Professional Documents
Culture Documents
أثر اللغات الإفرنجية في العربية العصرية مناقشة لكتاب العرنجية محمد خليل الزروق
أثر اللغات الإفرنجية في العربية العصرية مناقشة لكتاب العرنجية محمد خليل الزروق
مناقشة لكتاب (العرْججنية) ،ألمحد الغامدي ،دار تكوين ،لندن ،ط1443 ،1ه
2021/م ،ص ،224قطع متوسط.
______________________________________________
()1
هذا كتاب فريد يف اببه ،وقد نقل مبحث إصالح عربية العصر نقلة ذات ابل ،وهو الفن الذي
كان يسمى قدميًا :حلن العامة وحلن اخلاصة ،ومسي حديثًا :األخطاء الشائعة ،والنقلة يف هذا
الكتاب هي يف تعرف أصل كبري من أصول الداء يف عربية العصر ،وهو أهنا حتذو حذو األلفاظ
واألساليب األعجمية يف اإلنكليزية والفرنسية ،بل صارت على ألسنة أكثر الكاتبني واملتكلمني
مسخا عجيبًا ال إىل هذه وال إىل هذه،
هبا حىت األدابء واملتخصصني يف علوم اللغة واألدب ً
ت له األستاذ الفاضل الرتمجان أمحد الغامدي صاحب الكتاب هذه اللفظة :العرجنية، وهو ما حنَ َ
ضل، دوي مع ِ
أي :العربية اإلفرجنية ،فهي ليست أخطاء تُ َعدُّ ،أو حلو ًًن يُنَبَّه عليها ،بل هي داء ٌّ ُ ْ
وله أصل يُ ْعَرف ،وهو أهنا ألفاظ وأساليب مرتمجة حرفًا حرفًا عن ألسنة أقوام آخرين هلم أساليبهم
وألفاظهم وحنوهم وتصريفهم وجمازاهتم ،فإذا نُقل ذلك كما هو إىل العربية كان غريبًا عنها جمافيًا
أخل بقوانينها النحوية والصرفية ،وهذا ما دأب الناس على حماولة تصحيحه،
كثريا ما َّ
لسنَّتها ،و ً
ُ
أيضا
فأفضى األمر إىل سرد طائفة من األلفاظ ُحتفظ ويُتَ َحفَّظ منها ،وهلا مقابالت حتفظ ً
لتُستبدل هبا ،ومل يتنبهوا يف الغالب على مأاتها ،وال إىل خطورة ما يشيع منها صحيح الظاهر
من قِبَل القريب من النحو ،وهو اإلعراب ،وأصول الرتب من الفاعلية واملفعولية واالبتدائية
واخلربية وحنوهن ،عليل الباطن مبجافاته َسنَن العرب يف التعبري عن املعاين.
()2
وكان من أقدم من ذكر شيئًا من ذلك الشيخ إبراهيم اليازجي (1324-1263ه = -1847
1906م) شيخ التصحيح اللغوي يف العصريني يف كتابه «لغة اجلرائد» ،قال (ص :)41
«ويقولون :انظر إن كان زيد يف داره ،وسله إذا كان األمر كذا ،فيأتون إبن وإذا يف هذا املوضع،
رغما عن هجره يل،
وهو من التعريب احلريف عن اإلفرجنية» ،وقال (ص « :)56ويقولون :أزوره ً
وال معىن للرغم هنا ،إمنا هو من التعريب احلريف ،والذي يقال يف هذا املقام :أزوره مع هجره
يل ،أو على هجره يل ،وهو املعىن املراد من التعبري اإلفرجني» ،وقال (ص « :)61ويقولون:
رأيته أكثر من مرة ،وجاءين أكثر من واحد ،ومقتضاه إثبات الكثرة للمرة وللواحد ...والظاهر
أن هذا التعبري منقول عن الرتكيب اإلفرجني ،والعرب يستعملون هنا لفظ غري ،ويقولون :رأيته
غري مرة ،وجاءين غريُ واحد» ،وقال (ص « :)94ويقولون :اعتنق دين كذا ،أي صبا إليه ودان
َ
به ،وهو من التعريب احلريف عن اللغات األوربية ،واللفظ العريب يف هذا املعىن :انتحل دين
فالًن عرف
كذا» ،وقال (ص « :)100ويقولون :هذا األمر قد عُرف من فالن ،يعنون أن ً
وجيرونه
فالًن عُرف ابألمر ،فيبنون الفعل للمجهول مث يذكرون الفاعل احملذوف ُّ
به ،يعنون أن ً
مبن ،وهو من التعريب احلريف عن اللغات األوربية» ،وقال (ص « :)104ويقولون :فعل كذا
مأمورا ،وكأن هذا من الرتاكيب املعربة عن اللغات اإلفرجنية».
