Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في مادة:
السلطات اإلدارية المستقلة
ملقاة على طلبة الماستر 2تخصص إدارة عامة
1
مقدمة
ارتبط ظهور الدولة في الدول الغربية بمجموعة من التحوالت دلت على دخول
المجتمعات في فضاء الحداثة ،ميزها التطور العلمي التقني واالقتصادي ،1خاصة بعد
الحربين العالميتين األولى والثانية ،ومع بداية الثمانينات دخلت الدولة مرحلة جديدة تميزت
بالتطور التكنولوجي فظهر نموذج جديد للدولة ،فوصفت بالدولة الضابطة ألنه لم يعد
بإمكانها االستمرار في دورها السابق كدولة منتجة لألموال االقتصادية وكمسيرة للقطاعات
الكبرى فظهر هذا األسلوب الجديد أي الضبط الذي يتضمن اإلشراف على القطاعات
االقتصادية 2وغيرها ،فقد شهدت العديد من الدول الديمقراطية إنشاء أجهزة أو هيئات مستقلة
عن الحكومة تتميز عن اإلدارة العامة بمفهومها التقليدي 3هيئات مركزية وهيئات ال مركزية.
إذن فالتنظيم الكالسيكي إلدارة الدولة ال يتوافق مع طبيعة وظيفة الدولة وكذا
تحركاتها في ميادين متعددة ،كون اإلدارة التقليدية يغلب عليها الطابع السياسي واإليديولوجي
مما يجعلها غير محايدة عند معالجتها للقضايا المطروحة في المجالين االقتصادي
واالجتماعي الشيء الذي أدى إلى إحداث هيئات إدارية جديدة.
يرجع ظهور السلطات اإلدارية المستقلة إلى الدول األنجلوسكسونية .4والواليات
المتحدة األمريكية هي أول دولة صنعت هذه السلطات وذلك من خالل استحداث اللجنة
التجارية ما بين الواليات سنة 1889من طرف الكونجرس األمريكي.5
1
Chevalier Jacques, l’Etat post-moderne, 2ème édition, droit et société, LGDJ, Paris, pp 12-
13.
خرشي إلهام ،السلطات اإلدارية المستقلة في ظل الدولة الضابطة ،أطروحة دكتوراه في القانون العام ،كلية الحقوق، 2
2
بعدها تم إنشاء وكاالت أخرى ،وقد عرف ذلك نزاع بين الرئيس والكونجرس خاصة
عند تدخل الرئيس روزفلت في تعيين رئيس أو أعضاء أحد الوكاالت أو إنهاء مهامه حتى
انتهى األمر بصدور قرار من المحكمة العليا األمريكية سنة 1935الذي أقر بـ" :إن إنهاء
مهام عضو من Federal trade commissionمن قبل الرئيس األمريكي قبل إنهاء
عهدته القانونية ،يعد عمال غير شرعي".1
يمكن مالحظة عدم توحيد المصطلحات في النظام األمريكي فيما يخص هذه
السلطات :لجنة ،مجلس ،وكالة ،إلخ ...أنشأها الكونجرس ومنحها اختصاصات محددة وفي
نفس الوقت جديدة ،منها الصالحيات التشريعية والقضائية والتنفيذية لتمكينها من إيجاد
الحلول السريعة والمناسبة لمعالجة المشاكل .والهدف من ذلك هو دائما سد الفراغ وعجز
اإلدارة الكالسيكية.2
ظهرت في بريطانيا حديثا مقارنة بالنموذج األمريكي تحت تسمية Governement
organization quasi autonomus quangosأي المنظمات غير الحكومية الشبه
المستقلة التي انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية 3تكون محددة المجال :اقتصادي ،ثقافي،
اجتماعي أو متعددة المجاالت ،وتضاعف عددها في بريطانيا لتقليص مسؤولية اإلدارة
خاصة المركزية منها.
1
Gentôt Michel, les autorités administratives indépendantes, 2ème édition, Montchrestien,
Paris, 1994, p 21.
2ضريفي نادية ،مرجع سابق ،ص .9
بوحملين وليد ،سلطات الضبط االقتصادي في القانون الجزائري ،مذكرة ماجستير في الحقوق تخصص دولة ومؤسسات، 3
3
يتم إنشاؤها بواسطة قرار ملكي أو قانون أو قرار وزاري مما يطرح تساؤال حول
استقالليتها ،لكن رغم ذلك فالنظام البريطاني منحها ضمانات كافية الستقالليتها خاصة عدم
قابلية أعضائها للعزل.1
أول ما استعملت عبارة "السلطات اإلدارية المستقلة" في فرنسا كان في القانون
الصادر في 6جانفي 1978المتعلق باإلعالم اآللي والحريات الذي أنشأ اللجنة الوطنية
Commission nationale de l’information et des لإلعالم اآللي والحريات
libertésالتي كيفت صراحة بسلطة إدارية مستقلة.
توالى بعدها إنشاء عدة سلطات أخرى استجابة لمتطلبات جديدة بخصوص دور
الدولة ومحدودية الهياكل اإلدارية التقليدية في االستجابة لمشاكل المجتمع المعقدة والمتطورة،
وقد قام مجلس الدولة الفرنسي سنة 2001بتكييف 34هيئة أنها سلطات إدارية مستقلة.2
فرضت األزمة االقتصادية في الجزائر منذ سنوات الثمانينات ،بعد انخفاض عائداتها
من البترول ،وانخفاض المستوى المعيشي ،وتدهور األوضاع االجتماعية ،حدوث تحوالت
جذرية مست النشاط االقتصادي ،والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي
فرض عليها تحرير النشاط االقتصادي ،وتبني إصالحات اقتصادية عديدة ،بفتح المجال
أمام المبادرة الخاصة ،واعتماد مبدأ المنافسة الحرة كمبدأ لتنظيم الحياة االقتصادية والتخلي
عن فكرة التسيير اإلداري المركزي للسوق واالنسحاب تدريجيا من الحقل االقتصادي ،ووضع
ميكانيزمات وقواعد جديدة ذات طابع ليبرالي لضبط النشاط االقتصادي ،3فظهر هذا النوع
من السلطات اإلدارية المستقلة في بداية التسعينات بحيث اعتمد المشرع الجزائري في ذلك
على التجربة الفرنسية 4بإنشاء المجلس األعلى لإلعالم بموجب القانون ،07-90والذي تم
الفكر القانوني والسياسي ،المجلد الخامس ،العدد ،1جامعة عمر تليجي األغواط ،2021 ،ص ص .93-92
لباد ناصر ،القانون اإلداري ،التنظيم اإلداري ،الجزء األول ،الطبعة الثانية ،2005 ،ص .101 4
4
حله سنة ( 1993ليعاد إنشاء سلطات الضبط في مجال اإلعالم سنة 2012من خالل
القانون العضوي 05-12والقانون 04-14بالنسبة لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة
ضبط السمعي البصري) ،وتم إنشاء مجلس النقد والقرض سنة ،1990لجنة تنظيم عمليات
البورصة ومراقبتها سنة ،1993ومجلس المنافسة سنة 1995وعدة سلطات إدارية مستقلة
بعدها.
