You are on page 1of 5

‫جائحة كورونا وسياسة إعادة انتشار موظفي الإدارات العمومية‬

‫مشكور محمد صادق ‪ -‬دكتور في القانون العام إطار بوزارة الداخلية‬


‫هسبريس‬

‫مما لا شك فيه أن تدبير الموارد البشرية يعد أحد الأعمدة الرئيسية في‬
‫مسلسل تحديث الوظيفة العمومية‪ ،‬وواحد من التحديات الكبرى التي‬
‫تواجه منظومة الحكامة الجيدة المرتبطة أساسا بالاستثمار في الرأسمال‬
‫البشري باعتباره رافعة للتقدم وخلق الثروات‪ ،‬وهذه الأهمية الاستراتيجية‬
‫للموارد البشرية هي التي تبرر كل الإصلاحات المتتالية التي باشرتها وزارة‬
‫الوظيفة العمومية وإصلاح الإدارة‪ ،‬من خلال التفكير في الآليات الكفيلة‬
‫بتحسين وتطوير أداء الموارد البشرية داخل دواليب الإدارة العمومية‪.‬‬
‫ولعل من بين أهم الإصلاحات التي بادر المشرع المغربي إلى القيام بها‬
‫في هذا المجال‪ ،‬تلك المتعلقة باعتماد سياسة إعادة الانتشار؛ باعتبارها‬
‫مكونا أساسيا وحلقة جوهرية لسياسة جديدة في مجال تدبير الموارد‬
‫البشرية‪ ،‬وكذلك لأنها الخلفية غير المرئية لتطوير وتدعيم منظومة‬
‫اللاتمركز الإداري‪.‬‬
‫ويعتبر المرسوم رقم ‪ 2-13-436‬الصادر في ‪ 19‬من شوال ‪ /143‬الموافق‬
‫لـ ‪ 05‬غشت ‪( 2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 27-6386‬شوال ‪13/1436‬‬
‫غشت ‪ ) 2015‬هو الأساس التشريعي المنظم لعملية نقل الموظفين‬
‫المنتمين إلى الهيئات المشتركة بين الإدارات‪ ،‬ولاسيما المادة السابعة‬
‫منه التي تشير إلى أنه يتم نقل الموظفين المنتمين إلى الهيئات‬
‫المشتركة بين الإدارات ويعاد تعيينهم بقرار مشترك لرئيس الإدارة‬
‫العمومية التي ينتمي إليها الموظف أو للسلطة المختصة فيما يتعلق‬
‫بالجماعات الترابية من جهة‪ ،‬ورئيس الإدارة العمومية المراد النقل إليها أو‬
‫السلطة المختصة فيما يتعلق بالجماعات الترابية من جهة أخرى‪ .‬ويتعين‬
‫على الإدارة العمومية أو الجماعة الترابية التي ينتمي إليها الموظف‬
‫استشارة اللجنة الإدارية متساوية الأعضاء المختصة‪ ،‬إذا تعلق الأمر‬
‫بالنقل التلقائي‪ .‬وتسعى سياسية إعادة الانتشار في أبلغ مراميها إلى‬
‫تحقيق الغايات التالية (الموقع الالكتروني لوزارة الاقتصاد والمالية‬
‫وإصلاح الإدارة)‪:‬‬
‫توسيع الآفاق المهنية للموظفين‪ ،‬وإغناء تجاربهم وتمكينهم من تحمل‬
‫المسؤولية والرفع من كفاءتهم‪.‬‬
‫إذكاء دينامية داخل الإدارة من خلال ضخ دائم لدماء جديدة‪.‬‬
‫تقوية الشعور بالانتماء إلى الإدارة بغض النظر عن الانتماء لهذا القطاع‬
‫أو ذاك‪ ،‬وبالتالي تقوية روح المرفق العمومي‪.‬‬
‫تبادل الخبرات ونقل الكفاءات من إدارة إلى أخرى‪ ،‬والرفع من المستوى‬
‫العام لكفاءة الإدارة‪.‬‬
‫عقلنة استعمال الموارد البشرية من خلال التحكم في الإعداد وتحقيق‬
‫التوازن في توزيع الموظفين‪ ،‬وبالتالي القضاء على ظاهرة التضخم‬
‫والخصاص‪.‬‬
‫وفي ضوء هذا الإطار التشريعي‪ ،‬أطلقت وزارة الاقتصاد والمالية‬
‫وإصلاح الإدارة مذكرة إدارية تحت عدد ‪ ،1223‬بتاريخ ‪ 08‬يونيو ‪،2020‬‬
