Professional Documents
Culture Documents
الثامنة
الثامنة
وهنا تحدث الشيخ عن تسليط االستفهام اإلنكاري على ذات المفعول ؛ وذكر أن تقديم
المفعول ليس كتأخيره ؛ فإذا قلت ":أزيدا ضربت " كنت قد أنكرت أن يقع الضرب
على زيد ،كأنك تجعل وقوع الفعل على هذا المفعول محاال.فمثل هذا المفعول بمثابة
أال يقع عليه ضرب أو يجترأ عليه أحد .وعلى هذا النحو جاء قوله ـ تعالى ـ ُ":قْل َأَغْيَر
الَّلِه َأَّتِخ ُذ َو ِلًّيا" ،وقولِه عَّز َو َج َلُ" :قْل َأَر َأْيَتُك ْم ِإْن َأَتاُك ْم َعَذ اُب الَّلِه َأْو َأَتْتُك ُم الَّس اَعُة
َأَغْيَر الَّلِه َتْد ُعوَن "
ثم أخذ الشيخ يبّين لك الفرق بين تقديم المفعول وتقديم الفعل ؛ فإذا قلت :أأتخذ
وليا غير اهلل بتقديم الفعل في قوله ـ تعالى ـ "َأَغْيَر الَّلِه َأَّتِخ ُذ َو ِلًّيا"كنت وجهت اإلنكار
إلى ذات الفعل دون أن تتعرض للمفعول بشيء ؛ وعليه يكون المعنى لن أتخذ غير اهلل
وليا ،ولم يكن هناك تعرض لذات المفعول بإنكار أو توبيخ البتة ،ولم يكن هناك مانع
أن يكون غير اهلل بمثابة أن يتخذ وليا ،لكنك اتخذت اهلل وليا من دونهم ،وهو فرق
دقيق فافهمه.
أما في صورة تقديم المفعول فإنك تعرضت له باإلنكار ،والتوبيخ والذم ؛ وكأنه ال
يرضى عاقل ،وال يصدق مصدق أن أحدا غير اهلل بمثابة أن يتخذ وليا .
يقول الشيخ ":واعلْم أَّن حاَل المفعوِل فيما ذكرنا كحاِل الفاعِل ،أعني تقديَم اسِم
المفعول َيقتضي أْن يكوَن اإلنكاُر في طريق اِإل حالة والمنِع ِم ْن أن يكوَن ،بمثابِة َأَّن ُيوَقع
به مثُل ذلك الفعُل ،فِإ ذا قْلَت " :أزيدًا تضرُب ؟ " ،كنَت قد َأنكْر َت أن يكوَن "زيٌد " بمثابة
أن ُيضَر َب َ ،أو بموضٍع أن ُيْج ترَأ عليه وُيْس َتجاَز ذلك فيه ،وِم ن َأْج ل ذلك ُقِّد َم "غير" في
قولِه تعالىُ{ :قْل َأَغْيَر الَّلِه َأَّتِخ ُذ َو ِلًّيا} [األنعام ]14 :وقولِه عَّز َو َج َلُ{ :قْل َأَر َأْيَتُك ْم ِإْن
َأَتاُك ْم َعَذ اُب الَّلِه َأْو َأَتْتُك ُم الَّس اَعُة َأَغْيَر الَّلِه َتْد ُعوَن } [األنعام ، ]40 :وكان له من
الُحْس ن والمزَّية والفخامة ،ما َتعلُم أنه ال يكوُن لو ُأِّخ َر فقيَل" :قْل أأتخذ غير اهلل ولًيا" .و
"أتدعون غيَر اهلل؟ " وذلك ألنه قد حَص ل بالتقديم معنى قولك" :أيكون غير اهلل بمثابة أن
يتخذ وليًا؟ وَأيْر ضى عاقٌل ِم ْن نفسِه أْن يفعَل ذلك؟ وأيكوُن جهٌل أجهَل وعّم ى أعمى من
ذلك؟ " ،وال يكوُن شي ِم ن ذلك ِإذا قي " :أأَّتِخ ُذ غي اهلل وليًا" .وذلك ألَّنه حينئٍذ
َر َل ٌء
َيَتناوُل الفعَل أن يكوَن فقط ،وال َيزيد على ذلك ،فاعرْفه".
