Professional Documents
Culture Documents
الاطار الدستوري للجهوية المتقدمة بالمغرب
الاطار الدستوري للجهوية المتقدمة بالمغرب
16 خاتمة
تقديــــــــــــــم:
يعتبر موضوع الجهوية المتقدمة من المواضيع األكثر أهمية في مسلسل اإلصالح
الذي أطلقته السلطات العمومية من أجل تسريع وتيرة التنمية والتغلب على تحديات
العولمة ،والمجهودات المبذولة في هذا الشأن تندرج في إطار تدعيم مسلسل
الالمركزية عبر سن ترسانة قانونية وتنظيمية تمكنها من الحصول على الموارد
واآلليات الضرورية التي تمكنها من تقوية التدبير واتخاذ القرارات المحلية.
والدافع األهم إلى نهج الجهوية هو إحداث قدر من التوازن التنموي واالقتصادي
بين الجهات المشكلة للدولة ،وتحفيز التنمية المحلية وتحريرها من عقال
المركزية.
وفي هذا السياق ،وبالنظر في تاريخ التقسيم الجهوي المغربي فقد عرف ـ هذا
االخير ـ منذ الحماية أربعة تقسيمات جهوية؛ كان آخرها التقسيم الجهوي لسنة
2015والذي تم تشكيل 12جهة من خالله ،فيما تألّف المغربُ قبْل سنَة 2015من
16جهَة بعد اصالحات دستور 1996ووفق القانون التنظيمي سنة 1997و ُمنذ
سنة 1971إلى سنة 1997من 7جهات .تهدف هذه التقسيمات اإلدارية لتحقيق
التنمية االقتصادية واالجتماعية ،وتعتبر أداة فاعلة في سياسة إعداد التراب
الوطني.
دون إغفال عهد الحماية إذ قسم المغرب في هذا العهد إلى 3مناطق ،المنطقة
األولى وهي منطقة دولية (طنجة) ،المنطقة الثانية كانت تحت النفوذ الفرنسي
وتوجد في وسط المغرب وتنقسم إلى قسمين ،عسكرية( :أكادير ،فاس ،مراكش،
مكناس) ومدنية( :وجدة والرباط ،الدار البيضاء) ،أما المنطقة الثالثة فكانت تحت
النفوذ اإلسباني تمتد إلى أقصى شمال المغرب (الريف) وفي الجنوب (سيدي إفني،
األقاليم الجنوبية) ،حيث كان الهدف الرئيسي من هذا التقسيم هو بسط نفوذ
االستعمار سياسيا ً وعسكريا ً وبالتالي تسهيل استغالل المغرب .
انطالقا مما سبق وعالقة بموضوع العرض يمكن طرح إشكال جوهري
والمتمثل في :ما هو السياق الدستوري للجهوية المتقدمة بالمغرب؟ ولإلجابة على
هذا التساؤل سيتم تقسيمه إلى أسئلة فرعية والمتمثلة كذالك في:
وهذا ما سنتناوله من خالل هذا العرض بتقسيمه الى مبحثين أساسين وفق الشكل
التالي:
شكل دستور 14دجنبر 1962قفزة نوعية وأهمية بالغة حيث نجد أن المقتضيات المعلنة عن
التأسيس الدستوري للجماعات الترابية جاءت في ثالث فصول خصص لها الباب الثامن من
دستور تحت عنوان الجماعات المحلية حيث نص الفصل " 93الجماعات المحلية بالمغرب
هي العماالت واألقاليم والجماعات يكون إحداثها بالقانون" ،وكذا الفصل " 94تنتخب
الجماعات المحلية مجالس مكلفة بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبقا لشروط التي يحددها
القانون".
ورغم أنه كان يتميز بأهمية بالغة في الحياة السياسية إال أنه لم يدم طويال أمام األحداث التي
عرفها المغرب آنذاك ،خاصة مع أزمة المؤسسات الدستورية.
