You are on page 1of 26

‫جامعة محمد لمين دباغين سطيف ‪2‬‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‬

‫محاضرات في مادة‪:‬‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة‬
‫ملقاة على طلبة الماستر ‪ 2‬تخصص إدارة عامة‬

‫إعداد‪ :‬األستاذة قلو ليلية‬

‫السنة الجامعية‪2022/2021 :‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫ارتبط ظهور الدولة في الدول الغربية بمجموعة من التحوالت دلت على دخول‬
‫المجتمعات في فضاء الحداثة‪ ،‬ميزها التطور العلمي التقني واالقتصادي‪ ،1‬خاصة بعد‬
‫الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬ومع بداية الثمانينات دخلت الدولة مرحلة جديدة تميزت‬
‫بالتطور التكنولوجي فظهر نموذج جديد للدولة‪ ،‬فوصفت بالدولة الضابطة ألنه لم يعد‬
‫بإمكانها االستمرار في دورها السابق كدولة منتجة لألموال االقتصادية وكمسيرة للقطاعات‬
‫الكبرى فظهر هذا األسلوب الجديد أي الضبط الذي يتضمن اإلشراف على القطاعات‬
‫االقتصادية‪ 2‬وغيرها‪ ،‬فقد شهدت العديد من الدول الديمقراطية إنشاء أجهزة أو هيئات مستقلة‬
‫عن الحكومة تتميز عن اإلدارة العامة بمفهومها التقليدي‪ 3‬هيئات مركزية وهيئات ال مركزية‪.‬‬
‫إذن فالتنظيم الكالسيكي إلدارة الدولة ال يتوافق مع طبيعة وظيفة الدولة وكذا‬
‫تحركاتها في ميادين متعددة‪ ،‬كون اإلدارة التقليدية يغلب عليها الطابع السياسي واإليديولوجي‬
‫مما يجعلها غير محايدة عند معالجتها للقضايا المطروحة في المجالين االقتصادي‬
‫واالجتماعي الشيء الذي أدى إلى إحداث هيئات إدارية جديدة‪.‬‬
‫يرجع ظهور السلطات اإلدارية المستقلة إلى الدول األنجلوسكسونية‪ .4‬والواليات‬
‫المتحدة األمريكية هي أول دولة صنعت هذه السلطات وذلك من خالل استحداث اللجنة‬
‫التجارية ما بين الواليات سنة ‪ 1889‬من طرف الكونجرس األمريكي‪.5‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Chevalier Jacques, l’Etat post-moderne, 2ème édition, droit et société, LGDJ, Paris, pp 12-‬‬
‫‪13.‬‬
‫خرشي إلهام‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة في ظل الدولة الضابطة‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫جامعة محمد لمين دباغين سطيف ‪ ،2015 ،2‬ص ص ‪.3-2‬‬


‫‪Amselek Paul, l’évolution occidentale, RDP, 1982, pp 291-292.‬‬
‫‪ 3‬حنفي عبد هللا‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص ‪.1‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Colliard Claude Albert et Timsit Gerard, les autorités administratives indépendantes, Puf,‬‬
‫‪Paris, 1988, p 189.‬‬
‫‪ 5‬لمعرفة أهم العوامل التي أدت إلى ظهورها انظر‪ :‬ضريفي نادية‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬محاضرات ألقيت على‬
‫طلبة الماستر ‪ 1‬تخصص قانون إداري‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد بوضياف مسيلة‪،2020/2019 ،‬‬
‫ص ‪.8‬‬

‫‪2‬‬
‫بعدها تم إنشاء وكاالت أخرى‪ ،‬وقد عرف ذلك نزاع بين الرئيس والكونجرس خاصة‬
‫عند تدخل الرئيس روزفلت في تعيين رئيس أو أعضاء أحد الوكاالت أو إنهاء مهامه حتى‬
‫انتهى األمر بصدور قرار من المحكمة العليا األمريكية سنة ‪ 1935‬الذي أقر بـ‪" :‬إن إنهاء‬
‫مهام عضو من ‪ Federal trade commission‬من قبل الرئيس األمريكي قبل إنهاء‬
‫عهدته القانونية‪ ،‬يعد عمال غير شرعي"‪.1‬‬
‫يمكن مالحظة عدم توحيد المصطلحات في النظام األمريكي فيما يخص هذه‬
‫السلطات ‪ :‬لجنة‪ ،‬مجلس‪ ،‬وكالة‪ ،‬إلخ ‪ ...‬أنشأها الكونجرس ومنحها اختصاصات محددة وفي‬
‫نفس الوقت جديدة‪ ،‬منها الصالحيات التشريعية والقضائية والتنفيذية لتمكينها من إيجاد‬
‫الحلول السريعة والمناسبة لمعالجة المشاكل‪ .‬والهدف من ذلك هو دائما سد الفراغ وعجز‬
‫اإلدارة الكالسيكية‪.2‬‬
‫ظهرت في بريطانيا حديثا مقارنة بالنموذج األمريكي تحت تسمية ‪Governement‬‬
‫‪ organization quasi autonomus quangos‬أي المنظمات غير الحكومية الشبه‬
‫المستقلة التي انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية‪ 3‬تكون محددة المجال‪ :‬اقتصادي‪ ،‬ثقافي‪،‬‬
‫اجتماعي أو متعددة المجاالت‪ ،‬وتضاعف عددها في بريطانيا لتقليص مسؤولية اإلدارة‬
‫خاصة المركزية منها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gentôt Michel, les autorités administratives indépendantes, 2ème édition, Montchrestien,‬‬
‫‪Paris, 1994, p 21.‬‬
‫‪ 2‬ضريفي نادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫بوحملين وليد‪ ،‬سلطات الضبط االقتصادي في القانون الجزائري‪ ،‬مذكرة ماجستير في الحقوق تخصص دولة ومؤسسات‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خدة الجزائر ‪ ،2007/2006 ،1‬ص ‪.14‬‬


‫لمعرفة أسباب ظهورها انظر‪ :‬رحموني موسى‪ ،‬الرقابة القضائية على سلطات الضبط المستقلة‪ ،‬مذكرة ماجستير في العلوم‬
‫القانونية واإلدارية تخصص قانون إداري وإدارة عامة‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الحاج لخضر باتنة‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪3‬‬
‫يتم إنشاؤها بواسطة قرار ملكي أو قانون أو قرار وزاري مما يطرح تساؤال حول‬
‫استقالليتها‪ ،‬لكن رغم ذلك فالنظام البريطاني منحها ضمانات كافية الستقالليتها خاصة عدم‬
‫قابلية أعضائها للعزل‪.1‬‬
‫أول ما استعملت عبارة "السلطات اإلدارية المستقلة" في فرنسا كان في القانون‬
‫الصادر في ‪ 6‬جانفي ‪ 1978‬المتعلق باإلعالم اآللي والحريات الذي أنشأ اللجنة الوطنية‬
‫‪Commission nationale de l’information et des‬‬ ‫لإلعالم اآللي والحريات‬
‫‪ libertés‬التي كيفت صراحة بسلطة إدارية مستقلة‪.‬‬
‫توالى بعدها إنشاء عدة سلطات أخرى استجابة لمتطلبات جديدة بخصوص دور‬
‫الدولة ومحدودية الهياكل اإلدارية التقليدية في االستجابة لمشاكل المجتمع المعقدة والمتطورة‪،‬‬
‫وقد قام مجلس الدولة الفرنسي سنة ‪ 2001‬بتكييف ‪ 34‬هيئة أنها سلطات إدارية مستقلة‪.2‬‬
‫فرضت األزمة االقتصادية في الجزائر منذ سنوات الثمانينات‪ ،‬بعد انخفاض عائداتها‬
‫من البترول‪ ،‬وانخفاض المستوى المعيشي‪ ،‬وتدهور األوضاع االجتماعية‪ ،‬حدوث تحوالت‬
‫جذرية مست النشاط االقتصادي‪ ،‬والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي‬
‫فرض عليها تحرير النشاط االقتصادي‪ ،‬وتبني إصالحات اقتصادية عديدة‪ ،‬بفتح المجال‬
‫أمام المبادرة الخاصة‪ ،‬واعتماد مبدأ المنافسة الحرة كمبدأ لتنظيم الحياة االقتصادية والتخلي‬
‫عن فكرة التسيير اإلداري المركزي للسوق واالنسحاب تدريجيا من الحقل االقتصادي‪ ،‬ووضع‬
‫ميكانيزمات وقواعد جديدة ذات طابع ليبرالي لضبط النشاط االقتصادي‪ ،3‬فظهر هذا النوع‬
‫من السلطات اإلدارية المستقلة في بداية التسعينات بحيث اعتمد المشرع الجزائري في ذلك‬
‫على التجربة الفرنسية‪ 4‬بإنشاء المجلس األعلى لإلعالم بموجب القانون ‪ ،07-90‬والذي تم‬

‫‪ 1‬ضريفي نادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪ 2‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫سالمي عبد السالم‪ ،‬سعودي علي‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر وإشكالية منازعات االختصاص القضائي‪ ،‬مجلة‬ ‫‪3‬‬

