You are on page 1of 13

‫د‪ .

‬فتحي يكن‬
‫‪ ‬‬
‫[‪ ]1‬بيـن يدي رمضان‬
‫ما أحوج االنسان اىل الزاد ‪ ،‬والتأهب ليوم املعاد ‪ ،‬يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى اهلل بقلب سليم ‪ ،‬يوم ال‬
‫جتزي نفس عن نفس شيئا ‪ ،‬واألمر يومئذ هلل ‪..‬‬
‫يف حياتنا اليومية ‪ ،‬الينسى أحدنا نصيبه من زاد الدنيا ‪ ..‬فالكل مقبل على ما ميأل بطنه من شهي املطعم ‪،‬‬
‫وما يغطي بدنه من مجيل امللبس ‪ ،‬وما يزين به بيته من فاخر األثاث ‪ ،‬وما يقتنيه من جديد السيارات وخمتلف‬
‫األدوات واملبتكرات واملخرتعات ‪ ،‬ويتنافس اجلميع يف ذلك تنافسا كبريا ‪..‬‬
‫فهال فكرنا حلظة من اللحظات ‪ ،‬وحنن غرقى هذا الكم اهلائل من امللهيات ‪ ،‬أننا تاركوها مجيعا يف حلظة من‬
‫ليل أو هنار ‪ ،‬وسائرون على درب طويل صعب كئود ‪ ،‬وراحلون اىل اىل ديار ليست كهذه الديار ‪ ،‬إىل جنة أوإىل‬
‫نار ؟‬
‫إنه البد من التزود ‪ ،‬وال مناص من التزود ‪ ،‬وال غىن عن التزود ليوم " تشخص فيه األبصار ولزلزلة الساعة [‬
‫يوم تروهنا ‪ ،‬تذهل كل مرضعة عما أرضعت ‪ ،‬و تضع كل ذات محلها ‪ ،‬وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ‪،‬‬
‫ولكن عذاب اهلل شديد ]‬
‫فالزاد الزاد ليوم التناد ‪ { ..‬وتزودوا فإن خري الزاد التقوى ‪ ،‬واتقون‪ s‬يا أويل األلباب }‬
‫روي عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أنه سأل سيدنا أبا ذر‪ ،‬فقال ‪ { :‬يا أبا ذر ‪ ..‬لو أردت سفرا ‪،‬‬
‫أعددت له عدة ؟ } قال ‪ :‬نعم ‪ ..‬قال ‪ { :‬فكيف بسفر طريق القيامة ‪ ،‬أال أنبئك مبا ينفعك ذلك اليوم ؟ } قال‬
‫‪ :‬نعم بأيب أنت وأمي يا رسول اهلل ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫·‪        ‬صم يوما شديد احلر ليوم النشور‬
‫·‪        ‬وصل ركعتني يف ظلمة الليل لوحشة القبور‬
‫·‪        ‬وحج حجة لعظائم األمور‬
‫·‪        ‬وتصدق بصدقة على مسكني‬
‫·‪        ‬أو كلمة حق تقوهلا‬
‫·‪        ‬أو كلمة شر تسكت عنها‬
‫إهنا دعوة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الينا مجيعا ‪ ،‬لنفيق من غفلتنا ‪ ،‬ولنتأهب ولنتزود لرحلة ال نعرف‬
‫أوان بدئها ‪ ،‬أومكان انطالقها ‪ ،‬حيث يصدق فيها قول اهلل تعاىل [ وما تدري نفس بأي أرض متوت }‬
‫إهنا دعوة للتزود ‪:‬السريع غري املؤجل ‪ ،‬والدائم غري املنقطع ‪ ،‬والكثري غري القليل ‪ ،‬وما أكثر الزاد على طريق‬
‫القيامة ‪..‬‬
‫·‪        ‬فإماطتك األذي عن الطريق زاد‬
‫·‪        ‬وابتسامتك يف وجه أخيك زاد‬
‫·‪        ‬ومشيك يف حاجة أخيك زاد‬
‫·‪        ‬واالنفاق من مالك على الفقراء زاد‬
‫·‪        ‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر زاد‬

‫‪1‬‬
‫·‪        ‬ودعوة الناس اىل االسالم زاد‬
‫·‪        ‬وقراءة القرآن ‪ ،‬واالقبال على العلم زاد‬
‫·‪        ‬والتفكر يف خلق السموات والرض زاد‬
‫·‪        ‬وإصالح ذات البني زاد‬
‫·‪        ‬وطاعة الوالدين وبرمها زاد‬
‫·‪        ‬وكلمة احلق تقوهلا أو تكتبها زاد‬
‫·‪        ‬واجلهاد بالنفس واملال زاد‬
‫·‪        ‬وترك املعاصي واالقبال على الطاعات زاد‬
‫إنه الحصر وال عد ملا ميكن أن نتزود به على دروب اجلنان ‪ { ،‬قل لو كان البحر مدادا لكلمات ريب لنفد‬
‫البحر قبل أن تنفد كلمات ريب ‪ ،‬ولو جئنا مبثله عددا } { وإن تعدوا نعمة اهلل ال حتصوها }‪ ‬‬
‫نسأل اهلل تعاىل اهلدى والسداد ‪ ،‬واالستقامة والرشاد ‪ ،‬وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله األخيار وصحبه‬
‫األبرار ‪ ،‬وسلم تسليما كثريا ‪..‬‬

‫[‪ ]2‬رمضان ومحطات الهدايةـ الربانية‬


‫قد ال أكون مبالغاً إذا قلت‪ :‬إن رمضان مشكاة من اخلري يصعب إحصاؤها‪ .‬وقد يستحيل إدراك دروسها ومعانيها‬
‫وعربها‪ .‬وهذا ما جيعل عطاؤها املتجدد املتوالد دليالً صارخاً على إعجاز هذا الدين مجلة وتفصيالً‪.‬‬
‫ومن هنا كان اختياري لرمضان‪ s‬كأبرز حمطة للتزود بأسباب اهلداية‪ ،‬مع عدم اإلقالل من أمهية األسباب األخرى‪.‬‬
‫رمضان شهر الصوم‪:‬‬
‫إن مما اختص اهلل به شهر رمضان‪ s‬أن جعله شهر الصيام‪ ،‬الصيام عن كل ما يشد اإلنسان إىل أرض‪ ،‬ويرقى به إىل‬
‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫الصيَ ُام َك َما ُكت َ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫املأل األعلى‪ .‬قال تعاىل‪ { :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُواْ ُكت َ‬
‫َتَّت ُقون َ} (‪( ) 183‬البقرة)‬
‫وحس‪،‬‬‫ّ‬ ‫وشم‬
‫(حسي) يروض به املؤمن شهوات البطن والفرج‪ ،‬وسائر أعضاء البدن من مسع وبصر ّ‬ ‫* صيام ّ‬
‫صنعه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لتحقيق عبودية املخلوق للخالق يف كل جوانب َخ ْقلقه‪ ،‬وتفصيالت ُ‬
‫(نفسي) يرتقي من خالله املسلم يف مدارج الساكلني‪ ،‬ومصاعد الصاحلني‪ ،‬فتخبوا الشهوات‪ ،‬وتضعف‬ ‫ّ‬ ‫* وصيام‬
‫ال‬
‫النزوات‪ ،‬فيصحوا من غفلته‪ ،‬ويستدرك‪ s‬ما فات‪ ،‬ويستشرف ما هو آت‪ ،‬قبل أن ال ينفع الندم‪َ [ ،‬ي ْو َم ال يَن َف ُع َم ٌ‬
‫ب َسلِي ٍم ] (‪( )89‬الشعراء)‬ ‫وال َبنُو َن (‪ِ )88‬إال َم ْن َأتَى اللَّهَ بَِق ْل ٍ‬
‫َ‬
‫* ويف ضوء كل ذلك نفهم معىن قوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬لو علمت أميت ما يف رمضان من خري لتمنّت أن‬
‫تكون السنة كلها رمضان"‪s.‬‬
‫* ونفهم األبعاد الصحية يف قوله عليه الصالة والسالم‪" :‬صوموا تصحوا" [عن أيب هريرة – ابن السين]‪.‬‬
‫* وندرك األبعاد الوقائية يف قوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬يا معشر الشباب‪ ،‬من استطاع منكم الباءة فليتزوج‪ ،‬فإنه‬