‫مفادها تنظيم عملية لإعادة انتشار موظفين لفائدة إدارة الجمارك‬
‫والضرائب غير المباشرة على مستوى مصالحها اللاممركزة بجميع جهات‬
‫المملكة‪ ،‬حسب الشروط والإجراءات المحددة في النصوص التشريعية‬
‫والتنظيمية الجاري بها العمل‪.‬‬
‫ورغم أن هذه المذكرة تشير إلى أن هذه العملية تأتي انسجاما مع‬
‫الحركية التي تعرفها وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة ‪ ،‬فإننا نعتقد‬
‫أنها تندرج في إطار سلسلة التدابير المعتمدة للتخفيف من الانعكاسات‬
‫السلبية لانتشار جائحة كورونا على مستوى الخصاص الذي تعانيه‬
‫مجموعة من الإدارات العمومية‪ ،‬فكما هو معلوم أصدر رئيس الحكومة‪-‬‬
‫بمجرد فرض حالة الطوارئ الصحية‪ -‬منشورا يحمل رقم ‪ ،03/2020‬بتاريخ‬
‫‪ 25‬مارس ‪ ،2020‬بموجبه تقرر تأجيل تسوية جميع الترقيات المبرمجة في‬
‫ميزانية السنة الجارية‪ ،‬وتأجيل جميع مباريات التوظيف ماعدا تلك التي‬
‫سبق الإعلان عن نتائجها‪ .‬وهي تدابير استثنائية هدفها تخفيف العبء عن‬
‫ميزانية الدولة وتمكينها من توجيه الموارد المالية المتاحة نحو مواجهة‬
‫التحديات المطروحة‪.‬‬
‫وبالرجوع إلى هذه المذكرة‪ ،‬نجد أن عملية إعادة الانتشار التي أطلقتها‬
‫وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة تهم بالأساس فئات محددة من‬
‫الموظفين‪ ،‬منهم أساسا المساعدون التقنيون (سائقون)‪ ،‬والتقنيون‬
‫(تخصص المعلوميات‪ ،‬اللوجيستيك‪ ،‬السكرتاريا‪ ،‬الإلكترونيك‪ ،‬التدبير‪،)....‬‬
‫والمتصرفو ن (تخصص قانون عام‪ ،‬قانون خاص‪ ،‬الاقتصاد‪ ،)..‬عن طريق‬
‫توجيه طلبات تحت إشراف السلم الإداري إلى مديرية الشؤون الإدارية‬
‫والعامة‪ ،‬مرفقة ببطاقة معلومات (‪ ،)CV‬قصد البت فيها‪ ،‬سيتم دراستها‬
‫من طرف لجنة معينة لهذا الغرض ستتولى إجراء المقابلات مع‬
‫المرشحين‪.‬‬
‫وبقراءة لهذه المذكرة‪ ،‬يمكن الإدلاء بالملاحظات التالية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬إن تنظيم عملية إعادة الانتشار المضمنة في مذكرة وزارة الاقتصاد‬
‫والمالية وإصلاح الإدارة غير مرتبطة بجائحة كورونا من الناحية‬
‫الاستراتيجية‪ ،‬بل تستمد جذورها من المخطط الوطني المعتمد منذ سنة‬
‫‪ ،2015‬الرامي إلى تعزيز وترسيخ حكامة تدبير الموارد البشرية‪ ،‬وتحسين‬
‫وتطوير اللاتمركز الإداري‪ ،‬وتمكين المرتفقين من الوصول إلى حاجياتهم‬
‫المرتبطة بالإدارة العمومية وفق معايير الجودة والنجاعة والفعالية‪،‬‬
‫انسجاما مع قيم النزاهة والشفافية التي تكفلها دولة الحق والقانون‪.‬‬
‫غير أن جائح ة كورونا جعلت هذه العملية تفرض ذاتها في هذه المرحلة‬
‫الحرجة لاستيعاب الخصاص على مستوى الموارد البشرية بالنسبة‬
‫لمجموعة من الإدارات العمومية الحيوية‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لمديرية‬
‫الجمارك والضرائب غير المباشرة‪ .‬فضلا عن كون جائحة كورونا هي‬
‫مناسبة غير طبيعية لكنها مواتية لاختبار وتقييم مدى أهمية هذه العملية‬
‫بالنسبة للإدارة والموظف على حد سواء‪ ،‬ما دامت الإدارات العمومية‬
