Professional Documents
Culture Documents
ال يخفى عنكم أن الجهوية بالنسبة للمملكة المغربية ،تعتبر ورشا استراتيجيا كبيرا حيث تتقاطع رهانات الديمقراطية والتنمية وقد
كرس دستور 2011الجهويةَ المتقدمة كنظام للحكامة الترابية التي تقرب القرار العمومي من الساكنة المحلية ،وتمنح الجهات
فرصة االنكباب على أولوياتها ،وتطوير طاقاتها ونخبها ،وذلك من خالل منح صالحيات واختصاصات موسعة لمجلس الجهة
المنتخب ،من أجل وضع برامج تنموية تستجيب النتظارات الساكنة ،خاصة فيما يتعلق بالتشغيل وتحسين ظروف عيش الفئات
الهشة ،وتوفير أسباب االرتقاء االجتماعي؛ هذا ،وقد تتبعتم في األشهر القليلة الماضية ،الشروع في عملية تطبيق هذا المسلسل
الجهوي ،من خالل إصدار النصوص التشريعية الضرورية والمالئمة ،وانتخاب المجالس الجهوية عبر االقتراع المباشر يوم 4
شتنبر الماضي؛ وقد أعطى جاللة الملك محمد السادس حفظه هللا ،بمناسبة الذكرى األربعين للمسيرة الخضراء ،انطالقة تفعيل
الجهوية المتقدمة على أرض الواقع ،انطالقا من مدينة العيون ،وإرسا ًء للنموذج التنموي الجديد لألقاليم الجنوبية للمملكة ،وفي هذا
الصدد ،تم إحداث لجنة دائمة جديدة مكلفة بالجهوية المتقدمة ،بحيث تشغل هذه اللجنة حاليا على إعداد تقرير حول متطلبات الجهوية
المتقدمة وتحديات إدماج السياسات القطاعية؛ ،واإلفادة من التجربة اإلسبانية التي تعتبر واحدة من التجارب الرائدة على الصعيد
الدولي في مجال النظام الجهوي ،وذلك بما يساهم في بلورة توجهات واقتراحات كفيلة لمواكبة القضايا والمشاريع والسياسات ذات
الصلة؛ ال ينفي وجود صعوبات وإشكاليات في تدبيرها على أرض الواقع ،وال سيما فيما يتعلق بالموارد البشرية ،ونمط الحكامة
والالتمركز ،والبعد المندمج للسياسات العمومية انطالقا من حاجيات كل جهة على حدة ،والتعاقد بين الدولة والجهات ،والتمويل،
والعالقات بين المؤسسات داخل الجهة.
في إطار تفعيل مشروع الجهوية الموسعة ،سيتعين على الجهات لعب دور أساسي في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية .وفي
هذا الصدد ،قامت اللجنة االستشارية للجهوية بالقيام بتشخيص شمولي للوضع القائم ،من أجل التوصل إلى مقترحات واقعية حيث
تمت مقارنتها بالتجارب الدولية األكثر نجاحا في هذا المجال .وقد مكنت هذه الحصيلة التشخيصية من إبراز اإلنجازات المحققة
خالل العشرية األخيرة وتسليط الضوء على االختالالت والمعيقات التي تقف أمام مسيرة التنمية االقتصادية واالجتماعية للجهات.
وعليه ،ورغم تحقيق العديد من المنجزات الهامة ،فإن الفوارق ما بين الجهات في مجال النمو االقتصادي والتنمية البشرية
واالستفادة من الخدمات األساسية ال تزال قائمة إلى اليومُ .وتظهر المؤشرات تباينا كبيرا في النمو ما بين الجهات وتمركزا للثروة
الوطنية على الشريط الساحلي الممتد من طنجة إلى أكادير .وإلى جانب ذلك ،فإن دراسة المالية المحلية تشير إلى ضعف الموارد
المالية التي تتوفر عليها الجماعات المحلية بصفة عامة والجهات على الخصوص والتي ال تستفيد البرامج الهادفة إلى تعزيز النمو
االقتصادي الجهوي إال من جزء يسير منها .ينضاف إلى ذلك عدم استغالل اإلمكانيات الجبائية ،وعجز الجماعات المحلية عن
صرف كافة مواردها ومحدودية اللجوء إلى االقتراض وتعقد المساطر وضرورة تعزيز الموارد البشرية .في هذا السياق ،تظل
الدولة الفاع َل الرئيسي في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية ،سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خالل المؤسسات العمومية
التابعة لها .وعلى ضوء مختلف هذه الخالصات ،استطاعت اللجنة االستشارية للجهوية أن تحدد سلسلة من التدابير الرئيسية الكفيلة
بتقوية المكتسبات وخلق الظروف المواتية للنهوض بهذا المشروع.