بصفته ً
ومن قدماء من حبث هذا األمر ،شاكر ُشقري اللبناين (1314-1266ه = 1896-1850م)
يف كتاب مساه« :لسان غصن لبنان يف انتقاد العربية العصرية» ،وقال فيه (ص « :)7-6إن
مدار حبثنا يف هذا الباب على ثالث قضااي أولية ،ويتفرع منها غريها ،وهي :التعريب ،واخلطأ
يف قواعد اللغة العربية ،واستعمال بعض ألفاظها يف غري حمله .فأما التعريب فهو صناعة دقيقة
تقتضي جودة املعرفة يف اللغتني ،أي العربية والفرجنية ،ولكوين أعرف اللغة الفرنسوية يكون
حبثي فيما يرتجم م نها ...وال جيهل أحد أن لكل لغة اصطالحات وأساليب خاصة لتأدية
املعاين ،فال يصح اختاذ األسلوب اإلفرجني بصورة عربية ،وال العريب بصورة إفرجنية ،فالفرنسيون
جيدا مثل صباح
مثال « ،»...فهل يصح أن نرتمجها حرفيًّا ونقول :هذا معروف ً يقولون ً
اخلري؟ ...وسنأيت على عدة عبارات سقيمة الرتمجة ،ونوضح كيفية تعريبها».
()3
أيضا ،ولكن على وجه اإلابحة واالستحسان ،فيما كتبه الشيخ عبد القادر
وجتد حبثًا هلذا ً
املغريب ًنئب رئيس اجملمع العلمي العريب يف دمشق (1375-1284ه = 1956-1867م)،
أوال يف كلمة جعل عنواهنا« :الكلمات غري القاموسية» ،ألقاها يف جلسة للمجمع،
وكان ذلك ً
ونشرت يف جملة املقتطف ( )144/71يف شهر آب من سنة 1927م ،مث يف جملة اجملمع
( )29/8يف شهر كانون الثاين سنة 1928م ،والكلمة استفتاء ألعضاء اجملمع فيما ال جنده
يف املعاجم من األلفاظ والعبارات املستعملة ،وجعلها سبعة أقسام ،وقال يف القسم السادس
منها« :أساليب أو تراكيب أعجمية تسربت إىل لغتنا مرتمجة عن اللغات األوربية ،وهي مما ال
يعرف العرب األقدمون ،وهذا كقوهلم :ذر الرماد يف العيون ،عاش ستة عشر رب ًيعا ،وضع املسألة
على بساط البحث ،ال جديد حتت الشمس ،ساد األمن يف البالد ،يف نظري ذلك ،وهذا مما
أحدا ينازع يف جواز استعماله ،اللهم إال الذين أصيبوا
استفاض بيننا ،وتعاورته أقالمنا ،وال أظن ً
ابلوسواس اللغوي».
وقد أجاب عن هذا االستفتاء تسعة عشر من العلماء من األقطار العربية ،وكان رأيهم يف هذا
القسم اإلجازة ،فمنهم من أجاز بال شرط ،ومنهم من أجاز بشرط أال ختل العبارة بقوانني
العربية يف املفردات والرتاكيب ،ومنهم من زاد أن يقبلها الذوق السليم ،وبعضهم زاد أال يكون
هلا مقابل يف العربية ،وحجة من أجاز أهنا جمازات واستعارات ،وهذه ال حجر عليها ،وال مانع
من اقتباسها[ .وانظر االستفتاء وأجوبته فيما مجعه وعلق عليه العاجز بعنوان :الكلمات غري
القاموسية ،ونشرته دار اللباب يف إسطنبول سنة 1440ه = 2019م].
