You are on page 1of 9

‫احلمد هلل رب العاملني‪ .

‬وأفضل الصالة وأمت التسليم على سيدان حممد وعلى آله وصحابته الطيبني الطاهرين‪ ،‬أما‬
‫بعد‪:‬‬

‫ذكران فيما مضى أن املبتدأ واخلرب يعمل فيهما االبتداء وهو عامل معنوي أو يعمل االبتداء يف املبتدأ واملبتدأ يف‬
‫اخلرب واالبتداء عامل معنوي‪ .‬وهناك عوامل أتيت وتزيل هذا العامل املعنوي وتزيل عامله ويسمونه ابلنواسخ؛ ألن الناسخ‬
‫أو النسخ هو الرفع واإلزالة ومنها كان وأخواهتا‪ .‬مث تكلمنا على هذه األفعال وقلنا‪ :‬إهنا أفعال انقصة وذلك ألهنا نقصت‬
‫حدث خاص وهو الضرب وفيه حدث عام وهو‬
‫زمن وهو املاضي وفيه ٌ‬
‫ضرب فيه ٌ‬
‫احلدث خاص ال العام‪ .‬فإن قولك‪َ :‬‬
‫وقوع الضرب يف ذلك الزمن وهو كونه هذا الضرب يف ذلك الزمن املاضي‪ .‬أما كان ففيها زمان املاضي وإذا كانت‬
‫صلب منها‪ .‬وملا مل تكن هلا فائدة بغري احلدث اخلاص؛‬
‫أفعاال وفيها كون العام وهو الوقوع‪ .‬وأما احلدث اخلاص فقد ُ‬
‫ألن فائدة الكالم احلقيقي ة يف احلدث اخلاص أما احلدث العام وهو الكون واحلصول فإنه حاصل يف كل موجود‪ ،‬فما‬
‫الفائدة يف اإلخبار به؟ فلما مل يكن الكالم اتما بغري احلدث اخلاص حيتاجوا يف وضعه يف الكالم فوضعوه يف مكان اخلرب‬
‫عن االسم الذي أُسند إليه الفعل ومسي خرب كان وأخواهتا‪ .‬فهذا اخلرب يف احلقيقة هو احلدث اخلاص الذي كان يف‬
‫يت أفعال الناقصة ألهنا ال تكتفي مبرفوعها‪،‬‬
‫مسيت أفعاال انقصة؛ ألهنا نقصت احلدث اخلاص أو يقولون‪ُ :‬مس ْ‬
‫الفعل‪ ،‬لذا ْ‬
‫ملاذا مل تكتف مبرفوعها بل حتتاج إىل منصوب؟ ألهنا نقصت احلدث اخلاص ترجع ملا ذكران‪ ،‬ألهنا نقصت احلدث‬
‫اخلاص‪ ،‬والكالم بدونه ال يتم‪ ،‬فلذلك احتاجت وافتقرت للمنصوب الذي كان مضمنا فيها‪ ،‬فيقولون‪ :‬األفعال الناقصة‬
‫هي اليت ال تكتفي برمفوعها بل حتتاج إىل منصوب‪.‬‬

‫خبالف األفعال التامة‪ ،‬فإهنا تكتفي مبرفوعها سواء كانت الزمة‪ ،‬كـ "نطام زي ٌد" فال حيتاج إىل منصوب أو متعدية كـ‬
‫"ضرب زيد عمرا" فإن قولك‪" :‬ضرب زيد" كالم اتم‪ ،‬ولو مل تذكر "عمرا"‪" ،‬ضرب زيد عمرا"‪ ،‬فعل اتم لوجود احلدث‬
‫اخلاص به‪ ،‬وهو ٍ‬
‫متعد ألن الضرب نسبة بني شيئني؛ بني الضرب واملضروب‪ ،‬فيحتاج إىل مضروب ومع ذلك يتم الكالم‬
‫مبرفوعه‪ .‬وأما منصوبه فلتكميل الفائدة وأما الفائدة قد حصلت‪ .‬أما يف قولك‪" :‬كان زيد قائما"‪ ،‬فإن "كان زيد" ال‬
‫يفيد شيئا؛ ألنك مل تقصد أن خترب عن زيد أبنه حتقق وكان‪ ،‬إمنا تقصد أن خترب عن ٍ‬
‫شيء حتقق لـ ز ٍ‬
‫يد وهو القيام‪ ،‬فلذلك‬
‫مل يكتف كان يف قولك‪ :‬كان زيد مل يكتف ابملرفوع‪ ،‬لذلك كان فعال انقضا‪.‬‬

