You are on page 1of 4

‫دور مسؤولي المصالح الالممركزة في ضوء ميثاق الالتمركز اإلداري‬

‫التونسي يوسف‬
‫باحث في القانون العام‬
‫موقع‪hakamatourabia.site:‬‬

‫يستهدف الالتمركز اإلداري أجرأة السياسات العمومية بشكل أكثر نجاعة‪،‬مع تحسين‬
‫أداء المرافق العمومية على مستوى المجال الترابي‪،‬وذلك من خالل نقل السلطة‬
‫التقريرية و وسائل العمل من المركز الى المستوى المحلي واتخاذ القرار على‬
‫أساس مبدأ القرب من المرتفق‪1.‬‬
‫و يظهر أن الحاجة أضحت ملحة لتطوير عدم التركيز اإلداري حتى يمنح الجهوية‬
‫المتقدمة السند الذي ال مناص منه‪،‬إذ أن إصالح هذا المجال لن يحقق األهداف‬
‫المرجوة منه إال إذا متع البنيات و األجهزة غير الممركزة بهامش واسع من المبادرة‬
‫وبسلطات تقريرية فعلية‪.‬‬
‫فالالتركيز اإلداري ال يعني إنشاء مصالح خارجية للوزارات فقط‪،‬بل أن تتوفر هذه‬
‫المصالح على الموارد المالية والبشرية وعلى أخذ المبادرة والقرار على الصعيد‬
‫المحلي دون الرجوع إلى السطات المركزية‪.2‬‬

‫األمر الذي يستدعي إصالحا في العمق يهم تحديث المنظومة التشريعية والقانونية‬
‫وفق متطلبات المرحلة الراهنة‪،‬وبشكل يتوافق مع تقدم ورش الجهوية المتقدمة‬
‫ويتجاوز نقائص ونقط ضعف مرسومي ‪ 2.93.625‬في شأن الالتركيز اإلداري و‬
‫‪ 2.05.1369‬المتعلق بتحديد قواعد تنظيم القطاعات الوزارية و الالتمركز اإلداري‬
‫إلى جانب مرسوم ‪ 4‬دجنبر ‪ ،2008‬في شأن تفويض إمضاء الوزراء وكتاب الدولة‬
‫و نواب كتاب الدولة إلى مسؤولي المصالح الالممركزة على المستوى المحلي‪.‬‬

