Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة الثانية - التزكية للمصلحين
المحاضرة الثانية - التزكية للمصلحين
ٕ
ادلقدمة:
ٖ
معامل التزكية ووسائلها:
اليوم احلديث عن معادل التزكية ووسائلها ،ويف اللقاءات القادمة إبذن هللا سيكون احلديث عن
حتدايت تزكويّة تواجو ادلصلحُت أو العاملُت لإلسًلم .حتدايت تزكوية إبذن هللا تعاذل.
نوعا ما مشولية عن معادل التزكية وعن وسائل ىذه التزكيّة .عندان مفرداتن
لكن اليوم سنأخذ صورة ً
يف لقاء ىذا اليوم إبذن هللا تعا:ى:
)2أما ادلَْعلَم األول للتزكية فهوَ :م ْعلَم التخلي ،والتطهري ،والتنظيف ،واإلزالة ،والرتك.
)1وادلَْعلَم الثاين ىوَ :م ْعلَم الزايدة والنماء ،والتحلية ،واإلضافة ،واالزدايد.
إذن مها معنيان أو َم ْعلَمان ال تُتصور التزكية أبحدمها دون اآلخر ،يعٍت ال نتصور التزكية أاها ىي
صحيحا إذا ختيلنا أاها ىي الزايدة يف
ً تصورا
عبارة عن تطهَت وتصفية وختلية فقط ،وال نتصور التزكية ً
الطاعات فقط .فًل تتم التزكية إال بتصور ادل ْعلَمُت وضمهما إذل بعضهما؛ َم ْعلَم فيو ختلية وتصفية
َ
ٗ
وم ْعلَم فيو إضافة ومناء وازدايد .ال بد أن يكون ىذان ادل ْعلَمان حاضرين يف عملية
وإزالة وتطهَت؛ َ
َ
التزكية.
ما ادلعامل التفصيلية داخل ىذا ادلَْعلَم الكبري؟ يعٍت التصفية تصفية ماذا من ماذا؟ تطهَت ماذا من
أيضا ليست معادل
ماذا؟ تنقية ماذا من ماذا؟ إبعاد ماذا عن ماذا؟ فربأيكم ما ىي ادلعادل التفصيلية؟ ً
جدا وإمنا ادلعادل التفصيلية العامة ادلتعلقة مبَْعلَم التطهَت ،ماذا يوجد أشياء ديكن أن تذكر
تفصيلية ً
كمعادل ىنا؟ إبعاد الروح عن دنس الدنيا ،القلب ادلمركز ،وإبعاد الذنوب وادلعاصي ،وأمراض القلوب.
إذن ىناك ثالثة معامل -ورمبا نزيد عليها -لكن ىذه الثالث معامل قد تكون جامعة.
وإذا كنا يف الدرس السابق قلنا كيف تعرف مركزايت األشياء؟ ذكران وسائل ،فواحدة من األمور
اليت تعرف هبا مركزايت األشياء أن يتأثر تعريف الشيء بزوال ىذا ادل ْعلَم أو ال يتأثر ،فإذا كان يتأثر
تعريفو أو تصورك عن الشيء إبزالة ىذا ادل ْعلَم فمعٌت ذلك أن ىذا ادل ْعلَم مركزي فيو .وىذا ابدلناسبة
َ
مثًل يف تصورك عن األشخاص .أنت ليست يف التعريفات والقضااي ادلعرفية فقط ،ال ،ىذا حىت ً
مثًل صًلح الدين األيويب ،إذا أزلت فتح بيت مثًل واحدة من الشخصيات يف التاريخً ، تتصور ً
عمرا
ادلقدس من صًلح الدين األيويب ما صار صًلح الدين يف نفسك صح؟ صًلح الدين قد عاش ً
طويًل يف اجلهاد والفتوحات والقتال ،لكن ىذا ادل ْعلَم يف حياتو يساوي صًلح الدين ،وابلتارل إذا ً
َ
طبعا إذا حسبتها ىي ليست هبذه الطريقة ،لكن ابإلمجال ىي ىكذا. أزلتو أزلت صًلح الدينً .