لم يكن إحداث السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر بعامل الصدفة ،وإنما ناتج عن
تقليد القانون الليبرالي الغربي وذلك باستيراد أحدث التكنولوجيات القانونية "المفتاح في اليد".1
يتم تناول موضوع السلطات اإلدارية المستقلة من خالل ثالثة فصول ،يتضمن
الفصل األول الطبيعة القانونية للسلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية ،أما الفصل
الثاني فيتناول اختصاصات السلطات اإلدارية المستقلة ،وخصص الفصل الثالث للرقابة
القضائية على أعمال السلطات اإلدارية المستقلة.
الفصل األول
الطبيعة القانونية للسلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية
أدى انسحاب الدولة من الحقل االقتصادي ،تحت تأثير العولمة إلى اعتناق المبادئ
والقواعد الليبرالية ،وذلك بتبني سياسة االنفتاح االقتصادي ومن ثم دخول مرحلة الديمقراطية
االقتصادية ،من خالل تحرير المبادرة الخاصة وإلغاء نظام االحتكارات في سياق مسار إزالة
التنظيم .على إثر هذا التحول ظهر ما يسمى بالسوق الحرة والتي تقوم على مبدأ المساواة
بين المتعاملين االقتصاديين المتدخلين فيها ،بما يضمن حرياتهم االقتصادية المكرسة
دستوريا دون تميز.
"يمكن تحديد شكل الثقافة واالقتصاد لألمم األخرى ،وذلك باستيراد النظام القانوني الذي سيؤثر على التنظيم االجتماعي 1
كله ،وبدون احتالل األراضي واستثمار رؤوس أموال في التطوير االقتصادي واالجتماعي".
Delmez Marty Mireille, la mondialisation du droit: Chances et risques, international law
review, volume 17, numéro 24, 1999, p 46.
5
اقتضى هذا الوضع إيجاد أساليب جديدة لممارسة السلطة العامة تحل محل الدولة
المنسحبة وتكون أكثر قدرة فاعلية على تأطير السير الطبيعي للسوق والتجاوب مع متطلباتها
ومجارات تقلباتها وتحوالتها المتسارعة ،وتجسيد حياد الدولة في التحكيم بين المصالح
المتعارضة فيه ،وكان ذلك بأن استعان المشرع لضبط السوق بنظام جديد المتمثل في
السلطات اإلدارية المستقلة.1
يتم تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين ،يتضمن األول السلطات اإلدارية المستقلة في مواجهة
الدستور ،أما الثاني فيتطرق إلشكالية استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة.
المبحث األول
السلطات اإلدارية المستقلة في مواجهة الدستور
ظهرت عدة اتجاهات فقهية من أجل إعطاء طبيعة قانونية للسلطات اإلدارية
المستقلة ،ومن إدراجها ضمن النصوص الدستورية من عدمه 2ولقد ثار خالف حاد بين
أعراب أحمد ،في مدى دستورية السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر ،أطروحة دكتوراه علوم تخصص قانون ،كلية 1
الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري تيزي وزو ،2021 ،ص.2
للمزيد من المعلومات في هذا الموضوع انظر:
- Zouaimia Rachid, les autorités de régulation financières en Algérie, Belkeise édition,
Alger, 2013, p 5-6.
- Autin J-L, le devenir des autorités administratives indépendantes, RFDA, 2010, p 879.
- Frison Roche M-A, le droit de la régulation, Dalloz, numéro 7, 2001, p 610.
- Zouaimia Rachid, dégradation et ineffectivité des normes en droit économique
Algérien, revue Idaraa, numéro 26, 2003, p 5.
- Dumez H et Jeunemaitre A, les institutions de la régulation des marchés: études de
quelques modèles de référence, R.I.D.E, 1999-1, p 14.
- Chevallier J, le statut des autorités administratives indépendantes : harmonisation ou
diversification ?, R.F.D.A, 2010, p 889.
2لمعرفة هذه االتجاهات انظر:
- Autin J-L, les autorités administratives indépendantes et la constitution, revue
administrative, numéro 244, 1988, p 333.
- Oderzo J-C, les autorités administratives et la constitution, thèse de doctorat, faculté
de droit et de science politique, Aix en Provence, 2000, p 43.
6
الفقهاء والمجلس الدستوري في فرنسا في تحديد طبيعتها 1كون أن المتعارف عليه أن الدولة
تقسم فيها السلطة إلى ثالثة :سلطة تنفيذية ،سلطة تشريعية وسلطة قضائية ،كما حددها
منتسكيو في كتابه روح القوانين والذي اعتبر مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة للتخلص من
السلطة المطلقة للملوك.2
لقد زود المشرع السلطات اإلدارية المستقلة باختصاصات متنوعة أهمها االختصاص
التنظيمي والقضائي الذي يعود دستوريا للسلطتين التنفيذية والقضائية .هذا ما سيتم معالجته
في المطلبين المواليين ،إذ يدرس المطلب األول دستورية السلطة التنظيمية ،ويتطرق الثاني
لدستورية السلطة القمعية.
المطلب األول :دستورية السلطة التنظيمية
منح المشرع السلطة التنظيمية للسلطات اإلدارية المستقلة ضمن نصوص الدستور،
كان محل جدل وتباين في فرنسا التي استمدت منها الجزائر معظم تشريعاتها من بينها تلك
الناظمة للسلطات اإلدارية المستقلة .يتم التطرق لهذا الموضوع في فرنسا من خالل الفرع
األول ،ثم في الجزائر ضمن الفرع الثاني.
