You are on page 1of 26

‫ماذا نريد‬

‫من رمضان؟؟‬
‫جمدي اهلاليل‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف املرسلني‪ ،‬سيدان حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪0‬‬
‫وبعد‪:‬‬

‫فإن من رمحة هللا وفضله علينا أن جعل لنا يف هذه احلياة الدنيا حمطات نتزود فيها ابإلميان والتقوى‪ ،‬ومنحو ما علق‬
‫بقلوبنا من أاثر الذنوب والغفالت‪ ...‬نلتقط فيها أنفاسنا‪ ،‬ونعيد ترتيب أوراقنا‪ ،‬فنخرج منها بروح جديدة‪ ،‬ومهة عالية وقوة‬
‫نفسية تعيننا على مواجهة احلياة وما فيها من جواذب وصوارف‪ ،‬وتيسر لنا أداء املهمة اليت من أجلها خلقنا هللا عز وجل‪.‬‬
‫فإذا ما حبث الواحد منا عن تلك احملطات وجدها كثرية‪.....‬‬

‫فمنها اليومية كالصلوات اخلمس‪ ،‬ومنها األسبوعية كيوم اجلمعة‪ ،‬ومنها السنوية كشهر رمضان‪ ،‬ومنها ما قد يكون مرة‬
‫واحدة يف العمر كاحلج والعمرة‪0‬‬

‫والسعيد من رتب أوراقه وهيأ نفسه لإلستفادة من تلك الفرص قبل قدومها عليه‪ ،‬فال يدعها متر حىت يتزود منها بكل‬
‫ُويل راْلَلربَ ِ‬ ‫الز ِاد التَّ رقوى واتَّ ُق ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫ون ََي أ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫ما حيتاجه يف رحلته إىل هللا عزوجل‪ ،‬كما قال هللا تعاىل‪َ  :‬وتَ َزَّو ُدوا فَإ َّن َخ ر َ‬
‫ْي َّ‬
‫(‪()197‬البقرة) ومن أهم احملطات اليت متر على املسلمني مرة واحدة كل عام‪ :‬شهر رمضان‪ ،‬فها هي األايم متضى ويهل‬
‫علينا الشهر الكرمي خبريه وبركته ‪ ...‬ولقد جعله هللا عز وجل مومسا إلستباق اخلريات‪،‬‬
‫النافلة فيه كالفريضة والفريضة كسبعني فريضة يف غريه‪ ....‬شعاره ايابغى اخلري أقبل‪ ....‬الشياطني فيه مصفدة‪ ،‬وأبواب‬
‫النريان مغلقة‪ ،‬واألجواء مهيأة لنيل املغفرة والرمحة والعتق من النار‪ .‬تزينت فيه اجلنة واندت خطاهبا أن هلموا إىل وأسرعوا‬
‫اخلطى فالسوق مفتوح والبضاعة حاضرة‪ ،‬واملالك جواد كرمي‪.‬‬

‫فهيا بنا حنسن اإلستعداد إلستقباله حىت ال نفاجأ بقدومه‪.‬‬

‫ومما يعنينا على ذلك معرفة ماذا نريد من هذا الضيف الكرمي؟ وما الوسائل اليت سنستخدمها؟‬

‫وهذه الصفحات اليت بني أيدينا هي حماولة لإلجابة عن هذا السؤال‬

‫وهللا من وراء القصد وهو اهلادي إىل سواء السبيل‪.‬‬


‫املؤلف‬

‫‪2‬‬
‫شهر املغفرة‬

‫يقول صلى هللا عليه وسلم ((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان مث انسلخ قبل أن يغفر له‪ ))....‬فمن مل يغفر له يف‬
‫رمضان فمىت يغفر له؟ ‪...‬‬

‫أيغفر له وهو غارق يف حبر الدنيا بعيدا عن اآلخرة؟ أم يغفر له وهو يلهث وراء الدرهم والدينار وطلبات الزوجة‬
‫واألوالد؟ حنن ال نتأىل على هللا تعاىل ولكن كما أخربان سبحانه وتعاىل – أن للمغفرة أسبااب‪ ،‬ولدخول اجلنة تكاليف‪ .‬فليس‬
‫اإلميان ابلتمين ولكن ما وقر يف القلب وصدقه العمل‪.‬‬

‫ض‬‫ات َو راْل رَر ُ‬


‫الس َم َو ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫ولك – أخي القارئ – أن تتأمل يف قوله تعاىل‪َ  :‬و َسا ِرعُوا إِ َىل َم رغ ِف َرةٍ ِم رن َربِ ُك رم َو َجن ٍَّة َع رر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َّر ِاء والض َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ت لِل ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ال ُرم رحسنِ َ‬
‫ني‬ ‫اَّللُ ُُِي ُّ‬ ‫ني َع ِن الن ِ‬
‫َّاس َو َّ‬ ‫ظ َوال َرعاف َ‬ ‫ني الرغَري َ‬ ‫َّراء َوالر َكاظ ِم َ‬ ‫ني (‪ )133‬الذي َن يُرنف ُقو َن ِِف َّ َ‬ ‫رمتَّق َ‬‫أُع َّد ر ُ‬
‫اَّلل وََل ي ِ‬ ‫استَ غر َفروا لِ ُذنُوِبِِ رم َوَم رن يَغر ِفر ُّ‬ ‫(‪ )134‬والَّ ِذين إِذَا فَ علُوا فَ ِ‬
‫ص ُّروا‬ ‫وب إََِّّل َُّ َ ر ُ‬ ‫الذنُ َ‬ ‫ُ‬ ‫اَّللَ فَ ر ُ‬ ‫س ُه رم ذَ َك ُروا َّ‬
‫شة أ رَو ظَلَ ُموا أَنر ُف َ‬
‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َعلَى َما فَ َعلُوا َو ُه رم يَ رعلَ ُمو َن (‪()135‬آل عمران )‬

‫هل من مشمر للجنة‬ ‫•‬


‫يقول صلى هللا عليه وسلم ((أَّل هل من مشمر للجنة فإن اجلنة َّل خطر هلا‪ ،‬هي ورب الكعبة نور يتألْل‪ ،‬ورُيانة‬
‫هتتز‪ ،‬وقصر مشيد‪ ،‬وهنر مطرد‪ ،‬ومثرة نضيجة‪ ،‬وزوجة مجيلة‪ ،‬وحلل كثْية‪ ،‬ومقام ِف أبد ِف دار سليمة‪ ،‬وفاكهة وخضرة‬
‫و حربة ونعمة ِف حلية عالية ِبية)) قالوا‪ :‬نعم اي رسول هللا حنن املشمرون هلا‪ ،‬قال))قولوا إن شاء هللا)) فقالوا إن شاء هللا‪.‬‬

‫إن دخول اجلنة حيتاج بعد التعلق برمحة هللا إيل كثري من اجملهود نبذله يف طاعة هللا‪ ،‬ومل ال؟ وما هي إال أايم معدودات‬
‫منكثها يف هذه احلياة الدنيا مث يعقبها سنوات طوال ‪ -‬ال هناية هلا ‪ -‬يف القرب والدار اآلخرة‪.‬‬

‫ليتخيل كل منا حجم الندم واحلسرة اليت متأل قلوب الغافلني عندما يتعرضون للحساب الرهيب جزاء تقصريهم يف‬
‫عبادة خالقهم‪:‬‬
‫ال إِ رن‬
‫ين (‪ )113‬قَ َ‬ ‫ض َع َد َد ِسنِني (‪ )112‬قَالُوا لَبِثر نَا ي وما أَو ب عض ي وٍم فَ ِ ِ‬ ‫ال َك رم لَبِثر تُ رم ِِف راْل رَر ِ‬
‫اسأَل ال َرعاد َ‬‫َر ر َر َ َر ر‬ ‫َ‬ ‫‪‬قَ َ‬
‫لَبِثر تُ رم إََِّّل قَِليال لَ رو أَنَّ ُك رم ُك رن تُ رم تَ رعلَ ُمو َن (‪ )114‬أَفَ َح ِس رب تُ رم أَََّّنَا َخلَ رقنَا ُك رم َعبَ ثا َوأَنَّ ُك رم إِلَري نَا ََّل تُ رر َجعُو َن (‪( )115‬املؤمنون)‬
‫إن أغلى أماين أهل القبور أن يعودوا إىل الدنيا ولو للحظة‪ :‬يسبحون هللا فيها تسبيحة أو يسجدون له سجدة واحدة‪.‬‬

‫فهل لنا فيهم من عربة؟! أما آن لنا أن نفيق من غفالتنا ونستعد ملواجهة املصري الذي ينتظران ؟!‬

‫‪3‬‬
‫إننا ما زلنا يف الدنيا والفرصة ساحنة أمامنا للتزود ملا بعد املوت‪ ،‬وها هو شهر رمضان يدعوان لذلك‪.‬‬

‫هيا بنا نشمر عن سواعدان وهنجر فراشنا ونوقظ أهلنا ونرفع راية اجلهاد ضد أنفسنا وشهواهتا ورغباهتا‪.‬‬

‫رجٍأ يَ روَمئِ ٍذ َوَما‬ ‫ِ‬ ‫هيا بنا جنيب داعي هللا‪ :‬است ِجيبوا لِربِ ُكم ِمن قَب ِل أَ رن َيِرِت ي وم ََّل مر َّد لَه ِمن َِّ‬
‫اَّلل َما لَ ُك رم م رن َمل َ‬ ‫َ َ َر ٌ ََ ُ َ‬ ‫رَ ُ َ ر ر ر‬
‫لَ ُك رم ِم رن نَ ِك ٍْي (‪(  )47‬الشورى)‬

‫أحوال الناس مع رمضان‬

‫نعم‪ ..‬رمضان فرصة عظيمة ال أتيت إال مرة واحدة يف العام‪ ،‬ولكن هل يتعامل معها املسلمون بنفس املستوى؟‬

‫فمن الناس من يعترب جميء هذا الشهر عبئا ثقيال عليه يتمىن زواله فال يرى فيه إال احلرمان ‪ ..‬هؤالء دخل عليهم‬
‫رمضان مث خرج دون أن يرتك فيهم أثر أو حيدث هلم ذكرا‪.‬‬

‫ومنهم من أستشعر قيمته فشمر سواعد اجلد وأجتهد غاية اإلجتهاد يف اإلتيان أبكرب قدر من الطاعات فأكثر من‬
‫ختم القرآن وأداء الصلوات والقرابت دون اإلهتمام حبضور القلب فيها‪...‬‬
‫تعامل مع كل وسيلة علي أهنا هدف يف حد ذاته‪ ،‬ومل ينظر إىل اهلدف األمسى الذي يرنو الصيام إيل حتقيقه‪ .‬ومما ال‬
‫شك فيه أن هؤالء يشعرون أبثر طيب يف قلوهبم ‪ ..‬هذا األثر سرعان ما يزول بعد انتهاء رمضان أبايم قالئل‪.‬‬

