Professional Documents
Culture Documents
السياسات العمومية ،هي جمموع التوجهات اإلسرتاتيجية املتعلقة ابلتدبري العمومي للدولة واألجهزة التابعة هلا،
واليت أصبحت اليوم حتظى أبمهية ابلغة يف الدراسات السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية واحلقوقية .وميكن
تعريف السياسات العمومية أيضا بكوهنا جموع القوانني والربامج واملشاريع واملخططات اليت تقدمها الدولة
بطةكبدالئ لح لالمشاكل العمومية ،وباتلالي فيه تمثل سلسلة طويلة من النشاطات والقرارا تالحكومي ةلامترا
واليت تعين أكثر من جمرد قرار.
وتعترب السياسات العمومية الرتابية ،سياسات هتدف إىل حتقيق توزيع أفضل للسكان واألنشطة فوق جمال
معني من خالل سياسات قطاعية وجمالية وترابية ،للتخفيف من التباينات وحتقيق نوع من التوازن اجملايل ،على
إعتبار أن الرتاب هو أحد العوامل اليت تسمح بتوجيه الفعل العمومي حيث تفتقد الدولة مركزيتها يف هذا
املستوى.
ومصطلح السياسات العمومية الرتابية يعترب حديثا نوعا ما يف املغرب ،إذ أن الشروع يف تدعيم اإلختيار
اجلهوي كأساس للتنظيم الرتايب ابملغرب برز بشكل الفت من خالل عدة حمطات كان أبرزها نظام اجلهات
االقتصادية لسنة ،1971والرغبة يف إحداث جهوية ذات هياكل تشريعية وتنفيذية سنة 1984والتعديل
الدستوري لسنة ،1992مرورا بتدعيم مكانة اجلهة يف دستور ،1996وصدور القانون املنظم للجهات سنة
،1997انتهاء بدستور 2011الذي كرس للجهوية املتقدمة كمقاربة اسرتاتيجية يف سياسة إعداد الرتاب
الوطين ،وصدور القوانني التنظيمية للجماعات الرتابية سنة ،2015وصدور امليثاق الوطين لالمتركز اإلداري
سنة ،2018وإصالح املراكز اجلهوية لالستثمار سنة ،2019كل هذه احملطات واإلصالحات قد سامهت
يف تعاظم دور النقاش العمومي حول موضوع السياسات العمومية الرتابية ومكانتها يف احلقل السياسي املغريب،
خاصة ما يتعلق منها إبشكالية إلتقائية وإندماجية السياسات العمومية الرتابية.
وتعترب اإللتقائية األمنوذج الذي يتوخى أن يشتغل فيه كل املتدخلني والفاعلني من أجل إخراج مشاريع وبرامج
تنموية مندجمة ،شرط أن تكون مبنية على املقاربة التشاركية وسياسة القرب واملقاربة الرتابية وتثمني جمهودات
املتدخلني اجلهويني والرتابيني ودعمهم قصد بلوغ األهداف املشرتكة واملسطرة من طرفهم وخاصة هدف
التجانس والتناسق والتناغم فيما بينهم.
من خالل هذه الورقة البحثية سنحاول التطرق ألهم العوائق اليت تقف حائال أمام مطمح حتقيق إلتقائية
السياسات العمومية الرتابية ،على أن نبني أهم مالمح حتقيق مطمح إلتقائية السياسات من خالل ما قدمه
ميثاق الالمتركز اإلداري ،وذلك من خالل املطلبني التاليني.
املطلب األول:
واقع السياسات العمومية الرتابية يف ظل مطمح اإللتقائية.
لقد أضحى سؤال إلتقائية السياسات العمومية على املستوى الرتايب ،من أبرز املواضيع اليت شغلت ابل
صانعي السياسات العمومية ،وشكلت حمورا هاما ضمن اشغال املناظرة الوطنية األوىل حول اجلهوية املتقدمة
بل وال ختلوا خطب امللك يف مناسبات متعددة من إشارات واضحة لإلختالالت املسجلة على مستوى
السياسات العمومية واملقارابت املمكنة لتحقيق هذا املطلب .ومن خالل هذا املطلب سنحاول التطرق إىل
بعض العوائق املسجلة على مستوى السياسات العمومية ،و اليت حتول دون حتقيق أمثل ملتطلبات اإللتقاء و
املتمثلة أساسا يف هشاشة املقتضيات القانونية املؤطرة لالمركزية ( الفرع األول) ،عالوة على وغياب البعد
اإلسرتاتيجي يف عملية صناعة وتنفيذ السياسات ( الفرع الثاين).
سنعاجل من خالل هذا الفرع واقع املنظومة القانونية املؤطرة لالمركزية ،من خالل تشخيص بعض أعطاهبا،
واليت أدت لعرقلة إلتقائية السياسات العمومية على املستوى الرتايب ،وذلك من خالل النقطتني التاليتني:
إن املتفحص للمقتضيات القانونية املؤطرة للشأن الرتايب ،سواء املتعلقة منها ابلالمركزية أو الالمتركز يالحظ أن
من مساهتا األساسية هو تعددها وكثرهتا إذ يصعب ضبطها والعمل على تطبيقها يف ظل ضعف بل وأحياان
إنعدام املستوى التعليمي للمنتخبني إذ أن القانون التنظيمي 113.14قد تراجع عن إشرتاط توفر الشهادة
اإلبتدائية على األقل لتويل مهام رائسة اجمللس فضال عن عدم إهتمام األحزاب السياسية إبنتقاء نوعية
النخب ،هذا عالوة على ضعف التكوين القانوين للموظفني العاملني ابجلماعات الرتابية مما يتولد عنه عدم
الفهم الصحيح للقواعد القانونية اليت تتصف ابلعمومية والشمولية مما يرتتب عنه تداخل اإلختصاصات بني
جل الفاعلني ،حيث أنه على الرغم من تنصيص القوانني التنظيمية اخلاصة ابجلماعات الرتابية بتالوينها
الثالث على مبدأ التفريع إال أننا الزلنا نالحظ نوعا من الغموض يف توزيع وحتديد اإلختصاصات و ابلتايل
فاإلطار القانوين لالمركزية الرتابية ابملغرب ميتاز بعدة إختالالت جتعل من الصالحيات املمنوحة للجماعات
الرتابية على ضوء القوانني التنظيمية غري واضحة خاصة يف اجملاالت املرتبطة بتدبري التنمية الرتابية ،وابلتايل مل
حتدد اإلختصاصات بطريقة واضحة حسب كل مستوى ،بل مت تنزيلها بكيفية غامضة مما يشكل إعاقة
حقيقية ملمارسة التدبري احلر ،إذ يتضح أن هناك إرتباك منهجي وتقين يف الصياغة القانونية مما يوحي بغياب
الدقة يف ضبط اإلختصاصات املتسمة ابلتنوع وتعدد املصادر ومشولية املقارابت يف حتديد الصالحيات اخلاصة
بكل مستوى ترايب.
لقد شكلت املدونة العامة للجماعات الرتابية الفرنسية ،ترمجة فعلية ملبدأ التدبري احلر مبالمستها جلوهر املبدأ
على مستوى املقتضيات التشريعية اليت حتكم تطبيقه وممارسته ،مقارنة ابملشرع املغريب الذي إقتبس املبدأ من
التشريع الفرنسي ،لكن يف مقابل إفراغه من محولته ،وعمل على طمس معامله ومبادئه اجلوهرية عندما قام
خبلط وإقحام املبادئ العامة للحكامة اجليدة مببدأ التدبري احلر يف القوانني التنظيمية للجماعات الرتابية ،مما
أدى إىل إقرار مبدأ دستوري فارغ من حيث املعىن والنطاق ،مما شكل ضبابية مفرطة يف فهمه على مستوى
النص واملمارسة ،وشكل عرقلة حقيقية تواجه مطمح حتقيق إلتقائية السياسات العمومية الرتابية ،يف ظل
اإلنتهاك والتعدي املمارس من طرف السلطة التنفيذية ممثلة يف سلطة الوالة والعمال عند ممارسة اجلماعات
الرتابية لإلختصاصات املسندة إليها مبوجب القانون.
وميكن تفسري ذلك بسبب طبيعة نشأة الدولة اليت مل تستطع التخلص من ماضيها املركزي والنزعة السلطوية
املرتاكمة عرب حقب اترخيية متوارثة ،دون ترك أي جمال إلسهام اجلماعات الرتابية ومتتيعها ابحلق يف املشاركة يف
صياغة األنظمة اليت تؤطر منظومة الالمركزية .األمر الذي جيعل من غموض اإلختصاصات عملية مقصودة
لتقليص تدخل اجلماعات الرتابية ،وتوسيع عملي جملال تدخل السلطة املركزية وممثليها حبكم التأثري املستمر
للقواعد املؤسسة ملرجعية الدولة املركزية اليت مازالت تتحكم يف بنيتها وعالقاهتا مما يساهم يف تقليص أدوار
اجلماعات الرتابية و ابلتايل حمدودية تدخالهتا الرتابية وعرقلة إلتقائية السياسات التنموية على مستوى اجلهات
واجلماعات الرتابية األخرى بفعل صعوبة حتقيق اإلندماجية بني ما جيب فعله وما ميكن فعله.
إن مرسوم التقطيع الرتايب الذي نتج عن الالمركزية من شأنه أيضا أن يساهم يف عرقلة اجملتمع من خالل
حماصرة التطورات والتبادالت والتداخالت مما جعله يتسم بكونه تقطيع ترايب غري مساعد على تنمية اجلهة
بفعل ضعف بعض األقاليم املكونة هلا واملفتقرة ألي جاذبية إقتصادية وتعرف نقصا يف البنيات التحتية وابلتايل
فالتأسيس إللتقائية الربامج واملخططات والسياسات داخل اجملال الرتايب املكون للجهة يعترب من وجهة نظران
صعب املنال بفعل عدم التكافئ بني خمتلف اجلماعات الرتابية املكونة للجهات من حيث املوارد الطبيعية
والثروات والبنية التحتية وهذا ما يقف حائال أمام أي صيغة للتعاون والشراكة بينها ،فضال عن ما تعرفه
املكوانت اجملالية املكونة لغالبية اجلهات من نقص كبري يف التجهيزات اإلجتماعية مع إرتفاع نسبة الفقر هبا
إبستثناء بعض العماالت داخل اجلهات اليت تعرف مستوى منو متطور.
