Professional Documents
Culture Documents
عاصفة متجمّعة تحولات بنيوية ونهاية الجغرافيا العربية
عاصفة متجمّعة تحولات بنيوية ونهاية الجغرافيا العربية
December 7, 2020
التي تعيشها ُنظمها السياسية بأن الهشاشة املُ َر ّكبة لدول املنطقة العربية ،أزمة القيادة ّتفترض هذه الدراسة ّ
جامع (بسبب مشكلة القيادة أساسا) تضطلع به إحدى دولها املفتاحية في واستمرار غياب ّ
سيادي ٍ ٍ مشروع
ٍ أي
َ ً ّ
كامل
عقد ٍ
محيطها اإلقليمي ،سوف يزيد من وتيرة االضطرابات التي تشهدها هذه الجغرافيا أصال ويجعل منها طيلة ٍ
األهمّ ،
حادة بين الطامحين اإلقليميين والدوليين الكبارّ ، ً
ساحة لتنافسات جيوبوليتيكية ّ
أن هذه املنطقة ستكون ٍ
ْ
عاملي اإليديولوجيا والهوية العربية. قائم على أساس
افي ٍ
تماسك جغر ٍ ٍ بصدد فقدان ما تبقى لها من
Page 1 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ والتحديات ّ
ّ عززته بعد الحرب الباردة أن يصمد في مواجهة األزمات ّ ثم ّ
ّ
التي تواجهه ،فيتمكن بالتالي من التي تعتريه
ّ ً ً ً
سيقبل عليه العالم في املستقبل املنظور؟الذي ُ إصالح نفسه أم ّأننا نشهد حاليا نهاية فعلية لهذا النظام؟ ما البديل
ً ً وهل بإمكان قوى صاعدة كالصين وروسيا أن ّ
تحل ّ
محل الواليات املتحدة وأن تبني وتقود نظاما بديال للنظام الحالي
ّ ً
املتأزم؟ أم ّأنها قوى مستفيدة من النظام الليبرالي القائم وبالتالي ستسعى لتكييفه وفقا لرؤاها وتطلعاتها
ّ
ّ
الخاصة؟ الجيوبوليتيكية
التحديات املُقبلة ّ
التي ستعرفها الواليات املتحدة نتيجة ّ عبر بها عن نقتبس هنا هذه العبارة األدبية التشبيهية "العاصفة املُتج ّمعة" من إحدى د اسات جون ميرشايمر السابقة ّ
التي ّ ُ •
ر ِ
ّ
للتحدي الصيني لريادتها العاملية .أنظر:
John J. Mearsheimer, The Gathering Storm: China’s Challenge to US Power in Asia, The Chinese Journal of International
Politics, Volume 3, Issue 4, Winter 2010, Pages 381–396
Page 2 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ ّ النفسية ّ
سيتضح ذلك من املحور األخير حينما تركز الدراسة على مسألة القيادة .عالوة على لصناع القرار كما
ّ
الخاصة عن طبيعة التحوالت الدولية الراهنة ومستقبل النظام ذلك ،فالدراسة تتقاسم مع الواقعيين الجدد رؤيتهم
لكثير من هؤالء على غرار جون ميرشايمر ،ستيفن
داعمة ٍ
ٍ الدولي الليبرالي ،إذ يزخر املحورين األول والثاني منها بآر ٍاء
والت ،غراهم أليسون ،ريتشارد هاس ،ألكسندر كولي ،دانيال نيكسون وغيرهم.
ً
إضافة إلى ذلك ،تتقاطع إحدى الطروحات األساسية للدراسة (مسألة الهيمنة اإلقليمية الحميدة) مع نظرية روبرت
ّ
غيلبين الشهيرة عن "االستقرار بالهيمنة" ) ،)Hegemonic Stability Theoryإال ّأنها تقوم هنا بالنزول بالفكرة
الجوهرية لهذه النظرية من مستواها الدولي إلى مستواها اإلقليمي وإسقاطها على الوضع الجيوبوليتيكي املُ ّ
تصور -
ُ
في نظرنا -للكتل اإلقليمية الثالث صاحبة القوى املهيمنة الثالث كما تقترح الدراسة.
ّ
الذي ُت ّ ّ
قدمه الدراسة هنا ،فهو يتقاطع مع الطرح النظري للجيوبوليتيكي الفرنس ي ّأما فيما يتعلق باملقترح النظري
ُ عما ُي ّ
فيدال دي البالنش )ّ (Vidal de La Blanche
سميه بنظرية "البوسيبيليزم" ،من كلمة ) )Possibleوتعني املمكن.
ً ً ً ّ ُ ّ
التي تواجه الجغرافيا العربية كما هو ُمشار إليها سابقا ،تقترح هذه الدراسة بديال نظريا التحديات وعلى ضوء
ُ ُ ً
قائما على ما ُن ّ ً
سميه بالتفكيرالجغرافي املحض املتجاوز لإليديولوجيا والهوية• والقائم على الكتل جيوبوليتيكيا
ً
وجاذبا ملا حولها من دو ٍل عبر ما ُن ّ ً ً اإلقليمية ،حيث ترتكز ّ
سميه واحدة تكون مركزا قائدا
ٍ دولة
افية على ٍ
كتلة جغر ٍ
كل ٍ
كالسيكية للجنيرال
ٍ نظرية جيوبوليتيكية
ٍ هنا بالهيمنة اإلقليمية الحميدة .تستلهم الدراسة هذا الطرح من
عما ُي ّ
سميه "بالتفكير عبر ّ
القارات". النمساوي يورديس فون لوهاوزين ّ
ًّ ُ ّ
كال من الجزائر (بكتلة املغرب الكبير) ،مصر (بكتلة املشرق لذلك ،ترش ُح الورقة على مستوى "الجغرافيا العربية"
ً ً
العربي ،إضافة إلى السودان) والسعودية (بالكتلة الخليجية ،بما فيها العراق شماال والقرن اإلفريقي جنوبا)
ً ُ
محضة مرتبطة بالتموضع املكاني املمتاز ،فضال عن كونها الدول املحورية
ٍ افية
ألسباب جغر ٍ
ٍ لالضطالع بهذا الدور
ّ ً ً ّ
التي ال تزال قائمة ُمتماسكة في هذه الجغرافيا الواسعة وتحظى بخصائص القيادة اإلقليمية الجذابةّ .أما إذا لم
Page 3 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
سيادية مشاريع قيادة نحو وتوجيهها لالدو لهذه الكامنة ات د تتجه القيادات الحاكمة في هذه الدول إلى تفعيل ُ
الق ّ
ٍ ٍ ِ ر
ً
نهاية للجغرافيا العربية ّ ُ إقليمية جامعة ،فسوف ُي ّ
التي لن يختلف سجل العقد القادم –كما تحاجج هذه الدراسة- ٍ ٍ
ً
مستقبال ّ
عما كان عليه أثناء فترة االستعمار التقليدي. الوضع فيها
تقسيمات الدراسة:
ُ
ألجل املحاججة بما نذهب إليه هنا ،ينقسم البحث إلى ثالثة محاور أساسية ،سوف ُيعالج املحور األول منه
اإلشكالية املُثارة في الوقت الراهن على نحو واسع بين الباحثين بخصوص األزمة ّ
التي ّ
يمر بها النظام الدولي الليبرالي ٍ ٍ
وكرست معامله ّ ّ
الذي قادته الواليات املتحدة وحلفائها منذ نهاية الحرب العاملية الثانية ّ
ومؤسساته بعد نهاية الحرب
ّ ّ ً
الباردةّ .أما املحور الثاني فسيستقص ي أبرز اآلثار الناجمة عن هذه األزمةُ ،مركزا بالضبط على الدور املتنامي الذي
والتي تنتهز فيها فرصة الفراغتلعبه قوى دولية صاعدة وأخرى إقليمية طموحة في هذه املرحلة االنتقالية الحرجة ّ
ّ ُ ُ ُ
ناسب في التشكيل الجيوبوليتيكي املقبل الذي سيعرفه العالم .سينتقل البحث نحو م ٍ الطارئ لتموضع نفسها على ٍ
ّ
سيتوسع املحور الثالث واألخير في شرح اآلثار بسالسة من املستوى الدولي في التحليل إلى املستوى اإلقليمي ،هكذا
التي يصفها "بالركود والتعطيل" كونها الحلقة األضعف في التحوالت على "الجغرافيا العربية" ّ
ّ الناجمة عن مثل هذه
ً ً ّ ً خ ّ
تصورا جيوبوليتيكيا بديال من شأنه أن ُينقذ هذه "الجغر افيا ّ
التحوالت الكبرى ،كما يقترح هذا املحور ضم هذه ِ
ُ ّ ّ ُ ّ
املعطلة" ويجعل منها "جغر افيا فاعلة" ومؤثرة على اللوحة الجيوبوليتيكية العاملية املتشكلة في األفق.
