ومبج ّرد �أن هويت بنظري من عليها وجدت �سري ًر� خ�سب ًيا‬
‫يتدىل من �لرثيا!‬ ‫مو�سوعا �أ�سفلها‪ ،‬وقتها فقط‪� ،‬أدركت �أن هناك ً‬
‫حبال ّ‬ ‫ً‬
‫الحظ �الأمري �رتباكي فقال‪:‬‬
‫‪ -‬خم�سون �سمعة‪ ..‬ي�سقط ما ذ�ب منها على ج�سد من �أريد‪...‬‬
‫‪‬‬
‫�سهقت بذعر و�أم�سكت باجلزء �ملحرتق من ذر�عي‪ ،‬ف�سحك هو �سحكة متل ّذ ّذة‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬لعبة جديدة‪ ..‬لك ّنها مل تعجبني قط‪ ،‬تنهي د ّقات قلب �لفتاة يف �أقل من‬
‫ع�سر دقائق‪ ،‬مل حتتمل � ٌّأي منهن �أكرث من هذ�‪ ..‬الأحرم �أنا من �سوتهن‬
‫بالتو�سل و�ال�ستجد�ء!‪.‬‬
‫ّ‬ ‫�لعذب‬
‫و�سعت يدي على قلبي بذعر بينما �أتف ّقد باقي حمتويات �لغرفة �ملريبة‪ ..‬وجدت‬
‫�أكرث من �سوط معلق على �حلائط‪� ،‬أدو�ت بد�ئ ّية للتعذيب و� ً‬
‫أي�سا �ألو�ح خ�سب ّية بها‬
‫مقاب�ص لالأيدي و�الأقد�م‪ ..‬تلك �لتي �نتهت بها حياة �مللكة و�بنتها!‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫نظر يل �الأمري متل ّذ ًذ� بنظرة �لذعر بعيني‪ ،‬وكم كرهت هذ�! �أخفيت م�ساعري‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫تلك حول قناع رخي�ص ووقفت مم�سوقة �جل�سد بثقة م�سطنعة‪� ،‬أنتظر نهاية هذ�‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوزي‬
‫�الأمر‪ ..‬كم تخ ّيلت ما فعله بالعر�ئ�ص‪ ..‬وكم مت ّنيت �أن يكون جز�وؤه من جن�ص عمله‪،‬‬

‫ع‬
‫قا�ص بهذ� �لعامل!‬
‫قلب ٍ‬
‫ليعترب كل ٍ‬
‫�سعرت به يقرتب‪ ،‬حتى تو ّقف �أمامي مبا�سرة‪ ،‬مل � ِ‬
‫أنحن بر�أ�سي هذه �مل ّرة � ً‬
‫أي�سا‪،‬‬
‫كفى �نحنائي له عند �لباب‪..‬‬
‫‪ -‬تلك �لنظرة بعينيك عزيزتي‪ ..‬ت�سعرين بالثورة!‪.‬‬
‫قال �آخر كلمة متاأوهً ا بحما�ص فنظرت له بغري فهم‪ ،‬وتركني هكذ�‪� ،‬أخ ّمن‬
‫�ملق�سود من ما قال‪ ،‬و�أت�ساءل عن �أي نظرة يق�سد!‬
‫د�ر حويل ببطء مدرو�ص‪ ،‬ينه�ص بعينه ك ّل ذ ّرة بي‪ ،‬بينما عباءته �مللك ّية �حلمر�ء‬
‫ذر�عي �لناعمتني � ّإال من �لبقعة �حلمر�ء �ملج ّعدة من نقطة �ل�سمع‬
‫ّ‬ ‫�لناعمة تخد�ص‬
‫�خلبيث‪..‬‬
‫‪� -‬أحب نظرة �خلوف‪� ،‬لذعر‪ ،‬مع بع�ص دموع �الأمل‪ ..‬لكن حني ر�أيتك‪ ..‬ر�أيت‬
‫عينيك �جل ّذ�بتني‪ ،‬ت�سعرين باأنني قد �أتخ ّلى عن هذه‬
‫ِ‬ ‫تلك �لنظرة بعمق‬
‫�لهو�ية فد� ًء لهما!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ذر�عي خلف ظهري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بتوج�ص مل �أ�ستطع �إخفاءه‪ ..‬وفجاأة وجدته يجذب‬
‫عب�ست ُّ‬
‫�أظ ّنه يحاول تكبيلي! وتذ ّكرت كلمات ظافر‪ ،‬باأنه لن ي�ستطيع فعل هذ�‪ ،‬فاأخف�ست‬
‫عيني ملحت‬
‫ر�أ�سي �أمثل �ن�سياعي لالأمر و�نتظرت �لنتيجة‪� ،‬إال �أنني قبل �أن �أغم�ص ّ‬
‫�سي ًئا يلمع بالقرب من �ل�ستار �الأحمر �لقاين‪ ..‬ويف �أقل من ثانية ��ستدرت بر�أ�سي‬
‫قليال وعيناي مثبتتان على تلك �لنقطة �لالمعة بال�ستار‪ ..‬هل هو �لقمر من خلف‬ ‫ً‬
‫�ل�ستار؟ �أم �إحدى جنومه �ملفقودة؟ ظهرت بجانب �ملغرور لت�سهد �نتهاك هذ�‬
‫�ل�سادي حلرمة كر�متي؟‬
‫بد�أ �ل�سباب �لرمادي يتك ّون حول تلك �لنقطة �لالمعة �ملتوهّ جة‪ ،‬و�لتي مل‬

‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫يلحظها �الأمري �لو�قف خلفي حتى �الآن‪ .‬بد�أت �أرى �ل�سباب يك ّون �سورة ما‪ ،‬مل‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬


‫�أ�ستطع �لرتكيز عليها لكون �الأمري �قرتب مني جدًّ�‪ ..‬نظرت لق�سمات وجه �الأمري‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫ذئب‬
‫ل�سفتي ب�سهوة ٍ‬ ‫غيث‪ ،‬الأرى �أن عينيه تن�سحان باخلبث و�لدناءة‪ ،‬تنظر�ن‬

‫والتوز عي‬
‫ّ‬
‫�سفتي بق ّوة مرتع�سة‪ ..‬وفجاأة �كتملت �ل�سورة على �ل�ستار‪ ..‬الأجد‬ ‫جائع‪ ..‬ف�سممت ّ‬
‫�سخ�سا‪ ..‬بل �إنه قاب�ص �أرو�ح!‬
‫ً‬ ‫�أنه �سخ�ص يقف مرت ّب ً�سا‪ ..‬ال‪ ..‬لي�ص‬

‫‪T‬‬
‫‪ -‬ظافر!‪.‬‬
‫�سهقت رغ ًما عني حني وجدته ينق�ص على ج�سد غيث‪ ،‬وبخطوة و�حدة حائمة‬
‫يف �لهو�ء كان قد ث ّبته على و�حد من تلك �الألو�ح �خل�سب ّية �لدنيئة‪ ،‬و�بتعد ليتطاير‬
‫ل�سخ�ص يتّ�سح �ل�سو�د‬
‫ٍ‬ ‫�ل�سباب من حوله حتى �ختفى‪ ،‬بعد �أن ك ّون �سورة و��سحة‪،‬‬
‫حتى على وجهه‪ ..‬فمن يقف بيني وبني �الأمري غيث �الآن‪ ..‬هو حار�سي‪ ..‬ظافر‪..‬‬
‫ولي�ص �سم ّو �الأمري ليث كما تو ّقعت!‬
‫�سعرت بد ّقات قلبي �خلائنة تدق بحبه من جديد‪ ،‬تكاد تقتلع �سدري �سعادة‬
‫و�سو ًقا لروؤيته‪ .‬لقد �أنقذين للت ّو من قبلة خبيثة من �سقيقه‪ ..‬وعد ّوه يف نف�ص �لوقت‪..‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أ ّيها �حلقري! كيف تتج ّر�أ على �لدخول مت�س ّل ًال من �لنافذة!‪.‬‬
‫بغ�سب مكتوم‪ ،‬ليتح ّرك ظافر ليقف �أمام وجهه بال�سبط‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫قالها �الأمري غيث‬
‫ويهم�ص ب�سيء جعل �لق�سعريرة ت�سري بج�سدي‪:‬‬
‫‪ -‬وكيف جتر�أت �أنت على مالأ �لعامل بخطاياك؟‪.‬‬
‫للت ّو‪ ..‬الحظت �أن �سوتهما كان متقار ًبا‪ ،‬لكن �ستّان بني �لنربتني! نربة د�فئة‬
‫عميقة‪ ..‬ونربة خبيثة خاد�سة!‬
‫حاولت �لنهو�ص‪ ،‬لكن هو�ج�سي بد�خلي ث ّبتتني � ً‬
‫أر�سا‪ ،‬وجعلتني �أر�قب كل �سيء‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫و�لتوج�ص من روؤية وجه حار�سي‬
‫ُّ‬ ‫من موقعي‪ ..‬هو�ج�سي �لتي تنح�سر يف �خلوف‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�لذي وقعت بح ّبه‪ ..‬ومن روؤية وجه موالي �الأمري‪� ،‬لذي �ساعدته بقلبي‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫وحدث ما خ�سيت روؤيته‪ ..‬خلع ظافر قناعه‪ ..‬ور�أيت �أنا �نعكا�سه �لدميم بوجه‬