‫احلدث مطلقا أي ليس‬


‫َ‬ ‫هذا الكالم واملذهب اإلمام ابن مالك رمحه هللا تعاىل‪ ،‬وأما كون كان وأخواهتا قد نقصت‬
‫فيها احلدث بل تدل على الزمن فقط فهو قول اجلمهور‪ ،‬هذا مل نتعرض له ومل نشرح ألن الشارح مل ميش عليه‪ ،‬وميكن‬
‫إجراء كالمه عليه‪ .‬فاجلمهور من البصريني وكذلك سيبويه على أ ّن "كان" فيها زما ٌن فقط ال حدث فيها‪ ،‬ال خاص وال‬
‫عام‪ .‬فقولك‪" :‬كان زي ٌد قائما" معناه ثبث لـ زيد القيام‪ ،‬ثبت من أي شيء؟ من قولك‪ :‬قائم يف أنك حكمت يف قائم‬
‫على زيد‪ ،‬فقد ثبوت منها‪ .‬وهذا الثبوت يف الزمن املاضي أخذانه من "كان"‪ .‬خبالف ما قاله ابن مالك‪ ،‬فإن قاله‪ :‬دل‬
‫على الثبوت "كان" العام ودل على الزمن أيضا‪ .‬وأما قائم فدل على احلدث اخلاص الثابت‪ .‬أما اجلمهور من البصريني‬
‫نقصت احلدث‪ .‬األفعال‬
‫ْ‬ ‫مسيتت بذلك ألهنا‬
‫ْ‬ ‫وسيبويه فيقولون "كان" ليس فيها حدث‪ ،‬ولذلك يقولون‪ :‬األفعال الناقصة‬
‫معروف أن الفعل معناه حدث وزمن‪ ،‬هذه نقصت احلدث بتمامه‪ ،‬هذا عن اجلمهور‪ ،‬فلذلك مسيت الناقصة‪ .‬وال‬
‫يقولون كما يقول ابن مالك مسيت انقصة ألهنا ال تكتفي مبرفوعها‪ ،‬نعم هي ال تكتفي مبرفوعها أيضا لكنها هذا ليس‬
‫علة النقصان بل علة النقصان هو عدم وجود حدث فيها‪ .‬ميكن إجراء كالم الشيخ األزهري رمحه هللا على املذهب‬
‫البصريني أيضا وبعضهم صنع ذلك‪ ،‬ألن القول يف قوله‪ :‬ألن هذه األفعال يف حال نقصاهنا جترد عن احلدث الذي من‬
‫شأنه أنه يصدر عن الفاعل‪ ،‬أبن نقول املراد ابحلدث هنا احلدث مطلقا‪ .‬وقوله‪ :‬الذي من شأنه أن يصدر عن الفاعل‬
‫ليس وصفا وال تقييدا احرتزاي عن حدث آخر بل يقصد أن احلدث مضما موجود يف الفاعل قد نقصت عنه هذه‬
‫األفعال‪.‬‬

‫قال‪ :‬ويقع أي الذي من شأنه أنه يقع على املفعول فصارت كالروابط ومن َمث مسيها الزجازي رمحه هللا –هذا كله‬
‫شرحنا‪ -‬مث قال‪ :‬وهي ثالثة عشر هي كان وأخواهتا‪ ،‬أخوات كان قلنا نظائرها‪ ،‬يف أي شيء؟ يف أهنا ترفع االسم وتنصب‬
‫تضمنت زماان‬
‫ْ‬ ‫اخلرب‪ ،‬واألدق من ذلك هذا كالم ظاهري‪ ،‬واألدق من ذلك أن تقول‪ :‬اشرتكت معها يف النقصان يف أهنا‬
‫‪-‬هو زمان املاضي مثال أو مضارع إذا كان مضارعا‪ -‬ومل تتضمن حداث مطلقا عند اجلمهور أو تقول‪ :‬ومل تتضمن حداث‬
‫خاصا عند ابن مالك رمحه هللا‪ ،‬لذلك كان "أخوات" لـ كانت‪ ،‬كانت هذه األفعال كـ أمسى وأصبح وصار وليس وما‬
‫زل وما فتئ إىل آخره أصبحت أخوات لـ كان‪ .‬ولو أفادت احلدث لكانت اتمة‪ .‬إذن هذه األفعال‪ ،‬إن أفادت احلدث‬
‫وميكن استعماهلا بذلك كما سيأيت‪ ،‬إن أفادت احلدث كانت اتمة واكتفي مبرفوعها وال تدخل يف هذا الباب‪ ،‬ألن هذا‬
‫الباب يتكلم عن "كان الناقصة" اليت تدخل على املبتدأ واخلرب وعن أخواهتا اليت تشرتك معها يف النقصان‪ .‬فلو اتمة‪ ،‬ما‬
‫معىن التامة هذه األفعال؟ أي اشتملت على احلدث مل تكن داخلة على املبتدأ واخلرب بل تكتفي مبرفوعها ومل حتتج‬
‫للمنصوب‪ ،‬مثال أنت تقول‪" :‬كان زيد" وتسكت‪ ،‬كالم اتم مفيد؛ ألن كان هنا ليست كان نتكلم عليه‪ ،‬ليست كان‬
‫رب وكـ مىت و كـ قام‪ ،‬فتقول‪ :‬انم زيد أي اتصف‬
‫ض َ‬‫اليت تنسخ حكم االبتداء اليت تدخل على املبتدأ واخلرب وإمنا هنا كـ َ‬
‫أي قامت به صفة النوم يف الزمان املاضي‪ .‬هنا تقول‪ :‬كان زيد أي اتصف بصفة الكون والثبوت يف الزمان املاضي‪ ،‬هذا‬
‫كالم اتم ومفيد؟ نعم‪ ،‬فتكون حينئذ اتمة ال انقصة‪ .‬كما يف قول تعاىل‪[ :‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إىل ميسرة] أي وإن‬
‫ُوجد أو ثبث أو حتقق ذو عسرة‪ ،‬فهذا كالم اتم ال حيتاج ملنصوب‪ .‬وسنبني ذلك يف أخواهتا أيضا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهي ثالثة عشر فعال على ما ذكره هنا أي يف هذه الرسالة وإال فهي أكثر من ذلك؛ ألهنم ذكروا أن كل فعل‬
‫نقص حدثوا فهو ملحق بـ كان وقد أوصل بعضهم إىل إحدى وثالثني فعال‪ ،‬كما ذكر أبو حيان رمحه هللا‪ .‬وأكثر هذه‬
‫األفعال الزائدة هي أخوات لـ صار‪ ،‬فإن صار يدل على االنتقال وصريورة كما سيأيت‪ .‬وهو من أخوات كان‪ ،‬ملاذا هو‬
‫من أخوات كان؟ ألنه مشتمل على زمان صار أي يف الزمان املاضي‪ .‬وفيه حدث خاص وهو الصريورة وال تقصد بل‬
‫الرجل عاملا‪ ،‬صار زي ٌد عاملا‪ ،‬أي انتقل من‬
‫يقصد أنه مبعىن كان‪ ،‬فحينئذ يكون فعال انقصا‪ ،‬فأُحلق بـ كان‪ ،‬تقول‪ :‬صار ُ‬
‫حالة اجلهل إىل حالة العلم‪ ،‬فـ صار هنا فيها زمان ماض وفيها صريورة مطلقة يشمل صريورة زيد من جهل إىل عامل‪،‬‬
‫وصريورة زيد من قائم إىل جالس‪ ،‬وصريورة التني حجرا تشمل كل هذه األنواع من الصريورة‪ .‬وأما الصريورة من اجلهل‬
‫إىل العلم فصريورة خاصة ليست موجودةً يف صار فكان من أخوات كان‪.‬‬