Page 4 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ
كرئيس للواليات املتحدة والذي عكس انتخابه
ٍ أزمة الالجئين في الشرق األوسط ،البريكسيت ،وكذا انتخاب ترامب
َ
أزمة تآكل للقيم الليبرالية تعيشها الديمقراطيات الليبرالية وعلى رأسها الواليات املتحدة ذاتهاُ ،
مركز هذا النظام ٍ
ً ّ ّ
سياسات ُم ٍ
عادية لكافة مظاهر العوملة الليبرالية ،عكست اتجاها انعزاليا جديدا في ٍ الدولي الليبرالي .لقد تبنى ترامب
سياسة البلد الخارجية يدفع باتجاه سحب واشنطن من القيادة العاملية1.
ٌ ٌ ُوصفت سياسة ترامب بكونها سياسة "الال إستراتيجية" ،على ّ
حد تعبير ستيفن والت ،سياسة قائمة على اإلكراه
ٌ ٌ ّ ُ
رئيس جاهل ،له قدرة ضعيفة على ضبط بالقوة القسرية املفرغة من األهداف الواضحة يتم تنفيذها من طرف ٍ
كوارث على تسبب ترامب في كل الجبهات ّ النفس ،السيما مع إغراء القوة العسكرية الهائلة ّ
التي تمتلكها البالد ،فعلى ّ
ٍ
ّ
الذي قادته2 . مستوى السياسة الخارجية ،انتهت إلى تقويض املكانة العاملية للواليات املتحدة وإنهاء النظام الدولي
إشارة منه إلى خطورة التي تنمو من جديد" على ّ
حد تعبير روبرت كاغان 3،في ّكلها كانت مالمح سوداوية عن "الغابة ّ
ٍ
مالمح هذا االضطراب عند هذا ّ ُ ّ
الذي ُنقبل عليه .لم ّ
الحد ،فقد ضربت أزمة جائحة تتوقف االضطراب الدولي
ّ ُ ّ ً
تسببة بدورها في تسريع وتيرة هذا التفكك في النظام الدولي الليبرالي مثلما ُيحاجج ريتشارد هاس، كوفيد 19-العالم م
ً ألن كوفيد 19-لن ّ ً
مختلفا عن سابقه كما يقولّ ، الذي سيعقب الجائحة ليس من ّ ّ
يغير كثيرا املرجح أن يكون فالعالم
سي ّ يتجه صوبه تاريخ العالم بقدر ما ُ
الذي ّ ّ
سرع من وتيرته. املنحى الرئيس ي
ّ ُ ّ
طويل كان العالم يسير عليه خاللٍ طريق
ٍ في ةٍ محط مجر ُد مثل هذه األزمة -في نظره -نقطة ّ
تحو ٍل بقدر ما هي ّ لذا ،ال ت
ّ العقود القليلة املاضية ،وكانت أبرز مالمحه تر ُ
اجع القيادة العاملية األمريكية ،تعثر التعاون العاملي ،والخالف القائم
ّ ّ ً
بين القوى الكبرىّ ،أما الجائحة فقد جعلت ِسمات هذا العالم أكثر بروزا للعيان وحسب 4،األمر الذي جعل كال من
َ َ ً
ما ُن ّ كورت كامبال وروش دوتي ُيجادالن ّ
ؤرخ به لتراجع الريادة األمريكية العاملية مثلما بأن هذا الحدث سيصير معل
َ ً
كانت أزمة السويس سنة َ 1956معلما النتهاء حقبة القوة البريطانية العاملية في السابق ،هذا إذا لم تضطلع الواليات
1- Robert D. Blackwill and Thomas Wright, The End of World Order and American Foreign Policy, The Council on
Foreign Relations (CFR), May, 2020, U.S. link
2
- Stephen Walt, Why Is the United States So Bad at Foreign Policy? Foreign Policy, January 13, 2020, U.S. link
3- Robert D. Blackwill and Thomas Wright, Op. Cit.
4- Richard Haass, The Pandemic Will Accelerate History Rather Than Reshape It: Not Every Crisis Is a Turning Point,
Foreign Affairs, April 7, 2020, U.S. link
Page 5 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
أزمة عميق ٍة ّ
يمر بها النظام الدولي الليبرالي حاليا ،تجدر كثير من الدراسات إلى اإلقرار بوجود ٍ
على الرغم من اتجاه ٍ
ُ ً اإلشارة إلى ّ
أن هناك اختالفا قائما بين الباحثين يكمن في تقدير مدى قدرة هذا النظام على إصالح ذاته واالستمرار
ّ
من جديد ،وهو الطرح الذي ُيدافع عنه دعاة النزعة األممية الليبرالية ) (Liberal Internationalismعلى غرار جون
آيكينبري( 7،دعاة الهيمنة الليبرالية كما ُيسميهم خصومهم .)Liberal Hegemonyفي مقابل ذلك يرى آخرون
ً ً استحالة قدرة النظام على االضطالع بذلك ،ذلك ّأنه ٌ
نظام بات محكوما عليه بالفشل واالنهيار كونه ُولد َم ِعيبا
ّ
باألساس ،مثلما ُيجادل جون ميرشايمر وغيره من الواقعيون الكالسيكيون الجدد ) ،8 (Neoclassical Realismإال
ُ ّ
مثل فترة فراغ في القوة يعرفها هذا النظام أو "أزمة ّ أن كال الطرحان ّيتفقان ّ
ّ
خلو العرش" ( (The ٍ ت الحالية الفترة بأن
ّ ّ ّ Interregnumكما ُي ّ
سميها ميالن بابيتش ،أي تلك الفترة التي تتوسط املوت البطيء للنظام القائم والصعود الذي
التي ستستغرقها جد ًا التنبؤ ّ
باملدة ّ ً
حاسمة من الصعب ّ ً يلوح في األفق للنظام القادمّ ،
والتي يعتبرها بابيتش فترة
5- Kurt M. Campbell and Rush Doshi, The Coronavirus Could Reshape Global Order: China Is Maneuvering for
International Leadership as the United States Falters, Foreign Affairs, March 18, 2020, US. link
6- Robert D. Blackwill and Thomas Wright, Op. Cit.
7
– See: John Ikenberry, The End of Liberal International Order?, International Affairs, January 01, 2018, The UK. link
8
– See: John J. Mearsheimer, Bound To Fail: The Rise, and Fall of the Liberal International Order, International Security,
Spring 2019, U.S. link
Page 6 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ ّ التفاعالت العاملية ّ
حتى ُيولد ٌ
نظام آخر بديل أو يتمكن النظام الذي قادته الواليات املتحدة من إصالح نفسه من
جديد كما يجادل الليبراليون الجدد9.
