Professional Documents
Culture Documents
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب
يونس ابالغ
باحث بجامعة محمد الخامس -الرباط-
اعتمد المغرب الحكامة الترابية كطريقة التخاذ القرارات وصياغة السياسات العمومية ،وتتبعها.
وراهن على ورش الالمركزية ،وبدرجة أولى على الجهوية المتقدمة .فهناك مبادئ أتى بها الدستور،
وقوانين تنظيمية رأت النور ،ألجل المرور من جهوية صورية إلى جهوية حقيقية يشعر بها المواطن،
محققة بتأهيل النخب ،وتبني سياسة فعالة لالتركيز ،ثم النهوض بالمرفق العام كما جاء في مضامين
دستور .2011
إن موضوع الجهوية المتقدمة هو اإلقرار أوال بوضع الدولة سياسة المركزية واضحة المعالم،
تقوم على االرتقاء بالجهة مع تعزيز الالتمركز الواسع .وال أعلم مبلغ إطالع القارئ الكريم على هذه
المسألة .وإن لم أخطئ ،فإن تطبيقاتها قد بدأت لتوها ،وسأحاول تقديم إجابة متواضعة للسؤال بصورة
منتظمة .وإذا كان األمر كذلك ،فمن المحتمل جدا أن ال يتيسر لي في المقال األول عن هذه المسألة المركبة
بلوغ الوضوح الكافي واإلفهام (السيما القانوني) بالنسبة للكثيرين من القراء ،لذلك ،يجب أن تحاط اإلجابة
عن سؤال الجهوية المتقدمة بمساهمات متتالية ومنسقة .وقبل اإلجابة عن سؤال مسألة الجهة؟ وما هو
جوهرها؟ يجب في الحقيقة التساؤل أوال من وجهة نظر قانونية عن :ما هي الجهة من حيث الشكل في
عالقتها بباقي المستويات الترابية األخرى (الجماعات والعماالت واألقاليم)؟ وكيف تبوأت مكانة الصدارة
في التنظيم الالمركزي الترابي بعد أن كانت الجماعات (الحضرية والقروية كوحدات المركزية قاعدية)
هي من يشكل فيه قوام كل تنمية مستدامة؟
بعد هذه المالحظات واألسئلة المقتضبة ،انتقل إلى المسألة نفسها ،إلى سؤال ما هي الجهوية
المتقدمة .ولكي ما نتناول هذا المطلب بالشكل األقرب إلى العلم ،ينبغي أن نلقي على التاريخ ولو نظرة
قانونية سريعة ،لنرى مكانة الجهة قبل وبعد دستور ،2011وكيف انبثقت من بين باقي الجماعات الترابية
األخرى ،لتحتل مكانة الصدارة بينها ،وكيف تطورت .ألن الطريقة المأمونة لتناول المسألة بالشكل
الصحيح ،هو عدم نسيان الصلة التاريخية األساسية ،والمراحل التي اجتازتها هذه األخيرة وغيرها من
المستويات الترابية األخرى في تطورها ،وما آلت إليه في الوقت الحاضر نتيجة تطورها هذا.
عرف الفصل 135من دستور 2011الجماعات الترابية للمملكة بالجهات والعماالت واألقاليم َّ
والجماعات .لكن يجب التذكير بأن التنظيم الالمركزي الترابي في المغرب ،يرجع في أول األمر لمستوى
الجماعات الحضرية والقروية ،كوحدات ترابية قاعدية إثر صدور ظهير 23يونيو ،1960في الوقت
ا لذي لم تكن فيه ال جهات وال عماالت وأقاليم .وهو النص الذي أدخلت عليه إصالحات عميقة بتاريخ 30
شتنبر ،1976أهمها منح رئيس مجلس الجماعة اختصاص ممارسة الشرطة اإلدارية في مجاالت عدة
أهمها التعمير.
ووعيا من المشرع بأهمية الحكامة الترابية ألجل تنمية مستدامة ،تم العمل سنة 2002على توسيع
اختصاصات الجماعات الحضرية والقروية (علما أن هذا التصنيف حضري-قروي تم تجاوزه في دستور
)2011وفقا لمقتضيات القانون رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي ،والتي جعلت من الجماعات بشكل
جريء ،على عكس القواني ن السابقة القوام الرئيسي للتنمية ،بعد أن تخلت الدولة عن مجموعة من
االختصاصات لها ،تاركة لها مجال تأدية الدور التوجيهي والقيادي في تدبير الشأن العام المحلي ،وكذا في
صياغة سياسات ترابية تجيب عن إشكاالت التنمية المحلية .كما تتضمن مجموعة من المقتضيات التي
فصلت في اختصاصات المجلس ،ووضحتها أكثر ،فضال عن تدعيم اختصاص رئيس المجلس ،وهي
المقتضيات القانونية التي تم العمل على تتميمها سنة 2009بالقانون رقم .17.08
أما العماالت واألقاليم كجماعات ترابية (ينبغي التمييز بين العمالة أو اإلقليم كجماعة ترابية
والعمالة أو اإلقليم كإدارة غير ممركزة لوزارة الداخلية) فتم إصدار أول نص بشأنها بظهير 12شتنبر
1963الذي اعترف بالعماالت واألقاليم كجماعات محلية إلى جانب الجماعات الحضرية والقروية ،وهو
النص الذي ظل ساري به العمل ،إلى أن تم تغيير مقتضياته سنة 2002بالقانون رقم 79.00الذي عدل
النص السابق بتفصيله في اختصاصات مجلس العمالة واإلقليم ورئيسه.
أما الجهات كجماعات ترابية فلم يتم االهتمام بها إال في حقبة زمنية متأخرة نسبيا ،إثر إحداث
الجهات االقتصادية السبع سنة ،1971لتأخذ بعد ذلك مكانة دستورية سنة 1992بعد أن أضاف الفصل
94من الدستور آنذاك للعماالت واألقاليم والجماعات الحضرية والقروية وحدة محلية أخرى ،وهي
الجهة ،الفصل 94من الدستور المذكور" :الجماعات المحلية بالمملكة هي الجهات والعماالت واألقاليم
والجماعات الحضرية والقروية ،وال يمكن إحداث أي جماعة محلية أخرى إال بقانون ." .وهي التصنيفات
والتسميات المتمسك بها في التعديل الدستوري لسنة ،1996ليلي ذلك مباشرة سنة 1997إصدار القانون
رقم 47.96المنظم للجهات كجماعة محلية.