‫أغض للبصر وأحصن للفرج‪ .‬ومن مل يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء – أي وقاية"‪[ .‬رواه البخاري ومسلم]‪.‬‬
‫وكذلك يف قوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬إن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى الدم‪ ،‬فضيقوا جماريه باجلوع" [متفق‬
‫عليه]‪ .‬نعم أخرجه البخاري (‪ )2035‬ومسلم (‪ )2174‬دون قوله‪« :‬تضيقوا حماربه باجلوع»‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ما أحوج االنسان اىل الزاد ‪ ،‬والتأهب ليوم املعاد ‪ ،‬يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى اهلل بقلب سليم ‪ ،‬يوم ال‬
‫جتزي نفس عن نفس شيئا ‪ ،‬واألمر يومئذ هلل ‪..‬‬
‫[‪ ]3‬رمضان شهر التقوى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ب‬‫ين َآمنُواْ ُكت َ‬ ‫ومن فضائل رمضان أنه يعني على الرب والتقوى‪ ،‬والتحلي هبما‪ ،‬مصداقاً لقوله‪ s‬تعاىل‪ [ :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ين ِمن َقْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن](‪( )183‬البقرة)‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫الصيَ ُام َك َما ُكت َ‬‫َعلَْي ُك ُم ِّ‬
‫فالتقوى مثرة جماهدة النفس وتزكيتها‪ ،‬وحالة من حاالت االمتثال ألمر اهلل تعاىل وطاعته‪ ،‬واجتناب نواهيه‬
‫ومساخطه‪.‬‬
‫ودرجة التقوى ال يبلغها إال من غالب هواه فغلبه‪ ،‬وصارع شيطانه فصرعه‪،‬‬
‫* وفضيلة‪ s‬التقوى ال تدانيها فضيلة من حتقيق خمافة اهلل‪ ،‬وحتصيل مراقبته‪ ،‬وبلوغ منزلة السداد يف الرأي والرشاد يف‬
‫السلوك‪ ،‬واالستقامة يف العمل‪ .‬وصدق الشاعر حيث يقول‪:‬‬
‫فأول ما يقضي عليه اجتهاده‬ ‫إذا مل يكن من اهلل عون الفىت‬
‫‪..‬و َمن َيت َِّق اللَّهَ جَيْ َعل‬
‫* فاملتقون هم املعنيون باخلروج من كل ضيق‪ ،‬واخلالص من كل عسر‪ ،‬مصداقاً لقوله‪ s‬تعاىل‪َ [:‬‬
‫ب ‪( ]..‬الطالق)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لَّهُ خَمَْرجاً (‪َ )2‬و َي ْر ُزقْهُ ِم ْن َحْي ُ‬
‫ث اَل حَيْتَس ُ‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا‬ ‫َّ ِ‬
‫* واملتقون هم املعنيون بصالح احلال وراحة البال ويسر األعمال‪ ،‬مصداقاً لقوله‪ s‬تعاىل‪ [ :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْم َْأع َمالَ ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْوزاً‬ ‫ِ‬
‫اللَّهَ َوقُولُوا َق ْوالً َسديداً (‪ )70‬يُ ْ‬
‫َع ِظيماً(‪ ( ] )71‬األحزاب)‪.‬‬
‫الز ِاد َّ‬
‫الت ْق َوى‬ ‫* واملتقون هم املزودون بأسباب السعادة يف الدنيا واآلخرة واملعنيون بقوله تعاىل‪َ [ :‬وَتَز َّو ُدواْ فَِإ َّن َخْيَر َّ‬
‫ون يا ُأويِل اَأللْب ِ‬ ‫ِ‬
‫اب ] ‪ 197‬البقرة‬ ‫َ‬ ‫َو َّات ُق َ ْ‬
‫* واملتقون هم الفائزون بنعيم اآلخرة‪ ،‬وهم املعنيون بعشرات اآليات القرآنية اليت تصف حاهلم ومقامهم الكرمي يوم‬
‫ني ِع َند رهِّبِم جن ِ‬
‫َّات‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ِن لِْل ُمت َِّق َ‪s‬‬
‫ني ] ‪ 35‬الزخرف‪ ،‬وقوله‪] :‬إ َّ‬ ‫ك لِْل ُمت َِّق َ‪s‬‬‫القيامة على مثل قوله تعاىل‪َ ..]:‬واآْل ِخَرةُ ِع َند َربِّ َ‬
‫ت اجْل نَّةُ لِْلمت َِّقني َغير بعِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يد ] ‪ 31‬ق‪.‬‬ ‫النَّعي ِم ]‪ 34‬القلم ‪ ،‬وقوله‪َ [ :‬و ُْأزل َف ‪َ َ ْ َ ُ َ s‬‬
‫فإذا كان الصوم مدرسة‪ s‬للتقوى‪ ،‬والتقوى طريقاً إىل اآلخرة فقد أصبح رمضان (قاربنا) إىل جنات اخللود‬
‫و(مركبنا) إىل ما ال عني رأت‪ ،‬وال أذن مسعت وال خطر على قلب بشر‪..‬‬
‫فيا داعي اخلري أقبل‪ ،‬ويا داعي الشر أقصر‪...‬‬
‫[‪ ]4‬رمضان شهر المغفرة‬
‫ومن عطاءات رمضان وأعطياته ومعطياته أنه شهر املغفرة‪ ..‬فإقبال املسلم على اهلل يف هذا الشهر‪ ،‬وجمانبته ألهوائه‪،‬‬
‫وجماهدته لنفسه‪ ،‬وما يساعد على ذلك من تصفيد للشياطني‪ ،‬وإضعاف لعوامل الشر‪ ،‬وتقوية لعوامل اخلري‪ ،‬جيعل‬
‫باب التوبة مفتوحاً على مصراعيه‪ ،‬الحيتاج الصائم فيها إىل كبري عناء ليبلغ الظّهر املنشود والغفران املقصود‪..‬‬
‫فإذا كانت أبواب التوبة مشرعة باإلطالق – يف رمضان‪ s‬ويف غري رمضان – مصداقاً لقوله‪ s‬صلى اهلل عليه وسلم [ ‪:‬‬
‫إن اهلل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار‪ ،‬ويبسط يدي بالنهار ليتوب مسيء الليل‪ ،‬حىت تطلع الشمس من‬
‫مغرهبا" رواه مسلم‪ s،‬فكيف هبا يف رمضان؟‬

‫‪3‬‬
‫وحبسب الرتتيب الزماين‪ ،‬تأيت املغفرة يف العشر الثاين من رمضان‪ s‬مشفعة برمحة العشر األوائل‪ ،‬طامعة بالعتق من النار‬
‫يف العشر األواخر‪ ..‬مشدودة إىل اخلطاب النبوي "أتاكم شهر رمضان‪ s،‬شهر بركة‪ ،‬يغشاكم اهلل فيه‪ ،‬فينزل الرمحة‪،‬‬
‫وحيط اخلطايا‪ ،‬ويستجيب الدعاء‪ .‬فينظر اهلل تعاىل إىل تنافسكم فيه‪ ،‬ويباهي بكم مالئكته‪ .‬فأروا اهلل من أنفسكم‬
‫خرياً‪ ،‬فإن الشقي من حرم فيه رمحة اهلل" رواه الطرباين‪.‬‬
‫وإىل كل ذلك يشري اخلطاب النبوي قائالً‪" :‬إذا كان أول ليلة من رمضان‪ s‬ص ّفدت الشياطني ومردة اجلن‪ ،‬وفتحت‬
‫مناد‪ :‬أيا باغي اخلري أقبل‪ ،‬ويا‬ ‫أبواب اجلنة فلم يغلق منها باب‪ ،‬وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب‪ ،‬وينادي ٍ‬
‫باغي الشر أقصر‪ ،‬وهلل عتقاء من النار‪ ،‬وذلك كل ليلة"‪ .‬رواه ابن خزمية يف صحيحه‪.‬‬
‫واخلطاب النبوي يؤكد أن الغفران حمقق يف رمضان‪ s‬يف حال حتققت شروط الصوم‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫"من صام رمضان‪ s‬إمياناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه ابن البخاري يف صحيحه‪.‬‬