وتصب هذه االقتراحات في اتجاه تعزيز مبادئ اإلنصاف وضمان انخراط المجتمع ككل في هذا المشروع من خالل إحداث أدوات
مالية من قبيل صندوق التأهيل االجتماعي الذي يهدف إلى القضاء على مظاهر العجز الكبرى المسجلة في القطاعات المتعلقة
بالتنمية البشرية .وسيكون عبارة عن أداة تندرج في إطار مبدأ أكثر شمولية يتعلق بالتضامن الترابي والمساهمة في تقليص
التفاوتات الموجودة بين الجهات .أيضا ،ينبغي لهذا التضامن أن يرتكز على تحسين التأثيرات الموا زنة للنظام الحالي لتحويل
الموارد ووضع آلية مالءمة قادرة على إعطاء محتوى ملموس ومباشر لهذا المبدأ.ومن ناحية أخرى ،فإن اللجنة االستشارية
للجهوية ،اقتناعا منها بأن تعزيز دور الجهات في مجال التنمية االقتصادية واالجتماعية مرتبط بالوسائل التي ستوضع رهن إشارتها
وانطالقا من الحصيلة التي توصلت إليها حول المالية المحلية ،قد قامت باقتراح المحاور األساسية لإلصالح التي يتعين تطبيقها من
أجل تثمين إمكانيات الجهات ومالءمتها مع مهامها المستقبلية .وفي نفس السياق ،اقترحت اللجنة القيام بتدابير حاسمة لتحسين تعبئة
اإلمكانيات الجبائية المحلية وتحسين عملية التحصيل وتثمين الموارد ألخرى (الرسوم شبه الضريبية والممتلكات).
وفي ما يتعلق بالموارد المتأتية من االقتراض ،أوصت اللجنة بتعزيز قدرات صندوق تجهيز الجماعات المحلية وإسهام القطاع
البنكي ،السيما في مشاريع الجهات القادرة على إفراز تدفق نقدي خاص بها ،واللجوء إلى سوق السندات الداخلية ثم الخارجية في
وقت الحق .غير أن اللجنة االستشارية للجهوية تعتقد أن تبسيط مساطر تنفيذ المشاريع التنموية وتعزيز قدرات التدبير والالتمركز
تمثل شروطا ضرورية لضمان فعالية عمل الجهات ونجاعته .وفي نفس الصدد ،ترى اللجنة االستشارية للجهوية أن نجاح هذا
اإلصالح رهين أيضا بوضع إجراءات موا ِكبة من أجل ضمان حكامة أفضل على المستوى الجهوي.
وتتعلق هذه اإلجراءات أساسا بتنظيم,العالقات بين الدولة والجهة عن طريق التعاقد ،وتعزيز دور القطاع الخاص من خالل تحسين
مناخ األعمال وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص ،وإحداث نظام جهوي للمعلومات اإلحصائية يستجيب للحاجيات
المتعددة للتنمية االقتصادية واالجتماعية ،وإدماج البعد الجهوي في مشروع إصالح القانون التنظيمي لقانون المالية .يتعلق األمر،
إذن ،بتحديد إجراءات الدعم التي ينبغي تفعيلها من أجل مواكبة نموذج مغربي-مغربي للجهوية.
