Professional Documents
Culture Documents
وأفضل الصالة وأمت التسليم على سيدان حممد وعلى آله وصحابته الطيبني الطاهرين ،أما
بعد:
ذكران فيما مضى أن املبتدأ واخلرب يعمل فيهما االبتداء وهو عامل معنوي أو يعمل االبتداء يف املبتدأ واملبتدأ يف
اخلرب واالبتداء عامل معنوي .وهناك عوامل أتيت وتزيل هذا العامل املعنوي وتزيل عامله ويسمونه ابلنواسخ؛ ألن الناسخ
أو النسخ هو الرفع واإلزالة ومنها كان وأخواهتا .مث تكلمنا على هذه األفعال وقلنا :إهنا أفعال انقصة وذلك ألهنا نقصت
حدث خاص وهو الضرب وفيه حدث عام وهو
زمن وهو املاضي وفيه ٌ
ضرب فيه ٌ
احلدث خاص ال العام .فإن قولكَ :
وقوع الضرب يف ذلك الزمن وهو كونه هذا الضرب يف ذلك الزمن املاضي .أما كان ففيها زمان املاضي وإذا كانت
صلب منها .وملا مل تكن هلا فائدة بغري احلدث اخلاص؛
أفعاال وفيها كون العام وهو الوقوع .وأما احلدث اخلاص فقد ُ
ألن فائدة الكالم احلقيقي ة يف احلدث اخلاص أما احلدث العام وهو الكون واحلصول فإنه حاصل يف كل موجود ،فما
الفائدة يف اإلخبار به؟ فلما مل يكن الكالم اتما بغري احلدث اخلاص حيتاجوا يف وضعه يف الكالم فوضعوه يف مكان اخلرب
عن االسم الذي أُسند إليه الفعل ومسي خرب كان وأخواهتا .فهذا اخلرب يف احلقيقة هو احلدث اخلاص الذي كان يف
يت أفعال الناقصة ألهنا ال تكتفي مبرفوعها،
مسيت أفعاال انقصة؛ ألهنا نقصت احلدث اخلاص أو يقولونُ :مس ْ
الفعل ،لذا ْ
ملاذا مل تكتف مبرفوعها بل حتتاج إىل منصوب؟ ألهنا نقصت احلدث اخلاص ترجع ملا ذكران ،ألهنا نقصت احلدث
اخلاص ،والكالم بدونه ال يتم ،فلذلك احتاجت وافتقرت للمنصوب الذي كان مضمنا فيها ،فيقولون :األفعال الناقصة
هي اليت ال تكتفي برمفوعها بل حتتاج إىل منصوب.
خبالف األفعال التامة ،فإهنا تكتفي مبرفوعها سواء كانت الزمة ،كـ "نطام زي ٌد" فال حيتاج إىل منصوب أو متعدية كـ
"ضرب زيد عمرا" فإن قولك" :ضرب زيد" كالم اتم ،ولو مل تذكر "عمرا"" ،ضرب زيد عمرا" ،فعل اتم لوجود احلدث
اخلاص به ،وهو ٍ
متعد ألن الضرب نسبة بني شيئني؛ بني الضرب واملضروب ،فيحتاج إىل مضروب ومع ذلك يتم الكالم
مبرفوعه .وأما منصوبه فلتكميل الفائدة وأما الفائدة قد حصلت .أما يف قولك" :كان زيد قائما" ،فإن "كان زيد" ال
يفيد شيئا؛ ألنك مل تقصد أن خترب عن زيد أبنه حتقق وكان ،إمنا تقصد أن خترب عن ٍ
شيء حتقق لـ ز ٍ
يد وهو القيام ،فلذلك
مل يكتف كان يف قولك :كان زيد مل يكتف ابملرفوع ،لذلك كان فعال انقضا.