مكون سلالفة اذلوى دل يعد ىناك تزكية،
التزكية نفس الشيء ،التزكية كمعٌت واسم عام ،إذا أزلت ّ
ومن ضخامتو ومركزيتو ما ديكن بو أن ختتصر التزكية فتقول ىي سلالفة اذلوى .فلو قال لك قائل :ىل
ىي سلالفة اذلوى فقط؟ ستقول ال ،وإمنا ىناك معادل أخرى ولكن ىذا َم ْعلَم أساسي ديكن أن تطابق
معربا عن التزكية .وىذا موجود يف اللغة العربية ومعروف يُستعمل بو أو أن تذكره كنموذج يكاد يكون ً
يف تعريفات األشياء بذكر واحدة من مكوانت ىذا الشيء يكون ىو األبرز فيو أو من األمور ادلعربة
عنو .إذًا ىذا ادل ْعلَم التفصيلي األول داخل َم ْعلَم التصفية والتخلية.
أصًل دلاذا ذكرت كل ىذا الكًلم يف مركزية سلالفة اذلوى؟ ألين تذكرت كًلم الشاطيب عن
أان ً
أحياان يلقب إبمام علم ادلقاصد ،والشاطيب دلا
مقاصد الشريعة يف كتاب (ادلوافقات) ،تعرفون الشاطيب ً
ذكر الشريعة خلصها يف مقصدين كخًلصة مقاصد الشريعة ،كمركزايت أساسية يف مقاصد الشريعة،
ٙ
قال -معٌت الكًلم -وادلقصد األعظم أو االكرب من وضع الشريعة ىي إخراج ادلكلَّف من داعية ىواه،
اختيارا كما ىو عبد لو اضطر ًارا.
عبدا ﵁ ً
حىت يكون ً
ىذه خالصة قصد الشارع من وضع الشريعة ،إخراج ادلكلف من داعية ىواه .ومن ىنا -
كاستطراد -يُعلَم خطأ من يريد أن يصور الشريعة على أاها موافقة للهوى ،من ابب التسهيل وأن
مثًل قضية الشذوذ ،جتد بعض األطروحات يقول اإلسًلم حيقق لك أنت ماذا تتمٌت! ولذلك اآلن ً
لك «ترى توجد جينات عند اإلنسان تثبت ،فكيف ُحترم الشريعة ىذا األمر ،وتوجد جينات عند
الناس ،مالو ذنب ىو عنده ميول» .حسنًا أنت تقول لو بغض النظر ىذه قضية اثبتة علميًا ،أو
ليست اثبتة طبيًا أو ىي اثبتة ..لو ثبت أنو توجد جينات عند بعض الناس جتعل ذلم ىذا ادليول؛ ىو
أصًل الفلسفة الكربى
كثَتا من األمور اليت فيها ميول نفسية؛ ألنو ً
القضية يف الشريعة أن الشريعة دتنع ً
يف قضية الشرعية سلالفة اذلوى! فًل تزايد عليو أبنو يوجد حبث وكذا! لذلك من اخلطأ دلا جتي مثل
ىذه األطروحات تقول :ال ،ولكن ىو غَت اثبت علميًا وكذا .حسنًا لو ثبت ىو ماذا؟
ٚ
ِ
ك الدم ،ووظيفة السماع ،لذللك هللا سبحانو وتعاذل عندما ذكر ادلواعظ يف سورة ق قال﴿ :إِ َّن ِيف ٰذَل َ
الس ْم َع َوُى َو َش ِهي ٌد﴾ السؤال :من الذي ليس لو قلب شلن ىو ب أ َْو أَلْ َقى َّ ِ ِ
لَذ ْكَر ٰى ل َمن َكا َن لَوُ قَلْ ٌ
مقصود يف اآلية ،واآلن سلاطب؟ ىو الذي لديو مرض يف قلبو أو ليس لديو قلب يستمع السماع
إجابة .إذن ابدلفهوم احليوي الطبيعي ىل يوجد أحد سلاطب هبذه اآلية ليس لو قلب ،ال .يعٍت ﴿إِ َّن
ب﴾ بطبيعة احلال ليس ادلقصود دلن كان لو قلب ينبض ويتحرك؛ ألنو ِيف ٰذَلِ ِ ِ
ك لَذ ْكَر ٰى ل َمن َكا َن لَوُ قَ ْل ٌ
َ
موجودا أو سيكون ً لو دل يكن لديو ىذا القلب دلا ُوِّجو إليو ً
أصًل اخلطاب ابألساس ألنو لن يكون
ميتًا.