9
- Milan Babic, Let's talk about the interregnum: Gramsci and the crisis of the liberal world order, International Affairs,
May 01, 2020, UK. link
Page 7 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
وقت يعرف العالم فيه ّ ّ ً ً
"تحوالت تكتونية" مع صعود قوى عظمى أخرى على غرار الصين تراجعا نسبيا في قوتها ،في ٍ
جديدة من التنافس بين القوى العظمى ينقسم فيها العالم إلى مجاالت نفوذ ّ ٌ ٌ
متعددة .لذلك، ٍ ِ وروسياّ ،إنها حقبة
ّ
يحث أليسون وزراء الخارجية األمريكيين على االعتراف بهذا الوضع العاملي الجديد واالستجابة له بحكمة كما فعل
ّ ّ ُ
نظراؤهم ق ْبيل انتهاء الحرب العاملية الثانية ،أي التعلم من دروس التاريخ ،فحينما حذر جورج كينان سنة 1945
ضد من ضرورة إدراك الواليات املتحدة ّأنها بصدد دخول مرحلة جديدة من التنافس على مجاالت نفوذ واسعة ّ
ٍ ٍ ٍ ٍ
ّ ً االتحاد السوفياتي ّ
تصورا لكيفية التعامل مع هذا الوضع الجديد ،رفض بعض املسؤولين هذه الحقيقة وقدم لها
ّ ّ
سنوات ٍ نفوذ واحد" خاضع للواليات املتحدة ،واستغرق الوضع خمسة مجال ٍآنذاك وتمسكوا بتصورهم "لعالم ذي ِ
ً شاملة كانت مجاالت النفوذ إحدى أبرز مرتكزاتهاّ ، ً ً كاملة ّ
مكنتها الحقا حتى يعترفوا بذلك وتضع واشنطن إستراتيجية ٍ
ً من االنتصار في هذا التنافسُ .ي ّ
قدم أليسون مجموعة من األرقام واألمثلة ليثبت الحقيقة الجيوبوليتيكية الجديدة
ُ ّ لعالم اليوم ،على سبيل املثال ،كانت ّ
حصة الواليات املتحدة من الناتج اإلجمالي العاملي سنة 1950تمثل نصف هذا
ّ ً ً ثم واحد من سبعة اليوم ،وقد ّ تمثل واحد من أربعة سنة ّ ،1991 ّ
سبب هذا التراجع ِتبعا لذلك تقلصا الناتج ،صارت
خصص الصين الصاعدة ملبادرة الحزام لصناع القرار األمريكيين .على الطرف اآلخرُ ،ت ّ في الخيا ات الخارجية ّ
ر
ً والطريق 3تريليون دوالر ،وهي تستثمر اآلن 1,3تريليون دوالر في البنية التحتية للدول ّ
التي ّ
يمر عبرها الطريق رابطة
(ردا على مشاريع أن واشنطن ستستثمر في منطقة الهندو-باسفيك ّ مؤخ ًرا ّ
ّ
ّإياها باملركز الصيني ،في حين أعلن بومبيو
ّ
الصين) 113مليون دوالر فقط .يرتفع الناتج اإلجمالي املحلي للصين من %20عن مستوى الواليات املتحدة سنة
ً ًّ
قويا لنظيرتها األمريكية ،إذ يوجد اليوم 1991إلى %120اليوم ،كما صارت الشركات التكنولوجية الصينية منافسا
الذي يجعل مجاالت النفوذ ّ ّ
تمتد إلى ما تسع شركات صينية من أصل عشرين أكبر شركة تكنولوجيات عاملية ،األمر
املادية ،إلى العالم السيبراني أيضاّ .أما على مستوى القوة التقليدية الصلبة ،فقد كانت ميزانية الدفاع وراء الجغرافيا ّ
ً ّ تمثل قبل ربع قرن 1من ً 25 ّ
جزء من نظيرتها األمريكية ،وهي اآلن تمثل واحدا من ثالثة فقط .لقد صار الصينية
فإن الصين تتوزع االلتزامات العسكرية األمريكية عبر العالمّ ، ميزان القوة اآلسيوي في صالح الصين اآلن ،فبينما ّ
الذي يمنحها األفضلية والريادة هناك ويضمن ّ ّ ّ
تفوقها على تركز التزاماتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي ،األمر
الواليات املتحدة إذا ما دخال االثنان في صدام بخصوص تايوان أو قضايا بحر الصين الجنوبي حسبما أثبتت ّ
كل ٍ
ُ
سيناريوهات ألعاب الحرب األمريكية املجراةّ .أما روسيا ،فتفرض منطقها في جوارها الغربي وتخلق مجاالت ٍ
نفوذ
ّ
خاص ٍة بها هناك في البلطيق ،أوكرانيا ،القرم ،جورجيا وسوريا بفضل ترسانتها العسكرية الحديثة ،في حين ال تمتلك
Page 8 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ بناء على ذلك ،يرى أليسون ّ كثيرة لكبحها هناكً .
بأن على الواليات املتحدة التخلي عن ات ٍ الواليات املتحدة خيار ٍ
ّ
الس ّمة األساسية للجيوبوليتيك
تطلعات الهيمنة غير القابلة للتحقيق ،وقبول حقيقة بقاء مجاالت النفوذ باعتبارها ِ
ً العالم الراهن 10.في ذات الصدد ،ت ُُ ّ
قدم بعض هذه القوى الصاعدة ،السيما الصين وروسيا تحديدا ،نفسها ِ
ّ ّ
بديلة عن تلك التي ظلت الواليات املتحدة (والغرب)
ٍ خدمات
ٍ كرعاة جدد ) (New External Patronsتعرض ٍ
ُ ً ً
تحتكرها لنفسها عقودا طويلة من الزمن في مقابل التزام الدول املحتاجة إلى مثل هذه الخدمات بمعايير وشروط
ً معينة ُت ّ
ّ
عزز أساسا من مبادئ النظام الدولي الليبرالي واملصالح األمريكية كااللتزام ببنود اتفاقيات حقوق اإلنسان،
قرطة الحياة السياسية ،ليبرالية السوق وغيرهاّ .أما األمر املختلف بالنسبة للرعاة الجدد فهو عدم اهتمامهم َد َم َ
ّ
شروط كهذه على الدول الراغبة في االستفادة من خدماتها ،األمر الذي من شأنه أن يربط هذه الدول ٍ بفرض
ً ً
كل من ألكسندر فشيئا عن الفلك الغربي واألمريكي ،هذا ما يجادل به ّ بإستراتيجيات الرعاة الجدد ُويبعدها شيئا
ّ
كولي ودانيال نيكسون في كتابهما الجديد "الخروج من الهيمنة :تفكك النظام العاملي األمريكي" .تختصر الصورتين
التحول في نظام الرعاية ،من االحتكار األمريكي للرعاية ) (The US Monopoly Patronageإلى ّ املرفقتين هنا هذا
تمكنوا من خلق ّ الذين ّ ّ الرعاة ُ
ودولية تابعة لهم
ٍ إقليمية
ٍ سات
مؤس ٍ البدالء الجدد )(New Alternative Patrons
املؤسسات ّ
التي بنتها الواليات املتحدة وحلفائها منذ سنة 11 .1945 ً
بعيدا عن ّ وحشد األصدقاء والحلفاء حولها
10
– See: Graham Allison, The New Spheres of Influence: Sharing the Globe With Other Great Powers, Foreign Affairs,
March/April 2020, US. link
11
- Alexander Cooley and Daniel H. Nexon, Exit from Hegemony: The Unraveling of The American Global Power, Oxford
University Press, The US, PP: 110-136.
Page 9 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
Page 10 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
متنافسة للنظام العاملي عبر مشاريع ات قدمان اليوم ّ كل من الصين وروسيا ُت ّ
ُتظهر الصورتان كيف صارت ٌّ
ٍ تصور ٍ
َ
كسرا بذلك االحتكار الغربي للزعامة والرعاية اتيجية تجذب إليها العديد من قادة الدول ،لي ِ
ٍ اقتصادية وإستر
ٍ
التحدي املشترك للواليات املتحدة في ّّ ً
عالوة على ذلك ،تعمل ٌّ
املؤسسات كل من بيجين وموسكو على العامليين.
صوت كالهما في الجمعية العامة لألمم املتحدة بالطريقة نفسها بما الدولية ّ
التي أنشأها الغرب ،على سبيل املثال ّ
وغالبا ما كان هذا التنسيق ًّ
ضد إرادة الهيمنة األمريكية .في الوقت نفسه يعمل نسبته %86ما بين ،2018-2006
مؤسسات ومنتديات إقليمية ودولية جديدة ّ
بنفوذ أكبر،
ٍ يتمتعان فيها ٍ ٍ ٍ ٍ بديل من خالل إنشاء ّ ٍ نظام ٍكالهما على بناء ٍ
ّ
بشروط تتعلق بحقوق اإلنسان والحريات الليبرالية ٍ يستثنيان فيها الدول الغربية وال ُيلزمان فيها الدول املنخرطة
الذي ّ ّ
وحلفاء كثر ،على سبيل املثال ترعى الصين إنشاء البنك ٍ أتباع
ٍ كسب من همامكن كما يفعل الغرب ،األمر
اآلسيوي لالستثمار في البنية التحتية ) ،(AIIBبينما ترعى روسيا إنشاء االتحاد االقتصادي األوراس ي )،(EAEU
ُ ً نظمة شنغهاي للتعاون ) (SCOمنذ ّ 2001 ُ ّ
هياكل
ٍ ظهور التي تزدهر عاما بعد عام .النتيجة ،هي وكالهما يقودان م
ملؤسسات إلى الفاعلية حتى وإن افتقرت هذه ا ّ للح ْو َكمة العاملية الليبراليةُ ،تهيمن عليها "دو ٌل استبدادية"ّ .
