Professional Documents
Culture Documents
قوله :عند اإلطالق أي عند الذكر ليس من غري تعيني الوقت .فقوله :والتجرد عن القرينة تفسري عن قوله :اإلطالق،
فإن اإلطالق معناه التجرد عن الوقت ،فإذا قلت" :ليس زي ٌد عاملا يف الصغار أو يف املاضي" دل ذلك على أي الشيء؟
على أن انتفاء عامليته عن زيد كان يف الزمان املاضي ،هذه قرينة .ليس هنا ال تدل على املاضي وإمنا دل على املاضي
قولك :يف املاضي أو يف زمان الصغار .قولك" :ليس زي ٌد قائما اآلن" دل على احلال لفظ اآلن وليس مل تدل على
احلال" .ليس زي ٌد قائما غدا" هذا دل على القيام عن زيد يف املستقبل ،ليس ال داللة على االستقبال هنا فعند تقييدها
عرب ابإلطالق والتجرد عن القرينة
بزمان ال تدل على الزمان ،ال على حال وال على غريه .وأما عند عدم تقييدها وهو ما ر
فإهن ا تدل على احلال أي على االنتفاء يف الوقت احلال .وبعضهم على أهنا للنفي مطلقا أي للداللة على انتفاء اخلرب
عن املخرب عنه دون داللة على وقت ال حال وال غري حال ،فما ذكره الشيخ أحد قوله :وهو أهنا تدل على نفي اخلرب
عن املخرب عنه يف احلال.
وقيل هي للنفي اخلرب املخرب عنه مطلقا سواء كان احلال أو غريه وتعيني الزمان يكون من قرينة خارجيية ،قال حنو:
"ليس زيد قائما" أي اآلن ،فـ ليس دل على االنتفاء العام وأما الزمان فال داللة له عليه .حنن قلنا هذه كلها أفعال ماضية
وليس ليس فيه الزمان ،ليس دل على االنتفاء ففيه احلدث العام كما يف كان وغاية ما يف األمر ،أن كان فيها احلدث
العام ابلكون والثبوت وليس فيه احلدث العام واالنتفاء وعدم التحقق فهي نقيض كان يف هذا األمر ،يف احلدث العام،
وال الزمان فيها على القول الذي قلناه أهنا تدل على االنتفاء مطلقا .وأما على قول الشيخ هنا :للنفي احلال ،فإن الزمان
احلال ال املاضي ،فليس فعل املاضي على القولني ال على القول إلهنا للنفي مطلقا وعلى القول أبهنا للنفي يف الزمان
احلال فهي على كل ليست دالة تدل عليه األفعال.
قال :للنفي احلال عند اإلطالق والتجرد عن القرينة ،حنو" :ليس زيد قائما" أي اآلن ،أما إذا قلت" :ليس زيد قائما
اآلن" فداللة اآلن على احلال من قرينة هي اآلن" .ليس زيد قائما أمس" فداللة على املضي من لفظ أمس" ،ليس زيد
قائما غدا" فداللة على املستقبل من لفظ الغد.