7
الفرع األول :في فرنسا
لقد أثارت دستورية السلطة التنظيمية الممنوحة للسلطات اإلدارة المستقلة جدال بين
الفقهاء وبين القضاء الدستوري 1فلقد القت فكرة منح السلطة التنظيمية للسلطات اإلدارية
المستقلة جدال كبيرا ،وعدم تقبل الفقه الفرنسي لهذه الفكرة أساسا ،ألنها حسب رأيهم تتعارض
مع أحكام المادة 21من الدستور والتي تمنح الوزير األول صالحية السلطة التنظيمية وهذا
بصفة حصرية وبدون منافسة من أي سلطات أخرى ،فكيف يمكن أن تختص السلطات
2
اإلدارية المستقلة بهذه السلطة التنظيمية والتي تخولها وضع قواعد قانونية عامة ومجردة
وهذا من دون إغفال السلطات المعترف بها لرئيس الجمهورية بإمضاء المراسيم في مجلس
الوزراء واألوامر ،3على هذا األساس رأى الفقه أن منح السلطة التنظيمية للسلطات اإلدارية
المستقلة يؤدي إلى تجزئة الدولة ويجرد الحكومة من جانب مهم من سلطتها التنظيمية ،التي
يمكن بها فرض سيطرتها على كل جوانب حياة الدولة ،ولقد استند الفقه في هذا الرفض لعدم
دستوريتها إلى نص المادتين 34و 37من الدستور الفرنسي والذي حدد مجال تعيينه
للقانون وجعل ما عداه من اختصاص الالئحة التنظيمية ،وبالتالي أصبح اختصاص المشرع
اختصاصا مقيدا واختصاص اإلدارة اختصاصا عاما .4حيث وفي المادة 34من الدستور
الفرنسي ،تم ت حديد اختصاصات البرلمان والميادين التي يخصصها له الدستور ،ويقابل هذا
التحديد على سبيل الحصر ،االختصاص العام في مجال الالئحة ،وانطالقا من نص هاتين
المادتين يتضح أنه ال يوجد ما يمكن به إسناد االختصاص التنظيمي للسلطات اإلدارية
المستقلة ،وحتى وإن تم افتراض وجود تفويض هذه اآللية الدستورية التي يمكن بها تعديل
المؤسسات ،كلية الحقوق ،جامعة بن يوسف بن خذة الجزائر ،2012 ،1ص .29
8
االختصاصات ،فلم تنص النصوص التشريعية على إمكانية منح البرلمان تعديل
اختصاصاته بمنحها لسلطات أخرى على غرار السلطات اإلدارية المستقلة.1
بدأ المجلس الدستوري الفرنسي في ق ارره رقم 217-86الصادر في 18سبتمبر
1986بالنص على المادتين 13و 21من الدستور ،ومنه فهو يعتبر الوزير ورئيس
الجمهورية صاحبا االختصاص التنظيمي على المستوى الوطني ،ولكن هذا ال يمنع من
االعتراف بالسلطة التنظيمية لهيئات أخرى شريطة أن يكون مجالها محدود ومحدد بالقوانين
واألنظمة ،2ومنه فإن السلطة التنظيمية الوطنية تقوم بتحديد العناصر األساسية وليس
للسلطات اإلدارية المستقلة إال تنظيم التدابير التفصيلية ،وبالتالي فالسلطة التنظيمية
الممنوحة للسلطات اإلدارية المستقلة هي تابعة وتأتي في المرتبة الثانية ،3أي أن تحديد
المبادئ العامة هو من اختصاص السلطة المحددة دستورا ،أما السلطة التنظيمية للسلطات
اإلدارية المستقلة تتكفل وتختص بوضع العناصر والقواعد التفصيلية لها فقط.4
الفرع الثاني :في الجزائر
خول الدستور صراحة للوزير األول ولرئيس الجمهورية ممارسة االختصاص التنظيمي
في المادتين 112و 141على التوالي من دستور ،2020وهذا ال يتعارض مع تخويل
السلطات اإلدارية المستقلة صالحيات تنظيمية ضرورية لتطبيق القانون ،وهذا ما يفيد أن
المشرع قد أخذ بالتفسير الواسع ألحكام هاتين المادتين.
إن هذا التوزيع لالختصاص التنظيمي على جهات متعددة من حيث طبيعتها وطبيعة
القانون الذي يحكمها على غرار ما أثارته من معارضة في فرنسا ،فإنها لم تثر أي جدال
بن حفاف سماعيل ،بن عيسى زايد ،منصور داود ،السلطات اإلدارية المستقلة في النظام الدستوري واإلداري الجزائري 1
دراسة مقارنة ،المجلة الجزائرية للعلوم القانونية ،المجلد ،56العدد ،2020 ،04ص .459
2نفس المرجع السابق ،ص .460
3
Gelard Patrice, rapport sur les autorités administratives indépendantes, Sénateur, tome 1,
rapport numéro 3166, assemblée nationale, p 51.
4دوادي عادل ،السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية ،مذكرة ماجستير تخصص قانون دستوري ،كلية الحقوق ،جامعة
الحاج لخضر باتنة ،2013 ،ص .23
9
عند الفقه والسياسيين بشكل مؤثر في الجزائر ،وهذا يدل على أنها لقيت قبوال في أوساط
هؤالء كما يبدو أنها فرضت نفسها في الواقع العملي .مما يؤدي إلى القول أن تطبيق المشرع
لألحكام الدستورية بالمفهوم الواسع يتماشى ويتجاوب مع متطلبات الحياة اإلدارية والسياسية
واالجتماعية واالقتصادية ،كما أن منح االختصاص التنظيمي للسلطات اإلدارية المستقلة
أحدث ألداء دور الدولة ،وجاء استجابة لمقتضيات وضرورات عملية ونظرية ،هي الحاجة
إلى ضابط محايد وإلى خبراء قطاعيين يتحكمون في التقنية والتكنولوجية الحديثة ،ما يتعذر
أن يتوفر في اإلدارة التقليدية ،هذا فضال عن أنها تهدف إلى تحقيق أهداف ومبادئ
دستورية ،كحرية التجارة والصناعة ،حرية اإلعالم والرأي ،الحق في التنمية وكذا مبدأ
المساواة ،أضف إلى ذلك عدم وجود بديل حقيقي وفعال من شأنه أن يغني عن هذا الخيار.1
المطلب الثاني :دستورية السلطة القمعية
تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات ،فإن السلطة القضائية هي صاحبة االختصاص
دستوريا بالفصل في النزاعات وإصدار األحكام والعقوبات ،فهل هذا يتعارض مع السلطة
القمعية المخولة للسلطات اإلدارية المستقلة؟.
لقد تعرض المجلس الدستوري الفرنسي لمسألة دستورية السلطة القمعية من خالل
ثالثة مراحل ،في األولى اعتبر العقوبات اإلدارية غير دستورية لتعارضها مع مبدأ الفصل
بين السلطات ،إال أنه هناك من يرى أنه اكتفى باإلشارة إلى أن هذه العقوبات ال يجوز أن
توكل لسلطة إدارية من خالل ق ارره الصادر في 10و 11أكتوير ،1984المرحلة الثانية
تميزت باإلقرار النسبي لدستورية الجزاءات اإلدارية وذلك في حالة وجود عالقة بين اإلدارة
وصاحب الشأن في ق ارره الصادر في 17جانفي ،1989والمرحلة الثالثة واألخيرة وهي
مرحلة اإلقرار التام بدستورية العقوبات اإلدارية في ق ارره بتاريخ 28جويلية 1989خالل
النظر في صالحيات لجنة عمليات البورصة ،2وصرح المجلس الدستوري الفرنسي ،أن هذا
بن حفاف سماعيل ،بن عيسى زايد ،داود منصور ،مرجع سابق ،ص .468 2
10
االختصاص ال يمنح للسلطة اإلدارية المستقلة إال ضمن الحدود الضرورية لتأدية مهامها،
وبعود للمشرع اختصاص مالئمة ممارسة هذه السلطة مع التدابير الموجهة لحماية الحقوق
والحريات المكفولة دستوريا.
المبحث الثاني
إشكالية استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة
يقصد باالستقاللية تمتع السلطات اإلدارية المستقلة بنوع من الحرية في تسييرها
وتعيين مستخدميها وعزل أعضائها ،كما تكمن هذه االستقاللية في انفرادها باتخاذ الق اررات
وفرض الجزاءات كل هذا من دون تدخل أية سلطة كانت سيما منها السلطة التنفيذية.
يتم التطرق في هذا المبحث إلى االستقاللية العضوية للسلطات اإلدارية المستقلة في
المطلب األول ،ثم إلى استقالليتها الوظيفية في المطلب الثاني.
المطلب األول :االستقاللية العضوية
تتحدد استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة في جانبها العضوي بناء على مجموعة
من العوامل ترتبط بتشكيلة هذه الهيئات البشرية من جهة ،ونظام العهدة الذي يخضع له
أعضاء هذه الهيئات من جهة أخرى ،تحددها مجموعة النصوص المكرسة في قوانين إنشائها
باألساس ،تتميز على العموم سواء في الدول الغربية أو في الجزائر باالختالف وعدم
التجان س ،ولذلك يصعب معرفة أو تقدير القواعد األمثل من الناحية الكمية والنوعية لتحقيق
الهدف من ضمان االستقاللية في جانبها العضوي وهو منع تحكم السلطات العمومية
والقطاع الخاضع للضبط في أعضاء هذه الهيئات.1
نتناول في الفرع األول االستقاللية من حيث التشكيلة ،وفي الفرع الثاني االستقاللية
من حيث العهدة ،وفي الفرع الثالث حدود االستقاللية العضوية.
