Professional Documents
Culture Documents
المغرب بين نظام الجهوية المغربية و
المغرب بين نظام الجهوية المغربية و
د.مصطفى بن شريف
هسبريس
قبل بسط نظام الحماية على المغرب ،في 30مارس 1912من طرف فرنسا ،كانت
البنيات الإدارية للدولة السلطانية أو المخزنية جد متخلفة وغير مهيكلة ،لاعتبارات
سياسية وتاريخية واقتصادية واجتماعية ،حيث إن السلطان رئيس المخزن هو من
كان يتولى الهيمنة على السلطات والوظائف في الدولة المخزنية الغارقة في
التقليدانية.
وفي ظل نظام الحماية الفرنسية ،تم تقسيم المغرب إلى جهات عسكرية وأخرى
مدنية ،وهذا الأسلوب في التنظيم الإداري لم تكن غايته سوى ضبط الأمن وبسط
نفوذ دولة الحماية على سائر المناطق ،تحت إشراف مسؤولين فرنسيين ،مدنيين أو
عسكريين.
ولم يكن الهدف من ذلك تطوير الإدارة المخزنية والنهوض بالتنمية المجالية
والاقتصادية ،وهو الأسلوب الذي اتبعته فرنسا حتى نهاية الاستعمار في ،1956
وبعد ذلك ستكون الدولة المغربية مجبرة على تأهيل وتنظيم الإدارة ،حيث ستعمد
إلى الأخذ في البداية بنظام العمالات والأقاليم منطلقا للتقسيم الترابي ،في حين
تم إغفال الاهتمام بالجهة كجماعة ترابية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال
المالي (.)1
إن تبني نظام الجهوية في المغرب سيتم لأول مرة بمقتضى الظهير رقم1-77-77 :
بتاريخ 16يونيو ، 1971الذي بموجبه تم العمل بالجهوية الاقتصادية ،عبر إحداث
الجهات الاقتصادية الاستشارية ،وعددها سبع جهات اقتصادية.
وفي إطار البحث عن صيغ جديدة لنظام الجهوية ،الذي قد يكون هو الأمثل أو على
الأقل القادر على الانتقال من المركزية المفرطة إلى اللامركزية الإدارية ،سيتبنى
المغرب نظام الجهوية الإدارية ،وهو الموضوع الذي كان الراحل الحسن الثاني
شغوفا به ،إذ ما فتئ يترافع من أجل جهوية إدارية متقدمة ،عبر عنها بشكل واضح
في استجواب له مع صحيفة "لوموند الفرنسية" يوم 04غشت ،1988حينما قال:
"آمل أن أترك لخلفي مغربا مبنيا على شاكلة المقاطعات الألمانية المسماة لاندر
، Landerلأن بلدي له من التنوع ما يجعلني لا أرغب في أن أضعف قوته".
وبدون شك ،فإن فلسفة الراحل الحسن الثاني وتصوراته لنظام اللامركزية الإدارية
أقرب إلى نظام اللامركزية السياسية ،وفقا للشكل الذي أعلن عنه في حواره
المذكور مع جريدة "لوموند الفرنسية" ،لكن لاعتبارات سياسية وتاريخية لم يتأثر
التنظيم الإداري المغربي بالنموذج الألماني ،بل ظل وفيا للنموذج الفرنسي.
وفي إطار الع مل بفلسفة الراحل الحسن الثاني ،وفي سياق الإصلاح الدستوري
لسنة ، 1992سيتم الإعلان في الباب العاشر من دستور 1992عن دسترة الجهات،
معتبرا إياها جماعة محلية (جماعة ترابية) ،وأكد بأنه لا يمكن إحداث أي جماعة محلية
أخرى إلا بقانون (الفصل 94من دستور ،)1992وهو التوجه نفسه الذي تبناه دستور
1996فيما يتصل بنظام الجهوية وشكلها ،كما هو واضح من الفصول 100و101
و 102من دستور .1996
إن الانتقال من نظام الجهوية الاقتصادية إلى نظام الجهوية الإدارية يستمد
شرعيته من المبادئ المؤسسة في دستوري 1992و ،1996حيث تم الارتقاء
بالجهو ية إلى مؤسسة دستورية ،وتم تمتيعها بالشخصية المعنوية والاستقلال
المالي.