()4
مث عاد الشيخ عبد القادر املغريب فنشر حبثًا يف أول أعداد جملة اجملمع امللكي املصري (،)332/1
وهو عضو فيه ،ومساه« :تعريب األساليب» ،يعين استعماهلا يف العربية وقبوهلا كما عُربت
األلفاظ ،وهو بتاريخ رجب 1353ه = تشرين األول 1935م ،وقال فيه« :ليس بني أدابئنا
كبري نزاع يف أمر قبول األساليب األعجمية وعدم قبوهلا ...فالباب مفتوح لألساليب األعجمية
تدخله بسالم ،إذ ليس يف هذه األساليب كلمة أعجمية ،وال تركيب أعجمي ،وإمنا هي كلمات
خالصا ،لكنها تفيد معىن مل يسبق ألهل اللسان أن أفادوه بتلك
عربية حمضة ركبت تركيبًا عربيًّا ً
الكلمات ،فقوهلم :طلب فالن يد فالنة ،كلمات عربية مركبة تركيبًا عربيًّا ،لكنا إذا خاطبنا هبا
العريب القح مل يفهم منها املغزى األعجمي ...وقد حاول بعضهم أن مينع استعمال األسلوب
ورَّد أبن احملققني مل يشرتطوا يف تعريب
األعجمي إذا كان يف األساليب العربية ما يغين عنهُ ،
الكلمة األعجمية أن يكون يف اللغة العربية ما يغين عنها».
مث نقل عن أيب هالل العسكري يف الصناعتني (ص 69ط احلليب) أن عبد احلميد الكاتب (-
132ه ) «استخرج أمثلة الكتابة اليت رمسها ملن بعده من اللسان الفارسي» ،يعين ِصيَغها ،ويف
رأيه أن نقل أبناء العصر احلاضر أساليب اللغات اليت تعلموها كذلك ،قال« :فيجدر بنا -
نتقصى هذه األساليب األعجمية
حنن املنقطعني خلدمة اللغة العربية يف اجملامع اللغوية -أن َّ
املعربة ،ومنيِز الغث من السمني من
دون من سبقنا الكلمات األعجمية َّ
الدخيلة ،فندوهنا كما َّ
تلك األساليب».
ومثله رجع وارتد ،ولعاد استعماالت أخرى كما هو ظاهر ،ال أطيل بذكرها.
كرس حياته ،قال ابحلرف الواحد ،دفع الثمن غاليًا،ومما ذكر :يسهر على املصلحة العامةَّ ،
ركز البحث يف هذه النقاط ،بلور الفكرة ،مؤمتر املائدة املستديرة ،على نطاق واسع ،يف إطار
ضيق ،ابلعني اجملردة ،إن مل ختين الذاكرة ،الرتاب الوطين ،جرح شعوره ،أخذ بنظر االعتبار،
التيارات األدبية ،مع متنيايت ،احلياة األدبية والسياسية واالقتصادية ،ضرب الرقم القياسي،
األعمال الكاملة للكاتب ،ال يرقى إليه الشك ،يف برج عاجي ،عاش التجربة ،لنقلب الصفحة،
أمال ،يعكس احلالة االجتماعية ،اجلنس اللطيف ،تغطية النفقات ،ينظر
املعطَيات ،يعلق عليه ً
تبىن الفكرة ،أعطى الكلمة وتناول الكلمة ،سابقة خطرية ،يهضم األفكار ،هومن زاويتهَّ ،
ضحك
ٌ َم ِرن ،عاصفة من التصفيق ،نقطة انطالق ،إىل اللقاء ،تصفية القضية ،اجليل الصاعد،
على الذقون ،ألوان صارخة ،نقد ُمر.
مث أمل ابلفرق بني ما يُستعمل يف املشرق ،وهو يغلب عليه اتباع اللسان اإلنكليزي ،وما يستعمل
يف املغرب ،وهو يغلب عليه اتباع اللسان الفرنسي ،كاملشكل يف الغرب ،ويقابله املشكلة شرقًا،
ألن اللغة اليت يتبعوهنا تذكِر أو تؤنث ،ومثل ذلك :وضعية يف املغرب ،ووضع يف املشرق،
واألطر ترمجة للكوادر يف املغرب ،وكالمها فرنسي ،أحدمها بلفظه واآلخر مبعناه ،وهو يف املشرق
بلفظ الكوادر.