‫وهناك صنف من الناس اعترب رمضان فرصة اندرة إلحياء القلب وإيقاظه من رقدته وإشعال فتيل التقوى وجذوة‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬
‫ب َعلَري ُك ُم الصيَ ُ‬
‫ين آ ََمنُوا ُكت َ‬
‫اإلميان فيه‪ .‬نظر إىل مستهدف الصيام فوجده يف قول هللا عز وجل‪ََ  :‬ي أَيُّ َها الذ َ‬
‫َّاس ا رعبُ ُدوا‬ ‫َّ‬ ‫َعلَى الَّ ِذ ِ ِ‬
‫ين م رن قَ ربل ُك رم لَ َعل ُك رم تَتَّ ُقو َن (‪( )183‬البقرة) فتقوى هللا عزوجل هي مقصود العبادات ‪ََ ‬ي أَيُّ َها الن ُ‬ ‫َ‬
‫ين م رن قَ ربل ُك رم لَ َعلَّ ُك رم تَتَّ ُقو َن (‪( )21‬البقرة) وعلى قدرها يف القلب يكون قرب العبد أو بعده‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك رم َوالذ َ‬
‫اَّللَ َع ِل ِ‬ ‫من هللا عز وجل ‪ ‬إِ َّن أَ ركرم ُكم ِع رن َد َِّ‬
‫ْي (‪( )13‬احلجرات) وعلم هذا الصنف أن شهر‬ ‫اَّلل أَتر َقا ُك رم إِ َّن َّ ٌ‬
‫يم َخب ٌ‬ ‫ََ ر‬
‫رمضان ما جاء إال ليقرب الناس من رهبم ويزيد من صالهتم به‪ ،‬ويقطع عن قلوهبم صلتها ابلدنيا فهو يزود القلوب خبري زاد ‪‬‬
‫ُويل راْلَلربَ ِ‬ ‫الز ِاد التَّ رقوى واتَّ ُق ِ‬ ‫ِ‬
‫اب (‪( )197‬البقرة) فشمر عن سواعد اجلد وأحسن استخدام‬ ‫ون ََي أ ِ‬ ‫َ َ‬ ‫َوتَ َزَّو ُدوا فَإ َّن َخ ر َ‬
‫ْي َّ‬
‫الوسائل اليت وضعها اإلسالم يف هذا الشهر املبارك ومجع بني عمل القلب وعمل اجلوارح ‪ ..‬ومما ال شك فيه أن الصنف‬
‫األخري هو الفائز األكرب من رمضان فلقد أصلح من خالله قلبه وانطلق به يف طريق السائرين إيل هللا ‪....‬‬

‫عالمات صالح القلب‪:‬‬ ‫•‬

‫‪4‬‬
‫فإن قال قائل‪ :‬وما عالمة صالح القلب اليت ينشدها رمضان؟‬
‫عندما يستيقظ اإلميان‪ ،‬وتشتعل جذوته يف القلب فإن أمارات الصالح تظهر بوضوح على اجلوارح مصداقا لقول‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أَّل إن ِف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد اجلسد كله أَّل‬
‫وهي القلب)) فرتى صاحب هذا القلب مسارعا يف اخلريات معظما لشعائر هللا مصداقا لقوله تعاىل‪َ  :‬وَم رن يُ َع ِظ رم َش َعائَِر‬
‫َّلل َوالريَ روِم‬
‫ك الَّ ِذين ي رؤِمنو َن ِِب َِّ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫وب (‪( )32‬احلج) تتحقق فيه املبادأة و الذاتية‪ََّ  :‬ل يَ رستَأ ِرذنُ َ‬ ‫اَّلل فَِإ َّهنَا ِم رن تَ رق َوى الر ُقلُ ِ‬
‫َِّ‬

‫ني (‪( )44‬التوبة) سريع اإلستجابة للتوجيه والنصح‪َ  :‬ذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫اه ُدوا ِِبَمواهلِِم وأَنر ُف ِس ِهم و َّ ِ‬ ‫راْل ِ‬
‫َخ ِر أَ رن ُُي ِ‬
‫ك‬ ‫يم ِِبل ُرمتَّق َ‬
‫اَّللُ َعل ٌ‬ ‫ر َ‬ ‫رَ ر َ‬ ‫َ‬
‫َّلل والري وِم راْل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وع ُ ِ‬
‫َخ ِر‪( ‬البقرة‪ )232:‬وتراه كذلك زاهدا يف الدنيا راغبا فيما عند هللا قال‬ ‫ظ بِه َم رن َكا َن م رن ُك رم يُ رؤم ُن ِِب َّ َ َ ر‬ ‫يُ َ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إذا دخل النور القلب أنشرح وأنفتح)) قالوا‪ :‬اي رسول هللا وما عالمة ذلك؟ قال‪(( :‬اإلانبة إىل‬
‫دار اخللود والتجاىف عن دار الغرور واإلستعداد للموت قبل نزوله))‪.‬‬

‫فإذا كانت هذه بعض عالمات حتقيق اهلدف فإنه يبق السؤال حول كيفية الوصول إليه؟‬

‫إن الوسائل معروفه لدينا‪ ،‬بل مارسنا أغلبها من قبل‪ ،‬ولكن اجلديد هو كيف نتعامل معها‪ ،‬ونستفيد منها لنصل إيل‬
‫الغاية املنشودة من رمضان‪.‬‬

‫وميكن تقسيم هذه الوسائل إىل قسمني رئيسيني‪ :‬قسم يصلح من خالله العبد ما بينه وبني هللا‪ ،‬وهو ما ميكن أن‬
‫نطلق عليه اجلانب الشعوري الوجداين‪.‬‬

‫أما القسم األخر فيختص بعالقة الفرد مبجتمعه ويسمى اجلانب السلوكي االجتماعي‪.‬‬
‫وال ميكن اإلستغناء أبحد القسمني عن األخر‪ ،‬فكالمها له دور يف إجناح مهمة املسلم على األرض‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬‬
‫ومن أَحسن ِدينا ِِمَّن أَسلَم وجهه َِِّ‬
‫َّلل َو ُه َو ُرُم ِس ٌن‪( ‬النساء‪ )125:‬فإسالم الوجه هلل – وهو أمر شعوري ووجداين البد أن‬ ‫ر ر َ َ رَُ‬ ‫ََ ر ر َ ُ‬
‫يصاحبه إحسان إىل اخللق‪ ،‬ومن اخلطأ الذي يقع فيه البعض الرتكيز على جانب دون األخر ‪ ...‬فالذي يعطى جل جهده‬
‫فيما يصلح بينه وما بني هللا اتركا كل ما يعود ابلنفع على الناس‪ :‬إميانه انقص‪ ،‬فاإلميان قول وعمل ‪ ..‬بل إن من أهم نتائج‬
‫الصالِ ُح‬
‫ب َوال َرع َم ُل َّ‬ ‫ِ َِّ‬ ‫ِ‬
‫األعمال الصاحلة أهنا تزيد إميان صاحبها وتثبت قواعده يف قلبه‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬إِلَريه يَ ر‬
‫ص َع ُد الر َكل ُم الطي ُ‬
‫يَ ررفَ عُهُ‪( ‬فاطر‪ )10:‬جاء يف بعض األثر‪ :‬إن العبد إذا قال ال إله إال هللا بنية صادقه نظرت املالئكة إيل عملة‪ ،‬فإن كان‬
‫موافقا لقوله‪ ،‬صعدا مجيعا‪ ،‬وإن كان العمل خمالفا وقف قوله حىت يتوب من عمله‪.‬‬

‫وىف املقابل فإن اإلنشغال ابلعمل واحلركة وسط الناس لقضاء حوائجهم‪ ،‬وحل مشكالهتم‪ ،‬وإسداء النفع هلم دون أن‬
‫يصاحب ذلك وجود قلب حي متصل ابهلل أمر خطري من شأنه أن حيدث أثر سلبيا يف نفس صاحبه‪ ،‬ولقد حذران رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم من هذا األمر فقال‪(( :‬مثل الذي يعلم الناس اخلْي‪ ،‬وينسى نفسه مثل الفتيلة‪ ،‬تضيء للناس وحترق‬
‫نفسها))‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫ويقول الرافعي‪ :‬إن اخلطأ أكرب اخلطأ أن تنظم احلياة من حولك وترتك الفوضى يف قلبك‪.‬‬

‫ِ‬
‫فال بد من وجود األمرين معا ليشكل كل منهما طرفا تنعقد به العروة الوثقى كما قال هللا تعاىل‪َ  :‬وَم رن يُ رسل رم َو رج َههُ‬
‫ك ِِبلرعُ ررَوةِ ال ُروثر َقى‪( ‬لقمان‪.)22:‬‬
‫سَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َىل َِّ‬
‫استَ رم َ‬
‫اَّلل َو ُه َو ُرُمس ٌن فَ َقد ر‬

‫‪6‬‬
‫القسم اْلول‬

‫مع هللا‬

‫يتيح شهر رمضان للمسلم العديد من الوسائل اليت من شأهنا أن حتي قلبه‪ ،‬وحتسن صلته بربه‪.‬‬

‫وأوىل هذه الوسائل‪ :‬الصيام‪:‬‬ ‫•‬


‫وهو وسيله عظيمة إلمتالك النفس والسيطرة عليها‪ ،‬ومل ال؟‬
‫وهى – أي النفس – العائق األكرب يف سري العباد إىل هللا‪ ،‬فمن شأهنا دوما طلب احلظوظ والفرار من احلقوق‪ ،‬ومن‬
‫أفضل طرق ترويضها الصيام‪ ،‬فبه تضعف مادة شهوهتا فإذا أردان أن نستفيد من هذه الوسيلة فعلينا أال نقضى أغلب النهار‬
‫يف النوم‪ ،‬وعلينا كذلك أن نتوسط يف تناول الطعام والشراب عند اإلفطار‪ ،‬وال نتوسع يف األصناف فيكفى صنف أو اثنان‪،‬‬
‫قال احلليمى‪ :‬وكل طعام حالل فال ينبغي ألحد أن أيكل منه ما يثقل بدنه‪ ،‬فيحوجه إىل النوم‪ ،‬ومينعه من العبادة وليأكل‬
‫بقدر ما يسكن جوعه‪ ،‬وليكن غرضه من األكل أن يشتغل ابلعبادة ويقوى عليها‪.‬‬

‫ومع الصيام عن الطعام والشراب علينا كذلك اإلقالل من الكالم والضحك قدر املستطاع ولنرفع شعار (( أمسك‬
‫عليك لسانك )) وليكن كالمنا بعيدا عن اللغو وسائر أفات اللسان‪.‬‬