ويعزى ذلك إىل عدم تبين املشرع املغريب لقانون تنظيمي واحد للجماعات الرتابية على شكل مدونة رغم
التنصيص الدستوري على ذلك يف الفصل 146بعبارة ” حتدد بقانون تنظيمي” وابلتايل فعوض أن نكون
أمام نص واحد ،حنن اليوم أمام أربعة قوانني تنظيمية ،ثالثة خاصة ابجلماعات الرتابية وواحد خاص إبنتخاب
أعضاء جمالس هذه اجلماعات مما شكل غموضا وختبطا يف توزيع اإلختصاصات بل أحياان جندها تشرتك يف
نفس اإلختصاص مما يؤدي لتعدد التدخالت وتضييع الفرص وإهدار اجلهد واملال واحليلولة دون حتقيق
إلتقائية الربامج واملشاريع مع متطلبات املواطنني و مشاكلهم ،هذا فضال عن كون بعض املقتضيات الواردة يف
النص الدستوري مل تتطرق هلا هذه القوانني التنظيمية وأخص ابلذكر اجلانب املتعلق ابملوارد املالية للجماعات
الرتابية ،أي جباايت اجلماعات الرتابية على إعتباره حجر الزاوية يف التنمية الرتابية وركيزة أساسية لضمان
إلتقائية السياسات العمومية .كما أن من بني األمور اليت توضح جبالء هشاشة املقتضيات القانونية املرتبطة
ابلالمركزية جند عدم وضوح مهام ”املراكز اجلهوية للتشغيل وتطوير الكفاءات من أجل اإلدماج يف سوق
الشغل” إذ ال جند أي إطار قانوين يوضح مفهومها وإختصاصاهتا وهذا الفراغ القانوين والتنظيمي أاثر العديد
من األسئلة ألن املشرع عندما يشري إىل إختصاص مجاعة ترابية إبحداث مؤسسات ،إما يفرتض أن هذا النوع
من املؤسسات قائم قانونيا ،أو أن تكون هذه املؤسسات جديدة ،ويف هذه احلالة جيب أن حيدد املقصود منها
أو على األقل أن حييل إىل نص تنظيمي يفصل يف هذا األمر .ومن بني مالمح اهلشاشة يف املقتضيات
القانونية املؤطرة لالمركزية أيضا جند عدم اإلنسجام بني إختصاص اجلهة و اإلسرتاتيجية الوطنية للتكوين
املهين ،2021-2015إذ أن احلكومة وضعت اإلسرتاتيجية وفق حماور تضمنت إشراك اجلهات وجعلها
مسؤولة إىل جانب القطاعات احلكومية يف تنمية التكوين املهين يف اجملال القروي واألحياء اهلامشية ،لكن
وابإلطالع عل القانون التنظيمي للجهات جند أن إختصاصها يف القيام إبحداث مراكز جهوية للتكوين
مندرج ضمن اإلختصاصات الذاتية و ابلتايل ال متلك اجلهات أي إختصاص آخر مشرتك أو منقول يف هذا
القطاع وابلتايل فال ميكننا احلديث عن إشراك اجلهات يف هذه اإلسرتاتيجية يف ظل غياب مرجعية قانونية
لتمكينها من ذلك .و ابلتايل فكيف ميكننا احلديث عن إلتقائية التدخالت العمومية والربامج واملشاريع يف
ظل هشاشة املقتضيات القانونية والتنظيمية اليت تقف كحاجز مانع لتحقيق ذلك.
ومن بني اإلشكاالت املطروحة أيضا الصياغة القانونية الفضفاضة إلختصاصات خمتلف اجلماعات الرتابية
واليت أدت إىل طرح تساؤالت حول حتديد مسؤولية كل طرف عندما يتعلق األمر إبختصاص منح ألكثر من
مجاعة ترابية مما يؤدي إىل صعوبة حتديد املسؤول عن كل فشل أو ضعف مما يعين تغييب أكرب دعامة تبىن
عليها الدميقراطية الرتابية ،أال وهي احملاسبة و املساءلة ،وابلتايل فاألمر يتطلب التحديد احملكم لإلختصاصات
واألدوار ابلنسبة لكل املتدخلني يف اجملال التنموي تفعيال ملبدأ املداركة أو التفريع.
ومن بني ما ميكن أن نطرحه كإشكال يعزز توجهنا على إعتبار املقتضيات القانونية املؤطرة لالمركزية تغلب
عليها اهلشاشة وتقف كحاجز حيد من إلتقائية وإندماجية السياسات العمومية الرتابية جند أن القوانني
التنظيمية للجماعات الرتابية مل تقم ابلتحديد الدقيق لبنية املوارد الذاتية إذ جند أن املادة 173من القانون
التنظيمي املتعلق ابجلماعات قد كرر مضمون الفصل 141من الدستور دون أي إجتهاد يذكر يف حتديد
مكانة املوارد الذاتية مقارنة مع ابقي أصناف مصادر التمويل األخرى ،وقد سارت ابقي القوانني التنظيمية
األخرى على نفس املنوال حيث أكدت املادة 165من القانون التنظيمي رقم 112.14املتعلق ابلعماالت
واألقاليم نفس املضمون وكذلك الشأن ابلنسبة للمادة 186من القانون 111.14املتعلق ابجلهات مما يؤكد
لنا حمدودية التنزيل القانوين للضماانت املتعلقة ابملوارد املالية الالزمة ملمارسة اجلماعات الرتابية إلختصاصاهتا
التنموية اجلديدة اليت نص عليها الدستور.
إن لتجزيئية نصوص الالمركزية ابلغ األثر على فعالية ممارسة إختصاصاهتا بسبب عدم وضع إطار قانوين موحد
ومنسجم ومتجانس ملمارستها ،ألن إصدار نصوص جمزأة ختص كل مستوى ترايب على حدة بفعل ظرفيات
سياسية ومرجعيات غري مرتابطة أدى إىل فرض نوع من الغموض والتداخل بني املهام واألدوار التنموية بل
أدى أيضا إىل ضعف نظام التتبع واحملاسبة بفعل عدم املقدرة على حتديد املسؤوليات ،ففي جمال إعداد الرتاب
مثال نالحظ أن املشرع قد جعل اجمللس اجلماعي ينفرد بعدد من املهام يف جمال التعمري و مل ينص على إشراك
املستويني الإلقليمي واجلهوي يف هذا اإلطار ،يف الوقت الذي خص املشرع هذين املستويني إبختصاص هام
يف جمال احلفاظ على اخلصوصيات املعمارية للجهة أو اإلقليم ،لذلك كيف ميكن هلذين املستويني الرتابيني أن
ميارسا هذه املهمة واملشرع قد منح سلطة البت و التقرير للمجلس اجلماعي فقط -مبسامهة مصاحل الدولة-
فيما يتعلق أساسا برخص التعمري وتصاميم التهيئة ،هذا فضال عن إشكال آخر ينطوي حول عدم الوضوح يف
املهام واإلختصاصات بني اجمللس اجلماعي يف عالقته ابلوكاالت احلضرية .وحنن بدوران نؤيد يف الرأي من يرى
أن إفتقار اجلماعات الرتابية إىل رؤية مندجمة للتنمية وتعدد املتدخلني قد يؤدي إىل ضياع العديد من الفرص
وذوابهنا بني اجلماعات الرتابية مما يصعب عملية التقييم و احملاسبة اليت تعترب ركيزة أساسية لتحقيق حكامة
جيدة .فضال عن غياب املقرتب التشاركي بني اجلماعات الرتابية والذي يساهم يف تشخيص األوضاع إبعتباره
مدخال مهما من مداخل إرساء احلكامة يف التدبري العمومي.
جتدر اإلشارة إىل أن وكاالت التنمية تلعب دورا هاما يف التنمية الرتابية على الصعيد الرتايب وابلتايل أصبحت
فاعال أساسيا يف السياسات العمومية الرتابية على إعتبار حجم املشاريع اليت تسهر على إجنازها ،لكن األمر
يطرح العديد من اإلشكاليات اليت تستوجب الوقوف عندها خاصة التقاطعات الكثرية بينها وبني
اإلختصاصات املعهود هبا إىل جمالس اجلماعات الرتابية ،فعلى سبيل املثال ،اإلختصاص املتعلق ابلتنمية
االجتماعية وكذا التنمية اإلقتصادية جند أنه إختصاص ذايت للجماعات الرتابية ،و يف نفس الوقت جند
وكاالت التنمية أيضا خمتصة يف ما يتعلق ابلتنمية االجتماعية على مستوى اجلهة ،ومن بني هذه الوكاالت،
وكالة إنعاش وتنمية عماالت وأقاليم ( الشرق-الشمال-اجلنوب) ،وهذا ما يدفعنا للتساؤل حول جدوى
اإلبقاء على هذه الوكاالت اليت تستنزف ميزانية هائلة يف حني كان من الواجب أن تتوىل الوكاالت اجلهوية
لتنفيذ املشاريع على مستوى جهات اململكة الدور الذي تقوم به وكاالت التنمية ،مما يوفر اجلهد و املال و
جيعل حتديد املسؤوليات أمرا هينا.
ابإلضافة إىل ماسبق ،ميكننا إاثرة إشكال آخر يتعلق مبدى إندماج وإلتقائية املشاريع اليت تقوم هذه الوكاالت
إبجنازها ،مع ما تنجزه ابقي املؤسسات األخرى داخل نفس اجملال الرتايب اجلهوي مما يؤدي بطبيعة احلال إىل
ضياع اجلهد والفرص وضعف التقييم وتنازع اإلختصاصات وغموض املسؤوليات ،كما نشري أيضا يف هذا
املقام إىل إشكال ال يقل أمهية عن السابق متعلق مبمارسة وكاالت التنمية على سبيل املثال ”وكالة
مارتشيكا” وكذا ”وكالة هتيئة ضفيت أيب رقراق” إلختصاصات الشرطة اإلدارية خاصة يف جمال التعمري،
وابلتايل التدخل يف صالحيات رؤساء اجملالس اجلماعية ،إذ نالحظ أن هذه الوكاالت جاءت لتحل حمل
اجلماعات الرتابية و بعض املؤسسات العمومية القطاعية للقيام مبهام معينة تدخل يف األصل ،بل ومنصوص
عليها يف القوانني التنظيمية للجماعات الرتابية كإختصاص ذايت هلا ،مما خيلق نوعا من التداخل يف املهام و
الربامج و املخططات و يؤدي لتقاطع الرؤى مما يؤدي لتضييع املزيد من الوقت يف إعداد برامج ومشاريع يتم
منحها يف هناية املطاف هلذه الوكاالت بدل أن تقوم هبا اجلماعات الرتابية.