‫الفكر القانوني والسياسي‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬العدد ‪ ،1‬جامعة عمر تليجي األغواط‪ ،2021 ،‬ص ص ‪.93-92‬‬
‫لباد ناصر‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬التنظيم اإلداري‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،2005 ،‬ص ‪.101‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪4‬‬
‫حله سنة ‪( 1993‬ليعاد إنشاء سلطات الضبط في مجال اإلعالم سنة ‪ 2012‬من خالل‬
‫القانون العضوي ‪ 05-12‬والقانون ‪ 04-14‬بالنسبة لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة‬
‫ضبط السمعي البصري)‪ ،‬وتم إنشاء مجلس النقد والقرض سنة ‪ ،1990‬لجنة تنظيم عمليات‬
‫البورصة ومراقبتها سنة ‪ ،1993‬ومجلس المنافسة سنة ‪ 1995‬وعدة سلطات إدارية مستقلة‬
‫بعدها‪.‬‬
‫لم يكن إحداث السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر بعامل الصدفة‪ ،‬وإنما ناتج عن‬
‫تقليد القانون الليبرالي الغربي وذلك باستيراد أحدث التكنولوجيات القانونية "المفتاح في اليد"‪.1‬‬
‫يتم تناول موضوع السلطات اإلدارية المستقلة من خالل ثالثة فصول‪ ،‬يتضمن‬
‫الفصل األول الطبيعة القانونية للسلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية‪ ،‬أما الفصل‬
‫الثاني فيتناول اختصاصات السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬وخصص الفصل الثالث للرقابة‬
‫القضائية على أعمال السلطات اإلدارية المستقلة‪.‬‬

‫الفصل األول‬
‫الطبيعة القانونية للسلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية‬
‫أدى انسحاب الدولة من الحقل االقتصادي‪ ،‬تحت تأثير العولمة إلى اعتناق المبادئ‬
‫والقواعد الليبرالية‪ ،‬وذلك بتبني سياسة االنفتاح االقتصادي ومن ثم دخول مرحلة الديمقراطية‬
‫االقتصادية‪ ،‬من خالل تحرير المبادرة الخاصة وإلغاء نظام االحتكارات في سياق مسار إزالة‬
‫التنظيم‪ .‬على إثر هذا التحول ظهر ما يسمى بالسوق الحرة والتي تقوم على مبدأ المساواة‬
‫بين المتعاملين االقتصاديين المتدخلين فيها‪ ،‬بما يضمن حرياتهم االقتصادية المكرسة‬
‫دستوريا دون تميز‪.‬‬

‫"يمكن تحديد شكل الثقافة واالقتصاد لألمم األخرى‪ ،‬وذلك باستيراد النظام القانوني الذي سيؤثر على التنظيم االجتماعي‬ ‫‪1‬‬

‫كله‪ ،‬وبدون احتالل األراضي واستثمار رؤوس أموال في التطوير االقتصادي واالجتماعي"‪.‬‬
‫‪Delmez Marty Mireille, la mondialisation du droit: Chances et risques, international law‬‬
‫‪review, volume 17, numéro 24, 1999, p 46.‬‬
‫‪5‬‬
‫اقتضى هذا الوضع إيجاد أساليب جديدة لممارسة السلطة العامة تحل محل الدولة‬
‫المنسحبة وتكون أكثر قدرة فاعلية على تأطير السير الطبيعي للسوق والتجاوب مع متطلباتها‬
‫ومجارات تقلباتها وتحوالتها المتسارعة‪ ،‬وتجسيد حياد الدولة في التحكيم بين المصالح‬
‫المتعارضة فيه‪ ،‬وكان ذلك بأن استعان المشرع لضبط السوق بنظام جديد المتمثل في‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة‪.1‬‬
‫يتم تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين‪ ،‬يتضمن األول السلطات اإلدارية المستقلة في مواجهة‬
‫الدستور‪ ،‬أما الثاني فيتطرق إلشكالية استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة في مواجهة الدستور‬
‫ظهرت عدة اتجاهات فقهية من أجل إعطاء طبيعة قانونية للسلطات اإلدارية‬
‫المستقلة‪ ،‬ومن إدراجها ضمن النصوص الدستورية من عدمه‪ 2‬ولقد ثار خالف حاد بين‬

‫أعراب أحمد‪ ،‬في مدى دستورية السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر‪ ،‬أطروحة دكتوراه علوم تخصص قانون‪ ،‬كلية‬ ‫‪1‬‬

‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة مولود معمري تيزي وزو‪ ،2021 ،‬ص‪.2‬‬
‫للمزيد من المعلومات في هذا الموضوع انظر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Zouaimia Rachid, les autorités de régulation financières en Algérie, Belkeise édition,‬‬
‫‪Alger, 2013, p 5-6.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Autin J-L, le devenir des autorités administratives indépendantes, RFDA, 2010, p 879.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Frison Roche M-A, le droit de la régulation, Dalloz, numéro 7, 2001, p 610.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Zouaimia Rachid, dégradation et ineffectivité des normes en droit économique‬‬
‫‪Algérien, revue Idaraa, numéro 26, 2003, p 5.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Dumez H et Jeunemaitre A, les institutions de la régulation des marchés: études de‬‬
‫‪quelques modèles de référence, R.I.D.E, 1999-1, p 14.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Chevallier J, le statut des autorités administratives indépendantes : harmonisation ou‬‬
‫‪diversification ?, R.F.D.A, 2010, p 889.‬‬
‫‪ 2‬لمعرفة هذه االتجاهات انظر‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Autin J-L, les autorités administratives indépendantes et la constitution, revue‬‬
‫‪administrative, numéro 244, 1988, p 333.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Oderzo J-C, les autorités administratives et la constitution, thèse de doctorat, faculté‬‬
‫‪de droit et de science politique, Aix en Provence, 2000, p 43.‬‬
‫‪6‬‬
‫الفقهاء والمجلس الدستوري في فرنسا في تحديد طبيعتها‪ 1‬كون أن المتعارف عليه أن الدولة‬
‫تقسم فيها السلطة إلى ثالثة‪ :‬سلطة تنفيذية‪ ،‬سلطة تشريعية وسلطة قضائية‪ ،‬كما حددها‬
‫منتسكيو في كتابه روح القوانين والذي اعتبر مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة للتخلص من‬
‫السلطة المطلقة للملوك‪.2‬‬
‫لقد زود المشرع السلطات اإلدارية المستقلة باختصاصات متنوعة أهمها االختصاص‬
‫التنظيمي والقضائي الذي يعود دستوريا للسلطتين التنفيذية والقضائية‪ .‬هذا ما سيتم معالجته‬
‫في المطلبين المواليين‪ ،‬إذ يدرس المطلب األول دستورية السلطة التنظيمية‪ ،‬ويتطرق الثاني‬
‫لدستورية السلطة القمعية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬دستورية السلطة التنظيمية‬
‫منح المشرع السلطة التنظيمية للسلطات اإلدارية المستقلة ضمن نصوص الدستور‪،‬‬
‫كان محل جدل وتباين في فرنسا التي استمدت منها الجزائر معظم تشريعاتها من بينها تلك‬
‫الناظمة للسلطات اإلدارية المستقلة‪ .‬يتم التطرق لهذا الموضوع في فرنسا من خالل الفرع‬
‫األول‪ ،‬ثم في الجزائر ضمن الفرع الثاني‪.‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪Hubert, l’indépendance des autorités de régulation sectorielles, communication‬‬


‫‪électroniques énergies et postes, thèse de doctorat en droit, école doctorale de droit,‬‬
‫‪université Bordeaux 4, 2008, 191-193.‬‬
‫‪- Teigen Colly, les instances de régulations de la constitution, RDP, numéro 1, 1990, p‬‬
‫‪2015.‬‬
‫‪- Rouyène A, faut-il faire figurer les autorités administratives indépendantes dans la‬‬
‫‪constitution ?, LPA, numéro 54, 1992, p 58.‬‬
‫‪- Longobardi N, les autorités administratives indépendantes laboratoires, LPA, numéro‬‬
‫‪173, 1999, pp 14-15.‬‬
‫مراجع ذكرت‪ :‬خرشي إلهام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.121-117‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Sall Babaly, contribution à l’étude des autorités administratives indépendantes, thèse de‬‬
‫‪doctorat, faculté de droit et de sciences sociales, université de Poitiers, 1990, p 14.‬‬
‫‪ 2‬علواش فريد‪ ،‬قرقور نيبل‪ ،‬مبدأ الفصل بين السلطات في الدساتير الجزائرية‪ ،‬مجلة االجتهاد القضائي‪ ،‬أعمال الملتقى‬
‫الدولي الرابع حول االجتهاد في المادة الدستورية‪ ،‬العدد الرابع‪ ،2008 ،‬ص ‪.227‬‬