بحيث وجدت السلطة المركزية نفسها أمام مستجدات وتطورات أخرى الشيء الذي دعى إلى
التفكير في وضع دستور جديد محل دستور 1962وبالفعل هذا ما تأتى من خالل دستور
وهكذا أصبحت الجهة قاعدة دستورية تستمد وجودها ألول مرة على هذا المستوى مما جعل
مجموعة من الباحثين المختصين في تحليالتهم للدستور الجديد 1992حيث كان ال بد من
انتظار تعديل دستور 1972في سنة 1992ليتم اعتراف بالجهة كجماعة محلية وقد تضمن
دستور 13شتنبر 1996في فصله 100و 101ما تضمنه دستور 1992حيث اعتبر الفصل
100بان الجماعات المحلية بالمملكة هي " :الجهات والعماالت واالقاليم والجماعات
الحضرية والقروية وال يمكن احداث أي جماعة محلية اال بقانون".
إن الجهوية تعتبر إذن تكملة للمسار الديمقراطي الذي بدأه المغرب منذ 1962فالتعديل
الدستوري األخير من شأنه أن يعطي للجهة صفة تقريرية بدل االكتفاء بالطابع االستشاري.
1
) لمهدي بنمیر :التنظیم اإلداري المحلي ،المطبعة والوراقة الوطنية مراكش طبعة 1997
2
) عبدالكریم بالزاع :وظائف الجهة ،نموذج جهة الشاویة وردیغة"
إن تعزيز الجهوية ببالدنا بعد صدور الدستور المغربي الجديد لسنة 2011الذي شكل نقلة
نوعية في تعاطي الدولة مع مفهوم الجهات حيث تم تخصيص الباب التاسع منه «للجهات
والجماعات الترابية األخرى» ،كتعبير عن إرادة المشرع في االرتقاء بالجهوية ببالدنا.
ومن بين جميع المستجدات والميزات التي تشكل نقاط قوة الدستور الجديد ،يبقى مبدأ الجهوية
المتقدمة الذي بات الدعامة األساسية لإلدارة الترابية ،حجر الزاوية في تكريس المركزية
متقدمة وتنمية محلية ،والتي أضحت أكثر من أي وقت مضى ،في صلب انشغاالت وأهداف
مغرب اليوم.
فقد تم تخصيص باب "تاسع" وما ال يقل عن 12فصال من الدستور للجماعات المحلية ممثلة
بالجهات والعماالت واألقاليم والجماعات التي أضحت هيئات المركزية تتوفر على آليات
وأدوات ووسائل قانونية ومالية لتمكينها من االضطالع بالدور المناط بها كمحرك أساسي
للتنمية.
ومقارنة مع مقتضيات الدستور المعمول به منذ عام ،1996فإن حجم ومضمون الباب
التاسع من دستور ،2011يعكس الزخم الكبير الذي حظيت به الالمركزية والجهوية كخيار
ال محيد عنه في التنمية المندمجة والمستدامة ،وفي هذا الباب نذكر بأن دستور عام 1996قد
كرس في الباب التاسع بفصوله الثالثة " 100و 101و "102دستورية الجماعات المحلية،
غير أنه اقتصر فقط على تسمية مكونات هذه الهيئات المنتخبة ،مع تسليط الضوء على
صالحيات ومسؤوليات العمال الذين "ينفذون" قرارات مجالس العماالت واالقاليم والجهات.
أما في دستور ،2011فإن رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية
األخرى يقومون بتنفيذ مداوالت هذه المجالس ومقرراتها ،كما تساهم الجهات والجماعات
الترابية في "تفعيل السياسة العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية ،من خالل ممثليها في
مجلس المستشارين".