ورغم تبني دستور 1992نظام الجهوية ،لم يتم إصدار قانون خاص بها إلا بعد بدء
العمل بدستور ،1996بمقتضى القانون رقم 47-96 :المؤرخ في 02أبريل ،)2( 1997
حيث تقرر تقسيم المغرب إلى 16جهة تشمل عددا من العمالات والأقاليم ،وكل
جهة يرأسها رئيس ينتخب عن طريق الاقتراع غير المباشر ،وهذا الشكل من الجهوية
يعرف بأنه جهوية إدارية ،تندرج في إطار اللامركزية الإدارية وليس اللامركزية
السياسية أو الجهوية السياسية.
ويؤخذ من مقتضيات القانون رقم( 47-96 :تم نسخه حاليا) أنه اعتبر الجهوية وحدة
من الوحدات الترابية الخاضعة للقانون العام ،وبأنها من الشخصيات المعنوية
العامة الترابية .كما حدد الأجهزة التي تتكون منها الجهة (الرئيس ونواب الرئيس،
مكتب المجلس ،اللجان الدائمة) ،وبالإضافة إلى ذلك بين الاختصاصات المقررة
للرئيس وتلك التي هي من اختصاص المجلس (مجلس الجهة).
وفي إطار سعي المغرب ،في ظل حكم الملك محمد السادس ،إلى صيغ سياسية
جديدة للحكم ،بدأ التفكير من جديد في تبني نظام جهوية سياسية أو لا مركزية
سياسية قادر على حل المشاكل التي تطبع الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية وال ثقافية ،التي يعانيها المغرب منذ الاستقلال ،وسيتم تتويج مسلسل
الإصلاح المؤسساتي بالإعلان عن تبني أسلوب الجهوية المتقدمة ،التي تعتبر شكلا
من أشكال اللامركزية ،وتجمع بين خصائص اللامركزية الإدارية واللامركزية
السياسية.
إذن ،بعد إخفاق تجربتي اللامركزية الاقتصادية واللامركزية الإدارية ،وفي ظل
العمل بتقسيم المغرب إلى 7جهات اقتصادية ،ثم إلى 16جهة إدارية ،سيعمد
المغرب إلى تبني تصور جديد للجهوية سيعرف بالجهوية المتقدمة تقوم على
وحدة الدولة والوطن والتراب .إن انتقال المغرب من نظام الجهوية الإدارية إلى
نظام الجهوية المتقدمة ،يفسر بأنه تبنى أسلوبا يجمع بين خصائص اللامركزية
الإدارية واللامركزية السياسية ،وهو ما يعطيه خاصية توصيفه بنظام الجهوية
المتقدمة القابل للتطوير مستقبلا ،قد يأخذ شكل الجهوية السياسية.
وهكذا ،وفي إطار الإصلاح الدستوري لسنة ، )4( 2011في سياق الإصلاحات
السياسية التي طبعت فترة حكم الملك محمد السادس ،سيتم اعتماد دستور جديد
بمقتضاه تم التأكيد ،في الفقرة الأخيرة من الفصل 1من دستور ،2011بأن
"التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة".
وبناء عليه ،أكد دستور 2011بشكل صريح بأن الجهوية كوحدة ترابية تعتبر رافعة
للنمو ولتطوير الديموقراطية المحلية ،من أجل تجاوز سلبيات النموذجين السابقين:
الجهوية الاقتصادية والجهوية الإدارية ،اللتان حلت محلهما ،الجهوية المتقدمة ،التي
قد تبدو بأنها نوع من الجهوية الهجينة ،تجمع بين خصائص الجهوية الإدارية
والجهوية السياسية ،وهي بذلك ستحتاج إلى مزيد من التطوير والمراجعة.
لكن مهما يكن من أمر ،فإن دستور 2011أعطى للجهوية مكانة خاصة في المتن
الدستوري ،مؤكدا بأن الجهة شخصية اعتبارية ،خاضعة للقانون العام ،تسير شؤونها
بكيفية ديموقراطية ،وتنتخب بالاقتراع العام المباشر (الفصل 135من الدستور).
ويرتكز التنظيم الجهوي على مبادئ التدبير الحر ،وعلى التعاون والتضامن (الفصل
136من الدستور) .كما تساهم الجهات في تفعيل السياسة العامة للدولة (الفصل
137من الدستور).
