Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
المطلب األول :افکار مدرسة التبعية كأحد طروحات الفكر االقتصادي في العالم الثالث
خاتمة
قائمة المراجع
مقدمة:
ان الدولة في العالم الثالث ارتبطت ارتباطا بنائيا بالنظام الع8المي ذي الوجهين الخارجي و الداخلي و
الدولة في العالم الثالث -و الوطن العربي من بينها -لم تمر بأطوار التطور التي عايشتها أوربا
و لم تشهد في معظمها الثورات العلمية و الفكرية التي قادت الحركات االجتماعية و أنارت الطريق للقوى
االجتماعية لفهم العالقات وتفاعلها داخل المجتمع ولعل الفرق بين الدولة المستقرة ذات اآلليات االقتصادية
واالجتماعية المتفاعلة في الغرب و الدولة في العالم الثالث و الوطن العربي من ضمنها ،هو فرق على
مستوى المفهوم ،و منه نطرح االشكالية الرئيسية التالية :كيف كان الفكر االقتصادي لدى دول العالم
الثالث؟
المبحث األول :مدخل الى الفكر االقتصادي
منذ وجد اإلنسان على هذه األرض أحب حقيقتين هامتين :األولى ،أن حاجاته متعددة والثانية ،
أن الموارد واألموال الموجودة والقادرة على إشباع هذه الحاجات محدودة نسبيا إذا قيست بتلك الحاجات ،
وعن ارتباط هاتين الحقيقتين تنشأ المشكالت والظواهر االقتصادية ،فيمكن القول أن المشكالت والظواهر
االقتصادية هي تلك التي تنشأ من وجود حاجات متعددة بموارد محدودة إلشباع هذه الحاجات ،في اإلنتاج
والنقود والمبادالت الداخلية والخارجية كلها ظواهر اقتصادية ،النها تترتب على وجود الحاجات االنسانية
المتعددة والموارد المحدودة .وقد حاول االنسان دائما ان يفهم القوى التي تحكم هذه الظواهر االقتصادية
وتؤثر فيها ،كما كان شأنه دائما في الظواهر الكونية واالجتماعية ،كما حاول بعد أن تقدم بعض الشيء
أن يصوغ العالقة بين هذه القوى والظواهر االقتصادية التي تخضع لها في شكل قوانين علمية عامة ،كما
كان شأنه أيضا في فروع المعرفة االخرى ،وفي ضوء ما انتهى اليه من معنى لتلك الظواهر والعالقات
اراد ان يصوغ سياسته وسلوكه على النحو الذي يمكنه من تذليل بيئته والسيطرة عليها في سبيل الحصول
على أقصى ما يمكن الحصول عليه من ثروة ،ومن هنا كان الفكر االقتصادي وكانت السياسة االقتصادية.
يتضمن تأريخ الفكر االقتصادي دراسة وتفسير وتحليل القوانين التي تتعلق بإنتاج الثروة المادية
وتوزيعها الشباع الحاجات االنسانية على مر المراحل والعصور التاريخية ،فهو يبحث فيما أثيرت أو
طرحته من اراء وافكار من قبل المفكرين والكتاب خالل العصور المختلفة حول مشكلة اإلنسان االقتصادية
تفسر العالقات التي تحكم الظواهر االقتصادية ،ومعرفة مختلف التوجهات الفكرية حول األوضاع
1
االقتصادية وما تبعها من سياسات ونظم اقتصادية مختلفة .