11
الفرع األول :االستقاللية من حيث التشكيلة
من أجل ضمان استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة ،يجب أن تعتمد تشكيلتها على
الطابع الجماعي وعلى جانب اختصاص أعضائها ،ومبدأ حيادهم ومن غياب حاالت
التنافي.
أوال :تعدد أعضائها (الطابع الجماعي للتشكيلة)
االعتماد على الطابع الجماعي في تشكيلة السلطات اإلدارية المستقلة ضمانة
الستقالليتها ،ولقد كرس المشرع الجزائري مبدأ الجماعة منذ أول سلطة ضبط في الجزائر
سنة 1990وهي المجلس األعلى لإلعالم ،وعلى العموم فإن أعضاء السلطات اإلدارية
المستقلة يتراوح ما بين 4إلى 12عضوا.
ثانيا :اختالف صفاتهم ومراكزهم
بعض السلطات اإلدارية المستقلة نجدها تتكون من أعضاء يختلف قطاع انتمائهم
وعملهم ،ليتراوح بين القضاء والتعليم العالي والمحاسبي ومن ذوي الخبرة في المجال
االقتصادي والمالي.
إن تعدد واختالف الجهات المقترحة ألعضاء السلطات اإلدارية المستقلة يختلف من
سلطة ألخرى ،علما أن اختالف جهة االقتراح مظهر يؤثر على درجة االستقاللية ألنه لو
كانت مهمة اقتراح األعضاء مخولة لجهة واحدة فقط ،فلن تكون أمام درجة االستقاللية.1
يقترح أعضاء لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها ،على سبيل المثال ،وزير العدل
والوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالتعليم العالي ومحافظ البنك والمصف الوطني
للخبراء والمحاسبين ومحافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين.2
حدري سمير ،السلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية ،الملتقى الوطني حول سلطات الضبط المستقلة في المجال 1
12
تطبيقا لقاعدة توازي األشكال ،فإن أعضاء ورئيس السلطات اإلدارية المستقلة يمكن
عزلهم من قبل السلطة التنفيذية ،وهذا يعرقل استقاللها.
ثالثا :حاالت التنافي
يعرف التنافي على أنه عملية الجمع بين عضوية ما ومهام أو وظائف أو
أنشطة أخرى محددة في القانون تتعارض والعضوية ،ما قد يخلق تعارضا في المصالح
المزدوجة للعضو ،فالهدف من حاالت تنافي العضوية في السلطات اإلدارية المستقلة مع
وظائف أو مهام أخرى ،هو حماية أعضاء هذه السلطات من مختلف التأثيرات حين اتخاذهم
مختلف الق اررات التي قد تتعارض ومبادئ الموضوعية والشفافية والديمقراطية والحياد والعدالة
واالستقاللية.
يالحظ أن المشرع الجزائري قد كرس نظام التنافي ،ونص عليه بشكل مطلق بالنسبة
ألعضاء سلطة ضبط الكهرباء والغاز وغيرها أثناء أداء مهامهم المرتبطة بنشاط السلطة.
أما بالنسبة لمجلس المنافسة ،فقد تم النص على نظام التنافي بشكل نسبي فقط أين
تم استبعاد العهدة االنتخابية وامتالك مصالح في أي مؤسسة أخرى من حاالت التنافي ،وقد
أغفل المشرع الجزائري النص على حاالت التنافي بالنسبة لبعض السلطات األخرى مثل
أعضاء اللجنة المصرفية في قانون النقد والقرض.
الفرع الثاني :االستقاللية من حيث العهدة
تشكل مدة العهدة شرطا جوهريا لضمان فعالية عمل السلطات اإلدارية المستقلة،
حيث أنه يجب أال تكون العهدة محددة لعمل أعضاء السلطات اإلدارية المستقلة عائقا في
مواجهة استقالليتها.
يرى مجلس الدولة الفرنسي أن المدة الزمنية غير المحدودة لعهدة األعضاء تضمن
استقاللية السلطة لممارسة مهامها ،لكن العهدة المفتوحة ال يمكن تطبيقها في كافة الحاالت
وفي كل المجاالت ،ولهذا اتجهت أغلب التشريعات إلى تحديد مدة العهدة بمتوسط ست
سنوات ،حيث أن طول مدة العهدة سيؤدي إلى التأثير سلبا على األعضاء الذين هم في
13
بداية صناعة مسارهم المهني ،على عكس األعضاء الذين هم في نهاية مسارهم ،أما قصر
المدة سيكون حاف از لبقائهم.
طبق المشرع الجزائري مدة الست سنوات لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة
ضبط السمعي البصري ،وكرس مبدأ التجديد الدوري لنصف األعضاء بالنسبة لمجلس
المحاسبة كل أربع سنوات ،ولم يكرس مبدأ العهدة بالنسبة لمجلس النقد والقرض ،سلطة
ضبط البريد والمواصالت ،الوكالتين المنجميتين ،و سلطة ضبط الكهرباء والغاز.
الفرع الثالث :حدود االستقاللية العضوية
تصطدم استقاللية السلطات اإلدارية من الناحية العضوية ،بعراقيل وهذا الحتفاظ
السلطة التنفيذية ببعض وسائل التأثير ،لهذا هناك من يقول أنها استقاللية مظهرية ،نظرية،
افتراضية وخيالية ،1إذ تتمتع السلطة التنفيذية في معظم الحاالت بتعين أعضاء السلطات
اإلدارية المستقلة ،كما أنها تتحكم في إنهاء عضويتهم من دون شروط ،عدم تحديد مدة
العهدة بالنسبة لبعض السلطات مع عدم وجود نظام لحاالت التنافي في البعض األخرى،
أغلبية السلطات اإلدارية المستقلة ملزمة بإعداد تقريرها السنوي وترسله للحكومة.
المطلب الثاني :االستقاللية الوظيفية
من أهم مؤشرات االستقاللية الوظيفية :االستقالل المالي واإلداري ،وضع السلطات
اإلدارية المستقلة لنظامها الداخلي ،وتمتع هذه األخيرة بالشخصية المعنوية وما يترتب عنها
من آثار.
يتم تناول استقاللها المالي في الفرع األول ،استقاللها اإلداري في الفرع الثاني،
وضعها لنظامها الداخلي في الفرع الثالث وتمتعها بالشخصية المعنوية في الفرع الرابع.
الفرع األول :االستقالل المالي
يعتبر االستقالل المالي للسلطات اإلدارية المستقلة من بين أهم الركائز األساسية
المبينة لال ستقالل الوظيفي ،وتمثل الميزانية القلب النابض لتسيير هذه السلطات وأدائها
حدري سمير ،السل طات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية ،إدارة ،العدد ،38الجزائر. 1
14
لمهامها بشكل فعال ،ويتم تقدير مدى استقالل السلطات اإلدارية المستقلة ماليا على
مرحلتين :مرحلة اقتراح الميزانية ومرحلة تنفيذها.