وفي إطار تنزيل مقتضيات دستور ،2011خاصة تلك المتعلقة بإصدار القوانين
التنظيمية ( ، )5بناء على تفويض دستوري ،سيتم إصدار القانون التنظيمي رقم:
111.14المتعلق بالجهات بعد أن خضع للرقابة الدستورية الإجبارية القبلية
للمجلس الدستوري ،والذي صدر الأمر بتنفيذه بتاريخ 07يوليوز ،2015مما أكسب
ا لجهوية مرجعيتين :مرجعية دستورية ومرجعية تنظيمية ،وهو المبدأ نفسه الذي
يحكم الجماعات الترابية الأخرى :العمالات والأقاليم والجماعات.
وبناء عليه ،يستفاد من القانون التنظيمي رقم ،111.14 :المتعلق بالجهات ،بأنه
يتكون من 256مادة موزعة على قسم تمهيدي يتضمن الأحكام العامة ،وثمانية
أقسام ،هي كالتالي:
-القسم الأول :يتعلق بتحديد شروط تدبير الجهة لشؤونها ،والذي يتفرع إلى باب
أول موضوعه تنظيم مجلس الجهة ،وباب ثان نطاقه تسيير مجلس الجهة ،وباب
ثالث يتعلق بالنظام الأساسي للمنتخب (المواد من 9إلى .)79
-القسم الثاني :تم تخصيصه لاختصاصات الجهة ،ويضم أربعة أبواب ،هي :الباب
الأول ،ويتعلق بمبادئ عامة ،والباب الثاني خصص للاختصاصات الذاتية للجهة،
والباب الثالث ،نطاقه الاختصاصات المشتركة ،والباب الرابع ،للاختصاصات
المنقولة (المواد من 80إلى .)95
-القسم الثالث :يتعلق بتحديد صلاحيات مجلس الجهة ورئيسه (المواد من 96إلى
.)122
-القسم الرابع :مجاله إدارة الجهة ،وأجهزة تنفيذ المشاريع ،وآليات القانون،
والشراكة (المواد من 123إلى .)164
-القسم الخامس :ويتعلق بالنظام المالي للجهة ،ومصدر مواردها المالية (المواد
من 165إلى .)228
إن القانون التنظيمي رقم 111.14 :المتعلق بالجهات ،يشكل إلى جانب باقي
القوانين التنظيمية الأخرى المتعلقة بالجماعات الترابية تحولا قانونيا ومؤسساتيا،
ونقلة نوعية في تدبير الشأن العام.
وبالنظر إلى أهمية ومكانة الجهة في النظام الدستوري المغربي ،فإن القانون
التنظيمي رقم 111.14 :عرفها في المادة ، 3مؤكدا بأن "الجهة جماعة ترابية خاضعة
للقانون العام ،تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ،وتشكل أحد
مستويات التنظيم الترابي للمملكة ،باعتباره تنظيما لا مركزيا يقوم على الجهوية
المتقدمة".
إن تدبير الجهة يقوم على مبدأ التسيير الحر ،في حدود اختصاصاتها ،وتتداول في
قضاياها بكيفية ديموقراطية ،ولها سلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها.
وهي المبادئ التي لم تكن مقررة في القوانين السابقة المنظمة للجهات ،حيث
كانت خاضعة لسلطة ووصاية الولاة ممثلي السلطة الإدارية المكلفة بالداخلية.
إن أهمية الجهة كجماعة ترابية تؤكدها مكانة الصدارة التي تحتلها بالنسبة
للجماعات الترابية الأخرى ،وتستمدها من أحكام الفصل 143من الدستور ،الذي نص
على أنه "تتبوأ الجهة ،تحت إشراف رئيس مجلسها ،مكانة الصدارة بالنسبة
للجماعات الترابية الأخرى ،في عمليات إعداد وتتتبع برامج التنمية الجهوية،
والتصاميم الجهوية لإعداد التراب ،في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه
الجماعات الترابية".
- 2راجع الظهير الشريف رقم 1-97-84 :المتعلق بتنفيذ القانون رقم47-96 :
المؤرخ في 2أبريل ،1997الجريدة الرسمية عدد 4470 :بتاريخ ،1997/04/03
ص.556.
3-عبد هللا إدريسي ،المختصر في التنظيم الإداري المغربي ،مرجع سابق ،ص.29.