التأهيل االجتماعي
توصي اللجنة االستشارية للجهوية باعتماد التأهيل االجتماعي للجهات كمبتغى أساسي وأولي لمشروع الجهوية المتقدمة .فمن أجل
ضمان االنخراط التام للسكان في إصالح بنيوي من هذا الحجم ،يتعين تحقيق تحسن ملموس في ظروف عيش هؤالء ،وذلك في
آجال معقولة .ولتحقيق هذا الهدف ،تم تقييم الحاجيات الضرورية لسد العجز الكبير المسجل في ميادين الصحة والتربية والشبكة
الطرقية والماء الصالح للشرب والكهرباء والسكن االجتماعي .وتعتبر هذه القطاعات المستهدفة ذات صلة مباشرة بالتنمية البشرية،
كما تشمل جزءا كبيرا من االختصاصات التي قد تخول للجهات في إطار هذا اإلصالح .وقد تم تقدير الميزانية الالزمة لهذا
اإلصالح ،على أساس سيناريوهين إثنين ،في مبلغ يتراوح بين 128و 215مليار درهم .ومن المنتظر أن تمكن هذه اإلمكانيات
المالية ،من ناحية ،من تعميم االستفادة من الماء الصالح للشرب والكهرباء ومن القضاء على دور الصفيح والسكن غير الالئق،
ومن ناحية أخرى ،وفي ما يتعلق بقطاع الصحة والتربية والبنيات التحتية الطرقية ،إما من تقريب مستوى الجهات من المتوسط
الوطني (السيناريو األول) أو من مالءمتها مع المعايير الوطنية والدولية في هذه المجاالت (السيناريو الثاني) .وتأكيدا منها على أن
نظام التأهيل ال ينبغي اعتباره برنامجا للمساعدة الدائمة ،بل كنظام للدعم من شأنه ،في آخر المطاف ،أن يمكن الجهات من التصدي
لمختلف االختالالت لديها ،أوصت اللجنة بما يلي:
• أن يتم تنفيذ التأهيل في أفق فترتي انتداب ،وهو أجل ليس بالطويل كي ال تفقد الساكنة الثقة في مشروع اإلصالح وليس بالقصير
كذلك كي ال تتزايد حدة الضغوط على موارد الدولة ويصبح من الممكن التكيف مع القدرة على مواكبة البنيات الجهوية الجديدة ،من
جهة أخرى؛
• أن يتم إدراج المبالغ المخصصة لهذا البرنامج في القانون ،بغية إعداد برمجة متعددة السنوات وضمان تتبع وتقييم مناسبين .ولهذا
الغرض ،ينبغي إنشاء صندوق للتأهيل ستعمل لجنة مختصة على تحديد معايير توزيع ميزانيته وشروط األهلية لالستفادة منها.
الموارد
• إعطاء األولوية لتنفيذ إصالح معمق للمالية المحلية .وينبغي أن يشمل هذا اإلصالح بنية هذه المالية ،وتبسيط مساطر التنفيذ
ومواءمة تبويب الميزانية؛
• اعتماد المبدأ القائم على ضرورة مصاحبة أي نقل لالختصاصات إلى الجهات بالموارد المالئمة ،وترسيخ هذا المبدأ بنص
قانوني ،وتكوين لجنة مختصة للسهر على التحديد الدقيق لالختصاصات والموارد على حد سواء؛
• في انتظار استكمال إصالح المالية المحلية ،ولتمكين الجهات من تنفيذ اختصاصاتها الذاتية باعتبارها فاعال رئيسيا في التنمية
ومكلفا بالتجميع والتنسيق مع باقي الجماعات المحلية وبالتنشيط إزاء القطاع الخاص ،ينبغي تزويد الجهات بموارد إضافية هامة
بمجرد إعطاء االنطالقة لورش اإلصالح الجهوي .ولهذا الغرض ،قامت اللجنة االستشارية للجهوية بتقييم الغالف المالي الالزم في
هذا الصدد ،والذي ق ّدر بحوالي 8ماليير درهم ،ستتم تعبئته عن طريق إعادة توزيع الموارد بين الدولة والجهات؛