‫اثنيا‪ :‬التعلق ِبملساجد‪:‬‬ ‫•‬


‫ض ‪ ‬يقول تعاىل‪:‬‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو راْل رَر ِ‬ ‫املسجد له دور كبري يف تنوير القلوب ‪ ...‬ففي ختام قوله تعاىل‪َّ  :‬‬
‫ور َّ َ َ‬ ‫اَّللُ نُ ُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫َّاس و َّ ِ‬ ‫اَّلل راْلَمثَ َ ِ‬ ‫اَّللُ لِنُوِرهِ َم رن يَ َ‬
‫‪‬يَ ره ِدي َّ‬
‫يم‪( ‬النور‪ )35 :‬وىف األيه اليت تلتها حدد‬ ‫اَّللُ ب ُك ِل َش ريء َعل ٌ‬ ‫ال للن ِ َ‬ ‫ب َُّ ر‬ ‫ض ِر ُ‬
‫شاءُ َويَ ر‬
‫َص ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَّللُ أَ رن تُ ررفَ َع َويُ رذ َك َر فِ َيها ر‬
‫وت أ َِذ َن َّ‬
‫سبحانه أعظم مكان لتلقى نوره بقوله‪ِِ :‬ف ب ي ٍ‬
‫ال‪‬‬ ‫سبِ ُح لَهُ ف َيها ِِبلرغُ ُد ِو َو راْل َ‬‫اْسُهُ يُ َ‬ ‫ُُ‬
‫(النور‪ )36 :‬ففي املسجد تربط القلوب على طاعة هللا وحتبس النفس عن معصيته‪ .‬يقول صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أَّل أدلكم‬
‫على ما ميحو هللا به اخلطاَي ويرفع به الدرجات‪ ،‬قالوا بلى َي رسول هللا‪ ،‬قال‪ :‬إسباغ الوضوء على املكارة وكثرة اخلطى‬
‫إىل املساجد وانتظار الصالة بعد الصالة‪ ،‬فذلكم الرِبط فذلكم الرِبط))‪.‬‬

‫إن قلب املؤمن كثري التقلب من حالة إىل حالة نتيجة التنازع املستمر بني داعي اإلميان وداعي اهلوى‪ ،‬وهو حباجه إىل‬
‫صابِ ُروا َوَرابِطُوا‪( ‬آل‬
‫اصِربُوا َو َ‬
‫ربطه وتثبيته على حالة اإلميان ‪ ..‬وهنا أييت دور املسجد‪ ،‬قال أبو هريرة يف قوله تعاىل‪  :‬ر‬
‫عمران‪ )200 :‬مل يكن يف زمان النيب صلى هللا عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصالة بعد الصالة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فلنبكر ابلذهاب إىل املسجد وال نرتك أماكننا بعد الصالة إال لضرورة كي ننعم بصالة املالئكة علينا‪ .‬قال صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪(( :‬املالئكة تصلى على أحدكم ما دام ِف مصاله الذي صلى فيه ما َل ُيدث‪ :‬اللهم أغفر له اللهم ارمحه))‬
‫وعلى األخت املسلمة أن ختصص مكاان يف بيتها تتخذه مسجدا فتبكر يف الذهاب إليه وانتظار الصالة وترديد األذان وطول‬
‫املكث فيه كلما سنحت ظروفها‪.‬‬

‫اثلثا‪ :‬القرآن الكرمي‪:‬‬ ‫•‬


‫رمضااان شااهر القاارآن وقااد كااان ماان هاادى رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم مدارسااة القاارآن فيااه ‪ ...‬فهااو وساايلة عظيمااة‬
‫اءتر ُك رم َم رو ِعظَةٌ ِم رن َربِ ُك رم َو ِش َفاءٌ لِ َم ا ِِف ُّ‬
‫الص ُدوِر َو ُه دى‬ ‫َّاس قَ رد َج َ‬
‫لشفاء القلوب وهدايتها وتنويرها‪ ،‬قال تعاىل ‪ََ ‬ي أَيُّ َها الن ُ‬
‫ور رمح ةٌ لِل ِ‬
‫ني‪( ‬يااونس‪ )57 :‬وعلااى قاادر صاالة املساالم ابلقاارآن تكااون صاالته ابهلل‪ .‬قااال صاالى هللا عليااه وساالم‪(( :‬أبش روا!!‬ ‫رم رؤمنِ َ‬
‫ََ َ ُ‬
‫ف إن ه ذا الق رآن طرف ه بي د هللا وطرف ه ِبي ديكم فتمس كوا ب ه ف إنكم ل ن هتلك وا ول ن تض لوا بع ده أب دا)) وهااذه الوساايلة‬
‫العظيمة لن حتقق مقصودها ولان تكاون هادي وشافاء وناورا إال إذا تعاملناا معهاا ابلشاكل الاذي يرياده هللا عاز وجال‪ ..‬لقاد نازل‬
‫ك ُمبَ َار ٌِ لِيَ َّدبَّ ُروا آ َََيتِ ِه‪(‬ص‪:‬‬
‫اب أَنر َزلرنَ اهُ إِلَري َ‬ ‫ِ‬
‫القرآن لنتدبره ونستخرج منه ما ينفعنا ال لنقرأه أبلسنتنا فقط‪ ،‬قال تعاىل‪  :‬كتَ ٌ‬
‫‪ )29‬قاال بعااض السالف‪ :‬ال جيااالس أحااد القارآن ويقااوم سااملا إمااا أن ياربح أو قسار قااال تعاااىل‪َ  :‬ونُنَ ِز ُل ِم َن الق رآن َم ا ُه َو‬
‫ني َوََّل يَ ِزي ُد الظَّالِ ِم َ ِ‬ ‫ِش َفاء ور رمحةٌ لِل ِ‬
‫سارا‪( ‬اإلسراء‪.)82 :‬‬ ‫ني إ ََّّل َخ َ‬ ‫رم رؤمنِ َ‬
‫ٌ ََ َ ُ‬

‫لقد قرأان القرآن أبلسنتنا قبل ذلك مرات ومرات‪ ،‬وكان هم الواحد منا اإلنتهاء مان ختمتاه‪ ،‬بال وكاان بعضانا يتناافس يف‬
‫عدد املرات اليت قتماه فيهاا وخباصاة يف رمضاان‪ ،‬فاأي اساتفادة حقيقياة اساتفدانها مان ذلاك؟! مااذا غاري فيناا القارآن إن القاراءة‬
‫ابللسان فقط – دون حضور القلب – كالنخالة كبرية احلجم قليلة الفائدة‪ ،‬وهذا ما كان يؤكده الصاحلون على مر العصور‬
‫قااال علااى رضااي هللا عنااه‪ :‬ال خااري يف ق اراءة لاايس فيهااا تاادبر‪ ،‬وقااال احلساان‪ ،‬كي اف ياارق قلبااك وإمنااا مهااك أخاار السااورة؟‬
‫ويؤكد هاذا املعاىن ابان القايم فيقاول رمحاه هللا‪ :‬ال شايء أنفاع للقلاب مان قاراءة القارآن ابلتادبر والتفكار‪ ،‬فإناه جاامع جلمياع مناازل‬
‫السااائرين‪ ،‬وأحاوال العاااملني‪ ،‬ومقامااات العااارفني ‪ ..‬فلااو علاام الناااس مااا يف قاراءة القاارآن ابلتاادبر الشااتغلوا هبااا عاان كاال مااا س اواه‪،‬‬
‫فقراءة آية بتفكر خري من ختمة بغري تدبر وتفهم‪.‬‬

‫فليكن رمضان هو البداية احلقيقية للتعامل الصحيح مع القرآن‪.‬‬

‫كيف ننتفع ِبلقرآن؟‬ ‫•‬


‫القاارآن هااو أهاام وساايله لرتقيااق القلااوب ‪ ..‬قااال وهيااب باان الااورد‪ :‬نظاران يف هااذه األحاديااث واملاواعظ فلاام جنااد شاايئا أرق‬
‫للقلوب وال أشد استجالاب للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وتااالوة القاارآن ح اق تالوتااه كم ااا يق ااول أب ااو حامااد الغ ازايل ه ااو أن يشاارتك فيااه اللس ااان والعقاال والقل ااب‪ ،‬فح اظ اللس ااان‬
‫تصااحيح احلااروف ابلرتتياال‪ ،‬وحااظ العقاال تفسااري املعاااين‪ ،‬وحااظ القلااب اإلتعاااظ والتااأثر ابإلنزعاااج و اإلئتمااار ‪ ...‬فاللسااان يرتاال‬
‫والعقل يرتجم والقلب يتعظ‪.‬‬
‫وهذه بعض الوسائل العملية اليت من شأهنا أن تيسر لنا – بعون هللا – اإلنتفاع ابلقرآن‪:‬‬

‫‪ -1‬قب ل ب دء الق راءة‪ :‬دعاااء هللا واإلحلاااح عليااه أبن يفااتح قلوبنااا ألناوار كتابااه‪ ،‬وأن يكرمنااا ويعيننااا علااى التاادبر والتااأثر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اَّلل ُْرلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪‬‬
‫ني لَ هُ ال د َ‬‫ص َ‬ ‫فهااذا الاادعاء لااه دور كبااري يف هتيئااه القلااب إلسااتقبال القاارآن ‪َ ‬وَم ا يَتَ َذ َّك ُر إ ََّّل َم رن يُني ُ‬
‫ب * فَ ا ردعُوا ََّ‬
‫(غافر‪.)13،14 :‬‬

‫‪ -2‬اإلكث ار م ن ت الوة الق رآن ‪ ،‬وإطالااة فاارتة املكااث معااه ويفضاال أن يكااون اللقاااء ابلقاارآن يف مكااان هااادئ – قاادر‬
‫املستطاع – وبعيدا عن الضوضاء ليساعد املرء على الرتكيز وعدم شرود الذهن‪ ،‬وال ننسى الوضوء والسواك قبل القراءة‪.‬‬

‫‪ -3‬الق راءة م ن املص حف و بص وت مس مو وب تي ل‪ :‬فالرتتياال لااه وظيفااة كباارية يف الط اارق علااى املش اااعر وماان مث‬
‫إستثارهتا وجتاوهبا مع الفهم الذي سيولده التدبر‪ ،‬لينشأ بذلك اإلميان حينما يتعانق الفهم مع التأثري‪.‬‬

‫‪ -4‬القراءة اهلادئة احلزينة‪ :‬عليناا وحنان نرتال القارآن أن نعطاي احلاروف والغناات واملادود حقهاا حاىت يتيسار لناا معايشاة‬
‫اآلايت وتدبرها والتأثر هبا‪ ،‬وعلينا كذلك أن نقرأ القرآن بصوت حزين إلستجالب التأثر‪.‬‬

‫‪ -5‬الفه م اإلمج ايل ل َيت‪ :‬ماان خااالل إعمااال العقاال يف تفهاام اخلطاااب‪ ،‬وهااذا يسااتلزم منااا الرتكيااز التااام مااع الق اراءة‪،‬‬
‫ولاايس معااىن إعمااال العقاال يف تفهاام اخلطاااب أن نقااف عنااد كاال كلمااة ونتكلااف يف معرفااة معناهااا ومااا ورائهااا‪ ،‬باال يكفااى املعااىن‬
‫اإلمجااايل الااذي ت ادل عليااه اآليااة أو اآلايت حااىت يتسااىن لنااا اإلسرتسااال يف الق اراءة‪ ،‬وماان مث التصاااعد التاادرجيي حلركااة املشاااعر‬
‫فتصل إىل التأثر واإلنفعال يف أسرع وقت‪.‬‬

