You are on page 1of 3

‫القول في تقديم المفعول في االستفهام اإلنكاري ‪:‬‬

‫وهنا تحدث الشيخ عن تسليط االستفهام اإلنكاري على ذات المفعول ؛ وذكر أن تقديم‬
‫المفعول ليس كتأخيره ؛ فإذا قلت ‪ ":‬أزيدا ضربت " كنت قد أنكرت أن يقع الضرب‬
‫على زيد ‪ ،‬كأنك تجعل وقوع الفعل على هذا المفعول محاال‪.‬فمثل هذا المفعول بمثابة‬
‫أال يقع عليه ضرب أو يجترأ عليه أحد ‪ .‬وعلى هذا النحو جاء قوله ـ تعالى ـ ‪ُ":‬قْل َأَغْيَر‬
‫الَّلِه َأَّتِخ ُذ َو ِلًّيا"‪ ،‬وقولِه عَّز َو َج َل‪ُ" :‬قْل َأَر َأْيَتُك ْم ِإْن َأَتاُك ْم َعَذ اُب الَّلِه َأْو َأَتْتُك ُم الَّس اَعُة‬
‫َأَغْيَر الَّلِه َتْد ُعوَن "‬
‫ثم أخذ الشيخ يبّين لك الفرق بين تقديم المفعول وتقديم الفعل ؛ فإذا قلت ‪ :‬أأتخذ‬
‫وليا غير اهلل بتقديم الفعل في قوله ـ تعالى ـ "َأَغْيَر الَّلِه َأَّتِخ ُذ َو ِلًّيا"كنت وجهت اإلنكار‬
‫إلى ذات الفعل دون أن تتعرض للمفعول بشيء ؛ وعليه يكون المعنى لن أتخذ غير اهلل‬
‫وليا ‪ ،‬ولم يكن هناك تعرض لذات المفعول بإنكار أو توبيخ البتة ‪ ،‬ولم يكن هناك مانع‬
‫أن يكون غير اهلل بمثابة أن يتخذ وليا ‪ ،‬لكنك اتخذت اهلل وليا من دونهم ‪ ،‬وهو فرق‬
‫دقيق فافهمه‪.‬‬
‫أما في صورة تقديم المفعول فإنك تعرضت له باإلنكار‪ ،‬والتوبيخ والذم ؛ وكأنه ال‬
‫يرضى عاقل ‪ ،‬وال يصدق مصدق أن أحدا غير اهلل بمثابة أن يتخذ وليا ‪.‬‬