سنقارب هذا الفرع لنوضح مكامن إفتقار السياسات العمومية للبعد اإلسرتاتيجي من خالل النقط التالية:
إن أهم ما مييز السياسات العمومية ابملغرب هو كوهنا تتسم بطابعها الظريف الغري املؤسس على ختطيط مسبق
قائم على أسس علمية ابإلعتماد على مبادئ التخطيط اإلسرتاتيجي وتنفيذ هذه السياسات على املدى
البعيد ،بل هي سياسات وجدت حلل مشاكل ظرفيىة هبواجس أمنية ،عالوة على كوهنا تتغري بتغري املسؤول
املشرف عليها لكوهنا ال تتمتع ابلطابع املؤسسي ،وهذا ما يعرض السياسات العمومية وخاصة السياسات
الرتابية ابملغرب لكثرة التغيري والتبديل ،لكن املالحظ أن هذا التغيري ال يقوم على أسس موضوعية كنتيجة
لسياسة التقييم والتقومي هبدف حماولة جتويدها وتاليف سلبياهتا أو كنتيجة للتغذية العكسية نتيجة عدم رضى
املواطنني عنها لعدم قدرهتا على حل املشاكل العمومية وابلتايل فتغيري وتبديل السياسات العمومية هنا يصبح
ضرورة ملحة من لدن صانعي السياسات ،لذلك فالتغيري وفقا للطابع الظريف واإلرجتايل الذي حنن بصدد
معاجلته أييت نتيجة لعاملني أساسيني:
وجود خلل مصاحب لدورة السياسات العمومية نتيجة اإلرجتال يف إعدادها منذ البداية وعدم
اإلعتماد على قواعد بياانت ومعلومات دقيقة وعدم حتديد أهداف السياسة وأولوايهتا بشكل عقالين
واليت تعد من مشكالت صناعة السياسات العمومية ،عالوة على غموض الرسائل اليت يتلقاها صانع
السياسات إما بسبب الرتمجة السيئة للقنوات الوسيطة أو بسبب عدم التفاعل مع الرأي العام و عدم
اإلستجابة هلم ،مثل قضية احملروقات ابملغرب واليت شهدت تغيريا يف مسارها ،أو بسبب جلوء صانع
السياسات إىل النماذج السابقة للسياسات وابلتايل تقدمي حلول وبدائل بنفس الطريقة اليت مت هبا حل
نفس املشكل العمومي يف التجارب السابقة رغم ثبوت فشل تلك البدائل وعدم جناعتها ( كتعامل
الدولة مع حراك الريف بنفس احلل الذي تعاملت به مع أحداث الريف سنة 1959وهو تغيري رجال
السلطة آبخرين يتقنون اللغة األمازيغية كأن املشكل هو مشكل تواصل ،وهذا ما يفسر عدم فهم
صانعي السياسات للمشكل العمومي) ،وابلتايل تصبح السياسات املتخذة غري انجعة بسبب
اإلرجتالية اليت طبعت فهم املشكل العمومي وعملية اإلعداد وإختاذ القرار ،وابلتايل فاألمر يتطلب
الفهم الصحيح للمشاكل العمومية واملتطلبات والتعامل معها بعقالنية يف التصور والصناعة.
حدوث تغيري يف املسؤولني التنفيذيني القائمني على تلك السياسات خاصة رؤساء اجلماعات الرتابية
بسبب عزهلم من لدن احملكمة اإلدارية نتيجة خروقات يف التسيري ،إذ جرت العادة أن يقوم املسؤول
اجلديد بتجاهل ما بدأه سلفه ،وهو ما يؤدي إىل عدم إكتمال تنفيذ السياسات العمومية نتيجة هيمنة
الطابع الشخصي على عملية صناعة وتنفيذ السياسات مما يكسبها طابع الظرفية واإلرجتالية.
إن هذا الواقع الظريف واإلرجتايل الذي تتسم به السياسات العمومية بشكل عام والسياسات العمومية الرتابية
على وجه اخلصوص ،تكون له آاثر سلبية على إستمرارية الربامج واملخططات مما يؤثر على جناعتها وجيعلها
فارغة احملتوى بسبب عدم إكتماهلا وتنزيلها أو تغيري مسارها وأهدافها ،وابلتايل فاحلديث عن البعد اإللتقائي
للسياسات العمومية وفق ذلك يبقى بعيد املنال نسبيا.
إن املتتبع ملسار وضع و صياغة السياسات العمومية على املستوى املركزي رغم وجود برانمج حكومي يقدم يف
بداية كل والية حكومية كما هو الشأن ابلنسبة للربانمج احلكومي لسنة ،2016ورغم املخططات السابقة
سواء اخلماسية أو الثالثية على الصعيد الوطين ،فإن ما ميكن مالحظته هو توجه كل قطاع إىل صياغة سياسة
عمومية خاصة به ،هذا التوجه القطاعي للسياسات العمومية أفرز نوعا من عدم اإلندماج والتكامل واإللتقاء
بني خمتلف الربامج واملخططات واإلسرتاتيجيات القطاعية سواء على املستوى الوطين و كذا على املستوى
الالمركزي .إن غياب الرؤية اإلسرتاتيجية املندجمة وعدم ترتيب األولوايت يؤداين إىل إجناز أعمال جمزأة تفتقر
إىل التكامل فيما بينها ،مما حيد من اآلاثر اإلجيابية املتوقعة للسياسات العمومية على السكان واجملاالت
الرتابة.
إن الرتكيبة احلكومية ابملغرب واليت تعاين من تضخم حاصل يف عدد وزرائها ( 39وزيرا يف عهد حكومة
بنكريان الثانية ،مت تقليصها ل 23وزيرا بعد التعديل الوزاري الذي أفرز لنا ما يسمى حبكومة الكفاءات،
لتصل إىل 24وزيرا يف احلكومة األخرية بقيادة السيد عزيز أخنوش) ،ابإلضافة إىل كثرة األجهزة املوازية
واملتجلية يف الوكاالت الوطنية للتنمية ،واملراكز اجلهوية املعنية ابإلستثمار ،فضال عن كثرة اجملالس املكلفة
ابلتنمية والتخطيط واإلستشارة ،قد أفرز لنا تداخال يف اإلختصاصات وآاثرا سلبية على مستوى اإلندماج
واإللتقائية بني خمتلف األعمال اليت تقوم هبا هذه املؤسسات من جهة واجلماعات الرتابية من جهة أخرى ،إذ
جند كثرة املتدخلني وتعقد مساطر معاجلة امللفات دون فائدة تذكر ،عالوة على تفتيت جمال واحد إىل عدة
وزارات ووزارات منتدبة ،انهيك عن الصعوبة اليت يالقيها رئيس احلكومة يف لعب دور املنسق واملوحد للجهود
بسبب هذا التضخم العددي للحقائب الوزارية الناجتة عن الرتضية السياسية والتسابق احلزيب داخل األحزاب
لإلستوزار.
ابإلضافة إىل ماسبق ،ميكننا ان نسجل أيضا هيمنة التوجه القطاعي األحادي اجلانب ،إذ أن كل قطاع يربمج
ويتخذ قرارات مؤثرة على الصعيد التنموي يف غياب إستشارة وتدخل ابقي الفاعلني سواء القطاعات الوزارية
األخرى أو اجلماعات الرتابية املعنية بتلك الربامج ،عالوة عن وجود عالقات عمودية بني املركز ومصاحله
اخلارجية رغم سعي الدولة إىل هنج سياسة الالتركيز الذي عربت عنه من خالل امليثاق الوطين لالمتركز
اإلداري ،لكن خوف الوزراء من أن تسلب منهم صالحياهتم لفائدة جهاز آخر وهو الوايل أو العامل جعل
تعاملهم مع املصاحل الالممركزة يف الوقت الراهن يغلب عليه الطابع القطاعي احملض ،مما أفرز لنا التوازان يف
التنمية بني كل القطاعات ،وتنمية قطاع على حساب قطاع آخر ،يف إنتظار تنزيل امليثاق على الوجه السليم
ومتتيع هذه املصاحل بصالحيات تقريرية فعلية تساهم يف التناسق واإلندماج واإللتقائية مع الربامج واملخططات
الرتابية حتقيقا للتنمية الرتابية املندجمة.
كما أن مسألة التخطيط يف املغرب قد عانت وتعاين ،من إنعدام أي تصور مندمج وذلك بسبب غياب
التشخيص املسبق ،إضافة إىل غياب التنسيق بني خمتلف املتدخلني ،الشيء الذي نتج عنه عدم اإلنسجام
بني الربامج التنموية ،و كذا عدم إلتقائية الربامج املنجزة على املستوى الوطين مع تلك املنجزة على املستوى
الرتايب مما يؤدي إلهدار الوقت واملال واجملهود دون بلوغ فعالية السياسات العمومية ،وكذا يف ظل عدم
مقدرهتا على حل املشاكل العمومية الرتابية.
يصعب يف الوقت الراهن احلكم على التجربة اجلهوية ابلنجاح أو الفشل لكن من خالل اإلطالع على بعض
التقارير خاصة تقارير اجمللس األعلى للحساابت وتقارير اجمللس االقتصادي واالجتماعي والبيئي وتقارير
التنمية البشرية الصادرة عن األمم املتحدة ،نستطيع اجلزم أن هناك خلال يف إندماجية السياسات العمومية
بصفة عامة ،ورمبا يف جمال سياسات إعداد الرتاب على وجه اخلصوص ،فقد أكدت التقارير الرمسية إستمرار
اإلختالالت اجملالية بني اجلهات وداخل اجلهة الواحدة فعلى سبيل املثال ،تستأثر جهيت الدار البيضاء والرابط
لوحدمها بنسبة 50ابملائة من الناتج الداخلي اخلام على حساب ابقي اجلهات األخرى ،كما أن هناك
معطيات تؤكد على أن مناطق عديدة من الرتاب الوطين تعاين إختالالت هيكلية ومن دالالت ذلك ضعف
نسبة إجناز التجهيزات واملرافق اجلماعية املربجمة يف واثئق التعمري املصادق عليها.
إن سياسة التعمري وإعداد الرتاب ال زالت تعرف إختالالت كبرية وذلك راجع ابألساس إىل تقاطع
اإلختصاصات وكثرة املتدخلني( جمالس منتخبة ،جلان ،وكاالت ،مندوبيات جهوية وإقليمية…) مما ينتج عنه
صعوبة يف التنسيق وإلتقائية التدخالت بسبب تكريس املقارابت القطاعية على حساب املقارابت املندجمة،
هذا فضال عن عدم اإلستقرار املؤسسايت لسياسة إعداد الرتاب حيث عرفت اإلدارة املكلفة ابلتعمري وإعداد
الرتاب حتوالت متعددة بني سنيت 2008و 2019متيزت ابملد واجلزر من خالل عدم إستقرار اإلدارة املكلفة
بقطاع إعداد الرتاب حسب ما يبينه اجلدول أسفله.