أوال :مرحلة اقتراح الميزانية
تتعلق هذه المرحلة أساسا بتقدير مجال ومدى استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة
بناء على قدرتها وحريتها على اقتراح الميزانية ،حيث تتعلق هذه المسألة بدراية السلطات
اإلدارية المستقلة ذاتها أكثر من أي هيئة أخرى حتى الحكومة بمختلف الوسائل المادية
الالزمة ألداء مهامها .حيث اعترف المشرع ألغلبها باالستقالل المالي ومنحها ميزانية
مقتطعة من ميزانية الدولة ومستقلة عن السلطة التنفيذية ،مثل لجنة تنظيم عمليات البورصة
ومراقبتها على سبيل المثال .غير أنه كل من مجلس النقد والقرض واللجنة المصرفية ال
يتمتعان بالشخصية المعنوية وبالتالي تبقى تابعة للسلطة التنفيذية من حيث التمويل.
ثانيا :مرحلة تنفيذ الميزانية
يتبع تنفيذ الميزانية حتما فرض الدولة رقابتها على كيفية صرفها ،حيث أن اإليرادات
التي تتحصل عليها هذه السلطات نتيجة اضطالعها بمهام ترتبط بالمنفعة العمومية ،تخضع
لنظام الرقابة المالية بنوعيها السابق عن طريق المراقب المالي ،والالحقة عن طريق مجلس
المحاسبة من أجل ضمان االستخدام المشروع والعقالني لها.
الفرع الثاني :االستقالل اإلداري
يتعلق االستقالل اإلداري للسلطات اإلدارية المستقلة أساسا في مدى استقاللها في
عملية إدارة مواردها ووسائلها البشرية المخصصة لتأدية مهامها ،والمتمثلة أساسا في طاقم
المستخدمين المؤهلين لممارسة مهام إدارية.
الفرع الثالث :وضعها لنظامها الداخلي
تتجلى االستقاللية الوظيفية للسلطات اإلدارية المستقلة حسب هذا المظهر ،في حرية
السلطات اإلدارية المستقلة في اختيار مجموع القواعد التي من خاللها تقرر كيفية تنظيمها
وسيرها دون مشاركتها مع أي جهة أخرى ،وبالخصوص السلطة التنفيذية ،كما تظهر
15
االستقاللية أيضا من خالل عدم خضوع النظام الداخلي لهذه السلطات للمصادقة عليه من
قبل السلطة التنفيذية وعدم قابليته للنشر.1
الفرع الرابع :تمتعها بالشخصية المعنوية
إن االعتراف بالشخصية المعنوية للسلطات اإلدارية المستقلة ليس معيار حاسم وفعال
لقياس درجة استقالليتها ،إال أنه يؤثر ويساعد بنسبة معينة في إظهار هذه االستقاللية،
خاصة من الجانب الوظيفي ،وذلك بالنظر إلى النتائج واآلثار المترتبة عن الشخصية
المعنوية من أهلية التقاضي ،تحمل المسؤولية ،وأهلية التعاقد.
أوال :أهلية التقاضي
منح المشرع الجزائري ألغلبية السلطات اإلدارية المستقلة أهلية التقاضي ،إذ يحق
لرئيسها تمثيلها أمام القضاء سواء كانت هذه السلطة مدعية أو مدعى عليها ،مثل سلطة
ضبط الكهرباء والغاز.
ثانيا :مسؤولية السلطات اإلدارية المستقلة
تتحمل السلطات اإلدارية المستقلة نتيجة األضرار الناجمة عن أخطائها الجسيمة،
مادامت تتمتع بالشخصية المعنوية ،ولجبر هذه األضرار تتولى هذه السلطات اإلدارية
المستقلة دفع التعويضات المستحقة من ذمتها المالية الخاصة وليس من ذمة الدولة ،مما
يجعل هذه السلطات مستقلة.2
ثالثا :أهلية التعاقد
طبقا للقواعد العامة ،نجد أن من بين أهم نتائج الشخصية المعنوية أهلية التعاقد ،أي
إمكانية السلطات اإلدارية المستقلة إبرام عقود.
كما لها حق إبرام اتفاقيات في إطار التعاون الدولي ،وفي هذا الصدد ،فإن لجنة
البورصة الجزائرية عضو في المنظمة العالمية للجان القيم ( ،)OICVالتي تضم كافة
الهيئات المختصة بالرقابة على البورصات واألسواق المالية العالمية ،هذا اإلطار يمكن كافة
األطراف في هذه المنظمة من تبادل الخب ارت والتجارب والمعلومات .وبالتالي تم إبرام اتفاقية
حدري سمير ،السلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية ،إدارة ،مرجع سابق ،ص .23 1
16
بين لجنة البورصة الجزائرية ( )COSOBونظيرتها الفرنسية ( ،)COBوذلك في إطار
التعاون وتبادل المعلومات والتجارب ،بهدف حماية االستثمار في كال البلدين.1
الفصل الثاني
اختصاصات السلطات اإلدارية المستقلة
زود المشرع السلطات اإلدارية المستقلة في إطار وظيفة الضبط ،باختصاصات
متنوعة ومتعددة ،تتفاوت من حيث األهمية واألثر ،غير أن االختصاصات التنظيمية
والقمعية تكتسي أهمية أولية ،كونها مزودة بامتيازات السلطة العامة ،وألنها وظائف دوالتية
تقليدية تعود دستوريا للسلطات العمومية بصفة عامة ،والسلطتين التنفيذية والقضائية على
وجه الخصوص .كل هذا جعل من هذه السلطات المكون الرئيسي للدور الضبطي للسلطات
اإلدارية المستقلة ،واألكثر تعبي ار عن سلطتها واستقاللها وتميزها.
قسم هذا الفصل إلى مبحثين ،تناول المبحث األول االختصاص التنظيمي والرقابي
للسلطات اإلدارية المستقلة ،وخصص المبحث الثاني الختصاصها القمعي.
المبحث األول
االختصاص التنظيمي والرقابي
يعود االختصاص التنظيمي مبدئيا للسلطة التنفيذية الممثلة في الوزير األول ورئيس
الجمهورية ،كما منح المشرع السلطات اإلدارية المستقلة ممارسة السلطة التنظيمية وهذا ال
يشكل تعارضا ،كون السلطة التنظيمية الممنوحة لهذه األخيرة تكون في حدود اختصاصها وال
تتعداه لميادين أخرى ،خول المشرع كذلك للسلطات اإلدارية المستقلة دور رقابي تمارسه في
إطار اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين الناظمة لها .هذا ما يتطرق إليه هذا
المبحث ،من خالل دراسة االختصاص التنظيمي والرقابي للسلطات اإلدارية المستقلة في
المطلب األول ،ثم اختصاصها القمعي في المطلب الثاني.
1حدري سمير ،السلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية ،إدارة ،ص .26أخذ من:
Pilverdier J. et Hamet J., le marché financier Français, Economica, Paris, 2001, pp 148-149-
183.
17
المطلب األول :االختصاص التنظيمي
منح السلطات اإلدارية المستقلة السلطة التنظيمية ال يثير أي إشكال من الناحية
العملية ،1وال يشكل أي تعارض مع نصوص الدستور ،لكن هذه السلطة ليست عامة بل
هي ذات طبيعة تقنية كون موضوعها يتعلق بتوضيح بعض االلتزامات أو بعض الحقوق
المحددة قانونا ،حيث تعتبر هذه السلطة في هذه الحالة كخبير يقوم بصياغة مقاييس أو
قواعد تقنية ،2فهذه السلطة التنظيمية الممنوحة للسلطات اإلدارية المستقلة هي سلطة خاصة
بمجال النشاط الذي تشرف عليه ،فاألنظمة التي تصدرها السلطات اإلدارية المستقلة تتمثل
في مجموعة من القواعد التي تهدف إلى تطبيق نصوص تشريعية وتنظيمية سابقة.