‫ع‬
‫�أخيه‪� ،‬لذي ��ستحال لون وجهه لالأحمر �لقاين �لغا�سب‪ ،‬ونفرت عروقه �لزرقاء‬
‫دوما ما‬
‫حظي �لذي ً‬ ‫�ملقتحمة جلبهته وعنقه‪ ..‬و�بت�سمت �أنا بتاأ ّثر �أحمق‪� ..‬أف ّكر يف ّ‬
‫يخفي عني وجهه‪� ..‬إىل متى �ساأظل �أقارنه بوجه غيث؟ ومل �أ َر لي ًثا م ّرة؟‬
‫‪ -‬كيف! كيف هذ�! ما هذ� �ل ُهر�ء!‪.‬‬
‫قالها �الأمري غيث �ملك ّبل من مع�سميه و�ساقيه بده�سة جعلت كلماته تخرج غري‬
‫متّزنة بالبد�ية‪� ..‬إال �أن �سوته بعدها �أ�سبح ك�سوت حور ّية لعينة‪ ،‬تهم�ص من عمق‬
‫�لبحر الآذ�ن �لو�قفني على �ل�ساطئ‪..‬‬
‫‪ -‬كيف حالك يا‪� ..‬سقيقي؟‪.‬‬
‫خ�سو�سا �لكلمة �الأخرية‪ ،‬وقد جعل هذ� قلبي‬
‫ً‬ ‫�سمعت لي ًثا يقولها با�ستنكار‪،‬‬
‫يدق ويهوي‪..‬‬
‫وفجاأة ملحت عيني �سو ًء� �سديدً �‪ ،‬فوجدت ظاف ًر� قد ر�سم بيديه يف �لهو�ء �سي ًئا‬
‫ما‪ ..‬يعر�سه على غيث �لذي جحظت عيناه ب�سدمة‪ ..‬وكان ما يعر�سه عليه هو‬
‫‪‬‬
‫ذكرى �ليوم �لذي تخ ّيلته �أنا مر� ًر� وتكر� ًر�‪ ..‬ذكرى يوم تو ّقف قلب ملكة و�أمرية‪،‬‬
‫طفل مظلم �لقلب!‬
‫�سوط هوجاء‪ ..‬من ٍ‬ ‫بفعل �سربات ٍ‬
‫‪� -‬أتتذ ّكر هذ� �ليوم �أخي؟ �أ�سك يف هذ�!‪.‬‬
‫ّ�جته لغيث وجذبه من �سعره �لد�كن �ملماثل ل�سعره و�سرخ به بق ّوة ٍ‬
‫ليث هادر‪:‬‬
‫‪� -‬رفع وجهك و��سهد على ميالد ذلك �لكائن �لدينء بد�خلك!‪.‬‬
‫قوي‪ ،‬مع ّلق باجلد�ر‪� ،‬أم�سكه بيده و�قرتب‬
‫ل�سوط �أ�سود ّ‬
‫و�جته ٍ‬ ‫ترك وجهه بق ّوة‪ّ ،‬‬
‫منه ببطء‪ ،‬فلمحت جانب وجهه‪ ،‬وكانت عيناه المعتني‪ ..‬لكنهما قو ّيتان يف نف�ص‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لوقت‪ ..‬وقف �أمام �سقيقه و�ل�سورة �لقدمية تلوح فوقهما كالغيوم �ملل ّبدة‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�ساد �ل�سمت للحظة‪ ،‬قبل �أن ميزّقه �سوت �ل�سوط �لذي �سرب �جل�سد �ملك ّبل‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫عيني‪ ،‬ف�سهقت ب�سدمة قائلة‪:‬‬
‫�أمام ّ‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬ ‫‪ -‬ظافر ال تفعل!‪.‬‬


‫قلتها رغ ًما عني‪ ..‬بال مر�عاة �أنني �أخاطب �الأمري‪ ،‬فقط قلتها خ�سية عليه‪ ..‬ال‬
‫�أريد لالنتقام �أن يعميه‪ ..‬ال �أريده �أن ُي�ساب بتلك �مليول �لدنيئة كما �أُ�سيب �سقيقه‬
‫قد ًميا!‬
‫فعلها �أكرث من م ّرة مبنتهى �ل�سهولة‪ ،‬وكاأنه قد تد ّرب على هذ� كث ًري�‪ ،‬وهدر يف‬
‫م ّرة‪:‬‬
‫‪ِ -‬ع�ص �ملعاناة‪� ..‬أح ّبها كما �أحببت �أن تذيقها لغريك!‪.‬‬
‫عيني‬
‫و�سمعت �سرخات غيث �لقادمة من بعيد تعلو‪ ،‬وتثري �لرجفة بقلبي‪ ،‬رفعت ّ‬
‫بينما �أنظر لل�سورتني �أمامي‪� ..‬سورة �سا ّبني‪ ..‬و�سورة طفل �أمام وردتني يافعتني‪..‬‬
‫ف�سقطت دمعة من عيني‪ ..‬وحني ب ّللت عربتي �الأر�ص تو ّقف ليث!‬
‫ثو�ن حتى جذب تلك �ل�سورة‬ ‫ولده�ستي‪ ،‬وجدته ينظر لالأعلى‪ ،‬وما هي �إال ٍ‬
‫�ملوؤملة �ملتح ّركة فوقهما‪ ،‬ليحيل بينها وبني �سقيقه‪ ..‬الأرى �أن �مللكة جيرنوز و�أمريتها‬

‫‪‬‬
‫�ل�سغرية قد �ختفيتا من �ل�سورة‪ ،‬ومن تب ّقى مك ّب ًال باالألو�ح هو فقط �الأمري غيث!‬
‫و�أن من ي�سرب بال�سوط هو نف�سه‪ ...‬غيث‪� ..‬لطفل �ل�سادي!‬
‫بذعر وقلبي يتمزّق‪ ،‬وباتت مطالبتي للهو�ء �أم ًر� �سرور ًيا‪ ،‬ل�سعوبة‬
‫�سهقت ٍ‬
‫لرئتي!‬
‫دخول �لهو�ء ّ‬
‫�أغم�ست عيني �لد�معة باأمل‪ ..‬وهم�ست بينما �أ�سهق �أنفا�سي ب�سعوبة �مل�سهد‬
‫�أمامي‪:‬‬
‫‪ -‬قـ‪ ..‬قلبي‪ ..‬يـ‪ ..‬يتو ّقف‪...‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ك‬
‫ومع تز�من خفوت د ّقات قلبي‪ ،‬هم�ست بد�خلي بـ‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬


‫ش‬
‫‪ -‬ظافر‪ ..‬ال تنخدع بخفوت د ّقات قلبي‪� ..‬سيظل ً‬

‫ر‬
‫دوما ينب�ص با�سمك‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫�لزي �مللكي‪..‬‬
‫يل ظافر‪ ..‬ال‪ ..‬بل �الأمري ليث‪ ،‬وقد ر�أيته يرتدي ّ‬ ‫فجاأة �لتفت �إ ّ‬
‫حتى �لتاج على ر�أ�سه‪ ..‬كيف حدث هذ�! هل �أتخ ّيل؟ كم يبدو �أني ًقا متنا�س ًقا مع‬
‫�لقوي‪ ..‬وكم بد� وجهه و�سي ًما! يذيب �لقلب كما تخ ّيلته!‬
‫ج�سده ّ‬
‫مل �أكن الأمت ّنى �أكرث من هذ� بلحظاتي �الأخرية‪ ..‬من �أحببت‪ ،‬يقرتب مني بلهفة‪،‬‬
‫يحا�سر مالمح وجهي بعينيه بلون �ملحيط‪ ،‬بينما �سفتاه تهم�سان با�سمي‪..‬‬
‫�سفتي �بت�سامة هادئة جميلة‪ ..‬مل �أرد �أن �أرى نظرة �لقلق‬
‫ب�سعوبة ر�سمت على ّ‬
‫تلك بعينيه قط‪..‬‬
‫مرتاحا ر��س ًيا‪ ..‬فكن كذلك �أرجوك!‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬لقد فعلت هذ� من �أجل �أن �أر�ك‬
‫هوى ج�سدي ببطء‪ ،‬جتذبني �الأر�ص تريد �حت�ساين‪� ..‬إال �أنني �سقطت بني‬
‫ذر�عني قو ّيتني‪� ،‬أعرف دفئهما حقّ �ملعرفة‪� ..‬أ�سمع د ّقات قلب حار�سي وموالي‬
‫بالقرب من قلبي �لذي �ختفت د ّقاته‪ ،‬حروف ��سمي تخرج د�فئة الأذين ببطء من‬
‫بني �سفتيه‪ ..‬وفجاأة خفت ك ّل �سيء‪� ..‬سمت كل �سيء‪ ..‬و��سو ّد كل �سيء‪ ..‬ك�سو�د‬
‫‪‬‬
‫�أول ليلة مظلمة ر�أيتها بهذ� �لعامل‪ ،‬الأدرك �أن �لظالم قابع بد�خلي �أنا‪ ..‬لقد �سكنت‬
‫د ّقات قلبي ً‬
‫متاما‪ ،‬و�نتهيت!‬
‫جحظت عينا �الأمري ليث بينما ير�قب �سحوب تلك �جلميلة بني �أح�سانه‪..‬‬
‫ال حول لها وال ق ّوة‪ ،‬م�سح على �سعرها �لناعم بيدين مرتع�ستني‪ ،‬يهم�ص بعبار�ت‬
‫�الأ�سف بالقرب من �أذنها بينما ي�س ّدد من �حت�سانها‪..‬‬
‫‪� -‬إليونور�‪ ..‬ال �أريدك �أن ت�ساحميني‪ ..‬كم كنت �أنان ًّيا‪ ،‬نعم كنت كذلك حني‬
‫رف�ست �لت�سريح مبا �أ�سعر به �أمامك ولو مل ّرة!‪.‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫رفع يدها �لناعمة‪ ،‬و�لتي بد�أ �لدفء يرحل عنهما �سي ًئا ف�سي ًئا‪� ،‬إىل �سدره‪..‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫على مو�سع قلبه بالذ�ت‪ ..‬وهم�ص باأذنها مغم�ص �لعينني‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫يوما!‪.‬‬
‫‪ -‬هذ� �لقلب �سعر بكل ما �سعرت به‪ ..‬ومل يطمئنك بذلك ً‬

‫والتوز عي‬
‫�سوت �سر�خ �أخيه �ملكتوم ياأتي من خلفه متز�م ًنا مع �سوت كل �سربة �سوط‬
‫�أحدثها �لطفل �ل�سغري �أمامه‪� ،‬سوت �لفتاة �لتي يرتاح ج�سدها �ل�ساكن على �سدره‬
‫يلوح بعقله بني �حلني و�الآخر‪ ..‬تهم�ص با�سمه‪ ..‬حت ّدثه‪� ..‬سوت �سحكاتها‪ ..‬مرو ًر�‬
‫ب�سوت حديثها لنف�سها‪ ..‬حتى �سوت �سهقتها �الأخرية!‬
‫تركها من بني يديه باأمل‪ ،‬لريتاح ج�سدها �لرقيق على �الأر�ص �لباردة‪� ..‬أ�سبل‬
‫�أهد�بها بعد �أن و ّدع عينيها بقبلة من عينيه‪ ..‬و�لتفت ببطء الأخيه �لذي ينال ً‬
‫ق�سطا‬
‫من �لعذ�ب ال رحمة به‪ ،‬وهدر بكل ما به من م�ساعر غ�سب ناجمة عن فر�قها‪:‬‬
‫‪� -‬أفقدتني �أ�سرتي‪� ..‬أمي و�أختي‪ ..‬وحبيبتي!‪.‬‬
‫مرتع�سا �إىل رئتيه ثم هدر ب�سوته �لذي زلزل �لقلعة ك ّلها‪:‬‬
‫ً‬ ‫نف�سا‬
‫�أخذ ً‬
‫بيدي!‪.‬‬
‫‪� -‬ساأنهي قلبك �خلبيث ّ‬
‫�قرتب منه و�أز�ل �سورة ذلك �لطفل �ملم�سك بال�سوط بق�سوة‪ ،‬د�ف ًعا �إياهً ا‬
‫مبقربة �لزمن بعقله �لباطن‪ ،‬و�أحاط يديه حول �أخيه �ملع ّذب ومتتم ببع�ص �لكلمات‬
‫‪‬‬
‫�خلافتة وبني �سفتيه بغ�سب مارد خرج للت ّو من قمقمه‪ ،‬ليختفي ج�سد �الأمري غيث‬
‫ب�سو�ل باهت �للون‪ ،‬تز�م ًنا مع ظهور تلك �لف ّقاعة �لكبرية حوله‪ ..‬و�لتي بد�أت متتلئ‬
‫ٍ‬
‫�حلقيقي‪ ..‬رغبة منه بجعله يتذ ّوق ما ذ�قه هو من عذ�ب‪..‬‬
‫ّ‬ ‫باملاء بكلمات �الأمري‬
‫�نتقاما لكل من تو ّقف قلبهم ب�سببه‪..‬‬
‫ً‬
‫ظ ّل ير�قب ذلك �لذي يتململ د�خل �ل�سو�ل باملاء‪ ،‬يحاول تخلي�ص نف�سه منه‬
‫لينجو‪ ،‬وتذ ّكر هو نف�سه ذلك �ملوقف‪ ،‬حني كان يعافر بالتقاط �أي �أنفا�ص من �لهو�ء‬
‫لرئتيه �ل�سغريتني‪� ،‬إال �أن �ملاء كان يبدله يف ك ّل م ّرة‪ ..‬حتى كاد �أن يختنق‪..‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫رفع يده مي ّررها بني خ�سالت �سعره بغ�سب حتى �إنه كاد �أن يقتلعها‪ ..‬وظ ّل‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫يهم�ص بده�سة وغري ت�سديق بينما ينظر لتلك �لتي فقدها‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫‪ -‬لقد �ختفت من عاملي �الآخر كما �ختفت �ساب ًقا! مل تعد موجودة!‪.‬‬

