You are on page 1of 5

‫االسم‪ :‬خالد أبو العز محمد‬

‫البلد‪ :‬الدقهلية‪ -‬مصر‬

‫األبكــم‬
‫للشفاء سموم" هذا ما انطبق عل ّي‪ ..‬إثر شخصيتي"‬
‫كنت دو ًما أهرع إلى األدوية مهما‬ ‫العُصابية القَلِقَة ُ‬
‫بعقاقير ومصول تمقتها‬
‫ٍ‬ ‫كان ألمي ضئياًل ‪ ..‬ألو ُذ‬
‫أوردتي خائاًل أن ذلك هو وقودي في الحياة‪،‬‬
‫دمن لها‪..‬‬
‫معتصم باألدوية إلى ِشبه ُم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لت من‬ ‫تح َّو ُ‬
‫مرة تلو مرة‪ ..‬دعني أخبرك عن نفسي أواًل ‪ :‬أنا‬
‫شخصٌ هزيل‪ ،‬موسوس‪ ،‬جاه ٌل بعض الشيء؛‬
‫يقودني فزعي لإلمساك بأضعف ق َّشة ُمتجاهاًل‬
‫‪.‬هشاشتها‬
‫َ‬
‫ذات مر ٍة ُمرَّة انتابني بعض التعب فأك َرهَني‬
‫ُذعري على زيادة جرعة أحد األدوية‬
‫فال أراك هللا‪ -‬شابتني ال ُزرقة وانتفخت أوردتي ‪-‬‬
‫وسقطت مغشيًا عل ّي ألستيقظ في المستشفى على‬‫ُ‬
‫رائح ٍة كيميائية مقيتة تعمل كمدعى للحزن بالنسبة‬
‫بت‬ ‫لي إلى اآلن وعلى إثر تلك الحادثة ُأ ِ‬
‫ص ُ‬
‫بال َخ َرس وها أنا ذا‪ ..‬أبكم‪ ،‬لكن ماذا بعد؟ ماذا بعد‬
‫مت الدرس‬ ‫عقوري عن الحديث؟ نعم لقد تعلَّ ُ‬
‫مدمن‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫واستسغت ال ِعب َرة ودفعتث ثمن تحولي من‬
‫ب منهُ لكنني ال أرضى بهذه الحال‪،‬‬ ‫لشيء إلى راه ٍ‬
‫ال أحتمل أن أميء للجميع كالمهرج‪ ،‬ال أحتمل أن‬
‫أرى رسوب الجميع في اختبار التعامل مع محنتي‪،‬‬
‫ُ‬
‫أتقنت لغة‬ ‫ال أحتمل أن يتنمرون عل ّي‪ ..‬حتى وإن‬
‫اإلشارة تلك أنا ال أريدها ال أطيق استخدام الخيار‬
‫األخير من كل شيء ‪-‬إلهي أخرجني من هذا‬
‫البالء‪ -‬أنا ال أكره لغة اإلشارة فحسب بل أكرهُ‬
‫أيضًا أن أكتبُ ألتواصل مع من تجمعهم بي‬
‫آصرة‪ ..‬أراهم جميعًا يرسبون في التعامل معي‪:‬‬
‫إشفاقهم عل ّي رسوب‪ ،‬السخرية رسوب‪ ،‬عدم‬
‫ك سوى الدموع للتعبير‬ ‫استيعابهم رسوب‪ ،‬ال أمل ُ‬
‫عن ما بداخلي‪ :‬الحزن‪ ،‬الغضب‪ ،‬األلم وحتى‬
‫خر ُج تهتهاتًا فحسب‪،‬‬‫ُأ‬ ‫ُ‬
‫أصبحت كاألطفال ِ‬ ‫الجوع‬
‫ٌ‬
‫نظرات تنم‬ ‫نظراتي أصبحت شاردة كالحيوانات‪..‬‬
‫عن شي ٍء قوي ج ًدا أال وهو الالشيء‪ ،‬أمشي‬
‫ببطء‪ ،‬أحتاج المساعدة بينما جميعهم أظهروا‬
‫الوجه الدفين في أوجِّ األزمات‪ ..‬من المفترض أن‬
‫تكون هذه اللحظات أوان ذروة اهتمامهم َّ‬
‫لكن‬
‫‪ .‬النقيض يتجلّى‬
‫أد َخلَت أمي الطعام‪ ..‬إنها تعلم أنني أبكي‪ ..‬تعل ُم أنّي‬
‫حزين‪ ..‬تنظ ُر لي نظراتًا تدفع عيني لالنبطاح‬
‫حسرةً‬
‫تظنين أنّني أبكي جو ًعا ‪-‬‬
‫َ‬ ‫على الورقة‪" -‬أمي هل‬
‫ُ‬
‫لتذرف‬ ‫كنت في طفولتي؟" تنا َولَت منّي الورقة‬
‫كما ُ‬
‫الدمع ه َي األخرى وعانقتني‪ ..‬أشع ُر بعودتي طفاًل‬
‫اآلن‪ ..‬طفل يحتمي بجلباب أمه يبكي ويصرخ‬
‫افتقدت هذا العناق‪ ..‬لوال ابتعادها عنّي‬‫ُ‬ ‫ويِئ ّن‪ ..‬لقد‬
‫ت مذعورًا فا ًّرا إلى الدواء‬
‫‪.‬لَما بِ ُّ‬
‫َ‬
‫لست جائعًا‪ ،‬أنا أعل ُم جي ًدا ما تشعر ‪-‬‬ ‫ال يا بُني َ‬
‫أنت‬
‫به‪ ..‬هذه النظرات في عينيك ال تستغرق الثانيتين‬
‫‪.‬حتى أفهمها‬
‫"على الورقة‪" -‬ال تهمليني مجد ًدا يا أمي‪-‬‬
‫دع الورق يا عزيزي ال تحتاجه للتواصل معي؛ ‪-‬‬
‫كنت هنا ‪-‬مشيرةً إلى بطنِها‪ -‬ولم تلجأ‬
‫يو ًما ما َ‬
‫وكنت أفهمك‪ ..‬ال تقلق لن أتركك‬‫ُ‬ ‫للكتابة وقتها‬
‫ُ‬
‫استسغت ال ِعب َرة‪ :‬لكي يتحول األمر من‬ ‫مجد ًدا لقد‬
‫حنو واهتمام البد‬
‫قسو ِة وجفاء ٍأم على ولدها إلى ٍّ‬
‫من حدوث ما يثير عاطفتنا ويذ ِّكرنا ِ‬
‫بصلتِنا التي‬
‫‪.‬أهملناها‬
‫"على الورقة‪" -‬فازت األم في االختبار‪-‬‬

You might also like