إن ما ميكن الوقوف عنده ،والذي يشكل يف نظران هتديدا حمدقا ابجلوانب املتعلقة ابلتخطيط الرتايب يف جمال
سياسة إعداد الرتاب ،جند أنه يف الوقت الذي ينص فيه القانون التنظيمي املتعلق ابجلهات على إحداث جلنة
إلعداد الرتاب من بني اللجان الدائمة جمللس اجلهة ،واليت يفرتض أن تسهر على إعداد التصميم اجلهوي
إلعداد الرتاب وتنظيم عمليات احلوار والتشاور املتعلقة به ،نالحظ أن املرسوم املتعلق إبعداد هذا التصميم يف
املادة الرابعة ،قد سحب هذا اإلختصاص من هذه اللجنة ومنحه إىل جلنة أخرى حتمل نفس اإلسم لكن
تعمل حتت إشراف وايل اجلهة ،وهي اللجنة اإلستشارية إلعداد الرتاب ،وحدد املرسوم أتليفها ،وطريقة
إشتغاهلا ،وجداول أعماهلا .وابلتايل فنحن نرى أن هذه اللجنة هي جمرد هيئة مضافة هليئة موجودة يف األصل
وخمصصة هلذه الغاية ،وابلتايل فاملشرع هنا مل يكن حكيما ألنه مسح ابلتداخل واإلرجتالية يف التدخالت
املتعلقة بتصميم وثيقة تعترب عصب قيام اجلهوية املتقدمة،
وبناء على ما سبق ال ميكن تصور قيام جهوية بدون سياسة إعداد ضمن إطار جهوي حيتضنها ،وابلتايل
فاإلختالالت والنواقص اليت تطرقنا إليها توضح صعوبة حتقيق إلتقائية السياسات العمومية املتعلقة إبعداد
الرتاب ،هذا بطبيعة احلال يف ظل ضعف مستوى غالبية أعضاء اجلماعات الرتابية عموما ،واجلهات على وجه
اخلصوص وعدم مقدرهتا على إجناز تصميم جهوي إلعداد الرتاب متكامل يف جتانس وتناغم مع متطلبات
اجلهة وتطابق مع التصميم الوطين إلعداد الرتاب ،وميكن أن نربهن ذلك من خالل أتخر العديد من اجلهات
يف تصور وإجناز هذه التصاميم ،بل وضعف التصور يف بناء هذه التصاميم.
لعل من بني مسات غياب البعد اإلسرتاتيجي عن السياسات العمومية جند هيمنة املقاربة التقنوقراطية ،واليت
تشكل العامل األساسي لغياب البعد الرتايب يف السياسات العمومية ،إذ أن هذه األخرية يتحكم فيها صانعوا
السياسات املنتمني ملختلف القطاعات الوزارية ابعتبارهم جهازا إداراي بريوقراطيا مركزاي ،على حساب الفاعل
الرتايب احمللي الذي يتمتع مبشروعية دميقراطية ،كما أن هلذا اجلهاز أيضا إمكانية منع تنفيذ سياسة عمومية
ترابية معينة بدوافع وهواجس أمنية ابتباع أساليب التعطيل البريوقراطي ولعل أمهها آلية رفض التأشري ،واليت
تنسف كل اجملهود والوقت الذي قامت به اجملالس املنتخبة يف سبيل بلورة سياسة عمومية ترابية ذات أبعاد
تنموية وإجتماعية ،وخنص ابلذكر سياسات التعاون الالمركزي الدويل اليت تسعى اجلماعات الرتابية لبلوغها
لتوطني مشاريع تنموية وإجتماعية وبيئية وجلب التمويالت املالية واخلربات األجنبية الالزمة لذلك من لدن
نظرياهتا على املستوى الدويل ،واليت تقابل أحياان برفض وزارة الداخلية هلا بسبب رؤيتها التقنوقراطية املصبوغة
هبواجس أمنية هلذه املشاريع وغياب البعد الرتايب يف تدخالهتا وقراراهتا ،وابلتايل النزوع إىل التعامل مبنظار تقين
مع القضااي التنموية ونزع الطابع السياسي عن السياسات العمومية وتغييب البعد الرتايب عنها وامليل إىل
تقنقرطتها ،فإشكالية العالقة بني التقنوقراطي والسياسي هلا جذور ممتدة عرب الزمان وهي راجعة ابألساس إىل
دينامية بناء الدميقراطية وفق منط اإلنتاج التقليداين للسياسات العمومية مما يساهم بشكل كبري يف الضبط
السلطوي للنظام السياسي املغريب على حساب ضمان إلتقائية السياسات العمومية ومقدرهتا على تقدمي
البدائل وحل املشاكل العمومية الرتابية.
إن ما مييز السياسات العمومية خاصة االقتصادية منها واالجتماعية هو أهنا سياسات مركزية ابألساس على
عدة مستوايت ،فعلى مستوى التصور ،يعهد هبا وبشكل حصري للقطاعات احلكومية واملؤسسات التابعة
هلا ،وذلك من خالل وضع املخططات والربامج اليت يتم إعدادها مركزاي ،أما على مستوى التنفيذ فالقطاعات
احلكومية تقوم بتنفيذ هذه السياسات إما بشكل مباشر أو من خالل مؤسساهتا مع إشراك اجلماعات الرتابية
أحياان ويف جماالت ضئيلة جدا ،فعلى سبيل املثال مشروع هتيئة حبرية مارتشيكا مبدينة الناظور ،فقد عملت
السلطة احلكومية على منح وكالة مارتشيكا صالحية تنفيذ الربانمج بشكل إنفرادي دون أي تدخل أو
مساعدة من اجلماعة الرتابية للناظور علما ان املشروع يتم تنفيذه ابحليز اجلغرايف للجماعة ،مما يؤكد هذا
التوجه القطاعي الضيق الذي يغيب عنه البعد الرتايب سواء على مستوى التصور أو التنفيذ ،بل حىت على
مستوى إستشارة الفاعلني الرتابيني مل تقم الوكالة بذلك يف إطار مقاربة تشاركية ،مما حيد من إلتقائية
السياسات العمومية والربامج واملشاريع الرتابية بفعل هذا التوجه القطاعي التجزيئي الذي جيعلنا نستنتج أن
مؤشرات التنمية البشرية تعاين ابملقابل من تراجعات نتيجة عدم اإلندماج الرتايب يف برامج التنمية القطاعية يف
ظل غياب التعبري عن احلاجيات األساسية وعن إنتظارات السكان.
يف سياق التحوالت اليت تعرفها الدولة على مستوى وظائفها وصالحياهتا و بنياهتا التنظيمية واهليكلية مت
إعتماد وإقرار املرسوم رقم 2.17.618مبثابة ميثاق وطين لالمتركز اإلداري ،وقد مت إعداده استنادا إىل اإلرادة
امللكية ،حيث دعا امللك يف خطاب العرش بتاريخ 29يوليوز 2018إىل ضرورة التسريع بتنزيله وإصداره
تفعيال لورش اجلهوية املتقدمة ،كما جاء امليثاق أيضا تفعيال للربانمج احلكومي ،وتقرير اجمللس االقتصادي
واإلجتماعي والبيئي حول متطلبات اجلهوية املتقدمة وحتدايت إدماج السياسات القطاعية ،ابإلضافة إىل
الدراسات املنجزة حول بعض التجارب املقارنة يف عدد من الدول األوروبية.
وبناء عليه ،سنتطرق إىل ميثاق الالمتركز اإلداري وتوضيح دور الوايل/العامل يف ضمان إلتقائية السياسات
العمومية الرتابية(الفرع األول) ،وسنتناول التصاميم املديرية لالمتركز اإلداري لنحدد موقعها من حتقيق إلتقائية
السياسات العمومية الرتابية(الفرع الثاين).
يشكل ميثاق الالمتركز اإلداري دعامة يف ترسيخ اجلهوية املتقدمة ،من خالل نقل اإلختصاصات التقريرية
للمصاحل الالممركزة من املركز إىل احمليط الرتايب عرب آلية التفويض مما حيقق ختفيف العبئ عن اإلدارات املركزية
ويسهل عملية التنسيق بني املصاحل الالممركزة على املستوى الرتايب مما يساهم يف حتقيق إلتقائية السياسات
العمومية الرتابية(الفقرة االوىل) ،كما يشكل الوايل/العامل نقطة إرتكاز أساسية من خالل مهام التنسيق اليت
منحها له ميثاق الالمتركز اإلداري مما يدعم رهان بلوغ اإللتقائية على املستوى الرتايب(الفقرة الثانية).
إنطالقا من دستور 2011والقوانني التنظيمية للجماعات الرتابية ،وخاصة القانون املتعلق ابجلهات،
أصبحت هذه األخرية تتمتع إبختصاصات واسعة يف التنمية االقتصادية واإلجتماعية والثقافية ،مما حتم على
السلطة السياسية إبتكار آليات وأساليب إلجياد احللول املمكنة للمعضالت اليت ابت يعيشها املغرب خاصة
فيما يتعلق إبفتقاد رؤساء املصاحل اخلارجية للوسائل املادية والتقنية والتقريرية الالزمة لتنفيذ وبرجمة املشاريع
التنموية على املستوى الرتايب ،األمر الذي حد من تطور الالمتركز اإلداري وكرس مركزية القرار والطابع
البريوقراطي الرتايب ،حبيث ال يستطيع املسؤول احمللي إختاذ أبسط القرارات دون الرجوع لإلدارة املركزية ،مما
شكل عائقا أمام تكريس البعد اجلهوي للسياسات العمومية ،وكاحبا لنجاح ورش اجلهوية املتقدمة بفعل
هشاشة إلتقائية السياسات العمومية على املستوى الرتايب ،مما تتسبب يف ضياع الفرص التنموية ،وتشتت
الفعل العمومي ،وتضييع اجلهد والوقت واملال يف الدراسات والربامج ،والتخطيط للمشاريع اليت تليب حاجيات
السكان ،لكن يف هناية املطاف تصطدم كل هذه اآلمال إبنعدام سلطة تقريرية للمصاحل الالممركزة على
املستوى اجلهوي ،والقادرة على إختاذ املبادرة والتأشري على تلك الربامج واملشاريع واإلخنراط فيها مبعزل عن
تدخل القطاع الوزاري املعين ،مما يستدعي أخذ رأي وموافقة وتفويض السلطة املركزية ،اليت تعرف بريوقراطية
جامدة ،تؤدي نتائجها حملدودية املبادرات وإنعدام اإللتقائية الرتابية.