‫وامللفت أن املسؤولية الشرعية تتعاظم يف شهر رمضان‪ s،‬ملا تشكله أجواءه من مناخات طاهرة نظيفة تعني على كل‬
‫"بعُ َد من أدرك‬ ‫خري‪ ،‬وتبعد عن كل شر‪ ،‬وتسقط كل ذرائع اإلحنراف‪ ،‬وهذا املقصود يف قوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬‬
‫رمضان فلم يغفر له"‪.‬‬
‫ومن سياق األحاديث النبوية الشريفة يتبني لنا مدى فاعلية شهر رمضان‪ s‬يف توفري شروط التوبة‪ ،‬وهتيئة موجبات‬
‫املغفرة‪.‬‬
‫فلنقبل أيها األخوة الصائمون على اهلل يف شهر رمضان ويف كل شهر‪ ،‬ولنسأله تعاىل الرمحة واملغفرة‪ ،‬ملبّني نداءه‬
‫وب مَجِ يعاً ِإنَّهُ ُه َو الْغَ ُف ُ‪s‬‬
‫ور‬ ‫َأسرفُوا َعلَى َأن ُف ِس ِه ْم اَل َت ْقنَطُوا ِمن رَّمْح َِة اللَّ ِه ِإ َّن اللَّهَ َي ْغ ِفر ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫الكرمي‪ [ :‬قُل يا ِعب ِاد َّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ين ْ َ‬ ‫ي الذ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َأح َس َن َما ُأنز َل‬ ‫نص ُرو َن (‪َ )54‬واتَّبعُوا ْ‬ ‫اب مُثَّ اَل تُ َ‬ ‫َأسل ُموا لَهُ من َقْب ِل َأن يَْأتيَ ُك ُم الْ َع َذ ُ‬
‫يم (‪َ )53‬وَأنيبُوا ىَل َربِّ ُك ْم َو ْ‬ ‫الرح ُ‬
‫ِ‬
‫اب َب ْغتَةً َوَأنتُ ْم اَل تَ ْشعُُرو َن (‪( ] )55‬الزمر)‪.‬‬ ‫ِإلَْي ُكم ِّمن َّربِّ ُكم ِّمن َقْب ِل َأن يَْأتيَ ُك ُم َ‬
‫الع َذ ُ‬
‫[‪ ]5‬شهر العتق من النار‬
‫ك حَمْظُوراً (‪)20‬‬ ‫لقد اختص اهلل تعاىل شهر رمضان‪ s‬بعطاء منه جزيل‪ ،‬ومن أجزل عطاءً من اهلل ]و ََما َكا َن َعطَاء َربِّ َ‬
‫[ (اإلسراء)‪.‬‬
‫إنه العتق من النار‪ ...‬والفوز‪ s‬برضى اهلل وجنته ونعيمه املقيم‪ ..‬وهل من عطاء أجزل وأفضل من هذا العطاء؟ بل هل‬
‫ب َأْتراباً (‪ )33‬و َكْأساً ِد َهاقاً (‪ )34‬اَّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ني َم َفازاً (‪َ )31‬ح َداِئ َق َو ْ‬
‫َأعنَاباً (‪َ )32‬و َك َواع َ َ‬ ‫من عطاء يضاهيه؟ ]ِإ َّن ل ْل ُمتَّق َ‬
‫ك َعطَاء ِح َساباً (‪( [ )36‬النبأ)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْس َمعُو َن ف َيها لَ ْغواً َواَل كِ َّذاباً (‪َ )35‬جَزاء ِّمن َّربِّ َ‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ [ :‬للصائمني باب يف اجلنة يقال له (الريان) ال يدخل منه أحد غريهم‪ .‬فإذا‬
‫دخل آخرهم ُأغلق‪ .‬من دخل شرب‪ ،‬ومن شرب مل يظمأ أبداً ]رواه ابن خزمية يف صحيحه‪.‬‬
‫وتبياناً ملا اختص اهلل به شهر رمضان‪ s‬من خري وعطاء‪ ،‬خطب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم باملسلمني يف آخر يوم‬
‫من شعبان فقال‪ [ :‬قد أظلّمكم شهر عظيم‪ ،‬شهر مبارك‪ ،‬شهر فيه ليلة خري من ألف شهر‪ ،‬جعل اهلل صيامه‬
‫فريضة‪ ،‬وقيام ليله تطوعاً‪ .‬من تقرب فيه خبصلة من اخلري‪ ،‬كان كمن أدى فريضة فيما سواه‪ ،‬ومن أدى فريضة كان‬
‫كمن أدى سبعني فريضة فيما سواه‪ .‬وهو شهر الصرب‪ ،‬والصرب ثوابه اجلنة‪ .‬وشهر املواساة‪ ،‬وشهر يزداد فيه رزق‬
‫املؤمن‪ .‬من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه‪ ،‬وعتق رقبته من النار‪ ،‬وكان له مثل أجره من غري أن ينتقص من‬
‫أجره شيء] رواه ابن خزمية يف صحيحه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫لقد امنت اهلل تعاىل على الصائمني القائمني أن فتح هلم أبواب رمحته يف العشر األوائل‪ ،‬وأكرمهم باملغفرة يف العشر‬
‫الثاين‪ ،‬وتوج عطاءاهتم بالعتق من النار يف العشر األخري‪.‬‬
‫وجل بإعتاق الصائمني من النار يف كل يوم‪ ،‬فقال صلى‬‫عز ّ‬ ‫بشر ّ‬
‫بل إن اهلل اختص شهر رمضان‪ s‬بعميم فضله حيث ّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪" :‬إن اهلل عند كل فطر عتقاء‪ ،‬وذلك يف كل ليلة" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫[‪ . ]6‬رمضان شهر القرآن‬
‫إنه يكفي رمضان شرفاً وتكرمياً أن اختصه اهلل تعاىل بنزول القرآن الكرمي دون سائر الشهور‪ .‬قال تعاىل‪َ ] :‬ش ْه ُر‬
‫َّاس وبِّينَ ٍ‬
‫ات ِّمن اهْل َدى والْ ُفرقَ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ان[ (البقرة‪.)185:‬‬ ‫َ ُ َ ْ‬ ‫ي ُأن ِز َل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِّلن ِ َ َ‬
‫ضا َن الذ َ‬
‫َر َم َ‬
‫والقرآن كتاب اهلل تعاىل الذي ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه تنزيل من عزيز محيد‪.‬‬
‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬إن هذا القرآن مأدبة اهلل فأقبلوا من مأدبته ما استطعتم‪ .‬إن هذا القرآن حبل اهلل‪،‬‬
‫والنور املبني‪ ،‬والشفاء النافع‪ ،‬عُصبة ملن متسك به‪ ،‬وجناة ملن اتبعه‪ ،‬ال يزيغ فيُستعتب‪ ،‬وال يعوج فيقوم‪ ،‬وال تنقضي‬
‫عجائبه‪ ،‬وال خيلق من كثرة الرد‪ ،‬اتلوه فإن اهلل يأجركم على تالوته‪ ،‬كل حرف عشر حسنات‪ .‬أما أين ال أقول‬
‫(أمل) حرف‪ ،‬ولكن ألف حرف‪ ،‬والم حرف‪ ،‬وميم حرف" رواه احلاكم‪.‬‬
‫الزيغ‪،‬‬ ‫‪ -‬والقرآن هو املصدر األول للتشريع اإلسالمي‪ ،‬وهو الدستور األساس للمنهج الرباين‪ ،‬وهو العاصم من ّ‬
‫والنور املبني‪ ،‬والدال على الطريق القومي والصراط املستقيم‪ .‬قال تعاىل‪] :‬قَ ْد جاء ُكم ِّمن اللّ ِه نُ ِ‬
‫ني (‪)15‬‬ ‫اب ُّمبِ ٌ‬
‫ور َوكتَ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫[ (املائدة) ويف وصية أليب ذر الغفاري قال‪( :‬عليك بتالوة القرآن فإنه نور لك يف األرض‪ ،‬وذخر لك يف السماء)‬
‫ابن حبان‪ .‬وقال ‪" :e‬تركت فيكم شيئني لن تضلوا بعدمها‪ :‬كتاب اهلل‪ ،‬وستين‪ ،‬ولن يتفرقا حىت يردا علي احلوض"‬
‫رواه احلاكم‪.‬‬