‫‪ -6‬اإلجتهاد ِف التعامل م ع الق رآن‪ :‬كأناه أنازل علياك‪ ،‬وكأناك املخاطاب باه‪ ،‬واإلجتهااد كاذلك يف التفاعال ماع هاذا‬
‫اخلطاب من خالل الرد على األسئلة اليت تتضمنتها اآلايت‪ ،‬والتأمني عند مواضع الدعاء‪ ......،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪ -7‬تكرار وترديد اْلية أو اْلَيت اليت حدث معها جتاوب وأتثر قليب‪:‬‬
‫حىت يتسىن للقلب اإلستزادة من النور الذي يدخل‪ ،‬واإلميان الذي ينشأ يف هذه اللحظات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪َّ -8‬ل ِبس من وجود تفسْي ْتصر جبواران‪ :‬جلالء شبهة أو معرفة معىن شق علينا فهمه‪ ،‬وإن كان من األفضل‬
‫الرجوع إليه بعد إنتهاء القراءة حىت ال خنرج من جو القرآن واإلنفعاالت الوجدانية اليت نعيش يف رحاهبا‪ ،‬إال إذا أحلت علينا‬
‫كلمة نريد معرفة معناها يف التو واللحظة‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬قيام الليل‪:‬‬ ‫•‬


‫قيام الليل من الوسائل املهمة يف إحياء القلب‪ ،‬يقول صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصاحلني قبلكم‪ ،‬وقرب ة إىل هللا تع اىل‪ ،‬ومنه اة ع ن اإلمث وتكف ْي للس يئات ومط ردة‬
‫لل داء ع ن اجلس د)) إن التعاارض لنفحااات اللياال واقتسااام الغنيمااة مااع اجملتهاادين ملاان أعظاام وسااائل غاارس اإلميااان يف القلااب ‪...‬‬
‫ولقااد افاارتض هللا قيااام اللياال علااى رسااول هللا صاالى هللا عليااه وساالم والص احابة الك ارام قباال أن تناازل الف ارائض‪ ،‬وقباال أن تشاارع‬
‫احلاادود‪ ،‬باال قباال أن تفاارض الصالوات اخلمااس‪ ،‬ألن اإلنسااان إذا خااال بربااه واتصاال قلبااه بااه يف جاانح اللياال طهاار القلااب ونزلاات‬
‫عليه الفوائد‪.‬‬

‫إن هذه الوسيلة العظيمة اليت جتمع بني تدبر القرآن وما فيه مان كناوز وباني الركاوع والساجود‪ ،‬وماا فيهاا مان معااين الاذل‬
‫واخلضوع واإلنكسار للموىل سبحانه وتعاىل ملن أهم وسائل التقرب إىل هللا عز وجل‪ .‬فال ينبغاي أن تفوتناا ليلاة دون قياام مهماا‬
‫كاناات الظااروف‪ ،‬واألفضاال بانااب أدائنااا لصااالة ال ارتاويح أن نسااتيقظ قباال طلااوع الفجاار بوقاات كاااف للتهجااد واإلسااتغفار‪،‬‬
‫لتذوق طعم احلياة احلقيقية ابستنشاق نسيم األسحار وحنن نناجى الرمحن‪.‬‬

‫قااال بعااض الصاااحلني‪ :‬لاايس يف الاادنيا وقاات يشاابه نعاايم أهاال اجلنااة إال مااا جيااده أهاال التملااق يف قلااوهبم ابللياال ماان حااالوة‬
‫املناجاة‪ .‬وقال إقبال‪ :‬كان ماع مان شائت يف العلام واحلكماة‪ ،‬ولكناك ال ترجاع بطائال حاىت تكاون لاك أناة يف الساحر ‪ ..‬إناه –‬
‫رمحة هللا – يريد أن يقول‪:‬‬

‫كان داعيااا انجحااا ‪ ..‬كاان خطيباا مفوهااا ‪ ..‬كاان حماضارا فااذا‪ ،‬كان كمااا تريااد ولكنااك لان تفيااد نفسااك إال إذا كاناات لااك‬
‫وقفة مع هللا يف السحر ختلع فيها ثياب الشهرة والعزة‪ ،‬وتنزع فيها األلقاب الزائفة وتعيش حال العبد اخلائف من غضاب ماواله‬
‫الطامع يف رمحته‪.‬‬

‫فجهز مطالبك‪ ،‬وحدد أهدافك وكن خفيف النوم تنتظر دقات الساعة للخلوة ابحلبيب ‪....‬‬

‫من فقه قيام الليل ‪:‬‬


‫عندما مين هللا علينا ابإلستيقاظ قبل الفجر بوقت كاف‪ ،‬علينا أال نطيل القيام والقراءة فقط بال نطيال الركاوع والساجود‬
‫أيضا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ‪ ..‬ففاي الساجود ياتم إخاراج معااين الاذل واإلنكساار وإظهاار الفقار واملساكنة‬
‫ملن بيده ملكوت السماوات واألرض‪.‬‬

‫وهنا لفتة طيبة ذكرها د‪ .‬عبد الستار فتح هللا‪ ،‬وهي أن هللا عز وجل فرض علي رسوله قيام الليال بنازول ساورة املزمال ‪..‬‬
‫وسورة املزمل من أوائل ما نزل مان القارآن ‪ ..‬فكياف حيام ماا يقارب مان نصاف الليال آبايت قليلاة هاي كال ماا نازل مان القارآن‬
‫يف هذه الفرتة؟‬

‫إذا فاملقصد طول السجود مع القيام والركوع‪.‬‬

‫فمناجاااة هللا يف السااجود ملاان أعظاام ص اور الف ارار إليااه ساابحانه واسرتضااائه‪ ،‬وطل ااب العفااو والصاافح منااه وإظهااار الااذل‬
‫واخلضوع له ‪ ..‬وفيه يقدم العبد طلباته ويرفع حاجاته‪.‬‬

‫اسجد واق ب ‪:‬‬


‫اس ُج رد‬
‫إذا أردان أن حتق ااق الس ااجدة ه اادفها‪ ،‬فنق اارتب م اان خالهل ااا إيل هللا ش اايئا فش اايئا كم ااا ق ااال س اابحانه وتع اااىل‪َ  :‬و ر‬
‫ب‪( ‬العلق ‪ )19 :‬علينا أن جنعلها سجدة حارة تنسكب فيها الدموع لتكون مداد رسائلنا إىل موالان‪.‬‬ ‫َواقر َِ ر‬

‫قال عبد هللا بن املبارك‪:‬‬


‫فيسفر عنهم وهم ركا ا ا اوع‬ ‫إذا ما الليل أظلم كابدوه‬
‫وأهل األمن يف الدنيا هجوع‬ ‫أطار اخلوف نومهم فقاموا‬
‫أنني منه تنفرج الض ا ا الوع‬ ‫هلم حتت الظالم وهم سجو‬

‫ماذا نفعل لو حرمنا القيام ؟!‬


‫قد أنخذ بميع األسباب املعينة على اإلستيقاظ للتهجد مث نفاجأ أبذان الفجر‪ .‬فماذا نفعل؟! إهنا رسالة من هللا عز‬
‫وجل حتمل لنا معاين كثرية‪ :‬منها أن هذا احلرمان قد يكون بسبب ذنب أذنبناه أو تقصري يف حق من احلقوق ‪ ..‬ومنها أن‬
‫الرغبة يف القيام مل تكن أكيدة ‪ ..‬ومنها أهنا قد تكون ابتالء من هللا لينظر ماذا سنفعل‪..‬‬

‫فإذا حدث ذلك فعلينا ابلفرار إىل هللا يف الصالة والدعاء نسرتضيه ونستغفره ونتملقه عساه يعفو عنا‪ ..‬وعلينا أيضا‬
‫بصدقة السر فإهنا تطفىء غضب الرب‪.‬‬

‫ومن توصيات الرسول صلى هللا عليه وسلم أن من فاتته صالته ابلليل فليصلها ما بني صالة الفجر والظهر كما روى‬
‫اإلمام مسلم يف صحيحه‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫وىف بعض األحوال قد نستيقظ قبل الفجر وعندما نبدأ يف الصالة نفاجأ هبروب قلوبنا منا يف أودية الدنيا وكلما‬
‫حاولنا مجعها مع هللا فرت منا فماذا نفعل؟! يقول ابن اجلو زى‪ :‬إذا جلست يف ظالم الليل بني يدي سيدك‪ ،‬فاستعمل‬
‫أخالق األطفال‪ ،‬فإن الطفل إذا طلب من أبيه شيئا فلم يعطه بكى عليه‪.‬‬

‫فعلينا يف هذه احلالة ابإلحلاح واإلحلاح على هللا عز وجل واإلستغفار مرات ومرات حىت يفتح لنا الباب أمل يقل‬
‫ض َّرعُوا‪( ‬األنعام‪ )43 :‬فعدم القيام أو حرمان حالوة املناجاة وإقبال القلب على هللا‬‫رسنَا تَ َ‬
‫اء ُه رم َِب ُ‬ ‫ِ‬
‫سبحانه‪ :‬فَلَ روََّل إ رذ َج َ‬
‫عقوبة منه سبحانه تستوجب تضرعا وإحلاحا واستغفارا لعله يراان على هذا احلال فيعفو عنا‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬اإلستفادة من اْلوقات الفاضلة‬ ‫•‬


‫يقول ابن رجب‪ :‬جعل هللا سبحانه وتعاىل لبعض الشهور فضال على بعض‪ ،‬كما جعل بعض األايم والليايل أفضل من‬
‫بعض‪ ،‬وجعل ليلة القدر خريا من ألف شهر‪ ..‬وما من هذه املواسم الفاضلة موسم إال وهلل تعاىل وظيفة من وظائف طاعاته‬
‫يتقرب هبا إليه‪ ،‬وهلل فيها لطيفه من نفحاته يصيب هبا من يشاء بفضله ورمحته‪ ،‬فالسعيد من أغتنم مواسم الشهور والساعات‬
‫وتقرب فيها إىل مواله مبا فيها من وظائف الطاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات يسعد هبا سعادة أيمن بعدها‬
‫من النار وما فيها من لفحات ويقول صلى هللا عليه وسلم ((إن لربكم ِف أَيم دهركم نفحات فتعرضوا هلا لعل أحدكم أن‬
‫يصيبه منها نفحة َّل يشقى بعدها أبدا))‪.‬‬

‫هذه النفحات بال شك ستصيب من يتعرض هلا أما الغافل عنها فأحسن هللا عزاءه‪.‬‬

‫• فعلى مستوى اليوم هناك ثالثة أوقات يسميها العلماء أبوقات السري إىل هللا ابلطاعات وهي آخر الليل وأول النهار‬
‫وأخره قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إَّل غلبه فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا‬
‫ِبلغدوة والروحة وشيء من الدجلة)) وقد وردت من النصوص الكثرية يف أذكار الصباح واملساء وىف فضل من ذكر هللا حني‬
‫يصبح وحني ميسى‪ ،‬وكان السلف ألخر النهار أشد تعظيما من أوله‪.‬‬