• وبخصوص الموارد المتأتية من االقتراض ،توسيع صالحيات صندوق تجهيز الجماعات المحلية وضمان مشاركة القطاع البنكي
عن طريق تكامل هذين الطرفين ،خاصة في ما يتعلق بالمشاريع القابلة لالستفادة من التمويل البنكي؛
• تمكين الجهات من اللجوء إلى سوق السندات الداخلية ،ثم الخارجية فيما بعد ،شريطة أن تستعد هذه الجهات العتماد نظام للتنقيط
بالنسبة إلصداراتها كما هو الحال بالنسبة للدولة؛
• اتخاذ إجراءات حقيقية من أجل تعبئة أفضل لإلمكانيات الجبائية ،وتعزيز عمليات التحصيل عن طريق توقيع اتفاقيات خدمات مع
الدولة (الوعاء والتحصيل بالسعر الحقيقي) ،وتبسيط المساطر الرامية إلى تعزيز باقي الموارد األخرى (المتعلقة باألمالك والرسوم
شبه الضريبية) ،وكذا ضمان تدبير جيد للخزينة؛
• تزويد الجهات بالموارد البشرية المالئمة (ك ّمًا ونوعًا) ،وهذا شرط ضروري لضمان فعالية ونجاعة عمل الجهات.
التضامن الترابي
ينبغي أن يعمل مشروع الجهوية المتقدمة على ترسيخ مبدأ التضامن بين الجهات ،بهدف المساهمة في التخفيف من اآلثار الناتجة
عن تمركز الثروات ،والتأخر المسجل في مجال التنمية ،والتنوع الجغرافي وكذا الخصوصيات الديموغرافية للجهات .وفي هذا
السياق ،توصي اللجنة االستشارية للجهوية بما يلي:
• اإلبقاء على النظام الحالي لتحويل الموارد من الدولة إلى الجماعات المحلية ،مع تعزيز آثاره الموا زنة الرامية إلى تحقيق
اإلنصاف؛
• إنشاء صندوق للتضامن ،تخصص له في مرحلة أولى % 10من الموارد الجديدة التي ستمنح للجهات بغرض إعطاء بُعد ملموس
وفوري لتطبيق مبدأ التضامن.
آليات المواكبة
التعاقد
ترى اللجنة أن التعاقد يعد من أفضل وسائل تدبير العالقات بين الدولة والجهات .فهو يمكن من مساءلة الفاعلين واستغالل
اإلمكانيات بشكل أمثل وتبسيط المساطر .وهكذا ،وفي إطار مبدأ التعاقد ،ستشكل الجهات حلقة وصل مع الدولة ،من جهة ،وباقي
الجماعات المحلية ،من جهة أخرى .وبذلك ،ستضطلع الجهة بمهمة تنسيق وتصميم وإتمام المقترحات المشتركة ذات الطابع
االقتصادي واالجتماعي والثقافي قبل رفعها إلى الدولة.
ويتطلب هذا النهج التعاقدي ،حسب اللجنة ،توفر ثالثة شروط :ممثل وحيد للدولة ،وسياسة حقيقية للالتمركز وإنشاء هيئة وطنية
مستقلة مكلفة بتتبع وتقييم السياسات الترابية.
تعزيز دور القطاع الخاص في إطار الجهوية المتقدمة ،يتعين على القطاع الخاص القيام بدور حاسم في تثمين المؤهالت وخلق
الثروات .وألجل ذلك ،ترى اللجنة االستشارية للجهوية أنه سيكون من الضروري التغلب على العديد من اإلكراهات الهيكلية التي
تعيق تنمية القطاع ،وذلك من خالل تحسين مناخ األعمال وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص على صعيد الجهة.
ينبغي أن يُدرج مشروع الجهوية المتقدمة ضمن مشروع إصالح القانون التنظيمي لقانون المالية ،الذي يرسخ مبدأ الفعالية في تدبير
األموال العمومية وبرمجة النفقات وتطوير عملية افتحاص السياسات العمومية ،وذلك عبر إدراج البعد الجهوي في تقديم ميزانية
الدولة .وعالوة على ذلك ،تؤكد اللجنة على ضرورة تكييف اإلطار المنظم لمالية الجهات مع المقتضيات الجديدة للقانون التنظيمي
لقانون المالية.