‫‪ -‬والقرآن الكرمي شافع مشفع يوم القيامة‪ ،‬بدليل قوله ‪" :e‬القرآن شافع مشفع‪ ،‬وماحل مصدق‪ ،‬من جعله أمامه‬
‫قاده إىل اجلنة‪ ،‬ومن جعله خلفه ساقه إىل النار" رواه الطرباين وابن ماجة‪ ،‬وبدليل قوله ‪" :e‬اقرأوا القرآن فإنه يأيت‬
‫يوم القيامة شفيعاً ألصحابه" ملسلم‪ ،‬وقوله‪" :‬الصيام والقرآن يشفعان للعبد‪ s‬يوم القيامة‪ ،‬يقول الصيام‪ :‬أي رب إين‬
‫منعته الطعام الشهوات بالنهار فشفعين فيه‪ ،‬ويقول القرآن‪ :‬رب منعته النوم بالليل فشفعين فيه‪ ،‬فيشفعان"‪ s‬رواه اإلمام‬
‫أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫‪ -‬والقرآن قوة ملن يتلوه ويتدبره‪ ،‬وعزة ملن يدعو إليه ويبلغه‪ ،‬ورفعة يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقوله‪" :‬إن اهلل يرفع هبذا‬
‫القرآن أقواماً ويضع به آخرين" رواه مسلم‪s.‬‬
‫‪ -‬والقرآن حجة لإلنسان أو حجة عليه‪:‬‬
‫* فمطلوب من صاحب القرآن أن يلتزم أوامره‪ ،‬حيل حالله وحيرم حرامه‪ ،‬مصداقاً لقوله‪" :e s‬ما آمن بالقرآن من‬
‫استحل حمارمه" رواه الرتمذي‪.‬‬
‫* ومطلوب من قارئ القرآن أن يتعبد اهلل يف قراءته‪ ،‬وأن يتعبده يف تدبر معانيه‪ ،‬حىت ال يكون معنياً بقوله ‪" :e‬رب‬
‫تال للقرآن‪ s‬والقرآن يلعنه"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ -‬والقرآن الكرمي مناط التكليف الرباين لعباد اهلل أمجعني‪ ،‬ومعقد‪ s‬احلجة الشرعية على الناس أمجعني‪ ...‬وهذا ما‬
‫معين مبا يرد فيه من أوامر ونواه وتكاليف وأحكام‪ .‬وهذا ما جعل والد‬ ‫يفرض على قارئ القرآن أن يدرك أنه ّ‬
‫الفيلسوف اإلسالمي حممد إقبال‪ ،‬رمحهما اهلل‪ ،‬بقول البنه كلما رآه يتلو كتاب اهلل‪( :‬إقرأ القرآن وكأنه عليك‬
‫ينزل)‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وهذا ما يفرض على املسلم دوام قراءته وتدبره‪ ،‬ومتابعة ما يستجد من دالئل إعجازه وخباصة يف اجملاالت العلمية‬
‫(يف الفلك‪ ،‬والطب‪ ،‬األرض‪ ،‬البحار‪ ..‬اخل)‪ .‬ويف املكتبات اليوم الكثري من املؤلفات والتسجيالت الصوتية‪.‬‬
‫[‪ . ]7‬رمضان شهر الجهاد‬
‫ومن بركات شهر رمضان‪ s‬وفضائله‬
‫أنه شهر اجلهاد بكل جوانبه وأبوابه ومراتبه‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫*اجلهاد النفسي‪:‬‬
‫ففي الصيام مغالبة األهواء والطباع‪ ،‬وترويض النفس األمارة بالسوء‪ ،‬حىت يستقيم حاهلا على منهج اهلل‪ ،‬وتنزل عند‬
‫ضى اللَّهُ َو َر ُسولُهُ‪َْ s‬أمراً َأن يَ ُكو َن هَلُ ُم اخْلَِيَرةُ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أحكامه ومبادئه‪ ،‬مصداقاً لقوله‪ s‬تعاىل‪َ ] :‬و َما َكا َن ل ُمْؤ م ٍ‪s‬ن َواَل ُمْؤ منَة ِإذَا قَ َ‬
‫ضاَل الً ُّمبِيناً (‪( [ )36‬األحزاب)‪.‬‬ ‫ض َّل َ‬ ‫ِم ْن َْأم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ‬
‫ص اللَّهَ َو َر ُسولَهُ‪َ s‬ف َق ْد َ‬
‫ومن أجل ذلك جاء اخلطاب النبوي مشدداً على املقصد‪ s‬الرتبوي للصوم‪ s..‬فقال ‪" :e‬قال اهلل تعاىل‪ :‬كل عمل ابن‬
‫آدم له‪ ،‬إال الصيام فإنه يل وأنا أجزي به‪ .‬والصيام جنة‪ ،‬فإذا كان يوم صوم أحدكم فال يرفث وال يصخب‪ ،‬فإن‬
‫سابّه أحد أو قاتله‪ ،‬فليقل‪ :‬إين امرؤ صائم‪ .‬والذي نفس حممد بيده‪ ،‬خللوف فم الصائم عند اهلل أطيب من ريح‬
‫املسك‪ .‬وللصائم فرحتان يفرحهما‪ :‬إذا أفطر فرح بفطره‪ ،‬وإذا لقي ربه فرح بصومه" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫بل إن اخلطاب النبوي ليحذر من صوم بال مكارم وقيم‪ .‬فيقول ‪" :e‬من مل يدع قول الزور والعمل به‪ ،‬فليس هلل‬
‫حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه" رواه اإلمام أمحد يف مسنده والبخاري يف صحيحه‪ ،‬ويقول‪" :‬رب قائم حظه من‬
‫قيامه السهر‪ ،‬ورب صائم حظه من صيامه اجلوع والعطش" أخرجه الطرباين‪ ،‬وقوله‪" :‬ليس الصيام من األكل‬
‫والشرب‪ ،‬وإمنا الصيام من اللغو والرفث‪ ،‬فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل‪ :‬إين صائم إين صائم" أخرجه احلاكم‬
‫يف املستدرك‪s.‬‬
‫*اجلهاد االجتماعي اخلريي‪:‬‬
‫وهو اجلهاد الذي يقع ضمن دائرة البذل والعطاء واملواساة ومساعدة الفقراء وكفالة األيتام واألرامل مصداقاً لقوله‪s‬‬
‫‪" :e‬الساعي على األرملة واملسلمني‪ ،‬كاجملاهد يف سبيل اهلل‪ ،‬أو القائم الليل الصائم النهار" رواه البخاري ومسلم‪s.‬‬
‫ورمضان‪ s‬مدرسة يف املواساة وبذل اخلري لآلخرين ال تضاهيها مدرسة أخرى ‪ .‬فمن هديه ‪:e‬‬
‫‪ -‬من فطر صائماً كان له مثل أجره‪ ،‬غري أنه ال ينقص من أجر الصائم شيئاً" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫‪" -‬الصائم إذا ُأكل عنده الطعام‪ ،‬صلت عليه املالئكة" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫‪ -‬إن الصائم تسبح عظامه وتستغفر له ما ُأكل عنده" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫‪ -‬ولقد كان رسول اهلل ‪ e‬أجود الناس‪ ،‬وكان أجود ما يكون يف رمضان‪s.‬‬
‫‪ -‬وزكاة الفطر َم ْعلَ ٌ‪s‬م من معامل اجلهاد اخلريي يف رمضان‪s.‬‬
‫‪ -‬ويف حديث ابن عمر املتفق عليه‪( :‬فرض رسول اهلل ‪ e‬زكاة الفطر يف رمضان على الناس‪ ،‬صاعاً من متر‪ ،‬أو‬
‫صاعاً من شعري‪ ،‬على العبد واحلر والذكر واألنثى‪ ،‬والصغري والكبري من املسلمني"‪s.‬‬
‫‪ -‬وحتقيقاً إلسعاد املسلمني مجيعاً يف رمضان‪ ،‬جاءت لفتة رسول اهلل ‪ e‬إىل مقاصد الزكاة يف قوله‪" :‬أغنوهم هبا عن‬
‫السؤال يف ذلك اليوم"‪.‬‬
‫* اجلهاد السياسي‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫ويقع ضمن دائرة العمل لتحقيق العدالة والسيادة واحلرية‪ ،‬واليت اختصرها خطاب (ربعي بن عامر) لرستم قائد‬
