You are on page 1of 24

‫نوفمبر ‪2017‬‬ ‫‪0‬‬ ‫تقارير‬

‫‪December 7, 2020‬‬

‫عاصفة متجمّعة‪ :‬تحوالت بنيوية ونهاية الجغرافيا العربية‬


‫م ىلع الكُتل اإلقليمية‬
‫يف محض قائ ٍ‬
‫نحو تفكيرٍ جغرا ٍ‬
‫جالل خَشّيب‬
‫مقدّمة‪:‬‬
‫ّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫التي سترافقه طيلة‬ ‫سلسلة من الفوض ى الشديدة‬
‫ٍ‬ ‫التحوالت العاملية الراهنة‪ ،‬سيكون "العالم العربي" ُمقبال على‬ ‫مع‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫العقد الراهن‪ ،‬السيما خالل السنوات الخمس القادمة منه‪ ،‬كونه الحلقة الجغرافية املعطلة‪-‬األضعف وامل َتموقعة‬
‫القوة ّ‬
‫التي ّ‬ ‫ُ َ‬
‫أزمة فراغ ّ‬ ‫إقليمية ّ‬
‫يمر به النظام الدولي في الوقت‬ ‫ِ‬ ‫صاعدة تنتهز‬
‫ٍ‬ ‫طموحة‪ ،‬وأخرى د ٍ‬
‫ولية‬ ‫ٍ‬ ‫طة‬
‫متوس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بين قوى‬
‫نفوذ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫تسترجع ما استقر في ُم ّ‬
‫خيالتها الجيوبوليتيكية بأنها مجاالت ٍ‬ ‫جديدة أو‬
‫ٍ‬ ‫نفوذ‬
‫مجاالت ٍ‬
‫ِ‬ ‫الراهن لتخلق لنفسها‬
‫ّ‬
‫ستحقة‪.‬‬ ‫تاريخية ُم‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قيادات َ‬
‫أكثر حسما‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫سياسية َ‬
‫أكثر شرعية ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ونظم‬
‫داخلي أمتن‪ٍ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫وتماسك‬
‫ٍ‬ ‫اقتصاديات أقوى‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وإذا كانت دو ٌل ذات‬
‫ّ‬
‫تتمكن من ّ‬ ‫ً‬
‫تجنب اآلثار السلبية الناجمة عن االضطراب الحاصل بسبب أزمة فراغ‬ ‫مقارنة مع دول العالم العربي لم‬
‫فإن هذا األمر يجعلنا نتساءل في هذه الدراسة‬ ‫القوة االنتقالية هذه وما افقها من اضطرابات كجائحة كوفيد‪ّ ،19-‬‬
‫ر‬
‫ّ ُ ّ‬
‫مكن العالم العربي من تجاوز اآلثار السلبية لهذه املرحلة االنتقالية ّ‬
‫التي َي ُّ‬ ‫ً‬
‫مر بها العالم‬ ‫أساسا عن الكيفية التي ت‬
‫ّ‬
‫كونه كما قلنا الحلقة الجيوبوليتيكية املعطلة واألضعف؟‬

‫التي تعيشها ُنظمها السياسية‬ ‫بأن الهشاشة املُ َر ّكبة لدول املنطقة العربية‪ ،‬أزمة القيادة ّ‬‫تفترض هذه الدراسة ّ‬

‫جامع (بسبب مشكلة القيادة أساسا) تضطلع به إحدى دولها املفتاحية في‬ ‫واستمرار غياب ّ‬
‫سيادي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مشروع‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫كامل‬
‫عقد ٍ‬
‫محيطها اإلقليمي‪ ،‬سوف يزيد من وتيرة االضطرابات التي تشهدها هذه الجغرافيا أصال ويجعل منها طيلة ٍ‬
‫األهم‪ّ ،‬‬
‫حادة بين الطامحين اإلقليميين والدوليين الكبار‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫ساحة لتنافسات جيوبوليتيكية ّ‬
‫أن هذه املنطقة ستكون‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬
‫عاملي اإليديولوجيا والهوية العربية‪.‬‬ ‫قائم على أساس‬
‫افي ٍ‬
‫تماسك جغر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بصدد فقدان ما تبقى لها من‬

‫التي ّ‬‫التحوالت الدولية ّ‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يمر بها‬ ‫بشكل فرعي‪ -‬جملة من التساؤالت الراهنة املتعلقة بطبيعة‬ ‫كما تناقش الدراسة – ٍ‬
‫ّ‬
‫عالم اليوم؟ وهل بإمكان النظام الدولي الليبرالي الذي رعته وقادته الواليات املتحدة منذ نهاية الحرب العاملية الثانية‬

‫‪Page 1 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬ ‫والتحديات ّ‬
‫ّ‬ ‫عززته بعد الحرب الباردة أن يصمد في مواجهة األزمات ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫ّ‬
‫التي تواجهه‪ ،‬فيتمكن بالتالي من‬ ‫التي تعتريه‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً ً‬
‫سيقبل عليه العالم في املستقبل املنظور؟‬‫الذي ُ‬ ‫إصالح نفسه أم ّأننا نشهد حاليا نهاية فعلية لهذا النظام؟ ما البديل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫وهل بإمكان قوى صاعدة كالصين وروسيا أن ّ‬
‫تحل ّ‬
‫محل الواليات املتحدة وأن تبني وتقود نظاما بديال للنظام الحالي‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫املتأزم؟ أم ّأنها قوى مستفيدة من النظام الليبرالي القائم وبالتالي ستسعى لتكييفه وفقا لرؤاها وتطلعاتها‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫الخاصة؟‬ ‫الجيوبوليتيكية‬

‫اإلطار النظري واملنهجي للدراسة‪:‬‬


‫ّ‬
‫التحوالت الدولية الراهنة على الجغرافيا العربية‪ ،‬تستخدم الدراسة الصورة الثالثة‬ ‫في تحليلها لآلثار الناجمة عن‬
‫ّ‬ ‫للتحليل ‪-‬حسب اصطالح كنيث والتز‪ْ -‬‬
‫أي النظام الدولي كمستوى للتحليل بهدف تفسير‪/‬فهم السياق الذي يجعل‬
‫ّ‬
‫تتوقع اشتدادها على العالم العربي خالل العقد الحالي‪ُ ،‬‬ ‫الورقة ُتحاجج هنا بالفوض ى القادمة ّ‬
‫فتحاول أن‬ ‫التي‬
‫شخص طبيعة توزيع القوة بين الفواعل األساسية للنظام الدولي في الوقت الراهن ْ‬‫ُ ّ‬
‫(أي بين القوى الكبرى األساسية)‬ ‫ت‬
‫سيتسبب االنتقال الحاصل في القوة بين هذه الفواعل (انتقال القوة من الغرب نحو الشرق) في تزايد ّ‬
‫حدة‬ ‫ّ‬ ‫وكيف‬
‫االضطراب الحاصل في الجغرافيا العربية خالل العقد الحالي‪ ،‬السيما السنوات الخمس األولى منه‪ .‬وبتركيز هذه‬
‫الدراسة في محورها األخير على مسألة القيادة‪ ،‬فهي تستعين بالصورة األولى للتحليل –حسب كنيث والتز دوما‪ْ -‬‬
‫أي‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً ُ‬
‫سيمكن العالم العربي من تجاوز اآلثار السلبية‬ ‫الفرد صانع القرار‪ ،‬نظرا ملحاججتها بكونه الفاعل األساس ي الذي‬
‫جمعة"• ّ‬
‫التي تقترب منه‪.‬‬ ‫َُ ّ‬
‫"للعاصفة املت ِ‬
‫التي ّ‬
‫يتبناها ُدعاة الو اقعية الكالسيكية الجديدة ‪(Neoclassical‬‬ ‫تستند اسة في إطارها النظري للطروحات ّ‬
‫الدر‬
‫)‪ ،Realism‬فهي تنطلق من االفتراض القائل بالفوض ى الدولية في تحليل السياسة الدولية وتفسير سلوكيات الدول‬
‫ُ‬ ‫ّ ّ‬
‫املهم الذي تلعبه املدركات العقلية والسمات‬ ‫سنتبين ذلك في املحورين األول والثاني‪ ،‬كما ال ُتهمل الدور‬
‫ّ‬ ‫مثلما‬

‫التحديات املُقبلة ّ‬
‫التي ستعرفها الواليات املتحدة نتيجة‬ ‫ّ‬ ‫عبر بها عن‬ ‫نقتبس هنا هذه العبارة األدبية التشبيهية "العاصفة املُتج ّمعة" من إحدى د اسات جون ميرشايمر السابقة ّ‬
‫التي ّ‬ ‫ُ‬ ‫•‬
‫ر‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫للتحدي الصيني لريادتها العاملية‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫‪John J. Mearsheimer, The Gathering Storm: China’s Challenge to US Power in Asia, The Chinese Journal of International‬‬
‫‪Politics, Volume 3, Issue 4, Winter 2010, Pages 381–396‬‬

‫‪Page 2 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفسية ّ‬
‫سيتضح ذلك من املحور األخير حينما تركز الدراسة على مسألة القيادة‪ .‬عالوة على‬ ‫لصناع القرار كما‬
‫ّ‬
‫الخاصة عن طبيعة التحوالت الدولية الراهنة ومستقبل النظام‬ ‫ذلك‪ ،‬فالدراسة تتقاسم مع الواقعيين الجدد رؤيتهم‬
‫لكثير من هؤالء على غرار جون ميرشايمر‪ ،‬ستيفن‬
‫داعمة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الدولي الليبرالي‪ ،‬إذ يزخر املحورين األول والثاني منها بآر ٍاء‬
‫والت‪ ،‬غراهم أليسون‪ ،‬ريتشارد هاس‪ ،‬ألكسندر كولي‪ ،‬دانيال نيكسون وغيرهم‪.‬‬
‫ً‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬تتقاطع إحدى الطروحات األساسية للدراسة (مسألة الهيمنة اإلقليمية الحميدة) مع نظرية روبرت‬
‫ّ‬
‫غيلبين الشهيرة عن "االستقرار بالهيمنة" )‪ ،)Hegemonic Stability Theory‬إال ّأنها تقوم هنا بالنزول بالفكرة‬
‫الجوهرية لهذه النظرية من مستواها الدولي إلى مستواها اإلقليمي وإسقاطها على الوضع الجيوبوليتيكي املُ ّ‬
‫تصور ‪-‬‬
‫ُ‬
‫في نظرنا‪ -‬للكتل اإلقليمية الثالث صاحبة القوى املهيمنة الثالث كما تقترح الدراسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الذي ُت ّ‬ ‫ّ‬
‫قدمه الدراسة هنا‪ ،‬فهو يتقاطع مع الطرح النظري للجيوبوليتيكي الفرنس ي‬ ‫ّأما فيما يتعلق باملقترح النظري‬
‫ُ‬ ‫عما ُي ّ‬
‫فيدال دي البالنش )‪ّ (Vidal de La Blanche‬‬
‫سميه بنظرية "البوسيبيليزم"‪ ،‬من كلمة )‪ )Possible‬وتعني املمكن‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫التي تواجه الجغرافيا العربية كما هو ُمشار إليها سابقا‪ ،‬تقترح هذه الدراسة بديال نظريا‬ ‫التحديات‬ ‫وعلى ضوء‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫قائما على ما ُن ّ‬ ‫ً‬
‫سميه بالتفكيرالجغرافي املحض املتجاوز لإليديولوجيا والهوية• والقائم على الكتل‬ ‫جيوبوليتيكيا‬
‫ً‬
‫وجاذبا ملا حولها من دو ٍل عبر ما ُن ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإلقليمية‪ ،‬حيث ترتكز ّ‬
‫سميه‬ ‫واحدة تكون مركزا قائدا‬
‫ٍ‬ ‫دولة‬
‫افية على ٍ‬
‫كتلة جغر ٍ‬
‫كل ٍ‬
‫كالسيكية للجنيرال‬
‫ٍ‬ ‫نظرية جيوبوليتيكية‬
‫ٍ‬ ‫هنا بالهيمنة اإلقليمية الحميدة‪ .‬تستلهم الدراسة هذا الطرح من‬
‫عما ُي ّ‬
‫سميه "بالتفكير عبر ّ‬
‫القارات"‪.‬‬ ‫النمساوي يورديس فون لوهاوزين ّ‬

‫ًّ‬ ‫ُ ّ‬
‫كال من الجزائر (بكتلة املغرب الكبير)‪ ،‬مصر (بكتلة املشرق‬ ‫لذلك‪ ،‬ترش ُح الورقة على مستوى "الجغرافيا العربية"‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العربي‪ ،‬إضافة إلى السودان) والسعودية (بالكتلة الخليجية‪ ،‬بما فيها العراق شماال والقرن اإلفريقي جنوبا)‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫محضة مرتبطة بالتموضع املكاني املمتاز‪ ،‬فضال عن كونها الدول املحورية‬
‫ٍ‬ ‫افية‬
‫ألسباب جغر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫لالضطالع بهذا الدور‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫التي ال تزال قائمة ُمتماسكة في هذه الجغرافيا الواسعة وتحظى بخصائص القيادة اإلقليمية الجذابة‪ّ .‬أما إذا لم‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫•‬