ورغبة من السلطات العمومية في تطوير سياسة الالمركزية ،ورسم سياسة واضحة بشأنها ،وتبعا
للتعديل الدستوري سنة 2011والمقتضيات الواردة في الباب التاسع منه؛ عرفت الالمركزية الترابية
تحوالت جد مهمة ،ابتدأت باهتمام عميق للمشرع الدستوري ،بعد أن جعل من الجهة في مكانة الصدارة
بين باقي الجماعات الترابية األخرى ،وبالنتيجة تراكم صدور النصوص التشريعية كميا ،ورأت النور
مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية المحددة لمجاالت تطبيق الجهوية المتقدمة ،لتكلل القفزة
النوعية بانتداب 4شتنبر 2015المتعلق بانتخاب مجالس الجماعات الترابية:
-جعل الفصل 143من الدستور الجهة تتبوأ مكانة الصدارة في التنظيم الالمركزي الترابي..." :تتبوأ
الجهة ،تحت إشراف رئيس مجلسها ،مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية األخرى ،في عمليات
إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية...،؛
-تضمين الباب التاسع من الدستور المذكور لمجموعة من المبادئ والوسائل التي أصبحت تتمتع بها
الجماعات الترابية ليتسنى لها اإلسهام في تفعيل السياسات العمومية للدولة ،وفي إعداد السياسات الترابية
(فضال عن ما نص عليه الفصل 137هناك مبادئ أخرى كالتفريع ،التضامن ،الشراكة ،التدبير الحر ...؛
-صدور القانون التنظيمي رقم 59.11المتعلق بانتخاب مجالس الجماعات الترابية ،كما تم تعديله وتتميه
بالقانون التنظيمي رقم 34.15سنة 2015؛
صدور القانون رقم 131.12المتعلق بمبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات الترابية؛ -
صدور المرسوم رقم 2.15.40المتعلق بالتقطيع الجهوي الجديد؛ -
-صدور القوانين التنظيمية المتعلقة باختصاص الجماعات الترابية :القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق
باختصاصات الجهة ،ثم القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق باختصاصات العماالت واألقاليم ،ثم
القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق باختصاصات الجماعات؛
4شتنبر 2015إجراء أول انتخابات لمجالس الجماعات الترابية في ضوء تجربة الجهوية المتقدمة. -
تقود هذه الشروحات إلى إمكانية تصور بلورة سياسات عمومية من طرف الجماعات الترابية،
وتكوين جماعة ترابية قائدة للتنمية ( )chef de fileاالقتصادية واالجتماعية والبشرية والبيئية ،مع تحقيق
تنظيم المركزي تتبوأه الجهة ويقوم على الجهوية المتقدمة كما أرادها المشرع في ضوء المستجدات
القانونية المشار إليها آنفا .وهذا ما يتعلق بظاهر األمور ،ويوحي أن المسألة غاية في البساطة والسهولة
في االستيعاب .ل كن باطنها يوحي بواحد من األسئلة الشائكة المرافقة لسياسة المغرب الجهوي ،ألن األخذ
بهذه المقدمات ،هو االقتناع باعتماد ونهج الدولة لسياسة جهوية واضحة المعالم ،محدثة لقطيعة مع
المقاربة المتحكمة في العمل الالمركزي بالمغرب .وهو ما سنحاول اإلجابة عليه الحقا ،من خالل
المقاالت القادمة.
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب (الجزء الثاني)
يونس ابالغ
باحث بجامعة محمد الخامس -الرباط-
لئن راهن المغرب منذ سنوات االستقالل األولى على الخيار الالمركزي كأسلوب من أساليب
التنظيم اإلداري ،متوخيا فسح المجال لوحدات ترابية المركزية لتضطلع بمسؤولية تدبير الشؤون الترابية
بكل أبعادها السياسية واالقتصادية واالجتماعية والبيئية إلى جانب الدولة .لكن ،ما هو السياق العام
لالهتمام بالجهة دون باقي الجماعات الترابية األخرى في ضوء متغيرات التنظيم الالمركزي الترابي بعد
دستور 2011؟
يبدأ الجواب بتمييز الجهوية " "Régionalismeكمجموعات متماسكة ذات أهداف سياسية
ودفاعية ،عن الجهوية " "Régionalisationبمفهومها الحديث والمعاصر ،والذي يحيل على كل
مجموعات ترابية تهدف إلي التكا مل االقتصادي واإلداري والتنموي في الزمان والمكان ،ألجل النهوض
بالمؤهالت وتسخير اإلمكانيات البشرية والطبيعة والمادية في إطار مالئم ومتكامل .وهو الطرح الذي
يقود مباشرة إلى وسيلة الحكامة الترابية كمنهج حديث للتدبير ،وبلورة القرارات الترابية وصياغة
السياسات العمومية وتتبعها.
فمنهجية الحكامة وسيلة وليست غاية ،والدليل على ذلك أن المشرع الدستوري أتى بعدة تعاريف
لها ،األول لصيق بالنظام السياسي والثاني ربطه بالتراب كمستوى ثاني وهو بيت القصيد ،وآنذاك نتحدث
عن الحكامة الترابية كأساس لبناء جهوية متقدمة بإعادة بناء جماعات ترابية قائدة للتنمية بموارد أكبر
واختصاصات أوسع ،وسلطة حقيقية في اتخاذ القرار مع حرية في تدبير الشؤون الترابية ،وتشكيل
فضاءات متجانسة للتنمية االقتصادية واالجتماعية .وهذا ما أكدته مضامين الدستور المذكور حينما بوأت
الجهة (الفصل )143مكانة الصدارة في التنظيم الالمركزي الترابي ،نظرا للتحوالت االقتصادية
والديمغرافية التي يعرفها المغرب ،وأيضا العتبارات سياسية مرتبطة بقضية استكمال الوحدة الوطنية،
وكذا محاربة التفاوت واإلقصاء والفوارق بإعادة التوازن بين الجهات.
فضال عن ذلك ،تستدعي الحكامة الجيدة كوسيلة في تدبير الشؤون الترابية ،االرتقاء بالجهة بين
باقي المستويات الترابية األخرى كمجال أنسب للتنمية .ذلك عن طريق إخضاع إجراءات ممارسة السلطة
العمومية من طرف الجماعات الترابية لمعايير الجودة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة ،نظرا لهيمنة
النمط التقليدي للتدبير ا لذي يستدعي تجاوزه األخذ بمضامين الحكامة الترابية في مجال جغرافي أوسع
ومتكامل ،كمدخل رئيسي لكل تنمية المستدامة.
