You are on page 1of 5

‫مفهوم السياسة العامة والسياسات العمومية والسياسات القطاعية‬

‫في ضوء دستور ‪2011‬‬

‫ياسمين الصالحي‬

‫مستشارة عامة مكلفة بتتبع مركز الدراسات والبحوث‬

‫في الشؤون البرلمانية بمجلس المستشارين‬

‫يعتبر دستور ‪ 2011‬دستور السياسات العمومية بامتياز‪ ،‬ففي إطاره تم فسح المجال أمام مشاركة‬
‫العديد من الفاعمين في بمورة السياسات العمومية‪ ،‬كما تم اعتماد مفيوم التقييم المرتبط بمفيوم السياسات‬
‫المذكورة‪.‬‬

‫غير أن المالحظ ىو أنو غالبا ما يقع الخمط المفاىيمي مابين السياسات القطاعية والسياسات‬
‫العمومية‪ ،‬كما يقع الخمط ما بين ىذه األخيرة ومفيوم السياسة العامة‪ ،‬حيث يتم استعمال ىذه المفاىيم كما‬
‫لو كانت مرادفة لبعضيا البعض‪.‬‬

‫والحقيقة أن لكل مصطمح مفيومو الخاص‪ ،‬واطاره المتميز الذي يختمف بشكل جوىري عن‬
‫المصطمح اآلخر‪ ،‬وىذا ما سنحاول سبره من خالل مقتضيات دستور‪ ،2011‬وموقف القضاء الدستوري‪.‬‬

‫أوال‪ :‬المقتضيات الدستورية‪:‬‬

‫السياسة العامة والسياسات العمومية في دستور ‪2011‬‬

‫يغمب استعمال تعبير السياسة العامة في الدراسات بالمغة العربية التي تخمط في غالبيتيا ما بين‬
‫مفيومي العمومية )‪ (publique‬والعامة )‪ (générale‬مستعممة إياىما كمرادفين‪.‬‬

‫فيما يخص الدراسات بالمغات األجنبية‪ ،‬نقف عمى غياب شبو تام لتعريف السياسة العامة التي‬
‫يكتفى بربطيا بتصريح السياسة العامة الذي تتقدم بو الحكومات أمام البرلمانات‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫من جيتو يعتمد دستور ‪ 2011‬في عدد من فصولو تعبير السياسات العمومية‪ ،‬كما يعتمد في‬
‫فصول أخرى تعبير السياسة العامة‪.‬‬

‫‪ ‬فالفصول ‪ 1 - 168 / 2-163 / 2-101 / 1 - 92 / 2-70 /13‬و ‪ 2‬اعتمدت تعبير‬


‫السياسات العمومية‪.‬‬
‫‪ ‬أما الفصول ‪ 137 / 1- 103 / 3- 100 / 1-92‬فاعتمدت تعبير السياسة العامة‪.‬‬

‫باستقراء مجموع ىذه الفصول يتبين بأن مفيوم السياسة العامة يختمف بشكل جوىري عن مفيوم‬
‫السياسات العمومية‪.‬‬

‫السياسات العمومية عند‬ ‫ففي إطار الفصل ‪ 163‬من الدستور مثال تبنى المشرع الدستوري تعبير‬
‫تطرقو لمسياسات التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ عمى عالقات متينة مع ىويتيم‬
‫المغربية‪.‬‬

‫وفي إطار الفصل ‪ 168‬من الدستور تبنى المشرع الدستوري نفس التعبير عندما أثار موضوع البرامج‬
‫والسياسات العمومية المتعمقة بالتربية والتكوين‪.‬‬

‫في مقابل ذلك ال يقرن المشرع الدستوري السياسة العامة بقضية مجتمعية محددة بعينيا‪.‬‬

‫السياسة العامة عناية‬ ‫إضافة إلى ذلك يولي المشرع الدستوري المواضيع التي اعتمد بشأنيا تعبير‬
‫خاصة‪.‬‬