‫املمتدة‬ ‫إذا كان هناك رابط جامع بين هذه الكتل أو بين مكوناتها فسيكون رابط الدين اإلسالمي وما ينبثق عنه من ٍ‬
‫قيم جامعة‪ ،‬كونه دين األغلبية الساحقة من شعوب الكتل اإلقليمية‬
‫من أندونيسيا شرقا إلى موريتانيا غربا‪.‬‬

‫‪Page 3 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬

‫سيادية‬ ‫مشاريع‬ ‫قيادة‬ ‫نحو‬ ‫وتوجيهها‬ ‫ل‬‫الدو‬ ‫لهذه‬ ‫الكامنة‬ ‫ات‬ ‫د‬ ‫تتجه القيادات الحاكمة في هذه الدول إلى تفعيل ُ‬
‫الق‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫نهاية للجغرافيا العربية ّ‬ ‫ُ‬ ‫إقليمية جامعة‪ ،‬فسوف ُي ّ‬
‫التي لن يختلف‬ ‫سجل العقد القادم –كما تحاجج هذه الدراسة‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً‬
‫مستقبال ّ‬
‫عما كان عليه أثناء فترة االستعمار التقليدي‪.‬‬ ‫الوضع فيها‬

‫تقسيمات الدراسة‪:‬‬
‫ُ‬
‫ألجل املحاججة بما نذهب إليه هنا‪ ،‬ينقسم البحث إلى ثالثة محاور أساسية‪ ،‬سوف ُيعالج املحور األول منه‬
‫اإلشكالية املُثارة في الوقت الراهن على نحو واسع بين الباحثين بخصوص األزمة ّ‬
‫التي ّ‬
‫يمر بها النظام الدولي الليبرالي‬ ‫ٍ ٍ‬
‫وكرست معامله ّ‬ ‫ّ‬
‫الذي قادته الواليات املتحدة وحلفائها منذ نهاية الحرب العاملية الثانية ّ‬
‫ومؤسساته بعد نهاية الحرب‬
‫ّ‬ ‫ّ ً‬
‫الباردة‪ّ .‬أما املحور الثاني فسيستقص ي أبرز اآلثار الناجمة عن هذه األزمة‪ُ ،‬مركزا بالضبط على الدور املتنامي الذي‬
‫والتي تنتهز فيها فرصة الفراغ‬‫تلعبه قوى دولية صاعدة وأخرى إقليمية طموحة في هذه املرحلة االنتقالية الحرجة ّ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ناسب في التشكيل الجيوبوليتيكي املقبل الذي سيعرفه العالم‪ .‬سينتقل البحث‬ ‫نحو م ٍ‬ ‫الطارئ لتموضع نفسها على ٍ‬
‫ّ‬
‫سيتوسع املحور الثالث واألخير في شرح اآلثار‬ ‫بسالسة من املستوى الدولي في التحليل إلى املستوى اإلقليمي‪ ،‬هكذا‬
‫التي يصفها "بالركود والتعطيل" كونها الحلقة األضعف في‬ ‫التحوالت على "الجغرافيا العربية" ّ‬
‫ّ‬ ‫الناجمة عن مثل هذه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫خ ّ‬
‫تصورا جيوبوليتيكيا بديال من شأنه أن ُينقذ هذه "الجغر افيا‬ ‫ّ‬
‫التحوالت الكبرى‪ ،‬كما يقترح هذا املحور‬ ‫ضم هذه‬ ‫ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫املعطلة" ويجعل منها "جغر افيا فاعلة" ومؤثرة على اللوحة الجيوبوليتيكية العاملية املتشكلة في األفق‪.‬‬

‫ت تكتونية‪ :‬تفكّكُ النظام الدولي الليبرالي وأزمة خُلو العرش‪:‬‬


‫‪1‬انزياحا ٌ‬
‫يكاد ُيجمع أبرز علماء العالقات الدولية املعاصرين في الواليات املتحدة باختالف ّتيا اتهم النظرية ّ‬
‫بأن النظام الدولي‬ ‫ر‬
‫عززت ّ‬ ‫ثم ّ‬‫الذي بنته واشنطن وقادته رفقة حلفائها منذ نهاية الحرب العاملية الثانية ّ‬‫ّ‬
‫مؤسساته وترتيباته بعد‬ ‫الليبرالي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الحرب الباردة يعيش أزمة غير مسبوقة‪ ،‬بدأت مالمحها في البروز منذ نهاية العقد األول من القرن الحادي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متضاربة مع مبادئ وأسس هذا‬
‫ٍ‬ ‫لسياسات‬
‫ٍ‬ ‫والعشرين‪ ،‬تجلت للعيان منذ وصول دونالد ترامب للبيت األبيض وتبنيه‬
‫ً‬
‫ثم تسارعت وتيرة هذه األزمة بسبب جائحة كورونا ُمعلنة نهاية هذا النظام‪.‬‬ ‫النظام‪ّ ،‬‬

‫ّ‬ ‫تقريبا منذ أحداث ‪ّ ،9/11‬‬‫ً‬


‫ثم شاع الحديث بين املحللين عن انتهاء النظام الدولي‬ ‫لقد بدأ الحديث عن هذا التآكل‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ َ‬
‫وقد َع ّزز هذا االتجاه أحداث متتالية على غرار انتشار الدول الفاشلة‪،‬‬ ‫منذ ّ‬
‫ضم روسيا لشبه جزيرة القرم (‪،)2014‬‬

‫‪Page 4 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬
‫كرئيس للواليات املتحدة والذي عكس انتخابه‬
‫ٍ‬ ‫أزمة الالجئين في الشرق األوسط‪ ،‬البريكسيت‪ ،‬وكذا انتخاب ترامب‬
‫َ‬
‫أزمة تآكل للقيم الليبرالية تعيشها الديمقراطيات الليبرالية وعلى رأسها الواليات املتحدة ذاتها‪ُ ،‬‬
‫مركز هذا النظام‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سياسات ُم ٍ‬
‫عادية لكافة مظاهر العوملة الليبرالية‪ ،‬عكست اتجاها انعزاليا جديدا في‬ ‫ٍ‬ ‫الدولي الليبرالي‪ .‬لقد تبنى ترامب‬
‫سياسة البلد الخارجية يدفع باتجاه سحب واشنطن من القيادة العاملية‪1.‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُوصفت سياسة ترامب بكونها سياسة "الال إستراتيجية"‪ ،‬على ّ‬
‫حد تعبير ستيفن والت‪ ،‬سياسة قائمة على اإلكراه‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫رئيس جاهل‪ ،‬له قدرة ضعيفة على ضبط‬ ‫بالقوة القسرية املفرغة من األهداف الواضحة يتم تنفيذها من طرف ٍ‬
‫كوارث على‬ ‫تسبب ترامب في‬ ‫كل الجبهات ّ‬ ‫النفس‪ ،‬السيما مع إغراء القوة العسكرية الهائلة ّ‬
‫التي تمتلكها البالد‪ ،‬فعلى ّ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬
‫الذي قادته‪2 .‬‬ ‫مستوى السياسة الخارجية‪ ،‬انتهت إلى تقويض املكانة العاملية للواليات املتحدة وإنهاء النظام الدولي‬
‫إشارة منه إلى خطورة‬ ‫التي تنمو من جديد" على ّ‬
‫حد تعبير روبرت كاغان‪ 3،‬في‬ ‫ّكلها كانت مالمح سوداوية عن "الغابة ّ‬
‫ٍ‬
‫مالمح هذا االضطراب عند هذا ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الذي ُنقبل عليه‪ .‬لم ّ‬
‫الحد‪ ،‬فقد ضربت أزمة جائحة‬ ‫تتوقف‬ ‫االضطراب الدولي‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ ً‬
‫تسببة بدورها في تسريع وتيرة هذا التفكك في النظام الدولي الليبرالي مثلما ُيحاجج ريتشارد هاس‪،‬‬ ‫كوفيد‪ 19-‬العالم م‬
‫ً‬ ‫ألن كوفيد‪ 19-‬لن ّ‬ ‫ً‬
‫مختلفا عن سابقه كما يقول‪ّ ،‬‬ ‫الذي سيعقب الجائحة ليس من ّ‬ ‫ّ‬
‫يغير كثيرا‬ ‫املرجح أن يكون‬ ‫فالعالم‬
‫سي ّ‬ ‫يتجه صوبه تاريخ العالم بقدر ما ُ‬
‫الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫سرع من وتيرته‪.‬‬ ‫املنحى الرئيس ي‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫طويل كان العالم يسير عليه خالل‬‫ٍ‬ ‫طريق‬
‫ٍ‬ ‫في‬ ‫ة‬‫ٍ‬ ‫محط‬ ‫مجر ُد‬ ‫مثل هذه األزمة ‪-‬في نظره‪ -‬نقطة ّ‬
‫تحو ٍل بقدر ما هي ّ‬ ‫لذا‪ ،‬ال ت‬
‫ّ‬ ‫العقود القليلة املاضية‪ ،‬وكانت أبرز مالمحه تر ُ‬
‫اجع القيادة العاملية األمريكية‪ ،‬تعثر التعاون العاملي‪ ،‬والخالف القائم‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫بين القوى الكبرى‪ّ ،‬أما الجائحة فقد جعلت ِسمات هذا العالم أكثر بروزا للعيان وحسب‪ 4،‬األمر الذي جعل كال من‬
‫َ َ ً‬
‫ما ُن ّ‬ ‫كورت كامبال وروش دوتي ُيجادالن ّ‬
‫ؤرخ به لتراجع الريادة األمريكية العاملية مثلما‬ ‫بأن هذا الحدث سيصير معل‬
‫َ ً‬
‫كانت أزمة السويس سنة ‪َ 1956‬معلما النتهاء حقبة القوة البريطانية العاملية في السابق‪ ،‬هذا إذا لم تضطلع الواليات‬

‫‪1-‬‬ ‫‪Robert D. Blackwill and Thomas Wright, The End of World Order and American Foreign Policy, The Council on‬‬
‫‪Foreign Relations (CFR), May, 2020, U.S. link‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Stephen Walt, Why Is the United States So Bad at Foreign Policy? Foreign Policy, January 13, 2020, U.S. link‬‬
‫‪3- Robert D. Blackwill and Thomas Wright, Op. Cit.‬‬

‫‪4-‬‬ ‫‪Richard Haass, The Pandemic Will Accelerate History Rather Than Reshape It: Not Every Crisis Is a Turning Point,‬‬
‫‪Foreign Affairs, April 7, 2020, U.S. link‬‬
‫‪Page 5 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬

‫حديثة لهما وجهة‬ ‫ٍ‬ ‫اسة‬


‫كل من روبرت بالكوين وتوماس رايت في در ٍ‬ ‫املتحدة بدورها املطلوب عامليا‪ 5.‬من جهتهما‪ّ ،‬يؤكد ٌّ‬
‫ُ‬ ‫النظر هذه‪ ،‬حينما ُيحاججان ّ‬
‫عظيم للنظام الدولي بقيادة الواليات املتحدة‬
‫ٍ‬ ‫بأن جائحة كوفيد‪ 19-‬تعتبر ثاني اختبار‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حدث آخر نفس‬ ‫ٍ‬ ‫ألي‬
‫منذ نهاية الحرب العاملية الثانية (بعد اختبار املنافسة مع االتحاد السوفياتي)‪ ،‬فلم يكن ِ‬
‫ُ‬
‫التأثيرات السلبية املجتمعية‪ ،‬السياسية واالقتصادية الواسعة على السكان عبر العالم كما كان لهذا الفيروس‬
‫ّ‬ ‫القاتل منذ ‪ ،1945‬فقد ّ‬
‫تسببت الجائحة‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬في انخفاض النمو العاملي بنسبة ‪ %3‬وهي النسبة األشد‬
‫ركودا منذ الكساد الكبير (‪ ،)1929‬كما بلغت خسائره املتراكمة سنة ‪ 2021-2020‬ما مقداره ‪ 9‬تريليون دوالر‪ْ ،‬‬ ‫ً‬
‫أي‬
‫صادمة تعكس اآلثار املُ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫مجتمعين‪ ،‬كما ُي ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫دمرة‬ ‫قدمان أرقاما أخرى‬ ‫االقتصادين األملاني والياباني‬ ‫أكبر من حجم‬
‫ً‬
‫فترة أطول‪6.‬‬ ‫والتي من ّ‬ ‫للجائحة عبر العالم‪ّ ،‬‬
‫املتوقع استمرارها‬

