Professional Documents
Culture Documents
السادسة
السادسة
ذكرنا في المحاضرة مسألة مهمة ؛وهي إنكار الفعل بإنكار فاعله ؛ وذلك بتوجيه اإلنكار
وتسليطه على الفاعل ؛فإذا قلت :أأنت تفعل ،كان غرضك تكذيب وقوع الفعل ؛ أي لن
يقع هذا الفعل لعظمة الفاعل ؛ فهو أعظم من أن يقوم به ،أو عجزه فهو عاجز عنه ،
وقدرته دونه ،أو تحقيره فنفسه ال ترقى إلى معالى األمور ؛ فهو أقل من ذلك ...كما
سبق بيانه .
ثم بين لك الشيخ أن اإلنكار التكذيبي هنا معناه النفي ؛كأنك تقول ":ليس هو بالذي
يفعل ،وليس مثله يفعل...
= ثم ذكر لك أن معنى النفي السابق ال يكون إذا بدأت بالفعل وقلت :أتفعل ؟ أال ترى
أنه من المحال إذا قلت إلنسان أَتْخ رُج في هذا الوقِت ؟ أتغِّر ُر بنفسَك ؟ أتمضي في غيِر
الطريق؟ أن يكون المعنى أنك تنكر أن يكون المخاطب بمثابة من يفعل هذا األشياء ؛
بمعنى من المحال أن تحمل اإلنكار السابق على معنى النفي الذي سبق بيانه،بمعنى نفي
أن يكون هو الفاعل ،وأن غيره قام بالفعل ،وإنما المعنى هنا أنه ينكر عليه األفعال
السابقه إنكارا توبيخيا ؛ بمعنى ما كان ينبغي أن يكون منه هذه األفعال .
وفي هذا يقول الشيخ ":وجملُة اَألمِر أَن تقدَيم االسِم َيْق تضي أَّنك َعَم دَت باِإل نكاِر ِإلى
ِت
ذا َمْن قيَل "ِإَّنه َيْف عل" أو قاَل هو "إني أفعُل" ،وأردَت ما ُتريُد ه ِإذا قلَت " :ليَس هَو
بالذي يفعُل ،وليس مثُله َيفعل" وال يكوُن هذا المعنى ِإذا بدأَت بالفعل فقلَت َ" :أتفعل؟ ".
َأال ترى أن من الُم حاَل أْن َتزعم أَّن المعنى في قوِل الرجِل لصاحبِه" :أَتْخ رُج في هذا
ِة ِت
الوق ؟ أتغِّر ُر بنفسَك ؟ أتمضي في غيِر الطريق؟ " ،أَّنه َأنَك َر أْن يكوَن بمثاب َم ن يفعُل
ذلك ،وبمْو ضِع من يجيء منه ذاَك ؛ ألَّن الِعلَم ُمحيٌط بأَّن الناَس ال ُيريدونه ،وأَّنه ال َيليُق
بالحاِل التي ُيستعمُل فيها هذا الكالُم".
= ثم ذهب إلى تأكيد إلى إثبات الفرق السابق ؛ فذكر أنه من المحال أيضا أن يكوَن
المعنى في قوِلِه جَّل وعَالَ" :أُنْلِز ُمُك ُم وَه ا َو َأْنُتْم َلَه اَك اِر ُه وَن " على معنى النفي السابق
ذكره؛ فيكون المعنى لسنا بمثابة من يفعل هذا ،وأن غيرنا يستطيع القيام به ،وإنما على
نفي الفعل من أساسه.يقول الشيخ ":وكذلك ُمحاٌل أن يكوَن المعنى في قوِلِه جَّل وعَال:
"َأُنْلِز ُمُك ُم وَه ا َو َأْنُتْم َلَه اَك اِر ُه وَن " ،أَّنا لْس نا بمثابِة َمْن يجيُء منه هذا اإللزاُم ،وَأَّن غيَر نا
َمْن َيفعله ،جَّل اهلل تعالى".
= نخلص إلى إثبات ما قرره الشيخ في مطلع حديثه عن التقديم أن له فائدة ؛ وليس
تقديم االسم كتقديم الفعل ؛ حيث ثبت لك بالدليل أن تسليط اإلنكار على الفاعل ليس
كتسليطه على الفعل .
=هذا ثم استطرد الشيخ إلى مسألة أخرى:
قد يتوهم أحدنا في الفعل أنه يحتمل النفي السابق ؛ بمعنى نفي الفعل عن الفاعل ،أي
لن يكون منه فعل ،ويخيل إليك نفي الفعل بالكلية ،فإذا تحققت ثبت لك أن الفعل
ممكن حصوله من الفاعل ،لكنك تمنعه منه ،إذا ُيتصور ال منع إال لمن هو قادر .
بيان ذلك أن قول الشاعر" أيقتُلني والمشرفُّي ُمضاِج عي" يجوز أن يكون بمعنى أن مثله
لن يكون منه فعل ؛ ألنه ذكر قبلهِ ":لَيْق ُتَلِني والمرُء ليَس بقَّتاِل " ثم تجده ذكربعده ما
يدفع به الفعل " والمشرفُّي ُمضاِج عي" ،وال يتصور منع لفعل إال لمن هو قادر عليه .ال
ممن هو منه محال أو عاجز عنه ،وفي هذا يقول الشيخ:
"وقد َيتوَّه ُم المتوهُم في الشيِء ِم ن ذلك أنه يحتمُل ،فِإ ذا َنَظر لم َيْح تمل ،فِم ْن ذلك
قوُله:
أيقتُلني والمشرفُّي ُمضاِج عي"
وقد َيظُّن الظاُّن أنه َيجوز أن يكوَن في معنى أنه ليس بالذي َيجيء منه أن َيْق تَل مْثلي،
وَيتعَّلق بأنه قاَل َقْبُل:
َيِغُّط َغطيَط الَبكر ُش َّد ِخ َناُقُه ِ ...لَيْق ُتَلِني والمر لي بقَّتاِل
ُء َس
ولكنُه ِإذا نَظر َعِلَم أَّنه ال َيجوز ،وذاَك ألنه قاَل " :والمشرفُّي مضاِج عي" فذَك َر ما يكوُن
َم ْنعًا مَن الفعل ،ومحاٌل أن يقوَل " :هو مَّم ْن ال َيجيُء منه الفعُل" ،ثم يقوُل ِ" :إني َأمنُعُه"،
2
ألَّن الَم ْنَع ُيَتَص َّو ر فيمن َيجيُء منه الفعُل ،وَم ع َمْن َيِص ُّح منه ،ال َمْن هو منه ُمحاٌل ،وَمن
هو نفسه عنه عاجز ،فاعرفه.
3