ولعل هذا ما أكد عليه اخلطاب امللكي ل 29يوليوز ،2017حيث شخص اإلختالالت اليت تعاين منها
اإلدارة احمللية واملتمثلة يف غياب التنسيق واإللتقائية يف التدخالت العمومية ،وضعف آليات احلكامة والنجاعة،
وإستمرار هيمنة اإلدارة املركزية على القرار الرتايب.
ويف هذا السياق جاءت مبادرة وضع ميثاق لالمتركز اإلداري يستهدف أجرأة السياسات العمومية الرتابية
بشكل أكثر مرونة وجناعة ،عرب نقل السلطة التقريرية ووسائل العمل من املركز إىل اجملال الرتايب .وهذا ما عرب
عنه امللك حممد السادس يف الرسالة اليت وجهها إىل أشغال املناظرة الوطنية األوىل للجهوية املتقدمة” حيث
جاء يف مضمون الرسالة…:مت يف إطار هذا امليثاق ،حتديد دور واختصاصات اإلدارات املركزية والالممركزة،
وإبراز املستوى اجلهوي ،ابعتباره اإلطار املالئم إلنسجام السياسات العمومية ،ولربجمة مشاريع خمتلف
القطاعات احلكومية ،وتفويض املهام والوسائل املادية والبشرية إىل املصاحل الالممركزة ،ابإلضافة إىل تكريس
عقود الربامج بني اإلدارات املركزية وهذه املصاحل”.
لكن ما يعاب على مسلسل الالمتركز هو وجود مفارقة حقيقية ،فعوض أن يسبق إطالق اجلهوية املتقدمة ،إال
أننا جند أنه جاء كنتيجة هلا ،مما جعله أقرب ما يكون إىل إجراء للمواكبة ،وليس إصالحا ضروراي للحكامة
اإلدارية.
إن اهلدف من تفعيل مرامي ميثاق الالمتركز اإلداري و ربطه مبتطلبات اجلهوية املتقدمة ،يكمن يف كونه
سيؤدي لعدم تركيز السلطة ،وإمنا توزيعها بني املستوايت اإلدارية املختلفة ،ومبوجبه سيتم نقل اإلختصاصات
املركزية إىل املصاحل الالممركزة ،للقيام مبهام معينة وختويلها صالحية اختاذ القرار وفق آليات تفويض السلطة أو
اإلمضاء ،مما سينجم عنه ختفيف العبء عن اإلدارات املركزية من جهة ،ومن جهة أخرى إىل سهولة التنسيق
بني اإلدارات على املستوى الرتايب ،وابلتايل حتقيق اإللتقائية الرتابية يف تناغم مع ورش اجلهوية املتقدمة ،والعمل
على التوطني الرتايب للسياسات وتنفيذها وتقييمها ،وإرساء دعائم راسخة ودائمة لتعزيز التكامل يف الوظائف
واملهام بني املصاحل الالممركزة للدولة واهليئات الالمركزية ،والسيما منها اجلماعات الرتابية من خالل السهر
على تفعيل آليات الشراكة والتعاون بينها ومواكبتها يف إجناز براجمها ومشاريعها التنموية ،وضمان إلتقائية
السياسات العمومية الرتابية ،وجتانسها وتكاملها على مستوى اجلهة ،وعلى مستوى العمالة أو اإلقليم ،وحتقيق
التعاضد يف وسائل تنفيذها .ولكي يتم ذلك جيب أن يستند الالمتركز اإلداري ملصاحل الدولة على املستويني
اجلهوي واإلقليمي ،على مبادئ اإلنصاف يف تغطية الرتاب الوطين من خالل ضمان التوزيع اجلغرايف املتكافئ
ملصاحل الدولة الالممركزة ،وختويل اجلهة مكانة الصدارة يف التنظيم اإلداري الرتايب ،مع ضمان وحدة عمل
املصاحل الالممركزة ضماان للنجاعة والفعالية وحتقيقا لإللتقائية والتكامل يف اإلختصاصات املوكولة إليها،
فاإلدارات املركزية أصبحت اليوم حبكم وظيفتها اإلنتقالية ،تستأثر مبهام التصور والتوجيه والتقييم والرقابة ،يف
حني أن املصاحل الالممركزة أصبحت مهيأة أكثر ملباشرة مهام التسيري وتنفيذ السياسات العمومية على املستوى
الرتايب ،وابلتايل أجرأة السياسات العمومية بشكل أكثر جناعة مع حتسني أداء املرافق العمومية على مستوى
اجملال الرتايب ،من خالل نقل السلطة التقريرية ووسائل العمل من املركز إىل املستوى احمللي وإختاذ القرار على
أساس مبدأ القرب من املرتفق.
وبناء على حتليلنا لدور الالمتركز يف ضمان إلتقائية السياسات العمومية الرتابية ،البد أن نشري إىل سياسة
إعداد الرتاب الوطين على إعتبارها أم السياسات العمومية ،واليت هتدف إىل حتقيق التوازن اجملايل وتوزيع أمثل
للثروات ،وابلتايل فهي سياسة أفقية تستوجب التأمل ،فبالرجوع مليثاق الالمتركز اإلداري وخاصة املادة
السابعة ،نستنتج أن امليثاق يهدف إىل التوطني الرتايب للسياسات العمومية ،كما جند أيضا أن املادة 88من
القانون املتعلق ابجلهات ،جعل إعداد الرتاب الوطين من اإلختصاصات الذاتية للجهات ،وابلتايل ال حيق ألي
إدارة مشاركة جملس اجلهة يف هذا اإلختصاص ،ما عدا مؤسسة وايل اجلهة اليت منحها املشرع دور املساعدة
واملواكبة ،وهنا نطرح تساءال حول موقع املفتشيات اجلهوية إلعداد الرتاب الوطين من هذه املعادلة يف ظل
إحتفاظها هبذا اإلختصاص الذي أصبح إختصاصا ذاتيا للجهة ،وغري مشرتك أو منقول مما يؤدي لتنازع
اإلختصاصات بني املتدخلني وابلتايل عرقلة حتقيق اإللتقائية على مستوى سياسة إعداد الرتاب.
لقد ابت لزاما على املشرع املغريب اليوم مع ورش الالمتركز اإلداري أن يصحح املسار ،وأن يربط اإلختصاص
بسلطة التدخل الرتايب وليس القطاعي ،وابلتايل جتريد اإلدارة القطاعية من هذا اإلختصاص ،أو أن حتدد هلا
إختصاصات ذاتية ال تتعارض مع إختصاصات رؤساء اجلهات والوالة يف جمال سياسة إعداد الرتاب ،وحنن
نرى من وجهة نظران أن احلل يكمن يف خلق قطب إداري جهوي يشمل مجيع املتدخلني يف سياسة إعداد
الرتاب على املستوى اجلهوي ،وأن متنح له صالحيات تقريرية وإختصاصات وازنة تضمن حتقيق اإللتقائية
والنجاعة على مستوى سياسة إعداد الرتاب.
إن اإلصالحات الكفيلة بتحقيق إلتقائية السياسات العمومية على املستوى الرتايب من خالل القوانني املؤطرة
لالمركزية ،وميثاق الالمتركز اإلداري ،ال ميكن إختزاهلا يف جمرد إصدار نصوص قانونية ،وال يف إحداث هياكل
إدارية ،بل البد من رؤية مشولية مبنية على منهجية علمية تشاركية ذات أهداف مدروسة قائمة على ضبط
العالقات بني الوحدات الرتابية املنتخبة وبني املصاحل الالممركزة للدولة ،يف إطار تنسيقي تشاركي يقوي
العالقات األفقية مما يؤدي لعقلنة التنظيم الرتايب لتفادي اخللط والغموض يف القيام ابملسؤوليات ،فتحقيق
التكامل واإللتقائية بني إدارة الالمتركز واجلماعات الرتابية ،البد هلا من تصور مشويل ينظر إليها كنسق وبنية
متكاملة ،وليس كمعطيات متفرقة عن بعضها البعض.
إن مسألة اإللتقائية بني التدبري العمومي للدولة والتدبري العمومي للجماعات الرتابية يفرض نفسه كضرورة
لتعاضد جهود مؤسسات الدولة واجلماعات الرتابية من أجل كسب رهان التنمية املستدامة واملندجمة ،واليت
أنمل أن تشكل حمور إهتمام واسع من لدن اللجنة املكلفة بوضع تصور للنموذج التنموي اجلديد ،الذي جيب
أن يقوم على تعزيز دور اجلهات واجلماعات الرتابية واملصاحل الالممركزة للدولة يف البناء التنموي القائم على
الالمتركز اإلداري الفعلي ،وعلى مبادئ التعاون والتشارك والتضامن واإلستقاللية واإلنسجام يف تدبري
السياسات العمومية الرتابية
يعترب الفضاء الرتايب اجلهوي جماال واسعا لتنزيل سياسات الدولة وضمان تنزيل العمل احلكومي على مستوى
تراب اجلهة بشقيها العمومي والقطاعي ،وكذا خمتلف الربامج واملشاريع اإلستثمارية اليت تعتزم السلطات
احلكومية املعنية تنزيلها على مستوى اجلهة .ولتحقيق هذه الغاايت فقد أسند امليثاق الوطين لالمتركز اإلداري
وذلك إنسجاما مع مقتضيات الفصل 145من دستور 2011ملؤسسة الوايل مهام ووظائف وآليات من
شأهنا أتمني تنفيذ سياسات الدولة وضمان إجناز الربامج واملشاريع على املستوى اجلهوي
يف تناغم وإلتقائية وإندماجية على أساس عالقة تدبريية جيدة مبنية على حسن األداء والنتائج.