والتاسع والعاشر واحلادي عشر ما زال وما انفك وما فتئ وما برح ،فهذه األفعال األربعة مبعى واحد وهو نفي
انتكاك اخلرب عن املخرب عنه ،هذه األربعة مبعىن واحد .وقوله :والتاسع إىل آخره ما زال األصل ،والتاسع والعاشر واحلادي
عشر والثاين عشر ال ال وانفك وبرئ وفتئ وليس ما داخلة يف األخوات ،فاألخوات هو زال وانفك وفتئ وبرح .فقوله:
انفك أي تقدر مضافا وهو والتاسع والعاشر واحلادي عشر
والتاسع والعاشر إىل آخره ما زال أي زال مما زال ،انفك من ر
والثاين عشر بعض ما زال وبعض ما انفك وبعض ما فتئ وبعض ما برح .قوهلم :زال وانفك وفتئ وبرح كله مبعىن
االنفكاك والرتك ،تقول :انفك كذا انفك عن كذا أي خلع عنه ،زال كذا عن كذا أي انفك عنه ،برح كذا عن كذا أي
انفك عنه ،فتئ كذا عن كذا – فتئ -من فات فهو مبعىن االنفكاك ،أرادوا أن جيعلوا هذه األفعال مبعىن كان ،كان تدل
على أي شيء؟ على الثبوت واتصاف املخرب عنه ابخلرب ،أرادوا أن جيعلوا هذه األفعال من أخوات كان ،فقالوا :هذه
دالة على انتفاء؟ فإذا أدخلت عليها نفيا ،كان نفيا للنفي ،ونفي النفي إثبات بل هو أقوى من اإلثبات ،فأدخلوا عليها
ما النافية وكان وزال وفتئ من أخوات كان بشرط الدخول ما النافية ،أبهنا لو مل تكن بدخول هذا الشرط ال دل على
االنفكاك فال تكن من أخواهتا .فلما أدخلوا ما النافية فكأن تقول يف قولك :ما زال أي ما انفك ،ما ترك هذا الشيء
وهذا الشيء ،لو قلت :ما ترك ،ما معناه؟ أنه الزمه ،أنه معه .ما انفك عن ذاك؟ ما الفرق بني قولك" :ما انفك العلم
عن زيد" وبني قولك" :زيد كا عاملا" أو "كان زيد عاملا"؟ هذا فيه إثبات عاملية ،وهذا فيه إثبات عاملية ،بل يف ما زال
وما فتئ وما برح وما انفك قوة عن قولك" :كان زيد عاملا"" ،ما زال زيد عاملا" دل على ثبوت العلم له مع الدوام
واالستمرار أما كان دلت على النفي ثبوت فقط.
فهذه األربعة تتمضن معىن كان بشرط دخول النفي عليها ليكون نفي النفي إثباات وهي تدل على ما دل عليه كان
مع االستمرار ،فهمنا ملاذا؟ يف الزمان املاضي وقد يكون يف الزمان املضارع،كما حيصل يف كان ،كان – يكون هنا زال
– يزال .هذا معىن قوله :ما زال وما انفك وما قتئ وما برح .قال :مقرونةٌ أو مقرونةً حالة كوهنا مقرونةٌ بـ ما النافية ،ملاذا
قال :مقرونةٌ بـ ما النافية؟ انظر ،قوله :مقرونة ،ما املقرون؟ املقرون هو زال وانفك وقتئ وبرح ،فدل قوله :مقرونةً على
أن املقصود من األربعة هو زال وانفك وقتئ وبرح ال هذه األربعة مع ما وإال لقال بعد ذلك ،بدل قولِه مقرونة بـ ما
النافية ،مثال لقال :من غري أن تتجرد عن ما ،مثال .قال :مقرونةً بـ ما النافية ،وعلمنا ملاذا اقرتن بـ ما النافية؟ ألهنا دالة
على االنفكاك ال الثبوت ،فلو أردان أن جنعلها دالة على الثبوت ألدخلنا عليها النفي؛ ألن النفي نفي نفي االنفكاك
دليل على املالزمة واملالزمة فيها ثبوت مع دوام ،فقولك" :ما زال زيد عاملا" هو هو زيد كان عاملا دائما ،نزيد دائما،
قلنا" :ما زال زيد عاملا" فقد اشتمل على معىن كان .وكذلك كل ما يدل على االنفكاك وما يدل على ترك شيء لشيء
إذا أدخلت عليه النفي كان مبعىن كان ،لكن هل حيتاج إىل منصوب أو ال حيتاج إىل آخرها.
قال :مقرونةً بـ ما النافية أو شب ِهها .قال :أو شب ِهها؛ ليشر على أهنا املشرتط يف املنت وهو ما النافية بل أي نفي
سواء كان حبرف كـ ما ولن أو كان ابسم كـ غري أو كان بفعل كـ انتفى أو ليس ،ليس زيد عاملا؛ أيضا هذا انفكاك .أاتين
زيدا غري منفك عاملا ،هذا أيضا فيه النفي بغري .لن يزال –تدخل على املضارع -لن يزال أو لن ينفك زيد عاملا ،هذا
أيضا فيه النفي بغري ما .فقوله :أو شب ِهها فيه داللة أو إشارة إىل أن ما ذُكر يف املنت ليس بشرط بعينه وهو ما النافية بل
أي نفي يصح ،ملاذا؟ ألن إذا أدخلنا عليها النفي انتفى النفي فكان إثباات.