‫أزمة عميق ٍة ّ‬
‫يمر بها النظام الدولي الليبرالي حاليا‪ ،‬تجدر‬ ‫كثير من الدراسات إلى اإلقرار بوجود ٍ‬
‫على الرغم من اتجاه ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫اإلشارة إلى ّ‬
‫أن هناك اختالفا قائما بين الباحثين يكمن في تقدير مدى قدرة هذا النظام على إصالح ذاته واالستمرار‬
‫ّ‬
‫من جديد‪ ،‬وهو الطرح الذي ُيدافع عنه دعاة النزعة األممية الليبرالية )‪ (Liberal Internationalism‬على غرار جون‬
‫آيكينبري‪( 7،‬دعاة الهيمنة الليبرالية كما ُيسميهم خصومهم ‪ .)Liberal Hegemony‬في مقابل ذلك يرى آخرون‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫استحالة قدرة النظام على االضطالع بذلك‪ ،‬ذلك ّأنه ٌ‬
‫نظام بات محكوما عليه بالفشل واالنهيار كونه ُولد َم ِعيبا‬
‫ّ‬
‫باألساس‪ ،‬مثلما ُيجادل جون ميرشايمر وغيره من الواقعيون الكالسيكيون الجدد )‪ ،8 (Neoclassical Realism‬إال‬
‫ُ ّ‬
‫مثل فترة فراغ في القوة يعرفها هذا النظام أو "أزمة ّ‬ ‫أن كال الطرحان ّيتفقان ّ‬
‫ّ‬
‫خلو العرش" ( ‪(The‬‬ ‫ٍ‬ ‫ت‬ ‫الحالية‬ ‫الفترة‬ ‫بأن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ Interregnum‬كما ُي ّ‬
‫سميها ميالن بابيتش‪ ،‬أي تلك الفترة التي تتوسط املوت البطيء للنظام القائم والصعود الذي‬
‫التي ستستغرقها‬ ‫جد ًا التنبؤ ّ‬
‫باملدة ّ‬ ‫ً‬
‫حاسمة من الصعب ّ‬ ‫ً‬ ‫يلوح في األفق للنظام القادم‪ّ ،‬‬
‫والتي يعتبرها بابيتش فترة‬

‫‪5-‬‬ ‫‪Kurt M. Campbell and Rush Doshi, The Coronavirus Could Reshape Global Order: China Is Maneuvering for‬‬
‫‪International Leadership as the United States Falters, Foreign Affairs, March 18, 2020, US. link‬‬
‫‪6- Robert D. Blackwill and Thomas Wright, Op. Cit.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪– See: John Ikenberry, The End of Liberal International Order?, International Affairs, January 01, 2018, The UK. link‬‬
‫‪8‬‬
‫‪– See: John J. Mearsheimer, Bound To Fail: The Rise, and Fall of the Liberal International Order, International Security,‬‬
‫‪Spring 2019, U.S. link‬‬
‫‪Page 6 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفاعالت العاملية ّ‬
‫حتى ُيولد ٌ‬
‫نظام آخر بديل أو يتمكن النظام الذي قادته الواليات املتحدة من إصالح نفسه من‬
‫جديد كما يجادل الليبراليون الجدد‪9.‬‬

‫فرصُ الفراغ‪ :‬رُعاةٌ جددٌ وعودةُ الصراعِ من أجل مجاالت النفوذ‪:‬‬


‫ّ‬
‫التحول‬ ‫ً‬
‫ارة في الد اسات ّ‬
‫التي تحاول قراءة اآلثار الناجمة عن‬ ‫ر‬ ‫يعرف حقل العالقات الدولية في اآلونة األخيرة غز‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫التحول وآثارها أو التنبؤ‬ ‫العميق الذي يعرفه النظام الدولي على املرحلة القادمة‪ ،‬رصد الظواهر املرافقة لهذا‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫بالشكل الذي سيعرفه العالم في املستقبل املنظور‪ .‬تماشيا مع ذلك‪ ،‬سيكون للعالم العربي‪ ،‬كما أحاجج في هذه‬
‫وبشدة خالل العقد الحالي‪ ،‬السيما السنوات الخمس‬ ‫ّ‬ ‫الورقة‪ ،‬نصيب األسد من هذه اآلثار وما رافقها من ظواهر‬
‫القادمة منه‪.‬‬
‫ّ‬
‫خلو العرش في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حد ذاتها‪ ،‬إذ أتاح‬ ‫التحول البنيوي في النظام الدولي يتمثل ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬في أزمة‬ ‫لعل أبرز آثار هذا‬
‫التي ارتكزت عليها الهندسة الليبرالية للنظام الدولي منذ ‪1945‬‬‫املؤسسات العاملية ّ‬
‫انسحاب الواليات املتحدة من ّ‬
‫ً‬
‫فشيئا منذ مطلع القرن الحادي والعشرين على رأسها ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫كل من‬ ‫فرصة سانحة لقوى صاعدة بدأت تفرض نفسها شيئا‬
‫نفوذ جديدة لها عبر العالم ‪The New Spheres of‬‬ ‫الصين وروسيا‪ ،‬فكال القوتين تسعيان اآلن إلى خلق مجاالت ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتحدة‬ ‫)‪ )Influence‬بعد إحكام السيطرة على مجاالت نفوذها التقليدية في جوارها اإلقليمي بعدما ظلت الواليات‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫‪-‬وال تزال نسبيا‪ -‬مزاحمة لها فيها‪ ،‬مثلما ُيحاجج غراهم أليسون في دراسة حديثة له نشرت بعدد أبريل املاض ي بمجلة‬
‫ّ‬ ‫ضمنية على ّ‬ ‫ّ‬
‫كل الباحثين واملسؤولين األمريكيين الذين ال يزالون يعيشون‬ ‫ٍ‬ ‫يقة‬
‫الشؤون الخارجية‪ ،‬حيث يرد فيه بطر ٍ‬
‫وهم الهيمنة الليبرالية واللحظة األحادية األمريكية منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬فشخصيات على غرار كوندوليزا رايس‪،‬‬
‫الذي يعرف مجاالت نفوذ كبرى‪ ،‬بمعنى ّ‬ ‫ّ‬ ‫هيالري كلينتون وجون كيري كانت (وال تزال) ّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫تروج لفكرة انتهاء العالم‬
‫وبأن ّ‬‫خاضعا للهيمنة األمريكية‪ ،‬حسب هؤالء‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫بقية الدول صارت‬ ‫العالم صار كله اليوم مجاال واحدا للنفوذ‬
‫عرضت نفسها لعقوبات تصل ّ‬ ‫وإال ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي ُت ّ‬
‫وفقا للقواعد ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حد تغيير‬ ‫ٍ‬ ‫حددها واشنطن‬ ‫مضطرة بحكم الواقع أن تلعب‬
‫ّ‬
‫التحرر منه‪ ،‬فالواليات املتحدة تعرف في نظره‬ ‫وهم وجب‬ ‫عد في نظر أليسون ّ‬ ‫كل ذلك ُي ُّ‬‫أنظمتها من الداخل‪ُّ .‬‬
‫مجرد ٍ‬

‫‪9‬‬
‫‪- Milan Babic, Let's talk about the interregnum: Gramsci and the crisis of the liberal world order, International Affairs,‬‬
‫‪May 01, 2020, UK. link‬‬
‫‪Page 7 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫وقت يعرف العالم فيه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫"تحوالت تكتونية" مع صعود قوى عظمى أخرى على غرار الصين‬ ‫تراجعا نسبيا في قوتها‪ ،‬في ٍ‬
‫جديدة من التنافس بين القوى العظمى ينقسم فيها العالم إلى مجاالت نفوذ ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫متعددة‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وروسيا‪ّ ،‬إنها حقبة‬
‫ّ‬
‫يحث أليسون وزراء الخارجية األمريكيين على االعتراف بهذا الوضع العاملي الجديد واالستجابة له بحكمة كما فعل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫نظراؤهم ق ْبيل انتهاء الحرب العاملية الثانية‪ ،‬أي التعلم من دروس التاريخ‪ ،‬فحينما حذر جورج كينان سنة ‪1945‬‬
‫ضد‬ ‫من ضرورة إدراك الواليات املتحدة ّأنها بصدد دخول مرحلة جديدة من التنافس على مجاالت نفوذ واسعة ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ّ ً‬ ‫االتحاد السوفياتي ّ‬
‫تصورا لكيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد‪ ،‬رفض بعض املسؤولين هذه الحقيقة‬ ‫وقدم لها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫سنوات‬ ‫ٍ‬ ‫نفوذ واحد" خاضع للواليات املتحدة‪ ،‬واستغرق الوضع خمسة‬ ‫مجال ٍ‬‫آنذاك وتمسكوا بتصورهم "لعالم ذي ِ‬
‫ً‬ ‫شاملة كانت مجاالت النفوذ إحدى أبرز مرتكزاتها‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كاملة ّ‬
‫مكنتها الحقا‬ ‫حتى يعترفوا بذلك وتضع واشنطن إستراتيجية‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫من االنتصار في هذا التنافس‪ُ .‬ي ّ‬
‫قدم أليسون مجموعة من األرقام واألمثلة ليثبت الحقيقة الجيوبوليتيكية الجديدة‬
‫ُ ّ‬ ‫لعالم اليوم‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬كانت ّ‬
‫حصة الواليات املتحدة من الناتج اإلجمالي العاملي سنة ‪ 1950‬تمثل نصف هذا‬
‫ّ ً‬ ‫ً‬ ‫ثم واحد من سبعة اليوم‪ ،‬وقد ّ‬ ‫تمثل واحد من أربعة سنة ‪ّ ،1991‬‬ ‫ّ‬
‫سبب هذا التراجع ِتبعا لذلك تقلصا‬ ‫الناتج‪ ،‬صارت‬
‫خصص الصين الصاعدة ملبادرة الحزام‬ ‫لصناع القرار األمريكيين‪ .‬على الطرف اآلخر‪ُ ،‬ت ّ‬ ‫في الخيا ات الخارجية ّ‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫والطريق ‪ 3‬تريليون دوالر‪ ،‬وهي تستثمر اآلن ‪ 1,3‬تريليون دوالر في البنية التحتية للدول ّ‬
‫التي ّ‬
‫يمر عبرها الطريق رابطة‬
‫(ردا على مشاريع‬ ‫أن واشنطن ستستثمر في منطقة الهندو‪-‬باسفيك ّ‬ ‫مؤخ ًرا ّ‬
‫ّ‬
‫ّإياها باملركز الصيني‪ ،‬في حين أعلن بومبيو‬
‫ّ‬
‫الصين) ‪ 113‬مليون دوالر فقط‪ .‬يرتفع الناتج اإلجمالي املحلي للصين من ‪ %20‬عن مستوى الواليات املتحدة سنة‬
‫ً ًّ‬
‫قويا لنظيرتها األمريكية‪ ،‬إذ يوجد اليوم‬ ‫‪ 1991‬إلى ‪ %120‬اليوم‪ ،‬كما صارت الشركات التكنولوجية الصينية منافسا‬
‫الذي يجعل مجاالت النفوذ ّ‬ ‫ّ‬
‫تمتد إلى ما‬ ‫تسع شركات صينية من أصل عشرين أكبر شركة تكنولوجيات عاملية‪ ،‬األمر‬
‫املادية‪ ،‬إلى العالم السيبراني أيضا‪ّ .‬أما على مستوى القوة التقليدية الصلبة‪ ،‬فقد كانت ميزانية الدفاع‬ ‫وراء الجغرافيا ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تمثل قبل ربع قرن ‪ 1‬من ‪ً 25‬‬ ‫ّ‬
‫جزء من نظيرتها األمريكية‪ ،‬وهي اآلن تمثل واحدا من ثالثة فقط‪ .‬لقد صار‬ ‫الصينية‬
‫فإن الصين‬ ‫تتوزع االلتزامات العسكرية األمريكية عبر العالم‪ّ ،‬‬ ‫ميزان القوة اآلسيوي في صالح الصين اآلن‪ ،‬فبينما ّ‬
‫الذي يمنحها األفضلية والريادة هناك ويضمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تفوقها على‬ ‫تركز التزاماتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي‪ ،‬األمر‬
‫الواليات املتحدة إذا ما دخال االثنان في صدام بخصوص تايوان أو قضايا بحر الصين الجنوبي حسبما أثبتت ّ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫سيناريوهات ألعاب الحرب األمريكية املجراة‪ّ .‬أما روسيا‪ ،‬فتفرض منطقها في جوارها الغربي وتخلق مجاالت ٍ‬
‫نفوذ‬
‫ّ‬
‫خاص ٍة بها هناك في البلطيق‪ ،‬أوكرانيا‪ ،‬القرم‪ ،‬جورجيا وسوريا بفضل ترسانتها العسكرية الحديثة‪ ،‬في حين ال تمتلك‬
‫‪Page 8 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬ ‫بناء على ذلك‪ ،‬يرى أليسون ّ‬ ‫كثيرة لكبحها هناك‪ً .‬‬
‫بأن على الواليات املتحدة التخلي عن‬ ‫ات ٍ‬ ‫الواليات املتحدة خيار ٍ‬
‫ّ‬
‫الس ّمة األساسية للجيوبوليتيك‬
‫تطلعات الهيمنة غير القابلة للتحقيق‪ ،‬وقبول حقيقة بقاء مجاالت النفوذ باعتبارها ِ‬
‫ً‬ ‫العالم الراهن‪ 10.‬في ذات الصدد‪ ،‬ت ُُ ّ‬
‫قدم بعض هذه القوى الصاعدة‪ ،‬السيما الصين وروسيا تحديدا‪ ،‬نفسها‬ ‫ِ‬
‫ّ ّ‬
‫بديلة عن تلك التي ظلت الواليات املتحدة (والغرب)‬
‫ٍ‬ ‫خدمات‬
‫ٍ‬ ‫كرعاة جدد )‪ (New External Patrons‬تعرض‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تحتكرها لنفسها عقودا طويلة من الزمن في مقابل التزام الدول املحتاجة إلى مثل هذه الخدمات بمعايير وشروط‬
‫ً‬ ‫معينة ُت ّ‬
‫ّ‬
‫عزز أساسا من مبادئ النظام الدولي الليبرالي واملصالح األمريكية كااللتزام ببنود اتفاقيات حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫قرطة الحياة السياسية‪ ،‬ليبرالية السوق وغيرها‪ّ .‬أما األمر املختلف بالنسبة للرعاة الجدد فهو عدم اهتمامهم‬ ‫َد َم َ‬
‫ّ‬
‫شروط كهذه على الدول الراغبة في االستفادة من خدماتها‪ ،‬األمر الذي من شأنه أن يربط هذه الدول‬ ‫ٍ‬ ‫بفرض‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كل من ألكسندر‬ ‫فشيئا عن الفلك الغربي واألمريكي‪ ،‬هذا ما يجادل به ّ‬ ‫بإستراتيجيات الرعاة الجدد ُويبعدها شيئا‬
‫ّ‬
‫كولي ودانيال نيكسون في كتابهما الجديد "الخروج من الهيمنة‪ :‬تفكك النظام العاملي األمريكي"‪ .‬تختصر الصورتين‬
‫التحول في نظام الرعاية‪ ،‬من االحتكار األمريكي للرعاية )‪ (The US Monopoly Patronage‬إلى‬ ‫ّ‬ ‫املرفقتين هنا هذا‬
‫تمكنوا من خلق ّ‬ ‫الذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرعاة ُ‬
‫ودولية تابعة لهم‬
‫ٍ‬ ‫إقليمية‬
‫ٍ‬ ‫سات‬
‫مؤس ٍ‬ ‫البدالء الجدد )‪(New Alternative Patrons‬‬
‫املؤسسات ّ‬
‫التي بنتها الواليات املتحدة وحلفائها منذ سنة ‪11 .1945‬‬ ‫ً‬
‫بعيدا عن ّ‬ ‫وحشد األصدقاء والحلفاء حولها‬