من بينها مجلس النقد والقرض الذي يمتع بحق إصدار األنظمة والق اررات الفردية ،فهو أداة
التشريع في المجال المصرفي ،وحق منح التأشيرات في مجال إنشاء الشبكات بالنسبة للجنة
ضبط الكهرباء والغاز ،وحق مجلس المنافسة في اتخاذ أي تدبير في شكل نظام أو تعليمة،
ولسلطة ضبط الصحافة الحق في وضع القواعد والشروط التي تمنح وفقا لها المساعدات
ألجهزة اإلعالم.
باإلضافة إلى تحديد االختصاص التنظيمي للسلطات اإلدارية المستقلة ،فإن القوانين المنشأة
لها شددت الرقابة على الكيفية التي تصدر من خاللها األنظمة :فمثال األنظمة التي تصدر
من قبل لجنة تنظيم عملية البورصة ومراقبتها ،تحتاج لقرار الموافقة من طرف الوزير المكلف
بالمالية قبل نشرها في الجريدة الرسمية ،كما أن مجلس النقد والقرض ملزم بتبليغ مشاريع
األنظمة الداخلية إلى الوزير المكلف بالمالية.
المطلب الثاني :االختصاص الرقابي
خول المشرع الجزائري في هذا الصدد السلطات اإلدارية المستقلة اختصاص الرقابة،
حيث نجد اللجنة المصرفية قد خولها القانون سلطة الرقابة ألول مرة بصدور قانون النقد
إذ تقوم بمراقبة البنوك والمؤسسات المالية في مدى احترامها والقرض رقم ،10-90
لمختلف األحكام التشريعية والتنظيمية المنظمة للنشاط المصرفي.
1
Teitgen Catherine Colly, les instances de régulation et la constitution, revue de droit public,
1990, p 153.
2
Zouaimia Rachid, les autorités de régulation indépendantes dans le secteur financier en
Algérie, Houma, Alger, 2005, p 31.
18
تمارس لجنة اإلش ارف على التأمينات سلطات رقابية بموجب القانون رقم 04-06
المتعلق بالتأمينات ،وهو ما يعتبر تجسيدا لما اتفق عليه الفقه أن السلطات اإلدارية في
المجال المالي واالقتصادي تقوم بمراقبة قطاع نشاط محدد ،لكون هذه الهيئات أدرى وأعلم
بكل األمور التقنية التي تحدث في القطاع التابع لها.
أخضع أيضا قانون المنافسة التجمعات االقتصادية للرقابة من قبل مجلس المنافسة،
الذي يقوم بالرقابة عليها بشكل يسمح بالمحافظة على المحيط التنافسي والتطور الهيكلي
للمؤسسات المتواجدة في السوق .وتمارس هذه الرقابة عن طريق إخضاع بعض النشاطات
االقتصادية للرخص واالعتمادات.
المبحث الثاني
االختصاص القمعي
منحت السلطة القمعية أو العقابية للسلطات اإلدارية المستقلة لفرض عقوبات
وجزاءات في حال خرق القوانين واألنظمة المؤسسة لها .يتم دراسة هذا الموضوع في
المطلبين المواليين ،يتضمن المطلب األول االعتراف بالسلطة القمعية للسلطات اإلدارية
المستقلة ،ويتعلق المطلب الثاني بشروط ممارستها للسلطة القمعية.
المطلب األول :االعتراف بالسلطة القمعية
يعد منح سلطات العقاب في واقع األمر تجاوز لالختصاص التقليدي األصيل للقضاء
باعتباره صاحب االختصاص بممارسة سلطته العامة الممنوحة له بموجب الدستور ،إلجبار
األفراد على االمتثال لق اررات السلطة العامة والنظام العام للدولة.1
قدم الفقه تبريرات مختلفة لالعتراف بالسلطة القمعية للسلطات اإلدارية المستقلة،
فهناك من أقام تبريره على أساس وحدة الجزاءات اإلدارية ،فيرون أن السلطة القمعية تقترب
من السلطة التأديبية التقليدية ،2كما يرى البعض اآلخر أن فكرة الضبط االقتصادي تضطلع
وا لي نادية ،السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر ،محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر تخصص دولة 1
ومؤسسات ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة أكلي محند أولحاج بويرة ،2016/2015 ،ص .13
عيساوي عز الدين ،الهيئات اإلدارية المستقلة في مواجهة الدستور ،الملتقى الوطني حول سلطات الضبط المستقلة في 2
المجال االقتصادي والمالي ،كلية الحقوق ،جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية 23 ،و 24ماي .2007
19
بوظائف شبه قضائية على غرار اختصاص سلطة العقاب ،االختصاص بالفصل في
النزاعات عن طريق آلية التحكيم بين المتعاملين ،1فتخويل سلطة العقاب لهذه السلطات في
حقيقة األمر تعبير عن رفض التدخل القضائي في القطاعات االقتصادية والمالية ،فسلطة
القضاء أثبتت محدوديتها في القطاعات الحساسة ،والتي تتمتع بالطابع التقني ،وبالتالي فإن
السلطات اإلدارية المستقلة هي األنسب للتدخل في ضبط وإحداث التوازن بين المتعاملين
االقتصاديين ،عن طريق إصدار التوجيهات واألوامر وحتى عقوبات في بعض األحيان لمن
يخالف القواعد القانونية والتنظيمية المعمول بها.2
المطلب الثاني :شروط ممارسة السلطة القمعية
يشترط في السلطات اإلدارية المستقلة لممارستها للسلطة القمعية ،أال تكون الجزاءات
الصادرة عنها سالبة للحرية ،أي استبدال العقوبات الجزائية بالعقوبات اإلدارية ،كسحب
الرخص أو االعتماد أو عقوبات مالية ،3وخضوع هذه السلطة القمعية للضمانات التي تكفل
حماية الحقوق والحريات المكفولة دستوريا ،أي أنه تخضع لنفس النظام اإلجرائي المعمول به
أمام القضاء عند وقوف المتعامل المعني بالنزاع أمام هذه السلطات اإلدارية المستقلة،
كاإلطالع على الملف واالستعانة بمحام.
ومن أمثلة السلطة القمعية التي تملكها السلطات اإلدارية المستقلة ،حق سلطة ضبط البريد
والمواصالت في توجيه إنذارات للمتعاملين في حالة عدم احترامهم للشروط المقررة ،كما
للجنة المصرفية حق إصدار عقوبة التوقيف المؤقت لبعض المسيرين في المجال المصرفي،
ويحق للجنة اإلشراف على التأمينات فرض عقوبات على شركات التأمين وإعادة التأمين في
شكل عقوبات مالية وغير مالية ،مثل اإلنذار والتوبيخ ،ولمجلس المنافسة إصدار عقوبات
مالية وإدارية.