‫‪7‬‬
‫الفرع األول‪ :‬في فرنسا‬
‫لقد أثارت دستورية السلطة التنظيمية الممنوحة للسلطات اإلدارة المستقلة جدال بين‬
‫الفقهاء وبين القضاء الدستوري‪ 1‬فلقد القت فكرة منح السلطة التنظيمية للسلطات اإلدارية‬
‫المستقلة جدال كبيرا‪ ،‬وعدم تقبل الفقه الفرنسي لهذه الفكرة أساسا‪ ،‬ألنها حسب رأيهم تتعارض‬
‫مع أحكام المادة ‪ 21‬من الدستور والتي تمنح الوزير األول صالحية السلطة التنظيمية وهذا‬
‫بصفة حصرية وبدون منافسة من أي سلطات أخرى‪ ،‬فكيف يمكن أن تختص السلطات‬
‫‪2‬‬
‫اإلدارية المستقلة بهذه السلطة التنظيمية والتي تخولها وضع قواعد قانونية عامة ومجردة‬
‫وهذا من دون إغفال السلطات المعترف بها لرئيس الجمهورية بإمضاء المراسيم في مجلس‬
‫الوزراء واألوامر‪ ،3‬على هذا األساس رأى الفقه أن منح السلطة التنظيمية للسلطات اإلدارية‬
‫المستقلة يؤدي إلى تجزئة الدولة ويجرد الحكومة من جانب مهم من سلطتها التنظيمية‪ ،‬التي‬
‫يمكن بها فرض سيطرتها على كل جوانب حياة الدولة‪ ،‬ولقد استند الفقه في هذا الرفض لعدم‬
‫دستوريتها إلى نص المادتين ‪ 34‬و ‪ 37‬من الدستور الفرنسي والذي حدد مجال تعيينه‬
‫للقانون وجعل ما عداه من اختصاص الالئحة التنظيمية‪ ،‬وبالتالي أصبح اختصاص المشرع‬
‫اختصاصا مقيدا واختصاص اإلدارة اختصاصا عاما‪ .4‬حيث وفي المادة ‪ 34‬من الدستور‬
‫الفرنسي‪ ،‬تم ت حديد اختصاصات البرلمان والميادين التي يخصصها له الدستور‪ ،‬ويقابل هذا‬
‫التحديد على سبيل الحصر‪ ،‬االختصاص العام في مجال الالئحة‪ ،‬وانطالقا من نص هاتين‬
‫المادتين يتضح أنه ال يوجد ما يمكن به إسناد االختصاص التنظيمي للسلطات اإلدارية‬
‫المستقلة‪ ،‬وحتى وإن تم افتراض وجود تفويض هذه اآللية الدستورية التي يمكن بها تعديل‬

‫‪ 1‬للمزيد من التفاصيل حول الموضوع انظر‪:‬‬


‫‪Haquet Armand, le pouvoir réglementaire des autorités administratives indépendantes‬‬
‫‪réflexion sur son sujet et sa légitimité, Revue de droit public, 2008, numéro 2, p 393.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Decoopman N Der S, le désordre des autorités administratives indépendantes l’exemple du‬‬
‫‪secteur économique et financier, collection CEPRISCA, Paris, 2002, p 97.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gentot Michel, Op cit, p 75.‬‬
‫كيواني قديم‪ ،‬السلطة التنظيمية في التعديل الدستوري الجزائري لسنة ‪ ،2008‬مذكرة ماجستير في القانون‪ ،‬فرع قانون‬ ‫‪4‬‬

‫المؤسسات‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة بن يوسف بن خذة الجزائر ‪ ،2012 ،1‬ص ‪.29‬‬

‫‪8‬‬
‫االختصاصات‪ ،‬فلم تنص النصوص التشريعية على إمكانية منح البرلمان تعديل‬
‫اختصاصاته بمنحها لسلطات أخرى على غرار السلطات اإلدارية المستقلة‪.1‬‬
‫بدأ المجلس الدستوري الفرنسي في ق ارره رقم ‪ 217-86‬الصادر في ‪ 18‬سبتمبر‬
‫‪ 1986‬بالنص على المادتين ‪ 13‬و ‪ 21‬من الدستور‪ ،‬ومنه فهو يعتبر الوزير ورئيس‬
‫الجمهورية صاحبا االختصاص التنظيمي على المستوى الوطني‪ ،‬ولكن هذا ال يمنع من‬
‫االعتراف بالسلطة التنظيمية لهيئات أخرى شريطة أن يكون مجالها محدود ومحدد بالقوانين‬
‫واألنظمة‪ ،2‬ومنه فإن السلطة التنظيمية الوطنية تقوم بتحديد العناصر األساسية وليس‬
‫للسلطات اإلدارية المستقلة إال تنظيم التدابير التفصيلية‪ ،‬وبالتالي فالسلطة التنظيمية‬
‫الممنوحة للسلطات اإلدارية المستقلة هي تابعة وتأتي في المرتبة الثانية‪ ،3‬أي أن تحديد‬
‫المبادئ العامة هو من اختصاص السلطة المحددة دستورا‪ ،‬أما السلطة التنظيمية للسلطات‬
‫اإلدارية المستقلة تتكفل وتختص بوضع العناصر والقواعد التفصيلية لها فقط‪.4‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬في الجزائر‬
‫خول الدستور صراحة للوزير األول ولرئيس الجمهورية ممارسة االختصاص التنظيمي‬
‫في المادتين ‪ 112‬و ‪ 141‬على التوالي من دستور ‪ ،2020‬وهذا ال يتعارض مع تخويل‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة صالحيات تنظيمية ضرورية لتطبيق القانون‪ ،‬وهذا ما يفيد أن‬
‫المشرع قد أخذ بالتفسير الواسع ألحكام هاتين المادتين‪.‬‬
‫إن هذا التوزيع لالختصاص التنظيمي على جهات متعددة من حيث طبيعتها وطبيعة‬
‫القانون الذي يحكمها على غرار ما أثارته من معارضة في فرنسا‪ ،‬فإنها لم تثر أي جدال‬

‫بن حفاف سماعيل‪ ،‬بن عيسى زايد‪ ،‬منصور داود‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة في النظام الدستوري واإلداري الجزائري‬ ‫‪1‬‬

‫دراسة مقارنة‪ ،‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية‪ ،‬المجلد ‪ ،56‬العدد ‪ ،2020 ،04‬ص ‪.459‬‬
‫‪ 2‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.460‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Gelard Patrice, rapport sur les autorités administratives indépendantes, Sénateur, tome 1,‬‬
‫‪rapport numéro 3166, assemblée nationale, p 51.‬‬
‫‪ 4‬دوادي عادل‪ ،‬السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية‪ ،‬مذكرة ماجستير تخصص قانون دستوري‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫الحاج لخضر باتنة‪ ،2013 ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪9‬‬
‫عند الفقه والسياسيين بشكل مؤثر في الجزائر‪ ،‬وهذا يدل على أنها لقيت قبوال في أوساط‬
‫هؤالء كما يبدو أنها فرضت نفسها في الواقع العملي‪ .‬مما يؤدي إلى القول أن تطبيق المشرع‬
‫لألحكام الدستورية بالمفهوم الواسع يتماشى ويتجاوب مع متطلبات الحياة اإلدارية والسياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬كما أن منح االختصاص التنظيمي للسلطات اإلدارية المستقلة‬
‫أحدث ألداء دور الدولة‪ ،‬وجاء استجابة لمقتضيات وضرورات عملية ونظرية‪ ،‬هي الحاجة‬
‫إلى ضابط محايد وإلى خبراء قطاعيين يتحكمون في التقنية والتكنولوجية الحديثة‪ ،‬ما يتعذر‬
‫أن يتوفر في اإلدارة التقليدية‪ ،‬هذا فضال عن أنها تهدف إلى تحقيق أهداف ومبادئ‬
‫دستورية‪ ،‬كحرية التجارة والصناعة‪ ،‬حرية اإلعالم والرأي‪ ،‬الحق في التنمية وكذا مبدأ‬
‫المساواة‪ ،‬أضف إلى ذلك عدم وجود بديل حقيقي وفعال من شأنه أن يغني عن هذا الخيار‪.1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دستورية السلطة القمعية‬
‫تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات‪ ،‬فإن السلطة القضائية هي صاحبة االختصاص‬
‫دستوريا بالفصل في النزاعات وإصدار األحكام والعقوبات‪ ،‬فهل هذا يتعارض مع السلطة‬
‫القمعية المخولة للسلطات اإلدارية المستقلة؟‪.‬‬
‫لقد تعرض المجلس الدستوري الفرنسي لمسألة دستورية السلطة القمعية من خالل‬
‫ثالثة مراحل‪ ،‬في األولى اعتبر العقوبات اإلدارية غير دستورية لتعارضها مع مبدأ الفصل‬
‫بين السلطات‪ ،‬إال أنه هناك من يرى أنه اكتفى باإلشارة إلى أن هذه العقوبات ال يجوز أن‬
‫توكل لسلطة إدارية من خالل ق ارره الصادر في ‪ 10‬و ‪ 11‬أكتوير ‪ ،1984‬المرحلة الثانية‬
‫تميزت باإلقرار النسبي لدستورية الجزاءات اإلدارية وذلك في حالة وجود عالقة بين اإلدارة‬
‫وصاحب الشأن في ق ارره الصادر في ‪ 17‬جانفي ‪ ،1989‬والمرحلة الثالثة واألخيرة وهي‬
‫مرحلة اإلقرار التام بدستورية العقوبات اإلدارية في ق ارره بتاريخ ‪ 28‬جويلية ‪ 1989‬خالل‬
‫النظر في صالحيات لجنة عمليات البورصة‪ ،2‬وصرح المجلس الدستوري الفرنسي‪ ،‬أن هذا‬