‫‪10‬‬
‫‪– See: Graham Allison, The New Spheres of Influence: Sharing the Globe With Other Great Powers, Foreign Affairs,‬‬
‫‪March/April 2020, US. link‬‬
‫‪11‬‬
‫‪- Alexander Cooley and Daniel H. Nexon, Exit from Hegemony: The Unraveling of The American Global Power, Oxford‬‬
‫‪University Press, The US, PP: 110-136.‬‬
‫‪Page 9 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
December 7, 2020

Page 10 of 23
www.eipss-eg.org
‫‪December 7, 2020‬‬

‫متنافسة للنظام العاملي عبر مشاريع‬ ‫ات‬ ‫قدمان اليوم ّ‬ ‫كل من الصين وروسيا ُت ّ‬
‫ُتظهر الصورتان كيف صارت ٌّ‬
‫ٍ‬ ‫تصور ٍ‬
‫َ‬
‫كسرا بذلك االحتكار الغربي للزعامة والرعاية‬ ‫اتيجية تجذب إليها العديد من قادة الدول‪ ،‬لي ِ‬
‫ٍ‬ ‫اقتصادية وإستر‬
‫ٍ‬
‫التحدي املشترك للواليات املتحدة في ّ‬‫ّ‬ ‫ً‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬تعمل ٌّ‬
‫املؤسسات‬ ‫كل من بيجين وموسكو على‬ ‫العامليين‪.‬‬
‫صوت كالهما في الجمعية العامة لألمم املتحدة بالطريقة نفسها بما‬ ‫الدولية ّ‬
‫التي أنشأها الغرب‪ ،‬على سبيل املثال ّ‬
‫وغالبا ما كان هذا التنسيق ّ‬‫ً‬
‫ضد إرادة الهيمنة األمريكية‪ .‬في الوقت نفسه يعمل‬ ‫نسبته ‪ %86‬ما بين ‪،2018-2006‬‬
‫مؤسسات ومنتديات إقليمية ودولية جديدة ّ‬
‫بنفوذ أكبر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫يتمتعان فيها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بديل من خالل إنشاء ّ ٍ‬ ‫نظام ٍ‬‫كالهما على بناء ٍ‬
‫ّ‬
‫بشروط تتعلق بحقوق اإلنسان والحريات الليبرالية‬ ‫ٍ‬ ‫يستثنيان فيها الدول الغربية وال ُيلزمان فيها الدول املنخرطة‬
‫الذي ّ‬ ‫ّ‬
‫وحلفاء كثر‪ ،‬على سبيل املثال ترعى الصين إنشاء البنك‬ ‫ٍ‬ ‫أتباع‬
‫ٍ‬ ‫كسب‬ ‫من‬ ‫هما‬‫مكن‬ ‫كما يفعل الغرب‪ ،‬األمر‬
‫اآلسيوي لالستثمار في البنية التحتية )‪ ،(AIIB‬بينما ترعى روسيا إنشاء االتحاد االقتصادي األوراس ي )‪،(EAEU‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫نظمة شنغهاي للتعاون )‪ (SCO‬منذ ‪ّ 2001‬‬ ‫ُ ّ‬
‫هياكل‬
‫ٍ‬ ‫ظهور‬ ‫التي تزدهر عاما بعد عام‪ .‬النتيجة‪ ،‬هي‬ ‫وكالهما يقودان م‬
‫ملؤسسات إلى الفاعلية‬ ‫حتى وإن افتقرت هذه ا ّ‬ ‫للح ْو َكمة العاملية الليبرالية‪ُ ،‬تهيمن عليها "دو ٌل استبدادية"‪ّ .‬‬
‫موازية َ‬
‫ٍ‬
‫عزز ّ‬
‫الثقة‬ ‫حل املشكالت الجماعية ألعضائها‪ ،‬فهي ُت ّولد عالقات دبلوماسية أكثر كثافة‪ُ ،‬ت ّ‬ ‫الالزمة أو القدرة على ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كل من الصين‬ ‫عسكرية وسياسية‪ .‬األكثر من ذلك‪ ،‬شرعت ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫تحالفات‬
‫ٍ‬ ‫سهل عليهم بناء‬‫والقيم املشتركة بين أعضائها ُوت ّ‬
‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫عالقات تعاو ٍن مع دول‬ ‫ِ‬ ‫وروسيا اللعب في مناطق النفوذ التقليدية للواليات املتحدة والغرب‪ ،‬إذ ت َو ِثق الصين مثال‬
‫وسط وشرق أوروبا عبر مجموعة ‪ ،1+17‬بل ّإنها تخترق اليوم الحديقة الخلفية للواليات املتحدة ذاتها عبر منتدى‬
‫ً‬
‫مجتمع دول أمريكا الالتينية ومنطقة الكاريبي )‪ (ChinaCELAC‬مختبرة بذلك تماسك الكتلة التقليدية الغربية‪ ،‬من‬
‫ً‬ ‫ّ ُ‬
‫دون أن ننس ى مشروع القرن الصيني املعروف بمبادرة الحزام والطريق والذي تبدي روسيا تعاونا معه رغم اختراقه‬
‫ً‬
‫لحديقتها الخلفية (آسيا الوسطى) بل وتعمل على استيعابه ضمن مبادرة "أوراسيا الكبرى" وتجعله متوافقا مع‬
‫ً ُ‬
‫ستسفر في النهاية عن غلق املنطقة ّ‬
‫برمتها أمام النفوذ الغربي‪12 .‬‬ ‫استثماراتها هناك‪ ،‬ليقود كالهما جهودا‬

‫مكن هذا الصعود القو ّي للصين وروسيا من تقديم ْ‬ ‫ّ‬


‫متاحة أمام دول العالم لتعزيز‬
‫ٍ‬ ‫كرعاة جدد وبدائل‬
‫ٍ‬ ‫نفسيهما‬ ‫لقد‬
‫ّ‬
‫املحلية لهذه الدول‪،‬‬ ‫"شروط ُم ٍ‬
‫زعجة" للخصوصيات‬ ‫ٍ‬ ‫التعاون االقتصادي والتنموي وكذا اإلستراتيجي من دون فرض‬

‫‪12‬‬
‫‪- Alexander Cooley and Daniel H. Nexon, How Hegemony End: The Unraveling of American Power, Foreign Affairs,‬‬
‫‪July/August, 2020, U.S. link‬‬
‫‪Page 11 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬

‫ملجموعة من دول أمريكا‬ ‫قروض‬ ‫كما يفعل الغرب‪ ،‬على سبيل املثال‪ّ ،‬‬
‫قدمت الصين أكثر من ‪ 75‬مليار دوالر في شكل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الالتينية وآسيا الوسطى عقب األزمة املالية لسنة ‪ ،2008‬وقد بلغ إجمالي حجم املساعدات الصينية الخارجية ما‬
‫بين ‪ 2000‬و‪ 2014‬ما قيمته ‪ 354‬مليار دوالر (في مقابل ‪ 395‬مليار دوالر ّ‬
‫قدمتها الواليات املتحدة) وهي اليوم تتجاوز‬
‫بكثير في هذه املسألة‪ُ .‬يشير كولي ونيكسون إلى تزامن نهاية االحتكار الغربي للرعاية العاملية مع‬ ‫ٍ‬ ‫الواليات املتحدة‬
‫ً‬ ‫حتى في البلدان ّ‬‫صعود الحركات الشعبوية غير الليبرالية والقادة القوميين ّ‬
‫التي كانت راسخة بقوة في الفلك الغربي‬
‫ّ‬
‫املحلية ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ضد التخريب الليبرالي‪،‬‬ ‫(املجر‪-‬أوربان‪ ،‬تركيا‪-‬إردوغان‪ ،‬الفلبين‪-‬دوتيرتي) الذين جعلوا أنفسهم حماة للسيادة‬
‫األهمية املتزايدة لعالقاتهم االقتصادية واألمنية مع الصين وروسيا‪ ،‬كما صارت لهذه الدول ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫واتجهوا بذلك لتأكيد‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫املحلية والعابرة للحدود في‬ ‫ومنظمات املجتمع املدني‬
‫ِ‬ ‫حركات‬
‫ِ‬ ‫إلى جانب الصين وروسيا‪ -‬مهارة عالية في استخدام‬
‫ً‬ ‫تقويض وطرد نفوذ نظيرتها الليبرالية ّ‬
‫التي يعرف نشاطها وتأثيرها تراجعا غير مسبو ٍق في الدول واملجتمعات الليبرالية‬
‫بناء على ّ‬
‫عديدة في هذا الصدد‪ً .‬‬‫ً‬ ‫ُ‬ ‫حد سواء‪ ،‬حيث ُي ّ‬ ‫وغير الليبرالية على ّ‬
‫كل‬ ‫قدم الباحثان في كتابها املشار إليه أمثلة‬ ‫ٍ‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫واملؤسسات األمريكية والغربية خيارات أكثر توسعا‬ ‫ما سبق‪ ،‬فقد صارت "خيارات الخروج" عن الهيمنة‪ ،‬الرعاية‬
‫ٌ‬
‫قدرة أكبر على املناورة واللجوء إلى نماذج سياسية بديلة‪13.‬‬
‫ٍ‬ ‫بالنسبة للدول‪ ،‬كما صار للحكومات‬

‫الفوضى القادمة‪ :‬الجغرافيا العربية المُعطّلَة والهندسة اإلقليمية الجديدة‪:‬‬


‫ً‬
‫أساسا من الصورة الثالثة حسب اصطالح كنيث والتز‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫أي النظام الدولي كمستوى‬ ‫بناء على هذا التحليل املنطلق‬
‫ً‬ ‫للتحليل‪ُ ،‬نحاجج هنا ّ‬
‫بأن "الجغرافيا العربية" ستعرف وضعا من الفوض ى العميقة خالل العقد الحالي‪ ،‬بمعنى ّأنها‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫التحوالت‪ ،‬ال‬ ‫ستظل ساحة مفتوحة للتنافس بين القوى الكبرى واملتوسطة الصاعدة وطرفا ُمستقبال آلثار هذه‬ ‫ّ‬
‫ُ ّ‬ ‫ً ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ود بسبب الهشاشة امل َركبة لدول املنطقة‬ ‫فاعال أساسيا في تشكيلها نظرا ملا تعانيه هذه الجغرافيا من تعطيل ورك ٍ‬
‫جامع تضطلع به إحدى‬ ‫التي تعيشها ُنظمها السياسية واستمرارغياب ّ‬ ‫العربية‪ ،‬أزمة القيادة ّ‬
‫سيادي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫مشروع‬
‫ٍ‬ ‫أي‬
‫ًّ‬ ‫ّ‬
‫دولها املفتاحية في محيطها اإلقليمي‪ُ ،‬ونرش ُح هنا كال من الجزائر‪ ،‬مصروالسعودية على وجه التحديد لالضطالع‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ستتسبب هذه‬ ‫مرتبطة بالتموضع الجيوبوليتيكي املمتاز لهذه الدول‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫محضة‬
‫ٍ‬ ‫افية‬
‫ألسباب جغر ٍ‬‫ٍ‬ ‫ا‬
‫ر‬ ‫بهذا الدور‪ ،‬نظ‬
‫التي بلغت ذروتها‬ ‫"األمة العربية" أو "العالم العربي" ّ‬
‫التحوالت املرفوقة بهذا "التعطيل الجغرافي" في إنهاء سردية ّ‬ ‫ّ‬