موازية َ
ٍ
عزز ّ
الثقة حل املشكالت الجماعية ألعضائها ،فهي ُت ّولد عالقات دبلوماسية أكثر كثافةُ ،ت ّ الالزمة أو القدرة على ّ
ٍ ٍ
كل من الصين عسكرية وسياسية .األكثر من ذلك ،شرعت ٌّ ٍ تحالفات
ٍ سهل عليهم بناءوالقيم املشتركة بين أعضائها ُوت ّ
ً ُ ّ
عالقات تعاو ٍن مع دول ِ وروسيا اللعب في مناطق النفوذ التقليدية للواليات املتحدة والغرب ،إذ ت َو ِثق الصين مثال
وسط وشرق أوروبا عبر مجموعة ،1+17بل ّإنها تخترق اليوم الحديقة الخلفية للواليات املتحدة ذاتها عبر منتدى
ً
مجتمع دول أمريكا الالتينية ومنطقة الكاريبي ) (ChinaCELACمختبرة بذلك تماسك الكتلة التقليدية الغربية ،من
ً ّ ُ
دون أن ننس ى مشروع القرن الصيني املعروف بمبادرة الحزام والطريق والذي تبدي روسيا تعاونا معه رغم اختراقه
ً
لحديقتها الخلفية (آسيا الوسطى) بل وتعمل على استيعابه ضمن مبادرة "أوراسيا الكبرى" وتجعله متوافقا مع
ً ُ
ستسفر في النهاية عن غلق املنطقة ّ
برمتها أمام النفوذ الغربي12 . استثماراتها هناك ،ليقود كالهما جهودا
12
- Alexander Cooley and Daniel H. Nexon, How Hegemony End: The Unraveling of American Power, Foreign Affairs,
July/August, 2020, U.S. link
Page 11 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ملجموعة من دول أمريكا قروض كما يفعل الغرب ،على سبيل املثالّ ،
قدمت الصين أكثر من 75مليار دوالر في شكل
ٍ ٍ
الالتينية وآسيا الوسطى عقب األزمة املالية لسنة ،2008وقد بلغ إجمالي حجم املساعدات الصينية الخارجية ما
بين 2000و 2014ما قيمته 354مليار دوالر (في مقابل 395مليار دوالر ّ
قدمتها الواليات املتحدة) وهي اليوم تتجاوز
بكثير في هذه املسألةُ .يشير كولي ونيكسون إلى تزامن نهاية االحتكار الغربي للرعاية العاملية مع ٍ الواليات املتحدة
ً حتى في البلدان ّصعود الحركات الشعبوية غير الليبرالية والقادة القوميين ّ
التي كانت راسخة بقوة في الفلك الغربي
ّ
املحلية ّ ً ّ
ضد التخريب الليبرالي، (املجر-أوربان ،تركيا-إردوغان ،الفلبين-دوتيرتي) الذين جعلوا أنفسهم حماة للسيادة
األهمية املتزايدة لعالقاتهم االقتصادية واألمنية مع الصين وروسيا ،كما صارت لهذه الدول - ّ واتجهوا بذلك لتأكيد
ّ ٌ ٌ
املحلية والعابرة للحدود في ومنظمات املجتمع املدني
ِ حركات
ِ إلى جانب الصين وروسيا -مهارة عالية في استخدام
ً تقويض وطرد نفوذ نظيرتها الليبرالية ّ
التي يعرف نشاطها وتأثيرها تراجعا غير مسبو ٍق في الدول واملجتمعات الليبرالية
بناء على ّ
عديدة في هذا الصددً .ً ُ حد سواء ،حيث ُي ّ وغير الليبرالية على ّ
كل قدم الباحثان في كتابها املشار إليه أمثلة ٍ
ّ ً ّ
واملؤسسات األمريكية والغربية خيارات أكثر توسعا ما سبق ،فقد صارت "خيارات الخروج" عن الهيمنة ،الرعاية
ٌ
قدرة أكبر على املناورة واللجوء إلى نماذج سياسية بديلة13.
ٍ بالنسبة للدول ،كما صار للحكومات
13- Alexander Cooley and Daniel H. Nexon, How Hegemony End: The Unraveling of American Power, Op Cit.
Page 12 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
اإليديولوجية والعملية سنوات الستينيات من القرن املنصرم واستمرت آثارها في الوعي الجمعي لهذه الجغرافيا –
ّ ً
متفاوت بين أقطارها إلى غاية العقد الثاني من القرن الحالي .في مقابل ذلك ،فإن الفرصة ٍ نحو
متراجعة -على ٍ
ً
قائمة على التفكيرالجغرافي
ٍ بديلة
سردية ٍٍ ستكون متاحة كما ذكرنا أمام دو ٍل بعينها في هذه الجغر افيا إلرساء
والهوية والقائم بدوره على منظور الكتل اإلقليمية املُتمايزةّ ،
لكنها ٌ
كتل تجد ّ ُ
املحض ،املتجاوز لإليديولوجيا
ً
مشتركة أساسها قيم ّ ً ً َ ً
الدين اإلسالمي ،كونه دين األغلبية الساحقة لشعوب هذه مساحات ق ْيمية ،ثقافية روحية
ٍ
ً ّ ً ً
الجغرافيا ،وعامال سيبقى مؤثرا ُوم ّوجها لشعوبها ُونخبها في املستقبل املنظور.
قدمهانستلهم طرح التفكير الجغرافي املحض القائم على الكتل اإلقليمية من نظرية جيوبوليتيكية كالسيكية ّ
ٍ ٍ
سميه "بالتفكير عبر ّ ات" ّ
والتي عما ُي ّ الجنرال النمساوي يورديس فون لوهاوزين )ّ (Jordis Von Lohausen
القار
بأن السلطة السياسية لن تمتلك جاءت في كتابه" :رجولة امتالك السلطة :التفكير عبر ّ ات" ،إذ يرى فيه ّ
القار
ّ ّ َ
واملحلية بل من طويلة إال عندما يبدأ رجالها بالتفكير ال من خالل املقوالت اآلنية
ٍ لفترة
فرصة االستمرار والثبات ٍ
ً
أيضا ّ خالل التفكير"عبرآالف السنين وعبر ّ
بأن العمليات االجتماعية ،الثقافية والحضارية القارات" .يرى لوهاوزين
ً ّ ّ
أفق "بعيد النظرة" ..فالسلطة في املجتمع التي تدور على مساحات عاملية ،ال تغدو مفهومة إال إذا جرت رؤيتها من ٍ
ًّ طات ّ ّ األهم يجب أن ُت َّ اإلنساني ّ
جدا عام ٍة سير من طرف ُمخط ٍ ّ والتي يرتبط بها اختيار الطريق التاريخي والقرارات
مكان لهذه الدولة أو تلك ،أو لهذا الشعب أو ذاك ،في السياق التاريخي الهائل األبعاد .يرى لوهاوزين
تسمح بإيجاد ٍ
شك سطح العالمّ ، بدل من دون ّ والتحوالت التكنولوجية والحضارية ُت ّ
ّ ً
أيضا ّ
لكنها ٍ ِ بأن اإليديولوجيات الجديدة
ً ٌ
عدد من القوانين األساسية للجيوبوليتيك واملرتبطة أساسا باملدى املكاني ،لذا فهو ُيسقط عاجزة عن تغيير ٍ
سميه بالتموضع املكاني في معادلة أهمي ًة قصوى ملا ُي ّ
املسائل اإليديولوجية من طرحه هذا ُويولي في املُقابل ّ
ُ ّ العظمة ،فالعظمة عنده تعني القوة مضروبة في مكان التموضعّ ّ ،
مكن من أي أن التموضع الجغرافي املناسب ي ِ
ً التطوير الكامل للقوى الداخلية ،لذلكّ ،
فإن السلطة السياسية العقلية وما إلى ذلك ترتبط ارتباطا مباشرا باملدى
املكاني14.