‫جيوش فارس بقوله‪( :‬اهلل ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إىل عبادة اهلل الواحد القهار‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل‬
‫سعتها‪ ،‬ومن جور األديان إىل عدالة اإلسالم)‪.‬‬
‫كما يقع ضمن دائرة الصدع باحلق‪ ،‬واألخذ على يد الظامل‪ .‬وهو من أفضل القربات إىل اهلل كما خيرب الرسول ‪:e‬‬
‫"أفضل اجلهاد كلمة حق عند سلطان جائر" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫واإلسالم يعترب هذا النوع من اجلهاد خطوة وقائية حتفظ األمة من الضعف واالحنالل والسقوط‪ .‬وتأكيداً لذلك جاء‬
‫اخلطاب النبوي حمذراً قائالً‪" :‬إذا رأيت أميت هتاب الظامل أن تقول له‪ :‬إنك ظامل‪ ،‬فقد تودع منهم" رواه اإلمام أ؛مد‬
‫يف مسنده‪.‬‬
‫‪ -‬ففي رمضان‪ s‬مت هدم أكرب أصنام العرب‪( ،‬الالت ومناة وسواع) حىت ال تكون فتنة ويكون الدين كله هلل‪.‬‬
‫‪ -‬ويف رمضان مت هدم مسجد الضرار‪ ،‬استئصاالً لشأفة النفاق وحىت تكون املساجد هلل‪ ،‬يعمرها من آمن باهلل واليوم‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ب اللّهَ َو َر ُسولَهُ‪s‬‬ ‫صاداً لِّ َم ْن َح َار َ‬ ‫ني َوِإ ْر َ‬ ‫ين اخَّتَ ُذواْ َم ْسجداً ضَراراً َو ُك ْفراً َوَت ْف ِريقاً َبنْي َ الْ ُمْؤ من َ‬ ‫اآلخر‪ ..‬قال تعاىل‪َ ] :‬والذ َ‬
‫س َعلَى‬ ‫ُأس َ‬‫ِمن َقْب ُل َولَيَ ْحلِ َف َّن ِإ ْن ََأر ْدنَا ِإالَّ احْلُسْىَن َواللّهُ يَ ْش َه ُد ِإن َُّه ْم لَ َك ِاذبُو َن (‪ )107‬الَ َت ُق ْم فِ ِيه َأبَداً لَّ َم ْس ِج ٌ‪s‬د ِّ‬
‫وم فِ ِيه فِ ِيه ِر َج ٌ‬
‫ال حُيِ بُّو َن َأن َيتَطَ َّه ُرواْ َواللّهُ حُيِ ُّ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫س‬‫َأس َ‬‫ين (‪َ )108‬أفَ َم ْن َّ‬ ‫ب الْ ُمطَّ ِّه ِر َ‬ ‫َأح ُّق َأن َت ُق َ‬
‫الت ْق َوى م ْن ََّأول َي ْوم َ‬ ‫َّ‬
‫َّم َواللّهُ الَ‬ ‫ِِ يِف ِ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ض َو ٍان َخْيٌر َأم َّم ْن َّ‬ ‫بُْنيَانَهُ َعلَى َت ْق َوى ِم َن اللّ ِه َو ِر ْ‬
‫س بُْنيَانَهُ َعلَ َى َش َفا ُج ُرف َهار فَا ْن َه َار به نَار َج َهن َ‬ ‫َأس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هِبِ ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يم (‬ ‫يم َحك ٌ‬ ‫ني (‪ )109‬الَ َيَز ُال بُْنيَانُ ُه ُم الَّذي َبَن ْواْ ِريبَةً يِف ُقلُو ْم الَّ َأن َت َقطَّ َع ُقلُوبُ ُه ْم َواللّهُ َعل ٌ‬ ‫َي ْهدي الْ َق ْو َم الظَّالم َ‬
‫‪( [ )110‬التوبة)‪.‬‬
‫* اجلهاد العسكري‪:‬‬
‫ويف رمضان‪ s‬وقعت أكرب الغزوات واملعارك بني املسلمني وبني أعداء اإلسالم من القوى اجلاهلية‪ ،‬وكان النصر دائماً‬
‫حليف املؤمنني‪.‬‬
‫صَر ُك ُم اللّهُ بِبَ ْد ٍر َوَأنتُ ْم َِأذلَّةٌ فَ َّات ُقواْ اللّهَ لَ َعلَّ ُك ْم‬‫* يف غزوة بدر‪ :‬انتصر املسلمون‪ s‬وهم قلة ونزل قوله تعاىل‪َ ] :‬ولََق ْد نَ َ‬
‫ت فَِئةً َكثِريةً بِِإ ْذ ِن اللّ ِه واللّهُ مع َّ ِ‬ ‫ٍِ ِ ٍ‬
‫ين (‪)249‬‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ‬ ‫تَ ْش ُك ُرو َن (‪( [..)123‬آل عمران)‪َ ] ،‬كم ِّمن فَئة قَليلَة َغلَبَ ْ‬
‫[(البقرة)‪.‬‬
‫* ويوم الفتح‪ :‬دخل رسول اهلل ‪ e‬مكة فاحتاً‪ ،‬وخطب يف اجلموع قائالً‪" :‬ال إله إال اهلل وحده‪ ،‬ال شريك له‪ ،‬صدق‬
‫وعده‪ ،‬ونصر عبده‪ ،‬وهزم األحزاب وحده‪ .‬يا معشر قريش إن اهلل قد أذهب عنكم خنوة اجلاهلية وتعاظمها باآلباء‪،‬‬
‫َّاس ِإنَّا َخلَ ْقنَا ُكم ِّمن ذَ َك ٍر َوُأنثَى َو َج َع ْلنَا ُك ْم ُشعُوباً‬ ‫والناس آلدم وىدم من تراب"‪ .‬مث تال قول اهلل تعاىل‪ ] :‬يَا َأيُّ َها الن ُ‬
‫يم َخبِريٌ (‪( [ )13‬احلجرات)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِئ ِ‬
‫َو َقبَا َل لَت َع َارفُوا َّن َأ ْكَر َم ُك ْم ع َند اللَّه َأْت َقا ُك ْم َّن اللَّهَ َعل ٌ‬
‫* ويف رمضان ويف العاشر من اهلجرة‪ ،‬بعث الرسول ‪ e‬اإلمام علي بن أيب طالب كرم اهلل وجهه يف سرية إىل بالد‬
‫اليمن‪ .‬وقد محل معه كتاباً نبوياً إىل أهلها‪ ،‬وخباصة فبيلة مهدان اليت أسلمت مجيعها يف يوم واحد‪ ،‬وصلى أفرادها‬
‫مجيعاً خلف اإلمام علي‪.‬‬
‫* ويف رمضان من السنة ‪ 91‬هجرية نزل املسلمون إىل الشاطئ اجلنويب لبالد األندلس‪ ،‬وغزوا بعض الثغور اجلنوبية‪.‬‬
‫*ويف رمضان من السنة ‪ 92‬هجرية انتصر القائد املسلم طارق بن زياد على امللك رودريك يف معركة فاصلة‪.‬‬
‫* ويف رمضان من العام ‪ 584‬هجرية‪ ،‬كان صالح الدين األيويب قد أحرز انتصارات باهرة على الصليبيني حىت‬
‫استخلص منهم معظم البالد اليت استولوا عليها‪ .‬وحني نصحه بعض رجاله أن يرتاح يف شهر رمضان‪ s،‬خاف من‬

‫‪7‬‬
‫انقضاء األجل وقال‪( :‬إن العمر قصري واألجل غري مأمون)‪ ،‬وواصل زحفه حىت استوىل على قلعة صفد احلصينة يف‬
‫منتصف رمضان‪.‬‬
‫*ويف رمضان من العام ‪ 658‬املوافق (‪1260‬م)‪ ،‬هزم املماليك بقيادة امللك املظفر (قطز) التتار يف معركة عني‬
‫جالوت‪ ،‬وأوقفوا زحفهم هنائياً ‪ ..‬وكانوا يستهدفون‪ s‬القضاء الشامل على العامل اإلسالمي ‪.‬‬
‫[‪ ]8‬رمضان شهر التراويح‬
‫تسن فيها اجلماعة‪،‬‬
‫ومن بركات شهر رمضان‪ s‬أنه شهر (الرتاويح) واملعروفة بصالة القيام‪ .‬وهي سنة مؤكدة‪ّ ،‬‬
‫ووقتها بعد صالة العشاء من كل ليلة من ليايل رمضان‪s.‬‬
‫* صالة الرتاويح ليست حمددة الركعات فللمسلم أن يصليها مثانية‪،‬وله أن يصليها عشرين سوى الوتر‪.‬‬
‫* ويف فضلها قال رسول اهلل ‪" :e‬من قام رمضان‪ s‬إمياناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه اجلماعة‪.‬‬
‫* وقيام الليل (أو التهجد) يعترب يف مقدمة‪ s‬العبادات ذات األثر البالغ يف تكوين الشخصية املسلمة وحتليتها بالسلوك‬