‫‪13-‬‬ ‫‪Alexander Cooley and Daniel H. Nexon, How Hegemony End: The Unraveling of American Power, Op Cit.‬‬

‫‪Page 12 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬

‫اإليديولوجية والعملية سنوات الستينيات من القرن املنصرم واستمرت آثارها في الوعي الجمعي لهذه الجغرافيا –‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫متفاوت بين أقطارها إلى غاية العقد الثاني من القرن الحالي‪ .‬في مقابل ذلك‪ ،‬فإن الفرصة‬ ‫ٍ‬ ‫نحو‬
‫متراجعة‪ -‬على ٍ‬
‫ً‬
‫قائمة على التفكيرالجغرافي‬
‫ٍ‬ ‫بديلة‬
‫سردية ٍ‬‫ٍ‬ ‫ستكون متاحة كما ذكرنا أمام دو ٍل بعينها في هذه الجغر افيا إلرساء‬
‫والهوية والقائم بدوره على منظور الكتل اإلقليمية املُتمايزة‪ّ ،‬‬
‫لكنها ٌ‬
‫كتل تجد‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫املحض‪ ،‬املتجاوز لإليديولوجيا‬
‫ً‬
‫مشتركة أساسها قيم ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ ً‬
‫الدين اإلسالمي‪ ،‬كونه دين األغلبية الساحقة لشعوب هذه‬ ‫مساحات ق ْيمية‪ ،‬ثقافية روحية‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫ً‬
‫الجغرافيا‪ ،‬وعامال سيبقى مؤثرا ُوم ّوجها لشعوبها ُونخبها في املستقبل املنظور‪.‬‬

‫قدمها‬‫نستلهم طرح التفكير الجغرافي املحض القائم على الكتل اإلقليمية من نظرية جيوبوليتيكية كالسيكية ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سميه "بالتفكير عبر ّ ات" ّ‬
‫والتي‬ ‫عما ُي ّ‬ ‫الجنرال النمساوي يورديس فون لوهاوزين )‪ّ (Jordis Von Lohausen‬‬
‫القار‬
‫بأن السلطة السياسية لن تمتلك‬ ‫جاءت في كتابه‪" :‬رجولة امتالك السلطة‪ :‬التفكير عبر ّ ات"‪ ،‬إذ يرى فيه ّ‬
‫القار‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫واملحلية بل من‬ ‫طويلة إال عندما يبدأ رجالها بالتفكير ال من خالل املقوالت اآلنية‬
‫ٍ‬ ‫لفترة‬
‫فرصة االستمرار والثبات ٍ‬
‫ً‬
‫أيضا ّ‬ ‫خالل التفكير"عبرآالف السنين وعبر ّ‬
‫بأن العمليات االجتماعية‪ ،‬الثقافية والحضارية‬ ‫القارات"‪ .‬يرى لوهاوزين‬
‫ً ّ‬ ‫ّ‬
‫أفق "بعيد النظرة"‪ ..‬فالسلطة في املجتمع‬ ‫التي تدور على مساحات عاملية‪ ،‬ال تغدو مفهومة إال إذا جرت رؤيتها من ٍ‬
‫ًّ‬ ‫طات ّ‬ ‫ّ‬ ‫األهم يجب أن ُت َّ‬ ‫اإلنساني ّ‬
‫جدا‬ ‫عام ٍة‬ ‫سير من طرف ُمخط ٍ‬ ‫ّ‬ ‫والتي يرتبط بها اختيار الطريق التاريخي والقرارات‬
‫مكان لهذه الدولة أو تلك‪ ،‬أو لهذا الشعب أو ذاك‪ ،‬في السياق التاريخي الهائل األبعاد‪ .‬يرى لوهاوزين‬
‫تسمح بإيجاد ٍ‬
‫شك سطح العالم‪ّ ،‬‬ ‫بدل من دون ّ‬ ‫والتحوالت التكنولوجية والحضارية ُت ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أيضا ّ‬
‫لكنها‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بأن اإليديولوجيات الجديدة‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫عدد من القوانين األساسية للجيوبوليتيك واملرتبطة أساسا باملدى املكاني‪ ،‬لذا فهو ُيسقط‬ ‫عاجزة عن تغيير ٍ‬
‫سميه بالتموضع املكاني في معادلة‬ ‫أهمي ًة قصوى ملا ُي ّ‬
‫املسائل اإليديولوجية من طرحه هذا ُويولي في املُقابل ّ‬
‫ُ ّ‬ ‫العظمة‪ ،‬فالعظمة عنده تعني القوة مضروبة في مكان التموضع‪ّ ّ ،‬‬
‫مكن من‬ ‫أي أن التموضع الجغرافي املناسب ي ِ‬
‫ً‬ ‫التطوير الكامل للقوى الداخلية‪ ،‬لذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن السلطة السياسية العقلية وما إلى ذلك ترتبط ارتباطا مباشرا باملدى‬
‫املكاني‪14.‬‬

‫ّ‬
‫املتحدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،)2014‬ص‪.185-184 :‬‬ ‫‪ -‬ألكسندر دوغين‪ ،‬أسس الجيوبولتيكيا‪ :‬مستقبل روسيا الجيوبوليتكي‪ ،‬ترجمة عماد حاتم (طرابلس‪ :‬دار الكتاب الجديد‬
‫‪14‬‬

‫‪Page 13 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫أساسا بأزمة القيادة‪ ،‬أي رجاالت السلطة والتفكير ّ‬ ‫غير ّ‬
‫التي عطلت‬ ‫أن املشكلة بالنسبة "للجغرافيا العربية" ترتبط‬
‫ّ‬
‫وتسببت في معضلة‬ ‫–كما ُنحاجج هنا‪ -‬القدرات الكامنة لهذه الجغرافيا الرحبة والتموضع املكاني املمتاز لها‬
‫ّ ُ‬
‫التي تعانيها دولها‪ ،‬لذلك جاء تركيزنا في هذه الورقة على دور القيادة السياسية ‪-‬كما سنرى بعد قليل‪ -‬وهذا‬ ‫الهشاشة‬
‫الذي ُيعلي من شأن رجال السلطة كما ّ‬ ‫ّ‬
‫يتضح ذلك من عنوان كتابه سابق الذكر‬ ‫بدوره يتقاطع مع نظرية لوهاوزين‬
‫ً‬ ‫ّ ُ‬ ‫ّ‬
‫يتصف به هؤالء القادة بعيدا عن االعتبارات اإليديولوجية‬ ‫"رجولة امتالك السلطة" ُوبعد النظر الجغرافي الذي‬
‫ّ‬ ‫الع َرضية‪ .‬لم يكن لوهاوزين الجيوبوليتيكي الوحيد ال ّذي ّنوه إلى ّ‬
‫َ‬
‫أهمية دور القيادة في تفعيل الجغرافيا املعطلة كما‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُن ّ‬
‫سميها‪ ،‬فقد طرح قبله الجيوبوليتيكي الفرنس ي فيدال دي البالنش )‪ (Vidal de La Blanche‬نظرية كاملة تجعل‬
‫املمثل ّ‬
‫األهم على خشبة املسرح‪ ،‬ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ديكور فوقها‪ ،‬فاإلنسان‬
‫ٍ‬ ‫مجرد‬ ‫من اإلنسان (صاحب السلطة والتفكير) بمثابة‬
‫سمي دي البالنش نظريته هذه "بالبوسيبيليزم من كلمة‬ ‫مهم ًا ّ‬
‫يتميز باملبادرة‪ُ .‬ي ّ‬ ‫ً‬
‫افيا ّ‬ ‫ً‬
‫عد بدوره عامال جغر‬ ‫ُي ّ‬

‫التي اتسمت بها املدرسة‬ ‫)‪ )Possible‬وتعني املُمكن"‪ ،‬وقد جاءت في سياق محاولته كسر الحتمية الجغرافية ّ‬

‫أفقين‪ ،‬مكاني "جغرافي" وزماني "تاريخي"‪ ،‬ينعكس العامل الجغرافي في الوسط‬ ‫األملانية‪ ،‬إذ يرى ّ‬
‫بأن للتاريخ السياس ي ْ‬

‫املحيط‪ّ ،‬أما التاريخي فينعكس في اإلنسان نفسه "صاحب املبادرة"‪ ،‬فاألملان –في رأيه‪ -‬أخطأوا في اعتبار السطح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫األرض ي عامال حاسما في سلوك الدولة ‪-‬أو مكانتها وحجم تأثيرها‪ّ ،-‬أما هو فيقترح النظر إلى الوضع املكاني الجغرافي‬
‫فعل –فيبقى ّ‬ ‫ً‬
‫حقيقيا‪ ،‬ويمكن أن ال ُي ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫على ّأنه "احتمال" أو "إمكانية" ُيمكن أن ُي ّ‬
‫مجرد‬ ‫فعل ليصير عامال سياسيا‬
‫حد بعيد بالعامل الذاتي‪ ،‬باإلنسان‪ ،‬ساكن ذلك املكان‪15‬‬ ‫سميها هنا‪ -‬وهذا ما يرتبط إلى ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫عطلة كما ُن ّ‬
‫ٍ‬ ‫جغرافيا م‬
‫وباألخص صاحب السلطة والتفكير والقرار فيه‪ ،‬أي القيادة السياسية كما ُن ّ‬
‫سميها اليوم‪.‬‬ ‫ّ‬

‫على هذه الدول املفتاحية الثالث (الجزائر‪ ،‬مصر والسعودية) أن تضطلع بدورها اإلقليمي السيادي القائد والقائم‬
‫على التفكير الجغرافي املحض ‪-‬كما ذكرنا‪ -‬عبر كتلها اإلقليمية املعنية الثالث (كتلة املغرب الكبير‪ ،‬كتلة املشرق‬
‫العربي والكتلة الخليجية على التوالي)‪ ،‬عبر آليات الهيمنة اإلقليمية الحميدة )‪(Benign Regional Hegemony‬‬
‫ُ ّ‬
‫عطل ًة إلى ّ‬ ‫ومصادر القوة الناعمة الكامنة لديها )‪ّ (Inherent Sources of Soft Power‬‬
‫التي تبقى ّ‬
‫حد‬‫ٍ‬ ‫لحد اآلن م‬