‫أعراب أمحمد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬ ‫‪1‬‬

‫بن حفاف سماعيل‪ ،‬بن عيسى زايد‪ ،‬داود منصور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.468‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪10‬‬
‫االختصاص ال يمنح للسلطة اإلدارية المستقلة إال ضمن الحدود الضرورية لتأدية مهامها‪،‬‬
‫وبعود للمشرع اختصاص مالئمة ممارسة هذه السلطة مع التدابير الموجهة لحماية الحقوق‬
‫والحريات المكفولة دستوريا‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫إشكالية استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة‬
‫يقصد باالستقاللية تمتع السلطات اإلدارية المستقلة بنوع من الحرية في تسييرها‬
‫وتعيين مستخدميها وعزل أعضائها‪ ،‬كما تكمن هذه االستقاللية في انفرادها باتخاذ الق اررات‬
‫وفرض الجزاءات كل هذا من دون تدخل أية سلطة كانت سيما منها السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫يتم التطرق في هذا المبحث إلى االستقاللية العضوية للسلطات اإلدارية المستقلة في‬
‫المطلب األول‪ ،‬ثم إلى استقالليتها الوظيفية في المطلب الثاني‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االستقاللية العضوية‬
‫تتحدد استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة في جانبها العضوي بناء على مجموعة‬
‫من العوامل ترتبط بتشكيلة هذه الهيئات البشرية من جهة‪ ،‬ونظام العهدة الذي يخضع له‬
‫أعضاء هذه الهيئات من جهة أخرى‪ ،‬تحددها مجموعة النصوص المكرسة في قوانين إنشائها‬
‫باألساس‪ ،‬تتميز على العموم سواء في الدول الغربية أو في الجزائر باالختالف وعدم‬
‫التجان س‪ ،‬ولذلك يصعب معرفة أو تقدير القواعد األمثل من الناحية الكمية والنوعية لتحقيق‬
‫الهدف من ضمان االستقاللية في جانبها العضوي وهو منع تحكم السلطات العمومية‬
‫والقطاع الخاضع للضبط في أعضاء هذه الهيئات‪.1‬‬
‫نتناول في الفرع األول االستقاللية من حيث التشكيلة‪ ،‬وفي الفرع الثاني االستقاللية‬
‫من حيث العهدة‪ ،‬وفي الفرع الثالث حدود االستقاللية العضوية‪.‬‬

‫خرشي إلهام‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.145‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪11‬‬
‫الفرع األول‪ :‬االستقاللية من حيث التشكيلة‬
‫من أجل ضمان استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬يجب أن تعتمد تشكيلتها على‬
‫الطابع الجماعي وعلى جانب اختصاص أعضائها‪ ،‬ومبدأ حيادهم ومن غياب حاالت‬
‫التنافي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعدد أعضائها (الطابع الجماعي للتشكيلة)‬
‫االعتماد على الطابع الجماعي في تشكيلة السلطات اإلدارية المستقلة ضمانة‬
‫الستقالليتها‪ ،‬ولقد كرس المشرع الجزائري مبدأ الجماعة منذ أول سلطة ضبط في الجزائر‬
‫سنة ‪ 1990‬وهي المجلس األعلى لإلعالم‪ ،‬وعلى العموم فإن أعضاء السلطات اإلدارية‬
‫المستقلة يتراوح ما بين ‪ 4‬إلى ‪ 12‬عضوا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختالف صفاتهم ومراكزهم‬
‫بعض السلطات اإلدارية المستقلة نجدها تتكون من أعضاء يختلف قطاع انتمائهم‬
‫وعملهم‪ ،‬ليتراوح بين القضاء والتعليم العالي والمحاسبي ومن ذوي الخبرة في المجال‬
‫االقتصادي والمالي‪.‬‬
‫إن تعدد واختالف الجهات المقترحة ألعضاء السلطات اإلدارية المستقلة يختلف من‬
‫سلطة ألخرى‪ ،‬علما أن اختالف جهة االقتراح مظهر يؤثر على درجة االستقاللية ألنه لو‬
‫كانت مهمة اقتراح األعضاء مخولة لجهة واحدة فقط‪ ،‬فلن تكون أمام درجة االستقاللية‪.1‬‬
‫يقترح أعضاء لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬وزير العدل‬
‫والوزير المكلف بالمالية والوزير المكلف بالتعليم العالي ومحافظ البنك والمصف الوطني‬
‫للخبراء والمحاسبين ومحافظي الحسابات والمحاسبين المعتمدين‪.2‬‬

‫حدري سمير‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية‪ ،‬الملتقى الوطني حول سلطات الضبط المستقلة في المجال‬ ‫‪1‬‬

‫االقتصادي والمالي‪ ،‬جامعة بجاية‪ 23 ،‬و ‪ 24‬ماي ‪.2007‬‬


‫المادة ‪ 22‬من المرسوم التشريعي رقم ‪ 93-10‬عدلت بموجب القانون رقم ‪ 03-04‬المتعلق بالبورصة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪12‬‬
‫تطبيقا لقاعدة توازي األشكال‪ ،‬فإن أعضاء ورئيس السلطات اإلدارية المستقلة يمكن‬
‫عزلهم من قبل السلطة التنفيذية‪ ،‬وهذا يعرقل استقاللها‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حاالت التنافي‬
‫يعرف التنافي على أنه عملية الجمع بين عضوية ما ومهام أو وظائف أو‬
‫أنشطة أخرى محددة في القانون تتعارض والعضوية‪ ،‬ما قد يخلق تعارضا في المصالح‬
‫المزدوجة للعضو‪ ،‬فالهدف من حاالت تنافي العضوية في السلطات اإلدارية المستقلة مع‬
‫وظائف أو مهام أخرى‪ ،‬هو حماية أعضاء هذه السلطات من مختلف التأثيرات حين اتخاذهم‬
‫مختلف الق اررات التي قد تتعارض ومبادئ الموضوعية والشفافية والديمقراطية والحياد والعدالة‬
‫واالستقاللية‪.‬‬
‫يالحظ أن المشرع الجزائري قد كرس نظام التنافي‪ ،‬ونص عليه بشكل مطلق بالنسبة‬
‫ألعضاء سلطة ضبط الكهرباء والغاز وغيرها أثناء أداء مهامهم المرتبطة بنشاط السلطة‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمجلس المنافسة‪ ،‬فقد تم النص على نظام التنافي بشكل نسبي فقط أين‬
‫تم استبعاد العهدة االنتخابية وامتالك مصالح في أي مؤسسة أخرى من حاالت التنافي‪ ،‬وقد‬
‫أغفل المشرع الجزائري النص على حاالت التنافي بالنسبة لبعض السلطات األخرى مثل‬
‫أعضاء اللجنة المصرفية في قانون النقد والقرض‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬االستقاللية من حيث العهدة‬
‫تشكل مدة العهدة شرطا جوهريا لضمان فعالية عمل السلطات اإلدارية المستقلة‪،‬‬
‫حيث أنه يجب أال تكون العهدة محددة لعمل أعضاء السلطات اإلدارية المستقلة عائقا في‬
‫مواجهة استقالليتها‪.‬‬
‫يرى مجلس الدولة الفرنسي أن المدة الزمنية غير المحدودة لعهدة األعضاء تضمن‬
‫استقاللية السلطة لممارسة مهامها‪ ،‬لكن العهدة المفتوحة ال يمكن تطبيقها في كافة الحاالت‬
‫وفي كل المجاالت‪ ،‬ولهذا اتجهت أغلب التشريعات إلى تحديد مدة العهدة بمتوسط ست‬
‫سنوات‪ ،‬حيث أن طول مدة العهدة سيؤدي إلى التأثير سلبا على األعضاء الذين هم في‬
‫‪13‬‬
‫بداية صناعة مسارهم المهني‪ ،‬على عكس األعضاء الذين هم في نهاية مسارهم‪ ،‬أما قصر‬
‫المدة سيكون حاف از لبقائهم‪.‬‬
‫طبق المشرع الجزائري مدة الست سنوات لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة وسلطة‬
‫ضبط السمعي البصري‪ ،‬وكرس مبدأ التجديد الدوري لنصف األعضاء بالنسبة لمجلس‬
‫المحاسبة كل أربع سنوات‪ ،‬ولم يكرس مبدأ العهدة بالنسبة لمجلس النقد والقرض‪ ،‬سلطة‬
‫ضبط البريد والمواصالت‪ ،‬الوكالتين المنجميتين‪ ،‬و سلطة ضبط الكهرباء والغاز‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬حدود االستقاللية العضوية‬
‫تصطدم استقاللية السلطات اإلدارية من الناحية العضوية‪ ،‬بعراقيل وهذا الحتفاظ‬
‫السلطة التنفيذية ببعض وسائل التأثير‪ ،‬لهذا هناك من يقول أنها استقاللية مظهرية‪ ،‬نظرية‪،‬‬
‫افتراضية وخيالية‪ ،1‬إذ تتمتع السلطة التنفيذية في معظم الحاالت بتعين أعضاء السلطات‬
‫اإلدارية المستقلة‪ ،‬كما أنها تتحكم في إنهاء عضويتهم من دون شروط‪ ،‬عدم تحديد مدة‬
‫العهدة بالنسبة لبعض السلطات مع عدم وجود نظام لحاالت التنافي في البعض األخرى‪،‬‬
‫أغلبية السلطات اإلدارية المستقلة ملزمة بإعداد تقريرها السنوي وترسله للحكومة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االستقاللية الوظيفية‬
‫من أهم مؤشرات االستقاللية الوظيفية‪ :‬االستقالل المالي واإلداري‪ ،‬وضع السلطات‬
‫اإلدارية المستقلة لنظامها الداخلي‪ ،‬وتمتع هذه األخيرة بالشخصية المعنوية وما يترتب عنها‬
‫من آثار‪.‬‬
‫يتم تناول استقاللها المالي في الفرع األول‪ ،‬استقاللها اإلداري في الفرع الثاني‪،‬‬
‫وضعها لنظامها الداخلي في الفرع الثالث وتمتعها بالشخصية المعنوية في الفرع الرابع‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬االستقالل المالي‬
‫يعتبر االستقالل المالي للسلطات اإلدارية المستقلة من بين أهم الركائز األساسية‬
‫المبينة لال ستقالل الوظيفي‪ ،‬وتمثل الميزانية القلب النابض لتسيير هذه السلطات وأدائها‬