‫ع‬
‫�سرب ف ّقاعة �ملاء �لقو ّية بيديه بغ�سب وهدر بنف�سه الئ ًما‪:‬‬
‫‪� -‬ن�سرفت عنها باالنتقام‪ ..‬وها هو �لقدر ينتقم منها ً‬
‫بدال من ذلك �حلقري!‪.‬‬
‫�أ�سبل �أهد�به و��س ًعا يده على قلبه‪ ..‬متذ ّك ًر� �آخر ما قالته هي له‪:‬‬
‫مرتاحا ر��س ًيا‪ ..‬فكن كذلك �أرجوك!‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬لقد فعلت هذ� من �أجل �أن �أر�ك‬
‫ً‬
‫مت�سائال وكاأنه يح ّدثها‪:‬‬ ‫�سرب قلبه بيده بق ّوة وهو يهم�ص‬
‫‪ -‬كيف؟ كيف؟‪.‬‬
‫بخطو�ت خافتة من خلفه‪ ،‬فا�ستد�ر ب�سرعة‪ ،‬متمن ًيا �أن تكون هي‪ ..‬لكن‬
‫ٍ‬ ‫�سعر‬
‫كيف؟‬
‫�تّ�سعت عيناه حني وجد �أنه �ل�ساحر!‬
‫ني‪� ..‬نتهت �أيام �ل�س ّر و�نق�ست‪.‬‬
‫‪ -‬ال حتزن ُب ّ‬
‫‪‬‬
‫عيني �ل�ساحر‪ ،‬فتذ ّكر تلك �الأيام �لتي ق�ساها حتت‬
‫نظر �الأمري ليث بعمق ّ‬
‫�سقف بيته �لب�سيط‪ ،‬و�لذي مل يكن ليخرج منه �إال للتدريب‪� ،‬أو للتنقل و�لذهاب‬
‫للحياة‪ ..‬لروؤيتها!‬
‫�لتفت �ل�ساحر للفتاة �لناعمة �لغائبة روحها � ً‬
‫أر�سا‪ ،‬وهم�ص بـ‪:‬‬
‫‪� -‬حرتت بو�سف هذه �لفتاة‪...‬‬
‫�نطلق ليث ً‬
‫قائال بوجوم‪:‬‬
‫‪ -‬م�سح ّية‪...‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫تن ّهد ثم ��ستطرد‪:‬‬

‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫�سحت بحياتها‪ ،‬وبعاملها �الآخر من �أجل من حتب‪...‬‬
‫‪َّ -‬‬

‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬
‫�بت�سم �ل�ساحر مر ّبتًا على كتف �الأمري‪ ..‬ثم حت ّرك حلمل جثمان �الأمري‪..‬‬
‫غيث‪� ..‬لذي تو ّقف قلبه‪..‬‬
‫قال �ل�ساحر بهدوء‪:‬‬
‫‪� -‬سيلتحق �الأمري بو�لده‪ ..‬لقد ج ّهزت قربه بنف�سي‪...‬‬
‫�أز�ل تلك �لف ّقاعة �لكبرية مبياهها‪ ،‬و�أخرج �الأمري من ما هو مو�سو ٌع به‪ ،‬وقال‬
‫بثقة‪:‬‬
‫تغريه‬
‫�سخ�سا‪ ..‬هي �حلكمة‪ ..‬لكن �أن ال ت�ساحمه يف حالة عدم ّ‬
‫ً‬ ‫‪� -‬أن ت�سامح‬
‫فيما بعد‪ ،‬هي �الأكرث حكمة‪...‬‬
‫ه ّز ليث ر�أ�سه ب�سرود‪ ..‬بينما ل�سان حاله يقول‪:‬‬
‫ليتغري‪ ..‬لقد تاأكدت من قلبه �لقا�سي‪...‬‬
‫‪ -‬مل يكن ّ‬
‫عد� �ل�ساحر يخرج ً‬
‫حامال ج�سد �الأمري ليقوم بدفنه‪ ،‬باملقابر �لتي ال تقام �إال‬
‫للملوك و�الأمر�ء‪ ..‬وقبل �أن يعرب من باب �لطابق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬ما هي �إال دقائق و�سيكون �جلميع بالغابة‪ ..‬ينتظرون كلمتك �سم ّو �الأمري‪...‬‬
‫�نقب�ص ّ‬
‫فك ليث‪ ،‬و�أغم�ص عينيه متنهّدً � حتى �نغلق �لباب‪ ..‬فرفع يديه وبحركة‬
‫تغريت مالمح �لطابق‪ ..‬وغرفة �الأمري‪ ،‬لغرفة �أكرث هدو ًء�‬ ‫و�حدة من �إ�سبعه ّ‬
‫ً‬
‫وجماال‪..‬‬
‫أر�سا‪ ..‬حملها بني ذر�عيه باأ�سى‪ ،‬وو�سعها على فر��سه‪..‬‬ ‫ّ�جته �إىل فتاته �جلاثية � ً‬
‫وجل�ص بجانبها‪ ،‬مم�س ًكا بيدها‪ ..‬ع ّز عليه ود�عها‪ ..‬كما ع ّز عليه روؤيتها تتع ّذب يف‬
‫كل م ّرة �أخفى عنها حقيقته‪..‬‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�سعر بحر�رة غريبة تاأتي من قلبه‪ ..‬فم ّد يده بجيب مالب�سه و�أخرج تلك �لقالدة‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�خلارجي للون �ل�س ّفاف وظهر ما‬ ‫�ل�سود�ء �أ�سطو�ن ّية �ل�سكل‪ ،‬و�لتي ��ستحال لونها‬

‫بل‬
‫ّ‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫بد�خلها‪ ..‬فابت�سم بحزن و�سرود‪ ..‬وما هي � ّإال حلظة وتذ ّكر �سي ًئا ما‪ ..‬عبارة قدمية‬