فتأيت الشريعة وأييت القرآن ،أييت الوحي ليقول لك أن ىناك وظائف يف االستجابة لبعض
أصًل ىذه األداة؛ األعضاء ،إذا فقدت ىذه الوظيفة فيمكن أن يعرب عن ىذا اإلنسان أنو ال ديتلك ً
ب أ َّ
َن أَ ْكثََرُى ْم ِ ﴿وتََر ُاى ْم يَنظُُرو َن إِلَْي َ
ك َوُى ْم َال يُْبصُرو َن﴾ ﴿أ َْم َْحت َس ُ لذلك هللا سبحانو وتعاذل يقول َ
ِ ِ ِ ِ يسمعو َن أَو ي ع ِقلُو َن﴾ ﴿ومثل الَّ ِ
ين َك َفُروا َك َمثَ ِل الَّذي يَْنع ُق مبَا َال يَ ْس َم ُع إَِّال ُد َعاءً َون َداءً ۚ ُ
ص ّّم بُ ْك ٌم ذ
َ ََ ُ َ َ ْ َ ُ ْ َْ
عُ ْم ٌي فَ ُه ْم َال يَ ْع ِقلُو َن﴾ .سؤال :ىل ىم ال يسمعون؟ ادلوجات الصوتية ال تدخل آذااهم؟ يسمعون
هبذا االعتبار ،ويبصرون ويتكلمون ،ولكن ىم يف اعتبار ميزان الوحي من جهة االستجابة من عدمها؛
طبعا ىذا التعبَت يستعمل حىت يف خارج سياق القرآن، ىم ليس ذلم قلوب وال أمساع وال أبصارً .
مثًل تقول« :أنت ما عندك دم» و«فًلن ما عنده يُستعمل حىت يف اللغة ،ويف السياق العريفً ،
وجو» ،فيُعرب هبذا ألنو ادلفًتض أنو تؤدي ىذه الوظيفة فلم تؤدى .القرآن يثبت ىذا ادلعٌت.
وم ْعلَم زايدة ومناء.
إ ًذا عندما نتكلم عن معادل التزكية ،قلنا َم ْعلَم ختلية ،وتصفية َ
َم ْعلَم التصفية والتخلية قلنا:
ٔ) أوالً :اهي النفس عن اذلوى.
ٕ) اثنيًا :تنقية القلب من األمراض ،أو إبعاد األمراض عن القلب ،أو احليلولة بُت القلب وبُت
أمراضو.
ٛ
-ما األمراض اليت ميكن أن تدخل ضمن ىذا ادلعىن كعناوين عامة دون تفاصيل؟ يف السياق
القرآين أن ﴿يف قلوهبم مرض﴾ ميكن أن نعنوهنا بعنوانني أساسيني:
)2أمراض قلبية حتت عنوان الشهوات.
ٕ) أمراض قلبية حتت عنوان شبهات .يدخل حتت عنوان الشبهات :الشك ،النفاق ،تقلّب
القلب ،عدم استقراره على يقُت ،التعلق بغَت هللا.
أما القسم األول الذي ىو الشهوات؛ ىذه يدخل فيها شهوات الدنيا ،سواء شهوات الدنيا
ِ ِ
ض﴾، ض ْع َن ِابلْ َق ْوِل فَيَطْ َم َع الَّذي ِيف قَ ْلبِو َمَر ٌ
بشكل رلمل أو يف واحدة من فتنها ،وىنا أتيت ﴿فَ ًَل َختْ َ
ين ِيف َّ ِ َِّ َّ ِ ِ
أيضا يف نفس السورة يف سورة األحزاب بعد آية احلجاب ﴿لئن دلْ يَنتَو الْ ُمنَاف ُقو َن َوالذ َ وأتيت ً
أصًل يف اإليذاء والنساء وما إذل ذلك. ض﴾ ،وسياق اآلايت ً ِِ
قُلُوهبم َّمَر ٌ
ض َوالْ َكافُِرو َن َما َذا أ ََر َاد َّ
اَّللُ ِهبَٰ َذا ِِ ول الَّ ِ بينما ﴿أَِيف قُلُوهبِِم َّمرض أَِم ارَتبوا﴾ ﴿ولِ
ين ِيف قُلُوهبم َّمَر ٌ
َ ذ َ ق
ُ ي
ََ َ ٌ َْ ُ
ِِ مث ًًل﴾﴿ ،أَم ح ِس َّ ِ
َضغَانَ ُه ْم﴾ ىذه يف سياق ماذا؟ الشك، اَّللُ أ ْ
ِج َّض أَن لَّن ُخيْر َ ين ِيف قُلُوهبم َّمَر ٌ
ب الذ َْ َ َ ََ
مثًل اجلهاد يف سبيل هللا ستجده يف قضية االضطراب ،النفاق .لذلك أي شيء أييت يف سياق ً
النفاق.