‫‪ - 15‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.103-102 :‬‬

‫‪Page 14 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ ُ‬
‫سابقة في هذه النقطة بتقديم الجزائر كمثال عن ذلك‪ 16.‬سيكون للثقل الذي تلقيه هذه‬
‫ٍ‬ ‫اسة‬ ‫كبير‪ ،‬وقد َف ّ‬
‫صلنا في در ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إيجابي في صون األمن‪ ،‬تحقيق االستقرار‪ ،‬تقليص ّ‬
‫ٌ‬ ‫الدول في كتلها اإلقليمية ٌ‬
‫الشك والاليقين الذي يعتري‬ ‫حدة‬ ‫أثر‬
‫أمنية )‪ (Security Dilemma‬ال مخرج منها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العالقات البينية بين دول ّ‬
‫معضالت ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ويتسبب بدوره في‬ ‫كل كتلة إقليمية‬
‫ّ‬
‫ستؤدي القيادة السياسية الرشيدة القائمة على التفكير الجغرافي املحض إلى توحيد املدركات األمنية لهذه‬ ‫كما‬
‫مشتركة تعود باالزدهار االقتصادي والرفاه‬
‫ٍ‬ ‫تنموية‬
‫ٍ‬ ‫مشاريع إستراتيجية‬
‫ٍ‬ ‫تدريجي وحشدها نحو‬
‫ٍ‬ ‫الدول على ٍ‬
‫نحو‬
‫ظلت ّ‬‫ّ ّ‬ ‫االجتماعي لشعوب هذه الكتل‪ ،‬وسيمنح ذلك فرصة تفعيل ّ‬
‫مجرد هياكل‬ ‫املؤسسات التعاونية اإلقليمية الذي‬
‫شكلية من دون وظائف على غرار منظمة اتحاد املغرب العربي‪.‬‬
‫ُ‬
‫تتقاطع فكرة الهيمنة اإلقليمية الحميدة املقترحة هنا مع نظرية روبرت غيلبين الشهيرة عن "االستقرار بالهيمنة"‬
‫تتحدث عن ُسبل تحقيق االستقرار على املستوى الدولي وتقليص ّ‬
‫حدة‬ ‫التي ّ‬ ‫)‪ّ ،)Hegemonic Stability Theory‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫التي تعتريه‪ ،‬فهي تنطلق من فرضية مفادها ّ‬ ‫الفوض ى ّ‬
‫بأن النظام أحادي القطبية الذي تقوده قوة واحدة ومهيمنة‬ ‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫هو النظام األكثر حفاظا على األمن واالستقرار على املسرح الدولي‪ ،‬مستندا بدوره على طرح تشارلزكيندلبارغرالذي‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يرى ّ‬
‫املتعدد األقطاب والثنائي القطب يحتويان على عناصر عدم االستقرار‪ ،‬ويمكن أن تطلق مساعي‬ ‫بأن‪" :‬الهيكالن‬
‫التي ال يمكن السيطرة عليها ّ‬ ‫ً‬
‫سلسلة من األحداث ّ‬
‫وتؤدي إلى صر ٍاع دولي‬ ‫دولة أو أكثر إلى تحسين مواقفها النسبية‬
‫ٍ‬
‫ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫طرف سياس ٍي‬
‫وإلى الحرب‪ 17".‬إذن فاالستقرار يتحقق في النظام الدولي عبر الهيمنة كما ينظر لها غيلبين‪ ،‬عبر وجود ٍ‬
‫واقتصادي مهيمن قادر على ّ‬
‫تحمل األعباء‪ .‬ما نقوم به هنا هو النزول بالفكرة الجوهرية لهذه النظرية من مستواها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫الدولي إلى مستواها اإلقليمي وإسقاطها على الوضع الجيوبوليتيكي امل ّ‬
‫تصور في نظرنا للكتل اإلقليمية الثالث صاحبة‬
‫حميدة عبر تفعيل آليات القوة‬ ‫صيغة‬ ‫التي يجب أن تعمل قيادتها على بسط الهيمنة في‬ ‫القوى املهيمنة الثالث ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫‪ - 16‬جالل خشيب‪ ،‬القوة الناعمة الغائبة في السياسة الخارجية الجزائرية‪ :‬كيف تصل الجزائر إلى مصادر ّ‬
‫قوتها الكامنة‪ :‬نحو هيمنة إقليمية حميدة‪ ،‬مجلة دراسات معاصرة في السياسة‬
‫االقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،1‬سنة ‪ ،2019‬الجزائر (قيد النشر)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أو أنظر‪ :‬جالل خشيب‪ّ :‬‬
‫قوتنا الناعمة الكامنة‪ ،‬ما الذي يقدمه الحراك ملستقبل القوة الجزائرية؟ محاضرة بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم من تنظيم منتدى الجالية الجزائرية‬
‫بتركيا‪ 6 ،‬يوليو ‪ ،2019‬إسطنبول‪-‬تركيا‪ .‬الرابط‬
‫‪ - 17‬روبرت غيلبين‪ ،‬الحرب والتغيير في السياسة العاملية‪ ،‬ترجمة عمر سعيد األيوبي (بيروت‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،)2009 ،‬ص‪.122-121 :‬‬

‫‪Page 15 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬

‫الناعمة الجاذبة لدول هذه الكتل نحوها‪ ،‬وإلقاء ثقلها وتفعيل اإلمكانيات الكامنة والهائلة لجغرافياتها املحضة‬
‫املتموضعة على نح ٍو ممتاز باتجاه تحقيق هذا الغرض املنشود‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫التحوالت البنيوية ‪-‬املشار إليها في العنصرين السابقين‪ -‬فسينجم عنها خالل العقد‬ ‫بالعودة إلى اآلثار الناجمة عن‬
‫كثير من دول الجغرافيا العربية والواليات املتحدة‪ ،‬في مقابل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬
‫القادم ‪-‬كما نحاجج‪ -‬فك تدريجي لالرتباط القائم بين ٍ‬
‫بكل من تركيا‪ ،‬إيران‪ ،‬فرنسا و"إسرائيل" على‬‫بكل من روسيا والصين أو عالقاتها اإلقليمية ّ‬
‫تعزيز عالقاتها الدولية ّ‬
‫ٍ‬
‫سيتسبب بدوره في تزايد االضطرابات الداخلية على مستوى االقتصاد والعقائد العسكرية‬ ‫ّ‬ ‫وجه التحديد‪ ،‬هذا ما‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫واملدركات األمنية لنخب هذه الدول العربية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فلن تكون الواليات املتحدة قادرة على استرجاع هذه‬
‫ٌ‬
‫محتمل‬ ‫حتى وإن فاز جون بايدن في االنتخابات القادمة وعاد معه كما هو‬‫جد ًدا في القريب العاجل ّ‬
‫الدول إلى فلكها ُم ّ‬
‫جد ًا دعاة الهيمنة الليبرالية )‪ (Liberal Hegemony‬إلى واجهة السياسة الخارجية األمريكية من جديد ْ‬
‫(أي ُمهندسو‬ ‫ّ‬
‫ُ ّ ً‬ ‫النظام الدولي الليبرالي)‪ ،‬ذلك ّ‬
‫وجهة إلصالح األعطاب الداخلية‬ ‫أن السنوات الخمس األولى له على األقل ستكون م‬
‫ُ‬ ‫ّ ُ‬
‫التي تعانيها الواليات املتحدة قبل أن ت ّوجه الواليات املتحدة جهودها إلصالح أعطاب النظام الدولي الليبرالي من‬
‫قره بايدن نفسه في مقال سابق له بمجلة الشؤون الخارجية بعدد مارس‪/‬أبريل املاض ي ّ‬
‫تضمن‬ ‫جديد‪ .‬هذا ما ُي ّ‬
‫ناجحة يجب أن تنطلق من الديار‪ْ ،‬‬ ‫ّ‬
‫يؤكد فيه ّ‬
‫بأن ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫خارجية‬
‫ٍ‬ ‫سياسة‬
‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫خطوطا عريضة لبرنامجه االنتخابي•‪ ،‬إذ‬

‫تسببت في إضعاف مصداقية ونفوذ الواليات املتحدة عبر العالم‪ ،‬واألخطر من ذلك هو ابتعاد ترامب عن القيم الديمقراطية ّ‬
‫التي تمنح القوة ألمريكا وتجعل‬ ‫بأن إدارة ترامب ّ‬ ‫• يرى بايدن ّ‬
‫ً‬ ‫تحدي املناخ‪ ،‬صعود الشعبويات والنزعة القومية‪ ،‬تنامي الهجرة وانتشار األمراض ّ‬ ‫التي يعيشها العالم على غرار ّ‬ ‫التحديات الجديدة ّ‬
‫ّ‬ ‫شعبها ّ‬
‫الفتاكة‪ ،‬فضال عن صعود‬ ‫موحدا‪ .‬ومع‬
‫ّ‬
‫االستبداد واألنظمة غير الليبرالية عبر العالم‪ ،‬تراجعت ثقة شعوب العالم في الديمقراطية وتنامى هوس الخوف من اآلخر‪ ،‬وكلها كانت عوامل في خدمة ترامب وأمثاله من الديماغوجيين‬
‫في سعيتهم لتحقيق مصالحهم السياسية والشخصية الضيقة‪ .‬لذا‪ ،‬فعلى الرئيس القادم أن يسترجع ُسمعة الواليات املتحدة‪ ،‬مصدقتيها وثقة العالم في قيادتها وأن يحشد الحلفاء‬
‫ّ‬
‫يؤكد بايدن ّ‬
‫فسيباشر ما ُيسميه "بضرورة تجديد الديمقراطية داخل الديار"‪ ،‬فعلى الواليات املتحدة في نظره أن‬ ‫بأنه لو فاز بمنصب الرئاسة ُ‬ ‫ملواجهة هذه التحديات الجديدة فورا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫نشط ديمقراطيتها ّ‬ ‫ُتصلح ُوت ّ‬
‫وتقوي ائتالف الديمقراطيات عبر العالم وأن تظهر استعدادها لقيادة العالم مرة أخرى "ال عبر ِمثال قوتها وحسب بل عبر قوة املثال الذي تضربه أيضا"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫يتحدث بايدن أيضا عن تركيز االهتمام على األمن االقتصادي للواليات املتحدة باعتباره مرادفا لألمن القومي مركزا على الطبقة الوسطى في املجتمع‪ ،‬إذ يرى بأن "سياستنا التجارية"‬
‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬
‫والتأكد من ّ‬ ‫ً‬
‫كل شخص يمكنه املشاركة في نجاح البلد وهذا ما يتطلب استثمارات ضخمة في البنية‬ ‫رصيد لنا أي طبقتنا الوسطى"‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تبدأ داخل الديار أوال "من خالل تعزيز أعظم‬
‫ّ‬ ‫التحتية والتعليم‪ّ .‬أما على مستوى السياسة الخارجية فيرى ّ‬
‫بأن إدارة ترامب جعلت الواليات املتحدة تتنازل عن دورها القيادي العاملي الذي باشرته منذ سبعين سنة‪ ،‬وإذا واصلت تنازلها‬
‫ّ‬ ‫طرف آخر مكان الواليات املتحدة بطريقة لن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫"إما أن ّ‬ ‫عن هذه املسؤولية فسيحدث أحد األمرين‪ّ ،‬‬
‫وستعم الفوض ى حينها‪ ،‬وكلتا‬ ‫تعزز املصالح والقيم األمريكية‪ ،‬أو لن يفعلها أحد‬ ‫يحل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫كثيرة‪ ،‬كان ّ‬ ‫ً‬ ‫ً ّ ً‬
‫دا ألمريكا"‪ .‬يعترف بايدن ّ‬ ‫الحالتين ال ُت ّ‬
‫أهمها اعتمادها على قوة جيشها بدال من االعتماد على مجموعة كاملة من‬ ‫أخطاء‬ ‫بأن الواليات املتحدة ارتكبت في املاض ي‬ ‫عدان أمرا جي‬
‫الفعال للدبلوماسية‪ .‬ومن األمور ّ‬
‫فضال عن إهمالها للدور ّ‬‫ً‬
‫التي يرى ضرورة مباشرتها هي إنهاء الحروب إلى األبد وإعادة األغلبية العظمى من القوات األمريكية إلى الديار‬ ‫نقاط القوة لديها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫واالكتفاء باستخدام بضع مئات من القوات الخاصة واألصول االستخباراتية لدعم الحلفاء املحليين ضد األعداء املشتركين‪ ،‬كما يرى بضرورة إنهاء الدعم األمريكي لحرب السعودية في‬

‫‪Page 16 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫أيضا‪18.‬‬ ‫ُ‬ ‫من إصالح األزمات الداخلية ّ‬
‫التي تعرفها الديمقراطية األمريكية املتآكلة واملجتمع واالقتصاد األمريكيين‬
‫يتأسف ّ‬
‫بشدة أن تحظى الواليات املتحدة‬ ‫مؤخ ًرا ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫هب فرنسيس فوكوياما إلى تأييد ذات الطرح أيضا حينما كتب‬ ‫َذ َ‬
‫ّ ً‬ ‫ّ‬
‫التحوالت الدولية‪ُ ،‬متوقعا أن تكون حقبة‬ ‫مثير لالنقسام (أي ترامب) في هذه املرحلة الحاسمة من‬‫كفئ ٍ‬
‫بقائد غير ٍ‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ما بعد كوفيد‪ 19-‬حقبة صعبة ّ‬
‫"فحتى وإن فاز بايدن والديمقراطيون باالنتخابات‬ ‫جدا على الواليات املتحدة‪:‬‬
‫ً‬
‫جاثية على ْ‬ ‫ً‬ ‫الرئاسية القادمة ّ‬
‫فإنهم َ‬
‫عديدة إلعادة بنائها"‪ ،‬كما يقول‪ 19.‬لذلك‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫سنوات‬
‫ٍ‬ ‫ركبتيها تحتاج‬ ‫سيرثون دولة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫نحو أكبر أمام الرعاة الجدد مللئ فراغ القوة الذي خلفته سياسات ترامب في‬‫نرى بأن الفرصة ستكون متاحة على ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هامش الحركة والتأثير ُمتاحا‪ ،‬السيما خالل‬
‫ُ‬ ‫املنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم‪ ،‬كما سيبقى أمامها تبعا لذلك‬
‫مواجهة‬
‫ٍ‬ ‫السنوات الخمس القادمة‪ّ .‬أما إذا فاز ترامب‪ ،‬فستستمر هذه القوى الصاعدة على ذات الوتيرة من دون‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وتحركاتها من طرف الواليات املتحدة مثلما تفعل تماما منذ وصول ترامب إلى البيت‬ ‫كابحة لطموحاتها‬
‫ٍ‬ ‫لعوائق‬
‫ٍ‬
‫األبيض‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الهشة واملعطلة عرضة ملنافسة القوى العظمى وحسب‪ ،‬بل سيكون‬ ‫بناء على ذلك‪ ،‬لن تكون الجغرافيا العربية‬
‫ً‬ ‫ًّ ً‬
‫املتوسطة والطموحة حظا وفيرا من هذا التنافس أيضا‪ ،‬ورّبما على نحو أكثر تصادما‪ ،‬ونعني هنا‬ ‫ّ‬ ‫للقوى اإلقليمية‬
‫ً‬
‫أساسا ّ‬
‫كل من تركيا‪ ،‬إيران‪" ،‬إسرائيل" وفرنسا في الشام والخليج‪ ،‬وفرنسا وتركيا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل‪-‬‬
‫محدود تسعى إلى تعزيزه ٌّ‬ ‫ً ًّ‬
‫كل من أملانيا‬ ‫ٍ‬ ‫جنوب الصحراء الكبرى‪ ،‬كما ستعرف املنطقتين األخيرتين مالمحا أولية ٍ‬
‫لدور‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫املتوسطة الطموحة‪ ،‬فهي تحظى‬ ‫قواسم مشتركة تجمع بين هذه القوى‬ ‫و"إسرائيل" خالل السنوات القادمة‪ .‬هناك‬
‫ّ‬ ‫ًّ‬
‫ٌ‬
‫مخيال جيوبوليتيكي‬ ‫حركها‬‫بخطاب حضاري‪ ،‬كما ُي ّ‬
‫ٍ‬ ‫حاسمة صاحبة مشار ٍيع جيوبوليتيكية ُمغل َفة‬
‫ٍ‬ ‫بقيادات‬
‫ٍ‬ ‫أوال‬
‫ّ‬
‫مستحقة‪ ،‬أو ما ُي ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سميه‬ ‫يخية‬ ‫ضارب في التاريخ يجعلها ترى في هذه الفترة فرصة سانحة الستعادة مجاالت ٍ‬
‫نفوذ تار ٍ‬