‫والتوزي‬ ‫ر‬
‫قالها �ل�ساحر �لذي تب ّناه بفرتة �بتعاده عن �لق�سر‪:‬‬

‫ع‬
‫ني‪ ..‬هي متيمة‪ ..‬حتفظ‪ ..‬متنع‪ ..‬وتعيد ما عجز �لزمن عن‬ ‫‪ -‬تلك �لقالدة ُب ّ‬
‫�إعادته‪ ..‬ومبا �أن بها قلب من حتب‪ ،‬ودموع حزنك عليها‪� ..‬ستجد �لطريق‬
‫دوما‪...‬‬
‫�إليها ً‬
‫وتذ ّكر تركه لها بعد رق�سة �لود�ع‪ ،‬و�لتي بكى لفر�قها وذرف دموع �الأمل‪ ،‬كما‬
‫تذ ّكر حلظة �س ّقه �سدرها و�لو�سول لقلبها‪ ..‬قلبها �لربيء �ل�سايف‪ ..‬تذ ّكر �أخذه‬
‫قطعة من قلبها باأظافره كقاب�ص �أرو�ح‪ ،‬وو�سعه يف تلك �لتميمة‪ ،‬تذ ّكر ر ّيه لقطعة‬
‫قلبها بدموعه‪ ..‬وكتابته على �سدرها �سبب موتها‪ً ،‬‬
‫نق�سا باأظافره فوق قلبها‪ ،‬و�لذي‬
‫�سعر بخد�سه بج�سده ال بج�سدها‪:‬‬
‫‪ -‬ماتت يف �سبيل من حتب‪...‬‬
‫مل يرد �أن يعلم �أحد �أي �سيء عنها‪ ..‬فمحا ما كتبه‪ ،‬ونق�ص باإيجاز‪:‬‬
‫‪ -‬مقتولة‪...‬‬
‫‪‬‬
‫ثم طبع قبلة على �سفتيها ليب ّلل وجهها بدموعه‪ ،‬وحني �سعر باحلار�ص ياأتي‬
‫لياأخذها للزنز�نة‪ ،‬نظر �إليها مل ًّيا‪ ،‬وح َّول دموع عينه على وجهها الآثار بغي�سة‪ ،‬بقع‬
‫وت�س ّوهات‪ ..‬وهم�ص بتاأثر‪:‬‬
‫‪� -‬آ�سف حبيبتي‪ ..‬لكن لن �أ�سمح �أن تكوين لغريي!‪.‬‬
‫ودعها بينما هي حممولة على جو�د �حلار�ص �ملبعوث من �لق�سر وهم�ص بلمعة‬
‫عينيه بعينيها �ملغلقتني‪:‬‬
‫دوما‪ ..‬يا �أمريتي �ال�ستثنائ ّية‪...‬‬
‫‪� -‬ساأنتظرك ً‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫�أفاق من �سروده ليالحظ تالحق �أنفا�سه‪ ..‬وملع �أمامه �حلل!‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫ل‬
‫مزّق طرف ف�ستانها �الأبي�ص لتنك�سف رقبتها �ملرمر ّية �أمامه‪ ،‬وبع�ص‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫والتوز عي‬
‫�ل�سنتيمرت�ت �الأخرى من ج�سدها �الأبي�ص �لذي ��ستحال لل�سحوب‪� ..‬أغم�ص عينيه‬
‫وحني فتحهما ملعت و�حدة فقط‪� ..‬لي�سرى‪ ..‬وظهرت بيده �لي�سرى خمالب طويلة‬
‫د�م‪� ،‬سقّ �سدرها فوق قلبها بحذر‪ ..‬حتى �نك�سف قلبها �أمامه‪ ،‬بلونه‬
‫وبقلب ٍ‬
‫قا�سية‪ٍ ،‬‬
‫جتف ّ‬
‫وتتبخر‪ ..‬تن ّهد باأمل وبيده‬ ‫�ملائل للبيا�ص‪ ،‬وقد بد�أت �لدماء به ومن حوله ّ‬
‫�الأخرى �أخرج قالدته‪ ..‬متيمتهما‪ ..‬فتح غطاءها و�سكب ما بها فوق �سدرها‪..‬‬
‫دموعه‪ ..‬وقطعة من قلبها!‬
‫ر�قب ت�س ّرب قلبها هذ� �ل�سائل �ل�س ّفاف �لالمع‪ ،‬وهم�ص باأمل‪:‬‬
‫‪�� -‬ستيقظي �أمريتي‪ ..‬لن �أحتمل فر�قك!‪.‬‬
‫م�سح على مو�سع قلبها ليعود كما كان‪ ،‬وم�سح بيديه �لب�سر ّيتني على ج�سدها‬
‫بحركات خفيفة دون مل�سه‪ ،‬متمت ًما ببع�ص �لهم�سات �خلافتة �مل�سحورة؛ ليتح ّول ما‬
‫ٍ‬
‫بلون �آخر غري �الأبي�ص‪ ،‬م�سي ًفا �إليه‬ ‫ترتديه الأجمل �لتحف �لفن ّية ً‬
‫جماال‪ ..‬قما�ص ٍ‬
‫مل�سات من �للون �لذهبي بنعومة‪� ،‬أ�سلح �لتج ّعد �لب�سيط بذر�عها بلم�سة و�حدة من‬
‫�أنامله �سا ًمتا من كان �ل�سبب‪ ،‬ذلك �لتج ّعد �ملحم ّر �لذي تركه �أ�سود �لقلب عليها‬
‫‪‬‬
‫ب�سمعته �لذ�ئبة‪ ..‬مل�ص �سعرها متخ ّل ًال �إ ّياه باأ�سابع يده حتى �أعاد حيو ّيته �إليه‪،‬‬
‫تاجا‪ ..‬ليظهر �أمام عينيه كما تخ ّيله بال�سبط‪ ..‬تاج �أمريته‪..‬‬ ‫ور�سم فوق ر�أ�سها ً‬
‫تاج حبيبته‪..‬‬
‫‪� -‬إليونور�!‪.‬‬
‫ناد�ها بلهفة حني �سعر بعينيها ترجتفان‪ ..‬وفجاأة ظهر لونهما �لذهبي �أمام‬
‫عينيه!‬
‫�سمعت قلبي ينب�ص من جديد‪ ،‬كما �أ�سعر بدفء غريب يجتاحني‪� ..‬لتقطت �أوىل‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫مر�س ًعا‪ ..‬تاج �الأمري‪ ..‬كم‬
‫تاجا ّ‬
‫عيني‪ ..‬الألتقط بب�سري ً‬
‫�أنفا�سي منذ فرتة‪ ،‬وفتحت ّ‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫يبدو خمتل ًفا‪ ..‬زو�ياه غري حا ّدة كملم�ص �لتاج على غالف �آخر كتاب نويت قر�ءته‪..‬‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫ً‬

‫ر‬
‫مهال‪ ..‬هل ما زلت ح ّية؟!‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫�سهقت بده�سة حني ر�أيته‪ ،‬ينظر يل بكل �ل�سوق �ملوجود بالعامل‪ ..‬تلمع عيناه‬
‫�لزرقاو�ن لتغرقاين ح ًّبا مبوجاته �لناعمة‪ ..‬تبت�سم �سفتاه يل‪ ..‬الأجد �أنني �أنظر‬
‫الأكرث �لرجال و�سامة على وجه �الأر�ص!‬
‫تاأوهت بغري ت�سديق‪ ،‬ناطقة با�سمه‪:‬‬
‫‪ -‬ظافر!‪.‬‬
‫وللحظة تذ ّكرت مكانتي‪ ،‬فاأخف�ست ر�أ�سي قائلة بخ�سوع‪:‬‬
‫‪� -‬سم ّو �الأمري‪...‬‬
‫طويال‪ً ..‬‬
‫طويال‪ ..‬حتى‬ ‫مل �أ�سعر �إال بجذبه يل‪ ،‬الأرتاح على �سدره‪ ..‬يعانقني ً‬
‫دمعت عيناي!‬
‫بذر�عي بينما �أنظر له‬
‫ّ‬ ‫�أخرجني من �سدره �لقوي وحملني‪ ،‬فتع ّلقت برقبته‬
‫بعيني �لد�معتني بغري ت�سديق‪ ..‬د�ر بي حول �لغرفة ب�سعادة بينما تر�ق�ص حويل‬ ‫ّ‬
‫لعيني بينما يقول بتاأثر‪:‬‬
‫ف�ستاين �جلديد‪ ،‬وعباءته �مللك ّية‪ ،‬عيناه تبت�سمان ّ‬
‫‪‬‬
‫أنت معي!‪.‬‬
‫أنت هنا! � ِ‬
‫‪ِ �-‬‬
‫هززت ر�أ�سي �أمام عينيه وقد بد�أت عيني بذرف �لدموع بينما �سفتاي ترجتفان‪،‬‬
‫فتو ّقف عن �لدور�ن بي و�أنزلني بالقرب من �ل�سرفة الأقف على ّ‬
‫قدمي بغري �تّز�ن‪،‬‬
‫�أحاط ذر�عه �لي�سرى حول خ�سري وجذبني �إليه ليلت�سق ج�سد�نا‪ ،‬وبيده �الأخرى‬
‫وجنتي �لناعمتني‪ ،‬وبات يهم�ص بالقرب من‬‫ّ‬ ‫م�سح دموعي �حلا ّرة �لالمعة من فوق‬
‫وجهي‪ ،‬يلفحني باأنفا�سه �لد�فئة �ملحببة يل‪:‬‬
‫ودوما �ساأكون!‪.‬‬
‫‪ -‬ال باأ�ص حبيبتي‪� ..‬أنا هنا‪ً ..‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫ملعت عيناي بروؤية �بت�سامة عينيه �ملتاأثرتني‪ ،‬فهم�ست متاأوهة‪:‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫‪ -‬حبيبتك؟ �أنا هي؟‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫�أوماأ ببطء دون �أن ي�سيح بب�سره عني‪ ،‬فخرجت مني �سهقة ناعمة متاأثرة‪،‬‬
‫�سفتي بقبلة جاحمة مليئة بال�سغف‪ ،‬تفاعلت �أنا معها‬
‫�أجلمتها �سفتاه �للتان �قتن�ستا ّ‬
‫بكل جنون‪ ..‬وباتت تخفت بنعومة‪ ،‬حتى �أ�سبحت بنعومة �لورد‪ ..‬و�سعرت باأننا كيا ٌن‬
‫دوما و�أبدً �!‬
‫و�حد‪ ..‬وتاأكدت باأن هذ� �سيكون �سعوري ً‬
‫علي‪ ،‬ووجهي �أحمر بخجل‪ ..‬نظر�تي خجولة‪..‬‬ ‫نظر يل‪ ،‬ير�قب تاأثري قبلته ّ‬
‫تظهر وجنتاي كوردتني من �جلوري‪ ..‬ومل �أنطق � ّإال بكلمة و�حدة‪ ،‬ك�سرت بها‬
‫�ل�سمت �لناعم‪..‬‬
‫‪ -‬كيف؟‪.‬‬
‫مل يخف�ص ت�سديده على خ�سري قط‪ ،‬ومل �أنزل �أنا يدي �ملو�سوعة على �سدره‬
‫تتح�س�ص ّ‬
‫م�سخة قلبه‪ ..‬بل و�سل بيده �حل ّرة ليدي‪ ،‬ي�سبك �أ�سابع يدي بيده‪،‬‬ ‫بر�حة‪ّ ،‬‬
‫لعيني‪:‬‬
‫وكاأن يدي �سنعت لرتتاح بني قب�سته �لقو ّية و�لد�فئة يف � ٍآن و�حد! وهم�ص ّ‬
‫أنت لالأبد!‪.‬‬ ‫أنت طو�ل هذ� �لوقت‪ ..‬كما ّ‬
‫�ستظلني � ِ‬ ‫‪ -‬كانت � ِ‬
‫هززت ر�أ�سي بغري فهم‪ ،‬ونطقت �سفتاي بـ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪� -‬أنا هي حبيبتك؟! لكن‪� ..‬لقالدة‪ ..‬منعها يل بتلك �حلر�رة �لغام�سة‪،‬‬
‫معاملتك يل وقت �عرت�يف بحبك و‪ ..‬وكوين موؤ�مرتك �الأخرية!‪.‬‬
‫�سغط على كفي بيده ببطء‪ ،‬بينما يقول‪:‬‬
‫‪� -‬لقالدة؛ كانت متيمتك‪ ..‬بقطعة من قلبك ودموعي‪ ..‬هي من منعتنا من‬
‫�خلطر‪ ..‬وحني غامرت بفقدك‪� ..‬أعادتك �إ ّ‬
‫يل!‪.‬‬
‫�سالت دموعي م ّرة �أخرى‪ ..‬فاقرتب مني‪ ،‬يروي ظماأه بها‪ ،‬مي�سحها من على‬
‫وجهي ب�سفتيه بنعومة‪ ..‬بينما يهم�ص‪:‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫‪ -‬دموعي جزء منك �الآن‪ ..‬لذ� �حتفظي بدموعك بالد�خل‪ ،‬لتوؤن�ص وحدة‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫دموعي!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوزي‬
‫تاأوهت لكلمته ورفعت ذر�عي �أحيط عنقه بها بينما �أدفن وجهي بدفئه‬