‫وصار هذه فيها صريورة وانتقال‪ ،‬وكان فيها الكون فقط –هذا حدث عام‪-‬وحدث عام وهي أحداث بسيطة‪ ،‬ما‬
‫معىن بسيطة؟ أي ليست مركبة؛ ألن احلدث يف كان هو الكون العام واحلدث يف صار هو صريورة مطلقا‪ .‬خبالف ابقي‬
‫األفعال فإنه كما سيأيت تشتمل على زمان ماض وعلى تعيني هلذا الزمان‪ ،‬كما يف أصبح وأمسى‪ ،‬فإن قولك‪ :‬أصبح من‬
‫أخوات كان‪ ،‬فيه الداللة على زمان ماض‪ .‬وأن هذا الزمان املاضي أو هذا الفعل وقع يف الزمان املاضي يف وقت معني‬
‫منه وهو صباح‪ ،‬هذا يف أصبح‪ .‬لكن ما الذي وقع؟ ال تدل عليه إذا كان من أخوات كان ومل تكن اتمة‪ ،‬كما تقول‪:‬‬
‫"أصبح زيد عاملا" فإنك تقصد هنا أنه ثبت له العلم يف وقت الصباح من الزمان املاضي‪ .‬أما إذا أردت أن جتعل التامة‪،‬‬
‫فتقول‪" :‬أصبح زيد"‪ ،‬ما معناها حينئذ؟ أي دخل يف وقت الصباح‪ .‬جاء وقت الصباح‪ ،‬وحتقق زيد هذا يف وقت‬
‫الصباح‪ ،‬كما قلنا يف‪" :‬كان زيد" أي حتقق زيد يف الزمان املاضي‪ .‬أصبح هنا التامة كـ كان اتمة‪ ،‬هي أنه ثبت وحتقق‬
‫إ ىل أننا يف كان اتمة قلنا‪ :‬ثبت وحتقق يف الزمان املاضي‪ .‬ويف أصبح‪ ،‬قلنا ثبت وحتقق يف الزمان املاضي لكن ليس يف‬
‫أي وقت منه بل يف الصباح منه‪.‬‬

‫فالفرق بني أصبح التامة وكان التامة‪ ،‬أن كان التامة تدل على التحقق والثبوت والكون يف مطلق الزمان املاضي‪،‬‬
‫وأما أصبح التامة لتدل على التحقق والكون يف الزمان املاضي أو يف جزء الزمان املاضي يف وقت معني من الزمان املاضي‬
‫تعيني الوقت‬
‫وهو الصباح‪ .‬فما الذي زادته أصبح أو أمسى على كان؟ مل تزد احلدث اخلاص ‪-‬ابلنسبة للناقصة‪ -‬بل زاد َ‬
‫الذي حصل يف هذه الصفة ‪-‬اليت هي خرب‪ -‬يف هذه الصفة من الزمان املاضي‪ ،‬فما زادت عليها إال بتعيني اجلزء الذي‬
‫وقع فيه هذه الصفة من الزمان املاضي‪ ،‬فهذا ل خيرج عن كوهنا انقصة إىل كوهنا اتمة‪ .‬خبالف ما إذا كان اتمة فإهنا‬
‫زادت ‪-‬عن كان التامة‪ -‬زادت عنها تعيني وقت املاضي واملعىن الذي هو دخول يف الصباح‪" .‬أصبح زيد"‪ ،‬كما يف قوله‬
‫َ ُۡ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ ُۡ ُ َ َ َ ُ ۡ ُ َ‬
‫ون ]‪ ،‬هذه ال حتتاج إىل خرب‪ ،‬ف ُس ۡب َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫تعاىل‪[ :‬ف ُس ۡب َ‬
‫ون أي حني‬‫حَٰ َن ٱَّللِ حِني تمس‬ ‫حَٰ َن ٱَّلل ِ حِني تمسون وحِني تصبِح‬
‫ني تُ ۡصبِ ُحو َن أي حني تدخلون يف الصباح؛ كالم اتم‪ ،‬تسبحون ومتسون ال حيتاج إىل أن يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫تدخلون يف املساء‪َ ،‬وح َ‬
‫فسبحان هللا ح ني متسون كذا‪ ،‬حني متسون على الذفة كذا‪ ،‬ال‪ ،‬ألن الفعل هنا أمسى اتم مبعىن دخل يف املساء أي‬
‫فسبحان هللا حاصل ففي وقت دخولكم يف املساء‪ ،‬ويف وقت دخولكم يف الصباح‪.‬‬