وفي نفس السياق ،ولضمان مشاركة حقيقية للمواطنين في تدبير الشأن المحلي ،فإن نص
الدستور قد اعتمد مقاربة تشاركية ،حيث أن مجالس الجهات والجماعات الترابية األخرى
تضع آليات تشاركية للحوار والتشاور لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في
إعداد برامج التنمية وتتبعها ،وفضال عن هذه االختصاصات الجديدة ،أضحت الجهات
والجماعات الترابية األخرى ،تتوفر أيضا " ،في مجاالت اختصاصاتها وداخل دائرتها
الترابية ،على سلطة تنظيمية لممارسة صالحياتها" ،في حين يساعد والة الجهات والعمال ،
رؤساء الجماعات الترابية ،وخاصة رؤساء المجالس الجهوية ،على تنفيذ المخططات
والبرامج التنموية.3
وتأسيسا على ذلك فإن دستور 2011ليمهد من خالل أحكامه المتقدمة التي تعيد تنظيم
االختصاصات بين مختلف المؤسسات الدستورية ،الطريق أمام إعادة تنظيم ديمقراطي
لالختصاصات بين الدولة والجهات ،مع تكريس المبادئ األساسية للجهوية المغربية،
والمتمثلة في الوحدة الوطنية والترابية ،والتوازن والتضامن والممارسة الديمقراطية
،وانتخاب مجالس الجهات عبر االقتراع المباشر ونقل السلطات التنفيذية لهذه المجالس إلى
رؤسائها ،وتم تدعيم هذا النظام من خالل إحداث صندوق للتضامن بين الجهات وصندوق
للتأهيل االجتماعي لسد العجز في مجاالت التنمية البشرية والبنيات التحتية األساسية
والتجهيزات.
وتعتبر سنة 2015سنة تشريعية بامتياز حيث تم اخراج القوانين التنظيمية بما فيها القانون
التنظيمي 111.14المتعلق بالجهات والذي شكل أحد المحطات االساسية في إطار تفعيل
المقتضيات الدستورية باعتبار الجهة هيئة منتخبة بطريقة مباشرة تمكن ممثلي السكان من
التداول في اطارها بكيفية ديمقراطية بخصوص المشاريع االقتصادية واالجتماعية الهادفة
إلى التنمية الجهوية الشاملة والمندمجة .وكذلك اعتماد تقطيعا ً جهويا جديداً قلص من عددها
الى 12جهة.
وبالتالي ،فإن الدستور االخير يعكس األشواط الهامة التي قطعها المغرب فيما يخص
المقتضيات القانونية والموارد المالية والبشرية ،على درب تعزيز استقاللية الهيئات المنتخبة،
بهدف جعل الالمركزية والجهوية على الخصوص ،رافعة حقيقية للتنمية االقتصادية
واالجتماعية والثقافية.4
ال تستجيب لمتطلبات األفراد ،فشرع في بلورة فكرة الجهوية سنة 1917والتي ستمر بثالث
مراحل ،تميزت أوالها بإنشاء الجهات االقتصادية في 14يونيو ،1930لتظهر بعد الحرب
العالمية فكرة تجميع األقاليم في شكل جهات ذات اختصاصات واسعة ،فيما اتسمت المرحلة
الثانية بإحداث دوائر للتدخل الجهوي بتاريخ 7يناير ،1959في حين عرفت المرحلة الثالثة
منح الجهة صفة جماعة ترابية ذات اختصاصات واسعة ،من خالل قانون 2مارس .1982
وهكذا ،لم تتضح مالمح التجربة الجهوية بفرنسا إال بعد سنة ،51982بعدما تبين عمق األزمة التي تعود
إلى محدودية فعالية مؤسسات الدولة لالضطالع بمهامه التنموية ،وهو مادفع بالمشرع إلى توسيع دائرة
اختصاصات الجهات ،ومنح مجموعة منها أنظمة خصوصية ،بالنظر العتبارات ترتبط بالموقع الجغرافي
يعتبر دستور الجمهورية الخامسة انعكاسا طبيعيا للتطور التاريخي للنظام السياسي واإلداري بفرنسا،
وتجسيدا للقيم العليا للدولة الديمقراطية كما يعتبر ضمانة الحترام أسس الجمهورية ،التي تسعى إلى تحقيق
الوحدة :يقوم التنظيم اإلداري الفرنسي على أساس مبدأ الوحدة أي عدم تعدد أنماط الجماعات -مبدأ