اختلفت االتجاهات الفكرية حول العناصر االساسية للفكر االقتصادي ،وفي متابعة البعض منها
نالحظ أن االقتصاد الفرنسي بيرو يرى بحقيقة الفصل والتمييز بين النظرية والمذهب فأكد على أهمية
الفصل بين التفسير (النظرية والتقدير (المذهب) ،أي بين معرفة الواقع واصدار الحكم القيمي ،ومن
المدافعين عن هذا التمييز االقتصادي ال جوجي في كتابه " المذاهب االقتصادية " ،حيث وضح أن
عناصر الفكر االقتصادي هي المذهب النظرية والمنهج والسياسة االقتصادية ،وكما مبين:
-1النظرية :وبين بانها ذات مضمون علمي ،حيث ان العلم يمثل دراسة للقوانين التي تحكم الظواهر ،
وان النظرية تدرس القوانين التي تتحكم بالظاهرة وتفسر آلية عملها ( ميكانزمات ) النظرية إذن علمية
-2المذهب :ويدخل في ميدان األخالق الن المذهب قيمي أي الحكم على نظام اقتصادي معين في حبذ
قبوله او رفضه ،وبما أن علم األخالق هو علم القيم فان المذهب يدخل في باب علم االخالق التي ال
تكتفي بالتعبير عن الواقع وإنما تحاول تفسيره استنادا إلى مثل عليا .السياسة االقتصادية وهي مجموعة
إجراءات اقتصادية تقوم بها الدولة والتي تستهدف تطبيق النظرية من اجل التغيير
1عبد الستار عبد الحميد سلمي ،حدود تدخل الدولة في المجال االقتصاديفي ظل اقتصاد السوق ،دار النهضة العريبة،
القاهرة ،2005 ،ص25
_ المنهج ويمثل مجموعة ادوات واساليب تحليلية البد من استخدامها من اجل الوصول الى الحقيقة
االقتصادية ويستعين المنهج االقتصادي بالعلوم االخرى ،فلذا فقد تأثر المنهج االقتصادي في زمن آدم
سميث بالعلوم الطبيعية وخاصة الميكانيك (اآللية) لذلك أصبح منهج االقتصاد ميكانيكي ( منهج ميكانيكي
بمعنى أن القوانين واالحداث تحدث بعيدا عن االرادة االنسانية لكن الواقع يشير الى ان االحداث والقوانين
تحدث بفعل االرادة االنسانية ) ،وبعد دارون اصبحت البيولوجيا ) تغليب اصل االنسان ( هي السائدة فبدأ
علم االقتصاد يستعين بأدوات البيولوجيا ويغلبها على الميكانيك ،وبعد اينشتاين استخدم المنهج الرياضي
2
وفي زمن اليونان والرومان استخدم المنهج الفلسفي االستقراء واالستنباط .
قد يثار تساؤل مفاده ،متى بدأ التفكير االقتصادي عند االنسان ؟ ان االجابة عن هذا السؤال
يتطلب التمييز بين مسألتين تتعلق بمفهوم المشكلة التكنيكية ومفهوم المشكلة االقتصادية ،حيث ان المشكلة
التكنيكية هي في الواقع مشكلة طبيعية تتجسد في مشكلة السيطرة على الطبيعة ،والتي تعبر من ناحية
اخرى عن العالقة بين اإلنسان والطبيعة ،وهنا فإن هذه المشكلة موجودة دائما طالما كان هناك إنسان
وهناك طبيعة مقرونة برغبة في السيطرة المستمرة من قبل اإلنسان على الطبيعة ،وبهذا المعنى فالمشكلة
التكنيكية موجودة منذ األزل وموجود فكر يتعلق بها منذ بداية الفكر اإلنساني .
أما المشكلة االقتصادية فهي مشكلة اجتماعية في جانب كبير منها ،والمشكلة االجتماعية ال تعبر عن
العالقة بين اإلنسان والطبيعة وإنما تعبر عن العالقة بين االنسان واالنسان ،في تأريخ ظهور الفكر
االقتصادي يرتبط بتاريخ ظهور المشكلة االقتصادية بمعناها اإلنساني ال التكنيكي ،إذ ال نجد مشاكل
فاإلنسان البدائي لم يعرف الملكية الفردية بمعناها الصحيح في المراحل البسيطة األولى من حياته ،بل كان
يسود هذه الحياة نوع من التضامن و المشاعية ،ناشئ عن صعوبة الظروف التي لم يكن الفرد قاد ار على
مواجهتها وحده ،وعن ضآلة اإلنتاج وبساطته ،وعدم وجود أي فائض إنتاجي يسمح باستغالل عمل اآلخرين،
ألن العمل كان كله موجها نحو تلبية الحاجات الضرورية المباشرة .