‫لست مشود‪ ،‬حني أسبِ ُح أي حني أدخل يف الصباح أم حني‬


‫أما إذا قلت مثال‪ :‬أقرأُ يف العلم حني أسبِ ُح متفرغا و ُ‬
‫أكون متفرغا‪ ،‬فهي مبعىن كان‪ ،‬لكن ليس يف أي زمان بل حني أكون يف الصباح يف الوقت الذي تفارغت فيه‪ .‬فهنا‬
‫احتاجت إىل منصوب حني أكون أي حني أسبح متفرغا‪ ،‬حني أسبح فقط أي حني أدخل يف الصباح تكون التامة‪.‬‬
‫وحينئد إذا أتى وقت الصباح أو دخلت يف وقت الصباح أقرأ يف العلم‪ .‬أما حني أسبح متفرغا معناها أنه البد من أن‬
‫نتصف ابلتفرغ يف وقت معني هو الصباح ‪ .‬هذه أفادته أصبح أو أمسى الناقصة ال التامة‪ .‬املذكور هنا يف هذا الباب‬
‫هي الناقية ألن التامة ال تدخل على املبتدأ واخلرب‪ .‬وسيأيت الكالم عليه التفصيل‪.‬‬

‫حنن بينا أن كان وصار أحدثوا بسطة‪ ،‬كان فيها الكون فقط وصار فيها االنتقال وصريورة فقط‪ .‬أما أصبح وأمسى‬
‫ف أحدثها ليست بسيطة أو ما دلت عليه مدلوهلا ليست بسيطة معناها مركب من داللة املاضي مطلقا ومن داللة على‬
‫جزئه‪ .‬أمسى الداللة على املساء من املاضي على جزء من الوقت‪ .‬أصبح الداللة على الصباح من املاضي‪ .‬أضحى‬
‫الداللة على وقت الضحى يف الزمان املاضي‪ .‬ابت الداللة على وقت البياض وهو الليل يف الزمان املاضي‪ .‬كان على‬
‫الكون يف الزمان املاضي‪ ،‬أي كون؟ كون يف الصباح‪،‬كون يف املساء‪،‬كون يف كذا‪ ،‬مطلقا‪ ،‬فـ كان حداث بسيطا‪ .‬وكذلك‬
‫صار دل على صريورة‪.‬‬

‫فـ كانت كان لكوهنا دالة على احلدث البسيط املوجو يف كل فعل من أفعال هذا الباب كان أم الباب‪ ،‬ولذلك‬
‫يقدموهنا‪ ،‬ملاذا؟ ألهنا دالت على احلدث املوجو يف كل فعل من أفعال هذا الباب من أخواهتا‪ .‬ألن أصبح فيه‪ ،‬تقول يف‬
‫قولك‪" :‬أصبح زيد عاملا" كان زيد عاملا يف وقت الصباح‪ ،‬ففي أصبح كان وما زادت أصبح على كان إىل قولك يف‬
‫وقت الصباح وكذلك أمسى‪ .‬فلما كانت مجيع هذه األفعال متضمنةً ملعىن كان‪ ،‬كانت كان َأم الباب ولذلك يقدموهنا‬
‫ويقولون‪ :‬كان وأخواهتا يف الرتمجة ويذكروهنا يف أوائل هذه األفعال اليت تنسخ من املبتدأ واخلرب ولو مل يكن ذلك لعاميتها‬
‫والحتياج فعل من أخوات هلا ملا ترجم هبا وملا قالوا‪ :‬كان وأخواهتا ألن هذا يدل على االهتمام ويدل على إضم شاملها‪.‬‬
‫دمت كان على هذه مجيع األفعال اليت تنسخ املبتدأ واخلرب لذلك قدمها‪.‬‬
‫وملا قُ ْ‬
‫وقال‪ :‬ابألوىل كان‪ ،‬وهي لالتصاف املخرب عنه الذي كان مبتدأ وهو هنا امسها ابخلرب يف املاضي أي مبصدر اخلرب‪،‬‬
‫خرب عنه مبصدر اخلرب الذي هو‬
‫فإنك يف قولك‪" :‬كان زيد قائما" أتت كان هنا للداللة على اتصاف زيد الذي هو املُ َ‬
‫القيام‪ ،‬قائم مصدره القيام‪ ،‬فاتصف زيد هذا مبصدر هذا اخلرب ألن الذي قام بزيد ليس قائم وإمنا القيام‪ ،‬فدلت على‬
‫اتصافه ابلق يام ال بقائم‪ .‬دلت على اتصاف هذا ابلزمان املاضي‪ ،‬إذن حتتاج إىل خرب لتدل على اتصاف املخرب عنه هبذا‬
‫املصدر‪ .‬أما كانت التامة فإهنا تدل أو تفيد حصول الكون والتحقق ملرفوعها فقط أما هذه فتدل على حصول الكون‬
‫والتحقق لصفة يف مرفوعها فتحتاج إىل هذه الصفة فلذا كان انقصة‪.‬‬