ّ
املتحدة ،الطبعة األولى ،)2014ص.185-184 : -ألكسندر دوغين ،أسس الجيوبولتيكيا :مستقبل روسيا الجيوبوليتكي ،ترجمة عماد حاتم (طرابلس :دار الكتاب الجديد
14
Page 13 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ ً
أساسا بأزمة القيادة ،أي رجاالت السلطة والتفكير ّ غير ّ
التي عطلت أن املشكلة بالنسبة "للجغرافيا العربية" ترتبط
ّ
وتسببت في معضلة –كما ُنحاجج هنا -القدرات الكامنة لهذه الجغرافيا الرحبة والتموضع املكاني املمتاز لها
ّ ُ
التي تعانيها دولها ،لذلك جاء تركيزنا في هذه الورقة على دور القيادة السياسية -كما سنرى بعد قليل -وهذا الهشاشة
الذي ُيعلي من شأن رجال السلطة كما ّ ّ
يتضح ذلك من عنوان كتابه سابق الذكر بدوره يتقاطع مع نظرية لوهاوزين
ً ّ ُ ّ
يتصف به هؤالء القادة بعيدا عن االعتبارات اإليديولوجية "رجولة امتالك السلطة" ُوبعد النظر الجغرافي الذي
ّ الع َرضية .لم يكن لوهاوزين الجيوبوليتيكي الوحيد ال ّذي ّنوه إلى ّ
َ
أهمية دور القيادة في تفعيل الجغرافيا املعطلة كما ِ
ً ً ُن ّ
سميها ،فقد طرح قبله الجيوبوليتيكي الفرنس ي فيدال دي البالنش ) (Vidal de La Blancheنظرية كاملة تجعل
املمثل ّ
األهم على خشبة املسرح ،ال ّ ّ
ديكور فوقها ،فاإلنسان
ٍ مجرد من اإلنسان (صاحب السلطة والتفكير) بمثابة
سمي دي البالنش نظريته هذه "بالبوسيبيليزم من كلمة مهم ًا ّ
يتميز باملبادرةُ .ي ّ ً
افيا ّ ً
عد بدوره عامال جغر ُي ّ
التي اتسمت بها املدرسة ) )Possibleوتعني املُمكن" ،وقد جاءت في سياق محاولته كسر الحتمية الجغرافية ّ
أفقين ،مكاني "جغرافي" وزماني "تاريخي" ،ينعكس العامل الجغرافي في الوسط األملانية ،إذ يرى ّ
بأن للتاريخ السياس ي ْ
املحيطّ ،أما التاريخي فينعكس في اإلنسان نفسه "صاحب املبادرة" ،فاألملان –في رأيه -أخطأوا في اعتبار السطح
ً ً
األرض ي عامال حاسما في سلوك الدولة -أو مكانتها وحجم تأثيرهاّ ،-أما هو فيقترح النظر إلى الوضع املكاني الجغرافي
فعل –فيبقى ّ ً
حقيقيا ،ويمكن أن ال ُي ّ ً ً على ّأنه "احتمال" أو "إمكانية" ُيمكن أن ُي ّ
مجرد فعل ليصير عامال سياسيا
حد بعيد بالعامل الذاتي ،باإلنسان ،ساكن ذلك املكان15 سميها هنا -وهذا ما يرتبط إلى ّ ُ ّ
عطلة كما ُن ّ
ٍ جغرافيا م
وباألخص صاحب السلطة والتفكير والقرار فيه ،أي القيادة السياسية كما ُن ّ
سميها اليوم. ّ
على هذه الدول املفتاحية الثالث (الجزائر ،مصر والسعودية) أن تضطلع بدورها اإلقليمي السيادي القائد والقائم
على التفكير الجغرافي املحض -كما ذكرنا -عبر كتلها اإلقليمية املعنية الثالث (كتلة املغرب الكبير ،كتلة املشرق
العربي والكتلة الخليجية على التوالي) ،عبر آليات الهيمنة اإلقليمية الحميدة )(Benign Regional Hegemony
ُ ّ
عطل ًة إلى ّ ومصادر القوة الناعمة الكامنة لديها )ّ (Inherent Sources of Soft Power
التي تبقى ّ
حدٍ لحد اآلن م
Page 14 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ ُ
سابقة في هذه النقطة بتقديم الجزائر كمثال عن ذلك 16.سيكون للثقل الذي تلقيه هذه
ٍ اسة كبير ،وقد َف ّ
صلنا في در ٍ
ّ ّ إيجابي في صون األمن ،تحقيق االستقرار ،تقليص ّ
ٌ الدول في كتلها اإلقليمية ٌ
الشك والاليقين الذي يعتري حدة أثر
أمنية ) (Security Dilemmaال مخرج منها، ّ العالقات البينية بين دول ّ
معضالت ٍ
ٍ ويتسبب بدوره في كل كتلة إقليمية
ّ
ستؤدي القيادة السياسية الرشيدة القائمة على التفكير الجغرافي املحض إلى توحيد املدركات األمنية لهذه كما
مشتركة تعود باالزدهار االقتصادي والرفاه
ٍ تنموية
ٍ مشاريع إستراتيجية
ٍ تدريجي وحشدها نحو
ٍ الدول على ٍ
نحو
ظلت ّّ ّ االجتماعي لشعوب هذه الكتل ،وسيمنح ذلك فرصة تفعيل ّ
مجرد هياكل املؤسسات التعاونية اإلقليمية الذي
شكلية من دون وظائف على غرار منظمة اتحاد املغرب العربي.
ُ
تتقاطع فكرة الهيمنة اإلقليمية الحميدة املقترحة هنا مع نظرية روبرت غيلبين الشهيرة عن "االستقرار بالهيمنة"
تتحدث عن ُسبل تحقيق االستقرار على املستوى الدولي وتقليص ّ
حدة التي ّ )ّ ،)Hegemonic Stability Theory
ٌ ٌ ٌ ّ التي تعتريه ،فهي تنطلق من فرضية مفادها ّ الفوض ى ّ
بأن النظام أحادي القطبية الذي تقوده قوة واحدة ومهيمنة ٍ
ّ ً ً
هو النظام األكثر حفاظا على األمن واالستقرار على املسرح الدولي ،مستندا بدوره على طرح تشارلزكيندلبارغرالذي
ُ ّ يرى ّ
املتعدد األقطاب والثنائي القطب يحتويان على عناصر عدم االستقرار ،ويمكن أن تطلق مساعي بأن" :الهيكالن
التي ال يمكن السيطرة عليها ّ ً
سلسلة من األحداث ّ
وتؤدي إلى صر ٍاع دولي دولة أو أكثر إلى تحسين مواقفها النسبية
ٍ
ُ ّ ّ
طرف سياس ٍي
وإلى الحرب 17".إذن فاالستقرار يتحقق في النظام الدولي عبر الهيمنة كما ينظر لها غيلبين ،عبر وجود ٍ
واقتصادي مهيمن قادر على ّ
تحمل األعباء .ما نقوم به هنا هو النزول بالفكرة الجوهرية لهذه النظرية من مستواها ٍ ٍ
ُ
الدولي إلى مستواها اإلقليمي وإسقاطها على الوضع الجيوبوليتيكي امل ّ
تصور في نظرنا للكتل اإلقليمية الثالث صاحبة
حميدة عبر تفعيل آليات القوة صيغة التي يجب أن تعمل قيادتها على بسط الهيمنة في القوى املهيمنة الثالث ّ
ٍ ٍ
- 16جالل خشيب ،القوة الناعمة الغائبة في السياسة الخارجية الجزائرية :كيف تصل الجزائر إلى مصادر ّ
قوتها الكامنة :نحو هيمنة إقليمية حميدة ،مجلة دراسات معاصرة في السياسة
االقتصاد ،العدد ،1سنة ،2019الجزائر (قيد النشر).
ّ ُ ّ أو أنظر :جالل خشيبّ :
قوتنا الناعمة الكامنة ،ما الذي يقدمه الحراك ملستقبل القوة الجزائرية؟ محاضرة بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم من تنظيم منتدى الجالية الجزائرية
بتركيا 6 ،يوليو ،2019إسطنبول-تركيا .الرابط
- 17روبرت غيلبين ،الحرب والتغيير في السياسة العاملية ،ترجمة عمر سعيد األيوبي (بيروت :دار الكتاب العربي ،)2009 ،ص.122-121 :
Page 15 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
الناعمة الجاذبة لدول هذه الكتل نحوها ،وإلقاء ثقلها وتفعيل اإلمكانيات الكامنة والهائلة لجغرافياتها املحضة
املتموضعة على نح ٍو ممتاز باتجاه تحقيق هذا الغرض املنشود.