وبهذا فعندما كانت حاجات االنسان بسيطة ،وكان صراعه مع الطبيعة من أجل بقائه ،وأساليب اإلنتاج
كانت بدائية هي األخرى لم تكن هناك ضرورة اجتماعية لتقسيم العمل ،ولم يتطلب في ذلك الوقت وجود
نظرية اقتصادية أو اجتماعية محكمة تفسر وتوجه الحياة االقتصادية لإلنسان ،وال تظهر الحاجة الى فكر
اقتصادي معين ،ولم يتطلب ذلك أيضا وجود اقتصاديين ،طالما اعتمدت مشكلة البقاء على العرف
والتقاليد او على القهر من جانب سلطة عليا ،اذا كان االمر متروكا لرجال الدين والفلسفة والسياسة في
إصدار حكمهم ووضع القواعد الدينية او النظرية السياسية والفلسفية واالخالقية التي تنظم حياة المجتمع
ولكن مع تعقد الحاجات اإلنسانية وتعددها وتطور أسلوب اإلنتاج وتطور المجتمع وتشابك المصالح ،تنشأ
عندئذ الحاجة الى مثل هذه النظرية ،وتنشأ الحاجة الى وجود تفكير اقتصادي منظم بما يتالئم والحاجات
ومن هنا يمكن القول أن بداية االهتمام بالفكر االقتصادي تعود الى مرحلة المجتمع العبودي اي بداية
االهتمام بالفكر اليوناني كونه يمثل فكر المرحلة العبودية ،ومن ناحية الفكر اليوناني فإننا نالحظ أن
المجتمع اليوناني مر بمرحلتين كبيرتين تفصل بينهما مرحلة انتقالية ،المرحلة االولى هي المشاعية البدائية
في عهد تفسخها وانحاللها ،ثم مرحلة انتقالية قبل الدخول في المرحلة الثانية وهي العبودية التي بلغت فيها
3
الحضارة اليونانية مستوى النضوج .
المطلب األول :افکار مدرسة التبعية كأحد طروحات الفكر االقتصادي في العالم الثالث
ترجع بداية هذه المدرسة التي تفسر تخلف دول العالم الثالث ،الى نهاية الستينات من القرن
الماضي ،وتعد احدى المدارس الفكرية التي نمت على خلفية استعمار البلدان الصناعية االوربية لبلدان
الشرق سواء في آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية ،أن ظهور هذه المدرسة جاء في إطار محاولة من اقتصاديي
هذه البلدان اإلتيان بأفكار تتوائم مع طبيعة هذه المجتمعات ومستوى بنائها االقتصادي ،وحجم المعضالت
التي تعيشها وتعاني منها ،ولهذا نلحظ توسع وتطور هذه النظرية امتدت إلى مختلف بلدان األطراف في
قدمت مدرسة التبعية إطا ار تحليليا جديدا لدراسة مشكلة التخلف وكانت أهم اإلضافات التي جاءت
بها هو أخذها النظام العالمى كوحدة تحليلية لها هذا النظام الذي ينقسم إلى نوعين من التشكيالت
االجتماعية ،تضم األولى الدول الرأسمالية أو الصناعية المتقدمة والتي تشكل "المركز" للنظام الدولي ،أما
األخرى وتتكون من التشكيالت االجتماعية للدول غير المتقدمة وتشكل "أطراف" ومن خالل اإلطار التحليلي
يصل مفكري مدرسة التبعية إلى فرضية أساسية وهي رفض نمط اإلنتاج الرأسمالي كحل لواقع التخلف في
األطراف ،فكان من أولى المظاهر التي جرى التركيز عليها في سياق تحليل هذه المدرسة هو اآلتي:
3حازم البيالوي ،دور الدولة في االقتصاد ،القاهرة ،دار الشروق ،2004 ،ص63
-1التقسيم الدولي للعمل بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية ،حيث فرض بموجبه أن تتخصص البلدان
4
-2انحياز نظرية التجارة الدولية وبخاصة نظرية التكاليف النسبية لريكاردو ،لصالح البلدان الصناعية.