وديكن أن أييت جزء متعلق ابلشهوات من جهة حب الدنيا ،لكن حب الدنيا حُت يصل إذل حد
مثًل قال هللا سبحانو
أحياان أتيت العقوابت يف مثل ىذا السياق عقوابت قلبيةً ، ادلرض؛ لذلك جتد أنو ً
ف َوطُبِ َع َعلَ ٰى قُلُوهبِِ ْم فَ ُه ْم َال يَ ْف َق ُهو َن﴾ ويف نفس الصفحة آخر اخلَوالِ ِ وتعاذل﴿ :ر ُ ِ
ضوا أبَن يَ ُكونُوا َم َع ْ َ َ
اَّللُ َعلَ ٰى قُلُوهبِِ ْم فَ ُه ْم َال يَ ْعلَ ُمو َن﴾ ،وقبلها بقليلف َوطَبَ َع َّ ضوا ِأبَن ي ُكونُوا مع ا ْخلَوالِ ِ ﴿ر ُ
ََ َ َ آيةَ :
اَّللَ َما َو َع ُدوهُ َوِمبَا َكانُوا يَ ْك ِذبُو َن﴾. ِ ِ ِِ ِ
﴿فَأ َْع َقبَ ُه ْم ن َفاقًا ِيف قُلُوهب ْم إِ َ ٰذل يَ ْوم يَ ْل َق ْونَوُ مبَا أ ْ
َخلَ ُفوا َّ
ضا ،وأن ىذه األمراض حتُول بني اإلنسان وبني احلقائق، فإ ًذا القرآن يثبت أن للقلوب أمرا ً
وبني العمل ،وتدفع للشك وللتشكيك يف احلقائق .وألجل ذلك كثَت من أصحاب الشبهات اليوم لو
جتلس معو من ىنا إذل ما شئت حتل أو تزيل عنو كل االشكاالت ادلعرفية اليت لديو لن يستجيب! وأان
أحياان أيتيٍت ىذا اخلاطر ،بعض اآلابء أو بعض األمهات يكون عندىم حرص كبَت على أبنائهم ً
ٜ
وبناهتم يف قضية أنو عندي ىذا أبغى جيلس معاك أو جيلس مع فًلن وجتاوب لو على أسئلتو ،حسنًا
ىذا شلتاز ،لكن يف احلقيقة ال تظنوا إنو إذا زال االشكال ادلعريف أو مت النقاش بطريقة أرحيية وأبسلوب
زلمدا رسول هللا ،وزالت عقًلين ومنطقي؛ أنو سينتهي النقاش أبشهد أن ال الو اال هللا وأشهد أن ً
دتاما
الردة ،ال ،إذا كان يف أمراض قلبية فهو لن يؤمن ،ليس من الضروري أنو ىو يبصر احلقيقة ً
ال الَّ ِذين َك َفروا َال تَسمعوا ِذلٰ َذا الْ ُقر ِ
آن َوالْغَ ْواَُْ َ ْ ﴿وقَ َ َ ُ أحياان ىو ال يريد أن يبصرىاَ ،
ويتعمد أن خيالفهاً ،
فِ ِيو لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْغلِبُو َن﴾.
استَ ْغ َش ْوا ثِيَابَ ُه ْم ِِ ِ ِ
َصابِ َع ُه ْم ِيف آ َذااه ْم َو ْ
﴿وإِِّين ُكلَّ َما َد َع ْوتُ ُه ْم لتَ ْغفَر َذلُْم َج َعلُوا أ َ
نوح عليو السًلم يقول َ
ِ ِ ِ وأَصُّروا واستَ ْكب روا ِ
ُتورُى ْم ليَ ْستَ ْخ ُفوا مْنوُ ۚ أََال ح َ ص ُد َ است ْكبَ ًارا﴾ ،ويف سورة ىود ﴿أََال إِنَّ ُه ْم يَثْ نُو َن ُ َ َ َ ْ َُ ْ
الص ُدوِر﴾ .ويف سورة ادلدثر هللا سبحانو ات ُّ يستَ ْغ ُشو َن ثِياب هم ي علَم ما ي ِسُّرو َن وما ي علِنُو َن ۚ إِنَّو علِيم بِ َذ ِ
َُ ٌ ََ ُْ َ َُ ْ َْ ُ َ ُ َْ
س َوبَ َسَر ُمثَّ ب ع مث
َُّ ر ظ
َ ن
َ مث
َُّ َّر
د ق
َ ف ي ك
َ ل وتعاذل صور تلك النَّفس ﴿إِنَّو فَ َّكر وقَدَّر فَ ُقتِل َكيف قَدَّر ُمثَّ قُتِ
َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ ْ َ َ ّ
ال إِ ْن َٰى َذا إَِّال ِس ْحٌر يُ ْؤثَُر﴾ ،إخل.