قال :ويقع أي الذي من شأنه أنه يقع على املفعول فصارت كالروابط ومن َمث مسيها الزجازي رمحه هللا –هذا كله
شرحنا -مث قال :وهي ثالثة عشر هي كان وأخواهتا ،أخوات كان قلنا نظائرها ،يف أي شيء؟ يف أهنا ترفع االسم وتنصب
تضمنت زماان
ْ اخلرب ،واألدق من ذلك هذا كالم ظاهري ،واألدق من ذلك أن تقول :اشرتكت معها يف النقصان يف أهنا
-هو زمان املاضي مثال أو مضارع إذا كان مضارعا -ومل تتضمن حداث مطلقا عند اجلمهور أو تقول :ومل تتضمن حداث
خاصا عند ابن مالك رمحه هللا ،لذلك كان "أخوات" لـ كانت ،كانت هذه األفعال كـ أمسى وأصبح وصار وليس وما
زل وما فتئ إىل آخره أصبحت أخوات لـ كان .ولو أفادت احلدث لكانت اتمة .إذن هذه األفعال ،إن أفادت احلدث
وميكن استعماهلا بذلك كما سيأيت ،إن أفادت احلدث كانت اتمة واكتفي مبرفوعها وال تدخل يف هذا الباب ،ألن هذا
الباب يتكلم عن "كان الناقصة" اليت تدخل على املبتدأ واخلرب وعن أخواهتا اليت تشرتك معها يف النقصان .فلو اتمة ،ما
معىن التامة هذه األفعال؟ أي اشتملت على احلدث مل تكن داخلة على املبتدأ واخلرب بل تكتفي مبرفوعها ومل حتتج
للمنصوب ،مثال أنت تقول" :كان زيد" وتسكت ،كالم اتم مفيد؛ ألن كان هنا ليست كان نتكلم عليه ،ليست كان
رب وكـ مىت و كـ قام ،فتقول :انم زيد أي اتصف
ض َاليت تنسخ حكم االبتداء اليت تدخل على املبتدأ واخلرب وإمنا هنا كـ َ
أي قامت به صفة النوم يف الزمان املاضي .هنا تقول :كان زيد أي اتصف بصفة الكون والثبوت يف الزمان املاضي ،هذا
كالم اتم ومفيد؟ نعم ،فتكون حينئذ اتمة ال انقصة .كما يف قول تعاىل[ :وإن كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرة] أي وإن
ُوجد أو ثبث أو حتقق ذو عسرة ،فهذا كالم اتم ال حيتاج ملنصوب .وسنبني ذلك يف أخواهتا أيضا.
قال :وهي ثالثة عشر فعال على ما ذكره هنا أي يف هذه الرسالة وإال فهي أكثر من ذلك؛ ألهنم ذكروا أن كل فعل
نقص حدثوا فهو ملحق بـ كان وقد أوصل بعضهم إىل إحدى وثالثني فعال ،كما ذكر أبو حيان رمحه هللا .وأكثر هذه
األفعال الزائدة هي أخوات لـ صار ،فإن صار يدل على االنتقال وصريورة كما سيأيت .وهو من أخوات كان ،ملاذا هو
من أخوات كان؟ ألنه مشتمل على زمان صار أي يف الزمان املاضي .وفيه حدث خاص وهو الصريورة وال تقصد بل
الرجل عاملا ،صار زي ٌد عاملا ،أي انتقل من
يقصد أنه مبعىن كان ،فحينئذ يكون فعال انقصا ،فأُحلق بـ كان ،تقول :صار ُ
حالة اجلهل إىل حالة العلم ،فـ صار هنا فيها زمان ماض وفيها صريورة مطلقة يشمل صريورة زيد من جهل إىل عامل،
وصريورة زيد من قائم إىل جالس ،وصريورة التني حجرا تشمل كل هذه األنواع من الصريورة .وأما الصريورة من اجلهل
إىل العلم فصريورة خاصة ليست موجودةً يف صار فكان من أخوات كان.