قال :كالنهي والدعاء بـ ال ،خصه بعضهم بـ ال ،ألن أيضا دال على النفي .قال :وهذه األفعال األربعة ألي شيء؟
ملالزمة اخلرب املخرب عنه .ملالزمة ،وإذا كانت ملالزمة كان الثبوت أم ال؟ كان الثبوت ،فهو يشمل ،فلذا كان من أخوات
كان .وهذه األفعال األربعة اليت هي زال وانفك وفتئ وبرح؛ هذه األفعال األربعة ،هذا أيضا يدل على أن املراد يف املنت
من زال وانفك إىل آخره زال وانفك وفتئ وبرح ألنه لو قصد ما زال ،فما زال يس فعال ،ما انفك ليس فعال .وهذه
األفعال األربعة ملالزمة اخلرب املخرب عنه –ابلنصب ،-مفعول املالزمة ،على حسب ما يقتضيه احلال .ال شك أن املالزمة
قد تكون بني أمرين يف وقت وليس يف كل وقت وقد تكون مالزمة بني الشيئني منتفي ومع ذلك ندخل ما برح وما
انفك وما ،كأن تقول :ما زال زيد عاملا ،وما زال ألي شيء؟ ملالزمة ،مع أن يف وقن الطفولة مل يكن عاملا وإذا كان يف
وقت الكبار وذهب عقله ليس بعامل ويف وقت نومه ليس بعامل ويف غفلته ليس بعامل ،كيف تقول :ما زال عاملا؟ قال:
على حسب ما يقتضيه احلال أي يف األوقات اليت متكن املالزمة فيها .فقولك :ما زال زيد عاملا أي منذ أن أتهل للعلم
وليس أنه ما زال عاملا أي من وقت والدته هو عامل ،ال بل منذ أن أتهل للعلم .ما زال زيد يكتب أي منذ أن بدأ
الكتابة وهو يكتب إىل اآلن وال تقصد أن الكتابة ال تالزمه من وقت والدته ،يصح أن تقول :ما زال زيد أن يكتب؟
نستعمله ،وهو ملالزمته اخلرب املخرب عنه ،املالزمة معناها عدم االنفكاك ،عدم االنفكاك هو ينفك ،واخلطيب ينفك عن
الكالم قبل اخلطبة وبعدها .زيد ينفك عن الكتابة قبل الكتابة وبعدها فهناك أوقات كثرية ال يكتب فيها يف وقت النوم
مثال ،قلنا :على حسب ما يقتضيه احلال .فقولك :كما اخلطيب يتكلم أو خيطب،احلال هنا يقتضي أنه الزمه التكلم
أو الزمته اخلطابة بعد دخول وقت اجلمعة وقبل االنتهاء من صالة اجلمعة أو قبل صالة الركعتني ،هذا ما يقتضيه احلال
يف قولك :ما زال اخلطيب يتكلم .ما زال زيد يكتب أي منذ بدأ الكتابة إىل وقت كالمه فهو ما زال يكتب فال يُفهم
من قوله :ملالزمة اخلرب املخرب عنه أنه الزمه يف كل وقت ،ال بل الزمه يف كل وقت ميكن فيه أو متكن فيه املالزمة ،هذا
شيء يقتضيه احلال أي يقتضيه حال املخرب عنه ،حال يقتضي ماذا؟ مامعىن قوله :على حسب أي على قدر ما أي ٍ
أتهل العلم وبعد التعلم ،فإذن نقول :ما
زال زيد عاملا ،حاله يقتضي أي شيء ،حال زيد؟ يقتضي أنه ال يعلم إال بعد ر
زال زيد عاملا هنا ما دلت املالزمة على العلم لزيد بعد التمييز ،بعد وصول العقل ليميز فيها وبعد تعلمه هذا علمنا من
أي شيء؟ من قوله :على حسب يقتضي احلال .ما زال هللا عاملا دل على املالزمة مطلقا؛ ألن حال هللا تعاىل يقتضي
أنه مل ينفك العلم عنه وقتا ما –بدليل العقل .-املهم ،املالزمة هنا ليست املالزمة على إطالقها إذ تستحيل يف بعض
الصور بل يف أكثر األمثلة ،كما زال زيد عاملا ،أنت أتيت إلنسان وتقول :ما زلت انئما ومل يالزمه النوم يف كل وقت بل
أنت تقصد منذ أن دخلت يف النوم ،ما زلت انئما أي الزمك النوم إىل اآلن ،هذا حاله ،حال النائم يقتضي هذا.