استَ ْكبَ َر فَ َق َ
أ َْدبََر َو ْ
القرآن يف تصويره للنفس البشرية ،والصراعات اليت تدور فيها ،وكيف يتعامل مع احلقائق ،وكيف
يفر منها ،وكيف يربر لنفسو وكيف يهرب؛ القرآن ىو أعظم مصدر لفهم االنسان ،لذلك شفقة كبَتة ّ
فهما
على من يظن أنو بدراسة علم النفس ،الدراسة اإلنسانية ادلوجودة اليوم أنو سيفهم النفس البشرية ً
كثَتا على ىذه األطروحة ،ىي فيها فوائد ومفيدة وتزيد االنسان معرفة خاصة يف قضيةكامًل؛ تشفق ً
ً
أبدا أن تفهمها بغَت سياق
األمراض ،لكن يف فهم النفس البشرية وزلركاهتا واراداهتا ودوافعها ال ديكن ً
الوحي.
ٓٔ
ين َّ ِ مثًل ﴿قَ ْد أَفْ لَح الْم ْؤِمنُو َن (ٔ) الَّ ِذين ىم ِيف ِِ ِ
ص ًَلهت ْم َخاشعُو َن (ٕ) َوالذ َ َ ُْ َ َ ُ ىنا أنت تستطيع تقول ً
ِ
ضو َن (ٖ) ﴾َ ﴿ ،وإِ َذا َمسعُوا اللَّ ْغ َو أ َْعَر ُ
ضوا َعْنوُ َوقَالُوا لَنَا أ َْع َمالُنَا َولَ ُك ْم أ َْع َمالُ ُك ْم َس ًَل ٌم ُى ْم َع ِن اللَّ ْغ ِو ُم ْع ِر ُ
ُت﴾" ،من دل يدع قول الزور والعمل بو واجلهل فليس ﵁ حاجة أن يدع طعامو علَي ُكم َال نَب تغِي ْ ِ ِ
اجلَاىل َ َ ْ ْ َْ
وشرابو"" ،إ ّن اللعانُت ال يكونون شفعاء وال شهداء يوم القيامة"" ،ال ينبغي لص ِّد ٍيق أن يكون ً
لعاان"،
وإن كان بعضها يدخل يف قضية ا﵀رم الواضح لكن ..لذلك علماء السلوك يعربون عن ىذا
دائما يقولون :فضول الطعام ،فضول الكًلم ،فضول النوم. ابلفضولً ،
دائما يتكملون عن قضية الفضول .أصل دائما يتكلمون عنها ،كابن القيم وغَته ًعلماء السلوك ً
النوم إذا منت يف اليوم عشر ساعات ىذا الفعل يف أساسو زلرم أم يف دائرة ادلباحات؟ ىو يف دائرة
ادلباحات ،لكن عندما تنظر ابدلنظار القليب وادلنظار التزكوي ،ال يستقيم تصور تزكية النفس وتعويدىا
على ادلعارل ،واجلد واالجتهاد يف الطاعة ،مع ىذا ادلقدار من النوم الذي ىو مرافق لكلمة الكسل.
وجتد عندما ترجع إذل السنة أن النيب ﷺ يف الصباح ويف ادلساء يقول" :أعوذ بك من الكسل
وسوء الكرب" ،واالستعاذة من الكسل كذلك يف الصًلة .فضول الطعام ،تعلّق االنسان ابدللذات
الدنيوية ادلباحة ،تعلق وكأن اإلنسان ماكينة استهًلك! فيقول لك ىذا ادلال أان سرقتو؟ دل أسرقو ،أان
أكلت حرام؟ ما أكلت حرام .لكن ..فاىم الفكرة؟ لذلك النيب ﷺ كان ينهى أصحابو كما يف
اان عن كثَت من اإلرفاه" .فيدخل يف تزكية النفس من جهة السنن ،قال" :كان رسول هللا ﷺ يَْن َه َ
التصفية ىذا ادل ْعلَم ،وأظن ىكذا ىذه ادلعادل الثًلثة رمبا توضح مساحات واسعة يف ادل ْعلَم األول ،حبيث
َ َ
رلمًل أنو التصفية والتخلية من ماذا؟ من النفس من اذلوى ،ومن القلب من ال يبقى ادل ْعلَم األول ً
َ
أمراضو ،وقلنا األمراض قسمني :شهوات ،وشبهات ،مل نفصل فيها ألنو سيأيت ذلا إبذن هللا سياق
تفصيلي .وذكرهتا أان يف السلسلة السابقة أعمال القلوب وأمراض القلوب .و ً
أيضا ختليص النفس
واإلرادة من ادلثبطات ،وعوامل الكسل ،وفضول ادلباحات اليت تثبط اإلنسان.