إذا كان ظهور الدولة في أوروبا وفق الكتابات الفكرية والنظريات العلمية قد تحقق من خالل تفاعل
طويل و معقد عبر التاريخ (وهو تاريخ تمت كتابته بالدم والحروب والصراعات واألفكار الفلسفية والعلمية
تعبير عن استقرار
ًا وعندما تمكنت أوروبا من صياغة شكل الدولة الحديثة في النهاية كان ذلك
آليات التفاعل االجتماعي واالقتصادي ونمط اإلنتاج على شكل محدد و مقبول لتحقيق التوازن واالستقرار
االجتماعي وتلبية حاجيات المجتمع .مفهوم الدولة في الغرب تطور بشكل منظم بحث عن تحقيق المصلحة
العامة ومن خاللها أضيفت للدولة مهام أخرى كما تم التطرق له من خالل تطور دور الدولة في االقتصاد.
ف مفهوم الدولة في العالم الثالث والوطن العربي من بينها ظهر بشكل اعتباطي حيث لم تستطع هذه الدول
أن تفرض النظام وتضمن لنفسها احتكار القوة السياسية واالقتصادية وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية
التي أثرت على معتقدات هذه الدول التي كانت سائدة سابقا ،ليتحول العالم الثالث إلى منطقة تجارية تابعة
ناتجة عن تأثير االحتالل االستعماري الذي أسهم في استقرار األوضاع وترتيب المؤسسات وتصوراتها ألي
من األشكال و النظم والذي يضمن مصالح هذه الدول ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإن هذه القوى
العالمية أصبح لها مصالح حقيقية مع هذه الدول و الذي نتج عنه عالقات غير متكافئة حتى يومنا هذا.
وهكذا فإن نشوء الدولة الحديثة في العالم الثالث جاء في الغالب لتدعيم عالقات التبادل غير المتكافئ مع
4احمد رشاد موسى ،دو رالدولة في النظام االقتصادي المعاصر ،القاهرة ،الجمعية المصرية لالقتصادو االحصاء و
التشريع ،2006 ،ص98
الغرب المستعمر سابقا ،و حاض ار و وفق مصالحه و ضمان استمرارها و لذا فلم توجد دولة في معظم دول
العالم الثالث ظهرت نتيجة تفاعل اجتماعي و اقتصادي حقيقي بمعزل عن التأثير االستعماري المباشر أو
كما يمكن القول أن الدولة في العالم الثالث ظهرت في التاريخ الحديث بعد االستعمار ،بعد أن
ٍ
ناحية قومياتها الحديثة ،و من ناحية أخرى افتقادها للتقاليد الديمقراطية ،وبالتالي فقد اضطرت اكتشفت من
إلى إقامة حكومات قوية باالعتماد على السلطة بمعناها الضيق وهو "القوة" وتستدل بقول "روسو" في "العقد
االجتماعي" :أن ما من أحد قوي إلى الحد الذي يمكن أن يكون فيه متأكدا من أنه سيبقي األقوى" .بحيث
تحولت في معظمها إلى أشكال من الحكم الفردي أو الشمولي .و إزاء هذا الموقف تسعى الدولة نحو
الهيمنة على توجيه السياسات واإلشراف عليها -بعد عجز البورجوازية الصغيرة لوحدها عن خلق التطور
فإنها تخلق فئة من البيروقراطيين والعسكريين و التكنوقراط تضاف إلى البورجوازية الصغيرة وتحتكر صناعة
السياسة ،ومن هنا يتحول الموقف االقتصادي للدولة إلى موقف سياسي لطبقة تحتكر السياسة ،سواء
5
بالنسبة للحزب الواحد أو حزب األغلبية.