‫تعرف نوعا من التأخر فيما يخص العمل بسياسة إعادة الانتشار‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يبدو أن تبني المشرع المغربي لهذا النمط من التدبير التوقعي‬
‫للموارد البشرية سيساهم في التخفيف وبشكل جذري من التداعيات‬
‫السلبية لجائحة كورنا‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالموارد البشرية‪ ،‬من خلال تفعيل‬
‫سياسة إعادة الانتشار لكونها تشكل الإطار القانوني والتنظيمي لتجاوز‬
‫معضلة الخصاص في هذا الباب‪ .‬وعليه‪ ،‬وجدت الإدارات العمومية‬
‫أمامها مرجعا قانونيا مهما سيفتح لها آفاقا واسعة لتعويض حاجياتها من‬
‫الموارد البشرية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يمكن القول إن مبادرة وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة‬
‫ينبغي أن تشمل مختلف الإدارات العمومية التي تواجه نقصا بينا في‬
‫الموارد البشرية من الناحيتين الكمية والنوعية‪ ،‬وهنا نشير إلى أنه كان‬
‫من ال أجدى أن يتم تعميم هذه العملية على سائر الإدارات العمومية عبر‬
‫إصدار مذكرة موحدة‪ .‬ولأنه لم يكن بالإمكان غير الذي كان‪ ،‬فإن باقي‬
‫الإدارات العمومية مطالبة بالانخراط في هذه العملية بكل جدية‬
‫ومسؤولية‪ ،‬سواء تعلق الأمر بمعالجة مشكلة الخصاص‪ ،‬أو من خلال‬
‫التعامل الايج ابي مع كل الطلبات المعبر عنها من طرف الموظفين‬
‫المنتمين إلى نظامها الإداري الراغبين في الالتحاق بإدارات أخرى؛ لأن‬
‫مسألة موافقة الإدارة التي ينتمي إليها الموظف تعتبر إجبارية بصريح‬
‫المادة الثانية من المرسوم المشار إليه أعلاه‪ ،‬التي تؤكد أن الموظف‬
‫الراغب في نقل ه وإعادة تعيينه مطالب بتوجيه طلب إلى الإدارة‬
‫العمومية أو الجماعة الترابية التي ينتمي إليها‪ ،‬ويتعين على هذه الأخيرة‬
‫الموافقة على طلبه‪ .‬مما يعني أن موافقة الإدارة الأصلية تعتبر إلزامية‬
‫لاستكمال مسار عملية إعادة الانتشار‪ ،‬لذلك يتعين على كافة الإدارات‬
‫العمومية التعامل بإيجابية مع طلبات الموظفين‪.‬‬
‫ومن الأمور التي ينبغي لفت الانتباه إليها بصدد مذكرة وزير الاقتصاد‬
‫والمالية وإصلاح الإدارة‪ ،‬تغييبها لموظفي الجماعات الترابية‪ ،‬علما أن‬
‫المرسوم المنظم لعملية إعادة الانتشار يشمل موظفي الجماعات‬
‫الترابية على قدم المساواة مع باقي موظفي الإدارات العمومية‪ ،‬وهو‬
‫فراغ ينبغي استدراكه مستقبلا على الأقل فيما بين المستويات الثلاثة‬
‫للجماعات الترابية‪.‬‬
‫ختاما‪ ،‬لا بد من تأكيد أن سياسة إعادة الانتشار هي دعامة حيوية‬
‫للنهوض بمستوى تدبير الموارد البشرية‪ ،‬مع ما سيترتب عن ذلك من‬
‫تداعيات ايجابية ع لى تحسين مستوى ونوعية الأعمال الإدارية‪ ،‬وتنويع‬
‫خيارات الموارد البشرية‪ ،‬وهي تتوقف في كل أبعادها التنظيمية على‬
‫تعاون وتشارك مختلف الإدارات العمومية المعنية‪ ،‬للانطلاق معا في‬
‫تحقيق تدبير سليم ومستدام لإجراءاتها ومخرجاتها‪ .‬وهذا يفترض قيام كل‬
‫الأطراف بأدوارها‪.‬‬

You might also like