You are on page 1of 4

‫المودن‪ :‬محدودية الموارد تقف عقبة أمام تنزيل‬

‫"اللاتمركز الإداري"‬

‫حاورته‪ :‬زينب بوزار‬


‫هسبريس‬

‫من المتطلبات الأساسية لتحقيق التنمية على المستوى المحلي نهج‬


‫السلطة السياسية والإدارة المحلية لنظام اللاتمركز الإداري‪ .‬في الجلسة‬
‫الأسبوعية لرئيس الحكومة المغربية بمجلس النواب‪ ،‬المتعلقة بالسياسة‬
‫صر ح العثماني بأن تصور الحكومة للاتمركز الإداري هو تصور‬ ‫ّ‬ ‫العامة‪،‬‬
‫شامل ومتكامل‪ ،‬لا يهم فقط نقل بعض الاختصاصات والسلط من المركز‬
‫إلى المصالح اللاممركزة‪ ،‬بل يتعلق بتحول هيكلي في بنية النظام الإداري‬
‫ببلادنا‪ ،‬من خلال تخويل هذه المصالح صلاحيات مهمة في مجال التدبير‬
‫المالي‪ ،‬وتحفيز الاستثمار‪ ،‬وإعداد وتنفيذ البرامج القطاعية‪ ،‬وتدبير الموارد‬
‫البشرية‪.‬‬
‫وصدرت مجموعة من المراسيم المنظمة للاّتمركز الإداري‪ ،‬آخرها مرسوم‬
‫‪ 24‬يناير‪ 2019‬القاضي بتحديد نموذج التصميم المديري المرجعي للاتمركز‬
‫الإداري‪ ،‬لكن تنزيل العمل به لازال مع ّلقا‪.‬‬
‫محمد المودن‪ ،‬أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية بالمحمدية‬
‫خص به جريدة هسبريس‬ ‫ّ‬ ‫(مختص في القانون الإداري)‪ ،‬في حوار‬
‫الإلكترونية‪ ،‬اعتبر أن المشروع تعترضه مجموعة من العراقيل ويتطلب‬
‫تفعيله مستلزمات هي حاليا غائبة‪.‬‬
‫نص الحوار‪:‬‬
‫ّ‬ ‫في ما يلي‬

‫نحتاج إلى تدقيق مفهوم اللاتمركز الإداري‪ ،‬وفصله عن باقي‬


‫المفاهيم المشابهة في القانون الإداري‪..‬‬
‫يقصد باللاتمركز الإداري صورة من صور المركزية الإدارية‪ ،‬يقوم على‬
‫أساس توزيع السلطة بين الإدارة المركزية المتواجدة بالعاصمة‬
‫والمصالح الخارجية اللامتمركزة في مختلف الأقاليم‪ ،‬ما يسمح لهذه‬
‫المصالح باتخاذ بعض القرارات الإدارية دون الرجوع إلى المركز‪ ،‬مع‬
‫خضوعها للسلطة الرئاسية المركزية‪.‬‬
‫واللامركزية الإدارية لا يمكن أن تحقق الأهداف المتوخاة منها إلا إذا‬
‫واكب ها مسلسل عدم التركيز‪ ،‬بإعطاء دفعة قوية لعمل الدولة على‬
‫المستوى الترابي‪ ،‬والذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله‪ ،‬في نطاق‬
‫حكامة ترابية ناجعة‪ ،‬تقوم على التناسق والتفاعل بين المصالح بالعاصمة‬
‫والمصالح التابعة لها على المستوى المحلي‪.‬‬