ُ ّ
التحوالت البنيوية -املشار إليها في العنصرين السابقين -فسينجم عنها خالل العقد بالعودة إلى اآلثار الناجمة عن
كثير من دول الجغرافيا العربية والواليات املتحدة ،في مقابل ٌ ٌّ ُ
القادم -كما نحاجج -فك تدريجي لالرتباط القائم بين ٍ
بكل من تركيا ،إيران ،فرنسا و"إسرائيل" علىبكل من روسيا والصين أو عالقاتها اإلقليمية ّ
تعزيز عالقاتها الدولية ّ
ٍ
سيتسبب بدوره في تزايد االضطرابات الداخلية على مستوى االقتصاد والعقائد العسكرية ّ وجه التحديد ،هذا ما
ً ً ُ
واملدركات األمنية لنخب هذه الدول العربية .عالوة على ذلك ،فلن تكون الواليات املتحدة قادرة على استرجاع هذه
ٌ
محتمل حتى وإن فاز جون بايدن في االنتخابات القادمة وعاد معه كما هوجد ًدا في القريب العاجل ّ
الدول إلى فلكها ُم ّ
جد ًا دعاة الهيمنة الليبرالية ) (Liberal Hegemonyإلى واجهة السياسة الخارجية األمريكية من جديد ْ
(أي ُمهندسو ّ
ُ ّ ً النظام الدولي الليبرالي) ،ذلك ّ
وجهة إلصالح األعطاب الداخلية أن السنوات الخمس األولى له على األقل ستكون م
ُ ّ ُ
التي تعانيها الواليات املتحدة قبل أن ت ّوجه الواليات املتحدة جهودها إلصالح أعطاب النظام الدولي الليبرالي من
قره بايدن نفسه في مقال سابق له بمجلة الشؤون الخارجية بعدد مارس/أبريل املاض ي ّ
تضمن جديد .هذا ما ُي ّ
ناجحة يجب أن تنطلق من الديارْ ، ّ
يؤكد فيه ّ
بأن ّ ً ً
أي ٍ خارجية
ٍ سياسة
ٍ أي خطوطا عريضة لبرنامجه االنتخابي• ،إذ
تسببت في إضعاف مصداقية ونفوذ الواليات املتحدة عبر العالم ،واألخطر من ذلك هو ابتعاد ترامب عن القيم الديمقراطية ّ
التي تمنح القوة ألمريكا وتجعل بأن إدارة ترامب ّ • يرى بايدن ّ
ً تحدي املناخ ،صعود الشعبويات والنزعة القومية ،تنامي الهجرة وانتشار األمراض ّ التي يعيشها العالم على غرار ّ التحديات الجديدة ّ
ّ شعبها ّ
الفتاكة ،فضال عن صعود موحدا .ومع
ّ
االستبداد واألنظمة غير الليبرالية عبر العالم ،تراجعت ثقة شعوب العالم في الديمقراطية وتنامى هوس الخوف من اآلخر ،وكلها كانت عوامل في خدمة ترامب وأمثاله من الديماغوجيين
في سعيتهم لتحقيق مصالحهم السياسية والشخصية الضيقة .لذا ،فعلى الرئيس القادم أن يسترجع ُسمعة الواليات املتحدة ،مصدقتيها وثقة العالم في قيادتها وأن يحشد الحلفاء
ّ
يؤكد بايدن ّ
فسيباشر ما ُيسميه "بضرورة تجديد الديمقراطية داخل الديار" ،فعلى الواليات املتحدة في نظره أن بأنه لو فاز بمنصب الرئاسة ُ ملواجهة هذه التحديات الجديدة فورا.
ّ ّ ّ ّ ُ نشط ديمقراطيتها ّ ُتصلح ُوت ّ
وتقوي ائتالف الديمقراطيات عبر العالم وأن تظهر استعدادها لقيادة العالم مرة أخرى "ال عبر ِمثال قوتها وحسب بل عبر قوة املثال الذي تضربه أيضا". ِ
ّ ً ّ ُ ً ً ّ
يتحدث بايدن أيضا عن تركيز االهتمام على األمن االقتصادي للواليات املتحدة باعتباره مرادفا لألمن القومي مركزا على الطبقة الوسطى في املجتمع ،إذ يرى بأن "سياستنا التجارية"
ّ أن ّ ّ
والتأكد من ّ ً
كل شخص يمكنه املشاركة في نجاح البلد وهذا ما يتطلب استثمارات ضخمة في البنية رصيد لنا أي طبقتنا الوسطى"،
ٍ تبدأ داخل الديار أوال "من خالل تعزيز أعظم
ّ التحتية والتعليمّ .أما على مستوى السياسة الخارجية فيرى ّ
بأن إدارة ترامب جعلت الواليات املتحدة تتنازل عن دورها القيادي العاملي الذي باشرته منذ سبعين سنة ،وإذا واصلت تنازلها
ّ طرف آخر مكان الواليات املتحدة بطريقة لن ّ ٌ "إما أن ّ عن هذه املسؤولية فسيحدث أحد األمرينّ ،
وستعم الفوض ى حينها ،وكلتا تعزز املصالح والقيم األمريكية ،أو لن يفعلها أحد يحل
ً ً
كثيرة ،كان ّ ً ً ّ ً
دا ألمريكا" .يعترف بايدن ّ الحالتين ال ُت ّ
أهمها اعتمادها على قوة جيشها بدال من االعتماد على مجموعة كاملة من أخطاء بأن الواليات املتحدة ارتكبت في املاض ي عدان أمرا جي
الفعال للدبلوماسية .ومن األمور ّ
فضال عن إهمالها للدور ًّ
التي يرى ضرورة مباشرتها هي إنهاء الحروب إلى األبد وإعادة األغلبية العظمى من القوات األمريكية إلى الديار نقاط القوة لديها،
ّ ّ ّ
واالكتفاء باستخدام بضع مئات من القوات الخاصة واألصول االستخباراتية لدعم الحلفاء املحليين ضد األعداء املشتركين ،كما يرى بضرورة إنهاء الدعم األمريكي لحرب السعودية في
Page 16 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
أيضا18. ُ من إصالح األزمات الداخلية ّ
التي تعرفها الديمقراطية األمريكية املتآكلة واملجتمع واالقتصاد األمريكيين
يتأسف ّ
بشدة أن تحظى الواليات املتحدة مؤخ ًرا ّ
ّ ً
هب فرنسيس فوكوياما إلى تأييد ذات الطرح أيضا حينما كتب َذ َ
ّ ً ّ
التحوالت الدوليةُ ،متوقعا أن تكون حقبة مثير لالنقسام (أي ترامب) في هذه املرحلة الحاسمة منكفئ ٍ
بقائد غير ٍ
ٍ
ّ ً ً ً
ما بعد كوفيد 19-حقبة صعبة ّ
"فحتى وإن فاز بايدن والديمقراطيون باالنتخابات جدا على الواليات املتحدة:
ً
جاثية على ْ ً الرئاسية القادمة ّ
فإنهم َ
عديدة إلعادة بنائها" ،كما يقول 19.لذلك،
ٍ سنوات
ٍ ركبتيها تحتاج سيرثون دولة
ّ ّ ً ّ
نحو أكبر أمام الرعاة الجدد مللئ فراغ القوة الذي خلفته سياسات ترامب فينرى بأن الفرصة ستكون متاحة على ٍ
ً ً
هامش الحركة والتأثير ُمتاحا ،السيما خالل
ُ املنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم ،كما سيبقى أمامها تبعا لذلك
مواجهة
ٍ السنوات الخمس القادمةّ .أما إذا فاز ترامب ،فستستمر هذه القوى الصاعدة على ذات الوتيرة من دون
ً ّ
وتحركاتها من طرف الواليات املتحدة مثلما تفعل تماما منذ وصول ترامب إلى البيت كابحة لطموحاتها
ٍ لعوائق
ٍ
األبيض.
ً ُ ّ ّ ً
الهشة واملعطلة عرضة ملنافسة القوى العظمى وحسب ،بل سيكون بناء على ذلك ،لن تكون الجغرافيا العربية
ً ًّ ً
املتوسطة والطموحة حظا وفيرا من هذا التنافس أيضا ،ورّبما على نحو أكثر تصادما ،ونعني هنا ّ للقوى اإلقليمية
ً
أساسا ّ
كل من تركيا ،إيران" ،إسرائيل" وفرنسا في الشام والخليج ،وفرنسا وتركيا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل-
محدود تسعى إلى تعزيزه ٌّ ً ًّ
كل من أملانيا ٍ جنوب الصحراء الكبرى ،كما ستعرف املنطقتين األخيرتين مالمحا أولية ٍ
لدور
ّ ٌ ٌ
املتوسطة الطموحة ،فهي تحظى قواسم مشتركة تجمع بين هذه القوى و"إسرائيل" خالل السنوات القادمة .هناك
ّ ًّ
ٌ
مخيال جيوبوليتيكي حركهابخطاب حضاري ،كما ُي ّ
ٍ حاسمة صاحبة مشار ٍيع جيوبوليتيكية ُمغل َفة
ٍ بقيادات
ٍ أوال
ّ
مستحقة ،أو ما ُي ّ ً ً
سميه يخية ضارب في التاريخ يجعلها ترى في هذه الفترة فرصة سانحة الستعادة مجاالت ٍ
نفوذ تار ٍ
التحديات ّ
ّ ً
طبعا هي استعادة ثقة حلفاء أمريكا التقليديين وتعزيز العمل املشترك ّ ّ
التي تفرضها القوى غير الليبرالية ضد اليمن وااللتزام الصارم بأمن إسرائيل .من القضايا املؤكدة
لروسيا-بوتين والصين وغيرهما من "الدكتاتوريات الصاعدة" وذلك عبر توسيع شبكة األصدقاء الديمقراطيين في أمريكا الالتينية ،إفريقيا وشرق آسيا.
For more info see: Joseph R. Biden, Jr., Why America Must Lead Again? Rescuing U.S. Foreign Policy After Trump,
Foreign Affairs, March/April 2020, US. link
18- Joseph R. Biden, Jr., Why America Must Lead Again? Rescuing U.S. Foreign Policy After Trump, Foreign Affairs,
Page 17 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ً وكل هذه القوى تجد في "فترة ّ
أميتاف أتشاريا "بالدول الحضارية" )ّ ،20 (Civilization States
خلو العرش" فرصة
ً
سانحة للتموضع ّ
الجيد وترسيخ األقدام في التشكيل الجيوبوليتيكي القادم.