‫التحديات ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫طبعا هي استعادة ثقة حلفاء أمريكا التقليديين وتعزيز العمل املشترك ّ‬ ‫ّ‬
‫التي تفرضها القوى غير الليبرالية‬ ‫ضد‬ ‫اليمن وااللتزام الصارم بأمن إسرائيل‪ .‬من القضايا املؤكدة‬
‫لروسيا‪-‬بوتين والصين وغيرهما من "الدكتاتوريات الصاعدة" وذلك عبر توسيع شبكة األصدقاء الديمقراطيين في أمريكا الالتينية‪ ،‬إفريقيا وشرق آسيا‪.‬‬
‫‪For more info see: Joseph R. Biden, Jr., Why America Must Lead Again? Rescuing U.S. Foreign Policy After Trump,‬‬
‫‪Foreign Affairs, March/April 2020, US. link‬‬
‫‪18- Joseph R. Biden, Jr., Why America Must Lead Again? Rescuing U.S. Foreign Policy After Trump, Foreign Affairs,‬‬

‫‪March/April 2020, US. link‬‬


‫‪19- Francis Fukuyama, The Pandemic and Political Order: It Takes a State, Foreign Affairs, July/August, 2020, U.S. link‬‬

‫‪Page 17 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ً‬ ‫وكل هذه القوى تجد في "فترة ّ‬
‫أميتاف أتشاريا "بالدول الحضارية" )‪ّ ،20 (Civilization States‬‬
‫خلو العرش" فرصة‬
‫ً‬
‫سانحة للتموضع ّ‬
‫الجيد وترسيخ األقدام في التشكيل الجيوبوليتيكي القادم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سوف نشهد خالل هذا العقد تنافسا شديدا بين فرنسا وتركيا خصوصا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل‪-‬جنوب‬
‫ّ‬
‫سيتعقد‬ ‫املتوسط إلى حالة الغليان ّ‬
‫التي كان عليه نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫الصحراء‪ ،‬كما سيرجع حوض‬
‫مجد ًدا عبر ّ‬
‫بوابة لبنان‪ ،‬باعتبارها نقطة االرتكاز الفرنكوفونية التقليدية لها‬ ‫الوضع في منطقة الشام بعودة فرنسا ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫في املنطقة‪ ،‬السيما بعد واقعة االنفجار الكارثي الذي شهدته بيروت مؤخرا‪ ،‬إذ كان الرئيس ماكرون أو ّل رئيس يزور‬
‫ّ‬
‫لبنان ويعمل على حشد مناصرين له هناك‪ ،‬منهم من بدأ يدافع عن عودة االنتداب الفرنس ي على لبنان‪ ،‬األمر الذي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫س ّ‬
‫متجددة‬ ‫متوسطة طموحة كفرنسا‪ ،‬إيران وتركيا في حالة مواجهة‬ ‫يعقد الوضع في الشام عموما ويجعل قوى‬
‫نجاحات متتالية في تقليص عدد أعداء الطوق حولها ورفع عدد األصدقاء‬‫ٍ‬ ‫هناك‪ّ .‬أما "إسرائيل" فتستمر في تحقيق‬
‫ّ‬
‫تنموية في دول املنطقة‪ ،‬لم‬
‫ٍ‬ ‫اقتصادي ملشار ٍيع‬
‫ٍ‬ ‫اعي‬
‫وكشريك ور ٍ‬
‫ٍ‬ ‫طبيعية" بينهم‪ ،‬بل‬
‫ٍ‬ ‫"كدولة‬
‫ٍ‬ ‫الذين َيقبلون بوجودها‬
‫الذي بدأ مع ّ‬‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫تأسس هذه "الدولة"‪ ،‬وسيجد هذا املشروع‬ ‫توسعت النفوذ‬
‫ِ‬ ‫ملشروع‬
‫ِ‬ ‫ناجحة‬ ‫بداية‬ ‫إال‬ ‫تكن السودان‬
‫التمدد‪ ،‬فمن ّ‬
‫املرجح أن يصطدم هذا‬ ‫التي ستتبع هذا ّ‬‫يهمنا هنا فهو اآلثار ّ‬
‫بيئته األنسب خالل العقد الحالي‪ّ ،‬أما ما ّ‬
‫متوسطة وصاعدة أخرى‪ ،‬كما سيحدث بين "إسرائيل" وتركيا وفرنسا والصين وروسيا في‬ ‫بطموحات قوى ّ‬ ‫ّ‬
‫التمدد‬
‫ِ‬
‫ًّ‬
‫جدا‬ ‫شمال إفريقيا أو جنوب الصحراء الكبرى‪ ،‬أو بين تركيا‪ ،‬إيران‪ ،‬فرنسا وروسيا في منطقة الشام‪ ،‬ومن الصعب‬
‫ّ‬ ‫تتشكل بين هذه القوى في مناطق أو التصادمات ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنبؤ بطبيعة التحالفات ّ‬
‫التي قد ُيولدها تضارب املصالح‬ ‫ٍ‬ ‫التي قد‬
‫بينها في مناطق أخرى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫عقود‬
‫صعب لم تتمكن الجغرافيا العربية من الخروج منه منذ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وضع‬
‫ٍ‬ ‫ضوء‬ ‫على‬ ‫سابقا‬ ‫التحوالت كما أشرنا‬ ‫تأتي هذه‬
‫سيادي‬ ‫مشروع‬ ‫التي تعيشها ُنظمها السياسية واستمرار غياب ّ‬
‫أي‬ ‫طويلة‪ ،‬فهشاشة دول هذه املنطقة‪ ،‬أزمة القيادة ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫‪20-‬‬ ‫‪Amitav Acharya, The Myth of the “Civilization State”: Rising Powers and the Cultural Challenge to World Order,‬‬
‫‪Ethics & International Affairs, July 8, 2020, U.S. link‬‬
‫‪Page 18 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫شديدة‬
‫ٍ‬ ‫تضطلع به إحدى دولها املفتاحية (بسبب أزمة القيادة أساسا) يجعل هذه املنطقة عرضة لفوض ى‬ ‫جامع‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫ودولية ال غير‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إقليمية‬
‫ٍ‬ ‫ومنافسات‬
‫ٍ‬ ‫لحروب‬
‫ٍ‬ ‫وساحة‬

‫•‬ ‫ّ‬ ‫ً‬


‫وفقا ّ‬ ‫خريطة ُت ّ‬
‫ملؤشر الدول الهشة لسنة ‪2020‬‬ ‫وضح مدى هشاشة الدول‬

‫ّ‬ ‫عن معضلة الهشاشة‪ُ ،‬ت ّ‬


‫وضح هذه الخريطة كيف تتأرجح دول الجغرافيا العربية بين مستويات الدولة الهشة‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ات‬
‫)‪ (Fragile State‬والدولة السائرة في طريقة الهشاشة‪ ،‬وللهشاشة جملة من املؤشرات املركبة ما بين مؤشر ٍ‬
‫ّ ّ‬
‫التي ُيوفرها‬ ‫أمنية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬سياسية واجتماعية ُيمكن الرجوع إليها بالتفصيل عبر متابعة اإلحصائيات الغزيرة‬
‫كل دولة في ّ‬
‫كل عام‪21.‬‬ ‫ّ‬
‫املؤشر عن حالة ّ‬ ‫هذا‬
‫ً‬
‫ومنتجا ملعضلة الهشاشة املُ ّ‬
‫ركبة‪ ،‬كما ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فت ُّ‬‫ّأما بالنسبة ألزمة القيادة‪ُ ،‬‬
‫أن اجتماعها مع األخيرة‬ ‫عد في نظرنا سببا جوهريا‬
‫ُ ّ‬
‫عطلة كما ُن ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫سميها‪ ،‬ال مشروع لها في جوارها اإلقليمي‪ ،‬وال هدف لها‬ ‫يجعل من الدول املعنية دوال راكدة أو جغرافيا م‬

‫•‬
‫‪Fragile States Index, Powered by the fund for peace, Mapbox 2020. link‬‬
‫‪21- Fragile‬‬ ‫‪States Index, Powered by the fund for peace, Indicators. link‬‬

‫‪Page 19 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ّ‬
‫التحول إلى دو ٍل فاشلة منهارة )‪ .(Failed State‬من املفارقة‪ّ ،‬أنه‬
‫ّ‬ ‫الحد األدنى من متطلبات البقاء وعدم‬ ‫سوى توفير ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫املؤسسات‬ ‫وفي الوقت الذي يعرف فيه العالم عموما تناميا لدور القيادة والزعامات الفردية على حساب‬
‫الر ُج ِول َية )‪(The Manhood State‬‬ ‫سابقة بصعود دولة ُ‬
‫ٍ‬ ‫اسة‬ ‫البيروقراطية التقليدية في الدول‪ ،‬أو ما ّ‬
‫سميناه في در ٍ‬
‫التي ُي ّ‬‫أزمة قيادة حقيقية‪ ،‬السيما الدول املفتاحية منها ّ‬ ‫ً‬
‫ميزها ضعف السمات الشخصية‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،22‬تشهد الجغرافيا العربية‬
‫التي تواجهها هذه‬‫والنفسية لقياداتها وعدم قدرة هذه القيادات على حسم املشكالت الداخلية والخارجية األساسية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والتشوه الحاصلين في مدركاتها‬ ‫التشوش‬ ‫واضحة املعالم فضال عن‬
‫ِ‬ ‫تنموية‬
‫ٍ‬ ‫الدول نظرا لعدم قدرتها على صياغة ٍ‬
‫رؤية‬
‫األمنية الجيوبوليتكية تجاه بيئتها الخارجية‪.‬‬

‫منقوصة‬
‫ِ‬ ‫مريضة‬
‫ٍ‬ ‫فمع بداية عقد ‪ ،2020‬وصل السيد عبد املجيد تبون إلى رأس السلطة في الجزائر بعد انتخابات‬
‫وفي ّ‬ ‫ّ ُ ّ‬
‫رئيس‬‫ٍ‬ ‫ى‬ ‫عل‬ ‫ائر‬
‫ز‬ ‫الج‬ ‫ل‬‫حصو‬ ‫د‬ ‫بمجر‬ ‫الشرعية وبفضل دعم قائد أركان الجيش له الفريق أحمد قايد صالح‪ ،‬الذي ت‬
‫ُ‬
‫دستوري وحراك جماهيري دام قرابة العام‪ ،‬ليجد الرئيس ّتبون نفسه على رأس السلطة من دون‬ ‫ٍ‬ ‫بعد أزمة فر ٍاغ‬
‫نافذة من ّ‬ ‫ً‬
‫كل جانب ال تزال تتصارع السلطة‪ ،‬واألكثر من‬ ‫ٍ‬ ‫بشخصيات‬
‫ٍ‬ ‫دعم الرجل العسكري األقوى آنذاك‪ ،‬محاطا‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك ّأنه ورث بلدا ُم ّثقال باألزمات االجتماعية واالقتصادية الداخلية املتراكمة منذ أكثر من عشرين سنة من حكم‬
‫حاطة بسياج من األزمات من ّ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫خارجية ُ‬
‫م‬ ‫ٍ‬ ‫بيئة‬
‫ٍ‬ ‫عن‬
‫ً‬
‫فضال‬ ‫ر)‬ ‫أسبق من اإلرهاب املُ ّ‬
‫دم‬ ‫َ‬ ‫لعقد‬
‫(إضافة ٍ‬‫ٍ‬ ‫الرئيس السابق‬
‫ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬
‫جانب‪ ،‬أبعدت الجزائر عن ممارسة دورها اإلقليمي الرائد الذي كانت عليه‪ ،‬األمر الذي خلف فراغا إقليميا في القوة‬
‫بالكتلة املغاربية حاولت دو ٌل جارة (املغرب كمنافس تقليدي للجزائر في املنطقة) أو دو ٌل خارجية أخرى ملئه (كتركيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قطر‪ ،‬السعودية واإلمارات)‪ .‬لذلك‪ ،‬سيكون الرئيس ّتبون مشغوال بإصالح ما أمكن إصالحه داخليا من ٍ‬
‫أزمات خالل‬
‫واألهم املحافظة على تماسك النظام وبقاء الدولة‬ ‫ّ‬ ‫سياسية‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫شرعية‬
‫ٍ‬ ‫السنوات الخمس القادمة والعمل على بناء‬
‫ً ُ‬ ‫بسبب صراع ُ‬
‫العصب السلطوية املستمر إلى اآلن‪ ،‬ولن يكون من السهل على الجزائر العودة إقليميا كما تحاول اآلن‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫في ليبيا ومالي خصوصا من دون تجاوزها ملعضالتها االقتصادية الداخلية خصوصا‪.‬‬