لقد رسم ميثاق الالمتركز اإلداري جمموعة من األهداف لتنفيذ صالحيات احلكومة يف جمال السياسات
العمومية على املستوى اجلهوي بشكل يراعي اخلصوصيات اجلهوية واإلقليمية ،ويضمن إلتقائيتها وجتانسها
وتكاملها داخل هندسة ترابية تتطلب مهام جديدة للتنسيق والقيادة ،هبدف إجياد حلول ملختلف املشاكل
العمومية على املستوى الرتايب ومعاجلتها ،وابلتايل فقد أسند امليثاق للوايل مهمة اإلشراف على املصاحل
الالممركزة للدولة ،إبعتبارها متثل السلطات احلكومية على مستوى اجلهة والعمالة واإلقليم ،عند قيامها بتفعيل
تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على املستوى الرتايب ،وابلتايل أصبح ملزما إبختاذ املبادرة لتحقيق الفعالية
والنجاعة ،ومدخال لتحقيق إلتقائية السياسات العمومية على املستوى اجلهوي وذلك بواسطة بنيات إدارية
تتوىل تنفيذ السياسات يف اجملاالت اجلهوية واإلقليمية ويتعلق األمر ب:
اللجنة اجلهوية للتنسيق :إذ حتدث لدى وايل اجلهة وحتت رائسته ،وتتكون من عمال العماالت
واألقاليم التابعة لدائرة النفوذ الرتايب للجهة ،والكاتب العام للشؤون اجلهوية ،ورؤساء مصاحل الدولة
الالممركزة على مستوى اجلهة ،عالوة على املسؤولني عن املراكز اجلهوية لإلستثمار ،واملسؤولني
اجلهويني للمؤسسات العمومية املعنية .وميكن أن منيز يف ما يتعلق إبختصاصاهتا بني املهام اليت تصب
يف قناة تنسيق أنشطة املصاحل الالممركزة ،واملهام املندرجة يف جمال السهر على حسن سري هذه
املصاحل .فبالنسبة للمهام األوىل فقد عهد للجنة اجلهوية للتنسيق ،ابلعمل على إنسجام وإلتقائية
ووحدة عمل املصاحل الالممركزة على املستوى اجلهوي ،وإبداء الرأي حول مشاريع السياسات والربامج
العمومية للدولة على املستوى اجلهوي ،وإقرتاح التدابري الكفيلة بتذليل كل الصعوابت اليت قد تعرتض
إجنازها.
أما ابلنسبة للمهام الثانية املتعلقة ابلسهر على حسن سري املصاحل الالممركزة ،فتتجلى مهام اللجنة يف
العمل على أتمني إستمرارية اخلدمات العمومية اليت تقدمها هذه املصاحل الالممركزة للدولة ،وإبداء الرأي
بشأن مقرتحات توزيع اإلعتمادات املالية حسب احلاجيات والربامج اجلهوية ،وإبداء الرأي بشأن
مقرتحات الربجمة امليزانياتية لثالث سنوات وتقارير جناعة األداء القطاعية وخمططات اإلستثمار للدولة
املتالئمة معها ،إنسجاما مع التوجهات العامة للدولة هبذا اخلصوص.
على الرغم من كون اللجنة اجلهوية للتنسيق ستساهم يف ضمان إلتقائية السياسات القطاعية على
املستوى الرتايب اجلهوي ،إال أننا نؤيد التوجه املنتقد هلذه السياسة ،حبكم كوهنا قد خالفت رأي اجمللس
اإلقتصادي واإلجتماعي والبيئي ،إذ مل ختصص هذه اللجنة اجلهوية مكانة ملمثلي اجلماعات الرتابية
وخاصة رؤساء اجملالس اجلهوية ضمن الرتكيبة اإلدارية للجنة ،مما قد يضعف حتقيق اإللتقائية الرتابية
ويقوي من هيمنة اإلدارة املركزية عن طريق ممثليها ابجلهات يف رسم السياسات العمومية الرتابية.
وابلتايل نرى على أنه البد من تعديل املادة 31من امليثاق ،وجعل مؤسسة رئيس اجلهة ضمن تركيبة
اللجنة اجلهوية للتنسيق ،ألنه اليعقل أن نتحدث عن دور اجلهات يف حتقيق اإللتقائية بني الربامج
واملشاريع العمومية ،والتصاميم اجلهوية إلعداد الرتاب وبرامج التنمية اجلهوية يف ظل غياب خماطب
ميثل اجلهة داخل هذه اللجنة.
الكتابة العامة للشؤون اجلهوية :وتعترب من اآلليات املؤسساتية املوضوعة من أجل مساعدة الوالة يف
القيام إبختصاصاهتم جتاه املصاحل الالممركزة للدولة ،ويرأس هذه البنية حتت سلطة وايل اجلهة ،كاتب
عام للشؤون اجلهوية يعني من قبل وزير الداخلية .وتتحدد مهامها يف التنسيق واملواكبة الالزمة ملساعدة
وايل اجلهة يف ممارسة صالحياته جتاه املصاحل الالممركزة ،وحتضري إجتماعات اللجنة اجلهوية للتنسيق
والسهر على تنسيق أشغاهلا ،وإعداد تقارير دورية ترفع إىل اللجنة حول حصيلة تنفيذ السياسات
العمومية والقطاعية على مستوى اجلهة ،عالوة على إعداد تقرير سنوي للجنة اجلهوية للتنسيق ،والذي
يبعثه وايل اجلهة إىل اللجنة الوزارية لالمتركز اإلداري قبل متم شهر مارس من كل سنة ،على أن تقوم
هذه األخرية إبصدار تقرير سنوي حول حصيلة أعماهلا.
إن فكرة إحداث الكتابة العامة للشؤون اجلهوية ابملغرب مستمدة من التجربة الفرنسية اليت تعود لسنة
1964لكن ،ويف املقابل مل أيخذ مبا هو معمول به يف فرنسا ،إذ جند أن الكتابة العامة للشؤون
اجلهوية تضم إىل جانب الكاتب العام ومساعديه ،قطبني أساسيني ،القطب األول خيتص بتحديث
عمل املصاحل الالممركزة ،و القطب الثاين خيتص بتتبع تنفيذ السياسات العمومية على املستوى اجلهوي
وتنسيق أعمال املصاحل الالممركزة ،وابلتايل فإننا نرى أنه كان من الالزم على املشرع املغريب إتباع نفس
النهج الذي سار عليه نظريه الفرنسي مما سيعطي دفعة قوية لعملية التنسيق وتتبع تنفيذ السياسات
العمومية ،وابلتايل تضافر اجلهود لتحقيق إلتقائية السياسات القطاعية على املستوى اجلهوي.
اللجنة التقنية للعمالة أو اإلقليم :من أجل مساعدة عامل العمالة أو اإلقليم يف ممارسة
اإلختصاصات املوكولة إليه يف تنسيق أنشطة املصاحل الالممركزة للدولة واملؤسسات العمومية اليت متارس
مهامها على مستوى العمالة أو اإلقليم ،والسهر على حسن سريها ،تناط ابللجنة التقنية إختاذ مجيع
التدابري الالزمة لضمان تنسيق أنشطة املصاحل الالممركزة للدولة على مستوى العمالة أو اإلقليم،
ومواكبة برامج ومشاريع اإلستثمار املقررة وأشغال التجهيز املراد إجنازها على مستوى العمالة أو
اإلقليم ،وتتبع تنفيذ السياسات العمومية القطاعية ،وإقرتاح مجيع التدابري الكفيلة بتحسني جودة
اخلدمات العمومية املقدمة إىل املرتفقني على مستوى العمالة أو اإلقليم ،ويتوىل عامل العمالة أو
اإلقليم رفع التوصيات من أجل إحداث متثيليات إدارية على مستوى العمالة أو اإلقليم اتبعة لقطاع
وزاري معني أو مشرتكة بني قطاعني وزاريني أو أكثر .مما يساهم يف ضمان إلتقائية السياسات العمومية
القطاعية على مستوى العمالة أو اإلقليم ،من خالل دور اللجنة يف مواكبة املشاريع القطاعية والسعي
إىل تذليل كافة الصعوابت اليت قد تعرتض إجنازها وكذا من خالل إبداء رأيه حول عقود الربامج املزمع
إجنازها فوق تراب العمالة أو اإلقليم.
لقد ألقى ميثاق الالمتركز اإلداري ابلثقل على وايل اجلهة ،للتنسيق بني املصاحل الالممركزة للدولة ،واجلماعات
الرتابية ،وجمموعاهتا ،وهيئاهتا ،من أجل إجناز براجمها ومشاريعها التنموية يف إلتقائية وجتانس وتناغم من أجل
ضمان جناح تنفيذ سياسات الدولة على املستوى اجلهوي ،لكن ما ميكن أن نستنتجه ،يكمن يف كون
اجلماعات الرتابية غري حاضرة يف امليثاق بشكل متكرر ،لكون هذا األخري يهم اإلدارات الالممركزة وعالقتها
ابملصاحل املركزية ،مسجال أن فلسفة املرسوم تقوم على وضع آليات للتنسيق رهن إشارة الوايل ،تضمن جناح
القطاعات احلكومية يف تنفيذ براحمها بكيفية منسجمة ،مما يضمن فعاليتها ،وعليه فإن النص يهم اإلدرات
املركزية ومصاحلها اخلارجية .كما جند أن ميثاق الالمتركز اإلداري قد نص على أن يقوم الوالة إبحاطة
السلطات احلكومية مبختلف التدابري املتخذة ،وكذا وضعية تنفيذ الربامج واملشاريع واألشغال بغية تذليل
الصعوابت اليت قد تعرتض تنفيذها.
إن مهام التنسيق املوكولة إىل مؤسسة الوايل أدت إىل جعل اإلدارة املركزية تشتغل بشكل أفضل وذلك راجع
إىل تعزيز التنسيق األفقي بني القطاعات الوزارية وتنمية العمل البني – وزاري يف إلتقائية وتناسق بني كافة
املتدخلني على املستوى األفقي فيما يتعلق ابلسياسات العمومية القطاعية على املستوى الرتايب ،لكن وحسب
وجهة نظران ،فاألمر ال يبدو هبذه البساطة و السهولة ،ذلك أن تضاعف عدد الوزارات بفعل تنامي تدخل
الدولة ،وإندماج الوزارات يف بعضها البعض كما شهدان بفعل التعديل الوزاري األخري الذي أفرز حكومة
الكفاءات ،يرتتب عنه دمج بعض القطاعات الوزارية أو جتزيئ البعض اآلخر ،مما يؤدي يف الغالب إىل تفتيت
العمل اإلداري على الصعيد املركزي ،مع ما يصاحب ذلك من بطئ وتعقيد يف التسيري والتنسيق البني-
وزاري ،وينعكس سلبا على مستوى اإلنسجام بني عمل الوزارات ،ويؤدي ابلضرورة إىل إعاقة اإللتقائية على
املستوى الرتايب ،واليت تتطلب عمليات منسجمة للمصاحل الوزارية على املستوى العمودي من أجل حسن
تنزيلها من املركز إىل املستوى الرتايب.