بعد الحرب العالمية الثانية وجدت دول العالم الثالث نفسها في حالة ارتباك واالنطالق خلف التقليد الغربي
بين النظام االشتراكي و النظام الرأسمالي سواء في االقتصاد أو السياسة أو اإلعالم ،بل ذهب البعض منها
إلى الجمع بين أسوأ ما في النظامين في وقت واحد فالدولة في العالم الثالث قد تتدخل في شؤون االقتصاد
و تقيم ركيزة اقتصادية وطنية صلبة ،وقد تتجه في ظروف أخرى إلى تشجيع القطاع الخاص وتقويته ،و
5النذير قمرة ،تاثير الفكر االقتصاديعلى دور الدولة في المجال االقتصادي في العالم الثالث ،جامعة محمد بوضياف
المسيلة ،مجلة العلوم االقتصادية و التسيير و العلوم التجارية ،العدد ،2017 ،10ص348
لكن شكل الفعل االقتصادي و عمقه و نطاقه في الحالتين قد يختلف من مجتمع إلى آخر في ضوء
اعتبارات تاريخية خاصة .كما أنه يختلف باختالف الفترة التاريخية داخل المجتمع .فكل" منعطف تاريخي
يفرز قوى اجتماعية سياسية تتشابك عالقاتها ومصالحها بشكل يختلف نسبيا عن الفترة التي سبقته فترة
الستينيات والسبعينياتى تدخلت الدولة في معظم دول العالم الثالث بشكل واسع في المجال االقتصادي
منتهجة النظام االقتصادي االشتراكي " للتحقيق معدالت نمو كبيرة و في مدة قصيرة على أساس تجربة
االتحاد السوفييتي سابقا من أجل إعادة بناء اقتصادياتها ،في الوقت الذي نالت فيه هذه الدول استقاللها،
حيث ورثت هياكل اقتصادية جرى تحريرها لخدمة مصالح القوى االستعمارية ،فقد آلت المنشآت الهامة و
البنى التحتية كوسائل النقل والسكك الحديدية والموانئ واالتصاالت والمياه والكهرباء بعد االستقالل إلى
الدول الجديدة (المستقلة) ،وكان من الطبيعي أن تتولى هذه الدول أمور اإلشراف واإلدارة لهذه المؤسسات
من أجل بسط سلطتها و فرض سيادتها و تبرير مشروعيتها ،ولهذا وجدت الدول الجديدة ،أنه من الضروري
إذا كانت الفترة الممتدة ما بين الحربين العالميتين األولى والثانية قد شهدت نموا سريعا للقطاع
العام ،فإن للمتغيرات الجذرية السياسية و االقتصادية وخاصة في فترة الخمسينيات والستينيات أكبر األثر
في دخول تعديالت في حجم وطبيعة القطاع العام ،حيث أدت إلى إعادة تركيب هيكل االقتصاد و بشكل
التحتية وتوفير الخدمات العامة خاصة في تقديم الخدمات االجتماعية للمستفيدين منها دون مقابل على
حساب الميزانية العامة استنادا إلى مبدأ العدالة االجتماعية و التركيز على السياسة العامة لالقتصاد و
تنظيم حركة التجارة الخارجية .لقد واجهت الحكومات الوطنية للدول المستقلة في هذه الفترة مشكلة تكمن
في استم اررية النفوذ االستعماري ،وخاصة فيما يتعلق بسيطرة رأس المال األجنبي على المرافق العامة ،و
على جزء هام من االقتصاد الوطني ،فاضطرت غالبية هذه الدول إلى تأميم هذه الشركات األجنبية ،حيث
شكلت هذه التأميمات و المصادرة لرأس المال األجنبي النواة األولى للقطاع العام و التي نشأت نتيجة