‫يقول اإلمام حسن البنا‪ :‬أيها األخ العزيز أمامك كل يوم حلظة ابلغداة وحلظة ابلعشى وحلظة ابلسحر تستطيع أن‬
‫تسمو فيها كلها بروحك الطهور إىل املأل األعلى‪ ،‬فتظفر خبري الدنيا واألخرة‪ ..‬وأمامك مواسم الطاعات وأايم العبادات وليايل‬
‫القروابت اليت وجهك إليها كتابك الكرمي ورسولك العظيم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فأحرص أن تكون فيها من الذاكرين ال من‬
‫الغافلني‪ ،‬ومن العاملني ال من اخلاملني‪ ..‬واغتنم الوقت فالوقت كالسيف‪ ،‬ودع التسويف فال أضر منه‪.‬‬

‫• أما ابلنسبة لألسبوع فليوم اجلمعة شرف عظيم وفيه ساعة جياب فيها الدعاء فلنحرص على التعرض هلا‪ ،‬يقول‬
‫النووي‪ :‬ويستحب اإلكثار من الدعاء يف مجيع يوم اجلمعة من طلوع الفجر إىل غروب الشمس رجاء مصادفة ساعة اإلجابة‬
‫‪12‬‬
‫فعلينا ابإلجتهاد يف هذا اليوم املبارك ولنضع له برانمج خاصا‪ ،‬ولنبكر فيه الذهاب إىل املسجد ألداء صالة اجلمعة على‬
‫أحسن هيئة‪.‬‬

‫• وإن كان شهر رمضان له أفضلية خاصة عن بقية الشهور فإن ليلة القدر هلا شرف عظيم‪ ،‬يقول صلى هللا عليه‬
‫وسلم ((من قام ليلة القدر إمياان واحتساِب غُفر له ما تقدم من ذنبه)) والتماس ليلة القدر إمنا يكون يف العشر األواخر من‬
‫رمضان‪ ،‬لذلك يستحب اإلجتهاد فيها فلقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا دخل العشر األواخر شد مئزره وأحيا‬
‫ليله وأيقظ أهله‪.‬‬

‫• ومن هذه املواسم أيضا‪ :‬موسم العمرة فهي يف رمضان تعدل حجه فلنحرص علي القيام هبا‪ ..‬وليعمل كل منا على‬
‫أن ينظم أموره ابلطريقة اليت تعينه على اإلستفادة من هذه األوقات الفاضلة‪ ،‬فإن فاته وقت منها مل يرتك اإلجتهاد يف البقية‬
‫األخرى‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬اإلعتكاف‬ ‫•‬


‫اإلعتكاف هو لزوم املسجد لطاعة هللا‪ ،‬وهو مستحب يف كل وقت يف رمضان وغريه وأفضله يف العشر األواخر من‬
‫رمضان ليتعرض العبد فيها لليله القدر واليت هي خري من ألف شهر‪ .‬ولقد ذهب اإلمام أمحد أن املعتكف ال يستحب له‬
‫خمالطة الناس حىت وال لتعليم علم وإقراء قرآن‪ ،‬بل األفضل له اإلنفراد بنفسه والتخلي مبناجاة ربه وذكره ودعائه‪ .‬وهذا‬
‫اإلعتكاف هو اخللوة الشرعية اليت ال يرتك معها اجلمع واجلماعات‪ ،‬فعلينا أن نغتنم أي وقت – مهما قصر – يف هنار‬
‫رمضان أو ليله ننوى فيه اإلعتكاف وخنتلي فيه ابهلل عز وجل‪..‬‬

‫ولنحرص على اإلعتكاف يف العشر األواخر فإن مل نستطع فليكن ذلك يف لياليها وخباصة الوتر منها‪ ،‬ولنحظر من‬
‫اخللطة والكالم وكل ما يقطع علينا خلوتنا ابهلل عز وجل‪ ،‬يقول ابن رجب‪(( :‬فحقيقة اإلعتكاف قطع العالئق عن اخلالئق‬
‫لإلتصال خبدمة اخلالق))‪.‬‬

‫ولألخت املسلمة أن تعتكف يف مسجد بيتها استنادا على رأى األحناف يف جواز ذلك ولتقتطع من يومها وقتا تالزم‬
‫فيه مسجدها وتقبل فيه على هللا عز وجل‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬الدعاء ‪:‬‬ ‫•‬


‫الدعاء هو العبادة‪ ،‬وال يرد القدر سواه‪ ،‬ففيه يتمثل فقر العبد وذله وانكساره إىل من بيده ملكوت كل شيء‪ ..‬وهناك‬
‫أوقات خمصوصة يفضل فيها الدعاء منها‪ :‬بني األذان واإلقامة‪ ،‬ودبر الصلوات‪ ،‬ويف الثلث األخري من الليل‪ ،‬ويوم اجلمعة منذ‬
‫أن يصعد اإلمام املنرب حىت تنتهي الصالة وكذلك يف الساعة األخرية من هذا اليوم‪ ،‬ويف ليله القدر‪ ..‬وعند نزول املطر ‪..‬‬
‫وللصائم دعوة مستجابة‪ ،‬وكذلك املسافر ‪ ..‬ويف كل ليلة من رمضان عتقاء من النار وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو‬
‫‪13‬‬
‫ساجد‪ ،‬فعلينا اغتنام تلك األوقات نتذلل فيها هلل ونتربأ من حولنا وقوتنا‪ ..‬نستعطفه ونتملقه ونسرتضيه ونسأله من خريي‬
‫الدنيا واآلخرة ولنحذر من الدعاء ابللسان دون حضور القلب‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم ((واعلموا أن هللا ال يستجيب‬
‫الدعاء من قلب غافل اله))‪.‬‬

‫ولنكثر من الدعاء إلخواننا املسلمني املضطهدين يف كل مكان ولنخص املرابطني يف فلسطني حبظ وافر من الدعاء‪..‬‬
‫ولندع كذلك علي الطغاة الظاملني الذين حيادون هللا ورسوله يف كل مكان عساه – سبحانه – أن يفرج الكرب ويكشف‬
‫ِ‬
‫ني‪( ‬الروم‪.)47 :‬‬ ‫ص ُر ال ُرم رؤمنِ َ‬
‫الغمة وينزل نصره الذي وعد‪ ،‬قال تعاىل‪َ  :‬وَكا َن َح ًّقا َعلَري نَا نَ ر‬

‫اثمنا‪ :‬الصدقة‬ ‫•‬


‫إن املتأمل لكتاب هللا عز وجل جيد الكثري من اآلايت اليت حتث املسلم على اإلنفاق يف سبيل هللا‪ ،‬ولقد كان رسول‬
‫ص َدقَة تُطَ ِه ُرُه رم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون يف رمضان يقول تعاىل‪ُ  :‬خ رذ م رن أ رَم َواهل رم َ‬
‫َوتُ َزكِي ِه رم ِِبَا‪( ‬التوبة‪ )103 :‬فاملستفيد األول من الصدقة هو صاحبها ألهنا ختلصه من الشح وتطهره من الذنوب‪.‬‬

‫فبداية انطالق النفس حنو السماء وختلصها من جواذب األرض هو تطهرها من الشح اجملبولة عليه بدوام اإلنفاق يف‬
‫سبيل هللا حىت يصري سجية من سجاايها فتزهد يف املال وقرج حبه من القلب‪.‬‬

‫وللصدقة فضل عظيم يف الدنيا واآلخرة فهي تداوى املرضى وتدفع البالء وتيسر األمور وجتلب الرزق وتقي مصارع‬
‫السوء وتطفيء غضب الرب وتزيل أثر الذنوب‪ ،‬وهى ظل لصاحبها يوم القيامة وحتجبه عن النار وتدفع عنه العذاب‪..‬‬
‫ك َخ ر َِّ ِ‬‫السبِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬
‫ْي للذ َ‬ ‫يل َذل َ ٌ‬ ‫وللصدقة عالقة وثيقة ابلسري إيل هللا‪ ،‬يقول تعاىل‪  :‬فَآَت َذا الر ُق ررََب َح َّقهُ َوال ِرم رسك َ‬
‫ني َوابر َن َّ‬
‫اَّلل‪( ‬الروم‪ )38 :‬وال عذر ألحد يف تركها‪ ،‬فاهلل عز وجل مل حيدد لنا قدر معينا نتصدق به‪ ،‬فالباب مفتوح‬ ‫ي ِري ُدو َن وجه َِّ‬
‫َ رَ‬ ‫ُ‬
‫أمام اجلميع كل حسب استطاعته‪.‬‬

‫ين يُ رن ِف ُقو َن أ رَم َوا َهلُ رم ِِبللَّري ِل‬ ‫َّ ِ‬


‫ولكي تؤتى الصدقة مثارها املرجوة البد من تتابعها بصورة يومية كما قال هللا تعاىل‪  :‬الذ َ‬
‫ف َعلَري ِه رم َوََّل ُه رم َرُي َزنُو َن‪( ‬البقرة‪ )274 :‬فلنخرج الصدقة كل يوم‬ ‫َج ُرُه رم ِع رن َد َرِبِِ رم َوََّل َخ رو ٌ‬ ‫والن ِ‬
‫َّها ِر س ًّرا َو َع َالنِيَة فَ لَ ُه رم أ ر‬
‫َ َ‬
‫ولو ما يعادل شق مترة‪ ،‬ولنخصص صندوقا يف البيت لذلك ليسهل علينا املداومة عليها مث نعطيها كل فرتة ملن يستحقها‪.‬‬

‫اتسعا‪ :‬الفكر والذكر‬ ‫•‬


‫ذكر هللا عز وجل هو قوت القلوب ومادة حياهتا‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬مثل الذي يذكر ربه والذي َّل يذكر‬
‫ربه مثل احلي وامليت)) ويقول ابن تيميه‪ :‬الذكر للقلب مثل املاء للسمك‪ ،‬فكيف يكون حال السمك إذا فارق املاء ودور‬
‫اجلنة تبىن ابلذكر‪ ،‬فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت املالئكة عن البناء‪ .‬فإذا أخذ يف الذكر أخذو يف البناء‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ولكي يستفيد املسلم من الذكر ويواطىء لسانه قلبه فيحدث فيه األثر املطلوب البد من ربطه بعبادة التفكر‪ ،‬كما قال‬
‫اَّللَ ِقيَاما‬ ‫ُويل راْلَلرب ِ َّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬
‫ين يَ رذ ُك ُرو َن َّ‬
‫اب * الذ َ‬ ‫َّها ِر َْل َََيت ْل ِ َ‬ ‫ض َوا رختِ َالف اللَّري ِل َوالن َ‬
‫ات َو راْل رَر ِ‬ ‫تعاىل‪ :‬إِ َّن ِِف َخل ِرق َّ َ َ‬
‫ت ه َذا ِب ِطال سبحانَ َ ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِِ‬
‫اب النَّا ِر‪‬‬
‫ك فَقنَا َع َذ َ‬ ‫ُر َ‬ ‫ض َربَّنَا َما َخلَ رق َ َ َ‬‫ات َو راْل رَر ِ‬ ‫َوقُعُودا َو َعلَى ُجنُوِب رم َويَتَ َف َّك ُرو َن ِِف َخل ِرق َّ َ َ‬
‫(آل عمران‪ )190،191 :‬يقول حسن البصري‪ :‬إن أهل العقل مل يزالوا يعودون ابلذكر علي الفكر وابلفكر على الذكر حىت‬
‫استنطقوا القلوب فنطقت ابحلكمة‪.‬‬