إذن ىذا ىو ادل ْعلَم األول من معادل التزكية.
َ
ٔٔ
ادلَْعلَم الثاين ىوَ :م ْعلَم الزايدة والنماء ،التحلية:
وقلنا ال تتصور التزكية ابدلَْعلَم األول وحده ،كما أهنا ال تتصور ابدلَْعلَم الثاين وحده ،وإمنا جيب
اجلمع بني ادلَْعلَمني.
ماذا يدخل يف التحلية أيضا -كمعادل وإال كأفراد ما يزداد منو ال تنتهي من العبادات-؟ كمعادل
مثًل النفس عن اذلوى ،القلب من أمراضها.مثل ما قلنا ً
حتت أعمال القلوب لدينا حزمة ،إذا أردان حنزمها إ:ى حزمتني أو ثالثة ،ماذا ميكن أن
ِ
حنزم أعمال القلوب إ:ى حزمتني؛ عبادة واستعانة ﴿إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد َوإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
ُت﴾. نسميها؟ ميكن أن ِّ
ِ
ُت﴾. أعمال تدخل حتت ﴿إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ ،وأعمال تدخل حتت ﴿ َوإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
ما ىي األعمال القلبية اليت تدخل حتت إايك نعبد؟ أمهها ورأسها اإلخًلص ،ال نعبد إال أنت،
ال أقصد إال وجهك ،ال أبتغي بعملي إال أنت ،إايك نعبد أنت وحدك اي رب ،لك ﴿فَ َمن َكا َن يَْر ُجو
ٕٔ
ِ ِ ِ ِِ لَِقاء ربِِو فَ ْلي عمل عم ًًل ِ
يا حتت إايك نعبد: صاحلًا َوَال يُ ْش ِرْك بعبَ َادة َربّو أ َ
َح ًدا﴾ .ىذا اإلخًلص .أي ً َ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ
ا﵀بة ،اخلشية ،الرجاء ،اإلانبة ،كل ىذا أعمال قلبية تدخل حتت إايك نعبد.
وحتت إايك نستعني أعمال قلبية؛ توكل ،تفويض ،االعتصام ،ىذا كلو اآلن حتت إايك نستعُت.
ِ
ُت﴾ ،إايك لذلك ال تتعجب من العلماء الذين قالوا إن مدار الدين على ﴿إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد َوإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
نعبد وإايك نستعُت ىل أتت يف القرآن بلفظ آخر؟ يعٍت أقصد أتت ىكذا مجلة فيها كلمتان ،كلمة
تدل على إايك نعبد وكلمة تدل على إايك نستعُت؟ ﴿فاعبده وتوكل عليو﴾﴿ .فاعبده﴾﴿ :إايك
ت َوإِلَْي ِو ِ ٰ
أيضا ﴿قُ ْل ُى َو َرِّيب َال إِلَوَ إَِّال ُى َو َعلَْيو تَ َوَّكلْ ُ
نعبد﴾ ﴿ ،وتوكل عليو﴾ ﴿،إايك نستعُت ﴾ً .
متَ ِ
اب﴾. َ
اب﴾ ىذه ﴿إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ ،لذلك ﴿إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ من أبرز األعمال اليت فيها: ﴿وإِلَْي ِو متَ ِ
َ َ
ِ
ُت﴾ من أبرز األعمال اليت فيها :التوكل.اإلانبةَ ﴿،وإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
فعندما تقول التحلية ،اإلضافة ،النماء ،وىي قسمان؛ قسم أعمال قلوب وقسم أعمال
جوارح.
ِ
قسم أعمال القلوب قسمني :عبادة ،واستعانة﴿ .إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد َوإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
ُت﴾.