ونظرا لتعدد أسباب وأهداف االهتمام بالجهة في المغرب ،ينبغي التذكير أن أولى التلميحات
الرسمية بأخذ الدولة بنظام المركزي تتبوأه الجهة بدأت مع الرسالة الملكية للوزير األول (حاليا رئيس
الحكومة) المتعلقة بالتدبير الجهوي لالستثمار بتاريخ 9يناير ،2002والتي منحت لوالة الجهة صالحيات
جديدة في المجال االقتصادي ،ليليها بعد ذلك دستور 2011الذي أبرز هذه المكانة بعد أن نص على ذلك
بشكل صريح في الفصل .146وهو ما ينم على اهتمام السلطات العمومية بتوسيع مجال تنفيذ السياسات
العمومية من العمالة أو اإلقليم كمجال ضيق إلى فضاء ترابي أوسع (الوالية :الالتركيز /الجهة:
الالمركزية) ألجل تجاوز المعيقات التي تعترض المشاريع ذات البعد االستراتيجي؛ وهي معيقات غالبا ما
تكمن في صعوبا ت تنفيذ السياسات العمومية وجلب المستثمرين ،كما تحد من تقوية مناخ المنافسة
والتسويق الترابي وتعزيز االستقالل المحلي ،بكونه عنصرا أساسيا لالمركزية الترابية تبعا لتخويلها
الشخصية المعنوية وضمانة التدبير الحر لشؤونها.
لكن ،هل يفيد هذا الشرح أن الجهات وباقي ال جماعات الترابية األخرى ،هي البديل األنسب للدولة
(الجماعة الوطنية)؟ أم أن األخيرة لن تتخلى عن مهمتها الدستورية المتمثلة في المراقبة الدائمة على
الجماعات التحتية؟
ال جديد يضاف عند القول إن وجود الجماعات الترابية (ليس بمفهومها الحديث) سابق عن الدولة.
وهذه القاعدة يمكن تطبيقها على كل الدول كيفما كان شكلها وحجمها؛ ففي القانون اإلداري سبق وأن أكد
مجموعة من الباحثين أن قانون الجماعات التحتية سابق عن قانون الجماعة السياسية .وقد يكون هناك شك
حول وجود قانون تحت-وطني في روما أو اليونان في العصور القديمة .لكن في العصر الوسيط ،كان في
فرنسا فيض من األعراف القانونية المحلية والجهوية والتي لم يتطابق نطاقها الترابي دائما مع نفوذ السلطة
الفيودالية.
ومهما يكن من أمر ،فمن مثل هذه التحليالت يصعب الذهاب فيها بعيدا ،غير أنها ال تحجب النظر
عن سؤال جوهري آخر ،يثور في سياق وجهات النظر المتعارضة والقائلة في الجهوية المتقدمة بالمغرب:
هل يفيد االرتقاء بالجهة بعد أن أخذت مكانة الصدارة بين باقي المستويات الترابية األخرى ،التخلي عن
باقي المستويات الترابية (الجماعات والعماالت واألقاليم) في تنشيط المسلسل التنموي؟
بطبيعة الحال سيكون الجواب بالنفي إقرارا لمبدأ التكامل بين الجماعات الترابية ،بل بينها وبين
الدولة .بمعنى أن أدوار الدولة والجماعات الترابية يجب أن تكون مكملة لبعضها البعض ،فما يقوم به
مستوى ترابي تحتي يجب أن ال يكرره أعلى منه ،بل يكمله.
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب (الجزء الثالث)
يونس ابالغ
باحث بجامعة محمد الخامس -الرباط-
إقرارا لمبدأ التكامل بين الجماعات الترابية وبينها والدولة كأهم مبادئ التنظيم الالمركزي
الترابي ،وبصرف النظر عن التفاصيل الهامة الواردة في نصوص القوانين التنظيمية المتعلق بالجماعات
الترابية .يمكن القول ،أن الجهات وباقي الجماعات الترابية األخرى مطالبة اليوم بالحرص على توازن
الجماعات العمومية وصياغة سياسات عمومية في شأن ذلك؛ فبدون شك يبقى تدخل المستويات الترابية
في قيادة وتنشيط المسلسل التنموي المستدام شرط معلق لبلوغ األنشطة واألهداف المسطرة ،كما يجب أخذ
هذه الوضعية بعين االعتبار ضمانا لتماسك الوحدات الالمركزية المتواجدة بتراب الجهة ،بشكل يسمح
بتحسين وتسهيل قيامها باالختصاصات المنوطة بها أحسن قيام ،عبر تطبيق مبدأ التفريع داخل منظور
منضبط للتنمية المستدامة ،يجعل الجهة تقوم بدور ريادي-استراتيجي في إعداد التراب والتنمية الجهوية
بتأهيل البنية التحتية وكذا النقل البين حضري ،ولما ال صياغتها للمخططات المناخية للطاقة كما سارت في
ذلك التجربة الفرنسية.
بقراءة نص القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق الجماعات ،يبدو أن األخيرة مطالبة بصياغة
سياسات القرب وتكامل المدينة وأجزائها ،ألجل شعور المواطن بحقه في مدينته ،خصوصا أن النص
القانوني المذكور ،وكسابقيه ،منح الجماعة اختصاص تنظيم الحياة اليومية بمجالها في كل ما تتخذه من
تدابير وقرارات روتينية في هذا الشأن ،كالتراخيص واألذون إلى غير ذلك من الصالحيات الموكولة
للرئيس أو المجلس وكل ما هو مرتبط بالمقتضى العام الختصاصها (التعمير -التطهير -المرافق
والتجهيزات -حفظ الصحة -إحداث وصيانة المقابر -األسواق الجماعية .)...في حين جعل القانون
التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعماالت واألقاليم ،مهام التنمية القروية والحضرية وإنعاش االستثمارات
والماء والطاقة من اختصاص العمالة أو اإلقليم كجماعة ترابية ،نتيجة ما تتخذه من قرارات لتدبير المجال
والسيما القروي منه .أما الجهات ،ولدورها االستشرافي بين باقي الجماعات الترابية األخرى ،فهي مطالبة
بوضع برامج استراتيجية-أفقية تهم تنمية الجهة ،عبر تتبع وتنفيذ برنامج التنمية الجهوية والتصميم
الجهوي إلعداد التراب.
سبق وأن أكد النص القانوني القديم المتعلق بالجماعات (القانون رقم 17.08المعدل والمتمم للقانون
رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي) على آلية لصيقة بالمخططات ،ويتعلق األمر بآلية التدبير
التشاركي؛ وبالقراءة المتأنية للفقرة األولى من المادة 36منه ،يتبين أن المخطط الجماعي للتنمية كان
يستند (طبعا من الناحية النظرية) على المقاربة التشاركية في مسطرة إعداده ،كما كان يرتكز على تحديد
األعمال التنموية بمنهج تشاركي يأخذ بعين االعتبار مقاربة النوع ،بل أن المادة المذكورة أكدت على
ضرورة الحرص على التشاور مع الساكنة واإلدارات والفاعلين المعنيين بمن فيهم القطاع الخاص عند
تحديد الحاجيات ذات األولوية في نص المخطط .مما ينم عن أهمية المخططات والتصاميم الترابية كوسيلة
لصياغة احتياجات ساكنة تراب الجماعة ،وتكامل أجزاء المدينة بتأهيل النسيج الحضري ،وتجديده ،وكذا
بجعلها وثائق مرجعية للسياسة الجهوية إلعداد التراب.
