You are on page 1of 3

‫= عود إلى بيان الفرق بين تقديم االسم وتقديم المضارع ‪:‬‬

‫ذكرنا في المحاضرة مسألة مهمة ؛وهي إنكار الفعل بإنكار فاعله ؛ وذلك بتوجيه اإلنكار‬
‫وتسليطه على الفاعل ؛فإذا قلت‪ :‬أأنت تفعل ‪،‬كان غرضك تكذيب وقوع الفعل ؛ أي لن‬
‫يقع هذا الفعل لعظمة الفاعل ؛ فهو أعظم من أن يقوم به ‪ ،‬أو عجزه فهو عاجز عنه ‪،‬‬
‫وقدرته دونه ‪ ،‬أو تحقيره فنفسه ال ترقى إلى معالى األمور ؛ فهو أقل من ذلك ‪...‬كما‬
‫سبق بيانه ‪.‬‬
‫ثم بين لك الشيخ أن اإلنكار التكذيبي هنا معناه النفي ؛كأنك تقول ‪":‬ليس هو بالذي‬
‫يفعل ‪ ،‬وليس مثله يفعل‪...‬‬
‫= ثم ذكر لك أن معنى النفي السابق ال يكون إذا بدأت بالفعل وقلت ‪:‬أتفعل ؟ أال ترى‬
‫أنه من المحال إذا قلت إلنسان أَتْخ رُج في هذا الوقِت ؟ أتغِّر ُر بنفسَك ؟ أتمضي في غيِر‬
‫الطريق؟ أن يكون المعنى أنك تنكر أن يكون المخاطب بمثابة من يفعل هذا األشياء ؛‬
‫بمعنى من المحال أن تحمل اإلنكار السابق على معنى النفي الذي سبق بيانه‪،‬بمعنى نفي‬
‫أن يكون هو الفاعل ‪ ،‬وأن غيره قام بالفعل‪ ،‬وإنما المعنى هنا أنه ينكر عليه األفعال‬
‫السابقه إنكارا توبيخيا ؛ بمعنى ما كان ينبغي أن يكون منه هذه األفعال ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول الشيخ ‪ ":‬وجملُة اَألمِر أَن تقدَيم االسِم َيْق تضي أَّنك َعَم دَت باِإل نكاِر ِإلى‬
‫ِت‬
‫ذا َمْن قيَل "ِإَّنه َيْف عل" أو قاَل هو "إني أفعُل"‪ ،‬وأردَت ما ُتريُد ه ِإذا قلَت ‪" :‬ليَس هَو‬
‫بالذي يفعُل‪ ،‬وليس مثُله َيفعل" وال يكوُن هذا المعنى ِإذا بدأَت بالفعل فقلَت ‪َ" :‬أتفعل؟ "‪.‬‬
‫َأال ترى أن من الُم حاَل أْن َتزعم أَّن المعنى في قوِل الرجِل لصاحبِه‪" :‬أَتْخ رُج في هذا‬
‫ِة‬ ‫ِت‬
‫الوق ؟ أتغِّر ُر بنفسَك ؟ أتمضي في غيِر الطريق؟ "‪ ،‬أَّنه َأنَك َر أْن يكوَن بمثاب َم ن يفعُل‬
‫ذلك‪ ،‬وبمْو ضِع من يجيء منه ذاَك ؛ ألَّن الِعلَم ُمحيٌط بأَّن الناَس ال ُيريدونه‪ ،‬وأَّنه ال َيليُق‬
‫بالحاِل التي ُيستعمُل فيها هذا الكالُم‪".‬‬
‫= ثم ذهب إلى تأكيد إلى إثبات الفرق السابق ؛ فذكر أنه من المحال أيضا أن يكوَن‬
‫المعنى في قوِلِه جَّل وعَال‪َ" :‬أُنْلِز ُمُك ُم وَه ا َو َأْنُتْم َلَه اَك اِر ُه وَن " على معنى النفي السابق‬