‫حدري سمير‪ ،‬السل طات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية‪ ،‬إدارة‪ ،‬العدد ‪ ،38‬الجزائر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪14‬‬
‫لمهامها بشكل فعال‪ ،‬ويتم تقدير مدى استقالل السلطات اإلدارية المستقلة ماليا على‬
‫مرحلتين‪ :‬مرحلة اقتراح الميزانية ومرحلة تنفيذها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مرحلة اقتراح الميزانية‬
‫تتعلق هذه المرحلة أساسا بتقدير مجال ومدى استقاللية السلطات اإلدارية المستقلة‬
‫بناء على قدرتها وحريتها على اقتراح الميزانية‪ ،‬حيث تتعلق هذه المسألة بدراية السلطات‬
‫اإلدارية المستقلة ذاتها أكثر من أي هيئة أخرى حتى الحكومة بمختلف الوسائل المادية‬
‫الالزمة ألداء مهامها‪ .‬حيث اعترف المشرع ألغلبها باالستقالل المالي ومنحها ميزانية‬
‫مقتطعة من ميزانية الدولة ومستقلة عن السلطة التنفيذية‪ ،‬مثل لجنة تنظيم عمليات البورصة‬
‫ومراقبتها على سبيل المثال‪ .‬غير أنه كل من مجلس النقد والقرض واللجنة المصرفية ال‬
‫يتمتعان بالشخصية المعنوية وبالتالي تبقى تابعة للسلطة التنفيذية من حيث التمويل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مرحلة تنفيذ الميزانية‬
‫يتبع تنفيذ الميزانية حتما فرض الدولة رقابتها على كيفية صرفها‪ ،‬حيث أن اإليرادات‬
‫التي تتحصل عليها هذه السلطات نتيجة اضطالعها بمهام ترتبط بالمنفعة العمومية‪ ،‬تخضع‬
‫لنظام الرقابة المالية بنوعيها السابق عن طريق المراقب المالي‪ ،‬والالحقة عن طريق مجلس‬
‫المحاسبة من أجل ضمان االستخدام المشروع والعقالني لها‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬االستقالل اإلداري‬
‫يتعلق االستقالل اإلداري للسلطات اإلدارية المستقلة أساسا في مدى استقاللها في‬
‫عملية إدارة مواردها ووسائلها البشرية المخصصة لتأدية مهامها‪ ،‬والمتمثلة أساسا في طاقم‬
‫المستخدمين المؤهلين لممارسة مهام إدارية‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬وضعها لنظامها الداخلي‬
‫تتجلى االستقاللية الوظيفية للسلطات اإلدارية المستقلة حسب هذا المظهر‪ ،‬في حرية‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة في اختيار مجموع القواعد التي من خاللها تقرر كيفية تنظيمها‬
‫وسيرها دون مشاركتها مع أي جهة أخرى‪ ،‬وبالخصوص السلطة التنفيذية‪ ،‬كما تظهر‬
‫‪15‬‬
‫االستقاللية أيضا من خالل عدم خضوع النظام الداخلي لهذه السلطات للمصادقة عليه من‬
‫قبل السلطة التنفيذية وعدم قابليته للنشر‪.1‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬تمتعها بالشخصية المعنوية‬
‫إن االعتراف بالشخصية المعنوية للسلطات اإلدارية المستقلة ليس معيار حاسم وفعال‬
‫لقياس درجة استقالليتها‪ ،‬إال أنه يؤثر ويساعد بنسبة معينة في إظهار هذه االستقاللية‪،‬‬
‫خاصة من الجانب الوظيفي‪ ،‬وذلك بالنظر إلى النتائج واآلثار المترتبة عن الشخصية‬
‫المعنوية من أهلية التقاضي‪ ،‬تحمل المسؤولية‪ ،‬وأهلية التعاقد‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أهلية التقاضي‬
‫منح المشرع الجزائري ألغلبية السلطات اإلدارية المستقلة أهلية التقاضي‪ ،‬إذ يحق‬
‫لرئيسها تمثيلها أمام القضاء سواء كانت هذه السلطة مدعية أو مدعى عليها‪ ،‬مثل سلطة‬
‫ضبط الكهرباء والغاز‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مسؤولية السلطات اإلدارية المستقلة‬
‫تتحمل السلطات اإلدارية المستقلة نتيجة األضرار الناجمة عن أخطائها الجسيمة‪،‬‬
‫مادامت تتمتع بالشخصية المعنوية‪ ،‬ولجبر هذه األضرار تتولى هذه السلطات اإلدارية‬
‫المستقلة دفع التعويضات المستحقة من ذمتها المالية الخاصة وليس من ذمة الدولة‪ ،‬مما‬
‫يجعل هذه السلطات مستقلة‪.2‬‬
‫ثالثا‪ :‬أهلية التعاقد‬
‫طبقا للقواعد العامة‪ ،‬نجد أن من بين أهم نتائج الشخصية المعنوية أهلية التعاقد‪ ،‬أي‬
‫إمكانية السلطات اإلدارية المستقلة إبرام عقود‪.‬‬
‫كما لها حق إبرام اتفاقيات في إطار التعاون الدولي‪ ،‬وفي هذا الصدد‪ ،‬فإن لجنة‬
‫البورصة الجزائرية عضو في المنظمة العالمية للجان القيم (‪ ،)OICV‬التي تضم كافة‬
‫الهيئات المختصة بالرقابة على البورصات واألسواق المالية العالمية‪ ،‬هذا اإلطار يمكن كافة‬
‫األطراف في هذه المنظمة من تبادل الخب ارت والتجارب والمعلومات‪ .‬وبالتالي تم إبرام اتفاقية‬

‫حدري سمير‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية‪ ،‬إدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.26‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪16‬‬
‫بين لجنة البورصة الجزائرية (‪ )COSOB‬ونظيرتها الفرنسية (‪ ،)COB‬وذلك في إطار‬
‫التعاون وتبادل المعلومات والتجارب‪ ،‬بهدف حماية االستثمار في كال البلدين‪.1‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫اختصاصات السلطات اإلدارية المستقلة‬
‫زود المشرع السلطات اإلدارية المستقلة في إطار وظيفة الضبط‪ ،‬باختصاصات‬
‫متنوعة ومتعددة‪ ،‬تتفاوت من حيث األهمية واألثر‪ ،‬غير أن االختصاصات التنظيمية‬
‫والقمعية تكتسي أهمية أولية‪ ،‬كونها مزودة بامتيازات السلطة العامة‪ ،‬وألنها وظائف دوالتية‬
‫تقليدية تعود دستوريا للسلطات العمومية بصفة عامة‪ ،‬والسلطتين التنفيذية والقضائية على‬
‫وجه الخصوص‪ .‬كل هذا جعل من هذه السلطات المكون الرئيسي للدور الضبطي للسلطات‬
‫اإلدارية المستقلة‪ ،‬واألكثر تعبي ار عن سلطتها واستقاللها وتميزها‪.‬‬
‫قسم هذا الفصل إلى مبحثين‪ ،‬تناول المبحث األول االختصاص التنظيمي والرقابي‬
‫للسلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬وخصص المبحث الثاني الختصاصها القمعي‪.‬‬
‫المبحث األول‬
‫االختصاص التنظيمي والرقابي‬
‫يعود االختصاص التنظيمي مبدئيا للسلطة التنفيذية الممثلة في الوزير األول ورئيس‬
‫الجمهورية‪ ،‬كما منح المشرع السلطات اإلدارية المستقلة ممارسة السلطة التنظيمية وهذا ال‬
‫يشكل تعارضا‪ ،‬كون السلطة التنظيمية الممنوحة لهذه األخيرة تكون في حدود اختصاصها وال‬
‫تتعداه لميادين أخرى‪ ،‬خول المشرع كذلك للسلطات اإلدارية المستقلة دور رقابي تمارسه في‬
‫إطار اختصاصاتها المنصوص عليها في القوانين الناظمة لها‪ .‬هذا ما يتطرق إليه هذا‬
‫المبحث‪ ،‬من خالل دراسة االختصاص التنظيمي والرقابي للسلطات اإلدارية المستقلة في‬
‫المطلب األول‪ ،‬ثم اختصاصها القمعي في المطلب الثاني‪.‬‬