لكن ،وتبعا النتظار تكامل المخططات الجماعية مع برنامج التنمية الجهوية ،وكذا مع التصميم
الجهوي إلعداد التراب ،وتطلعا إلجابة وشرح نصوص القوانين التنظيمية للمبادئ الدستورية بخصوص
تنسيق العالقات البينية للجماعات الترابية ،بجعل مخططات وتصاميم الجماعات وكذا العماالت واألقاليم
(كمستويات تحتية) وثائق مرجعية للمخططات الجهوية؛ ففيما يتعلق بالمقتضيات الواردة في نص القانون
التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات ،فأكثر ما يمكن أن يقال عنها في هذا الشأن ،أنها حافظت على
نفس مبادئ النص القانوني القديم (المادة 36من القانون رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي المعدل
والمتمم بالقانون رقم ،) 17.08فضال عن تمسكها بنفس مسطرة اإلعداد ،أما التغيير فشمل فقط معطى
االسم ،بتغيير "المخطط الجماعي للتنمية" ب "برنامج عمل الجماعة" ،وبدون تبيان وتوضيح منهجيات
تنسيق المخطط ال كلي للتماسك الترابي (التصميم الجهوي إلعداد التراب) إجرائيا مع المخططات الجزئية
(برنامج عمل الجماعة المذكور) .مما يكشف عن إشكالية وضع سياسات عمومية على مستوى الجماعات
الترابية كما جاء في الفصل 137من دستور .2011
تثور اإلشكالية أيضا مع نص القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات ،بعد أن قيد
اختصاص األخيرة في إعداد التصميم الجهوي لتهيئة التراب ،بحرصها في مرحلة اإلعداد على مراعاة
التوجهات المحددة في السياسات العمومية للدولة ،وكذا االلتزام باألهداف المعتمدة على المستوى الوطني.
وبالنتيجة سيكون من التحصيل الحاصل القول بإلزامية مطابقة قواعد مخططات التنمية االقتصادية
واالجتماعية الترابية للتوجهات واألهداف المعتمدة في المخطط الوطني للجماعة الوطنية ،وبالتالي ستكون
توجهات آليات السياسات العمومية الترابية (المخططات والتصاميم) ،قد ُحدّدت مسبقا ،انطالقا من تقييدها
بالمقتضيات الواردة في السياسة الوطنية الكلية .وهو ما يبدو متناقضا والقول بأن من أهم مستجدات
دستور 2011تأسيسه لسياسات عمومية من نتاج المبادرة الترابية ،وبأن الفصل 137شكل قفزة نوعية
تتماشى مع الرهان على جهوية متقدمة بخصوصية مغربية.
يؤدي االتجاه األخير من الحل إلى تجنب الوقوع في القراءة الميكانيكية للفصل 137المذكور،
ويتناسب والقول بأن المسألة تتعلق فقط بتنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجماعات الترابية وما
األخيرة إال وعاء لتنفيذ سياسة الدولة .فكما سطر العميد "" ،"Jean-Marie Aubyأن مفهوم الالمركزية
يثير نوعا من تنازل الدولة ،ويتماشى مع أفضلية وأسبقية منطقية للمركزية".
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب (الجزء الرابع)
يونس ابالغ
باحث بجامعة محمد الخامس -الرباط-
لما سبق اإلقرار بمبدأ التكامل بين الوحدات الترابية كشرط معلق الستكمال بناء صرح الجهوية المتقدمة،
فيجب التأكيد (من باب االستمرار في البحث عن نجاح الدولة في وضع سياسة المركزية واضحة المعالم)
على أهمية باقي المبادئ األخرى سواء المؤطرة دستوريا ،أو غيرها من مرتكزات التنظيم الالمركزي
الترابي بالمغرب والسيما االستقالل المالي ،ألهمية نتائجها المباش رة وغير مباشرة في تمكين الجماعات
الترابية من صياغة سياسيات عمومية ترابية من نتاج المبادرة الترابية ،وبالتالي األخذ بالجانب من الحل
الذي يجعل من الدولة قد (تفيد التأكيد وليس االفتراض) نجحت في وضع سياسة المركزية واضحة
المعالم؟
يشكل مبدأ التفريع من ناحيته أهمية بالغة في توزيع االختصاص وتكامله ،بمعنى إسناد اختصاص
معين لمستوى من المستويات الترابية المحددة ،والتي تكون أكثر قربا وفعالية لممارسته بشكل أفضل من
المستويات الترابية األخرى؛ بمعنى إذا أسند اختصاص لجماعة ترابية ،فينبغي أن تقوم بممارسته بشكل
أحسن مما كان يمارسه مستوى ترابي آخر :من حيث القرب -االقتصاد في النفقات -السرعة في االنجاز-
الجودة في الخدمات إلى غير ذلك .بمعنى آخر ،يقتضي مبدأ التفريع أن تُعطى لجماعة ترابية محددة
اختصاصات معينة قادرة على ممارستها بالفعل ،نتيجة توفرها على نخبة مؤهلة ووسائل كافية وأطر
مقتدرة على أساس أن تُعطى لها على سبيل االحتكار ،لمنع أي من الجماعات العمومية باالضطالع بها أو
القيام بنفس ما تقوم به.