‫ما أهمية اللاتمركز الإداري بالنسبة لترسيخ الجهوية المتقدمة؟‬


‫هناك علاقة وطيدة بين اللاتمركز والجهوية المتقدمة باعتبار الجهة تتبوأ‬
‫مركز الصدارة مقارنة بالجماعات الترابية الأخرى؛ ذلك أن الدستور منحها‬
‫مهما في تحقيق التنمية‬‫ّ‬ ‫هذا المركز بغية الارتقاء بها وجعلها محورا ترابيا‬
‫الشاملة والمندمجة في عمليات إعداد وتتبع السياسات العمومية على‬
‫المستوى المحلي لإعداد التراب‪ ،‬وذلك في نطاق احترام الاختصاصات‬
‫الذاتية لهذه الجماعات الترابية‪ .‬لذلك فالجهوية تشكل الفضاء المناسب‬
‫لتطبيق اللاتمركز الإداري وتحقيق الالتقائية في شتى المجالات‬
‫الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية‪.‬‬
‫بالإضافة إلى أن التوسع في اعتماد اللاتمركز الإداري وربطه بمتطلبات‬
‫الجهوية المتقدمة سيؤدي إلى عدم مركزية السلطة وتوزيعها بين‬
‫مختلف أجهزة الدولة ومستوياتها الإدارية المختلفة في التنظيم الإداري‪،‬‬
‫بموجبه سيتم نقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى مصالحها الجهوية‬
‫الخارجية وتخويلها صلاحيات اتخاذ القرار وفق آليات تفويض السلطة أو‬
‫الإمضاء‪ ،‬وهو ما إذا ما طبقته الحكومة سيترتب عنه تخفيف عبء‬
‫الإدارات المركزية وسرعة التدخل واتخاذ القرارات الرامية إلى تطوير‬
‫الخدمات الإدارية الملائمة لانتظارات الساكنة المحلية‪ ،‬لاسيما عن طريق‬
‫تيسير التنسيق بين الإدارات بشكل يتناغم فيه ورشا الجهوية المتقدمة‬
‫واللاتمركز الإداري‪ ،‬وبطبيعة الحال تحت رقابة فعالة وفي إطار الآليات‬
‫القانونية لحكامة ترابية تخول للولاة والعمال الصلاحيات اللازمة للسهر‬
‫على المسايرة والمواكبة الفعلية والمتناسقة‪.‬‬
‫ما هي العراقيل التي تحول دون التطبيق الفعال لميثاق‬
‫اللاتمركز الإداري؟ ثم ما هي المستلزمات التي تنقصنا لتنزيل‬
‫العمل به؟‬
‫رغم صدور الميثاق الوطني للاتمركز الإداري فإن هذا الأخير لم يتم‬
‫تنزيله على الوجه المطلوب لافتقاده إلى الآليات القانونية الضرورية‬
‫لتطبيقه على أرض الواقع؛ وذلك بالنظر إلى بعض الإكراهات التي‬
‫تعترضه‪ ،‬في غياب نص قانوني ينقل بشكل واضح وحصري لائحة‬
‫الاختصاصات حسب كل قطاع وزاري‪ ،‬التي يتعين نقلها من المركز إلى‬
‫المصالح الخارجية‪ .‬كما أنه لم تصدر إلى حد الساعة قرارات تفويض‬
‫الإمضاء والاختصاص لفائدة ممثلي مصالح الدولة على المستوى‬
‫الجهوي‪ ،‬تخص القرارات المهمة كالموارد البشرية والصفقات العمومية‬
‫وتدبير الميزانية‪....‬‬
‫كذلك بعض الأعمال ذات الطابع الوزاري المشترك‪ ،‬إضافة إلى بعض‬
‫المقتضيات التي لا تسمح بتنظيم مباريات للتوظيف على المستوى‬
‫الجهوي‪ ...‬كلها عوامل قانونية يمكن أن تعيق تنزيل اللاتمركز الإداري على‬