يعرف مشروع القانون التنظيمي حول الجهة الصادر في 07يناير 2015الجهة على أنها جماعة ترابية خاضعة للقانون
العام ،تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل اإلداري والمالي ،وتشكل أحد مستويات التنظيم الترابي للمملكة ،باعتباره تنظيما ال
مركزيا يقوم على الجهوية المتقدمة
ويجب التمييز بين الجهوية الموسعة و الجهوية المتقدمة ،فاألولى تقوم على أساس الجهوية السياسية في إطار الالمركزية
السياسية ،والذي يتطلب وجود برلمان جهوي منتخب وحكومة جهوية ذات صالحيات واسعة ،ويقتصر دور ممثل السلطة
المركزية (الوالة والعمال)على ضمان التنسيق بين المركز والجهات .بالمقابل فإن الثانية تدخل في إطار الالمركزية اإلدارية
وتقوم على منح الجهة اختصاصات إدارية واسعة
مر التنظيم القانوني للجهة بمحطات تاريخية مهمة ،فقد برزت فكرة الجهة كبعد مجالي لعمليات التنمية االقتصادية و
االجتماعية في إطار مخطط 1972-1968إال أن هذا ال يعني أن هذه الفكرة كانت غائبة في المخططات السابقة ،بل سبق لكل
من مخطط 1964-1960و مخطط 1967-1965أن مهدا لهذه الفكرة و ذلك من أجل تهيء الظروف المالئمة لوضع مخطط
1972-68الذي يعتبر خطوة هامة في المسار الجهوي .
لكن اإلرهاصات الحقيقية للجهوية في المغرب بدأت مع صدور الظهير الشريف رقم 1-71-77بتاريخ 1971/06/16
المتعلق بإحداث الجهات االقتصادية السبعة بقصد المساهمة في توطين السكان و النشاطات و الخدمات بشكل عقالني .غير أن
الجهة في صيغتها االقتصادية لم تحقق النتائج التنموية المنتظرة منها ،على اعتبار أنها لم تكن تتوفر على مؤهالت قانونية و
مقومات مالية و بشرية ،و ال على هياكل قارة للدخول في عالقات مع الوحدات الالمركزية األخرى ،كما أن التقسيم الجهوي لم
يراع الخصوصيات االقتصادية و االجتماعية لمختلف الجهات و كرس التفاوت االقتصادي الحاصل بينها ،وتبرز مظاهره في
احتكار الجهة الوسطى للبالد أغلب األنشطة االقتصادية على حساب باقي جهات المملكة و في 1992تم االرتقاء بالجهة إلى
مستوى المؤسسة الدستورية بموجب التعديل الدستوري ل ،1972و لقد توج هذا االرتقاء الدستوري بقفزة نوعية شهدتها الجهة
في ظل دستور 13شتنبر 1996الذي عمل على إدماج الجهة في المجال السياسي بواسطة نظام التمثيلية في إطار مجلس
المستشارين كمؤسسة دستورية تمارس السيادة بصفة غير مباشرة وفقا للفصل الثاني من الدستور ،ثم جاء القانون رقم 47-96
في 1997الذي أمد الجهة بإمكانات مادية و مالية .كما حظيت الجهة بالتأطير القانوني و التنظيمي مع المتعلق بالجهات و مرسوم
غشت 1997الخاص بالتقسيم الجهوي ،حيث أصبحت الجهات الستة عشر وحدات ترابية تتمتع بالشخصية المعنوية و االستقالل
المالي و اإلداري ،و ذات صالحيات و موارد معينة .كان بعد ذلك و استنادا للخطاب الملكي 3يناير 2010سيتم إحداث اللجنة
االستشارية للجهوية و التي ستقدم مجموعة من االقتراحات بغية تطوير مشروع الجهوية ا بالمغرب .