قال :حنو" ،ما زال زيد عاملا" و "ما انفك زيد جالسا" أي ما انفك عن اجللوس ،و "ما فتئ بكر حمسنا" و "ما
برح حممد كرميا" وما أشبه ذلك .قوله :ما زال هنا ماضي يزال وليس ماضي يزيل وال يزول ،يزيل –بفتح الياء -وليس
يزيل –بضم الياء -فإنه من أزال الرابعي ،أما يزيل فإنه من زال لكن ليس زال هذه ،زال هذه ماضيه ثالثة زال-يزال،
زال-يزيل ،زال-يزول ،أما زال اليت مضارعها يزيل –بفتح الياء -فمعناه ماذ ،تقولِ :زل كتابك عن كتيب أي ميرز كتابك
هذا عن كتبه ،فـ زال اليت هذا أمر منها وهو زل واليت ماضيها أي يزيل ليس من أخوات كان ،إذ ال أتيت إال اتمة .زال
كتابه عن كتبه أي ميرزه ،زال هذه لو دخل عليه النفي بقولك :ما زال أي ما ميرزه ،كان التامة؛ ألهنا أفادت نفي التمييز
عن هذا الشخص ،أن هذا الشخص مل مييز ،هذا معىن اتم ال حنتاج إىل أمر آخر فكان التامة .فلو أدخلت عليها كان
ما زال زيد أي ما ميزه ،ما زال زيد كتابه عن كتبه لكان الفعل املتعداي ،ما زال كتابه ،كتابه مفعول به فهذا فعل اتم،
فاعله زيد ومفعوله كتابه ،فليس من أخوات كان .وأما "يزول" فمعناه عدم وانتقل وفين ،تقول :زال هذا اجلبل أي فين
وانعدم ،لو أدخلت عليها ما ،وقلت :ما زال اجلبل ،مل تكن من أخوات كان؛ ألهنا التامة .هللا تعاىل يقول[ :إن هللا
ميسك السموات واألرض أن تزول] أتت يف املضارع بـ تزول ال بـ يزال ،أن تزول أي أن تذهب ،أن تنتقل من حالة
الصالح إىل حالة الفساد .أو تنتثين [إن هللا ميسك السموات واألرض أن تزول] وهي التامة.
أما زال فمضارع زال اليت من أخوات كان فمضارعه يزال مبعىن ينفك ،ما يزال زيد عاملا أي ما ينفك .فهناك زال
اليت مضارعها يزال ومعناها ينفك .وزال اليت مضارعها يزيل ومعناها ميز ،وصدرها ميرزة .وهناك زال اليت مضارعها يزول
وهي مبعىن االنعدام والفناء واالنتقال ،ومصدرها زوال .وأما زال من أخوات كان فمضارعها يزال وال مصدر هلا.
قال :والثالث عشر ما دم مقرونةً بـ ما الظرفية املصدرية .دام يدل على االستمرار وفيه معىن الكون والثبوت مع
الزايدة ومع اقرتاهنا بـ ما قبلها ،لكن معناها ليست اليت مع األربعة فإن ما هذه ما الظرفية املصدرية ،لذلك قال :مقرونةً
بـ ما الظرفية املصدرية .وهي أي ما دام ودام فقط؟ دام .وما هذه الشرط ،ما ليست جزءا منها ،كما قلنا :يف ما زال
وما انفك وإمنا من أخوات كان هو دام ،بشرط دخول ما الذي من أخوات كان زال وانفك وبرح وفتئ بشرط دخول
ما.