‫قال‪ :‬التصاف املخرب عنه ابخلرب يف الزمان املاضي‪ ،‬إما مع الدوام واالستمرار هذا يفيد أهنا للثبوت أو لالتصاف‬
‫املخرب عنه مبصدر اخلرب يف املاضي مطلقا أي سواء دام ذلك إىل الزمان احلاضر أو مل يدم قطعا‪ ،‬فإهنا تدل على مطلق‬
‫الزمان املاضي فقد تُستعمل حينئذ يف صفة ثبتت للمخرب عنه ابلزمان املاضي‪ .‬والقطع‪ ،‬كما تقول‪" :‬كان زيد انئما‬
‫وصف ثبت له يف املاضي مع‬
‫واستيقظ اآلن"‪" ،‬كان زيد انئما" أي ثبت له النوم يف الزمان املاضي واآلن استيقظ فهذا ٌ‬
‫االنقطاع‪ ،‬وتقول‪[ :‬وكان هللا غفورا رحيما] أي اتصف سبحان وتعاىل ابملغفرة وابلرمحة –ال تقول يف الغفور والرحيم‪-‬؛‬
‫ألهنا كما قلنا التصاف املخرب ابملصدر اخلرب وليس بنفس اخلرب‪ .‬أي كان هللا سبحان وتعاىل غفورا رحيما وكونه غفورا‬
‫رحيما‪ ،‬انقطع أم ما زال؟ ما زال‪ ،‬فهي أعم من أن تكون التصاف ابملصدر اخلرب يف املاضي مع االنقطاع أو مع‬
‫االستمرار ذلك إىل الزمان احلاضر‪ ،‬لذلك قال‪ :‬إما مع الدوام واالستمرار‪ ،‬حنو‪[ :‬كان هللا غفورا رحيما] وإما مع‬
‫االنقطاع‪ ،‬حنو‪" :‬كان الشيخ شااب" كأن الشيخ الذي هو الرجل الكبري اتصافه ابلصفة الشباب كان وانقطع‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫إما مع كذا وكذا فيه داللة على أن كان ال تفيد الدوام وال تفيد االنقطاع وإمنا تفيد مطلق الثبوت‪ .‬مث نعرف هذا الدوام‬
‫أو االنقطاع من أمر خارج من قرينة أخرى‪ ،‬إما أبن تقول‪ :‬كان كذا مث صار كذا‪ ،‬حينئذ نعرف أنه خرب‪ .‬أو أنك تعرف‬
‫ابلداللة العقلية كما يف قوله تعاىل‪[ :‬وكان هللا غفورا رحيما] للداللة العقلية أن كونه املغفرة والرمحة مل ينقطع‪ .‬املهم أنه‬
‫من خارج معىن كان‪.‬‬

‫قال‪ :‬والثاين وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف املساء أي مبصدر اخلرب‪ ،‬هذا هو املعىن كان مث زاد يف التعريف‬
‫أمسى قول يف املساء‪ ،‬فما زاد أمسى إال الداللة على وقت املساء فهي يف معىن كان‪ ،‬لذلك كان من أخوات كان‪.‬‬
‫قال‪" :‬أمسى زيد غنيا" أي اتصف زي ٌد بصفة الغناء يف وقت املساء من الزمان املاضي‪ .‬إذن قولنا‪ :‬اتصف زي ٌد بصفة‬
‫الغناء‪ ،‬هذا أخذانه من أن غنيا هنا كان يف األصل منصوب لزيد‪ ،‬زيد غين منصوب إليه الغناء‪ ،‬فاتصاف املخرب عنه‬
‫أخذانه من أن أصل "كان زيد غنيا" إسناد غين لزيدز ويف املاضي أخذانه من هيئة وصيغة أمسى فهي كـ أكرم تدل‬
‫على املاضي‪ ،‬أمسى أفعل‪ .‬وأما يف املساء فأخذانه من حروف أمسى فهي خبالف حروف كان؛ ألن حروف كان تدل‬
‫على الكون العام وأما أمسى تدل على كون معني وهو يف الوقت املساء‪ ،‬فما زادت أمسى كان إال ما دلت عليه‬
‫احلروف وأما ابقي املعىن واحد لذلك كان من أخواهتا‪.‬‬
‫والثالث أصبح وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف الصباح‪ ،‬ما قلنا فيه‪ .‬أمسى يقال يف أصبح ولو أردت أن جتعلهما‬
‫اتمتني تقول‪ :‬أمسى زي ٌد أي دخل يف الوقت املساء؛ فهذا ال حيتاج إىل منصوب وكذلك أصبح‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫َ ُۡ ُ َ َ َ ُ ۡ ُ َ‬ ‫ه‬ ‫[ف ُس ۡب َ‬ ‫َ‬
‫ون]‪ .‬وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف املاضي؛ هذ معىن كان‪ .‬مث تقول‪:‬‬‫حَٰ َن ٱَّلل ِ حِني تمسون وحِني تصبِح‬
‫يف الصباح بعينه من الزمان املاضي فزادت الصباح‪ .‬قال‪ ،‬حنو‪" :‬أصبح الربد شديدا" أي اتصف الربد ابلصفة الشدة‪،‬‬
‫أتينا ابلشدة وهي املصدر شديد فإنع مل يتصف ابلشديد وإمنا اتصف ابلشدة‪ .‬أي اتصف الربد ابلصفة الشدة يف الصباح‬
‫من الزمان املاضي‪ ،‬ويقال ما قلنا يف أمسى‪.‬‬