حنن اآلن يف إطار التعريفات أو التصورات ادلنفردة ،نعرف كل شيء مبفرده مث أنخذ نظرة مشولية
أصًل فيما بينها﴿ ،إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ ذلا أثر على تنقية أمراض القلوب،
لكل التفاصيل وتدرك أاها متكاملة ً
ولذلك من العبارات اجلميلة الرائعة ادلركزية اللطيفة البن تيمية رمحو هللا عندما قال" :فأما ﴿إِ َّاي َك
ِ
ُت﴾ تطرد العجب والكرب". نَ ْعبُ ُد﴾ فتطرد الرايءَ ﴿ ،وإِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
ُت﴾ ال نستعُت إال بك ،ختلّص اإلنسان﴿ ،إِ َّاي َك نَ ْعبُ ُد﴾ ال أقصد إال وجهك، ِ
﴿إِ َّاي َك نَ ْستَع ُ
فتخلّص اإلنسان إذا حققها من الرايء.
أعمال اجلوارح إذا أردان أن نقسمها -ىنا أكيد اعتبارات ،شلكن تقول اعتبار الذايت وادلتعدي-
مثًل غض البصر،
أيضا أن أعمال اجلوارح ترك وفعل ،أان أقصد ىنا أفعال معينةً ،
لكن ديكن أن نقول ً
ٖٔ
ِ صا ِرِى ْم حتديدا دلاذا؟ ﴿قُل لِّلْم ْؤِمنُِت ي غُ ُّ ِ
وج ُه ْم ۚ ٰذَل َ
ك َوَْحي َفظُوا فُ ُر َ ضوا م ْن أَبْ َ ُ َ َ ً وأان اخًتت غض البصر
فعل ترك.
أ َْزَك ٰى َذلُْم﴾ ،ىذا كف أو فعل؟ ىو ُ
اى ْو َن َعن ُّمن َك ٍر فَ َعلُوهُ ۚ
ما الدليل من القرآن على أن الرتك يوصف أبنو فعل؟ ﴿ َكانُوا َال يَتَ نَ َ
س َما َكانُوا يَ ْف َعلُو َن﴾ أاهم كانوا ال يفعلون ،من أاهم تركوا أن يفعلوا األمر ابدلعروف والنهي عن ِ
لَبْئ َ
ادلنكر .فالًتك يسمى فعل.
فهنا أعمال اجلوارح اليت تدخل ضمن قسم التحلية ضمن عنوان التزكية؛ فيها ترك وفيها فعل.
الحظ أان ال أتكلم اآلن عن الًتك اجململ الذي يدخل يف سلالفة اذلوى ،ويف ترك أمراض القلوب ،ىذا
ترك رلمل .أان أتكلم عن الًتك ا﵀دد ادلعُت ادلرتبط أبعمال اجلوارح.
ماذا ىناك ترك آخر منصوص عليو؟ يعٍت كذا أعمال معينة تًُتك﴿:فاجتنبوه﴾﴿ ،وحيفظوا
فروجهم﴾﴿ ،اجتنبوا كثَتا من الظن﴾﴿ ،وال جتسسوا وال يغتب بعضكم بعضا﴾.
إذا استطعت أن أتيت ابلنصوص اليت فيها إثبات عًلقة بُت ٍ
ترك ما وبُت التزكية؛ فتكون أدل على
أيضا -وإن كان ليس فيها لفظ التزكية لكن تفهمو من
ادلقصود ،منها ﴿ذلك أزكى ذلم﴾ ،ومنها ً
النص" -من دل يدع قول الزور والعمل بو فليس ﵁ حاجة أن يدع طعامو وشرابو" .فيوجد ترك معُت،
ال بد أن تًتكو.
القسم الثاين :الفعل .وىو واضح ،فعل العبادات ،أعمال اجلوارح .لكن ىنا البد أن يذكر يف
سيادة األعمال ،أعمال اجلوارح من انحية الفعل؛ الصًلة .الصًلة كمجمع أو كسيّد أعمال اجلوارح
أو أعمال البدن.