()6
وجاء كتاب الرتمجان أمحد الغامدي «العرجنية» املنشور سنة 1443ه = 2021م لدى دار
تكوين يف لندن -واسعا ِ
جمد ًدا يف هذا الباب ،وهو يقول :إن األمر ليس يف ألفاظ أو عبارات ً
تُقبس أو تُ َعَّرب ،كما كان يظن العلماء السابقون ،ولكنه يف تسلط اللسان اإلنكليزي واللسان
الفرنسي على اللسان العريب ،ومسخ استعماله ب ُكلِيته يف حنوه وصرفه ومتنه وأسلوبه ،فصار
على ألسنة أهله وأقالمهم َخلْ ًقا هجينًا ،ظاهره عريب ،وابطنه إفرجني ،ابتباعه ألفاظ اللغات
اعا بذراع،
شربا بشرب وذر ً
األوربية -وال سيما تينك اللغتني -وتصاري َفها وتراكيبها وأساليبها ً
وليس ذلك على ألسنة العامة ويف كتابتهم فحسب ،بل فيما يقول ويكتب األدابء واملتخصصون
يف اللغة العربية واألدب العريب والرتاث العريب والعلوم اإلسالمية ،وال يكاد يسلم من ذلك أحد.
ومن الواضح أن األمر استفحل منذ حنو ستني أو سبعني سنة ،وكانت احلاجة ماسة إىل جتديد
النظر فيما فعلته اللغات األوربية ابللغة العربية يف استعمال أهلها هلا.
يرد ذلك إىل شيوع الرتمجة عن اللغات األوربية منذ املائة الثالثة عشرة اهلجرية املوافقة للمائة
وهو ُّ
التاسعة عشرة امليالدية ،على أنه ليس َمَرُّد ذلك إىل الرتمجة وحدها ،فكل األمم ترتجم وتقتبس
العلوم ،وقد ترجم أهل اللسان العريب ٍ
مئات من السنني ،فما ضر ذلك لغتهم هذا الضرر ،وال
بلغ هبم البعد عن أصلها هذا املبلغ ،بل َمَرُّده إىل قلة الزاد من العربية الفصيحة ،وهو ما ذهب
ابألذواق وامللكات ،مث إىل الرتمجة الرديئة ،وه و ما مأل العقول وطبع األذواق ،مث إىل قلة الغرية
أقل االعتناء واإلصالح ،ومل ينج من ذلك
على حال اللغة يف استقامتها وسالمتها ،وهو ما َّ
بعض النجاة إال الذين أقبلوا على موارد الفصاحة فتضلعوا منها ،وكانت هلم محيَّة وأنَفة يف شأن
َ
اللغة فحرصوا عليها ،كما هي احلال يف أغلب األمم القوية ،وههنا جرثومة الداء ،وهو أن هذه
األمة اليت استُحفظت لغة العرب ضعفت فهانت فغُزيت فذلت فاتبعت الغازين املتغلِبني ،وضاع
استقالهلا يف كل الشئون.
ومؤلف الكتاب يظن أو هكذا ظهر من كالمه أن اللسان العريب يف عمره الذي نعرفه منذ
اجلاهلية إىل ا ليوم مل يطرأ عليه هذا التغري إال يف عهد الرتمجة الرديئة يف حنو مائتني مضتا من
السنني ،والنظر الفاحص يدلنا على أنه قد كانت لكل أحناء اللغة أطوار ،ليس يف األلفاظ
فحسب ،بل يف النحو وهو الرتكيب واألساليب ،وإال فلماذا تركوا االحتجاج بكالم املولدين؟
بكرا
أرضا ً
وملاذا ُوضعت كتب اللحن؟ والتاريخ للغة يف املفرادات والرتاكيب واألساليب ما زال ً
هامدة تطلب الغيث واحلرث ،فلسان اجلاهلية وصدر اإلسالم غري لسان خمضرمي الدولتني،
جرا ،وإن كان ما جيمعها أكثر مما يفرقها ،وبنزولنا
وهلم ًّ
وهذا غري لسان متأخري العباسينيَّ ،
يف الزمن نبتعد عن حلم اللغة احلي الذي جتري يف عروقه دماء الفصاحة األوىل ،حىت نقف على
عظام من اللغة تكتفي إبعراب األواخر ،مث َّرمت هذه العظام ومل يبق منها إال القليل.