‫والرابع أضحى وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف الزمان املاضي وهي مفهوم كان‪ ،‬لذلك كان من أخوات كان‪،‬‬
‫ظل –ابلظاء املشالة‪ -‬وهي التصاف‬ ‫ويف خصوص الضحى من الزمان املاضي‪ ،‬حنو‪" :‬أضحى الفقيه ورعا"‪ .‬واخلامس ّ‬
‫ظل أصله ظَلِ َل على وزن فَعِ َل وسكنت الالم الثانية املقسورة هي ظلِ َل وأدغمت يف الالم الثانية‬
‫املخرب عنه ابخلرب هنارا‪َّ ،‬‬
‫فصارت ظَ َّل فذلك للتخفيف‪ .‬وهو مأخوذ من ِظ ّل وال يكون ِظ ُّل إال يف وقت النهارـ‪ ،‬يف وقت طلوع الشمس فلذلك‬
‫كان معىن ظَ ّل أي ومعىن ظل التامة أي دخل يف هذا الوقت أي يف وقت النهار‪ ،‬هذا إذا كانت التامة‪ .‬هذا زي ٌد‪ ،‬ما‬
‫ومر عليه وقت النهار‪ .‬وأما أردت أن جتعلها الناقصة فمعناه أن أتيت مبعىن كان‪،‬‬
‫معىن ظل زيد أي دخل يف وقت النهار ّ‬
‫إن جتعل الناقصة البد عن تضمنها معىن كان لتكون من أخواهتا‪ ،‬فتول‪ :‬أي اتصف املخرب عنه ابخلرب أي مبصدر اخلرب‬
‫يف وقت النهار من الزمان املاضي فقد تضمن معىن كان فصارت من أخواهتا‪.‬‬

‫رفع‪ ،‬فالظاء املشالة أي الظاء املرفوعة ابحلقيقة ليس الظاء املرفوعة‬


‫ظل –ابلظاء املشالة‪ -‬شالّة أي َ‬
‫قال‪ :‬واخلامس َّ‬
‫فاإلسناد هنا ليس حقيقية أي املشالة األلف عليها‪ ،‬فإن املشال هنا أي املرفوع عليها هو األلف والنقطة كذلك‪ .‬فقوله‪:‬‬
‫"ظل زي ٌد صائما" اتصف زيد بصفة الصوم‬
‫ابلظاء املشالة أي ابلظاء املشالة األلف والنقطة عليها أي مرفوعة‪ .‬تقول‪َّ :‬‬
‫يف الزمان املاضي‪ ،‬استمر إىل آخره أو مل يستمر؟ ال نعرف‪ ،‬لكن هنا عرفنا أنه استمر اتصافه ابلصوم من أول النهار إىل‬
‫آخره‪ ،‬من أمر خارجي‪ ،‬ما هو أمر خارجي؟ هو معرفتنا للصوم الشرعي وهو أنه ال يكون إال من أول النهار إىل آخره‪،‬‬
‫"ظل زيد يكتب" ما معىن هذا؟ أي اتصف ابلصفة اإلتيان‪،‬‬‫"ظل زيد أيتيين" ّ‬
‫"ظل"‪ .‬تقول‪ّ :‬‬ ‫هذا أمر خارجي عن ّ‬
‫اتصف ابلصفة الكتابة وقت النهار يف الزمان املاضي‪ ،‬من أول النهار إىل آخره؟ ال ندري‪ .‬اختلف عن صائم هنا‪ ،‬بقي‬
‫من أول النهار إىل آخر أو انقطع ال ندري‪ ،‬استمر إىل الليل إىل وقت احلايل أو انقطع‪ ،‬ال ندري‪ .‬لذلك قال‪ :‬التصاف‬
‫"ظل زي ٌد صائما" أي اتصف ابلصفة الصوم يف وقت النهار‪ ،‬هذا إذا كانت انقصة‪ ،‬تفتقر‬
‫املخرب عنه ابخلرب هنارا‪ ،‬حنو‪َّ :‬‬
‫إىل منصوب كـ قوله هنا "صائما"‪.‬‬
‫ابت وهي التصاف املخرب عنه ابخلرب يف املاضي‪ ،‬هذا معىن كان فهي مضمنة معىن كان‪ .‬تفهم الفرق بني‬
‫والسادس َ‬
‫التامة والناقصة‪ .‬الناقصة البد من وجود معىن كان فيها‪ ،‬وما معىن كان؟ هو ثبوت اخلرب أي املصدر للمخرب عنه يف‬
‫كرت هنا أم تُذكر‪ .‬وإن‬
‫املاضي‪ ،‬كل فعل حتقق فيه هذا املعىن وزاد وقتا أو زاد شيئا آخر فهو من أخوات كان سواء ذُ ْ‬
‫دل على فعل ليس يتضمن معىن كان انقصة وإمنا تضمن معىن كان اتمة ألن كل فعل يتضمن معىن كان اتمة ومعىن‬
‫ّ‬
‫كان اتمة‪ ،‬فقولك‪ :‬انم زيد فيه كان زيد أي ثبت إىل أن انم زاد الثبوت على النوم فـ زيد ثبت وثبت له النوم‪ ،‬زيد ثبت‬
‫هذه كان زيد وثبت له يف هذا الثبوت النوم هذا ما فاد انم الذي زاد به عن كان‪ .‬فكل فعل انقص يشتمل على معىن‬
‫كان‪ ،‬وكل فعل اتم يشتمل على معىن كان‪ ،‬لذلك قالوا يف قوهلم‪ :‬كان تتضمنها مجيع هذه األفعال‪ ،‬قال بعض النحاة‪:‬‬
‫مجيع األفعال وليست أفعال هذا الباب فقط‪ ،‬فنقول‪ :‬مجيع األفعال اتمة تتضمن كان التامة‪ ،‬مجيع‬
‫بل تتضمن كان ُ‬
‫األفعال انقصة تتضمن كان الناقصة‪.‬‬