و أبرز ما جاءت به هذه اللجنة تقطيع جهوي جديد يتضمن إحداث 12جهة بدل 16أيضا توسيع صالحيات رئيس المجلس
الجهوي و اختصاصات المجلس،وإضافة موارد مالية جديدة ...ثم سيأتي دستور 2011لينص على مجموعة من المبادئ التي
ستدعم مشروع الجهوية كمبدأ التفريع و مبدأ التضامن و المشاركة و التدبير الحر
وتطبيقا لذلك ،وفي يونيو 2014صدرت مسودة مشروع القانون التنظيمي حول الجهة .وبعد نقاش مع األحزاب السياسية وكافة
المهتمين صدر في 07يناير 2015مشروع القانون التنظيمي للجهة.
صادق مجلس الحكومة ،فبراير ،2015على مشروع مرسوم يقضي بتحديد عدد الجهات في 12جهة للمملكة ،و تسمياتها
ومراكزها والعماالت واألقاليم المكونة لها.
جهة طنجة-تطوان الحسيمة :مركزها طنجة-أصيلة ،وتتكون من عماالت وأقاليم طنجة-أصيلة والمضيق-الفنيدق ،وتطوان،
والفحص-أنجرة والعرائش ،والحسيمة ،وشفشاون ،ووزان.
جهة الشرق :مركزها وجدة-أنجاد ،وتضم وجدة-أنجاد ،والناضور ،والدريوش ،وجرادة ،وبركان ،وتاوريرت ،وجرسيف ،وفجيج.
جهة فاس-مكناس :مركزها فاس ،وتضم فاس ومكناس والحاجب ،وإفران ،وموالي يعقوب ،وصفرو ،وبولمان ،وتاونات ،وتازة.
جهة الرباط-سال-القنيطرة :مركزها الرباط ،وتضم الرباط وسال ،والصخيرات-تمارة ،والقنيطرة ،والخميسات ،وسيدي قاسم،
وسيدي سليمان.
جهة بني مالل-خنيفرة :مركزها بني مالل ،وتضم بني مالل وأزيالل ،والفقيه بن صالح ،وخنيفرة ،وخريبكة.
جهة الدارالبيضاء الكبرى-سطات :مركزها الدارالبيضاء ،وتضم الدارالبيضاء ،والمحمدية ،والجديدة ،والنواصر ،ومديونة،
وبنسليمان ،وبرشيد ،وسطات ،وسيدي بنور.
جهة مراكش-آسفي :مركزها مراكش ،وتضم مراكش ،وشيشاوة والحوز ،وقلعة السراغنة ،والصويرة ،والرحامنة ،وآسفي،
واليوسفية.
جهة درعة-تافياللت :مركزها الرشيدية ،وتضم الرشيدية ،وورزازات ،وميدلت ،وتنغير ،وزاكورة.
جهة سوس-ماسة :مركزها أكادير إداوتنان ،وتضم أكادير إداوتنان ،وإنزكان آيت ملول ،واشتوكة آيت باها ،وتارودانت،
وتيزنيت ،وطاطا.
جهة كلميم-واد نون :مركزها كلميم ،وتتكون من كلميم وآسا-الزاك ،وطانطان ،وسيدي إفني.
جهة العيون-الساقية الحمراء :مركزها العيون ،وتضم العيون ،وبوجدور ،وطرفاية ،والسمارة.
جهة الداخلة-وادي الذهب :مركزها وادي الذهب ،وتضم وادي الذهب ،وأوسرد.
قال مصطفى الخلفي ،وزير االتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة ،إن المشروع يمثل خطوة نوعية على مستوى ترجمة مشروع
الجهوية المتقدمة ،ويأتي بعد استكمال إعداد مشاريع القوانين التنظيمية الثالث المرتبطة بالجهوية ،ومصادقة المجلس الوزاري
عليها.