عوامل سياسية و بدوافع أمنية ،ولم تكن مخططة في إطار إستراتيجية أو سياسة اقتصادية هادفة ،وسرعان
ما تأكد تدخل الدولة في مختلف الميادين وخاصة في المجال االقتصادي ،ذلك التدخل الذي بدا في أول
األمر ،مجرد إجراء ضروري و خيار سياسي ،حيث بدأت الدول تتجه نحو التخطيط كوسيلة لتنظيم السياسة
االقتصادية وتوجهها ،و أكثر من ذلك ،فقد أصبح اتجاه الدول يسير نحو خلق مشروعات جديدة تقوم على
رأس المال العام واإلدارة الحكومية المباشرة باعتبار ذلك المسار األنسب لتحقيق األهداف التي حددتها
الحكومات لسياساتها االقتصادية واالجتماعية عن طريق إطالق االستثمارات الحكومية و توجيه االقتصاد،
للنشاط االقتصادي والصانع األول لهيكل االقتصاد الوطني عن طريق الزيادة في النفقات الحكومية على
الخدمات االجتماعية ومنشآت البنية التحتية واإلنتاج و خلق وتوسيع قطاعات كاملة لإلنتاج السلعي.
و في المقابل ،فإنه من البديهي في ظل إحداثيات اقتصادية ،مثل تلك القائمة في دول العالم الثالث
أن يكون للقطاع العام الفضل األكبر في تحقيق أهداف مختلفة تتعلق بالنمو االقتصادي و تحريك المدخرات
الوطنية وتوزيع االستثمارات وخلق فرص عمل للعمالة المتنامية و التخطيط الستعمالها والتنويع االقتصادي
و تحقيق غيرها من األهداف العريضة في التنمية االقتصادية واالجتماعية ،و الحد من التبعية للنظام
االقتصادي الدولي ،باعتبار أن القطاع الخاص بما يحويه من رأسماليين وتجار وصناعيين ومالك يميل
إلى التركيز على المصالح الشخصية من خالل تعظيم أرباحه تاركا ما عدا ذلك من أمور مهمة االستقالل
السياسي والتنمية االقتصادية واالجتماعية ،فضال عن ذلك ،فإن القطاع العامُ ،يعد وبحق األداة الوحيدة
للسيطرة على الموارد الوطنية ،كما أنه ُيعد المحرك األساسي المتاح ،إلعادة توزيع الدخل والثروة ،مع ما
يتبع ذلك من أثر على تغيير مراكز ثقل القرار السياسي .إن دور الدولة في العالم الثالث في المجال
االقتصادي ناتج عن ظروف معينة داخلية وخارجية ،حيث فرض على الدولة في فترة الستينيات و
السبعينيات التدخل في األمور االقتصادية ،وتنظيم المبادرة الفردية إال أن هذا التدخل كما بينا سبب لها
مشاكل اقتصادية واجتماعية ،والتي تمثلت في عجز مزمن ومتزايد في الميزانية العامة وعجز في الميزان
التجاري و ميزان المدفوعات و مديونية خارجية باهظة وخدمة ديون متراكمة ،مما نتج عنه تعثر خطط
وبرامج التنمية ارتفاع األسعار و ظهور التضخم والبطالة السافرة و المقنعة ،وهذا ما ظهر جليا في فترة
لقد كان دور الدولة فى فترة الستينيات ،وهي الفترة التي طبقت فيها معظم دول العالم النظام
االشتراكي و انتهجت سياسة إحالل الواردات .يتركز في قيامها بالتخطيط المركزي لألنشطة االقتصادية و
ملكيتها ألدوات اإلنتاج ،وحظر قيام القطاع الخاص بإقامة المشروعات أو تحديد المجاالت التي يقتصر
نشاطه عليها وتقوم الدولة بنفسها بعملية اإلنتاج على المستوى الكلي ،واستمر هذا في عقود الستينيات و