‫‪ 1‬تقرير المجلس اإلقتصادي و اإلجتماعي و البيئي حول متطلبات الجهوية وتحديات إندماج السياسات القطاعيةن مارس ‪ ،2016‬ص‬
‫‪61‬‬
‫‪ 2‬بوجمعة بوعزاوي‪ ،‬التنظيم اإلداري‪ -‬اإلدارة المركزية للدولة‪ -‬الجماعات الترابية‪ ،‬الطبع األولى ‪ ،2013‬ص ‪173‬‬
‫خاصة على مستوى "ضعف وهامشية" دور رؤساء المصالح الالممركزة‪،‬‬
‫ومحدودية التفويضات الممنوحة لهم في باب اإلختصاصات‪ ،‬وإقتصار التفويض‬
‫على التوقيع ال غير‪.‬‬
‫وإفتقادهم للوسائل المالية والتقنية والبشرية الضرورية لدراسة وتنفيذ المشاريع‬
‫القطاعية أو لمواكبة الجماعات الترابية بهدف تلبية حاجيات التنمية المحلية‪ ،‬خاصة‬
‫وأن العديد من البرامج والمخططات تعثرت بالنظر إلى غياب مساهمة الوزارات‬
‫المعنية ومحدودية مبادرة ممثليها على المستوى المحلي‪.‬‬
‫األمر الذي حد من تطور مسار الالتمركز اإلداري وكرس مركزية القرار وطابع‬
‫"البريوقراطية التراتبية" أو العمودية‪ ،‬بحيث اليستطيع المسؤول المحلي اتخاذ أبسط‬
‫‪3‬‬
‫القرارات دون العودة إلى االدارة المركزية‪.‬‬
‫وهكذا كان من أبرز االنتظارات من ميثاق الالتمركز اإلداري العمل في المقام‬
‫األول على وضع أسس واضحة تقوي الصالحيات التقريرية لمسؤولي ممثليات‬
‫الدولة على المستوى المحلي‪ ،‬باعتبارهم األقرب إلى فهم المتطلبات المحلية و األقدر‬
‫على تلبيتها في تنسيق مع المنتخبين المحليين وجمعيات المجتمع المدني‪.‬‬
‫في هذا السياق نصت المادة ‪ 17‬من الميثاق‪ 4‬على ضرورة إعادة صياغة مختلف‬
‫التشريعات المتعلقة بمالية الدولة وتنظيم القطاعات الوزارية وإختصاصاتها وقواعد‬
‫التفويض ونظام الوظيفة العمومية‪،‬بالشكل الذي يؤهل المصالح الالممركزة لممارسة‬
‫صالحيات تقريرية بكيفية فعلية و ناجعة‪ ،‬وتحديد نطاق المسؤوليات المخولة لها‬
‫ومجاالت تدخلها‪.‬‬
‫باإلضافة إلى إتاحة صفة الآلمر بالصرف لرؤساء هذه المصالح لتمكينهم من تدبير‬
‫اإلعتمادات المالية المرصودة لصالحهم‪،‬إلى جانب تمكينهم من صالحيات تدبير‬
‫المسار المهني للموارد البشرية التابعة لهم‪.‬‬
‫وهي مستجدات يمكن وصفها "بالمتقدمة"قياسا بوضع مسؤولي المصالح الالممركزة‬
‫السابق‪،‬الذي كان مقيدا إلى حد كبير على مستوى اتخاذ قرارات التدبير أو التصرف‬
‫في الموارد المالية والبشرية التابعة لهم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Mohammed EL yaagoubi , Pour un état territorial équilibré, Un processus en évolution ,REMALD, N‬‬
‫‪133, Mars-avril 2017,p 22‬‬
‫‪ 4‬مرسوم رقم ‪ 2.17.618‬صادر في ‪ 18‬من ربيع الآلخر ‪ 26 – 1440‬ديسمبر ‪ 2018‬بمثابة ميثاق وطني لالتمركز اإلداري‪،‬‬
‫جريدة رسمية عدد ‪ 19 -6738‬ربيع الآلخر ‪ 27-1440‬ديسمبر ‪ ،2018‬ص ‪9787‬‬
‫بالتالي يمكن إعتبار المادة ‪ 17‬أحد أهم المواد الواردة في الميثاق إن لم تكن األهم‬
‫ألنها تؤسس لتحول كبير على مستوى إدارة المصالح الالممركزة‪ ،‬وفق توجه جديد‬
‫يعزز مكانتها على صعيد المبادرة التنموية‪.‬وتقديم الخدمات األساسية وتنفيذ‬
‫المشاريع‪،‬عبر تمكينها من أدوات واضحة للعمل من خالل التحكم في الموارد المالية‬
‫والتقنية والبشرية‪.‬‬
‫والقدرة على اتخاذ القرار بشكل فعال بمعزل عن اإلدارة المركزية التي تكتفي‬
‫بوضع التصور العام وإن كان ذلك "نظريا" على األقل‪.‬حيث ال يمكن إغفال دور‬
‫الوالة والعمال والذي سيبقى "مؤثرا بشكل كبير" في صناعة القرار‪،‬باعتبارهم‬
‫مشرفين مباشرين على رؤساء المصالح الالممركزة ومنسقين ألنشطة هذه المصالح‬
‫وفق الفصل ‪ 145‬من دستور ‪ 2011‬والفقرة الثانية من المادة ‪ 5‬بالميثاق‪.‬‬

‫والتي تنص على أن تحقيق النجاعة و الفعالية و اإللتقائية المطلوبة في تنفيذ‬


‫السياسات العمومية على مستوى الجهة‪ ،‬رهينة بالدور المحوري لمثلي الدولة على‬
‫المستوى المحلي في مراقبة أداء هذا المصالح وتنسيق أنشطتها‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬نصت المادة ‪ 31‬من الميثاق على عضوية رؤساء المصالح‬
‫الالممركزة على مستوى الجهة في "اللجنة الجهوية للتنسيق" والتي يهدف إحداثها‬
‫حسب المادة ‪ 30‬إلى‪:‬‬