وحيث سبق التأكيد على مبدأ التكامل بين الجماعات العمومية كأهم مدخل للسياسات العمومية
الترابية .لكن ،يجب أن ال ينسينا هذا الطرح بمعطيات أخرى تجعلنا نأخذه على إطالقيته؛ ألن التكامل بين
الوحدات الالمركزية لن يأخذ صورته الكاملة إال بتكامل النصوص القانونية أوال ،ثم تأتي بعد ذلك
الممارسة العملية وأشياء أخرى .ذلك أن بعض مقتضيات القانون اإلداري المحلي يعود جزء كبير منها
لفترة الحماية ،وبالنتيجة يُفرغ المبدأ المذكور من محتواه؟
وحيث من جهة ثانية يفيد مبدأ التدبير الحر عمليا تخويل الجماعات الترابية حدا أدنى من حرية
ممارستها لالختصاصات المنوطة بها ،باإلضافة إلى تمتيعها بسلطة تدبير مواردها البشرية .لكن ،أال يجب
القول مبدئيا ،أن المراقبة اإلدارية الممارسة على الوحدات الترابية ،تشكل تنافي مع تمتيع األخيرة بحرية
في تدبير شؤونها ،خاصة وأن تعرض سلطات المراقبة اإلدارية على األعمال القانونية للجماعات الترابية
قائم في كل وقت وحين ،ومن ثمة إمكانية طلب إيقاف تنفيذها أمام المحكمة المختصة ،وبالتالي إعادة إنتاج
الوصاية من جديد؟
يثور غموض تدبير الجماعات الترابية لشؤونها بحرية تامة أيضا ،من خالل الجواب عن سؤال
جوهره آخر ،مفاده ،ما إذا تم اعتماد المقتضى العام الختصاص الجهة في القانون التنظيمي رقم 111.14
المتعلق بالجهة؟
يتمثل المقتضى العام الختصاص الجهة فيما نصت عليه المادة 9من نص القانون التنظيمي
المذكور ،والتي جاء فيها " :يدبر شؤون الجهة مجلس ينتخب أعضاؤه ،"...وأشارت المادة 80إلى أن
"تناط بالجهة داخل دائرتها الترابية مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة ،"...في حين اعتبرت
المادة 81ما يلي " ،تمارس الجهة اختصاصات ذاتية في مجال التنمية الجهوية ،كما تقوم بإعداد وتتبع
وتنفيذ برنامج التنمية الجهوية."...
من الواضح جدا أن هذه المقتضيات وحدها تسمح للجماعة الترابية الجهوية بأن تقوم بكل شيء ما
عدا إذا وجدت اختصاصات دقيقة مخولة للدولة أو الجماعات الترابية األخرى ،كما هو الشأن بالنسبة
الختصاص التعمير أو التطهير وغيرها من ما هو موكول للجماعات حسب نص القانون التنظيمي رقم
، 113.14وال يحد من ممارستها لكافة االختصاصات سوى انعدام اإلمكانيات المالية أو المواقف التي
تتخذها سلطات الم راقبة بمناسبة ممارستها للرقابة على أعمالها وخاصة بواسطة التأشيرة لها برفض
بعض مشاريعها ألسباب المالءمة كذلك.
في فرنسا ،وبعد أن أثار المقتضى العام لالختصاص جدال كبيرا وال يزال ،بحيث وصل إلى حد
اقتراح إلغائه في تقرير "لومبير ،"Rapport Lambertكما اقترح ذلك تقرير "بالدير ."Blladurلكن،
لم يحصل بشأن ذلك اتفاق إذ احتفظ به في قانون 13غشت 2004المتعلق بالحريات والمسؤوليات
المحلية بسبب إعادة تأكيده في الدستور على إثر المراجعة الدستورية بتاريخ 28مارس .2003كما أن
المشرع الفرنسي يقوم بشكل تدريجي بموجب نصوص قانونية خاصة بتوضيح مضمون االختصاصات
الموكولة للجهات ولباقي الجماعات ا لترابية األخرى ،ولو أن المحكمة العليا للحسابات في هذا البلد،
انتقدت بشدة االحتفاظ به رغم ثقل اآلثار المترتبة عليه.
بدوره لم يقدم المجلس الدستوري الفرنسي معلومات مهمة في قراره المتعلق بقانون إصالح
الجماعات الترابية حول ما يمكن أن تكون عليه الالمركزية ،فبخصوص ما إذا كان يمكن أن تستفيد
الجماعات الترابية من االختصاص العام ،قدم المجلس المذكور جوابا محبطا ِل َما كان ينتظره منه الفقه ،ولم
يحسم في السؤال والموضوع حول إذا ما كان االختصاص العام عنصرا أم ال في تعريف مبدأ التدبير
الحر للجماعات الترابية بالمعنى الذي نص عليه الفصل 72من الدستور الفرنسي بتدخل الوحدات الترابية
في كل شيء؟
أما فيما يخص مبدأ االستقالل المالي للجماعات الترابية ،فال محالة أنه بدوره سيرهن مستقبال
آفاق الجماعات الترابية بالمغرب في صياغة سياسات متكاملة .بحيث ورد في التقرير األخير للمجلس
األعلى للحسابات لسنة ،2015أن الباقي استخالصه وصل إلى 16,8مليار درهم مسجال بذلك تفاقما
بنسبة إجمالية تصل إلى % 29أي بمعدل سنوي قدره . % 3،7في الوقت الذي أكد فيه التقرير نفسه ،أن
تدبير المالية الترابية يحتل مكانة ثانوية؟
لهذه األسباب وغيرها كان الفتا للنظر أن يت م العمل على إصالح سياسة الالمركزية بالمغرب
بمقاربة أكثر تحكُمية ،مقرونة بتدخل السلطات العمومية في صياغة القرار الترابي .ذلك ،وحتى لئن تمت
دسترة مبدأ "التدبير الحر" كمفهوم يحيل على حرية "التدبير" .لكن ،ذلك يتم وفق شروط محددة قانونا،
وال يمكن أن يتجاوزها في إطار دولة موحدة كالمغرب .وفي جميع األحوال ،ال يمكن للدولة أن تتخلى عن
اختصاصاتها في مجال المراقبة اإلدارية ،حتى وإن تطورت إلى شكل من أشكال الرقابة "البعدية"،
لتفادي أي خرق للقانون أو انحرافات قد تمس بمصداقية التدبير الالمركزي الترابي.
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب (الجزء الخامس)
يونس ابالغ
باحث بجامعة محمد الخامس -الرباط-
بقراءة نصوص القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية تتبين من حيث الشكل مجموعة من نقاط
الضوء في مقتضياتها ،والسيما بعد اعتماد مبدأ التفريع الذي أقره الدستور كأساس لتوزيع االختصاص،
سواء عن طريق التعاقد بشأنه خصوصا بين الدولة الجهات ،أو عن طريق تفويضه كضمانة لتكييف
التنظيم الترابي وتمكين مجالس الجماعات بأن تعهد بممارسة اختصاص أو بعض االختصاصات الموكولة
لها إلى مجلس العمالة أو اإلقليم ،بطلب من الجماعة أو الجماعات الراغبة في ذلك أو بطلب من الدولة
التي تخصص تحفيزات مادية لذلك ،أو بمبادرة من العمالة أو اإلقليم المعني.
ورغم االحتفاظ بالصيغة العامة الختصاص الجهة ،مكن المشرع التنظيمي األخيرة من مجموعة
من االختصاصات الهامة حددها نص القانون التنظيمي رقم ،111.14فعالوة على االختصاصات الذاتية،
تمارس الجهة أيضا اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة بشكل تعاقدي ،ويمكن اعتمادا على مبدأ
التفريع أن تنقل الدولة أيضا بشكل تعاقدي بعض االختصاصات للجهات ألجل النهوض بالتنمية المندمجة
والمستدامة ثم تنظيمها وتنسيقها وتتبعها.