‫ذكره؛ فيكون المعنى لسنا بمثابة من يفعل هذا ‪ ،‬وأن غيرنا يستطيع القيام به ‪ ،‬وإنما على‬
‫نفي الفعل من أساسه‪.‬يقول الشيخ ‪":‬وكذلك ُمحاٌل أن يكوَن المعنى في قوِلِه جَّل وعَال‪:‬‬
‫"َأُنْلِز ُمُك ُم وَه ا َو َأْنُتْم َلَه اَك اِر ُه وَن " ‪ ،‬أَّنا لْس نا بمثابِة َمْن يجيُء منه هذا اإللزاُم‪ ،‬وَأَّن غيَر نا‬
‫َمْن َيفعله‪ ،‬جَّل اهلل تعالى‪".‬‬
‫= نخلص إلى إثبات ما قرره الشيخ في مطلع حديثه عن التقديم أن له فائدة ؛ وليس‬
‫تقديم االسم كتقديم الفعل ؛ حيث ثبت لك بالدليل أن تسليط اإلنكار على الفاعل ليس‬
‫كتسليطه على الفعل ‪.‬‬
‫=هذا ثم استطرد الشيخ إلى مسألة أخرى‪:‬‬
‫قد يتوهم أحدنا في الفعل أنه يحتمل النفي السابق ؛ بمعنى نفي الفعل عن الفاعل ‪ ،‬أي‬
‫لن يكون منه فعل ‪ ،‬ويخيل إليك نفي الفعل بالكلية ‪ ،‬فإذا تحققت ثبت لك أن الفعل‬
‫ممكن حصوله من الفاعل ‪ ،‬لكنك تمنعه منه ‪ ،‬إذا ُيتصور ال منع إال لمن هو قادر ‪.‬‬
‫بيان ذلك أن قول الشاعر" أيقتُلني والمشرفُّي ُمضاِج عي" يجوز أن يكون بمعنى أن مثله‬
‫لن يكون منه فعل ؛ ألنه ذكر قبله‪ِ ":‬لَيْق ُتَلِني والمرُء ليَس بقَّتاِل " ثم تجده ذكربعده ما‬
‫يدفع به الفعل " والمشرفُّي ُمضاِج عي"‪ ،‬وال يتصور منع لفعل إال لمن هو قادر عليه ‪.‬ال‬
‫ممن هو منه محال أو عاجز عنه ‪ ،‬وفي هذا يقول الشيخ‪:‬‬
‫"وقد َيتوَّه ُم المتوهُم في الشيِء ِم ن ذلك أنه يحتمُل‪ ،‬فِإ ذا َنَظر لم َيْح تمل‪ ،‬فِم ْن ذلك‬
‫قوُله‪:‬‬
‫أيقتُلني والمشرفُّي ُمضاِج عي"‬
‫وقد َيظُّن الظاُّن أنه َيجوز أن يكوَن في معنى أنه ليس بالذي َيجيء منه أن َيْق تَل مْثلي‪،‬‬
‫وَيتعَّلق بأنه قاَل َقْبُل‪:‬‬
‫َيِغُّط َغطيَط الَبكر ُش َّد ِخ َناُقُه ‪ِ ...‬لَيْق ُتَلِني والمر لي بقَّتاِل‬
‫ُء َس‬
‫ولكنُه ِإذا نَظر َعِلَم أَّنه ال َيجوز‪ ،‬وذاَك ألنه قاَل ‪" :‬والمشرفُّي مضاِج عي" فذَك َر ما يكوُن‬
‫َم ْنعًا مَن الفعل‪ ،‬ومحاٌل أن يقوَل ‪" :‬هو مَّم ْن ال َيجيُء منه الفعُل"‪ ،‬ثم يقوُل ‪ِ" :‬إني َأمنُعُه"‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ألَّن الَم ْنَع ُيَتَص َّو ر فيمن َيجيُء منه الفعُل‪ ،‬وَم ع َمْن َيِص ُّح منه‪ ،‬ال َمْن هو منه ُمحاٌل ‪ ،‬وَمن‬
‫هو نفسه عنه عاجز‪ ،‬فاعرفه‪.‬‬

‫‪3‬‬

You might also like