والمحافظات وهو ما عكس التنظيم الجهوي حيث حاول المحافظة على وحدة الدولة وتماسكها ،غير أن
هذا المبدأ تعترضه بعض االستثناءات الطفيفة ،حيث تم منح بعض الجهات أنظمة نوعية تتالءم
51
المالحظ بهذا العدد أن المشرع الفرنسي قد واكب التنظيم الجهوي الفرنسي ،وذلك من خالل إصداره لمجموعة من النصوص
التشريعية المهمة .ونذكر على سبيل المثال - :قانون 7يناير 1983وفي يوليوز 1983وقانون 6يناير 1986وقانون 6فبراير 1992
.وقانون 27فبراير 2002
مثال :تتمتع الوحدات اإلدارية بمنطقة باريس – كورسيكا – ما وراء البحار بوضع خاص [(أراد المشرع
لحل مشكلة كورسيكا ،تزويدها بنظام يأخد في الحسبان خاصيتها الناتجة بصورة خاصة جغرافيتها
وتاريخها ،حيث ذلك موضوع قانون الثاني الصادر في 2مارس ( 1982القانون رقم )214-82والذي
اكتفى بتنظيم هذه الجهة على المستوى اإلداري ،قبل أن يجري إكماله بالقانون رقم 659-82الذي حدد
لقد أصبحت الجهة في النظام اإلداري الفرنسي ،جماعة محلية تتمتع -التكريس القانوني:
باالستقالل المالي واإلداري ،وذلك منذ تنظيمها بقانون 2مارس ،1982حيث أصبح بإمكانها ممارسة
* إعداد التراب.
* ضمان المحافظة على الهوية في إطار احترام وحدة واستقالل المقاطعات والجماعات ،بحيث ال تذوب
شخصيتها في الجهة.
وهي مجموعة من الخصوصيات التي تميز النظام الالمركزي -احترام الخصوصية المحلية:
الفرنسي ،والتي انبثقت عن المرجعية التاريخية للنظام اإلداري الفرنسي ،وهو ما عكسه التنظيم الجهوي،
حيث حاول المحافظة على وحدة الدولة وتماسكها ،في مقابل احترام خصوصيات كل جهة ،وهذا لن يتم إال
بتخويل الجهات مجموعة من الصالحيات الحيوية واإلستراتيجية في شتى المجاالت ،ومنح البعض منها
يكرس هذا المبدأ تحقيق األدوات واآلليات الضامنة للمساواة بين مختلف مستويات -مبدأ المساواة:
الالمركزية اإلدارية (جماعات ،محافظات ،جهات) حتى تتمكن من االضطالع بمهامه التنموية ،وتساهم
في تجاوز اإلختالالت المجالية بين الجهات ،خصوصا وأن المبدأ يعكس قيمة دستورية للدولة الفرنسية.
6
.......جورج فيديل ،بياردو فلفيه ،القانون اإلداري (الجزء الثاني) ترجمة منصور
وهو مبدأ يلزم الدولة والجماعات والمحافظات والجهات بالتضامن والتكامل -مبدأ التضامن:
والتعاون فيما بينها ،ضمان للتوازن االقتصادي واالجتماعي المالئم والعادي .دون أن تمارسه أية وحدة
لقد ساهمت هذه المبادئ الدستورية مجتمعة ،إلى جانب البعد التاريخي في تطوير الجهة بفرنسا ،حتى
أصبحت بعد قانون 2مارس 1982تتمتع بصفة "اجتماعية محلية" تتكلف بتدبير شؤونها هيئة منتخبة
عن طريق االقتراع المباشر ،وتتمتع باختصاصات واسعة في مجموعة من القطاعات والمجاالت ذات
الطابع الجهوي
تعتبر إسبانيا من الدول التي استطاعت أن تحوز تقدما كبيرا و بوثيرة سريعة في تدبير مجالها الترابي ،و
استثمار مقومات الجهات التي تسمى في الدستور اإلسباني بالمجموعات المستقلة comunidades
، autonomasفي تحقيق إصالح ديمقراطي عميق وتنمية شاملة ،و قد كان وراء هذا التحول إرادة
سياسية كبرى أدت إلى اإلقدام على إختيارات ترابية جزئية و تدابير تشريعية ديمقراطية تحولت معها
االختالفات المجالية إلى مقومات للتدافع و اإلدماج التنموي و الحفاظ على المقومات األساسية للدولة
اإلسبانية كالقوة االقتصادية والوحدة الداخلية و الخارجية التي تعد بمثابة قيم عليا يحتكم إليها الشعب
7
بأكمله.