‫ع‬
‫فاحت�سنني هو بحر�رة‪ ..‬فهم�ست بـ‪:‬‬
‫‪ -‬كنت �أنت قاب�ص روحي‪ ..‬لقد حلمت بهذ�! رق�ست معي �لرق�سة �الأخرية‪..‬‬
‫كما حلمت بتقبيلك يل‪ ..‬وح ّبك!‪.‬‬
‫‪ -‬كم �نتظرت هذ� �ليوم‪...‬‬
‫قالها يل فارت�سمت �بت�سامة مرتع�سة متاأ ّثرة على ّ‬
‫�سفتي بينما �أغم�ص عيني‪،‬‬
‫ً‬
‫مت�سائال‪:‬‬ ‫فقال هو‬
‫‪� -‬أال ت�سعرين بال�سوء من �أنان ّيتي؟ من كوين �خرتتك �أنت من بني كل �لفتيات‬
‫باحلياة �الأوىل‪ ،‬و� ً‬
‫أي�سا �خرتتك لتكوين ملكي بالعامل �الآخر؟‪.‬‬
‫هززت ر�أ�سي نف ًيا وقلت بدفء‪:‬‬
‫يوما‪...‬‬
‫‪ -‬كل ما �أ�سعر به �الآن �أن�ساين جميع ما �سعرت به ً‬
‫لعيني‪ ،‬و�ساألني برت ّقب‪:‬‬
‫�أخرجني من �سدره ونظر ّ‬
‫‪‬‬
‫لك؟‪.‬‬
‫‪ -‬هل هذ� معناه �أنك متقبلة �متالكي ِ‬
‫هززت ر�أ�سي مبت�سمة بخجل‪ ..‬فاقرتب بوجهه مني‪ ..‬طاب ًعا قبلة عميقة د�فئة‬
‫على وجنتي‪ ..‬بينما يهم�ص‪:‬‬
‫أنت �أمريتي �إليونور�‪...‬‬
‫‪ِ �-‬‬
‫لعيني فقط‪:‬‬
‫�أبعد وجهه عني وهم�ص ّ‬
‫‪� -‬أح ّبك‪...‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫فرحا‪:‬‬
‫رفعت يده �أمل�ص بها وجهه‪ ،‬وقلت بتاأثر وقلبي يرق�ص ً‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫بل‬
‫‪� -‬أحبك ظافر‪ ،‬و�أحب كوين ملكك‪ ..‬يا �أمريي ليث!‪.‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫يتح�س�ص وجهي كما �أفعل �أنا‪ ..‬وفجاأة ملحنا �سي ًئا ما‪ ،‬يظهر على‬
‫رفع �أنامله ّ‬
‫بلون د�فئ!‬
‫مييننا عرب �ل�سرفة‪� ..‬ل�سماء‪ ..‬كانت ت�سيء ٍ‬
‫‪ -‬هل هذه‪� ..‬ل�سم�ص؟‪.‬‬
‫�سحيحا‪� ..‬قرتبنا‬
‫ً‬ ‫قلتها �أنا بذهول وقلبي يخفق ب�سرعة برجاء �أن يكون ما قلته‬
‫بيد و�حدة‪ ،‬بينما �الأخرى ترتاح على �سدره‪..‬‬ ‫�أنا و�أمريي لل�سرفة‪ ،‬و��ستندت عليها ٍ‬
‫ولده�ستي‪ ،‬ولده�سته‪ ..‬ر�قبنا مظهر �ل�سروق‪ ..‬الأول م ّرة‪ ..‬وكم كنت �ساردة مبظهر‬
‫�ل�سماء �لتي ت�سيء باللون �الأ�سفر �ملحبب‪� ،‬لد�فئ‪ ..‬كدفء قلبينا و�مل�ساعر بيننا!‬
‫رفعت عيني لظافر بذهول‪ ،‬فوجدته يرفع حاجبيه غري م�س ّدق ملا يحدث‪،‬‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪ -‬لقد عادت �ل�سم�ص!‪.‬‬
‫كنت �أنا �أنظر للع�سب بالغابة �لتي بد�أت تظهر مالحمها �لقا�سية �أمامي‪ ،‬و�أ�سري‬
‫�إىل حالها باأ�سابع مرجتفة‪ ،‬بينما تتبدل من �للون �لباهت للون �الأخ�سر �لن�سر‪،‬‬
‫‪‬‬
‫تزهر �الأ�سجار زهو ًر� مبختلف �الألو�ن‪ ،‬كما تنبت �لفروع �ملظ ّللة مبنتهى �ل�سحر‪..‬‬
‫ظهرت �لع�سافري تتن ّقل بني فروع �الأ�سجار و�لنخيل مبرح‪ ،‬كما ظهر �سوء �ل�سم�ص‬
‫و��سحا �أمام عيني‪ ..‬حتى �إنني رفعت يدي من على �ل�سرفة الأخفي �ل�سوء‬ ‫ً‬ ‫جل ًّيا‬
‫ً‬
‫قليال من على وجهي بتاأ ّثر‪..‬‬
‫مت�سعتان لتلك �لنظرة بعينيه‪ ..‬كانت‬ ‫�أد�رين ظافر �إليه فنظرت له وعيناي ّ‬
‫معان‪ ،‬ير�قب لون عيني �لد�فئ بعد �أن‬ ‫نظرة عا�سقة بكل ما حتمل كلمة �لع�سق من ٍ‬
‫�أناره �سوء �لنهار �لعذب‪ ..‬ور�قبت �سفتيه بينما يهتزّ�ن بكلماته �ملوؤ ّثرة‪:‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫‪� -‬إليونور�‪ ..‬دفء �ل�سوء‪� ..‬سوء �ل�سم�ص! هذ� معنى ��سمك!‪.‬‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫و�سعت يدي على قلبي �خلافق‪ ،‬بينما �أهم�ص بتيه‪:‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫‪� -‬أنا‪ ..‬من فعلت هذ�؟!‪.‬‬