وأضاف الخلفي ،أن المشروع يأتي وفق التقديم الذي تقدم به وزير الداخلية ،في إطار تنزيل التوجيهات الملكية السامية القائمة على
إيجاد جهات قائمة الذات قابلة لالستمرار ،من خالل بلورة معايير عقالنية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة ،وهو التوجيه الذي جاء
في خطاب جاللة الملك بتاريخ 3يناير ،2010وكان المضي فيه على ضوء االقتراحات الوجيهة للجنة االستشارية للجهوية ،وفق
ما دعا إليه جاللة الملك بمناسبة ترؤسه الفتتاح الوالية التشريعية الحالية.
وتحدث الخلفي عن اعتماد مقاييس لهذه الغاية ،تتمثل في الفعالية والنجاعة كمفتاح أساسي للتحديد الجغرافي ،يسمح باندماج مختلف
المكونات البشرية والجغرافية على المستوى الوطني ،واعتماد القطبية الحضرية انطالقا من قطب أو قطبين حضريين ،واالستناد
إلى الشبكة اإلدارية للعماالت واألقاليم بقصد البناء على التراكم القائم ،والتقليص من الفوارق داخل الجهة ،والتخفيف من التفاوتات
المرتبطة بنمو المجاالت الترابية والفوارق الجغرافية والديموغرافية بين الجهات ،مع االستجابة قدر اإلمكان لمتطلبات سهولة
الولوجية والتنقل بين مختلف مجاالت الجهة.
ومن هذه المقاييس ،يضيف الوزير ،هناك معايير أخرى تهم التوفر على الحد األدنى من اإلمكانيات الطبيعية والبشرية والعمرانية
واالقتصادية القابلة لالستثمار ،التي تمكن الوحدات الترابية من تحقيق تنميتها ،وتكريس سياسة القرب.
أوضح الخلفي أنه ال يوجد تقسيم مثالي ،وأن الحكومة أخذت بعين االعتبار معطيات "موضوعية مرجحة ،اقتصادية واجتماعية
ميدانية" ،مشيرا إلى إدخال تعديالت على مقترح اللجنة االستشارية للجهوية.
وأفاد الوزير أن مشروع الجهوية المتقدمة هو نتاج "مشروع وطني ،يشمل مختلف مناطق المملكة وجهاتها ،بهدف تعميق
الديمقراطية المحلية ،ورفع تحديات التنمية االقتصادية واالجتماعية ،وهو يندرج ضمن تنزيل مقتضيات الدستور".
أكد الخلفي أن مشروع الجهوية المتقدمة يعزز من مصداقية وجدية المقترح المغربي(الحكم الذاتي في الصحراء) ،خصوصا أنه
توازى مع وضع نموذج تنموي جديد لألقاليم الجنوبية.
كما أوضح أن هذا المشروع التنموي جاء بالموازاة مع العمل على المستوى الحقوقي من خالل المجلس الوطني لحقوق اإلنسان،
وعلى المستوى الثقافي من خالل اإلجراءات الحترام الخصوصية الثقافية الصحراوية الحسانية ،كان آخرها دعم األعمال السينمائية
ذات الصلة.