بوجملين وليد ،قانون الضبط االقتصادي في الجزائر ،دار بلقيس ،الجزائر ،2015 ،ص .193 1
نايل نبيل محمد ،اختصاص القاضي اإلداري بمنازعات سلطات الضبط المستقلة دراسة نظرية ،مذكرة ماجستير تخصص 2
قانون عام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة ملود معمري تيزي وزو ،2013 ،ص .2
ولد رابح صافية ،مجلس النقد والقرض سلطة إدارية مستقلة لضبط النشاط المصرفي ،المجلة النقدية للقانون والعلوم 3
السياسية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة ملود معمري تيزي وزو ،العدد ،2013 ،2ص .52
20
الفصل الثالث
الرقابة القضائية على أعمال السلطات اإلدارية المستقلة
تتمتع السلطات اإلدارية المستقلة بصالحيات واسعة ،قد تصل إلى المساس بالحقوق
المادية للمتعاملين بما منحها القانون من سلطة قمعية في حالة اإلخالل بالقواعد القانونية،
وسلطة اتخاذ ق اررات تنظيمية وتحكيمية ،جعل صدور أي قرار في مجال هذه الصالحيات
يخضع ال محالة لرقابة القاضي.1
إذن رغم عدم تدرج السلطات اإلدارية المستقلة في السلم اإلداري وعدم خضوعها
للرقابة الرئاسية والوصائية ،وتمتعها بنوع من االستقاللية عن السلطة التشريعية والقضائية،
فهذا ال ي عني أن الق اررات الصادرة عنها أنها محصنة قضائيا ،فتبقى مجرد هيئات تمارس
اختصاصات قانونية ،خاضعة لرقابة القضاء لحماية الحقوق والحريات األساسية وخضوعها
للرقابة ال يعني المساس باستقالليتها.2
قسم هذا الفصل إلى مبحثين ،تناول المبحث األول الرقابة القضائية وتوزيع
االختصاص ،بينما تكفل المبحث الثاني بالقواعد اإلجرائية.
المبحث األول
الرقابة القضائية وتوزيع االختصاص
تمتع السلطات اإلدارية المستقلة باالستقاللية لم يجنبها الخضوع للرقابة القضائية،
فهاته األخيرة تسمح بضمان التأطير القانوني الفعال لعمل هيئات الضبط ،و إخضاعها
لآلليات الرقابية في ظل دولة القانون ،فالرقابة القضائية ال تهدف للحد من استقاللية
السلطات اإلدارية المستقلة ،و إنما هدفها المحافظة على الحقوق والحريات وضمان حقوق
الدفاع ورقابة شرعية ق اررات هذه السلطات.3
داود منصور ،الرقابة القضائية على منازعات شرعية ق اررات سلطات ضبط النشاط االقتصادي ،مجلة الحقوق والعلوم 1
21
قسم هذا المبحث إلى مطلبين ،يتضمن المطلب األول اختصاص مجلس الدولة فيما
يخص ق اررات وأعمال السلطات اإلدارية المستقلة ،وخصص المطلب الثاني الختصاص
القضاء العادي بالنسبة لنفس الموضوع.
المطلب األول :اختصاص مجلس الدولة
طبقا للمادة 09من القانون العضوي رقم 13-11المحدد الختصاصات مجلس
الدولة وتنظيمه والتي تنص على أنه" :يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة بالفصل في
دعاوى اإللغاء والتفسير وتقدير المشروعية في الق اررات اإلدارية الصادرة عن السلطات
اإلدارية المركزية ،والهيئات العمومية الوطنية ،والمنظمات المهنية الوطنية .ويختص أيضا
بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة".
بالمقابل فقد أعطت النصوص المنشأة للسلطات اإلدارية المستقلة في معظمها الوالية الكاملة
لمجلس الدولة ،إن إسقاط نص المادة 09أعاله على هذه النصوص المنشئة والمنظمة لهذه
الهيئات تصطدم بإشكال ظاهره لغوي ،وباطنه قانوني ،فمن الناحية الظاهرية المادة 09
أعاله لم تذكر السلطات اإلدارية المستقلة ضمن اختصاص مجلس الدولة ،وكما هو معلوم،
ال يمكن في ظل وضوح النص ،تأويله بإضافة هيئة لم يذكرها القانون صراحة ،يبقى الحل
الوحيد هو محاولة إدماج أو تصنيف قانوني لهذه الهيئات الضابطة ضمن حدود نص المادة
،09وهذا هو أإشكال ،فمن الناحية القانونية ،هذه الهيئات ليست إدارة مركزية وليست هيئات
مهنية وطنية فهل هي هيئات عمومية وطنية؟.1
الواقع ،أن بعض الكتاب كاألستاذ رشيد زوايمية يسعى إلحداث مقاربة بين مفهوم
الهيئة (المؤسسة) العمومية الوطنية وهيئات الضبط ،في الوقت الذي صنفها األستاذ رشيد
خلوفي على أنها تنتمي قانونيا لصنف المؤسسات العمومية في قراءة مستفيضة لنص المادة
29/122من دستور 1996المحدد الختصاص البرلمان والتي تقابلها المادة من دستور
، 2020ليضفي شرعية وأهلية هذا األخير في إنشاء مثل هذه السلطات الضابطة ،وبالتالي
محاولة إيجاد سند دستوري لمبادرة المشرع .في حين أن األستاذ زوايمية يقدم مقاربته على
أنها هيئات أو مؤسسات عمومية وطنية ،لتفادي إشكال قانوني جوهري ،حيث يصطدم في
القانون العضوي المنظم لمجلس الدولة بالقانون العادي المنشئ لسلطات الضبط ،حيث
سالمي عبد السالم ،سعودي علي ،مرجع سابق ،ص .100 1
22
يظهر فيه أن المشرع يضيف بموجب قانون عادي للقانون العضوي ،بالتالي فهو يخرق
ويتجاهل قاعدة ومبدأ دستوري هام وهو تدرج القواعد القانونية في الدولة.1
لذلك فإن محاولة الفقه للبحث عن تغطية قانونية إللحاق هذه الهيئات بنص المادة 09
المذكورة سابقا ،من خالل إدماجها في صنف قانوني معروف ،لتفادي تعارض القوانين تبقى
محاولة .غير أن المشرع نص في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية رقم 08-09من خالل
المادة 901على أنه" :يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة ،بالفصل في دعاوى
اإللغاء والتفسير ،وتقدير المشروعية في الق اررات اإلدارية الصادرة عن السلطات اإلدارية
المركزية .كما يختص بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة" وهو ما
كرسه في نص المادة 09الفقرة الثانية من القانون العضوي رقم 11-13ولكن بشكل غير
كاف ،لذلك فكان من المفروض أن تضاف السلطات اإلدارية المستقلة الختصاص مجلس
الدولة في هذين النصين ،لتفادي عمومية وتعارض النصوص القانونية.2
المطلب الثاني :اختصاص القضاء العادي
لم يعترف قانون المنافسة بالوالية الكاملة لمجلس الدولة ،حيث اخضع منازعاته
للنظام المزدوج من القضاء العادي واختصاص مجلس الدولة فيما يخص رفض منح التجميع
للمؤسسات االقتصادية.