‫ع‬ ‫والتوزي‬
‫وجنتي باأنامله برفق‪:‬‬
‫ّ‬ ‫نظر يل و�أوماأ موؤ ّكدً � وقال بينما يقر�ص‬
‫‪ -‬دفء م�ساعرك‪� ..‬أعاد �ل�سم�ص‪� ..‬أعاد �لدفء لهذ� �لعامل!‪.‬‬
‫�سحكت بخفوت بغري ت�سديق‪ ،‬ور�قبت �بت�سامته تتّ�سع حتى �نفلتت منه �سحكة‬
‫هادئة ق�سرية �أذ�بت قلبي ع�س ًقا‪..‬‬
‫�أخرجتنا بع�ص �الأ�سو�ت �لغريبة من �سرودنا‪ ..‬قادمة من �الأ�سفل؛ �أ�سو�ت‬
‫تهليل وفرحة‪ ،‬ظهرت بو�سوح‪ ،‬تاأتي من �لغابة‪ ..‬وبع�ص �لهتافات‪..‬‬
‫‪ -‬يعي�ص �الأمري ليث!‪.‬‬
‫‪ -‬حتيا �الأمرية �إليونور�!‪.‬‬
‫ما ز�ل �أمريي ً‬
‫حميطا بي بتم ّلك‪ ،‬نظرنا لالأ�سفل بده�سة لرنى �أن �جلميع يقف‬
‫مه ّل ًال لنا‪ ،‬وحني وجدونا نظهر لهم‪� ..‬نحنو� بطاعة‪ ،‬بينما ير ّددون عبار�تهم‪� ..‬لتي‬
‫جعلت قلبي يخفق ب�س ّدة‪ ،‬فهد�أين حبيبي بامل�سح على ظهري بنعومة‪..‬‬

‫‪‬‬
‫�أفقنا من �سرودنا على �سوت طرق على �لباب‪ ،‬فالتفتنا‪ ،‬ونادى �الأمري ليث‬
‫ب�سوته �لذي �أع�سقه‪:‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫تف�سل‪.‬‬
‫ُفتح �لباب بهدوء ظاهري‪ ،‬ليظهر �أمامنا ِطر�د‪� ..‬نحني بر�أ�سه ونظر�ته لربهة‬
‫ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪� -‬الأمري ليث‪� ..‬الأمرية �إلينور�‪...‬‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫نظرت له �أنا وليث بت�ساوؤل‪ ،‬وقد وجدت �سعوبة بالتاأكد من كونه هو ِطر�دً� �لذي‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫�أعرفه �أم ال‪ ..‬لقد بد� �أ�سغر عم ًر�‪ ،‬وكاأنه باأو�خر �لع�سرين‪ ،‬وقد �ختفت �ل�سعر�ت‬

‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫�لف�سية من �سعره �الأ�سقر‪� .‬سعرت بد ّقات قلبه متح ّم�سة حتت مل�ستي‪ ،‬و�تّ�سعت‬ ‫ّ‬

‫والتوز عي‬ ‫ر‬


‫عيناي بده�سة حني �سمعت ِطر�دً� يقول بعد �أن رفع وجهه لنا مبت�س ًما باإ�سر�ق للخرب‬
‫�ل�سار �لذي يحمله‪:‬‬
‫‪ -‬لقد ��ستيقظت عر�ئ�ص �لربج �لعايل!‪.‬‬
‫�متالأت عيناي بالدموع ونظرت لليث �لذي ت�ساءل ومالمح �لده�سة قد ر�سمت‬
‫خطوطها على مالحمه‪:‬‬
‫‪ -‬جميعهنّ ؟‪.‬‬
‫ث ّبت ِطر�د نظره علينا‪ ،‬وقال بتاأكيد‪:‬‬
‫‪ -‬جميعهنّ موالي‪ ..‬جميعهن!‪.‬‬
‫نظرت لظافر بحما�ص وتاأثر‪ ،‬وهم�ست له‪:‬‬
‫‪� -‬سم ّو �مللكة!‪.‬‬

‫‪‬‬
‫ه ّز ر�أ�سه يل بخفوت و�أم�سك ّ‬
‫بيدي‪ ،‬ف�سغطت �أنا عليهما بينما �أ�سابعنا‬
‫ثو�ن وك ّنا نهرول للربج‪،‬‬
‫مت�سابكة‪ ،‬ن�ستم ّد �لق ّوة من بع�سنا �لبع�ص‪ ..‬وما هي �إال ٍ‬
‫بطر�د �لذي يخربنا باأن كل �سيء بات �أف�سل‪ ..‬عاد ل�سبابه كما عاد �ل�ساحر‬ ‫نلحق ِ‬
‫رجال باأو�خر �الأربعني وعادت زوجة �ل�ساحر‪ ،‬و�لدته‪� ،‬أربعين ّية جميلة‬ ‫و�لده ً‬
‫�ملالمح‪ ..‬و�أن �إز�لني قد ��ستعادت كامل عافيتها!‬
‫عربنا �لطابق‪ ،‬حتى ر�أينا جميع �لعر�ئ�ص ينظرن لبع�سهنّ �لبع�ص بغر�بة‬
‫و�سعادة‪� ،‬لعفيفات منهنّ فقط ��ستيقظن‪� ،‬أما �لباقيات‪� ..‬ختفني!‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫تاأوهت بده�سة ورفعت يدي لفمي بتاأثر حني ر�أيت �إيفي �ل�سغرية‪ ،‬جميلة يافعة‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬


‫يل منحنية‪ ..‬فر ّبت على �سعرها ب�سعادة ورفعت‬ ‫دوما‪ ،‬و�أكرث! تتجه �إ ّ‬
‫كما كانت ً‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫وجهها �لد�مع �إ ّ‬

‫والتوزي‬
‫يل‪ ..‬كما كان وجه جالدي�ص‪ ،‬وباقي �لعر�ئ�ص!‬

‫ع‬
‫دق قلبي بعنف �مل�ساعر‬ ‫تبعت �أمريي لتلك �لغرفة �ملنف�سلة‪ ،‬وحني دلفنا �إليها ّ‬
‫�لتي �أرى‪ ..‬فما �أرى �أمامي‪ ،‬هي �مللكة جيرنوز‪ ..‬حتت�سن �بنتها �ل�سا ّبة �جلميلة‬
‫�ملتعافية‪� ..‬الأمرية روز‪� ..‬أو كما �أعرفها �أنا‪ ..‬با�سم �إز�لني!‬
‫جذبني �أمريي بعناق‪ ،‬و�سرعان ما �ساركنا �مللكة و�الأمرية بعناقٍ كبري‪� ،‬أغم�ست‬
‫له عيني �لد�معة تاأ ّث ًر�‪ ،‬لكن �سرعان ما كبت دموعي لتبقى بجو�ر دموع حبيبي‬
‫بد�خلي‪ ..‬كما قال يل‪..‬‬
‫�بت�سمت �مللكة يل ور ّبتت على جبيني‪ ،‬و�س ّددت �إز�لني من �الإم�ساك بيدي‪..‬‬
‫وهم�ست بد�خلي‪:‬‬
‫أنك حبيبة �أخي و�أمريته!‪.‬‬
‫‪ -‬لطاملا علمت � ِ‬
‫�سحكت بتاأثر و�بت�سم يل �أمريي ليث‪ ..‬وظ ّل ِطر�د ير�قبنا بتاأثر و�إحر�ج‪ ،‬وقبل‬
‫�أن ين�سرف‪ ..‬نادته �مللكة‪ ،‬بابت�سامتها ويديها �ملمدودتني �أمامه‪ ،‬قائلة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫ني!‪.‬‬ ‫‪ً �-‬‬
‫أهال بك يف �أ�سرتنا يا ُب ّ‬
‫مل ي�س ّدق نف�سه‪ ،‬فانحنى بر�أ�سه ويف نف�ص �لوقت �نطلق �إلينا ي�سارك يف ذلك‬
‫�لعناق �لكبري‪ ،‬ف�سحكنا م ًعا‪ ،‬ومل يغفل �أحد منا عن �لنظر�ت �ملتبادلة بعيني وعني‬
‫�الأمري‪� ..‬أو بني �الأمرية روز وحبيبها ِطر�د‪� ..‬أو نظرة �مللكة جيرنوز �لتي �سملتنا‬
‫جمي ًعا!‬

‫‪T‬‬

‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬


‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫والتوز عي‬

‫‪‬‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫ل‬‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ع‬‫والتوزي‬