‫‪ ‬العمل على إنسجام وإلتقائية و وحدة عمل المصالح الالممركزة على‬


‫المستوى الجهوي‪.‬‬

‫‪ ‬ضمان اإللتقائية بين السياسات والبرامج والمشاريع العمومية و التصاميم‬


‫الجهوية إلعداد التراب و برامج التنمية الجهوية‪.‬‬

‫‪ ‬إبداء الرأي حول مشاريع السياسات و البرامج العمومية للدولة على‬


‫المستوى الجهوي‪.‬‬

‫‪ ‬إبداء الرأي بشأن مقترحات البرمجة الميزانياتية لثالث سنوات و تقارير‬


‫نجاعة األداء القطاعية‪،‬وكذا المقترحات المعدة على المستوى الجهوي‬
‫المتعلقة بإعداد مشاريع الميزانيات القطاعية‪،‬ومخططات الدولة لإلستثمار‬
‫المتالئمة معها‪ ،‬وذلك إنسجاما مع التوجهات العامة للدولة بهذا الخصوص‪.‬‬
‫في مقابل كل هذه المعطيات والمستجدات‪،‬يطرح صدور ميثاق الالتمركز اإلداري‬
‫إشكالية "معقدة"تتعلق بارتهان إصالح مجال الالتمركز بمسطرة التشريع‪،‬و السرعة‬
‫في تعديل مختلف النصوص القانونية المرتبطة بالموضوع المشار لها في المادة‬
‫‪.17‬‬

‫خاصة مع التأخر الكبير الذي تم تسجيله على مستوى إصدار المراسيم التطبيقية‬
‫المتعلقة بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية‪،‬المتصلة بالباب ‪ 9‬من دستور ‪2011‬‬
‫والذي يهم التدبير الترابي‪.‬مما عرقل التجسيد الكلي لمضامين هذه القوانين في واقع‬
‫الممارسة العملية و عطل مسار الجهوية المتقدمة‪.‬‬
‫األمر الذي قد يكرس طابع "اإلنتظارية"‪،‬بحيث أنه من الواضح أن ميثاق الالتمركز‬
‫اإلداري لم يحسم تماما في موضوع اإلصالح في إنتظار تعديل مجموعة كبيرة و‬
‫معقدة من النصوص القانونية‪ ،‬التي تهم السلطات و الصالحيات الممنوحة لرؤساء‬
‫المصالح الالممركزة بخصوص تدبير الموارد المالية والبشرية ‪.‬‬
‫باإلضافة إلى اإلختصاصات التي من الممكن أن تنقلها الدولة إلى هذه المصالح‬
‫بموجب التصاميم المديرية التي تعدها السلطات الحكومية في هذا الشأن‪،‬على أن يتم‬
‫تنزيل هذه التصاميم في إطار تعاقدي بين الدولة والوالة ومسؤولي التمثيليات‬
‫الجهوية‪،‬كما تقرن هذه اإلختصاصات المحولة مع األهداف المراد تحقيقها و‬
‫مؤشرات قياس نجاعة أدائها كما تشير الى ذلك المادة ‪.20‬‬

‫بالتالي فمسؤولية رؤساء المصالح الالممركزة وفق التصور الجديد لنقل‬


‫اإلختصاصات من "المركز إلى المحيط"‪،‬تتجاوز اإلنضباط للضوابط المسطرية‬
‫والتشريعية ورقابة "سلطة الوصاية" فقط‪،‬إلى إستهداف الجودة و الفعالية في تتنفيذ‬
‫المشاريع و التنسيق مع باقي الفاعلين المحلين‪ ،‬من جماعات ترابية و مؤسسات‬
‫عمومية وفعاليات القطاع الخاص والمجتمع المدني في إطار مقاربة التدبير الحديث‬
‫التشاركي‪.‬‬

You might also like