()7
وقد نبه يف أثناء الكتاب على مسائل مهمة ،منها أن االستعمال العامي -وال سيما يف جزيرة
العرب -ما زال على كثري من األوضاع العربية الصحيحة ،فإذا أراد أحد من العامة أن يتفاصح
سقما ،والفصاحة عيًّا ،وهذا من عجيب األحوال يف
ذهب إىل العربية العصرية فعادت الصحة ً
انقالب األمور ،كأن يقولوا يف اللهجة :ثوب صوف ،وخامت ذهب ،وذلك فصيح ،فإذا أرادوا
التفاصح قالوا متبعني أسلوب الرتمجة :ثوب صويف ،وخامت ذهيب ،وكأن يقولوا يف اللهجة :اصرب
صابرا ،وهم ال يريدون ابجلملة اآلخرة معىن إال
واصدق ،فإذا تفاصحوا قالوا :كن صادقًا وكن ً
أسلواب على
ً اتباع ما يشيع يف العرجنية ،واألسلوابن صحيحان ،ولكن العربية العصرية تغلِب
اتباعا ملا تسلط عليها من سطوة الفرجنية ،وهو ما مساه املؤلف الفاضل :التغليب
أسلوب ً
واالستحياء واإلماتة .ومنها أن هذه املدخالت إىل اللغة من أساليب العجمة متيت نظائرها من
األساليب العربية ،فليس فيها زايدة وال ثروة كما قد يُزعم.
ومنها أن الذوق حيدث ابلعادة واإليالف ،فكل ما أنكره الناس قدميًا قبلوه بعد أن تعوده ،وكل
ما ينكرونه اليوم يتعودونه فيألفونه ،فقد أنكر بعضهم قدميًا :طلب يدها ،مث صار مألوفًا ،واليوم
تنكر أن تقول :عندي شيء كثري على صحين ،يف معىن عندي شواغل كثرية ،ولو راجت
ل ُقبلت ،ومثل ذلك الصعوبة والسهولة إمنا ترجعان إىل العادة.
ومما نبه عليه فأحسن أن حافظًا يف قصيدته التائية املشهورة عند قوله:
لعاب األفاعي يف مسيل فرات سرت لُوثة اإلفرنج فيهم كما سرى
إمنا يعين هبذه الرقاع ما نعنيه هبجنة اللغة أبساليب الفرجنة ،واستدل مبا ذكره يف مقدمة ترمجة
حافظ لرواية «البؤساء».
()8
وال بد من أمثلة وشيء من املناقشة لبعض ما أورده يف األبواب املذكورة ،ففي النحو ذكر أن
اإلنكليزية تسرف يف النعت وتستعمله يف التفضيل ،فيقولون :الصديق األفضل ،والكتاب
األحسن ،ويرى املؤلف أن األكثر يف العربية أن يعرب عن هذا ابإلضافة ،فيقال :أفضل صديق،
وأحسن كتاب ،وأن أسلوب الصفة واملوصوف يف التفضيل إمنا يكون عند إرادة بلوغ الغاية يف
الصفة ،حنو :األمساء احلسىن ،والعروة الوثقى ،وأقول :ليس األمر كما ظن ،بل األسلوابن كثريان
يف االستعمال ،واستعمال أحدمها ليس على معىن بلوغ الغاية يف الصفة ،ألنه متحقق يف
احلالني ،ولكنه يكون الق صد إىل املوصوف يف حني فيقدم ،ويكون القصد إىل الصفة فتقدم،
فاألول حنو( :ولتجدهنم أحرص الناس على حياة) ،فقدم الوصف ،ومثله« :خريكم من تعلم
القرآن وعلمه» ،ولو أريد االعتناء ابملوصوف ل ُقدم ،كما يف (العروة الوثقى) و(األمساء
احلسىن) ،ومثله( :الفزع األكرب) و(الدرك األسفل) و(املثل األعلى) ،و(العُدوة القصوى)
و(اآلية الكربى) ،وقال ابن مسعود يف البخاري« :لَنزلت سورة النساء ال ُقصرى بعد الطول»،
وقال عبد قيس بن خفاف (املفضليات :)385
وخيطئون يف ترك املطابقة يف اسم التفضيل احمللَّى ابلالم ،فيقولون :الصفة األحسن ،مكان
احلسىن ،والرجال األكرب ،مكان األكابر ،وقد جوزه بعض احملدثني بل اجملمع املصري على
املنهاج املذكور يف تسويغ الشائعات ،فقبلوا :الرجال األكرب ،والدولتان األعظم.