إن التفكري حسب وجهة نظران يف إحداث مندوبيات جهوية وإقليمية تتضمن جتميع مصاحل متعددة تضم
أكثر من قطاع وزاري ،إىل جانب املؤسسات العمومية اليت تقع حتت وصاية هذه القطاعات الوزارية ،أصبح
ضروراي من أجل ضمان تنسيق أفضل ،وضمان إلتقائية سياسات هذه القطاعات الوزارية ،بدل اإلقتصار فقط
على دور الوايل/العامل للقيام ابملهام التنسيقية ،واليت قد تؤدي إلنتاج مركزية جديدة لكن من نوع جهوي،
خاصة وأن مؤسسة الوايل تربطها عالقة عمودية بوزارة الداخلية اليت تغلب عليها املقاربة األمنية بدل املقاربة
التنموية ،هذا التجميع هو معتمد يف التجربة الفرنسية ،وتعترب نتائجه جد مهمة على مستوى اإللتقائية
والتناغم بني القطاعات الوزارية على املستوى اجلهوي ،حيث سيؤدي ذلك حسب رأينا ،إىل تغري يف املشهد
اإلداري ابجلهات ،والعماالت واألقاليم ،واجلماعات ،حيث سينتج عنه جتميع املصاحل الالممركزة يف شكل
مديرايت جهوية متناغمة يف أداء مهامها.
إن إتباع هذا النهج التنظيمي سيؤدي يف هناية املطاف لتحقيق اإللتقائية فيما يتعلق ابلسياسات القطاعية
على املستوى الرتايب والتنزيل السليم لسياسات الدولة ،شريطة منحها الصالحيات التقريرية الفعلية،
واإلمكانيات املادية والبشرية.
كما أنه قد ابت من الالزم منح الوايل/العامل إمكانية تقدمي ملتمسات يف حينه إلعادة توجيه وتنظيم إدارة
الالمتركز على مستوى اجلماعة واإلقليم واجلهة كلما تطلب األمر ذلك حبسب حاجيات الشأن احمللي ،كما
نقرتح عالوة على ما سبق ،ضرورة تكوين جملس وطين إلدارة الالمتركز وأن يشمل من بني أعضاءه ،رؤساء
اجلماعات الرتابية بتالوينها الثالث على املستوى الوطين ،من أجل العمل على تتبع وتقومي أوجه القصور فيما
يتعلق ابلعالقات األفقية بني املتدخلني يف الشأن الرتايب من أجل ضمان اإللتقائية الرتابية وجناح ورش اجلهوية
املتقدمة.
الفرع الثاين :التصاميم املديرية لالمتركز اإلداري ورهان حتقيق إلتقائية السياسات العمومية.
تعترب التصاميم املديرية لالمتركز اإلداري نظام تدبري إداري ترايب تقرتن مبوجبه اجلهوية املتقدمة ابلالمتركز الفعال،
وهو نظام يعتمد املستوى الرتايب كمنطلق وأساس لتقدمي اخلدمة العمومية وتدبريها ،كما كرست التصاميم
املديرية لالمتركز اإلداري منطا جديدا لتوزيع االختصاصات قائم على مرتكزات أساسية(الفقرة االوىل) ،ومن
أجل إستخالص ذلك سنحاول قدر املستطاع تقدمي قراءة يف التصميم املديري لالمتركز اإلداري املتعلق بوزارة
الداخلية(الفقرة الثانية).
يعترب التصميم املديري لالتركيز اإلداري خمططا يروم إعادة تنظيم الالتركيز تفعيال للتوجيهات امللكية ،وصدور
املرسوم رقم 2.17.618مبثابة امليثاق الوطين لالمتركز اإلداري ،واملرسوم رقم 2.19.40بتحديد منوذج
التصميم املديري املرجعي لالمتركز اإلداري تطبيقا ملقتضيات املادة 20من امليثاق ،والذي يروم تنزيل مضامني
ميثاق الالمتركز اإلداري وتوفري الشروط الالزمة لتنفيذ السياسات العمومية على الصعيد الرتايب ،وضمان
إلتقائيتها وتناسقها وإنسجامها ملواكبة ورش اجلهوية املتقدمة.
لقد كرست التصاميم املديرية لالمتركز اإلداري منطا جديدا لتوزيع االختصاصات ،حبيث حتدد مجيع
الصالحيات واملهام اليت سيتم نقلها أو اليت ستكون موضوع تفويض إىل املصاحل الالممركزة للدولة على مستوى
اجلهات وعلى مستوى العماالت أو األقاليم ،هذا عالوة على آلية يف غاية األمهية ،ويتعلق األمر ابإلتفاقيات
والعقود املربمة بني اإلدارات املركزية واملصاحل الالممركزة حيث ستساهم يف التحديد الدقيق لإللتزامات مما
سيساهم يف تكريس مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة .فالتصاميم املديرية لالمتركز اإلداري ختول للمصاحل الالممركزة
للدولة صالحيات تقريرية تفضي إىل حتقيق وحدة عمل مصاحل الدولة على املستوى اجلهوي أو اإلقليمي،
وإمكانية إحداث متثيليات إدارية جهوية أو إقليمية مشرتكة بني قطاعني وزاريني أو أكثر ،ويعين هذا األمر
اإلستغناء عن عدد من املديرايت املركزية اليت ستنقل سلطها إىل املصاحل اجلهوية واإلقليمية للقطاعات
احلكومية ،اليت ستتمتع بصالحيات تغنيها عن إنتظار التأشري من اإلدارة املركزية ،مما سيساهم حسب رأينا يف
وحدة التدخالت العمومية على املستوى األفقي وتكاملها وجتانسها ،وابلتايل الوصول إىل حتقيق اإللتقائية
على مستوى تصور وبرجمة وتنفيذ السياسات العمومية على املستوى الرتايب ،مما سيؤدي لعدم ضياع الفرص
التنموية على مستوى املشاريع االقتصادية واإلجتماعية والثقافية والبيئية ،وحتقيق السرعة والفعالية والنجاعة يف
حل املشاكل العمومية.
لقد حدد املرسوم 2.19.40حماور أساسية ،يف شكل وثيقة مؤطرة لتنفيذ سياسة الالمتركز اإلداري ،عبارة
عن جداول وإستمارات مت توزيعها على خمتلف الوزارات إلعداد تصميم مديري لالمتركز اإلداري من طرف
جلنة الالتركيز اإلداري على مستوى كل وزارة ،وتشمل عددا من املعطيات كالتايل:
اإلختصاصات ،السيما منها التقريرية ،اليت سيتم نقلها إىل املصاحل الالممركزة .طبقا لقواعد توزيع
اإلختصاصات املنصوص عليها يف املواد 14و 15و 16من املرسوم رقم 2.17.618مبثابة
ميثاق وطين لالمتركز اإلداري.
اإلختصاصات اليت ميكن أن تكون موضوع تفويض إىل املصاحل الالممركزة للدولة على مستوى اجلهة
وعلى مستوى العمالة أو اإلقليم.
توزيع املوارد البشرية بني املصاحل املركزية واملصاحل الالممركزة للدولة على مستوى اجلهة وعلى مستوى
العمالة أو اإلقليم.
توزيع املوارد املادية بني املصاحل املركزية واملصاحل الالممركزة للدولة على مستوى اجلهة وعلى مستوى
العمالة أو اإلقليم.
حتديد األهداف املراد حتقيقها من قبل املصاحل الالممركزة للدولة على مستوى اجلهة والعمالة أو اإلقليم
يف ضوء اإلختصاصات اليت سيتم نقلها إليها ومؤشرات قياس جناعة أدائها يف حتقيق هذه األهداف.
إن اإلختصاصات املنقولة من املركز إىل احمليط يف إطار الالمتركز اإلداري ،ستسمح حسب وجهة نظران
بتحقيق اإللتقائية مع التوجهات الكربى للدولة يف إطار من الفعالية والنجاعة والتنزيل السليم للسياسات
العمومية للدولة ،وتنفيذ الربامج واملشاريع التنموية على الصعيد اجلهوي ،مما سيسمح إبختاذ القرارات بشكل
أفقي يف اجملال الواحد ،وحتقيق اإلنسجام واإلندماجية واإللتقائية وفق رؤية واضحة وموحدة بني مجيع
األقطاب الرتابية ،ويسمح إبعمال مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة ،وتقييم األداء يف تقدمي اخلدمات.
وجتدر اإلشارة إىل أنه قد صادقت اللجنة الوزارية لالمتركز اإلداري برائسة السيد رئيس احلكومة يوم الثالاثء
31دجنرب 2019ابلرابط ،يف اجتماعها العاشر على آخر التصاميم املديرية ،وبذلك أهنت املصادقة على
هذه التصاميم جلميع القطاعات احلكومية ،يف إطار اآلجال القانونية املرتبطة بوضع التصاميم املديرية لالمتركز
اإلداري ،وتطبيقها على املستوى امليداين.
وقال رئيس احلكومة ،يف تصريح صحفي يف ختام اإلجتماع …“ ،أصبح لدينا اآلن خريطة لالختصاصات
اليت سيتم نقلها للجهات من خمتلف القطاعات احلكومية ،وبقي أمامنا فقط تعديل بعض املقتضيات القانونية
والتنظيمية لتصبح اإلدارات اجلهوية قادرة على ممارسة عدد من االختصاصات اليت كانت حكرا على اإلدارات
املركزية” .وأضاف رئيس احلكومة…” ،إن هذا اإلجناز سيقرب عددا من اخلدمات للمواطنني وللمقاولة،
ويوفر عليهم اجلهد والزمن ويسهل عليهم احلياة” ،موضحا أنه سيتم البدء بعد ذلك مباشرة يف تنفيذ نقل
االختصاصات وفق الربجمة احملددة يف التصاميم املديرية.
وأوضح رئيس احلكومة ،أنه سيتم العمل على تنفيذ التصاميم املديرية وفقا خلطة تدرجيية ،متتد على الثالث
سنوات املقبلة ،ابملوازاة مع تنفيذ خارطة الطريق تروم مراجعة القوانني املنظمة للقطاعات الوزارية واملؤسسات
العمومية ذات الطابع اجلهوي ،ونظام احملاسبة العمومية والصفقات العمومية.