وصار هذه فيها صريورة وانتقال ،وكان فيها الكون فقط –هذا حدث عام-وحدث عام وهي أحداث بسيطة ،ما
معىن بسيطة؟ أي ليست مركبة؛ ألن احلدث يف كان هو الكون العام واحلدث يف صار هو صريورة مطلقا .خبالف ابقي
األفعال فإنه كما سيأيت تشتمل على زمان ماض وعلى تعيني هلذا الزمان ،كما يف أصبح وأمسى ،فإن قولك :أصبح من
أخوات كان ،فيه الداللة على زمان ماض .وأن هذا الزمان املاضي أو هذا الفعل وقع يف الزمان املاضي يف وقت معني
منه وهو صباح ،هذا يف أصبح .لكن ما الذي وقع؟ ال تدل عليه إذا كان من أخوات كان ومل تكن اتمة ،كما تقول:
"أصبح زيد عاملا" فإنك تقصد هنا أنه ثبت له العلم يف وقت الصباح من الزمان املاضي .أما إذا أردت أن جتعل التامة،
فتقول" :أصبح زيد" ،ما معناها حينئذ؟ أي دخل يف وقت الصباح .جاء وقت الصباح ،وحتقق زيد هذا يف وقت
الصباح ،كما قلنا يف" :كان زيد" أي حتقق زيد يف الزمان املاضي .أصبح هنا التامة كـ كان اتمة ،هي أنه ثبت وحتقق
إ ىل أننا يف كان اتمة قلنا :ثبت وحتقق يف الزمان املاضي .ويف أصبح ،قلنا ثبت وحتقق يف الزمان املاضي لكن ليس يف
أي وقت منه بل يف الصباح منه.
فالفرق بني أصبح التامة وكان التامة ،أن كان التامة تدل على التحقق والثبوت والكون يف مطلق الزمان املاضي،
وأما أصبح التامة لتدل على التحقق والكون يف الزمان املاضي أو يف جزء الزمان املاضي يف وقت معني من الزمان املاضي
تعيني الوقت
وهو الصباح .فما الذي زادته أصبح أو أمسى على كان؟ مل تزد احلدث اخلاص -ابلنسبة للناقصة -بل زاد َ
الذي حصل يف هذه الصفة -اليت هي خرب -يف هذه الصفة من الزمان املاضي ،فما زادت عليها إال بتعيني اجلزء الذي
وقع فيه هذه الصفة من الزمان املاضي ،فهذا ل خيرج عن كوهنا انقصة إىل كوهنا اتمة .خبالف ما إذا كان اتمة فإهنا
زادت -عن كان التامة -زادت عنها تعيني وقت املاضي واملعىن الذي هو دخول يف الصباح" .أصبح زيد" ،كما يف قوله
َ ُۡ ُ َ ه َ َ ُۡ ُ َ َ َ ُ ۡ ُ َ
ون ] ،هذه ال حتتاج إىل خرب ،ف ُس ۡب َ ه َ
تعاىل[ :ف ُس ۡب َ
ون أي حنيحَٰ َن ٱَّللِ حِني تمس حَٰ َن ٱَّلل ِ حِني تمسون وحِني تصبِح
ني تُ ۡصبِ ُحو َن أي حني تدخلون يف الصباح؛ كالم اتم ،تسبحون ومتسون ال حيتاج إىل أن يقول: ِ
تدخلون يف املساءَ ،وح َ
فسبحان هللا ح ني متسون كذا ،حني متسون على الذفة كذا ،ال ،ألن الفعل هنا أمسى اتم مبعىن دخل يف املساء أي
فسبحان هللا حاصل ففي وقت دخولكم يف املساء ،ويف وقت دخولكم يف الصباح.
حنن بينا أن كان وصار أحدثوا بسطة ،كان فيها الكون فقط وصار فيها االنتقال وصريورة فقط .أما أصبح وأمسى
ف أحدثها ليست بسيطة أو ما دلت عليه مدلوهلا ليست بسيطة معناها مركب من داللة املاضي مطلقا ومن داللة على
جزئه .أمسى الداللة على املساء من املاضي على جزء من الوقت .أصبح الداللة على الصباح من املاضي .أضحى
الداللة على وقت الضحى يف الزمان املاضي .ابت الداللة على وقت البياض وهو الليل يف الزمان املاضي .كان على
الكون يف الزمان املاضي ،أي كون؟ كون يف الصباح،كون يف املساء،كون يف كذا ،مطلقا ،فـ كان حداث بسيطا .وكذلك
صار دل على صريورة.