وأحسن يف تنبيهه يف ابب احلروف على أن العرب تقول :مرض حىت إنه ُم ْغ ًمى عليه ،ويف لغة
الرتمجة :مرض إىل درجة أنه مغمى عليه ،ويف العربية :أحبه على بعده ،ويف العرجنية :أحبه
ابلرغم من بعده ،ويف العربية :أحض ِر الكتاب إذا جئت ،وميسخ فيقال :أحضر الكتاب يف
رحيما جتاه أطفالك ،ويف
حال أنك جئت ،ويف العربية :ارحم أطفالك ،ويف األخرى :كن ً
العربية :أفاده مبقالته ،وقاله يف كلمته ،ويف الرتمجة :أفاده عرب مقالته ،وقاله من خالل كلمته.
ومن حماسنه التنبيه على إماتة بعض األساليب العربية املوجزة األصيلة ،كإماتة النعت السبيب،
كأن تقول :كثرية حماسنُه ،وال يعرفون إال :حماسنه كثرية ،وإماتة التنكري ،كأن تقول :رأيت
رجال ،وشربت ماءً ،وقضيت وقتًا ،وهم يقولون :رأيت أحد الرجال ،وشربت بعض املاء، ً
وقضيت بعض الوقت ،وكإماتة الداللة على الزمن ابملشتقات واألفعال ،كأن تقول :أزورك ،أو
أًن زائرك ،أو ألزورنك ،وال يعرفون إال سأزورك ،وكإماتة االستثناء ،ك أن تقول :حضروا إال
يدا ،وهم يقولون :حضروا ابستثناء زيد ،وكإماتة احلصر ،كأن تقول :إمنا الناجح اجملتهد ،وهم
زً
يقولون :الناجح اجملتهد فقط.
ويف ابب الصرف ذكر كثرة العدول عن الفعل إىل ٍ
مجلة من كان أو إحدى أخواهتا ،فبدل :قسا
قادرا على السفر
قلبه ،يقال :أصبح قلبه قاسيًا ،وبدل :لن تسافر حىت تكرب ،يقال :لن تكون ً
كبريا .والعدول عن التعدية ابهلمزة أو التضعيف إىل التعبري ابلفعل ،فمكان قولك:
حىت تصبح ً
أضحكه وأبكاه ،يكون قوهلم :جعله يضحك وجعله يبكي ،وهجران صيغ املشاركة ،فالعرب
تقول :تضارب الرجال ،والعصريون يقولون :ضرب بعضهم البعض ،وهجران صيغ املبالغة،
كثريا أو ابستمرار ،وإماتة التصغري ،حنو هجران بويب إىل ابب فيرتجم َّ
حالف ابلذي حيلف ً
صغري ،ولقيمة إىل لقمة صغرية ،مع أنه ما زال العامية.
وختم الكتاب ببيان السبيل إىل إصالح العربية لدى املرتجم والكاتب وكل من يعنيه ذلك،
ومرجع األمر إىل الطريق الذي تُتعلم به اللغات ،وهو كثرة السماع والقراءة للكالم العريب
األصيل ،مع احلرص والغرية واحملبة ،وهذا فضل هللا يؤتيه من يشاء ،ولكن من يتولون الوالايت
يف التعليم واإلعالم مسئولون ،ويف أيديهم اإلصالح واإلفساد ،واملرتمجون وال ُكتَّاب واملتحدثون
مشاركون يف هذه احلالة من الرتدي اللغوي ،واللغويون واجملمعيون صار كثري منهم يسوغون وهم
ال يتبصرون ،وهللا غالب على أمره ولكن أكثر الناس ال يعلمون.
2022/1/21م