‫‪ 1‬حدري سمير‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة وإشكالية االستقاللية‪ ،‬إدارة‪ ،‬ص ‪ .26‬أخذ من‪:‬‬
‫‪Pilverdier J. et Hamet J., le marché financier Français, Economica, Paris, 2001, pp 148-149-‬‬
‫‪183.‬‬
‫‪17‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االختصاص التنظيمي‬
‫منح السلطات اإلدارية المستقلة السلطة التنظيمية ال يثير أي إشكال من الناحية‬
‫العملية‪ ،1‬وال يشكل أي تعارض مع نصوص الدستور‪ ،‬لكن هذه السلطة ليست عامة بل‬
‫هي ذات طبيعة تقنية كون موضوعها يتعلق بتوضيح بعض االلتزامات أو بعض الحقوق‬
‫المحددة قانونا‪ ،‬حيث تعتبر هذه السلطة في هذه الحالة كخبير يقوم بصياغة مقاييس أو‬
‫قواعد تقنية‪ ،2‬فهذه السلطة التنظيمية الممنوحة للسلطات اإلدارية المستقلة هي سلطة خاصة‬
‫بمجال النشاط الذي تشرف عليه‪ ،‬فاألنظمة التي تصدرها السلطات اإلدارية المستقلة تتمثل‬
‫في مجموعة من القواعد التي تهدف إلى تطبيق نصوص تشريعية وتنظيمية سابقة‪.‬‬
‫من بينها مجلس النقد والقرض الذي يمتع بحق إصدار األنظمة والق اررات الفردية‪ ،‬فهو أداة‬
‫التشريع في المجال المصرفي‪ ،‬وحق منح التأشيرات في مجال إنشاء الشبكات بالنسبة للجنة‬
‫ضبط الكهرباء والغاز‪ ،‬وحق مجلس المنافسة في اتخاذ أي تدبير في شكل نظام أو تعليمة‪،‬‬
‫ولسلطة ضبط الصحافة الحق في وضع القواعد والشروط التي تمنح وفقا لها المساعدات‬
‫ألجهزة اإلعالم‪.‬‬
‫باإلضافة إلى تحديد االختصاص التنظيمي للسلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬فإن القوانين المنشأة‬
‫لها شددت الرقابة على الكيفية التي تصدر من خاللها األنظمة‪ :‬فمثال األنظمة التي تصدر‬
‫من قبل لجنة تنظيم عملية البورصة ومراقبتها‪ ،‬تحتاج لقرار الموافقة من طرف الوزير المكلف‬
‫بالمالية قبل نشرها في الجريدة الرسمية‪ ،‬كما أن مجلس النقد والقرض ملزم بتبليغ مشاريع‬
‫األنظمة الداخلية إلى الوزير المكلف بالمالية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬االختصاص الرقابي‬
‫خول المشرع الجزائري في هذا الصدد السلطات اإلدارية المستقلة اختصاص الرقابة‪،‬‬
‫حيث نجد اللجنة المصرفية قد خولها القانون سلطة الرقابة ألول مرة بصدور قانون النقد‬
‫إذ تقوم بمراقبة البنوك والمؤسسات المالية في مدى احترامها‬ ‫والقرض رقم ‪،10-90‬‬
‫لمختلف األحكام التشريعية والتنظيمية المنظمة للنشاط المصرفي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Teitgen Catherine Colly, les instances de régulation et la constitution, revue de droit public,‬‬
‫‪1990, p 153.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Zouaimia Rachid, les autorités de régulation indépendantes dans le secteur financier en‬‬
‫‪Algérie, Houma, Alger, 2005, p 31.‬‬
‫‪18‬‬
‫تمارس لجنة اإلش ارف على التأمينات سلطات رقابية بموجب القانون رقم ‪04-06‬‬
‫المتعلق بالتأمينات‪ ،‬وهو ما يعتبر تجسيدا لما اتفق عليه الفقه أن السلطات اإلدارية في‬
‫المجال المالي واالقتصادي تقوم بمراقبة قطاع نشاط محدد‪ ،‬لكون هذه الهيئات أدرى وأعلم‬
‫بكل األمور التقنية التي تحدث في القطاع التابع لها‪.‬‬
‫أخضع أيضا قانون المنافسة التجمعات االقتصادية للرقابة من قبل مجلس المنافسة‪،‬‬
‫الذي يقوم بالرقابة عليها بشكل يسمح بالمحافظة على المحيط التنافسي والتطور الهيكلي‬
‫للمؤسسات المتواجدة في السوق‪ .‬وتمارس هذه الرقابة عن طريق إخضاع بعض النشاطات‬
‫االقتصادية للرخص واالعتمادات‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫االختصاص القمعي‬
‫منحت السلطة القمعية أو العقابية للسلطات اإلدارية المستقلة لفرض عقوبات‬
‫وجزاءات في حال خرق القوانين واألنظمة المؤسسة لها‪ .‬يتم دراسة هذا الموضوع في‬
‫المطلبين المواليين‪ ،‬يتضمن المطلب األول االعتراف بالسلطة القمعية للسلطات اإلدارية‬
‫المستقلة‪ ،‬ويتعلق المطلب الثاني بشروط ممارستها للسلطة القمعية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬االعتراف بالسلطة القمعية‬
‫يعد منح سلطات العقاب في واقع األمر تجاوز لالختصاص التقليدي األصيل للقضاء‬
‫باعتباره صاحب االختصاص بممارسة سلطته العامة الممنوحة له بموجب الدستور‪ ،‬إلجبار‬
‫األفراد على االمتثال لق اررات السلطة العامة والنظام العام للدولة‪.1‬‬
‫قدم الفقه تبريرات مختلفة لالعتراف بالسلطة القمعية للسلطات اإلدارية المستقلة‪،‬‬
‫فهناك من أقام تبريره على أساس وحدة الجزاءات اإلدارية‪ ،‬فيرون أن السلطة القمعية تقترب‬
‫من السلطة التأديبية التقليدية‪ ،2‬كما يرى البعض اآلخر أن فكرة الضبط االقتصادي تضطلع‬

‫وا لي نادية‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة في الجزائر‪ ،‬محاضرات موجهة لطلبة السنة الثانية ماستر تخصص دولة‬ ‫‪1‬‬

‫ومؤسسات‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة أكلي محند أولحاج بويرة‪ ،2016/2015 ،‬ص ‪.13‬‬
‫عيساوي عز الدين‪ ،‬الهيئات اإلدارية المستقلة في مواجهة الدستور‪ ،‬الملتقى الوطني حول سلطات الضبط المستقلة في‬ ‫‪2‬‬

‫المجال االقتصادي والمالي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية‪ 23 ،‬و ‪ 24‬ماي ‪.2007‬‬

‫‪19‬‬
‫بوظائف شبه قضائية على غرار اختصاص سلطة العقاب‪ ،‬االختصاص بالفصل في‬
‫النزاعات عن طريق آلية التحكيم بين المتعاملين‪ ،1‬فتخويل سلطة العقاب لهذه السلطات في‬
‫حقيقة األمر تعبير عن رفض التدخل القضائي في القطاعات االقتصادية والمالية‪ ،‬فسلطة‬
‫القضاء أثبتت محدوديتها في القطاعات الحساسة‪ ،‬والتي تتمتع بالطابع التقني‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة هي األنسب للتدخل في ضبط وإحداث التوازن بين المتعاملين‬
‫االقتصاديين‪ ،‬عن طريق إصدار التوجيهات واألوامر وحتى عقوبات في بعض األحيان لمن‬
‫يخالف القواعد القانونية والتنظيمية المعمول بها‪.2‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬شروط ممارسة السلطة القمعية‬
‫يشترط في السلطات اإلدارية المستقلة لممارستها للسلطة القمعية‪ ،‬أال تكون الجزاءات‬
‫الصادرة عنها سالبة للحرية‪ ،‬أي استبدال العقوبات الجزائية بالعقوبات اإلدارية‪ ،‬كسحب‬
‫الرخص أو االعتماد أو عقوبات مالية‪ ،3‬وخضوع هذه السلطة القمعية للضمانات التي تكفل‬
‫حماية الحقوق والحريات المكفولة دستوريا‪ ،‬أي أنه تخضع لنفس النظام اإلجرائي المعمول به‬
‫أمام القضاء عند وقوف المتعامل المعني بالنزاع أمام هذه السلطات اإلدارية المستقلة‪،‬‬
‫كاإلطالع على الملف واالستعانة بمحام‪.‬‬
‫ومن أمثلة السلطة القمعية التي تملكها السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬حق سلطة ضبط البريد‬
‫والمواصالت في توجيه إنذارات للمتعاملين في حالة عدم احترامهم للشروط المقررة‪ ،‬كما‬
‫للجنة المصرفية حق إصدار عقوبة التوقيف المؤقت لبعض المسيرين في المجال المصرفي‪،‬‬
‫ويحق للجنة اإلشراف على التأمينات فرض عقوبات على شركات التأمين وإعادة التأمين في‬
‫شكل عقوبات مالية وغير مالية‪ ،‬مثل اإلنذار والتوبيخ‪ ،‬ولمجلس المنافسة إصدار عقوبات‬
‫مالية وإدارية‪.‬‬