هذا الطرح يجعل من مفهوم المبادرة الترابية أوسع وأشمل ،ويؤدي إلى تقبل الجانب القائل من
الحل بأن الدولة نجحت في اعتماد سياسة المركزية جهوية واضحة المعالم ،تقوم عمال بمبدأ التفريع على
االرتقاء بالجهة مع تعزيز الالتمركز الواسع .نعم ،يمكن أن تكون من مثل هذه المنهجيات المعتمدة في
توزيع االختصاص والتعاقد بشأنه مدخال رئيسيا لصياغة سياسات عمومية على مستوى الجماعات
الترابية إن هي أبانت عن ُمكنتها في القيام باالختصاص المنقول إليها أحسن قيام مع ممارسة
االختصاصات الذاتية والمشتركة والقابلة للنقل بشكل ناجع ومتناغم ،وبطبيعة الحال وبصرف النظر عن
المنهجيات المصاحبة لتوزيع االختصاص ،يستوجب االرتقاء بالجهة توفر مجموعة من الشروط الذاتية
والموضوعية األخرى التي تسمح بإنتاج المبادرة الترابية ،أهمها استئصال السلبيات الملتصقة بالتنظيم
الالمركزي الترابي بالمغرب.
تشمل االختصاصات المشتركة بين الطرفين تلك االختصاصات التي يتبين أن نجاعة ممارستها ال
يمكن أن تكون إال بشكل مشترك بين الدولة والجهات ،في حين يشمل مجال االختصاصات القابلة للنقل،
تلك االختصاصات التي تنقل من الدولة إلى الجهة بما يسمح بتوسيع االختصاصات الذاتية لهذه األخيرة
بشكل تدريجي.
ولتمكين الجهة من ممارسة كل من االختصاصات المشتركة أو القابلة للنقل ،يتعين على الدولة
تعبئة الموارد الالزمة لذلك عند االقتضاء ،وتعمل في ضوء ذلك على رصد موارد مالية من قبلها ليكون
كل نقل لالختصاص مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له والسيما في حالة نقل اختصاص من الدولة إلى
الجهة.
يتخذ التعاقد بين الدولة والجهات ألجل ممارسة هذه األخيرة االختصاصات المشتركة وكذا
االختصاصات القابلة للنقل ،شكلين :إما أن تبادر الدولة إلى ذلك بالعمل على رصد الموارد الالزمة ،وإما
أن تبادر الجهة حينما تسمح لها مواردها الذاتية بتمويل أو المشاركة في تمويل اختصاص ال يندرج ضمن
اختصاصاتها الذاتية ،ويكون تحويل االختصاصات المنقولة إلى اختصاصات ذاتية للجهة أو الجهات
المعنية بموجب تعديل القانون التنظيمي رقم .111.14
المنهجيات المرافقة لتوزيع االختصاص بين الدولة والجهات وباقي الجماعات الترابية األخرى
لئن تم اعتماد المراقبة اإلدارية كطريقة تتعرض من خاللها سلطات المراقبة اإلدارية على
مقرارات الجما عات الترابية (وكذا قرارات الرؤساء المتخذة في مجال السلطة التنظيمية وقرارات رؤساء
المجالس الجماعية المتخذة في ميدان التعمير إثر إلزامية تبليغها) ،والتي نظمتها مقتضيات قانونية جديدة
ُمدرجة في باب خاص بكل القوانين التنظيمية ،إثر تعرض والي الجهة على المقررات التي ال تدخل في
صالحيات مجلس الجهة ،أو المتخذة خرقا ألحكام القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات.
وبتعرض عامل العمالة أو اإلقليم على المقررات التي ال تدخل في صالحيات مجلس العمالة أو اإلقليم ،أو
المتخذة خرقا ألحكام القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعماالت واألقاليم .وكذا بتعرض عامل
العمالة أو اإلقليم أو من ينوب عنه على مقررات مجلس الجماعة والتي ال تدخل في صالحياته ،أو المتخذة
خرقا ألحكام القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق بالجماعات .وفي ضوء ذلك يمكن للوالي أو لعامل
العمالة أو اإلقليم أو من ينوب عن ه حسب الحالة ،أن يبلغ تعرضه إلى رئيس المجلس المعني داخل أجل
ثالثة أيام من أيام العمل من تاريخ التوصل بالمقرر.
وحيث يترتب على التعرض المذكور إجراء مجلس الجماعة الترابية حسب الحالة ،لمداولة جديدة
في شأن المقرر المتخذ ،وإذ أبقى عليه ،أحال الوالي أو عامل العمالة أو اإلقليم أو من ينوب عنه األمر إلى
القضاء االستعجالي (قاضي المستعجالت) لدى المحكمة اإلدارية ،والذي يبت في طلب إيقاف التنفيذ داخل
أجل 48ساعة من تاريخ تسجيل هذا الطلب بكتابة الضبط لديها ،ويترتب على هذه اإلحالة وقف تنفيذ
المقرر المذكور إلى حين بت قضاء الموضوع في األمر داخل أجل ثالثين يوم ابتداء تاريخ التوصل.