‫فالبداية تكون ابلتفكر يف جمال من اجملاالت مث يتبع ذلك ابلذكر املناسب له فعلى سبيل املثال‪ ..‬إذا تفكر املرء يف‬
‫ذنوبه وتقصريه يف جنب هللا‪ ،‬عليه أن يتبعه ابإلستغفار‪.‬‬

‫وإذا ما تفكر يف بديع صنع هللا وآايته يف النفس والكون اتبع ذلك ابلتسبيح واحلمد‪ ،‬وعندما يتفكر العبد يف حاجاته‬
‫املاسة إيل هللا وفقره الذايت إليه ردد بعده ذكر‪ :‬ال حول وال قوة إال ابهلل‪ ،‬وهكذا يف بقية األذكار‪.‬‬

‫فعلينا أن نضع ألنفسنا أورادا من الذكر نلتزم هبا ونعمل على مواطأة القلب اللسان فيها‪ ،‬ولنعلم أن الثواب التام على‬
‫قدر العمل التام‪ ،‬فاألعمال ال تتفاضل بصورها وعددها وإمنا تتفاضل بتفاضل ما يف القلوب‪ ،‬فتكون صورة العملني واحدة‬
‫وبينهما يف التفاضل كما بني السماء واألرض‪.‬‬

‫ويف أذكار الصباح واملساء وكذلك أذكار األحوال معاين عظيمة علينا أن نتدبرها وحنن نردد تلك األذكار يف أوقاهتا‪.‬‬

‫عاشرا‪ُ :‬ماسبة النفس‬ ‫•‬


‫بعد مرور عدة أايم من رمضان تصبح النفس سهلة القيادة ‪ ..‬عند ذلك علينا أن نبدأ يف حماسبتها علي ما مضى من‬
‫أعمال‪ .‬وهناك جماالت كثرية حملاسبة النفس تتناول حياة املسلم من مجيع جوانبها‪ ،‬على الواحد منا أن يقف أمام كل بند من‬
‫بنودها ليعرف أين تقع أقدامه ابلنسبة إليه‪ .‬وحبذا لو سجلنا الذنوب وأوجه التقصري ليكون ذلك دافعا حلسن التوبة‬
‫وتصحيح املسار‪.‬‬

‫جماَّلت احملاسبة ‪:‬‬


‫أ‪ -‬عبادة اجلوارح‪ :‬مثل الصلوات اخلمس يف أول وقتها يف املسجد‪ ،‬السنن الرواتب‪ ،‬أذكار الصالة‪ ،‬صيام رمضان‬
‫وصيام التطوع‪ ،‬مداومة اإلنفاق يف سبيل هللا‪ ،‬أذكار الصباح واملساء‪ ،‬حترى السنة يف األقوال واألفعال‪.‬‬

‫ب‪ -‬معاصي اجلوارح‪ :‬مثل الغيبة والنميمة‪ ،‬السخرية‪ ،‬اإلستهزاء ابآلخرين‪ ،‬اجلدل واملراء‪ ،‬إفشاء السر‪ ،‬الغمز واللمز‪،‬‬
‫الكذب اللغو والثرثرة‪ ،‬عدم غض البصر‪ ،‬اخلوض يف الباطل‪ ،‬سرعة الغضب‪ ،‬إخالف الوعد‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ج‪ -‬عبادات القلب‪ :‬اخلشوع يف الصالة‪ ،‬اخلوف من هللا واستشعار مراقبته‪ ،‬الرضا بقضاء هللا وقدره‪ ،‬التوكل علي‬
‫هللا‪ ،‬الصرب عند املصيبة‪ ،‬الشكر عند ورود النعم ‪.....‬‬

‫د‪ -‬معاصي القلوب‪ :‬اإلعجاب ابلعمل والتسميع به‪ ،‬الضيق ابلنقد‪ ،‬احلسد‪ ،‬الغرور‪ ،‬املباهاة‪ ،‬املن ابلعطااي‪ ،‬إتباع‬
‫اهلوى‪ ،‬احتقار اآلخرين‪ ،‬وسوء الضن هبم‪.‬‬

‫و‪ -‬احلقوق‪ :‬حقوق الزوجة‪ ،‬واألوالد‪ ،‬الوالدين‪ ،‬الرحم‪ ،‬اجلريان‪ ،‬حق الطريق‪ ،‬الدعوة‪ ،‬األخوة‪.‬‬

‫ى‪ -‬السلوكيات وفضائل اْلعمال‪ :‬السعي لقضاء حوائج الناس‪ ،‬لني اجلانب‪ ،‬التواضع‪ ،‬عيادة املريض‪ ،‬إتباع‬
‫اجلنائز‪ ،‬اإلحسان إيل اآلخرين‪ ،‬أداء األماانت إيل أهلها‪ ،‬دوام التبسم والبشر‪ ،‬إتقان العمل‪.‬‬

‫وعلينا بعد كل جلسة من هذه اجللسات اإلكثار من االستغفار‪ ،‬ولو أمكن الصالة – ولتكن صالة التوبة – قال‬
‫اَّلل وََل ي ِ‬ ‫استَ غر َفروا لِ ُذنُوِبِِ رم َوَم رن يَغر ِفر ُّ‬ ‫تعاىل‪ :‬والَّ ِذين إِذَا فَ علُوا فَ ِ‬
‫ص ُّروا‬ ‫وب إََِّّل َُّ َ ر ُ‬
‫الذنُ َ‬ ‫ُ‬ ‫س ُه رم ذَ َك ُروا َّ‬
‫اَّللَ فَ ر ُ‬ ‫شة أ رَو ظَلَ ُموا أَنر ُف َ‬
‫اح َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َعلَى َما فَ َعلُوا َو ُه رم يَ رعلَ ُمو َن‪( ‬آل عمران‪)135 :‬‬

‫‪16‬‬
‫خالصة القسم اْلول‬

‫هناك عشر وسائل تساهم يف حتقيق الثمرة املرجوة من رمضان علينا أن نضع من خالهلا برانجما ألنفسنا نسري عليه‬
‫طيلة هذا الشهر املبارك‪ ،‬ولنجعل يف يومنا ثوابت ال حنيد عنها‪.‬‬

‫فنخصص وقتا اثبتا لإلعتكاف يف املسجد وليكن من الفجر حىت طلوع الشمس فإن مل نستطيع فمن بعد العصر إيل‬
‫املغرب‪ ،‬نقرأ يف هذا الوقت ورد القرآن ابلطريقة اليت أشران إليها‪.‬‬

‫ولنخصص صندوقا يف البيت نضع فيه الصدقة اليومية وليكن لنا وقت للتهجد قبل الفجر ولو بنصف ساعة خبالف‬
‫صالة الرتاويح‪.‬‬

‫وعلينا كذلك ختصيص أورادا من الذكر املطلق كسبحان هللا وحبمده مائة مرة‪ ،‬واستغفار (‪ )...‬مرة وصالة على‬
‫الرسول (‪ )...‬مرة ‪ ،‬وحوقلة (‪ ،)...‬ويقرتح تقسيم هذه األذكار على مدار اليوم والليلة‪.‬‬

‫وعلينا أن نستفيد من أوقات استجابة الدعاء فنلح فيها علي هللا عز وجل وندعوه دعاء املضطر املشرف على الغرق‬
‫لنا وألهلنا وإلخواننا وللمسلمني أمجعني‪ ،‬ولنتحني الفرصة املناسبة اليت خنلو أبنفسنا ولنحاسبها على ما مضى ‪...‬‬

‫‪17‬‬
‫القسم الثاين‬
‫مع الناس‬
‫إن السعي ابخلري وسط الناس له مردود إمياين كبري يف قلب العبد املسلم‪ ،‬فهو يزيد اإلميان ويثبته ويصل بصاحبه إيل أن‬
‫يكون حمبواب عند هللا عز وجل‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أحب الناس إيل هللا أنفعهم‪ ،‬وأحب اْلعمال إيل هللا عز وجل‬
‫سرور تدخله علي مسلم‪ ،‬أو تكشف عنه كربة‪ ،‬أو تقضى عنه دينا‪ ،‬أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬وْلن أمشي مع أخي املسلم‬
‫ِف حاجة‪ ،‬أحب إيل من أن أعتكف ِف املسجد شهرا‪ ،‬ومن كف غضبه س هللا عورته‪ ،‬ومن كتم غيظا – لو شاء أن‬
‫ميضيه أمضاه – مأل هللا قلبه رضا يوم القيامة‪ ،‬ومن مشى مع أخيه املسلم ِف حاجته حىت يثبتها له‪ ،‬أثبت هللا قدمه يوم‬
‫تزل اْلقدام‪ ،‬وإن سوء اخللق ليفسد العمل كما يفسد اخلل العسل)) وإليك أخي املسلم بعضا من أعمال اخلري علينا أن‬
‫حنرص علي القيام هبا يف رمضان لتصبح بعد ذلك عادة وسجيه من سجاايان‪ ،‬فكما قالوا‪ :‬تعودوا اخلري فإن اخلري عادة‪.‬‬

‫‪ -1‬اإلحسان إىل الزوجة واْلوَّلد‪:‬‬


‫إن اإلحسان احلقيقي للزوجة واألوالد إمنا يكون أبخذ أيديهم إيل طريق هللا والتنافس معهم يف السباق حنو اجلنان‪..‬‬
‫َّاس َوا رحلِ َج َارةُ‪‬‬ ‫س ُك رم َوأ رَهلِي ُك رم َانرا َوقُ ُ‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫ين آ ََمنُوا قُوا أَنر ُف َ‬
‫َّ ِ‬
‫ولقد طالبنا هللا بذلك‪ ،‬فقال سبحانه وتعاىل‪ََ  :‬ي أَيُّ َها الذ َ‬
‫(التحرمي‪ )6 :‬فعلينا أن نستفيد من موسم رمضان يف اإلرتقاء اإلمياين والسلوكي هبم‪ ،‬فنجلس معهم قبيل حلول الشهر املبارك‬
‫ونضع لكل منهم برانجما يسري عليه يراعي جانب العروة الوثقى‪ ،‬ومها كما مر علينا سابقا إخالص العبادة هلل واإلحسان إيل‬
‫اخللق‪.‬‬

‫وعلينا كذلك أن ننظم هلم أوقاهتم ليتمكنوا من القيام مبا عليهم من واجبات ولنخصص مكاان يف البيت ليكون مبثابة‬
‫مسجد هلم‪.‬‬

‫ولتكن لنا معهم جلسة يومية – وإن قصرت – وخنتار هلا الوقت املناسب للجميع‪ ،‬وفيها نقرأ معا ما تيسر من القرآن‬
‫مع اإلستماع إيل خواطر التدبر‪.‬‬