قدمت تبريرات مختلفة حول هاته المسألة ،حيث بررت كون القانون يهدف إلى توحيد
جميع المنازعات المتعلقة بالمنافسة تحت رقابة قضائية واحدة ،لتفادي أي خالف حول
تفسير قواعد المنافسة ،كما قدم الفقه الفرنسي مبرر حسن سير العدالة ،الذي لم يعد مقصو ار
على المفهوم التقليدي ،السرعة في إصدار األحكام ،والتكوين الجيد للقضاة ،بل تطور في
البحث عن الهيئات القضائية األكثر مالئمة للنظر والفصل في القضايا.3
سالمي عبد السالم ،سعودي علي ،مرجع سابق ،ص .100أخذ من :شيبوتي راضية ،الهيئات اإلدارية المستقلة في 1
الجزائر ،أطروحة دكتوراه في القانون تخصص المؤسسات السياسية واإلدارية ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة اإلخوة
منتوري قسنطينة ،2015/2014 ،ص .296
2نفس المرجع السابق ،ص .101
محمد باهي أبو يونس ،الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات اإلدارية العامة ،دار الجامعة الجديدة ،اإلسكندرية، 3
،2000ص .227
23
تختص الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر برقابة األعمال والق اررات الصادرة عن
مجلس المنافسة -ماعدا الق اررات المتعلقة برفض التجميع االقتصادي -حيث تنص المادة
63من األمر 03-03المتعلق بالمنافسة على أنه" :تكون ق اررات مجلس المنافسة قابلة
للطعن أمام مجلس قضاء الجزائر الذي يفصل في المواد التجارية ،من قبل األطراف
المعنية ،أو من قبل الوزير المكلف بالتجارة في أجل ال يتجاوز شه ار واحدا من تاريخ استالم
القرار" .وعليه فإن الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر تنظر في منازعات ق اررات مجلس
المنافسة بصفة ابتدائية وليست كدرجة ثانية للتقاضي ،1ويراقب القضاء عموما مدى شرعية
الق اررات الصادرة عن مجلس المنافسة من حيث مدى احترام مبادئ المواجهة وحقوق الدفاع
وقواعد المحاكمة العادلة وكذا احترام القواعد الشكلية المتعلقة بق ارراته ،وخاصة فيما يتعلق
بتسبيبها بصفة تسمح بممارسة هذه الرقابة ،وبالتالي فتلغي الق اررات إذا كانت غير مطابقة
ألحكام القانون أو تعدل منها أو تأمر بإلغاء اإلجراءات التحفظية التي أمر بها مجلس
المنافسة أو تعديلها.2
تجدر المالحة إلى أن هذا االستثناء يعود لكون هذا الحكم مستلهم من النص
الفرنسي ،كون المشرع الفرنسي أعطى هذا االختصاص لمحكمة استثناء باريس مما يجعل
القضاء العادي وليس القضاء اإلداري هو المختص بالنظر إلى الطعون المقدمة ضد ق اررات
مجلس المنافسة ،حيث أقر المجلس الدستوري الفرنسي خروج المشرع عن القواعد التقليدية
لتوزيع االختصاص القضائي ألن القضاء في فرنسا يختص ببعض المنازعات اإلدارية وفقا
للفكرة التقليدية بأن القاضي العادي هو حصن الحريات الفردية.3
ماديو ليلى ،تكريس الرقابة القضائية على سلطات الضبط المستقلة في التشريع الجزائري ،الملتقى الوطني حول سلطات 1
الضبط المستقلة في المجال االقتصادي والمالي ،كلية الحقوق والعلوم االقتصادية ،جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية23 ،
و 24ماي .2007
لخضاري أعمر ،إجراءات الطعن في ق اررات مجلس المنافسة ،الملتقى الوطني حول سلطات الضبط المستقلة في المجال 2
االقتصادي والمالي ،كلية الحقوق والعلوم االقتصادية ،جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية 23 ،و 24ماي .2007
ماديو ليلى ،مرجع سابق ،ص .275 3
24
المبحث الثاني
القواعد اإلجرائية
لم تتضمن القوانين الناظمة للسلطات اإلدارية المستقلة في مجملها على إجراءات
الطعن ،لذا يجب الرجوع إلى القواعد العامة وهي تلك التي ينص عليها قانون اإلجراءات
المدنية واإلدارية ،بينما تضمنت معظم هذه النصوص آجال الطعن في ق ارراتها مع تباينها
في مدته .هذا ما تتم دراسته في هذا المبحث ،من خالل تخصيص المطلب األول إلجراءات
الطعن ،والمطلب الثاني لميعاده.
المطلب األ ول :إجراءات الطعن
ما يمكن مالحظته من خالل استقراء النصوص القانونية المنشاة للسلطات اإلدارية
المستقلة ،بأنها لم تشر إلى إجراء الطعن المسبق كشرط لرفع دعوى اإللغاء أمام مجلس
الدولة ،هذا ما أكده مجلس الدولة في ق ارره في قضية البنك الجزائري الدولي ضد محافظ
البنك المركزي بشأن طعن مقدم ضد قرار اللجنة المصرفية بتعيين متصرف إداري مؤقت
لدى البنك الجزائري حيث جاء فيه" :هذا الطعن يدخل في إطار المادة 146من القانون
10-90المتعلق بالنقد والقرض ،وأن هذه المادة تخرج عما هو مقرر في قانون اإلجراءات
اإلدارية والمدنية فيما يخص اإلجراءات واآلجال ،بحيث ال تنص على طعن مسبق وإنما
تشترط فقط أن يرفع هذا الطعن في أجل 60يوما".
المطلب الثاني :ميعاد الطعن
تختلف مواعيد الطعن من سلطة إدارية مستقلة إلى أخرى ،وال تتوافق مع القاعدة
األصلية المنصوص عليها في قانون اإلجراءات المدنية.
ففي المجال المصرفي ،فإن ق اررات اللجنة المصرفية المتعلقة بتعيين قائم باإلدارة مؤقتا أو
المصفي والق اررات المتضمنة عقوبات تأديبية يقدم الطعن فيها في آجال ستين يوما من تاريخ
التبليغ ،وفي مجال البورصة وفي مجال االتصاالت ،فإن ق اررات الغرفة التأديبية بالنسبة
للجنة مراقبة وتنظيم عمليات البورصة وق اررات مجلس سلطة ضبط البريد واالتصاالت يتم
الطعن فيها في أجل شهر من تاريخ التبليغ ،وفي المجال المنجمي فإن ق اررات مجلس إدارة
كل من الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية والوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية
تكون قابلة للطعن في أجل ثالثين يوما من تاريخ تبليغ القرار ،أما ق اررات لجنة ضبط
25
الكهرباء والغاز فإنه يمكن الطعن فيها من دون أن يشير القانون 01-02المتعلق بالكهرباء
وتوزيع الغاز عن طريق القنوات إلى آجال تقديم الطعن.1
يالحظ الطابع غير الموحد لهذه اآلجال ،فالمشرع أحيانا يعتمد نظام الحساب باأليام،
وأحيانا باألشهر ،وفي بعض األحيان األخرى يصمت وهذا االختالف ال يوجد له مبرر ،لذا
كان على المشرع توحيد اإلجراءات واآلجال بالنسبة لجميع السلطات اإلدارية المستقلة ،أو
إحالتها بكاملها إلى األصل وهو قانون اإلجراءات المدنية.2
حدري سمير ،السلطات اإلدارية المستقلة الفاصلة في المواد االقتصادية والمالية ،مذكرة ماجستير ،كلية الحقوق والعلوم 1
26