وحيث من جهة ثانية وتأسيسا على ما نصت عليه المادة 24من القانون رقم 41.90المتعلق
بإحداث المحاكم اإلدارية؛ أن للمحكمة اإلدارية أن تأمر بصورة استثنائية بوقف تنفيذ قرار إداري رفع
إليها طلب يهدف إلى إل غائه ،إذا طلب منها طالب اإللغاء ذلك صراحة .األمر الذي يؤدي بالنتيجة إلى
اختصاص المحكمة وليس قاضي المستعجالت بوقف تنفيذ مقررات المجلس ،ويعقد االختصاص لهيئة
المحكمة التي تختص بالبت في طلبات وقف القرارات والمقررات .وبالتالي يكون ما ورد في المادة 114
من القانون التنظيمي رقم 111.14المتعلق بالجهات ،والمادة 108من القانون التنظيمي رقم 112.14
المتعلق بالعماالت واألقاليم ،وكذا المادة 117من القانون التنظيمي 113.14المتعلق بالجماعات قد
عارضت المادة 24من القانون رقم 41.90المحدث للمحاكم اإلدارية ،وخولت لرئيس المحكمة اإلدارية
اختصاص البت بوقف تنفيذ القرارات والمقررات ،بصفته قاضيا للمستعجالت كما هو معروف نظام
القضايا االستعجالية حسب نص المادة 19من القانون 41.90المذكور وكذا الفصل 149من قانون
المسطرة المدنية ،والذي يختص من خاللها بصفته قاضيا للمستعجالت بطلبات إيقاف تنفيذ األعمال المادية
كاستخالص رسم جماعي وليس األعمال القانونية كمقررات المجالس الجماعية طبقا للمادة 24من قانون
إحداث المحاكم اإلدارية؟
وبصرف النظر عن هذه اإلشكالية القانونية التي تحتاج لمبحث خاص ،يمكن من خالل القراءة
المتأنية لنصوص القوانين التنظيمية القول أن مساطر المراقبة على الجماعات الترابية ال تبعث على
االرتياح للقطع مع المقاربة المتحكمة في العمل الالمركزي خالفا للصيغة العامة للمراقبة اإلدارية
المنصوص عليها في الفصل 145من دستور . 2011ذلك بعد أن ألزمت التفاصيل الواردة في القوانين
التنظيمية المذكورة بت بليغ جميع المقررات وإحالة معظمها على تأشيرة الجهة المكلفة بالمراقبة ،وفي حالة
وجود تعرض من األخيرة وعدم قيام المجلس بدراسة جديدة حسب مستنتجاتها ،يحال للمحكمة المختصة
لطلب وقف التنفيذ إلى أن تبت محكمة الموضوع فيه بحكم نهائي ،خالفا لما أسند للوالة والعمال حسب
صيغة الفصل 145المشار إليه؛ مما يفسر ذلك بإعادة إنتاج أشكال الوصاية المتحكمة في العمل
الالمركزي المعروفة في النصوص السابقة ،كالفصل 74من القانون رقم 17.08المعدل والمتمم للقانون
رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي؟
واقع التنظيم الالمركزي الترابي
لما كانت المخططات والتصاميم وسائل لصياغة السياسات العمومية ،وبصرف النظر عن
االنتقادات الموجهة لها بكونها فارغة المحتوى ووقتية إلى غير ذلك .إال أن أغلب الجماعات تشتغل وإلى
وقت قريب بدون هياكل تنظيمية ،األمر الذي يؤدي بالتبعية إلى غياب المسؤوليات الواضحة ،مما ينتج
عليه الغموض ،وبالتالي نتائج غير منتظرة؟
ولئن كانت هناك تطلعات كبيرة للعمل بأهداف ومستجدات دستور ،2011إال أن واقع الممارسة
الترابية ينطوي على إشكاالت أخرى موضوعية متجلية في عدم توظيف معظم الجماعات الترابية إلى حد
اآلن المخططات الجماعية للتنمية ،با لرغم من أن هذا المخطط يعود للنص القانوني القديم (القانون رقم
17.08المعدل والمتمم للقانون رقم 78.00المتعلق بالميثاق الجماعي) ،ومن ثمة كيف نطالب بالجديد ولم
نتصرف بعد في القائم؟
يعتري أيضا حذف الحساب اإلداري وتعويضه بالتدقيق السنوي (حذف وثيقة سياسية واإلبقاء
على وثيقة إدارية) أكثر من إشكال ،ذلك ،ولئن كانت هناك غايات إيجابية لحذفه وتعويضه بالتدقيق
السنوي ألجهزة الرقابة المختصة ،لكن سيصعب مع ذلك التقرير بشأن نجاح التجربة االنتقالية للجهوية
المتقدمة نظرا لعدد األجهزة الرقابية الحالية ،والتي ال يمكنها عمليا أن تدقق حسابات أكثر من 1500
جماعة و 75عمالة وإقليم و 12جهة .وبالتالي لماذا نحتاج لهذه المرحلة انتقالية إلى أن نصل إلى مرحلة
تاريخية معينة ،بعد إعادة النظر في األجهزة الرقابية ومدها بالموارد البشرية الكافية؟ سيكون من
التحصيل الحاصل أن تتفادى مجموعة من الجماعات الترابية التدقيق في حساباتها خالل المرحلة االنتقالية
الحالية إلى أن نصل إلى تلك المرحلة التاريخية المذكورة؟
وبالنتيجة يرفض واقع التنظيم الالمركزي الترابي الجانب القائل من الحل بأن الدولة نجحت في
اعتماد سياسة المركزية جهوية واضحة المعالم ،ما لم تتبدد الشكوك بعد بالقطع مع المقاربة المتحكمة في
العمل الالمركزي.
سؤال الجهوية المتقدمة بالمغرب (الجزء السادس)
يونس ابالغ
باحث بجامعة محمد الخامس -الرباط-
شكلت هذه المساهمات المتتالية فرصة لفتح نقاش حقيقي حول الجهوية المتقدمة بالمغرب ،عبر
رصد األدوار التي تقوم بها الجماعات الترابية لقيادة وتنشيط المسلسل التنموي بالمغرب في ضوء القوانين
التنظيمية للجماعات الترابية التي تم نشرها بالجريدة الرسمية بتاريخ 23يوليوز ،2015كما أتاحت كشف
مكامن الخلل عبر التعامل مع رهان الجهوية المتقدمة كقضية وليس كحصيلة.
وقد يظهر للقارئ الكريم أن هذا العمل طغى عليه النقد اتجاه ورش الجهوية المتقدمة بالمغرب،
وذلك رغبة في بسط بعض المستجدات أحيانا ،وإثارة االنتباه إلى إشكاليات قانونية أحيانا أخرى .وفي هذا
الشأن ،ال يجب أن يفهم انتقاد محدودية عمل الجماعات الترابية تنقيصا من الالمركزية ،وإنما غايته توفير
المناخ المناسب للجهوية المتقدمة .فإذا كنا قد أكدنا أن واقع التنظيم الالمركزي الترابي بالمغرب يرفض
الحل القائل بنجاح الدولة في وضع سياسة المركزية واضحة المعالم ،فإن هذا اإلقرار ال يتجاوز التكتيك،
بمعن ى أن الهدف هو صياغة سياسة جهوية المركزية واضحة المعالم ترتقي بالجهة مع تعزيز الالتمركز
الواسع ،وتشكل مدخال لصياغة سياسات عمومية على مستوى الوحدات الترابية.
سبق وإن اعتبر بعض المعلقين على قوانين الالمركزية في فرنسا ،أن توزيع االختصاص بين
الدولة والجماعات ا لترابية يعد نوعا من العود لألصل ،أما بعض اآلراء األخرى فتبدو مفاجئة قياسا
ببعض الكتابات الفقهية ،والتي اعتبرت أن اختصاصات الجماعات الترابية ولئن كانت طبيعيا تعتبر شأنا
محليا ،إال أن مفهوم الشأن المحلي بدوره ال يملك محتوى خاص به ،مما يفتح سؤال الجهوية المتقدمة
بالمغرب على مجاالت بحثية أكثر حراكا واتساعا...