فـ كانت كان لكوهنا دالة على احلدث البسيط املوجو يف كل فعل من أفعال هذا الباب كان أم الباب ،ولذلك
يقدموهنا ،ملاذا؟ ألهنا دالت على احلدث املوجو يف كل فعل من أفعال هذا الباب من أخواهتا .ألن أصبح فيه ،تقول يف
قولك" :أصبح زيد عاملا" كان زيد عاملا يف وقت الصباح ،ففي أصبح كان وما زادت أصبح على كان إىل قولك يف
وقت الصباح وكذلك أمسى .فلما كانت مجيع هذه األفعال متضمنةً ملعىن كان ،كانت كان َأم الباب ولذلك يقدموهنا
ويقولون :كان وأخواهتا يف الرتمجة ويذكروهنا يف أوائل هذه األفعال اليت تنسخ من املبتدأ واخلرب ولو مل يكن ذلك لعاميتها
والحتياج فعل من أخوات هلا ملا ترجم هبا وملا قالوا :كان وأخواهتا ألن هذا يدل على االهتمام ويدل على إضم شاملها.
دمت كان على هذه مجيع األفعال اليت تنسخ املبتدأ واخلرب لذلك قدمها.
وملا قُ ْ
وقال :ابألوىل كان ،وهي لالتصاف املخرب عنه الذي كان مبتدأ وهو هنا امسها ابخلرب يف املاضي أي مبصدر اخلرب،
خرب عنه مبصدر اخلرب الذي هو
فإنك يف قولك" :كان زيد قائما" أتت كان هنا للداللة على اتصاف زيد الذي هو املُ َ
القيام ،قائم مصدره القيام ،فاتصف زيد هذا مبصدر هذا اخلرب ألن الذي قام بزيد ليس قائم وإمنا القيام ،فدلت على
اتصافه ابلق يام ال بقائم .دلت على اتصاف هذا ابلزمان املاضي ،إذن حتتاج إىل خرب لتدل على اتصاف املخرب عنه هبذا
املصدر .أما كانت التامة فإهنا تدل أو تفيد حصول الكون والتحقق ملرفوعها فقط أما هذه فتدل على حصول الكون
والتحقق لصفة يف مرفوعها فتحتاج إىل هذه الصفة فلذا كان انقصة.
قال :التصاف املخرب عنه ابخلرب يف الزمان املاضي ،إما مع الدوام واالستمرار هذا يفيد أهنا للثبوت أو لالتصاف
املخرب عنه مبصدر اخلرب يف املاضي مطلقا أي سواء دام ذلك إىل الزمان احلاضر أو مل يدم قطعا ،فإهنا تدل على مطلق
الزمان املاضي فقد تُستعمل حينئذ يف صفة ثبتت للمخرب عنه ابلزمان املاضي .والقطع ،كما تقول" :كان زيد انئما
وصف ثبت له يف املاضي مع
واستيقظ اآلن"" ،كان زيد انئما" أي ثبت له النوم يف الزمان املاضي واآلن استيقظ فهذا ٌ
االنقطاع ،وتقول[ :وكان هللا غفورا رحيما] أي اتصف سبحان وتعاىل ابملغفرة وابلرمحة –ال تقول يف الغفور والرحيم-؛
ألهنا كما قلنا التصاف املخرب ابملصدر اخلرب وليس بنفس اخلرب .أي كان هللا سبحان وتعاىل غفورا رحيما وكونه غفورا
رحيما ،انقطع أم ما زال؟ ما زال ،فهي أعم من أن تكون التصاف ابملصدر اخلرب يف املاضي مع االنقطاع أو مع
االستمرار ذلك إىل الزمان احلاضر ،لذلك قال :إما مع الدوام واالستمرار ،حنو[ :كان هللا غفورا رحيما] وإما مع
االنقطاع ،حنو" :كان الشيخ شااب" كأن الشيخ الذي هو الرجل الكبري اتصافه ابلصفة الشباب كان وانقطع ،فقوله:
إما مع كذا وكذا فيه داللة على أن كان ال تفيد الدوام وال تفيد االنقطاع وإمنا تفيد مطلق الثبوت .مث نعرف هذا الدوام
أو االنقطاع من أمر خارج من قرينة أخرى ،إما أبن تقول :كان كذا مث صار كذا ،حينئذ نعرف أنه خرب .أو أنك تعرف
ابلداللة العقلية كما يف قوله تعاىل[ :وكان هللا غفورا رحيما] للداللة العقلية أن كونه املغفرة والرمحة مل ينقطع .املهم أنه
من خارج معىن كان.
قال :والثاين وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف املساء أي مبصدر اخلرب ،هذا هو املعىن كان مث زاد يف التعريف
أمسى قول يف املساء ،فما زاد أمسى إال الداللة على وقت املساء فهي يف معىن كان ،لذلك كان من أخوات كان.