ٗٔ
اآلن سؤال جديد :أعطوين أدلة على أتثري التحلية على التخلية أو أتثري التخلية على
التحلية؟
ُت﴾، ِ الص ًَل َة تَْن هى ع ِن الْ َفح َش ِاء والْمن َك ِر﴾﴿ .إَِّمنَا ي تَ َقبَّل َّ ِ
العالقة أتثر وأتثري﴿ .إِ َّن َّ
اَّللُ م َن الْ ُمتَّق َ َ ُ ْ َ ُ َٰ َ
ما ادلقصود ابدلتقُت ىنا؟ اآلن واحد مسلم فاسق ،ذىب وصلى ،يتقبل هللا منو أم ال يتقبل؟ يتقبل؛
أصًل ىذه اآلية ىي دليل اخلوارج على التكفَت ،أنو إذا دل يكونوا أىل طاعة صافية فما يتقبل هللا ً
ُت﴾؟ من يتقي هللا ِ منهم شيئًا ،يعٍت ال يدخلون اجلنة! حسنًا ما ىو ادلقصود ب ﴿ي تَ َقبَّل َّ ِ
اَّللُ م َن الْ ُمتَّق َ َ ُ
يف العمل الذي يقدمو يتقبل هللا منو ،إمنا يتقبل هللا من ادلتقُت يف أعماذلم اليت يتقربون هبا إذل هللا ،فما
كان من العمل فيو تقوى فهو متقبل ،وما كان من العمل خليًا من التقوى فهو غَت متقبل .وىذا مثل
قول هللا ﴿َال تُْب ِطلُوا َ ِ ِ
من إنسان على آخر يف صدقة فإاها تبطل ،ولكن ص َدقَات ُكم ابلْ َم ِّن َو ْاألَ َذ ٰى﴾ فلو ّ
ال تبطل صًلتو .إمنا يتقبل هللا من ادلتقُت يف ذلك العمل .لذلك قال هللا سبحانو وتعاذل" :أان أغٌت
اَّللُ ِم َن
الشركاء عن الشرك ،من عمل عمًلً أشرك معي فيو غَتي تركتو وشركو" .ىذا ﴿إَِّمنَا يَتَ َقبَّ ُل َّ
ُت﴾. ِ
الْ ُمتَّق َ
أصبح ادلتقُت ىنا ما ىو عنوااها األخص؟ ما ىو شعار التقوى األخص يف ىذه اآلية؟ اإلخًلص،
ىذا من جهة التحلية .ومن جهة التخلية :ترك الرايء .أصبح اآلن تصفية العمل من الرايء والشرك
سبب لقبولو ،وابلتارل صار ىناك اشًتاك بُت التحلية والتخلية حبيث أنو ما تقدمو من عبادات وما
متقبًل حال كونو ُسلَلِّ ً
صا من الشرك وما يشوبو. تعملو إمنا يكون ً
ات﴾ ،إذا قلنا أن السيِئ ِ آية أخرى ىل بينها عًلقة يف األمرين أم ال﴿،إِ َّن ْ ِ ِ
ْب َّ َّ
احلَ َسنَات يُ ْذى ْ َ
السيئات ذلا األثر السيء على القلب ،فإن احلسنات يذىْب السيئات ،وابلتارل ىنا التحلية أصبح ذلا
أثر على التخلية .اآلن ىذا كلو الشق األول من الدرس ،حنن قلنا عندان مفردتُت :ادلفردة األوذل وىي
مفيدا إن شاء هللا ،فلعلي أُرجئ طويًل يف ىذه ادلعادل وأرجو أن يكون ً
ادلعادل؛ وألننا أخذان وقتا ً
الوسائل إذل اللقاء القادم؛ ألن احلديث عنها ال يقل من حيث الوقت عن احلديث عن ادلعادل،
مهمة
والوقت قد مضى .فقط اهتم مبراجعة ادلعادل وتفاصيلها؛ ألن رسم اخلارطة الشمولية عن ُمفردة ّ
من مثل مفردات تزكية كلفظ قرآين ولفظ أساسي ابلنسبة لإلنسان ادلؤمن وكشف ادلعادل ادلرتبطة مبثل
٘ٔ
شرعا يف مثل ىذه ادلقامات
ىذه األلفاظ ىي شلا يعُت على االلتزام ،وشلا يعُت على حتقيق ادلطلوب ً
والسياقات.
وأسأل هللا سبحانو وتعاذل يف ختام ىذا اللقاء أن يعطي نفوسنا تقواىا ،وأن يزكيها ىو خَت من
زكاىا ،ىو وليها وموالىا .كما اسألو سبحانو وتعاذل أن ينزل علينا رمحتو وبركتو وأن يغفر لنا ذنوبنا،
وأسأل هللا سبحانو وتعاذل أن جيعلنا من ادلتقُت ،وأن يتقبل منا صاحل األعمال ويتجاوز عن السيئات.
وأدام هللا علينا وعليكم عافيتو ،وأدام هللا علينا وعليكم رلالس العلم واالديانِّ .
وصل اللهم على نبينا
دمحم وعلى آلو وصحبو أمجعُت.
ٔٙ