السبعينيات من القرن الماضي ...ومع بداية عقد الثمانينيات ظهرت تيارات جديدة تدعو إلى مناهضة
الكينزية والفكر االشتراكي الذي يدعو إلى تدخل الدولة في االقتصاد و تزامنت هذه الدعوات مع ظهور
سياسات "البيروسترويكا التي بدأ االتحاد السوفييتي سابقا في تبنيها في العام ،1985وهذا دفع باتجاه
اهتزاز الثقة في النموذج الماركسي إلى أن سقط االتحاد السوفييتي وتفكك في أواخر الثمانينيات ،والذي
كان ُيعتبر معقل االشتراكية في العالم ،كما انهار سور برلين الذي تم بناؤه في عقد الستينيات والذي كان
الذي تطبقه األخرى ،في ألمانيا الشرقية كانت تسير على النظام االشتراكي ،أما ألمانيا الغربية فكانت تطبق
النظام الرأسمالي
و يعتبر هذان الحدثان التاريخيان من األحداث المهمة والخطيرة في آثارهما الضخمة في فترة
التسعينيات على االقتصاد العالمي ،حيث أصبحت هناك منظومة فكرية واحدة هي منظومة الفكر الرأسمالي
ومضمون هذا الفكر اتعكس في أطروحات مدرسة شيكاغو " اقتصاديات العرض" لدى الفكر التقليدي
المعاصر الذي ذكرناه سابقا و الذي يرى بضرورة تحجيم دور الدولة و القطاع العام وزيادة دور القطاع
الخاص في النشاط االقتصادي ،تماشيا مع الفكر ال أرسمالي بأسلوب جديد يتفق مع متطلبات اإلستراتيجية
الشاملة لرأس المال و مصالح الشركات متعددة الجنسيات ،وبدأت هذه الدعوات تأخذ أبعادا عملية " مع
توّلى حزب المحافظين الحكم في بريطانيا بتولي Thatcherوكذلك فوز الجمهوريين في ،الواليات المتحدة
بتولي Reaganفيها واللذان قر ار تبني سياسة ليبرالية جديدة و التي أسهم وبشكل كبير المستشار
المفكر Milton Friedmanفي صياغتها ،و من بينها سياسة الخوصصة واقتصاد السوق اللذان
يدعوان إلى إعادة النظر في دور الدولة .منذ ذلك التاريخ بداية التسعينيات بدأت دول أوروبا الشرقية التي
كانت تطبق النظام االشتراكي في التحول إلى اقتصاد السوق ،كما اتجهت أيضا معظم دول العالم الثالث
نحو فتح اقتصادها على االقتصاد العالمي .حيث غيرت جذرًيا أداءها االقتصادي السابق ،لتنسجم بذلك
مع المبادئ االقتصادية الجديدة و من أهم تلك التطورات والمتغيرات العالمية التي أدت إلى ذلك التحول
نذكر ما يلي :الثورة التكنولوجية " و التطور الكبير في االتصاالت والفضائيات والمواصالت .تفكك االتحاد
تحرير التجارة العالمية في ظل "منظمة التجارة العالمية" .التكتالت االقتصادية في العالقات الدولية
وهذه التطورات أثرت على دور الدولة من دولة متدخلة كليا إلى دولة تبحث عن صيغة متطورة
تنظيم المجتمع وإدارته ،يكون دورها فيه دو ار فعاال و حاف از ودافعا يجعله قاد ار على االعتماد على ذاته
الخارجية في النصف األول من ثمانينيات القرن العشرين و عدم قدرتها على القيام بواجباتها حيال مواطنيها،
فإنها لجأت إلى المؤسسات المالية الدولية لطلب المساعدة لمواجهة تلك األزمة .و في هذا الصدد قام