‫فطبقا لمفصل ‪ 1 - 92‬من الدستور المتعمق بالقضايا والنصوص التي تكون موضوع عرض أمام‬
‫المجمس الحكومي‪ ،‬يفرض المشرع الدستوري عرض السياسة العامة عمى المجمس الوزاري عمى خالف‬
‫السياسات العمومية والسياسات القطاعية التي تعرض فقط أمام أنظار المجمس الحكومي طبقا لنفس‬
‫الفصل‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى منطوق الفصل ‪ 49‬من الدستور الذي يعرض القضايا والنصوص التي يتداول بشأنيا‬
‫المجمس الوزاري ال نجد ذك ار لتعبير السياسة العامة‪ ،‬ولكننا في المقابل نجد عمى رأس القضايا المذكورة‪:‬‬
‫التوجيات اإلستراتيجية لسياسة الدولة ‪ .‬وبالجمع بين الفصمين نصل إلى أن السياسة العامة ىي اإلطار‬
‫العام الذي تنعكس فيو التوجيات اإلستراتيجية لسياسة الدولة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫بالسياسة العامة مجال خاص برئيس الحكومة طبقا‬ ‫يؤكد ذلك أن األجوبة عمى األسئمة المتعمقة‬
‫ولرئيس الحكومة أن يربط لدى مجمس النواب مواصمة الحكومة تحمل‬ ‫لمفصل ‪ 100‬من الدستور ‪.‬‬
‫مسؤوليتيا بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي بو في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص يطمب‬
‫الموافقة عميو‪.‬‬

‫الجمسة السنوية‬ ‫في مقابل ذلك لم يعمل المشرع الدستوري عمى فرض حضور رئيس الحكومة في‬
‫‪ 101‬من الدستور‪ ،‬وىو األمر الذي أكدتو‬ ‫لتقييم السياسات العمومية الوارد ذكرىا في إطار الفصل‬
‫مقتضيات النظام الداخمي لمجمس المستشارين في إطار المادة ‪ 268‬حين نصت عمى أنو تعطى الكممة‬
‫بالتوالي لمفرق والمجموعات البرلمانية ثم لمحكومة‪،‬ثم لمفرق والمجموعات البرلمانية‪.‬‬

‫‪ 137‬من الدستور في تفعيل‬ ‫من جيتيا تساىم الجيات والجماعات الترابية األخرى طبقا لمفصل‬
‫العمومية‬ ‫السياسة العامة لمدولة وفي إعداد السياسات الترابية ‪.‬وىذا ما يوضح أن إعداد السياسات‬
‫”بصيغة الجمع ” مجال يسمح فيو بتدخل عدد من الفاعمين كما يؤكد ذلك الفصل ‪ 13‬من الدستور‪ ،‬لكن‬
‫إعداد السياسة العامة ”بصيغة المفرد ” يبقى شأنا ”دولتيا“ خاصا بالسمطة التنفيذية لمدولة ال يسمح فيو‬
‫لغيرىا من السمطات إال بالتفعيل‪.‬‬

‫السياسات العمومية والسياسات القطاعية في دستور ‪2011‬‬

‫استنادا إلى فصول الدستور دائما نستطيع أن نميز بين مستويين من السياسات‪ ،‬ويتعمق األمر‬
‫بالسياسات العمومية والسياسات القطاعية‪.‬‬

‫فالوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكمف بو طبقا لمفصل ‪ 1-93‬من‬
‫الدستور‪ ،‬ومن تم فالسياسات القطاعية سياسات مرتبطة بالقطاعات الحكومية المختمفة كل بحسب‬
‫سياسة عمومية ألن ىذه األخيرة تبقى أشمل وأوسع لكونيا‬ ‫اختصاصو‪ ،‬ويمكنيا أن تشكل جزءا من‬
‫تسمح بتدخل فاعمين اجتماعيين إلى جانب الفاعل الحكومي الرسمي طبقا لما يقضي بو منطوق الفصل‬
‫‪ 13‬من الدستور الذي ينص عمى أنو‪ " :‬تعمل السمطات العمومية عمى إحداث ىيئات لمتشاور ‪ ،‬قصد‬
‫إشراك مختمف الفاعمين االجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيميا وتنفيذىا وتقييميا"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ 2011‬ترتبط السياسات القطاعية‬ ‫اعتمادا عمى ىذا التحميل المستند إلى مقتضيات دستور‬
‫بالقطاعات الحكومية بحسب تخصص كل قطاع‪ :‬فالقطاع الحكومي المكمف بالماء مثال يعمل عمى إعداد‬
‫السياسة المائية‪ ،‬والقطاع الحكومي المكمف بالتجييز يعد السياسة الطرقية‪ ،‬و القطاع الحكومي المكمف‬
‫بالطاقة يعد السياسة الطاقية‪.....‬وكل سياسة من السياسات المذكورة تبقى سياسة قطاعية تعكس التوجو‬
‫الحكومي في الموضوع‪.‬‬

