Professional Documents
Culture Documents
الأبكم
الأبكم
األبكــم
للشفاء سموم" هذا ما انطبق عل ّي ..إثر شخصيتي"
كنت دو ًما أهرع إلى األدوية مهما العُصابية القَلِقَة ُ
بعقاقير ومصول تمقتها
ٍ كان ألمي ضئياًل ..ألو ُذ
أوردتي خائاًل أن ذلك هو وقودي في الحياة،
دمن لها..
معتصم باألدوية إلى ِشبه ُم ٍ
ٍ لت من تح َّو ُ
مرة تلو مرة ..دعني أخبرك عن نفسي أواًل :أنا
شخصٌ هزيل ،موسوس ،جاه ٌل بعض الشيء؛
يقودني فزعي لإلمساك بأضعف ق َّشة ُمتجاهاًل
.هشاشتها
َ
ذات مر ٍة ُمرَّة انتابني بعض التعب فأك َرهَني
ُذعري على زيادة جرعة أحد األدوية
فال أراك هللا -شابتني ال ُزرقة وانتفخت أوردتي -
وسقطت مغشيًا عل ّي ألستيقظ في المستشفى علىُ
رائح ٍة كيميائية مقيتة تعمل كمدعى للحزن بالنسبة
بت لي إلى اآلن وعلى إثر تلك الحادثة ُأ ِ
ص ُ
بال َخ َرس وها أنا ذا ..أبكم ،لكن ماذا بعد؟ ماذا بعد
مت الدرس عقوري عن الحديث؟ نعم لقد تعلَّ ُ
مدمن
ٍ ُ
واستسغت ال ِعب َرة ودفعتث ثمن تحولي من
ب منهُ لكنني ال أرضى بهذه الحال، لشيء إلى راه ٍ
ال أحتمل أن أميء للجميع كالمهرج ،ال أحتمل أن
أرى رسوب الجميع في اختبار التعامل مع محنتي،
ُ
أتقنت لغة ال أحتمل أن يتنمرون عل ّي ..حتى وإن
اإلشارة تلك أنا ال أريدها ال أطيق استخدام الخيار
األخير من كل شيء -إلهي أخرجني من هذا
البالء -أنا ال أكره لغة اإلشارة فحسب بل أكرهُ
أيضًا أن أكتبُ ألتواصل مع من تجمعهم بي
آصرة ..أراهم جميعًا يرسبون في التعامل معي:
إشفاقهم عل ّي رسوب ،السخرية رسوب ،عدم
ك سوى الدموع للتعبير استيعابهم رسوب ،ال أمل ُ
عن ما بداخلي :الحزن ،الغضب ،األلم وحتى
خر ُج تهتهاتًا فحسب،ُأ ُ
أصبحت كاألطفال ِ الجوع
ٌ
نظرات تنم نظراتي أصبحت شاردة كالحيوانات..
عن شي ٍء قوي ج ًدا أال وهو الالشيء ،أمشي
ببطء ،أحتاج المساعدة بينما جميعهم أظهروا
الوجه الدفين في أوجِّ األزمات ..من المفترض أن
تكون هذه اللحظات أوان ذروة اهتمامهم َّ
لكن
.النقيض يتجلّى
أد َخلَت أمي الطعام ..إنها تعلم أنني أبكي ..تعل ُم أنّي
حزين ..تنظ ُر لي نظراتًا تدفع عيني لالنبطاح
حسرةً
تظنين أنّني أبكي جو ًعا -
َ على الورقة" -أمي هل
ُ
لتذرف كنت في طفولتي؟" تنا َولَت منّي الورقة
كما ُ
الدمع ه َي األخرى وعانقتني ..أشع ُر بعودتي طفاًل
اآلن ..طفل يحتمي بجلباب أمه يبكي ويصرخ
افتقدت هذا العناق ..لوال ابتعادها عنّيُ ويِئ ّن ..لقد
ت مذعورًا فا ًّرا إلى الدواء
.لَما بِ ُّ
َ
لست جائعًا ،أنا أعل ُم جي ًدا ما تشعر - ال يا بُني َ
أنت
به ..هذه النظرات في عينيك ال تستغرق الثانيتين
.حتى أفهمها
"على الورقة" -ال تهمليني مجد ًدا يا أمي-
دع الورق يا عزيزي ال تحتاجه للتواصل معي؛ -
كنت هنا -مشيرةً إلى بطنِها -ولم تلجأ
يو ًما ما َ
وكنت أفهمك ..ال تقلق لن أترككُ للكتابة وقتها
ُ
استسغت ال ِعب َرة :لكي يتحول األمر من مجد ًدا لقد
حنو واهتمام البد
قسو ِة وجفاء ٍأم على ولدها إلى ٍّ
من حدوث ما يثير عاطفتنا ويذ ِّكرنا ِ
بصلتِنا التي
.أهملناها
"على الورقة" -فازت األم في االختبار-