ت نصوص ع ِملَ ْ
وصفوة الكالم أن اإلرهاصات األولى لظهور الدولة في الممارسة الجهوية والتي َ
القوانين التنظيمية على تأكيدها بتقييد اختصاص الجماعات الترابية بمنهجيات ذات خلفية وصائية ،بدأت
مع الفصل 143من دستور ،2011بعد أن أسند للجهة مكانة الصدارة بين باقي الوحدات الترابية األخرى
في إعداد وتتبع البرامج التنموية الجهوية والتصاميم الجهوية إلعداد التراب ،وفي الوقت ذاته أرسى على
كاهلها إحدى المهام الكبرى المتمثلة في التخطيط المجالي والزماني على المستوى الجهوي.
تحدثت الفقرة الثانية من الفصل 143المذكور عن برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية
إلعداد التراب وهي المصطلحات نفسها التي استعملها الفصل 145من الدستور (تنفيذ المخططات
والبرامج التنموية) ،وبذلك تفسر هذه الوظيفة باستحضار الطبيعة المزدوجة التي تتسم بها االختصاصات
الممنوحة للجهة؛ فهي اختصاصات جهوية وفي نفس الوقت شبه وطنية إلى حد ما كإنعاش االستثمار
والشغل والثقافة والرياضة والماء والبيئة والتضامن إلى غير ذلك.
ولئن كان واقع التنظيم الالمركزي الترابي يرفض وضع السياسات العمومية على مستوى
الجماعات الترابية ،لكن يجب أن ال ينسينا في كل شيء ويجعل األخذ بهذا الشرح يتم على إطالقيته
كأساس للقول بظهور الدولة في الممارسة الترابية وتقييدها لصياغة قرار ترابي من نتاج الوحدات
الالمركزية .بالفعل ،لن يتم االرتقاء بالجهة لقيادة المبادرة الترابية إال باستئصال الحدود الملتصقة
بالتطبيقات السابقة ،وبأخذ العبرة من بعض التفاصيل والجزئيات العديدة والمتنوعة المصاحبة العتماد
الالمركزية منذ فجر االستقالل ( ،)1960إال أن مراعاة طبيعة وأشكال ممارسة بعض االختصاصات
كأساس للقو ل بعودة ظهور الدولة في الممارسة الترابية ال يخلو بدوره من فائدة كبيرة لفهم منهجيات
توزيع االختصاص بين الدولة وجماعاتها الترابية؛ فعلى سبيل المثال ،إذا أخدنا توزيع اختصاص "البيئة"،
فمنطقي أن دور المواطن في هذا الشأن بالحفاظ عليها والجمعيات بالتحسيس والجماعة بجمع النفايات
والتطهير ،أما العمالة أو اإلقليم فبتنسيق تدخالت الوحدات التحتية المتواجدة في ترابها ،في حين يناط
بالجهة محاربة تلوث السواحل ،وفي هذا الباب يجب تنظيم التفاعل والتعاضد بين كل الفاعلين بالحث
والتشجيع والدعم كل حسب اختصاصه.
أدرج القانون التنظيمي رقم 111.14االختصاص بشأن البيئة ضمن اختصاصات الجهة الذاتية
والمشتركة والقابلة للنقل ،ذلك بعد إن اعتبرت المادة 82في أول األمر أن االختصاصات الذاتية للجهة
تشمل في مجال التنمية الجهوية عدة ميادين منها البيئة ،بقيام الجماعة الجهوية بتهيئة وتدبير المنتزهات
ا لجهوية ووضع إستراتيجيات اقتصاد الطاقة والماء وإنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة،
وصنفت المادة 91الحماية من مخاطر الفيضانات والحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي
والمناطق المحمية والمنظومة البيئية الغابوية والموارد المائية ثم مكافحة التلوث والتصحر ضمن
االختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة ،في حين جعلتها المادة 94ضمن االختصاصات القابلة للنقل
إلى جانب التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي والطاقة والماء.
أما القانون التنظيمي رقم 112.14المتعلق بالعماالت واألقاليم ،فتحدث عن البيئة مرة واحدة حين
أسندت المادة 26التنمية القروية والحضرية وإنعاش االستثمارات والماء والطاقة والبيئة ألحد اللجان
الدائمة التي يحدثها المجلس .في حين جاءت مقتضيات نص القانون التنظيمي رقم 113.14المتعلق
بالجماعات عامة بخصوص البيئة كاختصاص ،واعتبرت أن المجلس يفصل بمداوالته في القضايا التي
تدخل في اختصاصات الجماعة ويمارس الصالحيات الموكولة إليه ويتداول في مجموعة من القضايا
كالتدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة واتخاذ التدابير الالزمة لمحاربة عوامل انتشار األمراض
وإحداث وتنظيم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة .في حين جعلته المادة 87ضمن االختصاصات
المشتركة بين الدولة وهذه الوحدة القاعدية في كلما يتعلق بالمحافظة على البيئة وسالمتها.
تُمكن هذه الوقائع من تقبل وبسهولة فكرة أن هذا الجيل من توزيع االختصاص بين الدولة
والجماعات الترابية لم يصل بعد إلى النجاح المطلوب ،كما أن سلطة الخبرة ظلت دائما قائمة في جدل
توزيع االختصاص بين الدولة والوحدات الالمركزية ،خاصة حين يتعلق األمر بتتبع وبتنفيذ مخططات
وبرامج السياسات العمومية.
ومهما كانت اعتبارات تقييد اختصاص الجماعات الترابية ،فيمكن فهمها من زاوية أخرى بكونها
تندرج في إطار تأطير وتنوير الدولة لالختصاصات المخولة للجماعات العمومية ،وهي منهجيات نابعة
من اإليمان أن طبيعة بعض االختصاصات تهم في الغالب الجماعة الوطنية بكاملها ،كما يمكن أن
يتعارض ذلك منح الوحدات الالمركزية اختصاصات مطلقة ،تتخلى بموجبها الدولة عن مهمتها الدستورية
المتمثلة في الم راقبة الدائمة على الجماعات .فضال عن ذلك ،يملك تقييد اختصاص الوحدات الالمركزية
تمييزا أكيدا ،أوال لعدم تأثيره الجدري على إعطاء الجهات وباقي الجماعات الترابية األخرى سلطات
واختصاصات متعددة ،وثانيا يحفظ في مرات عديدة تناقض المصالح والمآرب.
مواقف كهذه ينقصها فقط بعض الوضوح الضروري ألجل إقامة عالقات ثقة جديدة مع المنتخبون
وإعطاء انطالقة جديدة ،إيمانا بالمنظور الشمولي لإلصالح .فكما جاء في الخطاب الملكي بتاريخ 4غشت
2015بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب" ،إذا كان لكل ثورة رجالها ،فإن رجال الثورة
الحالية بالمغرب هم المنتخبون".