قال :هي الستمرار اخلرب ،كما قال :يف ما انفك وما برح هي الستمرار اخلرب للمخرب عنه أي لالستمرار اتصاف
املخرب عنه ابخلرب ،فيها معىن كان أم ال؟ وهو اتصاف معىن املخرب عنه اخلرب؟ فيه نفس هذا املعىن مع االستمرار .قال
حنو" :ال أُصاحبك ما دام زيد مرتددا إليك" نبني أوال ما هذه ،قال :مقرونة بـ ما ظرفية املصدر .ما املصدرية ،ودام فعل
ماض ،فأنت تؤول أي فعل دخل عليها حرف مصدري كـ أن ،كـ ما أ رن اليت ذكران فيما مضى وما ،فحينئذ اقرتنت ما
بـ دام فصار مبعىن الدوام؛ ألن ما مصدرية أي يؤول ما بعدها مبصدر ،فـ ما دام أي دوام .ما جاء- ،ما هنا املصدرية-
أي جميئ .ما كتب أي كتاب .أعجبين ما كتبت ،ما هنا ال تكون انفية ،فـ أعجبين ما كتبت أي أعجبين كتابتك .ال
أُصاحبك ما دام أي ال أصحبُك دوام زيد مرتدد ،أولت هنا دام بسبب اقرتان ما هبا لكن ال أصحبُك دوام؟ ينقص
الشيء وهو املدة ،أين هذه املدة؟ أين هذا الوقت؟ ما ال تكون ظرفية ،ما هذه ليست ظرفية؛ ألن ما حرف وظرفية
معىن اسم ،الظرفية معىن الوقت ،هذا معىن االسم .املدة والوقت إال السم فمعىن احلرف فال تدل على الظرف .لكن
دوام انب ما انب الزمان والوقت ،كما تقول :أجيئك عصرا أو ظهرا أي جيئك وقت العصر ،وقت الظهر .فحذفنا
الوقت وأانب املصدر الذي هو العصر أو الظهر ما انبه ،قام مقامه .أجيئك اجلمعة أي أجيئك يوم اجلمعة ،حذفنا
اليوم وأقمنا مضاف إليه ُمقامه فانتصب انتصابه بعد أن كان جمرورا.
هنا أيضا كذلك ،قال :ال أصحبُك دوام زيد أصل ال أصحبك مدة ووقت دو ِام زيد مرتدد إليه أو وقت دوام تردد
زيد إليك .حذفنا الوقت واملدة ،وأقلنا الدوام مقام الوقت واملدة فناب ما انبه مث استدلنا الدوام بـ ما دام ،فـ ما دام مبعىن
دوام الذي انب عن الوقت ،فقالوا :ما مصدرية – هذا معلوم للتأويل الفعل بعد هذا املصدر -وظرفية؛ ألهنا بعد أتويل
فعلها إىل مصدر ينوب ما انب الزمان .هذا هو الكالم الصحيح الذي سيبني الشيخ يف كالمه .أما ما يقال ،ما ظرفية
مصدرية ألهنا دلت على الظرف وأُرِول ما بعدها ابملصدر ،فهذا كالم ظاهري فيه تسامح وليس على ظاهره ِمن أن ما
دلت على الظرف؛ ألهنا حرف ال يدل على الوقت .لذلك قال رمحه هللا :ال أصحبُك ما دام زيد مرتددا إليك .قال:
ومسيت هذه ظرفية لنيابتها عن الظرف ،هل قال لداللتها على الظرف أي على الوقت؟ املراد ابلظرف هنا أي الوقت؛
ُ
إذن الوقت يقع عليه الظرف ،ألنه يقع فيه املظروف .فنحن اآلن يف وقت كذا فهي ظرف لنا وحنن مظروف فيها .فقال:
ومسيت هذه ظرفية لنيابتها عن الظرف ،هل ما اليت انبت عن الظرف أم املصدر الذي أ رُول الفعل بعدها بسببها؟ُ
املصدر ،مصدر دام وهو الدوام هو الذي انب على الظرف لكن ملا كانت ما هذه داخل ًة ليُتأول الفعل بعدها هبذا
ومسيت هذه ظرفية لنيابتها عن الظرف ،ومسيت مصدريةً لتأويلها مع
املصدر أفادت معناه وانبت أما انب عنه .فقالُ :
صلتها يف احلقيقة الذي يؤول هو ما بعدها هو صلتها .قوله :مع صلتها أي مع ما اتصل هبا ،الصلة معناها ما اتصل
ابلشيء ،هذا صلة بكذا أي اتصل به.