قال" :أمسى زيد غنيا" أي اتصف زي ٌد بصفة الغناء يف وقت املساء من الزمان املاضي .إذن قولنا :اتصف زي ٌد بصفة
الغناء ،هذا أخذانه من أن غنيا هنا كان يف األصل منصوب لزيد ،زيد غين منصوب إليه الغناء ،فاتصاف املخرب عنه
أخذانه من أن أصل "كان زيد غنيا" إسناد غين لزيدز ويف املاضي أخذانه من هيئة وصيغة أمسى فهي كـ أكرم تدل
على املاضي ،أمسى أفعل .وأما يف املساء فأخذانه من حروف أمسى فهي خبالف حروف كان؛ ألن حروف كان تدل
على الكون العام وأما أمسى تدل على كون معني وهو يف الوقت املساء ،فما زادت أمسى كان إال ما دلت عليه
احلروف وأما ابقي املعىن واحد لذلك كان من أخواهتا.
والثالث أصبح وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف الصباح ،ما قلنا فيه .أمسى يقال يف أصبح ولو أردت أن جتعلهما
اتمتني تقول :أمسى زي ٌد أي دخل يف الوقت املساء؛ فهذا ال حيتاج إىل منصوب وكذلك أصبح ،كما يف قوله تعاىل:
َ ُۡ ُ َ َ َ ُ ۡ ُ َ ه [ف ُس ۡب َ َ
ون] .وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف املاضي؛ هذ معىن كان .مث تقول:حَٰ َن ٱَّلل ِ حِني تمسون وحِني تصبِح
يف الصباح بعينه من الزمان املاضي فزادت الصباح .قال ،حنو" :أصبح الربد شديدا" أي اتصف الربد ابلصفة الشدة،
أتينا ابلشدة وهي املصدر شديد فإنع مل يتصف ابلشديد وإمنا اتصف ابلشدة .أي اتصف الربد ابلصفة الشدة يف الصباح
من الزمان املاضي ،ويقال ما قلنا يف أمسى.
والرابع أضحى وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف الزمان املاضي وهي مفهوم كان ،لذلك كان من أخوات كان،
ظل –ابلظاء املشالة -وهي التصاف ويف خصوص الضحى من الزمان املاضي ،حنو" :أضحى الفقيه ورعا" .واخلامس ّ
ظل أصله ظَلِ َل على وزن فَعِ َل وسكنت الالم الثانية املقسورة هي ظلِ َل وأدغمت يف الالم الثانية
املخرب عنه ابخلرب هناراَّ ،
فصارت ظَ َّل فذلك للتخفيف .وهو مأخوذ من ِظ ّل وال يكون ِظ ُّل إال يف وقت النهارـ ،يف وقت طلوع الشمس فلذلك
كان معىن ظَ ّل أي ومعىن ظل التامة أي دخل يف هذا الوقت أي يف وقت النهار ،هذا إذا كانت التامة .هذا زي ٌد ،ما
ومر عليه وقت النهار .وأما أردت أن جتعلها الناقصة فمعناه أن أتيت مبعىن كان،
معىن ظل زيد أي دخل يف وقت النهار ّ
إن جتعل الناقصة البد عن تضمنها معىن كان لتكون من أخواهتا ،فتول :أي اتصف املخرب عنه ابخلرب أي مبصدر اخلرب
يف وقت النهار من الزمان املاضي فقد تضمن معىن كان فصارت من أخواهتا.
وكان التامة وكذلك أخواهتا ،إذا أتت وجاء منصوب ،كما يف قولك" :كان زيد عاملا" هذه كان التامة؛ ألن املتكلم
ووجد زيد ،مث قال :عاملا ،كان املنصوب حاال ومل يكن خربا .ومعىن كالمه حينئذ ثبت
قصد أن يقول :ثبت وحتقق ُ
وحتقق زيد حالة كونه عاملا وهناك فرق كبري بينهما ،بني أن تقصد أن تقول :حتقق زيد يف حال عامليته وبني أن تقول:
حتقق العلم لزيد ،فرق بينهما كبري والصورة واحدة ،كان زيد عاملا ،هي هي الصورة التامة والناقصة والفرق يف املعىن.