‫بوجملين وليد‪ ،‬قانون الضبط االقتصادي في الجزائر‪ ،‬دار بلقيس‪ ،‬الجزائر‪ ،2015 ،‬ص ‪.193‬‬ ‫‪1‬‬

‫نايل نبيل محمد‪ ،‬اختصاص القاضي اإلداري بمنازعات سلطات الضبط المستقلة دراسة نظرية‪ ،‬مذكرة ماجستير تخصص‬ ‫‪2‬‬

‫قانون عام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة ملود معمري تيزي وزو‪ ،2013 ،‬ص ‪.2‬‬
‫ولد رابح صافية‪ ،‬مجلس النقد والقرض سلطة إدارية مستقلة لضبط النشاط المصرفي‪ ،‬المجلة النقدية للقانون والعلوم‬ ‫‪3‬‬

‫السياسية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة ملود معمري تيزي وزو‪ ،‬العدد ‪ ،2013 ،2‬ص ‪.52‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫الرقابة القضائية على أعمال السلطات اإلدارية المستقلة‬
‫تتمتع السلطات اإلدارية المستقلة بصالحيات واسعة‪ ،‬قد تصل إلى المساس بالحقوق‬
‫المادية للمتعاملين بما منحها القانون من سلطة قمعية في حالة اإلخالل بالقواعد القانونية‪،‬‬
‫وسلطة اتخاذ ق اررات تنظيمية وتحكيمية‪ ،‬جعل صدور أي قرار في مجال هذه الصالحيات‬
‫يخضع ال محالة لرقابة القاضي‪.1‬‬
‫إذن رغم عدم تدرج السلطات اإلدارية المستقلة في السلم اإلداري وعدم خضوعها‬
‫للرقابة الرئاسية والوصائية‪ ،‬وتمتعها بنوع من االستقاللية عن السلطة التشريعية والقضائية‪،‬‬
‫فهذا ال ي عني أن الق اررات الصادرة عنها أنها محصنة قضائيا‪ ،‬فتبقى مجرد هيئات تمارس‬
‫اختصاصات قانونية‪ ،‬خاضعة لرقابة القضاء لحماية الحقوق والحريات األساسية وخضوعها‬
‫للرقابة ال يعني المساس باستقالليتها‪.2‬‬
‫قسم هذا الفصل إلى مبحثين‪ ،‬تناول المبحث األول الرقابة القضائية وتوزيع‬
‫االختصاص‪ ،‬بينما تكفل المبحث الثاني بالقواعد اإلجرائية‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫الرقابة القضائية وتوزيع االختصاص‬
‫تمتع السلطات اإلدارية المستقلة باالستقاللية لم يجنبها الخضوع للرقابة القضائية‪،‬‬
‫فهاته األخيرة تسمح بضمان التأطير القانوني الفعال لعمل هيئات الضبط‪ ،‬و إخضاعها‬
‫لآلليات الرقابية في ظل دولة القانون‪ ،‬فالرقابة القضائية ال تهدف للحد من استقاللية‬
‫السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬و إنما هدفها المحافظة على الحقوق والحريات وضمان حقوق‬
‫الدفاع ورقابة شرعية ق اررات هذه السلطات‪.3‬‬

‫داود منصور‪ ،‬الرقابة القضائية على منازعات شرعية ق اررات سلطات ضبط النشاط االقتصادي‪ ،‬مجلة الحقوق والعلوم‬ ‫‪1‬‬

‫السياسية‪ ،‬جامعة محمد خيضر بسكرة‪ ،‬العدد ‪ ،12‬ص ‪.564‬‬


‫والي نادية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫قسم هذا المبحث إلى مطلبين‪ ،‬يتضمن المطلب األول اختصاص مجلس الدولة فيما‬
‫يخص ق اررات وأعمال السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬وخصص المطلب الثاني الختصاص‬
‫القضاء العادي بالنسبة لنفس الموضوع‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اختصاص مجلس الدولة‬
‫طبقا للمادة ‪ 09‬من القانون العضوي رقم ‪ 13-11‬المحدد الختصاصات مجلس‬
‫الدولة وتنظيمه والتي تنص على أنه‪" :‬يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة بالفصل في‬
‫دعاوى اإللغاء والتفسير وتقدير المشروعية في الق اررات اإلدارية الصادرة عن السلطات‬
‫اإلدارية المركزية‪ ،‬والهيئات العمومية الوطنية‪ ،‬والمنظمات المهنية الوطنية‪ .‬ويختص أيضا‬
‫بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة"‪.‬‬
‫بالمقابل فقد أعطت النصوص المنشأة للسلطات اإلدارية المستقلة في معظمها الوالية الكاملة‬
‫لمجلس الدولة‪ ،‬إن إسقاط نص المادة ‪ 09‬أعاله على هذه النصوص المنشئة والمنظمة لهذه‬
‫الهيئات تصطدم بإشكال ظاهره لغوي‪ ،‬وباطنه قانوني‪ ،‬فمن الناحية الظاهرية المادة ‪09‬‬
‫أعاله لم تذكر السلطات اإلدارية المستقلة ضمن اختصاص مجلس الدولة‪ ،‬وكما هو معلوم‪،‬‬
‫ال يمكن في ظل وضوح النص‪ ،‬تأويله بإضافة هيئة لم يذكرها القانون صراحة‪ ،‬يبقى الحل‬
‫الوحيد هو محاولة إدماج أو تصنيف قانوني لهذه الهيئات الضابطة ضمن حدود نص المادة‬
‫‪ ،09‬وهذا هو أإشكال‪ ،‬فمن الناحية القانونية‪ ،‬هذه الهيئات ليست إدارة مركزية وليست هيئات‬
‫مهنية وطنية فهل هي هيئات عمومية وطنية؟‪.1‬‬
‫الواقع‪ ،‬أن بعض الكتاب كاألستاذ رشيد زوايمية يسعى إلحداث مقاربة بين مفهوم‬
‫الهيئة (المؤسسة) العمومية الوطنية وهيئات الضبط‪ ،‬في الوقت الذي صنفها األستاذ رشيد‬
‫خلوفي على أنها تنتمي قانونيا لصنف المؤسسات العمومية في قراءة مستفيضة لنص المادة‬
‫‪ 29/122‬من دستور ‪ 1996‬المحدد الختصاص البرلمان والتي تقابلها المادة من دستور‬
‫‪ ، 2020‬ليضفي شرعية وأهلية هذا األخير في إنشاء مثل هذه السلطات الضابطة‪ ،‬وبالتالي‬
‫محاولة إيجاد سند دستوري لمبادرة المشرع‪ .‬في حين أن األستاذ زوايمية يقدم مقاربته على‬
‫أنها هيئات أو مؤسسات عمومية وطنية‪ ،‬لتفادي إشكال قانوني جوهري‪ ،‬حيث يصطدم في‬
‫القانون العضوي المنظم لمجلس الدولة بالقانون العادي المنشئ لسلطات الضبط‪ ،‬حيث‬

‫سالمي عبد السالم‪ ،‬سعودي علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫يظهر فيه أن المشرع يضيف بموجب قانون عادي للقانون العضوي‪ ،‬بالتالي فهو يخرق‬
‫ويتجاهل قاعدة ومبدأ دستوري هام وهو تدرج القواعد القانونية في الدولة‪.1‬‬
‫لذلك فإن محاولة الفقه للبحث عن تغطية قانونية إللحاق هذه الهيئات بنص المادة ‪09‬‬
‫المذكورة سابقا‪ ،‬من خالل إدماجها في صنف قانوني معروف‪ ،‬لتفادي تعارض القوانين تبقى‬
‫محاولة‪ .‬غير أن المشرع نص في قانون اإلجراءات المدنية واإلدارية رقم ‪ 08-09‬من خالل‬
‫المادة ‪ 901‬على أنه‪" :‬يختص مجلس الدولة كدرجة أولى وأخيرة‪ ،‬بالفصل في دعاوى‬
‫اإللغاء والتفسير‪ ،‬وتقدير المشروعية في الق اررات اإلدارية الصادرة عن السلطات اإلدارية‬
‫المركزية‪ .‬كما يختص بالفصل في القضايا المخولة له بموجب نصوص خاصة" وهو ما‬
‫كرسه في نص المادة ‪ 09‬الفقرة الثانية من القانون العضوي رقم ‪ 11-13‬ولكن بشكل غير‬
‫كاف‪ ،‬لذلك فكان من المفروض أن تضاف السلطات اإلدارية المستقلة الختصاص مجلس‬
‫الدولة في هذين النصين‪ ،‬لتفادي عمومية وتعارض النصوص القانونية‪.2‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اختصاص القضاء العادي‬
‫لم يعترف قانون المنافسة بالوالية الكاملة لمجلس الدولة‪ ،‬حيث اخضع منازعاته‬
‫للنظام المزدوج من القضاء العادي واختصاص مجلس الدولة فيما يخص رفض منح التجميع‬
‫للمؤسسات االقتصادية‪.‬‬
‫قدمت تبريرات مختلفة حول هاته المسألة‪ ،‬حيث بررت كون القانون يهدف إلى توحيد‬
‫جميع المنازعات المتعلقة بالمنافسة تحت رقابة قضائية واحدة‪ ،‬لتفادي أي خالف حول‬
‫تفسير قواعد المنافسة‪ ،‬كما قدم الفقه الفرنسي مبرر حسن سير العدالة‪ ،‬الذي لم يعد مقصو ار‬
‫على المفهوم التقليدي‪ ،‬السرعة في إصدار األحكام‪ ،‬والتكوين الجيد للقضاة‪ ،‬بل تطور في‬
‫البحث عن الهيئات القضائية األكثر مالئمة للنظر والفصل في القضايا‪.3‬‬