‫يقول الشيخ‪ ":‬واعلْم أَّن حاَل المفعوِل فيما ذكرنا كحاِل الفاعِل ‪ ،‬أعني تقديَم اسِم‬
‫المفعول َيقتضي أْن يكوَن اإلنكاُر في طريق اِإل حالة والمنِع ِم ْن أن يكوَن ‪ ،‬بمثابِة َأَّن ُيوَقع‬
‫به مثُل ذلك الفعُل‪ ،‬فِإ ذا قْلَت ‪" :‬أزيدًا تضرُب ؟ "‪ ،‬كنَت قد َأنكْر َت أن يكوَن "زيٌد " بمثابة‬
‫أن ُيضَر َب ‪َ ،‬أو بموضٍع أن ُيْج ترَأ عليه وُيْس َتجاَز ذلك فيه‪ ،‬وِم ن َأْج ل ذلك ُقِّد َم "غير" في‬
‫قولِه تعالى‪ُ{ :‬قْل َأَغْيَر الَّلِه َأَّتِخ ُذ َو ِلًّيا} [األنعام‪ ]14 :‬وقولِه عَّز َو َج َل‪ُ{ :‬قْل َأَر َأْيَتُك ْم ِإْن‬
‫َأَتاُك ْم َعَذ اُب الَّلِه َأْو َأَتْتُك ُم الَّس اَعُة َأَغْيَر الَّلِه َتْد ُعوَن } [األنعام‪ ، ]40 :‬وكان له من‬
‫الُحْس ن والمزَّية والفخامة‪ ،‬ما َتعلُم أنه ال يكوُن لو ُأِّخ َر فقيَل‪" :‬قْل أأتخذ غير اهلل ولًيا"‪ .‬و‬
‫"أتدعون غيَر اهلل؟ " وذلك ألنه قد حَص ل بالتقديم معنى قولك‪" :‬أيكون غير اهلل بمثابة أن‬
‫يتخذ وليًا؟ وَأيْر ضى عاقٌل ِم ْن نفسِه أْن يفعَل ذلك؟ وأيكوُن جهٌل أجهَل وعّم ى أعمى من‬
‫ذلك؟ "‪ ،‬وال يكوُن شي ِم ن ذلك ِإذا قي ‪" :‬أأَّتِخ ُذ غي اهلل وليًا"‪ .‬وذلك ألَّنه حينئٍذ‬
‫َر‬ ‫َل‬ ‫ٌء‬
‫َيَتناوُل الفعَل أن يكوَن فقط‪ ،‬وال َيزيد على ذلك‪ ،‬فاعرْفه‪".‬‬
‫= وعلى شاكلة ما سبق من توجيه اإلنكار للمفعول ؛ ليحمل المعاني السابقة من التوبيخ‬
‫والذم ‪ ،‬تعرض لقوله ـ تعالى ـ ‪َ ":‬أَبَش ًر ا ِم َّنا َو اِح ًد ا َنَّتِبُعُه" ؛ فقد تسلط اإلنكار على‬
‫المفعول ؛ فالبشرعندهم ليس بمثابة أن يكون رسوال ؛ ولو توجه االستفهام للفعل فقيل‬
‫‪ ":‬أنتبع بشرا" لكان اإلنكار للفعل ‪ ،‬دون التعرض للمفعول بشيء ؛ ويكون المعنى لن‬
‫نتبع بشرا ‪ ،‬ولم يكن في الكالم إشارة إلى مراد الكافرين من الرسول ال يكون بشرا ‪،‬‬
‫فيفهم منه جواز أن يكون الرسول بشرا ‪ ،‬كما يجوز أن يكون ملكا عنهم ؛ لكنهم‬
‫للبشر مكذبون ‪ ،‬ولغيرهم متبعون ‪.‬‬
‫يقول الشيخ‪":‬وكذلك الحْك ُم في قوِلِه َتعالى‪َ{ :‬فَق اُلوا َأَبَش ًر ا ِم َّنا َو اِح ًد ا َنَّتِبُعُه} [القمر‪:‬‬
‫‪ ،2 ]24‬وذلك ألنهم ُكْف َر هم على َأَّن َمْن كان مْثَلهم َبَش رًا‪ ،‬لم يُك ن بمثابِة أْن ُيَّتبع‬
‫وُيطاع‪ ،‬وُيْنَتَه ى ِإلى ما َيْأمر‪ ،‬وُيصَّد َق َأنه مبعوٌث مَن اهلل تعالى‪ ،‬وأنهم مأمورون بطاعتِه‪،‬‬
‫كما جاء في اُألخرى‪ِ{ :‬إْن َأْنُتْم ِإاَّل َبَش ٌر ِم ْثُلَنا ُتِر يُد وَن َأْن َتُصُّد وَنا} [إبراهيم‪، ]10 :‬‬