قال :لتأويلها أي لتأويل ما ،مع صلتها مبصدر ،ويف احلقيقة اليت املؤول هو صلتها ،فكان عليه أن يقول :لـتأويل
صلتها مبصدر إىل أننا لو محلنا لفظ لتأويلها على معىن التغيري ال على معىن التأويل املعروف ،لو محلنا معىن لتأويلها
على لتغيريها ال صح كالم ه دون شيشء آخر ،أبن نقول :لتغيريها مع صلتها ملصدر ،هذا صحيح أم ال؟ أن ما ما
بعدها يغري مصدر أم ال؟ يغري املصدر ،وهذا هو الئق يف مثل هذا املقام فإ،ه يُعرتض يف مثل هذا املقام كثريا بقوهلم:
املؤول ما بعدها ،فكالمه فيه تسامح ،لو قلنا ما قلته مل يكن يف الكالم تسامح وهو أن التأويل جنعله مبعىن التغيري.
لتأويلها مع صلتها أي لتغيريها مع صلتها أو تبديل أي لتبديلها مع صلتهاـ املبدل ما هو؟ صلتها فقط أم هي معه؟ هي
معه ،فيصح حينئذ من غري تسامح ،أن يقول لتأويلها مع صلتها ابملصدر:
قال :والتقدير مدة دوام زيد أي ال أصحبك مدة دوام زيد مرتددا إليك ،فحذفنا املدة وأقمنا مدة مقامه مث أتينا مبا
يدل على ما الدوام وهو ما دام ،فكانت ما ظرفية مصدرية .مث قلنا :مرتددا إليك ،هذا خرب دوام ،ما دام زيد مرتددا
إليك .خبالف ما إذا قلت :ال أصحبك ما دام زيد أي ما بقي ،فـ دام اتمة مبعىن البقاء .ال أصحبك ما دام زيد ،كما
ات واألرض أي ما بقيت ،مل يقل :ما دامت السموات واألرض كذا مل أيت خبرب بل
يف قولع تعاىل :ما دامت السمو ُ
قال :ما دامت السموات أي مدة دوامها ،فـ دام هنا اتمة ،ال حتتاج إىل خرب؛ ألهنا مبعىن البقاء .وأما ما دام زيد مرتددا
إليك فليس معناه مدة بقاء زيد بل مدة اتصاف زيد برتدد إليك ،اتصاف زيد ابلشيء يف الزمان املاضي؟ هو معىن
كان ،وما هو هذا الشيء؟ نقصت عنه دام ،فأتينا به يف اخلرب وهو الرتدد إليك أي جميئ إليك.
قال :وما تصرف منها ،ما هنا موصولة أي والذي تصرف من كان وأخواهتا يعمل عمل ماضيها .بعد أن تكلم عن
هذه األفعال وأتى هبا ابللفظ املاضي ،قال :ما تصرف من هذه األفعال ،التصرف هي التغيري إىل هيئتها ،تتغري من
املاضي إىل املضارع إىل األمر واملصدر ،فالتغيري هذه اهليئة تسمى تصرفا ،فالتصرف هو التغيري ،وهذا حمله الصرف ،يُعلم
من الصرف ،تغيري هذه األلفاظ إىل أحواهلا املختلفة .وكذلك اسم الفاعل .قال :هو الذي تصرف من كان وأخواهتا
يعمل عمل ماضيها أي كان تكلمنا عليها ويكون مثلُه ،كائن مثله ،كن مثله .أصبح تكلمنا عليه ومثل له ،يصبه مثله
حيتاج إذا كان انقصا ،حيتاج إىل خرب ،وأصبِح –يف األمر -مثله فيحتاج إىل خرب ،أصبِح كذا ،أصبح نشيطا ،أصبح
أمر أبن يتصف يف الصباح ابلصفة كذا .أو زيد يصبح مسرورا ،فلذلك قال :والذي
كاتبا ،أصحب عاملا ،مثال ،فيه ٌ
تصرف من كان وأخواهتا يعمل عمل ماضيها ،واملتصرف حنو :كان يف املاضي ويكون فيا املضارع وكن يف األمر ،فتقول:
كن عادال ،فـ كن حيتاج إىل اسم كان مبتدأ وحيتاج إل خرب وهو أمر ابالتصاف .الفرق بني كن وكان ،أن كان لالتصاف
يف املاضي أما كن فأصبح أمرا هبذا االتصاف وهذا ال يكون إال يف املستقبل.