وبناء على ما سبق ،أنمل يف التنزيل السليم هلذه التصاميم على أن تتم ممارسة اإلختصاصات الفعلية التقريرية
من لدن املصاحل الالممركزة ،من أجل جتاوز معيقات تنفيذ السياسات العمومية على املستوى الرتايب اليت كانت
والتزال حلد الساعة تعرف ختبطا واضحا بسبب التدخل املركزي العمودي للقطاعات الوزارية يف بلورة
السياسات العمومية الرتابية ،وما يرتتب عن ذلك من أتخري يف الفعل العمومي ،وتنزيل لسياسات عمومية ال
تتناسب مع وضعية خمتلف اجلهات ،وال أدل على ذلك من الظروف اليت مر هبا قطاع التعليم يف ظل جائحة
مار سكورون احيث تم إعتماد التعليم عن بعد وتفعيله كسياسة عمومية وطنية منذ ،2020على الرغم من
باتكون بع ضالجهتا لم تسجل تباتاح الات إصاةب بلاوباء ،أو سجلت على مر أزيد من أربعة أشهر صإا
قليلة جدا مقارنة جبهات أخرى ،يف حني كان على الوزارة املعنية ابلقطاع تفويض هذا اإلختصاص
للمندوبيات اجلهوية لقطاع التعليم يف إطار سياسة الالمتركز اإلداري ،لتتخذ اإلجراء األنسب حسب تطور
احلالة الوابئية على مستوى اجلهة.
الفقرة الثانية :التصميم املديري لالمتركز اإلداري -قراءة يف التصميم املديري لوزارة الداخلية كنموذج-
يقوم ميثاق الالمتركز اإلداري على نظام ترايب انجع تقرتن مبوجبه اجلهوية املتقدمة ابلالمتركز الفعال ،فهو نظام
يعتمد املستوى الرتايب كمنطلق وأساس لتقدمي اخلدمة العمومية وتدبريها ،وهبذا اخلصوص أطلق امللك حممد
السادس بتاريخ 19شتنرب 2018املرحلة الثالثة من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية( )2023-2019واليت
تقوم على تكريس التدبري املندمج للمشاريع وحتقيق اإللتقائية بني خمتلف الربامج القطاعية ملؤسسات الدولة
واجلماعات الرتابية.
وإستنادا إىل التوجيهات امللكية السامية الرامية لتقريب اإلدارة من املرتفق واملالمسة امليدانية ملشاكله واإللتزام
بفعالية وجناعة خدمته ،إخنرطت وزارة الداخلية يف مسلسل الالمتركز اإلداري وذلك إبجنازها ملشروع التصميم
املديري لالمتركز اإلداري والذي أكدت من خالل حماوره األساسية على مواكبة ودعم اجلهوية املتقدمة،
ومواكبة تنزيل األوراش التنموية على املستوى الرتايب وتشجيع اإلستثمار وخلق فرص الشغل وتقريب اخلدمات
من املرتفقني وتبسيط املساطر وتقليص اآلجال عالوة على حتسني ظروف عمل موظفي وزارة الداخلية ،وذلك
وم كله من أجل ضمان التنزيل السلمي لماضمين ميثاقا للاتمركز ،وتفعي لالمرسرقم 2.19.40بتحديد منوذج
التصميم املديري املرجعي لالمتركز اإلداري تطبيقا ملقتضيات املادة 20من امليثاق.
وإنطالقا من قراءة مضامني التصميم املديري لوزارة الداخلية ،بناء على اجلرد الذي قامت به من أجل حتديد
اإلختصاصات املزمع نقلها أوتفويضها إىل املستوى الرتايب على إمتداد ثالث سنوات واليت أسفرت عن ما
جمموعه 107إختصاص تقريري سيمكن تنزيلها الفعلي من إعطاء دفعة قوية ملسلسل الالمتركز اإلداري وتغيري
النمط احلايل للتدبري اإلداري مما سيؤدي لتحقيق األهداف املرجوة من إعتماد سياسة الالمتركز اإلداري وحتقيق
التنمية الشاملة واملستدامة واملتكافئة بني مجيع جهات اململكة.
و خبصوص توزيع هذه اإلختصاصات على مدى ثالث سنوات املخصصة لتنزيل ورش الالمتركز اإلداري
حسب ما ورد يف التصميم املديري ،فستشهد السنة األوىل المتركز 61إختصاص أي بنسبة 57ابملائة فيما
سيتم المتركز 16إختصاص يف السنة الثانية أي بنسبة 15ابملائة وسيتم إختتام هذا التنزيل بالمتركز ما
جمموعه 30إختصاص املتبقية أي بنسبة 28ابملائة يف السنة الثالثة.
وخبصوص توزيع هذه اإلختصاصات حسب املديرايت فيمكن توضيحه من خالل اجلدول التايل:
ومن خالل اإلطالع على توزيع هذه اإلختصاصات املزمع نقلها أو تفويضها إىل املستوى الرتايب كما ورد
التصميم املديري لالمتركز اإلداري لوزارة الداخلية بعد اإلطالع عليه ،ميكننا أن نسجل أهم مرتكزاته األساسية
على النحو التايل:
أوال :تعزيز تقريب اخلدمات العمومية إىل املرتفقني وأتمني إستمراريتها
وذلك بتمكني عمال العماالت واألقاليم من إختاذ جمموعة من اإلجراءات والقرارات املتعلقة بتدبري
شؤون اجلماعات الساللية والدفاع عن مصاحلها أمام القضاء ،وختويل والت اجلهات وعمال
العماالت واإلقاليم التقرير يف طلبات امللزمني املتعلقة ابإلبراء أو التخفيف من الزايدات والغرامات
والذعائر وابقي اجلزاءات املتعلقة ابلرسوم اليت يتم تدبريها من طرف مصاحل اجلماعات الرتابية.
اثنيا :تعزيز أتهيل وتشجيع اإلستثمار.
وذلك من خالل متكني عمال العماالت واألقاليم من تتبع حتصيل املبالغ املالية املتعلقة بعمليات
الكراء والتفويت والشركات عالوة على متكينهم من صالحيات إختاذ القرارات اإلدارية املرتبطة برخص
سيارات األجرة يف إطار تنظيم قطاع النقل من خالل منحها أو إلغائها أو السحب املؤقت هلا،
ابإلضافة إىل متكني والة اجلهات وعمال العماالت واألقاليم من تثمني أمالك اجلماعات الساللية عن
طريق التفويت والكراء ودراسة الربامج واملشاريع موضوع طلبات اإلقتناء وتتبع وتنفيذ شروط اإلجناز
الواردة يف عقود التفويت ودفاتر التحمالت.
اثلثا :مواكبة التنظيم الرتايب الالمركزي والعمل على ضمان جناعته.
من خالل منح الوالت صالحية التاشري على ميزانية اجلهة ،ومتكينهم مبعية عمال العماالت واألقاليم
من اإلشراف على االعمال املالية للجماعات الرتابية يف إطار ممارسة الرقابة اإلدارية على القرارات
املتعلقة بتدبري اجلباايت احمللي ،ومنح الدعم مليزانيات اجلماعات الرتابية ،ومواكبة التعاون بني
اجلماعات وذلك عرب مواكبة إحداث مؤسسة التعاون بني اجلماعات وإحداث جمموعة اجلماعات
الرتابية والعماالت واألقاليم.
رابعا :التوطني الرتايب للسياسات العمومية من خالل أخذ اخلصوصيات اجلهوية بعني اإلعتبار.
من خالل إعتماد تنظيم مؤسسايت جديد الليات احلكامة تضع اجلهة كمستوى ترايب أمثل من أجل
جناعة تنزيل وأداء براجمها املتعلقة ابلتنمية البشرية ،وإحداق قسم ”التنسيقية اجلهوية للمبادرة الوطنية
للتنمية البشرية” على مستوى كل والايت اململكة .عالوة على وضع خمطط جهوي للتكوين وتقوية
القدرات ،والعمل على تقييم مؤشرات جناعة برامج املبادرة على املستوى اإلقليمي واجلهوي ،وإجناز
الدراسات واألحباث ذات الطابع اجلهوي املتعلقة به.
خامسا :متكني الوالة والعمال من الصالحيات الضرورية لتدبري املوارد البشرية ،من خالل إحداث
اللجان اإلدارية املتساوية األعضاء ،وتدبري احلياة اإلدارية ملتصريف وزارة الداخلية ،والتدبري امليزانيايت
للموارد البشرية وتدبري احلماية االجتماعية هلم.
وقدمت وزارة الداخلية يف ختام تصميمها املديري مقرتحات ملراجعة جمموعة من النصوص القانونية والتنظيمية
املرتبطة مبمارسة الوزارة لإلختصاصات املزمع نقلها ويتعلق األمر ب:
لقد قدم التصميم املديري لالمتركز اإلداري على مستوى وزارة الداخلية مشروعا يروم التنزيل امليداين مليثاق
الالمتركز اإلداري من أجل حتقيق مرامي اجلهوية املتقدمة ،وابلتايل سيعزز إلتقائية السياسات العمومية الرتابية،
من خالل الدور احملوري الذي أنيطت به مؤسسة الوايل/العامل يف عالقتها ابجلماعات الرتابية املبنية على
التنسيق والتعاون والتتبع لضمان حتقيق اإلنسجام واإلندماجية واإللتقائية يف التدخل العمومي الرتايب.
خامتة:
إن موضوع إلتقائية السياسات العمومية له راهنيته وأمهيته يف صقل مسلسل اإلصالحات اليت يقودها املغرب
للنهوض أبوضاعه اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية والبيئية ،ابلنظر إىل حداثة هذا املوضوع والذي حاولنا
مقاربته من زوااي خمتلفة من أجل مالمسة اإلكراهات والعوائق اليت حالت والزالت حتول دون حتقيق هدف
التنمية املندجمة وحتقيق البعد اإللتقائي واإلندماجي للسياسات العمومية يف بعدها الرتايب ،رغم كل التقارير اليت
تشري إىل أن التنمية يف املغرب تشوهبا بعض الشوائب ،الشيء الذي جعل مؤشر التنمية ابملغرب حيتل دائما
مراتب دنيا مقارنة مع ابقي دول العامل.
إن واقع السياسات العمومية أصبحت اليوم تتجه وابمللموس إىل كل ما هو حملي وله عالقة ابملسألة اجلهوية
على إعتبارها الفضاء الذي يسمح بتبلورها خدمة لتحقيق مسار تنموي قائم على القطيعة مع املخططات
السابقة و التوجه حنو بناء منوذج تنموي فعال مبين على إلتقائية التدخالت والسياسات القطاعية والربامج
واملخططات ضمن وحدة ترابية مبنية على اإلندماج والتكامل.