‫وكقوله عَّز وجَّل {َما َه َذ ا ِإاَّل َبَش ٌر ِم ْثُلُك ْم ُيِر يُد َأْن َيَتَف َّضَل َعَلْيُك ْم َو َلْو َش اَء الَّلُه َأَلْنَز َل‬
‫َم الِئَك ًة} ‪.‬‬
‫=وعلى غرار ما سبق جاءت تلك الشواهد ‪:‬‬
‫ِس‬ ‫ٍء‬ ‫ِه ِغ‬
‫‪1‬ـ "ُقْل َأَغْيَر الَّل َأْب ي َر ًّبا َو ُه َو َر ُّب ُك ِّل َش ْي َو اَل َتْك ُب ُك ُّل َنْف ٍس ِإاَّل َعَلْيَه ا َو اَل َتِز ُر‬
‫َو اِز َر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى ُثَّم ِإَلى َر ِّبُك ْم َمْر ِج ُعُك ْم َفُيَنِّبُئُك ْم ِبَم ا ُك ْنُتْم ِفيِه َتْخ َتِلُف وَن "‬
‫‪2‬ـ"َقاَل َأَغْيَر الَّلِه َأْبِغيُك ْم ِإَلًه ا َو ُه َو َفَّضَلُك ْم َعَلى اْلَعاَلِم يَن "‬
‫‪َ"3‬أَفَغْيَر الَّلِه َأْبَتِغي َح َك مًا"‬
‫= ثم ختم الشيخ حديثه فقال ‪ ":‬فهذا هو القوُل في الَّضرِب اَألول‪ ،‬وهو أن يكوَن‬
‫‪2‬‬
‫"َيْف عُل" َبعد الهمزة ِلفعٍل لم يكن‪" .‬‬
‫أراد بذلك كل ماسبق ذكره كان خاصا بالمضارع الذي يقع بعد ؛ وقد سبق أن عرفت‬
‫جميع أحكامه‬
‫= بعد ذلك انتقل الشيح للحديث عن الفعل المضارع الموجود ؛ بمعنى أن الفعل‬
‫كائن ‪ ،‬فإذا دخل االستفهام عليه كان المعنى شبيها بما سبق في الماضي ‪ ،‬وكان تقديم‬
‫االسم ألحد أمرين ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن يقر المخاطب أنه الفاعل ؛ ومنه قوُلك للرجل َيْبغي وَيْظِلُم‪َ" :‬أأنت تجيُء إلى‬
‫الَّضعيف فتغصُب ماَله؟ "‪" ،‬أأنَت َتْز ُعم أَّن األمَر َك ْيَت وَك يَت ؟ " وعلى ذلك قوُله تعالى‪:‬‬
‫{َأَفَأْنَت ُتْك ِر ُه الَّناَس َح َّتى َيُك وُنوا ُمْؤ ِم ِنين‬
‫‪2‬ـ إنكار أن يكون هو الفاعل ؛ ومنه ‪َ ":‬أُه ْم َيْق ِس ُم وَن َر ْح َم َت َر ِّبَك "‬
‫وفي ذلك يقول الشيخ ‪:‬‬
‫وأما الضرُب الثاني‪ ،‬وهو أن يكوَن "َيْف َعل" لفعٍل موجوٍد ‪ ،‬فإَّن تقديَم االسم َيقتضي َش َبهًا‬
‫بما اقتضاُه في "الماضي"‪ ،‬مَن األخذ بأن ُيقَّر أنه الفاعُل‪ ،‬أو اِإل نكاُر أَن يكوَن الفاعل‪.‬‬
‫فمثاُل األَّو ِل قوُلك للرجل َيْبغي وَيْظِلُم‪َ" :‬أأنت تجيُء إلى الَّضعيف فتغصُب ماَله؟ "‪،‬‬
‫"أأنَت َتْز ُعم أَّن األمَر َك ْيَت وَك يَت ؟ " وعلى ذلك قوُله تعالى‪َ{ :‬أَفَأْنَت ُتْك ِر ُه الَّناَس َح َّتى‬
‫َيُك وُنوا ُمْؤ ِم ِنين} [يونس‪. ]99 :‬ومثال الثاني‪َ{ :‬أُه ْم َيْق ِس ُم وَن َر ْح َم َت َر ِّبَك } [الزخرف‪:‬‬
‫‪. ]32‬‬

‫‪3‬‬

You might also like