‫ولكي تتحول ىذه السياسة القطاعية إلى سياسة عمومية فال بد أن تسمح بتدخل فاعمين اجتماعيين‬
‫مختمفين (حكوميين وغير حكوميين)‪.‬‬

‫فالسياسة العمومية لمتقاعد مثال تعرف تدخل فاعمين حكوميين متنوعين من قطاع المالية وقطاع‬
‫الشغل‪،‬إضافة إلى النقابات والمنظمات المينية لممشغمين‪...‬‬

‫ومن تم فإنو إذا كانت السياسات القطاعية تعكس التوجو الرسمي تجاه قضايا محددة فإن السياسات‬
‫العمومية يمكن أن تستدعي تدخل أكثر من قطاع حكومي وتعكس التوجو المجتمعي تجاه نفس القضايا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف القضاء الدستوري‬

‫‪ ،2011‬ففي ق ارره رقم‬ ‫أكد القضاء الدستوري المغربي لممفاىيم السياسة كما تم اعتمادىا في دستور‬
‫‪ 924/13‬الصادر في ‪ 22‬غشت ‪ 2013‬أكد المجمس الدستوري بشأن المادة ‪ 204‬من النظام الداخمي‬
‫‪ 100‬من‬ ‫لمجمس النواب عمى أنو لئن كان رئيس الحكومة‪ ،‬عمال بأحكام الفقرة األخيرة من الفصل‬
‫الدستور‪ ،‬يتعين عميو مبدئيا تقديم األجوبة عن األسئمة المتعمقة بالسياسة العامة في جمسة واحدة كل شير‬
‫أمام المجمس الذي يعنيو األمر‪ ،‬فإن ذلك يترتب عنو حضور رئيس الحكومة مرة واحدة أمام كل من‬
‫مجمسي البرلمان‪ ،‬طالما أن المجمس المعني لديو أسئمة تتعمق‪ ،‬في طبيعتيا ومداىا‪ ،‬بالسياسة العامة التي‬
‫ال يمكن أن يجيب عنيا إال رئيس الحكومة‪ ،‬ويعود لمكتب كل مجمس من مجمسي البرلمان‪ ،‬بيذا‬
‫الشأن‪ ،‬التحقق مسبقا بكون األسئمة الموجية إلى رئيس الحكومة تكتسي بالفعل صبغة سياسة عامة؛‬

‫في نفس االتجاه‪ ،‬قضى المجمس الدستوري بشأن المادة ‪ 205‬من النظام الداخمي لمجمس النواب بعدم‬
‫إمكانية أن يطمب رئيس الحكومة إعطاء الكممة ألحد الوزراء لتقديم بعض التوضيحات اإلضافية التي‬
‫ألحكام الفصل ‪ 100‬من الدستور الذي ميَّز بين األسئمة‬ ‫تدخل في اختصاصو‪ ،‬باعتبار ذلك مخالفا‬

‫‪4‬‬
‫التي‪ ،‬بمقتضى الفقرتين األولى والثانية من ىذا الفصل‪ ،‬يجيب عنيا أعضاء الحكومة واألسئمة المتعمقة‬
‫بالسياسة العامة التي‪ ،‬بموجب الفقرة الثالثة من نفس الفصل المذكور‪ ،‬ال يجيب عنيا إال رئيس‬
‫الحكومة؛‬

‫ونظ ار ألىمية المكانة التي تحتميا السياسة العامة بالنسبة لمدولة‪ ،‬فمقد قرر المجمس الدستوري العدول‬
‫استثناء عن قاعدة التمثيل النسبي ومنح المعارضة نفس الحصة الزمنية الممنوحة لألغمبية‪ ،‬وذلك من أجل تمكين‬
‫‪ 207‬من النظام‬ ‫المعارضة من مناقشة ىذه السياسة‪ ،‬حين قضى في إطار نفس القرار‪ ،‬بشأن المادة‬
‫الداخمي لمجمس النواب‪ ،‬بمنح المعارضة نفس الحصة الزمنية الممنوحة لألغمبية معمال ذلك بالمكانة التي‬
‫‪ 10‬و ‪ 69‬منو‪ ،‬والتي تبرر‪ ،‬فيما‬ ‫حرص الدستور عمى تخويميا لممعارضة‪ ،‬ال سيما بموجب الفصمين‬
‫يخص مناقشة موضوع يتصل بالسياسة العامة لمحكومة التي يتولى رئيسيا اإلجابة عنيا‪ ،‬العدول استثناء‬
‫عن القاعدة المذكورة‪.‬‬

‫‪5‬‬

You might also like