وحنو أصبح يف املاضي ويصبح يف املضارع وأصبِح يف األمر ،تقول يف عمل املاضي ،كان زيد قائما ،وإعرابه كان
فعل ماض انقص ،ملاذا؟ ألنه ال يكتفي ابملرفوع ،وزيد امسها وقائما خربها .وتكون يف عمل املضارع من كان ،يكون
زيد قائما ،فقوله :يكون زيد قائما هذا ما قول القول وتقول :يكون زيد قائما ،وإعرابه يكون فعل مضارع انقص،
مضارع ألنه يدل على وقوع احلدث يف الزمان احلايل أو االستقبال .انقص علمنا؛ ألنه ال يكتفي مبرفوعه .خبالف ما
إذا قلت :يكون زيد ال حيتاج إىل منصوب ،ملاذا؟ ألنه معىن يثبت وحتقق .قال :وتكون يف عمل األمر من كام "كن
قائما" ،فقوله :كن قائما مقول القول ،وإعرابه ُكن فعل أمر انقص ألنه دل على الطلب وانقص ألنه أمر ابلكون عام
ليس فيه حدث خاص وامسه مسترت فيه وجواب تقديره أنت ،وقائما خربه.
وتقول :أصبح زيد قائما ويصبح زيد قائما وأصبح زيد قائما وإعرابه على وزان ما قبله أي مثله .والذي ال يتصرف
من هذه األفعال دام وليس ،فـ ليس جامد ال يوجد منه أمر وال يوجد منه مضارع وال مصدر هلا ،لذمل ال يتصرف فال
يدومُ -دم ،قلنا :هذه تصاريف اتم ،وأما الناقص فال تصريف له.
يوجد ليس فقط .وأما دام فإنه قد يتصرف أبن تقولُ :
فإذا قلت :زيد يدوم حمسنا ،كان حمسنا هنا حال ويدوم هذه ليست انقصة فـ دام التامة هلا مضارع وهلا أمر وهلا مصدر
هو دوام .وأما دام هنا فمصدرها الدوام وال ماضيا له وال أمرا منها وال مضارع .فإذا قلت :ال أصحبُك أو ال أكلمك
ما يدوم زيد قائما ،كان قائما حال ومل تكن خربا ألن يدوم هنا مضارع فيكون اتمة أي ال أصحبُك ما يبقى زي ٌد حالة
كونه قائما أو جالسا أو عاملا إىل آخره .خبالف قولك :ال أصحبك ما دام زي ٌد قائما ،فـ معناه ال أصحبك مدة اتصاف
زيد ابلعلم أو ابلقيام .إذان بينا أن هذه األفعال منها ما يتصرف تصرفا اتما هو كالم سابق ومنها ال يتصرف أصال كـ
دام وليس ومنها ما يتصرف تصرفا انقصا وهو ما زال وما انفك وما فتئ وما برح .هنا قلنا التصرف هو تغري الصيغة،
إذن تغريت الصيغة إىل مضارع وإىل أمر ومصدر واسم فاعل كان تصرفا اتمة .وإذا تغريت إىل بعض هذه تصريفات كان
تغريا انقصا ففي ما زال ،تقول :ما يزال لكن ال يوجد أمر وال يوجد مصدر ،وأما اسم الفاعل فـ زائل .فهنا تصرف
ومنفك وال أييت منه األمر وال انفكاك وال مصدر ،فتصرف بعض التصاريف
ر زال-يزال-زائل .وما انفك ،تقول :ما ينفك
دون بعضها .وما فتئ أييت منه املضارع يفىت ،كما يف قوله [ :ات هللا ال تفتأ تذكروا يوسف] أي ال تزال ،تذكروه لكن
ليس منه أمر وال مصدر ،وما برح كذلك يربح [ ،لن نربح عليه عاكفني حىت يرجع إلينا موسى] لكن ليس منه أمر وال
مصدر .خبالف كام وأمسى وأضحى وأصبح وظل وابت وصار فمنه املاضي كهذه األلفاظ ومنه املضارع :ويصبح
ويكون ويصري ويبيت ويظل ،ومنه املصدر كالكون واإلمسى والضحى والبياض إىل آخره .ومنه األمر كأمس وأصبح
وكن إىل آخره .ومنه ما ال يتصرف أصال كـ دام وليس.