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بدور مهم مع دول العالم الثالث لتمكينها من اجتياز المرحلة الصعبة،
وذلك من خالل فرض برامج التثبيت االقتصادي والتكيف الهيكلي لعالج األزمة االقتصادية التي اجتاحت
معظم تلك الدول في بداية الثمانينيات ،والذي يقوم أساسا على تقليص دور الدولة في إنتاج السلع والخدمات
أجنبيا ،بسبب الصعوبات التي واجهت معظم دول العالم الثالث في
ً و تركها للقطاع الخاص محليا كان أو
توفير بعض الحاجيات األساسية لمواطنيها مثل الرعاية الصحية والتغذية و التعليم ،وزيادة البطالة .و برامج
التكييف الهيكلي " هذه هي عبارة عن حزمة سياسات اقتصادية ( )Packageقد تختلف بعض الشيء من
دولة إلى أخرى ،و لكنها تشمل رفع دعم الدولة عن السلع و الخدمات و مؤسسات القطاع العام وتحرير
أسعار السلع والخدمات ، Price Liberalizationو تخفيض قيمة العملة الوطنية Currency
،Devaluationوتخفيض اإلنفاق الحكومي ، Govt. Expenditureإضافة إلى تقليل الرقابة على النقد
األجنبي ،و تحرير أسعار الفائدة حتى تكون حقيقية ،هذا إلى جانب إنهاء الحماية غير الجمركية التي
تتمتع بها الصناعة المحلية ، Trade Liberalizationو إحكام الرقابة على االئتمان و تشجيع القطاع
الخاص يقود التنمية االقتصادية ،وذلك إلفساح المجال له في كل القطاعات التي كانت ِح ْك ًار على مؤسسات
القطاع العام وهذا ما يعرف بالخوصصة .و في هذا اإلطار ،صدر تقرير عن البنك العالمي " اقترح فيه
إستراتيجية أساسها تخفيف األعباء التي تتحملها الدولة عن طريق إشراك المواطنين والمجتمعات المحلية
مشروعيتها االقتصادية واالجتماعية ،حيث تطور مفهوم الدولة من دولة تتدخل في كل الشؤون إلى دولة
6
استنادا إلى مبادئ اقتصادية جديدة.
ً تحاول أن تنظم أداءها االقتصادي،
نتيجة لما سبق فقد تغير دور الدولة في النشاط االقتصادي بعد حدوث هذه المتغيرات السابق
اإلشارة إليها ،حيث تقلص تدخل الدولة في النشاط االقتصادي بسبب السير في االقتصاد المفتوح القائم
على آليات السوق و تفاعل قوى العرض والطلب ،وترك الحرية للقطاع الخاص إلقامة المشروعات
إن المتغيرات العالمية المعاصرة أدت إلى تطور ملحوظ في دور الدولة من دولة حارسة إلى دولة
متدخلة إلى دولة منظمة ،وهذا التطور ليس معناه اإلنقاص من دور الدولة في المجتمع أو زيادة هذا الدور،
ولكنه دور يتطلب من الدولة اتخاذ خطوات والقيام بسياسات تكفل خلق مجتمع أكثر قوة وفاعلية.
قائمة المراجع:
)1النذير قمرة ،تاثير الفكر االقتصاديعلى دور الدولة في المجال االقتصادي في العالم الثالث ،جامعة
محمد بوضياف المسيلة ،مجلة العلوم االقتصادية و التسيير و العلوم التجارية ،العدد 2017 ،10
)2عبد الستار عبد الحميد سلمي ،حدود تدخل الدولة في المجال االقتصاديفي ظل اقتصاد السوق،
)4احمد رشاد موسى ،دو رالدولة في النظام االقتصادي المعاصر ،القاهرة ،الجمعية المصرية