‫وكان التامة وكذلك أخواهتا‪ ،‬إذا أتت وجاء منصوب‪ ،‬كما يف قولك‪" :‬كان زيد عاملا" هذه كان التامة؛ ألن املتكلم‬
‫ووجد زيد‪ ،‬مث قال‪ :‬عاملا‪ ،‬كان املنصوب حاال ومل يكن خربا‪ .‬ومعىن كالمه حينئذ ثبت‬
‫قصد أن يقول‪ :‬ثبت وحتقق ُ‬
‫وحتقق زيد حالة كونه عاملا وهناك فرق كبري بينهما‪ ،‬بني أن تقصد أن تقول‪ :‬حتقق زيد يف حال عامليته وبني أن تقول‪:‬‬
‫حتقق العلم لزيد‪ ،‬فرق بينهما كبري والصورة واحدة‪ ،‬كان زيد عاملا‪ ،‬هي هي الصورة التامة والناقصة والفرق يف املعىن‪.‬‬

‫***‬

‫س‪ :‬كيف يُعلَم؟‬

‫ج‪ :‬يُعلَم إبخبار املتكلم أو ابلسياق من أمر خارجيي‪ .‬املهم أن تفهم كيف تفرق بني كان التامة وكان الناقصة‪،‬‬
‫وكذلك على شاكلته‪.‬‬

‫***‬

‫قا ل‪ :‬ابت وهو التصاف املخرب عنه ابخلرب ليال أي يف وقت املاضي‪ ،‬حنو‪" :‬ابت زيد مفطرا" أي اتصف ابلصفة‬
‫اإلفطار يف وقت الليل‪ .‬وقوله هنا‪ :‬مفطرا ال فائدة فيه‪ ،‬ملاذا؟ ألن الليل يكون فيه إفطار ال يكون فيه الصوم‪ ،‬إذا قصد‬
‫اإلفطار والصوم العشريني‪ .‬كان عليه أن يقول‪" :‬ابت زيد يكتب" مثال‪ ،‬أو "كاتبا"‪ ،‬ألن الكتابة حتقق يف وقت الليل‬
‫ويف وقت النهار‪ .‬أما قوله‪" :‬ابت زيد مفطرا" كالم ال فائدة فيه ألنه إذا قيل ابت زيد دون أن نكون مفطرا ال عُلم أنه‬
‫مفطر‪ ،‬ألنه ال صوم يف الليل‪ .‬فكان األحسن أن ميثل مبثال آخر ولو أن يقول‪" :‬ابت زيد عابدا" "ابت زيد مصليا"‬
‫فإن الصالة تكون يف الليل ويف النهار وهي أفضل يف الليل‪.‬‬
‫قال‪ :‬والسابع صار وهي للتحول واالنتقال أي من صفة إىل صفة‪ .‬ال شك أنك يف كل فعل من األفعال ترى انتقاال‬
‫وحتوال سواء كان صار أو غري صار‪ ،‬فقولك‪" :‬جاء زيد" يكون فعل يدل على التجدد واحلدوث أي خروج من صفة‬
‫إىل صفة‪" .‬جاء زيد" أي مل يكن زيد جائيا مث جاء‪ .‬ففي "جاء زيد" علمنا أنه مل يكن متصفا ابجمليء مث اتصف ابجمليء‪،‬‬
‫هذا فيه انتقال أم ال؟ فيه انتقال وصريورة من شيء للشيء‪ ،‬كذلك كان وأمسى‪.‬‬

‫إذن ملاذا قالوا يف صار تدل على االنتقال والصريورة مع أن والتحول مع أن كل فعل كذلك‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم‪ ،‬يف جاء ال‬
‫داللة على االنتقال يف الوضع فإنه مل يوضع لالنتقال من عدم اجمليء للمجيء‪ ،‬فهذا ليس ملحوظا فيها وضعا وإمنا‬
‫امللحوظ يف جاء ثبوت صفة اجمليء يف الزمان املاضي وال نظر إىل أن هذه الصفة مل تكن اثبتا‪ ،‬خبالف صار فإن نظر‬
‫فيها إل ن فس االنتقال‪ ،‬فـ صار أي انتقل وتد على تغري من منتقل منه إىل منتقل إليه‪ .‬وأما جاء مثال‪ ،‬فتدل على املنتقل‬
‫إليه وال نظر فيها إىل نفس االنتقال وال إىل املنتقل عنه أو منه‪.‬‬

‫أما يف صار فداللتها نفس االنتقال فتحتاج إىل منتقل إليه فكانت انقصة‪ .‬أما جاء فهو نفس املنتقل إليه‪ .‬فهنا‬
‫حتول ولو قصدت ذلك أن زيد حتول واكتفيت هبذا املعىن لكان التامة لكن قصدت أنه حتول من‬
‫تقول‪" :‬صار زيد" أي ّ‬
‫حالة إىل حالة‪ ،‬حتول من ماهية ملاهية فحينئذ حتتاج للمنتقل إليه ويعلم منتقل منه أو منتقل عنه من الضد أو من أمر‬
‫آخر‪ ،‬فتقول‪" :‬صار زيد عاملا"‪ ،‬ما الفرق بني "صار زيد عاملا" و "علم زيد"؟ "عامل زيد" التامة أي اتصف ابلعلم‪ ،‬ما‬
‫الفرق؟ يف "علم زيد" حنن علمنا أنه حتقق له صفة العلم وعلمنا أنه مل يكن عليها‪ ،‬علم زيد وحتقق صفة العلم يف الزمان‬
‫املاضي وعلمنا أنه مل يكن عليها‪ ،‬ألن هذا شأن الفعل ومل نعلم من َعلِم من احلقيقي الذي هو أنه انتقل من شيء للعلم‪،‬‬
‫حنن علمنا أنه اتصف ابلعلم ومل نعلم من علِم احلالة اليت انتقل عنها‪ .‬أما يف "صار زي ٌد عاملا" فإننا قد علمنا من صار‬
‫أنه انتقل من حالة حلالة مطلقا وجاء اخلرب الذي هو عاملا ليعلمنا ابحلالة اليت انتقل إليها واحلالة اليت انتقل عنها ال كالم‬
‫لنا‪ ،‬نعلمها من الضد أنه ننتقل العلم من اجلهل‪ ،‬نعلمها من قرينة‪ .‬املهم أن صار هنا دلت على نفس االنتقال وأييت‬
‫اخلرب ليعلمها حبالة املنتقل إليها فيكون متمما ملعناه‪.‬‬