‫الرباين‪ .‬ومن أجل ذلك اعتربت احملضن األساس للتنشئة اإلميانية حيث يقول تعاىل‪] :‬إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً‬
‫وأقوم قيالً (‪( [)6‬املزمل)‪.‬‬
‫* وقد وصف اهلل تعاىل عباده املؤمنني‪:‬‬
‫‪ -‬أن جنوهبم تتجاىف عن املضاجع‪.‬‬
‫‪ -‬وأهنم كانوا قليالً من الليل ما يهجعون‪.‬‬
‫‪ -‬وباألسحار هم يستغفرون‪.‬‬
‫* ويف اخلطاب النبوي إشارة واضحة إىل فضيلة قيام الليل وأثره الرتبوي يف حياة الدعاة والصاحلني‪ ،‬حيث يقول ‪:e‬‬
‫"عليكم بقيام الليل‪ ،‬فإنه دأب الصاحلني قبلكم‪ ،‬وقربة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬ومنهاة عن اإلمث وتكفري للسيئات‪ ،‬ومطردة‬
‫للداء عن اجلسد" رواه الرتمذي والطرباين‪.‬‬
‫* وروي أن جربيل عليه السالم جاء النيب ‪ e‬فقال‪" :‬يا حممد ‪ ..‬عش ما شئت فإنك ميت‪ ،‬وأحبب من شئت فإنك‬
‫مفارقه‪ ،‬واعمل ما شئت فإنك جمزى به‪ ،‬واعلم أن شرف املؤمن قيامه بالليل‪ ،‬وعزه استغناؤه عن الناس" رواه‬
‫احلاكم يف املستدرك‪.‬‬
‫* ويف احلث على قيام الليل‪ ،‬والتحذير من وسوسة الشيطان بالتكاسل‪ ،‬قال رسول اهلل ‪" :e‬إذا أراد العبد الصالة من‬
‫الليل‪ ،‬أتاه ملك فيقول له‪ :‬قم فقد أصبحت‪ ،‬فصل واذكر ربك‪ .‬فيأتيه الشيطان فيقول‪ :‬عليك ليل طويل وسوف‬
‫تقوم‪ ،‬فإن قام فصلى أصبح خفيف اجلسم قرير العني‪ ،‬وإن هو أطاع الشيطان حىت أصبح‪ ،‬بال يف أذنه" رواه‬
‫الطرباين‪.‬‬
‫إن املسلم على موعد يومي مع خالقه عز وجل‪ .‬فهل يُعقل أن خيلف أحدنا هذا املوعد وحنن ال خنلف مواعيدنا مع‬
‫خلق اهلل‪ ...‬أومل نسمع قوله ‪" :e‬ينزل ربنا تبارك وتعاىل كل ليلة إىل السماء الدنيا‪ ،‬حني يبقى ثلث الليل األخري‪،‬‬
‫فيقول‪ :‬من يدعوين فأستجيب له؟ من يسألين فأعطيه؟ من يستغفرين فأغفر له؟" رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫[‪ ]9‬شهر ليلة القدر‬


‫ومن جليل ما اختص اهلل به شهر رمضان‪ ،‬أن جعل فيه ليلة هي خري من ألف شهر‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬إنا أنزلناه يف ليلة‬
‫تنزل املالئكة والروح فيها بإذن رهبم من‬‫القدر (‪ )1‬وما ادراك ما ليلة القدر (‪ )2‬ليلة القدر خري من ألف شهر (‪ّ )3‬‬

‫‪8‬‬
‫كل أمر (‪ )4‬سالم هي حىت مطلع الفجر (‪( [ )5‬القدر)‪ ،‬وقال‪] :‬إنا أنزلناه يف ليلة مباركة إنا كنا منزلني (‪ )3‬فيها‬
‫يفرق كل أمر حكيم (‪( [ )4‬الدخان)‪.‬‬
‫·‪   ‬فليلة القدر اليت تقع يف العشر األخري من شهر رمضان‪ ،‬وترجيحاً يف السابع والعشرين أو التاسع‬
‫والعشرين منه‪ ،‬هي الليلة اليت اصطفاها اهلل تعاىل بنزول كتابه من اللوح احملفوظ إىل السماء‬
‫الدنيا‪ ،‬ولبدء تنزهلا على رسوله حممد صلى اهلل عليه وسلم فعن أيب سعيد اخلدري أنه قال‪:‬‬
‫(اعتكفنا مع رسول اهلل يف العشر األوسط من رمضان‪ ،‬فقال‪" :‬إين ُأريت ليلة القدر‪ ،‬مث‬
‫أنسيتها‪ ،‬فالتمسوها يف العشر األواخر يف الوتر‪ ،‬وإين رأيت أين أسجد يف ماء وطني من‬
‫صبيحتها") رواه البخاري ومسلم‪ s‬وابن ماجة‪.‬‬
‫·‪   ‬وكان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حريصاً على تلمس كل أسباب اخلري وخباصة يف العشر‬
‫األخري من رمضان (احملضن الزمين) لليلة القدر‪ .‬فقد ح ّدثت السيدة عائشة رضي اهلل عنها‬
‫فقالت‪( :‬كانت النيب صلى اهلل عليه وسلم جيتهد يف العشر األواخر ما ال جيتهد غريه) رواه ابن‬
‫ماجة‪ ،‬ويف موضع آخر قالت رضي اهلل عنها‪( :‬كان النيب صلى اهلل عليه وسلم إذا دخل العشر‬
‫شد مئزره‪ ،‬وأحيا ليله‪ ،‬وأيقظ أهله) رواه ابن ماجة‪ ،‬ويف رواية البخاري (إذا دخل العشر أحيا‬
‫الليل‪ ،‬وأيقظ أهله‪ ،‬وج ّد‪ ،‬وشد املئزر)‪.‬‬
‫·‪   ‬ويشري رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم إىل فضل ليلة القدر فيقول‪" :‬من قام ليلة القدر إمياناً‬
‫واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه البخاري‪.‬‬
‫·‪   ‬أما عن تسمية الليلة بليلة القدر‪ ،‬فلعظم قدرها وفضلها عند اهلل‪ ،‬وألنه تعاىل يقدِّر فيها ما يكون‬
‫من اآلجال واألرزاق‪ ،‬وكل املق ّدرات األخرى يف العام الذي يليله‪ .‬قيل للحسني بن الفضل‪:‬‬
‫(أليس قد قدر اهلل املقادير قبل أن خيلق السماوات واألر‪ ،‬قال نعم‪ ،‬فقيل له‪ :‬فما تعين ليلة‬
‫القدر؟ قال‪ :‬سوق املقادير إىل املواقيت‪ ،‬وتنفيذ قضاء املقدور"‪s.‬‬
‫·‪   ‬قال ابن عباس‪ :‬ذكر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم رجالً من بين إسرائيل محل السالح على‬
‫عاتقه ألف شهر‪ .‬فعجب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لذلك ومتىن ذلك ألمته‪ .‬فقال‪" :‬يا‬
‫رب جعلت أميت أقصر األمم أعماراً وأقلها أعماالً"‪ ،‬فأعطاه اهلل تبارك وتعاىل ليلة القدر فقال‪:‬‬
‫]ليلة القدر خري من ألف شهر[ اليت محل فيها االسرائيلي السالح يف سبيل اهلل لك وألمتك إىل‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫·‪   ‬قال الشعيب‪( :‬هي ليلة ساملة ال يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً وال أذى) وقال‪( :‬هي تسليم‬
‫املالئكة على أهل املساجد من حني غياب الشمس إىل أن يطلع الفجر‪ ،‬ميرون على كل مؤمن‬
‫ويقولون‪ :‬السالم عليك أيها املؤمن)‪.‬‬
‫·‪        ‬وقال عطاء‪( :‬هي سالم على أولياء اهلل وأهل طاعته‪ ،‬حىت مطلع الفجر)‪.‬‬
‫·‪   ‬وقال ابن عباس‪( :‬يف تلك الليلة تصفد الشياطني‪ ،‬وتغل عفاريت اجلن‪ ،‬وتفتح فيها أبواب السماء‬
‫كلها‪ ،‬ويقبل اهلل فيها التوبة لكل تائب)‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫·‪   ‬ويف صفة ليلة القدر قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬ليلة القدر ليلة بلجة‪ ،‬ال حارة وال‬