‫المستوى الجهوي‪ ،‬وهو ما يفسر استمرار الإدارة المركزية في الاستحواذ‬
‫على مركز القرار‪ ،‬وتكريس التفاوت الواضح بين مسار اللامركزية ومسار‬
‫اللاتمركز الإداري‪ ،‬وغياب التناسق والالتقائية في التدخلات العمومية‬
‫المحلية‪.‬‬
‫كما ونوعا على الصعيد‬ ‫ّ‬ ‫أضف إلى ذلك محدودية الموارد البشرية‬
‫المحلي‪ ،‬وبعد خدمات الإدارة عن المواطنين في ظل عدم تغطية‬
‫المرافق العمومية بالوسائل البشرية والمادية واللوجيستيكية اللازمة‬
‫لأداء خدماتها بالشكل الذي يضمن المساواة في تلقيها‪ ،‬خاصة في ظل‬
‫محدودية الحوافز لاستقطاب الكفاءات اللازمة على المستوى الترابي‬
‫وصعوبة التنسيق بين المصالح اللاممركزة في تنزيل البرامج على‬
‫المستوى المحلي‪ ،‬ما ينعكس بالتالي على جودة الخدمات العمومية‬
‫على خلفية عدم وجود مشاريع متكاملة وغياب بنية للإشراف والتنسيق‬
‫بينها‪.‬‬
‫ولإنجاح اللاتمركز الإداري لا بد من تطويره‪ ،‬وما عزمت الحكومة على‬
‫إصداره من تصاميم لمديرية اللاتمركز الإداري للقطاعات الوزارية‬
‫المعنية قبل نهاية شهر يوليوز المقبل تتطلب مراجعة تنظيم القطاعات‬
‫الوزارية والهياكل المنظمة لها‪ ،‬وتحديد اختصاصات الإدارات المركزية‬
‫والمصالح اللاممركزة‪ ،‬ومراجعة النصوص المنظمة للموارد البشرية‬
‫بتنوع أطرها ومقتضياتها‪ ،‬ونظام تولي المناصب السامية ومناصب‬
‫المسؤولية‪ ،‬ومراجعة النصوص المنظمة للمجال المالي والمحاسبي‪،‬‬
‫وتحضير التفويضات‪ ،‬سواء في الاختصاص أو في الإمضاء‪.‬‬
‫كلها إجراءات لتنزيل اللاتمركز الإداري يتوقع صعوبة جاهزيتها وإنهائها‬
‫في ظرف ثلاث سنوات المحددة لذلك‪ ،‬وهو ما يستدعي بذل الحكومة‬
‫لمجهودات كبيرة من أجل الوفاء بهذا الالتزام‪.‬‬
‫كما يتطلب الأم ر إيلاء الأهمية لعملية التنسيق بين مختلف الوحدات‬
‫الإدارية اللامتمركزة‪ ،‬بتفعيل دور الولاة والعمال عبر منحهم وظيفتي‬
‫التنسيق وتتبع تدبير المصالح اللاممركزة والسهر على حسن سيرها؛‬
‫وهذه الوظيفة تتطلب المواكبة الدائمة والمستمرة لمختلف الهيئات‬
‫التدخلي لممارسة مهامها‬
‫ّ‬ ‫اللاممركزة وتتبع أنشطتها والاضطلاع بدورها‬
‫القانونية‪ .‬ولعل أهم مظاهر هذه الصلاحية هو "تفعيل مراقبة إنجاز‬
‫المهام ونشاط الموظفين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للرفع من‬
‫مردودية أداء المصالح اللاممركزة"‪.‬‬
‫ينبغي التفكير كذلك في زيادة عدد الوحدات الإدارية اللامتمركزة أو‬
‫توسيعها بما يتلاءم مع حاجيات ومتطلبات المواطنين‪ ،‬مع توفير ونقل‬
‫الاعتمادات المادية اللازمة؛ وهو ما يستدعي كذلك تطوير أعداد‬
‫الموظفين وتنويع طرق استقطابهم والحرص على تأهيلهم ودعم‬
‫قدراتهم وكفاءاتهم‪ ،‬مع وضع دلائل للتسيير توضح العمليات وتأطيرها‬
‫القانوني وسير مساطرها‪.‬‬

You might also like