خاتمة
بعد دراسة مستفيضة لموضوع الجهوية ،من المنظورين االقتصادي واالجتماعي ،يتضح أن المغرب ال يزال يعاني من تفاوتات
حقيقية بين الجهات ،حيث يتميز توزيع الثروات حسب الجهات بتمركز كبير في الشريط الساحلي الممتد من طنجة إلى أكادير (الدار
البيضاء الكبرى ،والرباط–سال–زمور-زعير ،وسوس–ماسة-درعة ،وطنجة-تطوان ،ومراكش-تانسيفت-الحوز) .وعلى الصعيد
االجتماعي ،تنعكس هذه التفاوتات على قطاعات التعليم والصحة واالستفادة من الخدمات األساسية (الماء الصالح للشرب والكهرباء
والسكن) .ومن ناحية أخرى ،تظهر دراسة المالية المحلية معطى بارزا ،وهو أن الوضعية الحالية للجماعات المحلية عموما
والجهات خصوصا ال تتالءم-من حيث الموارد -مع األهداف التي قد يتوخاها لها مشروع الجهوية المتقدمة .وموازاة مع ذلك ،تم
رصد اختالالت أخرى ذات الصلة بالتحصيل واإلمكانيات الجبائية واالقتراض ،وكذا الموارد البشرية والمساطر المتعلقة
بالميزانية .وهي إكراهات من شأنها أن تح ّد من قدرة الجماعات المحلية على تقديم خدمات عمومية مالئمة ،ك ّما ونوعا ،والمساهمة
الكاملة في التنمية االقتصادية واالجتماعية للمجاالت الترابية في إطار الجهوية المتقدمة .لذا ،من الضروري القيام بعملية تأهيل
اجتماعي قصد التصدي ألوجه النقص الكبرى المسجلة في ميادين الصحة ،والتعليم ،والبنيات الطرقية ،والتزود بالماء الصالح
للشرب والكهرباء والسكن االجتماعي .إال أن هذه العملية لوحدها لن تضمن تحقيق التكافؤ على المستوى الجهوي ،إذ يجب تعزيزها
عن طريق استكشاف ووضع آليات تضامن فعالة تجس ُد التكامل والتالحم بين الجهات .ومن شأن هذه اآلليات أيضا أن تساهم في
التخفيف من التداعيات المرتبطة بتمركز الثروات والتأخر عن ركب التنمية وكذا بالخصوصيات الجغرافية والديموغرافية لبعض
الجهات.
ويظل تعزيز قدرات الجهات على االنخراط بشكل تام في مشروع الجهوية المتقدمة رهينا إلى حد كبير بمختلف اإلصالحات
والتدابير التي سيتم اتخاذها بهدف تثمين وتنويع والرفع من الموارد المالية للجماعات لتمكينها من االضطالع بمهامها الجديدة .إن
المصداقية السياسية للجهة تقتضي توفير مستوى من الموارد يفوق بشكل ملموس المستوى الحالي حتى يتسنى تنشيط وتحريك
عجلة التنمية االقتصادية واالجتماعية بدعم وانخراط من الفاعلين المحليين ،سيما القطاع الخاص .وينبغي أن تشمل هذه القفزة
النوعية الضرورية أيضا إعادة تجديد المساطر من أجل فتح المجال أمام تعزيز السياسة التعاقدية وتوفير قاعدة فعلية لعملية
الالتمركز .يتعلق األمر إذن ببرنامج واسع يمتد لسنوات متعددة ويتطلب تنفيذه االلتزام بأمرين :الوضوح والتدرج .وإجماال،
وبصرف النظر ع ّما تعكسه من طموح ،فإن مختلف توصيات اللجنة االستشارية للجهوية المتعلقة بهذا المجال يحكمها ،رغم كل
شيء ،هاجس الواقعية والمرونة ،حيث روعي في وضعها أهمية التطورات المؤسساتية والوظيفية للمشروع والهوامش التي يتيحها
اإلطار الماكرو اقتصادي والمالية العمومية دعما لعملية إصالحية من هذا الحجم.
نالحظ أن مشروع القانون التنظيمي حول الجهة يسير عامة في اتجاه إعطاء الجهة دور أكبر مما كان عليه في السابق ،لكن هذا
الدور مع ذلك يبقى محدودا ومتحكما فيه ،فرغم االختصاصات الواسعة و التقريرية و التعديالت الطفيفة التي جاءت بها
المشروع هنا وهناك فإنه ال يزال يعطي الوالي سلطة تفوق سلطة رئيس المجلس الجهوي وبالتالي يتحكم من ال سند شعبي له في
من له سند شعبي ،كما الزلنا نالحظ اتساع تدخالت السلطات الحكومية واحتكارها لتعيين مسؤولين جهويين ناهيك عن التحكم بكل
دقة متناهية في مصير الميزانية الجهوية .وخالصة األمر يمكن القول أننا الزلنا في مرحلة الجهوية الناشئة بعدما كنا أمام جهوية
متخلفة مع قانون 47-96الصادر في 1997والزلنا لم نصل على مرحلة الجهوية المتقدمة التي تتطلب التأسيس لتوازن حقيقي
بين سلطات رئيس المجلس الجهوي و الوالي