‫باردة‪ ،‬وال سحاب فيها وال مطر‪ ،‬وال ريح‪ ،‬وال يرمى فيها بنجم‪ ،‬ومن عالمة يومها تطلع‬
‫الشمس ال شعاع هلا" رواه الطرباين يف الكبري‪.‬‬
‫·‪   ‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬ليلة القدر ليلة مسحة‪ ،‬طلقة‪ ،‬ال حارة‪ ،‬وال باردة‪ ،‬تصبح الشمس‬
‫صبيحتها ضعيفة محراء" شعب االميان للبيهقي‪s.‬‬
‫·‪        ‬وزاد الزيادي‪" :‬كأن فيها قمراً يفضح كواكبها" وقال‪" :‬ال خيرج شيطاهنا حىت يضيء فجرها"‪.‬‬
‫الصحة‬
‫[‪ ]10‬رمضان شهر ّ‬
‫ومن بركات شهر رمضان‪ s‬شهر الصحة وفيه جيري التخفيف من تناول الطعام والشراب‪ ،‬فضالً عن االمتناع عن‬
‫ذلك سحابة النهار‪ ،‬حيث يرتاح اجلهاز اهلمضي‪ ،‬وتتحقق تنقية البدن من الرواسب الزائدة عن جاحته‪.‬‬
‫إنه (الرجييم) الرباين السنوي‪ ،‬الذي يُغين عن أي (رجييم) آخر إن اعتمدت شروطه‪ ،‬واتبعت تعليماته‪...‬‬
‫* فاإلسالم يعترب املعدة بيت الداء‪ ،‬واحلمية أصل كل شفاء ورأس كل دواء‪.‬كما أشار إىل ذلك حكيم العرب‬
‫احلارث بن كلدة ‪" :‬املعدة بيت الداء واحلمية رأس كل دواء"‪.‬‬
‫* واإلسالم يدعو يف اخلطاب القرآين إىل اعتماد التخفيف من الطعام والشراب أساساً فيقول تعاىل‪..] :‬و ُكلُواْ‬
‫ِ‬ ‫َوا ْشَربُواْ َوالَ تُ ْس ِرفُواْ ِإنَّهُ الَ حُيِ ُّ‬
‫ني (‪( [ )31‬األعراف)‪.‬‬ ‫ب الْ ُم ْس ِرف َ‬
‫* بل اإلسالم ليذهب إىل أكثر من ذلك حيث حيدد بانتظام ودقّة متناهية‪ ،‬طريق التعامل مع الطعام والشراب‪ ،‬حيث‬
‫يقول ‪" :e‬ما مأل آدمي وعاء شراً من بطنه‪ ،‬حبسب ابن آدم أكالت يقمن صلبه‪ ،‬فإن كان ال حمالة‪ ،‬فثلث لطعامه‪،‬‬
‫وثلث لشرابه‪ ،‬وثلث لنفسه" رواه اإلمام أمحد يف مسنده‪.‬‬
‫* واخلطاب النبوي يقطع حبتمية حتقق الصحة من خالل الصوم‪ ،‬حيث يقول‪" :‬صوموا تصحوا" رواه ابن السين‪.‬‬
‫وهنا استذكر ما مسعته مباشرة من‪ ،‬مدير األمن القومي يف عهد نيكسون‪( ،‬السيد كراين) والذي اعتنق اإلسالم‪،‬‬
‫حيث التقيته يف جممع أبو النور اإلسالمي بدمشق‪ ،‬قال‪( :‬كنت مصاباً مبرض الصداع النصفي (الشقيقة) على مدى‬
‫عشرات السنوات‪ ،‬ومل تنفع كل العالجات يف شفائي‪ ،‬وبعد اعتناقي اإلسالم‪ ،‬اطلعت على األحاديث النبوية‪،‬‬
‫ومنها قوله ‪" :e‬صوموا تصحوا"‪ ،‬فبدأت بالصوم‪ ..‬وبعد فرتة قصرية شفيت متاماً‪ ،‬واحلمد هلل)‪.‬‬
‫* ورمضان شهر الصحة كذلك ألنه الشهر الذي يكون املرء فيه قريباً من ربه مقبالً عليه‪ ،‬ومنيباً إليه‪ ،‬خاشعاً‬
‫متضرعاً بني يديه‪ ،‬مداوماً على ذكره وشكره‪ ،‬وحسن عبادته‪ ،‬حيث تتحقق السكينة وحيصل االطمئنان‪ ،‬وهو‬
‫ِ ِئ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِئ‬ ‫َّ ِ‬
‫وب (‪( [ )28‬الرعد)‪،‬‬ ‫ين َآمنُواْ َوتَطْ َم ُّن ُقلُوبُ ُهم بذ ْك ِر اللّه َأالَ بذ ْك ِر اللّه تَطْ َم ُّن الْ ُقلُ ُ‬ ‫موعود اهلل تعاىل يف كتابه‪] :‬الذ َ‬
‫وفيه جاء قوله تعاىل‪َ ] :‬أفَمن َشرح اللَّه ص ْدره لِِإْل ساَل ِم َفهو علَى نُو ٍر ِّمن َّربِِّه َفويل لِّْل َق ِ‬
‫اسيَ ِة ُقلُوبُ ُهم ِّمن ِذ ْك ِر اللَّ ِه‬ ‫ٌَْ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َُ ْ‬
‫ني (‪( [ )22‬الزمر)‪.‬‬ ‫ضاَل ٍل ُمبِ ٍ‬ ‫ك يِف َ‬ ‫ُْأولَِئ َ‬
‫وذكر اهلل تعاىل مصرف الوسواس الشيطانية اليت تتلف األعصاب‪ ،‬وهتيج النفس وتك ّدرها‪ ،‬مصداقاً لقوله‪" :e s‬إذا‬
‫ذكر اإلنسان اهلل خنس شيطانه‪ ،‬وإذا غفل وسوس"‪.‬‬
‫فوائد الصيام في حوار مع "البروفسور" مصطفى الحفار‪:‬‬
‫أجرت إحدى الصحف بتاريخ مقابلة مع الربوفسور‪ s‬مصطفى احلفار حول فوائد الصيام الطبية‪ ،‬وهذا نصها‪:‬‬
‫* فوائد الصوم طبياً‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫بادئ ذي بدء‪ ،‬أود أن أتوقف عند ما يسمى "اجلو الرمضاين"‪ ،‬وما يضفيه على اجملتمع بأسره من انعكاسات خرّي ة‪.‬‬
‫فهذا اجلو حبد ذاته يؤثر إجيابياً يف الصحة النفسية الفردية‪ .‬وهذا له فوائده بالنسبة ألنواع متعددة من املشاكل‬
‫الصحية اليت هلا عالقة باالضطرابات الداخلية النامجة عن تعذيب ضمري واليت حتتاج إىل توبة مع الذات بعمل اخلري‬
‫وتنقية النفس‪ .‬فالراحة الداخلية هذه تبعد‪:‬‬
‫‪ -‬عن القلب التقلصات الضارة‪.‬‬
‫‪ -‬وعن الشرايني التشنجات وضغطها‪.‬‬
‫‪ -‬وعن اهلضم اضطراباته‪.‬‬
‫‪ -‬كما وإن وضع املعدة يرتاح وترتاح معه إفرازاهتا وتنتظم‪ ،‬مبعدة عن أغشيتها داء "القرحة" اللعني‪.‬‬
‫* ضرورة لكل فرد وخصوصاً املرتفني‪:‬‬
‫إن كل فرد منا هو حباجة لالنكفاء عن الطعام والشراب‪ ،‬وبصورة دورية كي يستطيع التخلص من الرواسب‬
‫والفضالت وخباصة لدى املرتفني‪.‬‬
‫* يف فرنسا مراكز تبنّت الصوم للمعاجلة‪s:‬‬
‫ويف فرنسا توجد مراكز متخصصة يف دراسة أمراض التغذية‪ ،‬تبنّت ملرضاها الصيام الكامل الدوري‪ ،‬وأمسته‪:‬‬
‫"العالج الرمضاين"‪ ،‬بعد أن تأكد هلا وملرضاها جدوى هذه الطريقة وفوائدها على أعضاء اجلسم كله‪:‬‬
‫‪ -‬القلب ينتظم خفقانه وينهم بفرتة راحة من الناحية الوظائفية النامجة عن عملية اهلضم‪.‬‬
‫‪ -‬الدم تنتقي منه الزوائد والدهون واحلموضات‪.‬‬
‫‪ -‬كذلك الكبد يقوم بوظائفه‪ ،‬مع الصوم‪ ،‬دومنا إجهاد فيصنع للجسم املواد احليوية براحة‪.‬‬
‫* اإلفرازات احلمضية‪:‬‬
‫أما املعدة فيكثر معدل إفرازاهتا احلمضية واهلضمية‪ ،‬أول فرتة الصيام‪ ،‬مث ترتاجع تدرجيياً‪ .‬وتبقى كذلك مدة طويلة‬
‫يف مرحلة ما بعد الصوم‪ ،‬يشعر معها الصائم باالكتفاء بكمية أقل من األطعمة‪ .‬فيُبعد عنه وعن معدته زيادة‬
‫اإلفرازات اليت هي من أهم أسباب "التقرح"‪ ،‬والكلى خيف عنها العمل الوظائفي املضين‪.‬‬