و إذا عدنا إلى السياق التاريخي الذي مرت به الجهوية اإلسبانية ،نجد أن الالمركزية اإلسبانية ارتبطت
أساسا بتحقيق الديمقراطية ،و ذلك نظرا للتخوف من عودة الدولة الموحدة إلى الديكتاتورية من جديد ،و
رشيد الحامي : الجهوية و الحكم الذاتي : سؤال الثقافي و رهان التنموي ،و جهة نظر عدد /43/2010ص .59 7
هو ما أدى إلى تقسيم السلطات لضمان التوازنات السياسية ،و قد طرحت خياران آنذاك .إما أن تتوفر
على نظام إقليمي ،يعتمد على نواة مركزية كبيرة ومنطقتان أو ثالث مناطق ذات حكم ذاتي مستقل لها
حكومتها و برلماناتها و سلطاتها القانونية و القضائية الخاصة بها ،أو أن تتوفر على نظام فيدرالي تكون
فيه لكل منطقة على حدة استقاللها الكامل ،غير أن هذان الخياران قوبال بالرفض من طرف اليمين الذي
لم يقبل بالنظام اإلقليمي ،و ألن النظام الفيدرالي لم يستطع اإلستجابة لمختلف الرغبات القومية ،فكانت
الدولة الجهوية نوع من اإلجابة الشمولية ،استطاعت إسبانيا من خاللها أن تعتبر واحدة من أكثر الدول
تقدما في السياسة الجهوية ،ليس فقط مقارنة مع الدول األوربية الموحدة ،بل و حتى بالمقارنة مع معظم
الدول الفيدرالية ،ذلك أن الجهات اإلسبانية أو كما تسمى " المجموعات المستقلة " تتمتع بسلطات هامة
8
على المستويات الثالث التشريعية ،التنفيذية ،القضائية ،بل وحتى المالية .
و ترجع هذه األهمية التي حضيت بها التجربة الجهوية بإسبانيا ،إلى الضمانات الدستورية و القانونية
للجهة في إسبانيا ،حيث شكل الدستور اإلسباني لسنة 1978محطة تاريخية مهمة في مسار إسبانيا ،فقد
جعل منها دولة إجتماعية قائمة على القانون ،تؤمن و تدافع عن الحرية ،العدالة ،المساواة و التعددية
السياسية كقيم لنظامها ،كما نظم التقطيع الترابي بشكل متميز وفق بين خصوصيات كل إقليم من جهة و
وحدة الدولة من جهة أخرى ،ذلك أن كل إقليم له خصوصيات التي تميزه عن باقي األقاليم.
و قد كرس الدستور اإلسباني مجموعة من المبادئ الدستورية أهمها : مبدأ الدسترة ،الوحدة ،المساواة ،
التضامن ...و هي كلها مبادئ تعزز قوتها القانونية و السياسية من خالل ما أقره الدستور من تنظيم
للمجموعات المستقلة ،و كذا ما أسنده إليها من صالحيات واختصاصات ،حيث جعل المجموعات المستقلة
وحدات تتمتع باالستقالل الذاتي في تسيير مصالحها وفقا لقانونها األساسي الذي تسهر بنفسها على تشريعه
قبل موافقة السلطة المركزية عليه . 9ذلك أن الدستور اإلسباني يعترف للمجموعات المستقلة بالسلطات
لطيفة القرقوري : هل تصلح التجربة اإلسبانية نموذجا للجهوية الموسعة بالمغرب ؟ مقال على الموقع اإللكتروني لجريدة اإلتحاد 8
اإلشتراكي.