‫‪‬‬
‫كم �أ�سبح كل �سيء ر�ئ ًعا!‬
‫مملكة �ل�سمال كانت �ل�سبب باإعادة �سوء �ل�سم�ص جلميع ممالك �لعامل �الآخر‪،‬‬
‫مما جعلها �ململكة �حلاكمة‪� ..‬أ�سبحت �خلادمات �أكرث � ً‬
‫إقباال على �لعمل ب�سوء‬
‫�لنهار‪ ،‬بد�خل �لقلعة وخارجها‪ ،‬وكافاأ �الأمري �حل ّر��ص و�خلدم بالزو�ج وجعل لهم‬

‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫خا�سة للعي�ص بها‪ ،‬بجانب �لعمل‪ ..‬عادت �لفتيات ي�ستيقظن بالزنازين‪ ،‬لكن‬‫قرية ّ‬

‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫زنازين خمتلفة‪ ..‬و�سط �لزهور و�لورود عطرة �لر�ئحة‪ ،‬ناعمة �مللم�ص!‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬


‫والتوز عي‬
‫�نت�سرت �لزر�عة و�زدهرت �ملح�سوالت �ل�سيف ّية �جلميلة‪ ،‬و�نت�سرت �لورود‬
‫تبثّ عبريها يف �أرجاء �ململكة‪� ..‬أحببت �ل�ستاء جدًّ� الأن �ل�سيف يح�سر بعده‪ ،‬كما‬
‫يح�سر �خلريف و�لربيع‪� ..‬أحببت كل �سيء‪� ..‬أحببت نف�سي بني �أ�سرتي �جلديدة‪،‬‬
‫كما �أحببت تاجي‪ ،‬من�سبي‪ ..‬وذبت ع�س ًقا باأمريي! �لذي �أناديه بكال ��سميه‪ ..‬ظافر‬
‫وليث!‬
‫حت�سن �سمع جالدي�ص‬
‫و�سيفتي‪� ،‬أعاملهما كاأختني‪ّ ..‬‬
‫ّ‬ ‫جالدي�ص و�إيفي �أ�سبحتا‬
‫كث ًري� ل�سبب جمهول‪ ،‬وو�فقت �إيفي على �لزو�ج من كاليب! كم بدو� مرت�بطني‪..‬‬
‫�سعرت باأول م ّرة باأنهما لبع�سهما �لبع�ص بال �سك! فلقد بدو� ي�سبهان بع�سهما‬
‫�لبع�ص بطريقة غريبة!‬
‫لقد عادت فتاة �أو �أمرية �حلكايات لزوجها �لعزيز‪� ،‬ل�ساحر! لكن ك�س ّيدة‬
‫جميلة‪ ،‬وزوجة حم ّبة! كم بدو� ر�ئعني م ًعا! �أدين لهما بعمري ك ّله كما تدين لهما‬
‫�أ�سرتي باأكملها‪ ،‬فكانا هما �الثنان مبثابة �الأب و�الأم �لروح ّيني لالأمري ليث‪ ..‬ح ّبي‬
‫�الأول و�الأخري!‬

‫‪‬‬
‫تز ّوجت روز من ِطر�د كما �أ�سبحت �أنا زوجة و�أمرية فعل ّية الأمريي �لو�سيم‪،‬‬
‫لن�سبح �أنا وروز �أمريتني من �أجمل ما يكون‪ ..‬وع�سنا يف �سعادة وهناء مع زوجينا‪،‬‬
‫حتت ظ ّل ّ‬
‫وحب �مللكة �الأم‪ ..‬جيرنوز �جلميلة‪..‬‬
‫�آه كدت �أن�سى! �أنا �أحمل ويل �لعهد �الآن! ومتاأكدة من كونه �سب ًّيا‪� ..‬سيكون‬
‫بعيني �لد�فئتني �أو عينيه‪ ..‬ال فارق‪� ،‬ملهم �أن يحظى بح ّبنا �لذي‬
‫و�سي ًما كو�لده‪ّ ،‬‬
‫لن ينتهي!‬

‫‪T‬‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ع‬ ‫والتوزي‬

‫‪‬‬
‫ا لخا تمة‬

‫أغريه‪ ..‬لقد �أ ّثرت يف‬


‫مل �أكن �أعلم �أن مبج ّرد ��ستيقاظي بهذ� �لعامل‪� ..‬أنني �سا ّ‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫كل نف�ص قابلتها‪ ..‬لقد �أحدثت فار ًقا‪� ..‬أعدت �سم�ص �لعامل �الآخر‪ ،‬كما تركت ذكرى‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬


‫جميلة بحياتي �الأوىل‪..‬‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫والأجل هذ�‪ ،‬ق ّررت كتابة مذ ّكر�تي بالعامل �الآخر‪ ،‬و�لتي ��ستعنت بكل نف�ص‬

‫والتوز عي‬
‫وخ�سو�سا �أمريي �لعزيز ليث‪ ..‬حار�سي �لظافر بي‪..‬‬
‫ً‬ ‫قابلتها للتعبري عن ما حدث‪،‬‬
‫يعرب يل‬
‫يوم ق�ساه دون �أن ّ‬ ‫عرب يل‪ ..‬وبق ّوة‪ ..‬عن ما بد�خله! ً‬
‫تعوي�سا عن كل ٍ‬ ‫و�لذي ّ‬
‫عن ح ّبه‪ ،‬و��ستغللت �أنا هذ� �أف�سل ��ستغالل!‬
‫دوما حبيبته‪ ،‬مد ّللته‪ ،‬و�سيظل هو ً‬
‫دوما حار�سي و�أمريي‪..‬‬ ‫�ساأظ ّل ً‬

‫‪T‬‬

‫‪‬‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫ل‬‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ع‬‫والتوزي‬

‫‪‬‬
‫النهاية !‬

‫تن ّهدت بعد �أن �نتهيت من ّ‬


‫خط �آخر كلمة يف مذ ّكر�تي‪ ،‬و�لتي ل�ست �أعني ح ًقا‬
‫كلمة «�لنهاية» بها‪ ،‬فال نهاية للحب! و�بت�سمت لت�س ّلل يدي �أمريي �إىل خ�سري‬

‫ص‬ ‫ع‬
‫�لرفيع‪ ...‬و�لذي لن يظ ّل على حاله كث ًري� ب�سبب �حلمل‪� ،‬لتفت له مبت�سمة ٍ‬

‫ري‬
‫بع�سق‬

‫ت‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫ا‬


‫�سفتي‪ ..‬فع�س�ست على �سفتي �ل�سفلي بخجل وحب‪..‬‬ ‫الأجده يطبع قبلة رقيقة على ّ‬

‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫بل‬


‫وهم�ست لعينيه‪:‬‬

‫والتوز عي‬
‫‪� -‬أمريي ليث‪َ ..‬مل قالو� ً‬
‫يوما �أنك تظفر بكل �سيء؟!‪.‬‬
‫�سفتي بنظرة ذ�ت‬
‫مالم�سا ز�وية ّ‬
‫ً‬ ‫وجنتي باأنامله‪،‬‬
‫ّ‬ ‫�بت�سمت عيناه يل‪ ،‬والم�ص‬
‫مغزى‪ ..‬وقال قبل �أن نغو�ص بعامل �آخر‪ ..‬من �مل�ساعر‪..‬‬
‫‪ -‬ظفرت باأ�سياء كثرية فكانو� يغارون‪ ..‬لكن ما �أ�سعر �أنا بالغرية من نف�سي‬
‫بك �أمريتي‪...‬‬
‫ب�سببه‪ ،‬هو �أنني ظفرت ِ‬
‫تن ّهد بحر�رة ً‬
‫قائال‪:‬‬
‫‪� -‬أح ّبك �إليونور�‪...‬‬
‫نه�ست ورميت نف�سي باأح�سانه بينما �أهم�ص بني �سفتيه‪:‬‬
‫‪ -‬و�أحبك‪� ..‬أيها �لظافر ليث!‪.‬‬

‫‪ ..‬تمــت بحمد الله‪..‬‬

‫‪‬‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ري‬‫ص‬ ‫ع‬
‫ن‬ ‫ل‬‫بل‬ ‫ت‬ ‫ك‬
‫ر‬ ‫ش‬
‫ع‬‫والتوزي‬

‫‪‬‬

You might also like