‫حتول‪ ،‬كان اتمة‪ .‬لكن ولو قصدت أن تقول‪ :‬انتقل إىل حالة البد من أن أتيت‬ ‫خبالف ما إذا قلت‪ :‬صار زيد أي ّ‬
‫ابحلال املنتقل إليه فكان معناها انقصا‪ .‬فـ صار زيد عاملا جمموعها هذا املركب مبعىن علِم زيد‪ .‬أخذان من علِم‪ ،‬أخذان‬
‫من صفة العلم فـ صار مبعىن كان أي ثبت له الشيء‪ ،‬ثبوت املطلق‪ .‬لو قلنا‪ :‬ثبت له العلم‪ ،‬لو أخذان من علِم صفة‬
‫العلم وكانت مبع ىن كان وأردان أن تدل على التحول ليس على الكون فقط بل على أنه انتقل إىل هذا الكون فأتينا بـ‬
‫صار الذيت تدل على صريورة فكان قولك‪ :‬صار داال على كون وثبوت وحتقق على حالة منتقل إليها‪ .‬أما الكون والثبوت‬
‫فهذا معىن كان‪ ،‬وحالة منتقل إليها فهذا من حروف صار‪ ،‬فكانت صار متضمنة ملعىن كان‪ .‬وملا نقصت احلالة اليت‬
‫انتُقل إليها حيتجناها فكانت اخلرب‪ ،‬فقلنا‪ :‬صار زي ٌد‪ ،‬صار أي شيء؟ ما احتاجوا إىل أي شيء؟ فكانت انقصة‪ ،‬فقلنا‪:‬‬
‫عاملا‪ .‬صار زيد ميتا‪ ،‬من هذه أنه كائن على صفة املوت أم ال؟ ومتحقق أم ال؟ وهذا هو معىن كان زيد ميتا‪ ،‬وهذا هو‬
‫معىن مات زيد أم ال؟ هذا هو مات زيد يف "كان زيد ميتا" ثبوت املوت لزيد ومات زيد ثبوت املوت لزيد‪ ،‬هذا يف‬
‫الزمان املاضي‪ ،‬وهذا يف الزمان املاضي‪ .‬ويف "صار زيد ميتا " ثبوت املوت لزيد هو أمر زائد هو أن ثبوت املوت هذا‬
‫انتُقل إليه من حالة أخرى دللنا على االنتقال على نفسه من صار وعلى الثبوت يف الزمان املاضي من هيئة صار ومن‬
‫تضمن كان وعلى احلالة منتقل إليها من اخلرب فمجموع صار زي ٌد عاملا هو علِم زيد‪ ،‬هو كان زي ٌد عاملا بعد أن كان‬
‫جاهال‪ ،‬إذا عرفت بعد أن كان جاهال كان اجملموع مبعىن صار زيد عاملا‪ ،‬أرادوا االختصار فقالوا صار زيد عاملا بدال من‬
‫أن نقول‪ :‬كان زيد عاملا بعد أن كان جاهال‪.‬‬

‫لذلك قال الشيخ هنا‪ :‬صار وهي للتحول واالنتقال‪ ،‬صيغة الكاملة‪ ،‬وهي للتحول املخرب عنه إىل املخرب به أو إىل‬
‫اخلرب‪ ،‬حنو‪ :‬صار السعر رخيصا‪ ،‬إذن انتقل السعر أو الثمن إىل الرخص أو القلة بعد أن كان عايل مرتفعا‪ ،‬فدلت صار‬
‫هنا على انتقال السعر من حالة إىل حالة‪ ،‬على نفس االنتقال‪ .‬وأما املنتقل منه فال داللة عليه واملنتقل إليه فداللة عليه‬
‫من رخيص وهو الرخص‪ .‬الصريورة قد تكون صريورات ماهية الشيء إىل ماهية أخرى أي صريورة نفس الشيء وقد‬
‫تكون صريورة الشيء من صفة للصفة أي صريورة صفة إىل الصفة‪ ،‬تقول‪ :‬كان زيد عاملا‪ ،‬هذا دل على االنتقال زيد‬
‫من صفة اجلهل إىل صفة العلم‪ ،‬وزيد هو زيد مل تتغري ماهية ومل تتغري حقيقة‪ ،‬قد تقول‪ :‬صار التني حجرا‪ ،‬صار التني‬
‫إبريقا‪ ،‬فهنا مل ينتقل التني من صفة إىل صفة وإمنا انتقل التني نفسه إىل أمر آخر وهو اإلبريق فهذه ماهية وهذه ماهية‪،‬‬
‫هذا ابلنسبة لـ صار‪ ،‬معناها تدل على انتقال ماهية الشيء أو انتقال الشيء من صفة إىل صفة‪ .‬واملثال الذي أتى‬
‫الشيخ هنا من انتقال الصفة إىل الصفة‪.‬‬

‫قال‪ :‬والثامن ليس وهو لنفي احلال عند اإلطالق‬

You might also like