‫‪ - 22‬جالل خشيب‪ ،‬أوهام العوملة وعودة جيوبوليتيكا العالم القديم‪ ،‬املعهد املصري للدراسات‪ 22 ،‬نوفمبر ‪ ،2019‬إسطنبول‪-‬تركيا‪ ،‬ص‪ .21-20-19-18 :‬الرابط‬

‫‪Page 20 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫فقريب إلى ّ‬
‫حد ما من وضع الجزائر‪ ،‬إذ تعيش مصر‬ ‫ٌ‬ ‫بلد مفتاحي حسب هذه الورقة)‬ ‫ّأما ُ‬
‫ٍ‬ ‫وضع القيادة في مصر (ثاني ٍ‬
‫ّ‬ ‫على مستوى القيادة أسوء سنواتها على اإلطالق منذ التأسيس‪ ،‬فالرئيس عبد ّ‬
‫الفتاح السيس ي الذي وصل عبر‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫منتخب بنزاهة سنة ‪ ،2013‬لم يتمكن إلى اآلن من ملئ‬ ‫ٍ‬ ‫ئيس مصر ٍي‬‫انقالب عسكر ٍي على الدكتور محمد مرس ي‪ ،‬أول ر ٍ‬
‫ً‬
‫اقتصادية مثال َيشعر بها‬
‫ٍ‬ ‫ات‬
‫بديلة عبر تحقيق إنجاز ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شرعية‬
‫ٍ‬ ‫فراغ الشرعية الناتج عن االنقالب (من خالل بناء‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أقوياء على‬
‫ٍ‬ ‫املواطن املصري في حياته اليومية على األقل) وال ملئ الفراغ السياس ي القيادي الذي خلفه غياب ٍ‬
‫قادة‬
‫ً‬
‫سابقة منذ الرئيس جمال عبد الناصر‪ ،‬أين كان للقيادة السياسية‬ ‫ٍ‬ ‫عقود‬
‫رأس السلطة بمصر مثلما كانت دوما في ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫واجتماعية داخلية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اقتصادية‬
‫ٍ‬ ‫أزمات‬
‫ٍ‬ ‫إقليمي ُمؤثر رغم ما كانت تعانيه من‬ ‫ٍ‬ ‫دور‬
‫دورا حاسما في مواصلة مصر لعب ٍ‬
‫التي تعيشها مصر بجوارها اإلقليمي في عهد السيس ي بسبب‬ ‫يكفي هنا اإلشارة إلى طبيعة األزمات الجيوبوليتيكية ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫أزمات ُت ّهدد بقاء الدولة في ّ‬‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫إقليمي مؤث ٍر‬
‫ٍ‬ ‫دور‬
‫ٍ‬ ‫لعب‬ ‫من‬ ‫نها‬ ‫مك‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫من‬ ‫فضال‬ ‫ذاتها‪،‬‬ ‫حد‬ ‫ها‬‫فكل‬ ‫قيادته الضعيفة للبالد‪،‬‬
‫ما في كتلتها اإلقليمية‪ ،‬حيث ُيحيط بمصر اآلن "حز ٌام من الزمات الوجودية"‪ ،‬أزمة املياه مع إثيوبيا في الجنوب‪،‬‬
‫عصبي الحياة بالنسبة ملصر)‪ ،‬أزمة األمن الحدودي بسيناء في الشرق وأزمة‬ ‫ْ‬ ‫أزمة الغاز في املتوسط بالشمال (وكالهما‬
‫الذي ُتمارسه ٌّ‬ ‫ّ‬
‫كل من "إسرائيل"‪ ،‬اإلمارات‬ ‫فشل الدولة الليبية في الغرب‪ّ ،‬أما إذا أضفنا النفوذ السياس ي اإلقليمي‬
‫جامع قد‬ ‫دور‬ ‫ّ‬
‫قيادي ٍ‬‫ٍ‬ ‫سيادي‬
‫ٍ‬ ‫والسعودية على القرارات السيادية للسياسية الخارجية املصرية فلن يبق ملصر أي ٍ‬
‫وضع تسعى فيه للمحافظة‬ ‫ّ ُ‬
‫تضطلع به في كتلتها اإلقليمية خالل العشر سنوات املقبلة‪ ،‬األمر الذي يبقي مصر في ٍ‬
‫قائمة وسط هذه الفوض ى وحسب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كدولة‬
‫ٍ‬ ‫على البقاء‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫بكل من الجزائر ومصر‪ ،‬إال ّأنها تتشارك معهما‬ ‫مقارنة ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫مغاير من الناحية الجيوبوليتيكية‬ ‫للمملكة السعودية ٌ‬
‫وضع‬
‫ً‬
‫خصوصا‪ ،‬إذ ال تزال القيادة السياسية بالسعودية َ‬
‫قادرة على التفكير خارج نطاق الدولة‬
‫غير ٍ‬ ‫أزمة القيادة السياسية‬
‫ُ‬ ‫الوظيفية ّ‬
‫إقليمية لدو ٍل أقوى ُمقابل مساعدة هذه الدول لألسرة امللكية الحاكمة في املحافظة‬
‫ٍ‬ ‫بخدمات‬
‫ٍ‬ ‫التي تضطلع‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫قادرة إلى اآلن على رؤية كتلتها اإلقليمية باعتبارها مركزا‬
‫على استقرار العرش امللكي‪ .‬بمعنى أن القيادة السعودية غير ٍ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقت يتراجع فيه االرتباط الجيوبوليتيكي‬‫جوهرية أمريكية أو حتى "إسرائيلية"‪ ،‬في ٍ‬
‫ٍ‬ ‫مساعدة‬
‫ٍ‬ ‫قياديا سياديا لها من دون‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والجيواقتصادي األمريكي باملنطقة (االرتباط بالنفط السعودي) وتتزايد فيه إسرائيل قدرة على تأمين نفسها بعيدا‬
‫ّ ّ‬
‫األهم الذي ُيبقي الواليات املتحدة حريصة على التواجد هناك) عبر جهودها‬ ‫عن املساعدة األمريكية (السبب الثاني‬
‫ً ً‬ ‫خاص ًة ّ‬
‫املتواصلة في تحويل دول الطوق الخصوم إلى دول صديقة‪ّ ،‬‬
‫وأنها قطعت شوطا كبيرا في تحقيق مستوى عالي‬ ‫ٍ‬

‫‪Page 21 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫الذي ُ‬ ‫ّ‬
‫سيساعدها حتما على إنجاح جهود التطبيع مع هذا الجوار‪ .‬من‬ ‫التطور األمني والتكنولوجي واالقتصادي‬ ‫من‬
‫نافلة القول اإلشارة هنا إلى األزمة السياسية ّ‬
‫التي يعيشها بن سلمان في ّ‬
‫حد ذاته‪ ،‬باعتباره الرجل األقوى في اململكة‬
‫املتورط فيها وكذا حربه الفاشلة في اليمن ّ‬
‫لصد النفوذ اإليراني‪ُ ،‬يواجه محمد بن سلمان‬ ‫اآلن‪ ،‬فبعد قضية خاشقجي ّ‬
‫تماما مع انفجار قضية سعد الجبري امللتجأ بكندا أو ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫العلبة السوداء‬ ‫اليوم فضائحا أخرى قد تبعده عن املشهد‬
‫ً ً‬ ‫التي تعيشها اململكة السعودية ُ‬
‫سمى‪ .‬أزمة القيادة ّ‬
‫للنظام السعودي كما ُي ّ‬
‫ستحدث تراجعا كبيرا في دور الرياض خالل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫السنوات الخمس القادمة‪ ،‬كما ّأنها فتحت أصال فرصا سانحة لدول الجوار الطموحة مللئ الفراغ السعودي في‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اإلقليم‪ ،‬كاإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬قطر‪ ،‬فضال عن إيران و"إسرائيل" أو دول من خارج اإلقليم كتركيا وفرنسا وكلها‬
‫قوى متنافسة تستفيد من أزمة النظام الدولي الليبرالي وتراجع القيادة األمريكية للعالم كما أوضحنا سابقا‪.‬‬
‫تحو ٌ‬
‫حدث ّ‬ ‫تتمكن الجغرافيا العربية من إنقاذ نفسها وسط هذه الفوض ى القادمة ما لم َت ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫الت‬ ‫بناء على ما سبق‪ ،‬لن‬
‫ً‬
‫رجاال أقوياء ذوي‬ ‫ٌُ‬
‫عابر لإلقليم‪،‬‬
‫افي محض ٍ‬ ‫تفكير جغر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫داخلية توصل لهرم السلطة ‪-‬في هذه الدول املفتاحية الثالث‪-‬‬
‫ّ ّ‬
‫زمن طويل‪ ،‬وما‬‫متجاوز لإليديولوجيا ومشكالت الهوية التي استنزفت الطاقات الكامنة لهذه الجغرافيا الرحبة منذ ٍ‬
‫ٍ‬
‫تتجه هذه القيادات إلى تفعيل آليات الهيمنة اإلقليمية الحميدة لدولها ّ‬
‫وقوتها الناعمة الكامنة الجاذبة ملا حولها‬ ‫لم ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫من دول في كتلها اإلقليمية املعنية‪ُ ،‬متقاسمة حدود مجاالت النفوذ بينها حسب الفصل اإلقليمي لهذه الكتل على‬
‫كل كتلة إقليمية من دون محاولة ّ‬
‫التعدي‬ ‫نحو عقالني يكفل لها تركيز الجهود وتحمل األعباء على نحو مسؤول ضمن ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫سيتيح ذلك –إن تحقق‪ُ -‬مستقبال لدول العالم العربي أن تتعاون وت ّ‬ ‫على مجاالت بعضها البعض‪ُ ،‬‬
‫نسق باعتبارها‬
‫تعمها الفوض ى في ّ‬ ‫ُ ّ‬
‫شتتة ّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫إقليمية متماسكة متقاربة الرؤى واملدركات ال ّ‬ ‫ً‬
‫خضم هذه‬ ‫(ودويالت) م‬ ‫مجرد دو ٍل‬ ‫كتال‬
‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫تجمعة في األفق‪.‬‬
‫العاصفة امل ِ‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُ ّ ُ‬
‫حصلة هذا املشهد تقودنا لترجيح سيناريو من "الفوض ى الهوبزية" الذي ستعرفه الجغرافيا العربية خالل‬ ‫م‬
‫ً‬ ‫ّ ّ‬
‫التي ظلت سائدة‬ ‫السنوات العشر القادمة‪ ،‬السيما الخمس األولى منها‪ ،‬من شأنه أن ُينهي "سردية العالم العربي"‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫منذ أربعينيات القرن املاض ي‪ ،‬ولن تعرف هذه الجغرافيا في نظرنا تعافيا نسبيا قريبا ما لم تسترجع هذه الدول‬
‫املفتاحية الثالث (الجزائر‪ ،‬مصر والسعودية) دورها السيادي الرائد في كتلها اإلقليمية املعنية عبر تجاوز أزمة‬
‫ً‬
‫القيادة السياسية فيها أساسا‪ ،‬وإذا نجحت في ذلك فسيكون التفكير الجغرافي القائم على الكتل اإلقليمية هو‬
‫‪Page 22 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬
‫‪December 7, 2020‬‬
‫حدة الفوض ى ّ‬‫وتقلص من ّ‬ ‫ّ‬ ‫البديل األنسب أمام هذه القيادات ّ‬
‫التي‬ ‫حتى تحافظ على التماسك الجغرافي للمنطقة‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تعتريها‪ ،‬الناجمة عن فترات االنتقال العاملي للقوة ّ‬
‫كفاعل مؤثر في‬
‫ٍ‬ ‫(التي قد تطول) وتضمن بالتالي لنفسها مكانة‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫خصبة للتنافس بين الطامحين الكبار‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ساحة‬
‫ٍ‬ ‫كمجرد‬ ‫املشهد العاملي الجديد‪ ،‬بدال من البقاء‬

‫‪Page 23 of 23‬‬
‫‪www.eipss-eg.org‬‬

You might also like