‫سالمي عبد السالم‪ ،‬سعودي علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .100‬أخذ من‪ :‬شيبوتي راضية‪ ،‬الهيئات اإلدارية المستقلة في‬ ‫‪1‬‬

‫الجزائر‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون تخصص المؤسسات السياسية واإلدارية‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة اإلخوة‬
‫منتوري قسنطينة‪ ،2015/2014 ،‬ص ‪.296‬‬
‫‪ 2‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫محمد باهي أبو يونس‪ ،‬الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات اإلدارية العامة‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‪ ،‬اإلسكندرية‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،2000‬ص ‪.227‬‬

‫‪23‬‬
‫تختص الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر برقابة األعمال والق اررات الصادرة عن‬
‫مجلس المنافسة ‪-‬ماعدا الق اررات المتعلقة برفض التجميع االقتصادي‪ -‬حيث تنص المادة‬
‫‪ 63‬من األمر ‪ 03-03‬المتعلق بالمنافسة على أنه‪" :‬تكون ق اررات مجلس المنافسة قابلة‬
‫للطعن أمام مجلس قضاء الجزائر الذي يفصل في المواد التجارية‪ ،‬من قبل األطراف‬
‫المعنية‪ ،‬أو من قبل الوزير المكلف بالتجارة في أجل ال يتجاوز شه ار واحدا من تاريخ استالم‬
‫القرار"‪ .‬وعليه فإن الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر تنظر في منازعات ق اررات مجلس‬
‫المنافسة بصفة ابتدائية وليست كدرجة ثانية للتقاضي‪ ،1‬ويراقب القضاء عموما مدى شرعية‬
‫الق اررات الصادرة عن مجلس المنافسة من حيث مدى احترام مبادئ المواجهة وحقوق الدفاع‬
‫وقواعد المحاكمة العادلة وكذا احترام القواعد الشكلية المتعلقة بق ارراته‪ ،‬وخاصة فيما يتعلق‬
‫بتسبيبها بصفة تسمح بممارسة هذه الرقابة‪ ،‬وبالتالي فتلغي الق اررات إذا كانت غير مطابقة‬
‫ألحكام القانون أو تعدل منها أو تأمر بإلغاء اإلجراءات التحفظية التي أمر بها مجلس‬
‫المنافسة أو تعديلها‪.2‬‬
‫تجدر المالحة إلى أن هذا االستثناء يعود لكون هذا الحكم مستلهم من النص‬
‫الفرنسي‪ ،‬كون المشرع الفرنسي أعطى هذا االختصاص لمحكمة استثناء باريس مما يجعل‬
‫القضاء العادي وليس القضاء اإلداري هو المختص بالنظر إلى الطعون المقدمة ضد ق اررات‬
‫مجلس المنافسة‪ ،‬حيث أقر المجلس الدستوري الفرنسي خروج المشرع عن القواعد التقليدية‬
‫لتوزيع االختصاص القضائي ألن القضاء في فرنسا يختص ببعض المنازعات اإلدارية وفقا‬
‫للفكرة التقليدية بأن القاضي العادي هو حصن الحريات الفردية‪.3‬‬

‫ماديو ليلى‪ ،‬تكريس الرقابة القضائية على سلطات الضبط المستقلة في التشريع الجزائري‪ ،‬الملتقى الوطني حول سلطات‬ ‫‪1‬‬

‫الضبط المستقلة في المجال االقتصادي والمالي‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم االقتصادية‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية‪23 ،‬‬
‫و‪ 24‬ماي ‪.2007‬‬
‫لخضاري أعمر‪ ،‬إجراءات الطعن في ق اررات مجلس المنافسة‪ ،‬الملتقى الوطني حول سلطات الضبط المستقلة في المجال‬ ‫‪2‬‬

‫االقتصادي والمالي‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم االقتصادية‪ ،‬جامعة عبد الرحمن ميرة بجاية‪ 23 ،‬و ‪ 24‬ماي ‪.2007‬‬
‫ماديو ليلى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.275‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫القواعد اإلجرائية‬
‫لم تتضمن القوانين الناظمة للسلطات اإلدارية المستقلة في مجملها على إجراءات‬
‫الطعن‪ ،‬لذا يجب الرجوع إلى القواعد العامة وهي تلك التي ينص عليها قانون اإلجراءات‬
‫المدنية واإلدارية‪ ،‬بينما تضمنت معظم هذه النصوص آجال الطعن في ق ارراتها مع تباينها‬
‫في مدته‪ .‬هذا ما تتم دراسته في هذا المبحث‪ ،‬من خالل تخصيص المطلب األول إلجراءات‬
‫الطعن‪ ،‬والمطلب الثاني لميعاده‪.‬‬
‫المطلب األ ول‪ :‬إجراءات الطعن‬
‫ما يمكن مالحظته من خالل استقراء النصوص القانونية المنشاة للسلطات اإلدارية‬
‫المستقلة‪ ،‬بأنها لم تشر إلى إجراء الطعن المسبق كشرط لرفع دعوى اإللغاء أمام مجلس‬
‫الدولة‪ ،‬هذا ما أكده مجلس الدولة في ق ارره في قضية البنك الجزائري الدولي ضد محافظ‬
‫البنك المركزي بشأن طعن مقدم ضد قرار اللجنة المصرفية بتعيين متصرف إداري مؤقت‬
‫لدى البنك الجزائري حيث جاء فيه‪" :‬هذا الطعن يدخل في إطار المادة ‪ 146‬من القانون‬
‫‪ 10-90‬المتعلق بالنقد والقرض‪ ،‬وأن هذه المادة تخرج عما هو مقرر في قانون اإلجراءات‬
‫اإلدارية والمدنية فيما يخص اإلجراءات واآلجال‪ ،‬بحيث ال تنص على طعن مسبق وإنما‬
‫تشترط فقط أن يرفع هذا الطعن في أجل ‪ 60‬يوما"‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ميعاد الطعن‬
‫تختلف مواعيد الطعن من سلطة إدارية مستقلة إلى أخرى‪ ،‬وال تتوافق مع القاعدة‬
‫األصلية المنصوص عليها في قانون اإلجراءات المدنية‪.‬‬
‫ففي المجال المصرفي‪ ،‬فإن ق اررات اللجنة المصرفية المتعلقة بتعيين قائم باإلدارة مؤقتا أو‬
‫المصفي والق اررات المتضمنة عقوبات تأديبية يقدم الطعن فيها في آجال ستين يوما من تاريخ‬
‫التبليغ‪ ،‬وفي مجال البورصة وفي مجال االتصاالت‪ ،‬فإن ق اررات الغرفة التأديبية بالنسبة‬
‫للجنة مراقبة وتنظيم عمليات البورصة وق اررات مجلس سلطة ضبط البريد واالتصاالت يتم‬
‫الطعن فيها في أجل شهر من تاريخ التبليغ‪ ،‬وفي المجال المنجمي فإن ق اررات مجلس إدارة‬
‫كل من الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية والوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية‬
‫تكون قابلة للطعن في أجل ثالثين يوما من تاريخ تبليغ القرار‪ ،‬أما ق اررات لجنة ضبط‬

‫‪25‬‬
‫الكهرباء والغاز فإنه يمكن الطعن فيها من دون أن يشير القانون ‪ 01-02‬المتعلق بالكهرباء‬
‫وتوزيع الغاز عن طريق القنوات إلى آجال تقديم الطعن‪.1‬‬
‫يالحظ الطابع غير الموحد لهذه اآلجال‪ ،‬فالمشرع أحيانا يعتمد نظام الحساب باأليام‪،‬‬
‫وأحيانا باألشهر‪ ،‬وفي بعض األحيان األخرى يصمت وهذا االختالف ال يوجد له مبرر‪ ،‬لذا‬
‫كان على المشرع توحيد اإلجراءات واآلجال بالنسبة لجميع السلطات اإلدارية المستقلة‪ ،‬أو‬
‫إحالتها بكاملها إلى األصل وهو قانون اإلجراءات المدنية‪.2‬‬

‫حدري سمير‪ ،‬السلطات اإلدارية المستقلة الفاصلة في المواد االقتصادية والمالية‪ ،‬مذكرة ماجستير‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬ ‫‪1‬‬

‫التجارية‪ ،‬جامعة أمحمد بوقرة بومرداس‪ ،2006 ،‬ص ‪.159‬‬


‫نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.160‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬

You might also like