‫ومع القرآن علينا أن نتدارس كتااب انفعا يف احلديث أو السرية‪ ،‬مث نتابع حصيلة اليوم من األعمال الصاحلة فنشجع‬
‫احملسن ونشحذ مهة املقصر‪ ،‬وخنتم اللقاء ابلدعاء ألنفسنا وللمسلمني‪.‬‬

‫‪ -2‬اجلود والكرم‪:‬‬
‫وهذا ابب عظيم من أبواب اخلري علينا أن نلجه يف رمضان ((ولقد كان النيب صلى هللا عليه وسلم أجود ما يكون‬
‫ِف رمضان حني يلقاه جربيل‪ ،‬وكان يلقاه ِف كل ليلة ِف رمضان‪ ،‬فيدارسه القرآن فرسول هللا صلي هللا عليه وسلم أجود‬
‫من الريح املرسلة)) فلنري هللا من أنفسنا خريا يف هذا الشهر املبارك فهو سبحانه وتعاىل حيب أهل السخاء والكرم‪ ،‬قال‬

‫‪18‬‬
‫رسول هللا عليه وسلم ((إن هللا كرمي ُيب الكرماء جواد ُيب اجلودة‪ُ ،‬يب معايل اْلمور ويكره سفسافها)) ومن مسات‬
‫أهل الكرم و السخاء أهنم يبذلون من كل ما ميلكون بال حساب سواء كان ذلك ماال أو علما أو وقتا أو جهدا‪.‬‬

‫ولقد أوصى رسول هللا صلي هللا عليه وسلم أمساء بنت أيب بكر رضي هللا عنها بذلك فقال هلا‪َّ(( :‬ل حتصي فيحصي‬
‫عليك)) واملعىن كما يقول ابن حجر يف الفتح‪ :‬النهي عن منع الصدقة خشية النفاد ‪ ،‬فإن ذلك أعظم األسباب لقطع مادة‬
‫الربكة‪ ،‬ألن هللا يثيب علي العطاء بغري حساب‪ ،‬ومن ال حياسب عند اجلزاء ال حيسب عليه عند العطاء ‪ ،‬ومن علم أن هللا‬
‫يرزقه من حيث ال حيتسب فحقه أن يعطى وال حيسب‪.‬‬

‫فلنجعل رمضان وسيلة للتعود على الكرم واجلود والسخاء‪ ،‬فال نبخل علي هللا أبموالنا وال أوقاتنا وال جهدان‪ ،‬ولنضح‬
‫هبا بغري حساب‪.‬‬

‫جاء يف شعب اإلميان للبيهقي أن يزيد بن مروان جاءه مال فجعل يصره صررا ويبعث به إيل إخوانه ويقول‪ :‬إين‬
‫ألستحي من هللا عز وجل أن أسأل اجلنة ألخ من إخواين مث أخبل عليه ابلدينار والدرهم‪.‬‬

‫‪ -3‬صلة الرحم‪:‬‬
‫قبل أن نتحدث عن واجبنا يف رمضان جتاه أرحامنا أدعو القارئ إيل التأمل يف هذا احلديث النبوي الشريف لنعلم كم‬
‫حنن مقصرون يف حق أنفسنا‪ ،‬زاهدون يف خريي الدنيا و اآلخرة‪.‬‬

‫قال رسول هللا صلي هللا عليه وسلم‪(( :‬ما من ذنب أجدر أن يعجل هللا تعاىل لصاحبه ِبلعقوبة ِف الدنيا مع ما‬
‫يدخره له ِف اْلخرة من قطيعة الرحم‪ ،‬واخليانة والكذب‪ ،‬وإن أعجل الطاعة ثواب لصلة الرحم‪ ،‬حىت إن أهل البيت‬
‫ليكونوا فجرة فتنموا أمواهلم‪ ،‬ويكثر عددهم إذا تواصلوا))‪.‬‬

‫فلننتهز مناسبة دخول رمضان لزايرة أرحامنا‪ ،‬أما ما حتول الظروف دون زايرته فعلينا ابإلطمئنان عليه من خالل‬
‫اهلاتف واخلطاابت‪.‬‬

‫قال صلي هللا عليه وسلم‪(( :‬بلوا أرحامكم ولو ِبلسالم)) وال يتعلل البعض بوجود قطيعة وعداوة قدمية بينه وبني‬
‫أهله وأرحامه‪ ،‬فلقد أيت رجل النيب صلي هللا عليه وسلم‪ :‬فقال اي رسول هللا إن يل قربة أصلهم ويقطعونين وأحسن إليهم‬
‫ويسيئون إيل وجيهلون علي وأحلم عنهم قال‪(( :‬لئن كان كما تقول فكأَّنا تسفهم امللل وَّل يزال معك من هللا ظهْي عليهم‬
‫ما دمت علي ذلك))‪.‬‬

‫‪ -4‬إطعام الطعام‪:‬‬
‫‪19‬‬
‫وهذا ابب عظيم من أبواب اخلري غفل عنه الكثري من الناس‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬إن من اجلنة غرفا يري‬
‫ظاهرها من ِبطنها‪ ،‬وِبطنها من ظاهرها)) قالوا‪ :‬ملن هي اي رسول هللا؟ قال‪(( :‬ملن أطعم الطعام وأطاب الكالم‪ ،‬وصلى‬
‫ِبلليل والناس نيام)) ولقد كان صهيب – رضي هللا عنه – يطعم الطعام الكثري‪ ،‬فقال عمر رضي هللا عنه‪ :‬ايصهيب‪ ،‬إنك‬
‫تطعم الطعام الكثري وذلك صرف يف املال‪ ،‬فقال صهيب‪ :‬إن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يقول‪(( :‬خياركم من أطعم‬
‫الطعام ورد السالم‪ ،‬فذلك الذي ُيملين علي أن أطعم الطعام))‪.‬‬

‫وكان علي رضي هللا عنه يقول‪ :‬ألن أمجع انسا من أصحايب علي صاع من طعام أحب إيل من أن أخرج إيل السوق‬
‫فأشرتي نسمه فأعتقها‪.‬‬

‫فلنحرص علي إطعام إخواننا لتزداد روابط األلفة واحلب بيننا‪.‬‬

‫وعلينا كذلك إطعام املساكني ففي ذلك خري عظيم‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم للرجل الذي أشتكي له من قسوة قلبه‪:‬‬
‫((إن أحببت أن يلني قلبك فأطعم املسكني وأمسح رأس اليتيم))‪.‬‬

‫فلنجهز وجبات اإلفطار للفقراء واملساكني وجنلس معهم نشاركهم طعامهم ونشعرهم إبخوتنا هلم‪ ..‬ومع تذكران هلؤالء‬
‫علينا أال ننسي إخواننا املكروبني يف كثري من بلدان العامل واليت يعاين أهلها من الظلم واإلضطهاد واجلوع واحلرمان‪ ،‬ولنتذكر‬
‫بشرى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬من فطر صائما كان له مثل أجره غْي أنه َّل ينقص من أجر الصائم شيئا))‪.‬‬

‫‪ -5‬اإلصالح بني الناس‪:‬‬


‫إذا ما نظران لألسباب اليت من أجلها يتشاحن الناس لوجدانها صغرية واتفهة نفخ فيها الشيطان حىت أوقع القطيعة‬
‫بني األب وإبنه‪ ،‬واجلار وجاره‪ ،‬والصديق وصديقه‪ ..‬يف هذا اجلو املسمم تكثر الظنون وتقطع األرحام‪ ،‬وتتوارث العداوات‪،‬‬
‫ص َدقَ ٍة أ رَو‬ ‫ِ‬
‫ْي ِِف َكثِ ٍْي م رن َرَن َو ُ‬
‫اه رم إََِّّل َم رن أ ََم َر بِ َ‬ ‫لذلك كان السعي لإلصالح بني الناس فضل عظيم‪ ،‬قال تعاىل‪ََّ  :‬ل َخ ر َ‬
‫ٍ‬
‫ني الن ِ‬
‫َّاس‪( ‬النساء ‪.)114 :‬‬ ‫َم رع ُروف أ رَو إِ ر‬
‫ص َال ٍح بَ ر َ‬

‫ولقد وعد رسول هللا صلى هللا عليه وسلم القائم هبذا العمل اجلليل بدرجة أعلى من درجة الصائم القائم املتصدق ملا‬
‫يف ذلك من إشاعة جو الرتاحم والتواد بني أفراد اجملتمع‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أَّل أخربكم ِبفضل من درجة الصيام‬
‫والصالة والصدقة؟ قالوا‪ :‬بلي‪ ،‬قال‪ :‬صالح ذات البني فإن فساد ذات البني هي احلالقة)) فلننتهز فرصة دخول رمضان‬
‫رح َخ رْيٌ‪( ‬النساء ‪.)128 :‬‬
‫الصل ُ‬
‫فنسعى بني املتخاصمني واملتدابرين ولنذكرهم بقول هللا تعاىل‪َ  :‬و ُّ‬

‫ولنبدأ أبنفسنا فنعفو عمن ظلمنا‪ ،‬وحنسن ملن يسيء إلينا‪ ،‬ولنكن قدوة لغريان يف احللم واألانة وسعة الصدر‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -6‬قضاء حوائج الناس‪:‬‬
‫من صور اإلحسان العظيمة السعي يف قضاء حوائج الناس‪ .‬وألن احملسن رجل قد سعى إىل خدمة اآلخرين حبا يف هللا‬
‫وشفقة علي خلقه كان جزاؤه من جنس عمله‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬أحب الناس إىل هللا أنفعهم‪ ،‬وأحب اْلعمال‬
‫إيل هللا عز وجل سرور تدخله علي مسلم‪ ،‬أو تكشف عنه كربة ‪ ،‬أو تقضى عنه دينا‪ ،‬أو تطرد عنه جوعا‪ ،‬وْلن أمشي‬
‫مع أخي املسلم ِف حاجة أحب إيل من أن أعتكف ِف املسجد شهرا‪ ،‬ومن كف غضبه س هللا عورته ومن كتم غيظا –‬
‫لو شاء أن ميضيه أمضاه – مأل هللا قلبه رضا يوم القيامة‪ ،‬ومن مشي مع أخيه املسلم ِف حاجة حىت يثبتها له‪ ،‬أثبت هللا‬
‫قدمه يوم تزل اْلقدام‪ ،‬وإن سوء اخللق ليفسد العمل كما يفسد اخلل العسل))‪ .‬أما الساعي علي األرملة واملسكني فله‬
‫أجر خاص‪ .‬قال صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬الساعي على اْلرملة واملسكني كاجملاهد ِف سبيل هللا أو القائم الليل الصائم‬
‫النهار))‪.‬‬

‫إن هذه األحاديث ال حتتاج إىل تعليق سوى اإلجتهاد يف تلمس حوائج الناس واملبادرة إىل قضائها‪ ،‬ولقد كان حكيم‬
‫بن حزام حيزن على اليوم الذي ال جيد فيه حمتاجا ليقضي له حاجه فيقول‪(( :‬ما أصبحت وليس ببايب صاحب حاجة إال‬
‫علمت أهنا من املصائب اليت أسأل هللا األجر عليها))‪.‬‬