ً ً ً
سوف نشهد خالل هذا العقد تنافسا شديدا بين فرنسا وتركيا خصوصا في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل-جنوب
ّ
سيتعقد املتوسط إلى حالة الغليان ّ
التي كان عليه نهاية القرن الثامن عشر ،كما ّ الصحراء ،كما سيرجع حوض
مجد ًدا عبر ّ
بوابة لبنان ،باعتبارها نقطة االرتكاز الفرنكوفونية التقليدية لها الوضع في منطقة الشام بعودة فرنسا ّ
ً ّ
في املنطقة ،السيما بعد واقعة االنفجار الكارثي الذي شهدته بيروت مؤخرا ،إذ كان الرئيس ماكرون أو ّل رئيس يزور
ّ
لبنان ويعمل على حشد مناصرين له هناك ،منهم من بدأ يدافع عن عودة االنتداب الفرنس ي على لبنان ،األمر الذي
ّ ّ ً س ّ
متجددة متوسطة طموحة كفرنسا ،إيران وتركيا في حالة مواجهة يعقد الوضع في الشام عموما ويجعل قوى
نجاحات متتالية في تقليص عدد أعداء الطوق حولها ورفع عدد األصدقاءٍ هناكّ .أما "إسرائيل" فتستمر في تحقيق
ّ
تنموية في دول املنطقة ،لم
ٍ اقتصادي ملشار ٍيع
ٍ اعي
وكشريك ور ٍ
ٍ طبيعية" بينهم ،بل
ٍ "كدولة
ٍ الذين َيقبلون بوجودها
الذي بدأ مع ّّ ً ّ
تأسس هذه "الدولة" ،وسيجد هذا املشروع توسعت النفوذ
ِ ملشروع
ِ ناجحة بداية إال تكن السودان
التمدد ،فمن ّ
املرجح أن يصطدم هذا التي ستتبع هذا ّيهمنا هنا فهو اآلثار ّ
بيئته األنسب خالل العقد الحاليّ ،أما ما ّ
متوسطة وصاعدة أخرى ،كما سيحدث بين "إسرائيل" وتركيا وفرنسا والصين وروسيا في بطموحات قوى ّ ّ
التمدد
ِ
ًّ
جدا شمال إفريقيا أو جنوب الصحراء الكبرى ،أو بين تركيا ،إيران ،فرنسا وروسيا في منطقة الشام ،ومن الصعب
ّ تتشكل بين هذه القوى في مناطق أو التصادمات ّ ّ التنبؤ بطبيعة التحالفات ّ
التي قد ُيولدها تضارب املصالح ٍ التي قد
بينها في مناطق أخرى.
ّ ً ّ
عقود
صعب لم تتمكن الجغرافيا العربية من الخروج منه منذ ٍ
ٍ وضع
ٍ ضوء على سابقا التحوالت كما أشرنا تأتي هذه
سيادي مشروع التي تعيشها ُنظمها السياسية واستمرار غياب ّ
أي طويلة ،فهشاشة دول هذه املنطقة ،أزمة القيادة ّ
ٍ ٍ
20- Amitav Acharya, The Myth of the “Civilization State”: Rising Powers and the Cultural Challenge to World Order,
Ethics & International Affairs, July 8, 2020, U.S. link
Page 18 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ً ُ
شديدة
ٍ تضطلع به إحدى دولها املفتاحية (بسبب أزمة القيادة أساسا) يجعل هذه املنطقة عرضة لفوض ى جامع
ٍ
ً
ودولية ال غير.
ٍ إقليمية
ٍ ومنافسات
ٍ لحروب
ٍ وساحة
•
Fragile States Index, Powered by the fund for peace, Mapbox 2020. link
21- Fragile States Index, Powered by the fund for peace, Indicators. link
Page 19 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ّ
التحول إلى دو ٍل فاشلة منهارة ) .(Failed Stateمن املفارقةّ ،أنه
ّ الحد األدنى من متطلبات البقاء وعدم سوى توفير ّ
ّ ً ً ّ
املؤسسات وفي الوقت الذي يعرف فيه العالم عموما تناميا لدور القيادة والزعامات الفردية على حساب
الر ُج ِول َية )(The Manhood State سابقة بصعود دولة ُ
ٍ اسة البيروقراطية التقليدية في الدول ،أو ما ّ
سميناه في در ٍ
التي ُي ّأزمة قيادة حقيقية ،السيما الدول املفتاحية منها ّ ً
ميزها ضعف السمات الشخصية ٍ ،22تشهد الجغرافيا العربية
التي تواجهها هذهوالنفسية لقياداتها وعدم قدرة هذه القيادات على حسم املشكالت الداخلية والخارجية األساسية ّ
ّ ّ ً ً
والتشوه الحاصلين في مدركاتها التشوش واضحة املعالم فضال عن
ِ تنموية
ٍ الدول نظرا لعدم قدرتها على صياغة ٍ
رؤية
األمنية الجيوبوليتكية تجاه بيئتها الخارجية.
منقوصة
ِ مريضة
ٍ فمع بداية عقد ،2020وصل السيد عبد املجيد تبون إلى رأس السلطة في الجزائر بعد انتخابات
وفي ّ ّ ُ ّ
رئيسٍ ى عل ائر
ز الج لحصو د بمجر الشرعية وبفضل دعم قائد أركان الجيش له الفريق أحمد قايد صالح ،الذي ت
ُ
دستوري وحراك جماهيري دام قرابة العام ،ليجد الرئيس ّتبون نفسه على رأس السلطة من دون ٍ بعد أزمة فر ٍاغ
نافذة من ّ ً
كل جانب ال تزال تتصارع السلطة ،واألكثر من ٍ بشخصيات
ٍ دعم الرجل العسكري األقوى آنذاك ،محاطا
َ ً ً
ذلك ّأنه ورث بلدا ُم ّثقال باألزمات االجتماعية واالقتصادية الداخلية املتراكمة منذ أكثر من عشرين سنة من حكم
حاطة بسياج من األزمات من ّ
كل ٍ خارجية ُ
م ٍ بيئة
ٍ عن
ً
فضال ر) أسبق من اإلرهاب املُ ّ
دم َ لعقد
(إضافة ٍٍ الرئيس السابق
ٍ
ً ً ّ ّ ّ
جانب ،أبعدت الجزائر عن ممارسة دورها اإلقليمي الرائد الذي كانت عليه ،األمر الذي خلف فراغا إقليميا في القوة
بالكتلة املغاربية حاولت دو ٌل جارة (املغرب كمنافس تقليدي للجزائر في املنطقة) أو دو ٌل خارجية أخرى ملئه (كتركيا،
ً ً
قطر ،السعودية واإلمارات) .لذلك ،سيكون الرئيس ّتبون مشغوال بإصالح ما أمكن إصالحه داخليا من ٍ
أزمات خالل
واألهم املحافظة على تماسك النظام وبقاء الدولة ّ سياسية،
ٍ شرعية
ٍ السنوات الخمس القادمة والعمل على بناء
ً ُ بسبب صراع ُ
العصب السلطوية املستمر إلى اآلن ،ولن يكون من السهل على الجزائر العودة إقليميا كما تحاول اآلن ِ
ً
في ليبيا ومالي خصوصا من دون تجاوزها ملعضالتها االقتصادية الداخلية خصوصا.
- 22جالل خشيب ،أوهام العوملة وعودة جيوبوليتيكا العالم القديم ،املعهد املصري للدراسات 22 ،نوفمبر ،2019إسطنبول-تركيا ،ص .21-20-19-18 :الرابط
Page 20 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
فقريب إلى ّ
حد ما من وضع الجزائر ،إذ تعيش مصر ٌ بلد مفتاحي حسب هذه الورقة) ّأما ُ
ٍ وضع القيادة في مصر (ثاني ٍ
ّ على مستوى القيادة أسوء سنواتها على اإلطالق منذ التأسيس ،فالرئيس عبد ّ
الفتاح السيس ي الذي وصل عبر
ّ ّ
منتخب بنزاهة سنة ،2013لم يتمكن إلى اآلن من ملئ ٍ ئيس مصر ٍيانقالب عسكر ٍي على الدكتور محمد مرس ي ،أول ر ٍ
ً
اقتصادية مثال َيشعر بها
ٍ ات
بديلة عبر تحقيق إنجاز ٍ ٍ شرعية
ٍ فراغ الشرعية الناتج عن االنقالب (من خالل بناء
ّ ّ
أقوياء على
ٍ املواطن املصري في حياته اليومية على األقل) وال ملئ الفراغ السياس ي القيادي الذي خلفه غياب ٍ
قادة
ً
سابقة منذ الرئيس جمال عبد الناصر ،أين كان للقيادة السياسية ٍ عقود
رأس السلطة بمصر مثلما كانت دوما في ٍ
ّ ً ً
واجتماعية داخلية.