***
ج :يُعلَم إبخبار املتكلم أو ابلسياق من أمر خارجيي .املهم أن تفهم كيف تفرق بني كان التامة وكان الناقصة،
وكذلك على شاكلته.
***
قا ل :ابت وهو التصاف املخرب عنه ابخلرب ليال أي يف وقت املاضي ،حنو" :ابت زيد مفطرا" أي اتصف ابلصفة
اإلفطار يف وقت الليل .وقوله هنا :مفطرا ال فائدة فيه ،ملاذا؟ ألن الليل يكون فيه إفطار ال يكون فيه الصوم ،إذا قصد
اإلفطار والصوم العشريني .كان عليه أن يقول" :ابت زيد يكتب" مثال ،أو "كاتبا" ،ألن الكتابة حتقق يف وقت الليل
ويف وقت النهار .أما قوله" :ابت زيد مفطرا" كالم ال فائدة فيه ألنه إذا قيل ابت زيد دون أن نكون مفطرا ال عُلم أنه
مفطر ،ألنه ال صوم يف الليل .فكان األحسن أن ميثل مبثال آخر ولو أن يقول" :ابت زيد عابدا" "ابت زيد مصليا"
فإن الصالة تكون يف الليل ويف النهار وهي أفضل يف الليل.
قال :والسابع صار وهي للتحول واالنتقال أي من صفة إىل صفة .ال شك أنك يف كل فعل من األفعال ترى انتقاال
وحتوال سواء كان صار أو غري صار ،فقولك" :جاء زيد" يكون فعل يدل على التجدد واحلدوث أي خروج من صفة
إىل صفة" .جاء زيد" أي مل يكن زيد جائيا مث جاء .ففي "جاء زيد" علمنا أنه مل يكن متصفا ابجمليء مث اتصف ابجمليء،
هذا فيه انتقال أم ال؟ فيه انتقال وصريورة من شيء للشيء ،كذلك كان وأمسى.
إذن ملاذا قالوا يف صار تدل على االنتقال والصريورة مع أن والتحول مع أن كل فعل كذلك ،قلنا :نعم ،يف جاء ال
داللة على االنتقال يف الوضع فإنه مل يوضع لالنتقال من عدم اجمليء للمجيء ،فهذا ليس ملحوظا فيها وضعا وإمنا
امللحوظ يف جاء ثبوت صفة اجمليء يف الزمان املاضي وال نظر إىل أن هذه الصفة مل تكن اثبتا ،خبالف صار فإن نظر
فيها إل ن فس االنتقال ،فـ صار أي انتقل وتد على تغري من منتقل منه إىل منتقل إليه .وأما جاء مثال ،فتدل على املنتقل
إليه وال نظر فيها إىل نفس االنتقال وال إىل املنتقل عنه أو منه.
أما يف صار فداللتها نفس االنتقال فتحتاج إىل منتقل إليه فكانت انقصة .أما جاء فهو نفس املنتقل إليه .فهنا
حتول ولو قصدت ذلك أن زيد حتول واكتفيت هبذا املعىن لكان التامة لكن قصدت أنه حتول من
تقول" :صار زيد" أي ّ
حالة إىل حالة ،حتول من ماهية ملاهية فحينئذ حتتاج للمنتقل إليه ويعلم منتقل منه أو منتقل عنه من الضد أو من أمر
آخر ،فتقول" :صار زيد عاملا" ،ما الفرق بني "صار زيد عاملا" و "علم زيد"؟ "عامل زيد" التامة أي اتصف ابلعلم ،ما
الفرق؟ يف "علم زيد" حنن علمنا أنه حتقق له صفة العلم وعلمنا أنه مل يكن عليها ،علم زيد وحتقق صفة العلم يف الزمان
املاضي وعلمنا أنه مل يكن عليها ،ألن هذا شأن الفعل ومل نعلم من َعلِم من احلقيقي الذي هو أنه انتقل من شيء للعلم،
حنن علمنا أنه اتصف ابلعلم ومل نعلم من علِم احلالة اليت انتقل عنها .أما يف "صار زي ٌد عاملا" فإننا قد علمنا من صار
أنه انتقل من حالة حلالة مطلقا وجاء اخلرب الذي هو عاملا ليعلمنا ابحلالة اليت انتقل إليها واحلالة اليت انتقل عنها ال كالم
لنا ،نعلمها من الضد أنه ننتقل العلم من اجلهل ،نعلمها من قرينة .املهم أن صار هنا دلت على نفس االنتقال وأييت
اخلرب ليعلمها حبالة املنتقل إليها فيكون متمما ملعناه.