‫‪ -7‬أنقذ غْيِ‪:‬‬
‫لقد جنح إبليس يف إغواء الكثري من الناس فصرفهم عن عبادة رهبم وشغلهم بزينة احلياة الدنيا‪ ،‬وسار هبم يف طريق‬
‫يؤدي هبم إىل النار فهل نرتكهم وشأهنم أم حناول إنقاذهم؟!!‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَّلل و َع ِمل ص ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪( ‬فصلت‪ )33 :‬فال‬ ‫ال إِنَِّين م َن ال ُرم رسل ِم َ‬
‫احلا َوقَ َ‬ ‫َح َس ُن قَ روَّل ِمَّ رن َد َعا إِ َىل َّ َ َ َ‬
‫يقول تعاىل‪َ  :‬وَم رن أ ر‬
‫سبيل إليقاظ هؤالء املساكني إال بدعوهتم إيل هللا‪ .‬ولقد رغب –سبحانه وتعاىل– عباده املؤمنني للقيام هبذه املهمة فجعل‬
‫مقامها‪ :‬مقام األنبياء والرسل‪ ،‬أما أجرها فال حدود له‪.‬‬

‫فهل لنا اي أخي أن ننال شرف هذه املهمة ونعمل علي إنقاذ من حولنا من النار؟‬
‫هل لنا أن نستفيد من أجواء رمضان حيث النفوس طيعة والشياطني مصفدة؟‬
‫يقول صلي هللا عليه وسلم‪(( :‬لئن يهدي هللا بك رجال واحدا خْي لك ِما طلعت عليه الشمس)) فهيا بنا جنتهد‬
‫لنكون سببا يف هداية وإنقاذ غريان‪.‬‬
‫هيا بنا نوقظ غافال‪ ،‬وهندي حائرا‪ ،‬ونرشد ضاال‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫هيا بنا نبدأ ابألقربني فنعمل على تبصريهم حبقيقة الدنيا وجنذهبم معنا إىل املسجد‪ .‬هيا بنا نتخري بعضا ممن يقبلون‬
‫على املسجد يف رمضان فنصحح له فهمه ونبصره بطريق صحيح إيل هللا‪ ..‬هيا نردد دعاء الرسول صلي هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫((اللهم اجعلنا هداة مهتدين))‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫خالصة القسم الثاين‬
‫إن مدار السعادة وقطب رحاها يدور علي أمرين‪ :‬إخالص العبادة هلل‪ ،‬واإلحسان إيل اخللق‪ .‬وصور اإلحسان كثرية‬
‫علينا أن حنرص علي القيام هبا و أن نستفيد من األجواء اليت يشيعها رمضان يف التعود علي هذا السلوك‪.‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬اإلحسان إيل الزوجة واألوالد ابملتابعة املستمرة هلم‪ ،‬ووضع الربامج اليت تنهض هبم‪ ،‬والذي يساعد علي‬
‫جناح املهمة‪ :‬احلرص علي اجللوس اليومي معهم يف وقت يناسبهم‪.‬‬

‫ومن صور اإلحسان أيضا‪ :‬صلة الرحم وإطعام الطعام ومداومة البذل والعطاء والسعي يف قضاء حوائج الناس‬
‫وإصالح ذات بينهم ودعوهتم إىل هللا‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫أتعهد‬
‫‪ ..‬وأخريا‪ ،‬فهال وافقتين اي أخي أن أيخذ الواحد منا العهد على نفسه للقيام هبذه األمور‪ ،‬فلقد قال تعاىل‪ :‬إِ رن يَ رعلَ ِم‬
‫اَّللُ ِِف قُلُوبِ ُك رم َخ رْيا يُ رؤتِ ُك رم َخ رْيا‪( ‬األنفال ‪ )70 :‬وقال صلى هللا عليه وسلم يف احلديث ((‪ ..‬ومن يتحر اخلْي يعطه))‪،‬‬
‫َّ‬
‫فلعل هللا سبحانه وتعاىل يرى صدقنا فيعطينا سؤالنا ويبلغنا مرادان‪ ،‬فكما قيل‪ :‬اإلمداد على قدر اإلستعداد‪.‬‬

‫أخي إن النفس دائما تركن إىل اخلمول والكسل وكلما أعطيتها من الراحة طلبت املزيد‪ ،‬وشهر رمضان ساعات‬
‫معدودات فخذ من نفسك لنفسك العهد وامليثاق لتنفيذ تلك الواجبات وخذها بقوة وسل هللا العون والقبول‪.‬‬

‫عدم اإلكثار من النوم ابلنهار‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫عدم اإلكثار من الطعام و الشراب‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫عدم اإلكثار من الكالم و الضحك‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫تدبر القرآن وإعادة ما أقراه وأان غافل‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫اإلكثار من ذكر املوت‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫طول املكث يف املسجد‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫التبكري إىل صالة اجلماعة‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫ختصيص مسجد يف البيت للزوجة و األوالد‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫اجللوس مع الزوجة و األوالد يوميا لإلطمئنان على األحوال مع القراءة النافعة‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫‪ - 10‬التهجد و الدعاء و اإلستغفار يف اجلزء األخري من الليل (قبل الفجر)‪.‬‬
‫‪ - 11‬اغتنام األوقات الفاضلة يف اليوم وعدم إضاعتها ابلنوم أو الغفلة‪.‬‬
‫‪ - 12‬كثرة الدعاء –حبضور قلب –خباصة يف األوقات املندوب فيها‪.‬‬
‫‪ - 13‬وضع صندوق يف البيت للصدقة و التبكري هبا يوميا‪.‬‬
‫‪ - 14‬ربط عبادة الذكر ابلفكر‪ ،‬والعمل على حضور القلب ما استطعت‪.‬‬
‫‪ - 15‬اإلعتكاف ولو لساعة يوميا واإلجتهاد يف اإلعتكاف يف العشر األواخر‪.‬‬
‫‪ -16‬حماسبة النفس عن الفرتة املاضية يف اجملاالت املختلفة‪.‬‬
‫‪ -17‬اإلكثار من عمل اخلري‪.‬‬
‫‪ -18‬إطعام الطعام لألصدقاء و املساكني‪.‬‬
‫‪ -19‬السعي يف قضاء حوائج الناس‪.‬‬
‫‪ -20‬العفو والصفح واحللم وسعة الصدر‪.‬‬
‫‪ -21‬الدعوة إىل هللا‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫برانجمي ِف رمضان‬

‫أخي احلبيب‪ :‬لكل منا ظروفه ومشاغله‪ ،‬وحىت ال نفاجأ بتسرب أايم رمضان من بني أيدينا أقرتح عليك وضع برانمج‬
‫يومي تستعمل فيه الوسائل السابقة حسب ظروف وقتك‪ ..‬وهذه بنود مقرتحه هلذا الربانمج يف صورة أسئلة‪ ،‬عليك أن جتيب‬
‫عنها‪ ،‬وتضيف ما تراه مناسبا‪.‬‬

‫اْلعمال اليومية‬
‫‪ -1‬املسجد‪ :‬أي الصلوات سأذهب فيها إيل املسجد مبكرا؟ ‪..........‬‬
‫‪ -2‬القرآن‪ :‬ميت سأقرأ القرآن بتدبر ودون سرحان؟ ‪................‬‬
‫‪ -3‬اإلعتكاف‪ :‬أي األوقات سأنوي فيها اإلعتكاف يف املسجد؟‪ ،‬وأين سأعتكف العشر األواخر؟‪.....‬‬
‫‪ -4‬الصدقة‪ :‬أين سأضع صندوق الصدقة؟ و يف أي أوقات اليوم سأتصدق؟ ‪.......................‬‬
‫‪ -5‬صالة ال اويح‪:‬‬
‫‪ -‬أين سأصلي ؟ ‪.........................................‬‬
‫‪ -‬أي األايم سأصطحب فيها الزوجة واألوالد؟ ‪....‬‬
‫‪ -6‬الذكر والفكر‪:‬‬
‫‪ -‬ما مقدار وردي اليومي من الذكر املطلق؟ (يراعي التنويع) ‪...... .....‬‬
‫‪ -‬مىت وأين سيكون أدائي للورد؟ (يف املسجد – املنزل – العمل) ‪..............‬‬
‫‪ – 7‬قيام الليل‪:‬‬
‫‪ -‬ميت سأستيقظ للصالة قبل الفجر؟ ‪..........................‬‬
‫‪ -‬ما الوسائل اليت سأختذها كي تعينين على التهجد؟ ‪...........‬‬
‫‪ -8‬الزوجة واْلوَّلد ‪:‬‬
‫‪ -‬أين سيكون مكان مسجد البيت؟ ‪..................................‬‬
‫‪ -‬ميت سأجلس مع الزوجة واألوالد؟‪..............................‬‬
‫‪ -‬ما برانمج هذه اجللسة؟ ‪..........................................‬‬
‫‪ -‬ما البديل عندما يتعذر وجودي معهم؟ ‪..........................‬‬
‫‪ -9‬الدعوة إيل هللا‪ :‬مبن سأبدأ؟‬
‫‪ -‬وما الوسائل اليت سأستخدمها يف الدعوة (كتاب‪ -‬شريط ‪) ..‬؟ ‪..........‬‬

‫‪25‬‬
‫أعمال أسبوعية‬
‫أعمال اخلْي‪ :‬ما أعمال اخلري اليت أنوي القيام هبا؟‬ ‫‪-1‬‬
‫مع (الوالدين – األقارب – اجلريان – الزمالء‬
‫الفقراء – األيتام – اجملاهدين – عموم املسلمني ‪)......‬‬
‫األسبوع األول ‪.............................................. :‬‬
‫األسبوع الثاين‪............................................. :‬‬
‫األسبوع الثالث‪............................................. :‬‬
‫األسبوع الرابع ‪............................................ :‬‬

‫ُماسبة النفس‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫ميت سأجلس مع نفسي منفردا ؟ ‪ ( ..‬أحدد يوما يف األسبوع لذلك)‪......‬‬ ‫‪-‬‬


‫أي جماالت احملاسبة سأبدأ هبا؟‪................‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -3‬ذكر املوت ‪:‬‬

‫ميت سأذهب لزايرة املقابر؟ ‪....................‬‬ ‫‪-‬‬


‫ميت سأكتب وصييت إيل زوجيت؟ ‪............‬‬ ‫‪-‬‬
‫ميت سأكتب وصييت إيل والديت؟ ‪.............‬‬ ‫‪-‬‬
‫ميت سأكتب وصييت إيل ابين؟‪.................‬‬ ‫‪-‬‬
‫أي األايم أخصصها لزايرة املرضى يف املستشفيات‬ ‫‪-‬‬
‫؟‪.....................................‬‬

‫وِف النهاية‬
‫هل علمت َيأخي ماذا نريد من رمضان؟‬

‫نسأل هللا أن يتقبل منا ومنكم صيامنا وقيامنا وأن يبلغنا مرادان‬
‫واحلمد هلل رب العلمني‬

‫‪26‬‬

You might also like