ٍ اقتصادية
ٍ أزمات
ٍ إقليمي ُمؤثر رغم ما كانت تعانيه من ٍ دور
دورا حاسما في مواصلة مصر لعب ٍ
التي تعيشها مصر بجوارها اإلقليمي في عهد السيس ي بسبب يكفي هنا اإلشارة إلى طبيعة األزمات الجيوبوليتيكية ّ
ّ ّ ُ ّ ً أزمات ُت ّهدد بقاء الدولة في ٌّ ّ
إقليمي مؤث ٍر
ٍ دور
ٍ لعب من نها مك ت أن من فضال ذاتها، حد هافكل قيادته الضعيفة للبالد،
ما في كتلتها اإلقليمية ،حيث ُيحيط بمصر اآلن "حز ٌام من الزمات الوجودية" ،أزمة املياه مع إثيوبيا في الجنوب،
عصبي الحياة بالنسبة ملصر) ،أزمة األمن الحدودي بسيناء في الشرق وأزمة ْ أزمة الغاز في املتوسط بالشمال (وكالهما
الذي ُتمارسه ٌّ ّ
كل من "إسرائيل" ،اإلمارات فشل الدولة الليبية في الغربّ ،أما إذا أضفنا النفوذ السياس ي اإلقليمي
جامع قد دور ّ
قيادي ٍٍ سيادي
ٍ والسعودية على القرارات السيادية للسياسية الخارجية املصرية فلن يبق ملصر أي ٍ
وضع تسعى فيه للمحافظة ّ ُ
تضطلع به في كتلتها اإلقليمية خالل العشر سنوات املقبلة ،األمر الذي يبقي مصر في ٍ
قائمة وسط هذه الفوض ى وحسب. ٍ كدولة
ٍ على البقاء
ّ ً
بكل من الجزائر ومصر ،إال ّأنها تتشارك معهما مقارنة ّ
ٍ ٌ
مغاير من الناحية الجيوبوليتيكية للمملكة السعودية ٌ
وضع
ً
خصوصا ،إذ ال تزال القيادة السياسية بالسعودية َ
قادرة على التفكير خارج نطاق الدولة
غير ٍ أزمة القيادة السياسية
ُ الوظيفية ّ
إقليمية لدو ٍل أقوى ُمقابل مساعدة هذه الدول لألسرة امللكية الحاكمة في املحافظة
ٍ بخدمات
ٍ التي تضطلع
ً ّ
قادرة إلى اآلن على رؤية كتلتها اإلقليمية باعتبارها مركزا
على استقرار العرش امللكي .بمعنى أن القيادة السعودية غير ٍ
ّ ً ً
وقت يتراجع فيه االرتباط الجيوبوليتيكيجوهرية أمريكية أو حتى "إسرائيلية" ،في ٍ
ٍ مساعدة
ٍ قياديا سياديا لها من دون
ً ً
والجيواقتصادي األمريكي باملنطقة (االرتباط بالنفط السعودي) وتتزايد فيه إسرائيل قدرة على تأمين نفسها بعيدا
ّ ّ
األهم الذي ُيبقي الواليات املتحدة حريصة على التواجد هناك) عبر جهودها عن املساعدة األمريكية (السبب الثاني
ً ً خاص ًة ّ
املتواصلة في تحويل دول الطوق الخصوم إلى دول صديقةّ ،
وأنها قطعت شوطا كبيرا في تحقيق مستوى عالي ٍ
Page 21 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
ً ّ
الذي ُ ّ
سيساعدها حتما على إنجاح جهود التطبيع مع هذا الجوار .من التطور األمني والتكنولوجي واالقتصادي من
نافلة القول اإلشارة هنا إلى األزمة السياسية ّ
التي يعيشها بن سلمان في ّ
حد ذاته ،باعتباره الرجل األقوى في اململكة
املتورط فيها وكذا حربه الفاشلة في اليمن ّ
لصد النفوذ اإليرانيُ ،يواجه محمد بن سلمان اآلن ،فبعد قضية خاشقجي ّ
تماما مع انفجار قضية سعد الجبري امللتجأ بكندا أو ُ ً ُ ً
العلبة السوداء اليوم فضائحا أخرى قد تبعده عن املشهد
ً ً التي تعيشها اململكة السعودية ُ
سمى .أزمة القيادة ّ
للنظام السعودي كما ُي ّ
ستحدث تراجعا كبيرا في دور الرياض خالل
ً ً ً
السنوات الخمس القادمة ،كما ّأنها فتحت أصال فرصا سانحة لدول الجوار الطموحة مللئ الفراغ السعودي في
ّ ً
اإلقليم ،كاإلمارات العربية املتحدة ،قطر ،فضال عن إيران و"إسرائيل" أو دول من خارج اإلقليم كتركيا وفرنسا وكلها
قوى متنافسة تستفيد من أزمة النظام الدولي الليبرالي وتراجع القيادة األمريكية للعالم كما أوضحنا سابقا.
تحو ٌ
حدث ّ تتمكن الجغرافيا العربية من إنقاذ نفسها وسط هذه الفوض ى القادمة ما لم َت ُ ّ ً
الت بناء على ما سبق ،لن
ً
رجاال أقوياء ذوي ٌُ
عابر لإلقليم،
افي محض ٍ تفكير جغر ٍ
ٍ داخلية توصل لهرم السلطة -في هذه الدول املفتاحية الثالث-
ّ ّ
زمن طويل ،ومامتجاوز لإليديولوجيا ومشكالت الهوية التي استنزفت الطاقات الكامنة لهذه الجغرافيا الرحبة منذ ٍ
ٍ
تتجه هذه القيادات إلى تفعيل آليات الهيمنة اإلقليمية الحميدة لدولها ّ
وقوتها الناعمة الكامنة الجاذبة ملا حولها لم ّ
ً َ ُ
من دول في كتلها اإلقليمية املعنيةُ ،متقاسمة حدود مجاالت النفوذ بينها حسب الفصل اإلقليمي لهذه الكتل على
كل كتلة إقليمية من دون محاولة ّ
التعدي نحو عقالني يكفل لها تركيز الجهود وتحمل األعباء على نحو مسؤول ضمن ّ
ٍ ٍ
ُ ً ّ
سيتيح ذلك –إن تحققُ -مستقبال لدول العالم العربي أن تتعاون وت ّ على مجاالت بعضها البعضُ ،
نسق باعتبارها
تعمها الفوض ى في ّ ُ ّ
شتتة ّ ْ ً
إقليمية متماسكة متقاربة الرؤى واملدركات ال ّ ً
خضم هذه (ودويالت) م مجرد دو ٍل كتال
ُ ُ ّ
تجمعة في األفق.
العاصفة امل ِ
خاتمة:
ّ ُ ّ ُ
حصلة هذا املشهد تقودنا لترجيح سيناريو من "الفوض ى الهوبزية" الذي ستعرفه الجغرافيا العربية خالل م
ً ّ ّ
التي ظلت سائدة السنوات العشر القادمة ،السيما الخمس األولى منها ،من شأنه أن ُينهي "سردية العالم العربي"
ً ً ً
منذ أربعينيات القرن املاض ي ،ولن تعرف هذه الجغرافيا في نظرنا تعافيا نسبيا قريبا ما لم تسترجع هذه الدول
املفتاحية الثالث (الجزائر ،مصر والسعودية) دورها السيادي الرائد في كتلها اإلقليمية املعنية عبر تجاوز أزمة
ً
القيادة السياسية فيها أساسا ،وإذا نجحت في ذلك فسيكون التفكير الجغرافي القائم على الكتل اإلقليمية هو
Page 22 of 23
www.eipss-eg.org
December 7, 2020
حدة الفوض ى ّوتقلص من ّ ّ البديل األنسب أمام هذه القيادات ّ
التي حتى تحافظ على التماسك الجغرافي للمنطقة
ّ ً تعتريها ،الناجمة عن فترات االنتقال العاملي للقوة ّ
كفاعل مؤثر في
ٍ (التي قد تطول) وتضمن بالتالي لنفسها مكانة
ّ ً
خصبة للتنافس بين الطامحين الكبار.
ٍ ساحة
ٍ كمجرد املشهد العاملي الجديد ،بدال من البقاء
Page 23 of 23
www.eipss-eg.org