سعيد جفري و كريم لحرش : الجهوية الموسعة بالمغرب ،سلسلة الالمركزية و اإلدارة المحلية عدد 6دار الرشاد ،ص .104 9
التشريعية و التنفيذية و القضائي ( ،إال أنها محدودة في ممارسة هذه السلطات ،فهي تختص فقط في
القضايا المحلية التي تقتضي السرعة في تدبيرها ،و هي مطالبة بتضمين ذلك في أنظمتها األساسية حسب
المادة 151من الدستور ،في حين ترك المشرع القضايا الكبرى الختصاص الدولة ،حيث ينص الفصل
149على االختصاصات التي تصطلح بها الدولة المركزية و المحددة كلها في المجاالت السياسية ،أما
الفصل 148فقد نص على االختصاصات و الصالحيات المخولة للمجموعات المستقلة و المتمثلة أساسا
في تنظيم مؤسسات الحكم الذاتي ،التنظيم البلدي في مجال المجموعة المستقلة ،إعداد التراب و التعمير و
اإلسكان و االستغالل الغبوي و تدبير وحماية البيئة ،التنمية االقتصادية للمجموعات المستقلة و ضرورة
و بناءا على هذه اآللية فإن المجموعات المستقلة تتمتع بصالحيات تشريعية في المجاالت المحددة دستوريا
أو تلك المفوضة ،كما تمارس سلطة تشريعية تكميلية حيث تتولى تحديد القواعد و اإلجراءات التشريعية
التنظيمية لتكملة القوانين الوطنية في ميادين األشغال العمومية و المياه و الغابات و الصحة العمومية و
و يمكن القول أن التنظيم اإلسباني استطاع و في ظرف وجيز ترسيخ البعد الجهوي ،وتمكن من إدماج
القوميات التاريخية في الدولة و األحزاب المحلية بالتناوب على السلطة ،كما تمكن من استيعاب مضمون
االستقالل الذاتي بالشكل الذي جعله إطارا متفرعا عن الدولة الالمركزية القوية بمحيطها .
حيث جعل منها أساس التنظيم الالمركزي ببالدنا عن طريق تخويلها مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات
الترابية .
ويحمل التنظيم الجهوي أهمية كبرى منذ بروزه والى يومنا هذا وذلك لالعتماد عليه في مسلسل الالمركزية
وكذا تطوير وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتعزيز سياسة القرب من المواطنين ثم تفعيل التنمية الجهوية
المندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.هذا كله المحالة سيتأتى لنا من خالل األخذ بعين االعتبار التجارب
السباقة والرائدة في هذا المجال ،ونقصد هنا بالنسبة للمغرب وبحكم عالقات الجوار كل من التجربة
الجهوية الفرنسية والتي يعتبر قانون 1982أساسا لها من جهة ،وكذا تجربة الجهوية باسبانيا خالل نظام
الوحدات المستقلة من جهة أخرى والتي تحمل هي األخرى في طياتها أساليب وآليات منصوص عليها في
الدستور االسباني لسنة 1978والكفيلة كذلك بدفع التجربة الجهوية المغربية إلى األمام رغم اختالفهما في
المستويات ،فهل النظام القانوني للجهوية المتقدمة بالمغرب قادر على بلورة نموذج الجهوي ناجح بعد
مرور سنوات على صدور الدستور الحالي؟ أم هو مجرد تقليد للتجارب األجنبية وخصوصا التجربة
الفرنسية؟
الئحة المراجع:
❖ لمهدي بنمیر :التنظیم اإلداري المحلي ،المطبعة والوراقة الوطنية مراكش طبعة
1997
❖ هشام مليح :تجربة الجهوية الموسعة بفرنسا ،سلسلة الالمركزية واإلدارة المحلية،
عدد 6،2010ص85
❖ عبد الخالق عالوي "سياسة إعداد التراب في المغرب" أطروحة لنيل الدكتوراه