حتول ،كان اتمة .لكن ولو قصدت أن تقول :انتقل إىل حالة البد من أن أتيت خبالف ما إذا قلت :صار زيد أي ّ
ابحلال املنتقل إليه فكان معناها انقصا .فـ صار زيد عاملا جمموعها هذا املركب مبعىن علِم زيد .أخذان من علِم ،أخذان
من صفة العلم فـ صار مبعىن كان أي ثبت له الشيء ،ثبوت املطلق .لو قلنا :ثبت له العلم ،لو أخذان من علِم صفة
العلم وكانت مبع ىن كان وأردان أن تدل على التحول ليس على الكون فقط بل على أنه انتقل إىل هذا الكون فأتينا بـ
صار الذيت تدل على صريورة فكان قولك :صار داال على كون وثبوت وحتقق على حالة منتقل إليها .أما الكون والثبوت
فهذا معىن كان ،وحالة منتقل إليها فهذا من حروف صار ،فكانت صار متضمنة ملعىن كان .وملا نقصت احلالة اليت
انتُقل إليها حيتجناها فكانت اخلرب ،فقلنا :صار زي ٌد ،صار أي شيء؟ ما احتاجوا إىل أي شيء؟ فكانت انقصة ،فقلنا:
عاملا .صار زيد ميتا ،من هذه أنه كائن على صفة املوت أم ال؟ ومتحقق أم ال؟ وهذا هو معىن كان زيد ميتا ،وهذا هو
معىن مات زيد أم ال؟ هذا هو مات زيد يف "كان زيد ميتا" ثبوت املوت لزيد ومات زيد ثبوت املوت لزيد ،هذا يف
الزمان املاضي ،وهذا يف الزمان املاضي .ويف "صار زيد ميتا " ثبوت املوت لزيد هو أمر زائد هو أن ثبوت املوت هذا
انتُقل إليه من حالة أخرى دللنا على االنتقال على نفسه من صار وعلى الثبوت يف الزمان املاضي من هيئة صار ومن
تضمن كان وعلى احلالة منتقل إليها من اخلرب فمجموع صار زي ٌد عاملا هو علِم زيد ،هو كان زي ٌد عاملا بعد أن كان
جاهال ،إذا عرفت بعد أن كان جاهال كان اجملموع مبعىن صار زيد عاملا ،أرادوا االختصار فقالوا صار زيد عاملا بدال من
أن نقول :كان زيد عاملا بعد أن كان جاهال.
لذلك قال الشيخ هنا :صار وهي للتحول واالنتقال ،صيغة الكاملة ،وهي للتحول املخرب عنه إىل املخرب به أو إىل
اخلرب ،حنو :صار السعر رخيصا ،إذن انتقل السعر أو الثمن إىل الرخص أو القلة بعد أن كان عايل مرتفعا ،فدلت صار
هنا على انتقال السعر من حالة إىل حالة ،على نفس االنتقال .وأما املنتقل منه فال داللة عليه واملنتقل إليه فداللة عليه
من رخيص وهو الرخص .الصريورة قد تكون صريورات ماهية الشيء إىل ماهية أخرى أي صريورة نفس الشيء وقد
تكون صريورة الشيء من صفة للصفة أي صريورة صفة إىل الصفة ،تقول :كان زيد عاملا ،هذا دل على االنتقال زيد
من صفة اجلهل إىل صفة العلم ،وزيد هو زيد مل تتغري ماهية ومل تتغري حقيقة ،قد تقول :صار التني حجرا ،صار التني
إبريقا ،فهنا مل ينتقل التني من صفة إىل صفة وإمنا انتقل التني نفسه إىل أمر آخر وهو اإلبريق فهذه ماهية وهذه ماهية،
هذا ابلنسبة لـ صار ،معناها تدل على انتقال ماهية الشيء أو انتقال الشيء من صفة إىل صفة .واملثال الذي أتى
الشيخ هنا من انتقال الصفة إىل الصفة.