‫إىل غري ذلك من عمليات التمائل (التحويل) للنشويات‪ ،‬السكريات‪ ،‬الربوتينات‪ ،‬والدهنيات املتكاثرة‪ ،‬اليت جتهد من‬
‫أجل هضمها ومتاثلها (حتويلها) غدد عديدة‪ ،‬إضافة إىل املعدة كالبنكرياس والكبد‪ .‬ففضالهتا تتكاثر ومع تكاثرها‬
‫تزداد إصابة غذائية هي باألصل‪:‬‬
‫‪ -‬توترات التصلب الشرياين‪.‬‬
‫‪ -‬والقصور يف عضالت القلب‪.‬‬
‫‪ -‬والتدهن يف الكبد وحصى املرارة الدهنية والكلسية‪.‬‬
‫‪ -‬وحصى الكلى وقصورها‪.‬‬
‫‪ -‬وارتفاع الضغط ومردوده على باقي األجهزة ومنها‪:‬‬
‫الدماغ – قصور البنكرياس – وما يسببه ملرضى السكري والتقرح املعدي‪.‬‬
‫كل هذه اإلصابات املرضية الغذائية يكثر حدوثها بالطبع عند من لديهم استعدادات وراثية‪ ،‬ولكن اجلميع معرضون‪s‬‬
‫هلا وإن بنسب متفاوتة‪.‬‬
‫* حاالت الضرر يف الصوم‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫علينا أن نتعرف على حاالت الضرر يف الصوم كما عرفنا فوائده‪ ،‬التزاماً بقاعدة "ال ضرر وال ضرار"‪ ،‬واستفادة من‬
‫رخصة اإلفطار للمرضى‪ .‬كما وعلى عامل الدين أو الطبيب معرفة األضرار اليت ميكن أن تتأتى من متابعة الصائم‬
‫لصيامه‪ ،‬وسنذكر أهم هذه األضرار‪:‬‬
‫‪ -‬مرضى السكري‪ :‬املصاب بالسكري وخاصة الذي عليه أخذ األدوية اليت هتبط معدل السكري يف الدم بشكل‬
‫مرات عديدة يف اليوم‪ ،‬هناراً وليالً‪ .‬فمنهم عن "عدم معرفة" يتمسكون‬ ‫منتظم‪ ،‬عليه أن يراعي أوقات مأكله وشرابه ّ‬
‫بالصوم‪ s،‬فيعرضون حياهتم للخطر من جراء هبوط معدل السكري املعاجل‪ ،‬وما حيدثه من شلل دماغي‪ ،‬وقصور يف‬
‫القلب والكلى‪ ،‬وهبوط يف الضغط‪ ،‬ومرض يف األعني‪.‬‬
‫‪ -‬القصور يف عضالت القلب‪ :‬كذلك حالة من خيضع ملعاجلة أو مراقبة لقصور يف عضالت القلب‪ ،‬فهو معرض‬
‫للخطر من جراء تالعب معدل السكر واملياه‪ ،‬إذ عليه أن ينتظم يف شرابه ومأكله وعالجه وأوقاته‪.‬‬
‫‪ -‬اإلفراط يف األكل خالل فرتة اإلفطار‪ :‬وال ننسى ما يقوم به غالباً الصائم عندنا من النهم خالل الفرتة بني‬
‫اإلفطار والسحور‪ ،‬وهذا عنصر إضايف وذو تأثري ضار على السكري والقلب‪ s‬معاً‪.‬‬
‫‪ -‬حصى الكلى‪ :‬مثال آخر مينع معه الصوم‪ ،‬وهو "حصى الكلى" إذ يزداد حجمها مع االحجام عن تناول املياه‬
‫بكثرة‪ ،‬وخباصة إذا كانت احلصى داخل الكلى‪ ،‬فيصعب‪ s‬إنزاهلا أو حىت تفتيتها يف بعض األحيان‪.‬‬
‫‪ -‬القرحة‪ :‬أما القرحة‪ ،‬فهي تتأذى أثنام الصوم وبعده‪ ،‬فكثرة احلموضة تنكأ حىت القرحة املندملة‪ ،‬لكون غشائها‬
‫غري واق‪ ،‬فتتعرض من جراء هذه احلموضة املرتفعة لنكسة‪ ،‬ومضاعفات تصل إىل النزيف يف ‪ %18‬من احلاالت‪.‬‬
‫‪ -‬املسنون‪ :‬وهذا فإن املرضى املسنني وخاصة املصابني بأمراض مستعصية الشفاء‪ ،‬واليت حتتاج إىل تنشيطاً وتقوية‬
‫وحىت أمصاالً يف بعض األحيان‪ ،‬يؤديهم الصوم‪ .‬ومنهم من حيتاج إلجراء عملية ما‪ ،‬فلسوء حالته وسنه املتقدم‬
‫يرتدد اجلراح يف إجرائها‪.‬‬
‫اجلراح انتشاله منها‪.‬‬
‫فإذا ما صام هذا املريض وأفطر على مأكل "مدهن" سيعرض نفسه لنوبة مرارة‪ ،‬يصعب على ّ‬
‫فعلينا إذاً منعه من هذه املخاطر‪.‬‬
‫هؤالء املرضى وغريهم ممن ال جيوز طبياً صومهم يستطيعون إفتداء ذلك بإطعام املساكني‪ ،‬فالدين يُسر وليس بعُسر‪.‬‬
‫[‪ ]11‬رمضان شهر الجائزة‬
‫عيد الفطر السعيد ويوم اجلائزة‬
‫ومما أكرم اهلل به شهر رمضان أن جعله شهر (اجلائزة) اليت مُت نح لكل صائم قام إمياناً واحتساباً‪ .‬وذلك يف صبيحة‬
‫أول يوم من أيام عيد الفطر املبارك‪ .‬مصداقاً لقوله‪ s‬صلى اهلل عليه وسلم فيما ورد عن ابن عباس رضي اهلل عنه‬
‫مرفوعاً‪" :‬إذا كان يوم الفطر هبطت املالئكة إىل األرض‪ ،‬فيقومون‪ s‬على أفواه السكك ينادون بصوت يسمعه مجيع‬
‫خلق اهلل إال اجلن واإلنس يقولون‪ :‬يا أمة حممد‪ ،‬أخرجوا إىل رب كرمي يعطي اجلزيل ويغفر الذنب العظيم‪ ،‬فإذا‬
‫برزوا إىل مصالهم‪ ،‬يقول اهلل عز وجل ملالئكته يا مالئكيت ما جزاء األجري إذا عمل عمله؟ فيقولون‪ :‬إهلنا وسيدنا‬
‫توفيه أجره‪ ،‬فيقول‪ :‬إين أشهدكم إين قد جعلت ثواهبم من صيامهم وقيامهم رضائي ومغفريت‪ ،‬انصرفوا مغوراً‬
‫لكم"‪.‬‬
‫إن ختصيص رمضان جبائزة ربانية متنح للذين أحسنوا الصيام والقيام‪ ،‬لدليل على أمهية ومكانة هذا الشهر‪ ،‬كما على‬
‫عظيم فضل الصيام والقيام عند اهلل عز وجل‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أما عن اجلائزة فال شك أهنا مثينة ال تضارعها جائزة أخرى‪ ..‬وقد تكون بشارة بالعتق من النار‪ ..‬إهنا يف كل‬
‫األحوال عطاء جزيل من اهلل ال يقل عن حمبته ورضاه‪ ..‬واخلطاب النبوي يؤيد ذلك بل يؤكده قوله صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪" :‬كل عمل ابن آدم يضاعف‪ ،‬احلسنة بعشر أمثاهلا إىل سبعمائة ضعف‪ ،‬إىل ما شاء اهلل‪ ،‬قال عز وجل‪] :‬إال‬
‫الصوم‪ ،‬فإنه يل وأنا أجزي به‪ ،‬يدع شهوته وطعامه من أجلي[ للصائم‪ s‬فرحتان‪ ،‬فرحة عند فطره‪ ،‬وفرحة عند لقاء‬
‫ربه‪ ،‬وخللوف‪ s‬فمه أطيب عند اهلل من ريح املسك" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫ومما يزيد يف تأكيد فضل شهر رمضان‪ ،‬أن اهلل تعاىل اختص صائمه وقائمه بباب من أبواب اجلنة ال يدخل منه‬
‫غريهم‪ .‬بدليل قوله صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬يف اجلنة باب يدعى (الريان)‪ ،‬يدعى له الصائمون فمن كان من الصائمني‬
‫دخله‪ ،‬ومن دخله ال يظمأ أبداً" رواه ابن ماجة‪.‬‬
‫ويف رواية‪" :‬للصائمني باب يف اجلنة يقال له (الريّان)‪ ،‬ال يدخل منه أحد غريهم‪ ،‬فإذا دخل آخرهم ُأغلق‪ ،‬من دخل‬
‫فيه شرب‪ ،‬ومن شرب مل يظمأ أبداً" رواه النسائي‪.‬‬
‫وكل رمضان وأنتم خلري من اهلل وفضل‪.‬‬

‫‪13‬‬

You might also like