= وعلى شاكلة ما سبق من توجيه اإلنكار للمفعول ؛ ليحمل المعاني السابقة من التوبيخ
والذم ،تعرض لقوله ـ تعالى ـ َ ":أَبَش ًر ا ِم َّنا َو اِح ًد ا َنَّتِبُعُه" ؛ فقد تسلط اإلنكار على
المفعول ؛ فالبشرعندهم ليس بمثابة أن يكون رسوال ؛ ولو توجه االستفهام للفعل فقيل
":أنتبع بشرا" لكان اإلنكار للفعل ،دون التعرض للمفعول بشيء ؛ ويكون المعنى لن
نتبع بشرا ،ولم يكن في الكالم إشارة إلى مراد الكافرين من الرسول ال يكون بشرا ،
فيفهم منه جواز أن يكون الرسول بشرا ،كما يجوز أن يكون ملكا عنهم ؛ لكنهم
للبشر مكذبون ،ولغيرهم متبعون .
يقول الشيخ":وكذلك الحْك ُم في قوِلِه َتعالىَ{ :فَق اُلوا َأَبَش ًر ا ِم َّنا َو اِح ًد ا َنَّتِبُعُه} [القمر:
،2 ]24وذلك ألنهم ُكْف َر هم على َأَّن َمْن كان مْثَلهم َبَش رًا ،لم يُك ن بمثابِة أْن ُيَّتبع
وُيطاع ،وُيْنَتَه ى ِإلى ما َيْأمر ،وُيصَّد َق َأنه مبعوٌث مَن اهلل تعالى ،وأنهم مأمورون بطاعتِه،
كما جاء في اُألخرىِ{ :إْن َأْنُتْم ِإاَّل َبَش ٌر ِم ْثُلَنا ُتِر يُد وَن َأْن َتُصُّد وَنا} [إبراهيم، ]10 :
وكقوله عَّز وجَّل {َما َه َذ ا ِإاَّل َبَش ٌر ِم ْثُلُك ْم ُيِر يُد َأْن َيَتَف َّضَل َعَلْيُك ْم َو َلْو َش اَء الَّلُه َأَلْنَز َل
َم الِئَك ًة} .
=وعلى غرار ما سبق جاءت تلك الشواهد :
ِس ٍء ِه ِغ
1ـ "ُقْل َأَغْيَر الَّل َأْب ي َر ًّبا َو ُه َو َر ُّب ُك ِّل َش ْي َو اَل َتْك ُب ُك ُّل َنْف ٍس ِإاَّل َعَلْيَه ا َو اَل َتِز ُر
َو اِز َر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى ُثَّم ِإَلى َر ِّبُك ْم َمْر ِج ُعُك ْم َفُيَنِّبُئُك ْم ِبَم ا ُك ْنُتْم ِفيِه َتْخ َتِلُف وَن "
2ـ"َقاَل َأَغْيَر الَّلِه َأْبِغيُك ْم ِإَلًه ا َو ُه َو َفَّضَلُك ْم َعَلى اْلَعاَلِم يَن "
َ"3أَفَغْيَر الَّلِه َأْبَتِغي َح َك مًا"
= ثم ختم الشيخ حديثه فقال ":فهذا هو القوُل في الَّضرِب اَألول ،وهو أن يكوَن
2
"َيْف عُل" َبعد الهمزة ِلفعٍل لم يكن" .
أراد بذلك كل ماسبق ذكره كان خاصا بالمضارع الذي يقع بعد ؛ وقد سبق أن عرفت
جميع أحكامه
= بعد ذلك انتقل الشيح للحديث عن الفعل المضارع الموجود ؛ بمعنى أن الفعل
كائن ،فإذا دخل االستفهام عليه كان المعنى شبيها بما سبق في الماضي ،وكان تقديم
االسم ألحد أمرين :
1ـ أن يقر المخاطب أنه الفاعل ؛ ومنه قوُلك للرجل َيْبغي وَيْظِلُمَ" :أأنت تجيُء إلى
الَّضعيف فتغصُب ماَله؟ "" ،أأنَت َتْز ُعم أَّن األمَر َك ْيَت وَك يَت ؟ " وعلى ذلك قوُله تعالى:
{َأَفَأْنَت ُتْك ِر ُه الَّناَس َح َّتى َيُك وُنوا ُمْؤ ِم ِنين
2ـ إنكار أن يكون هو الفاعل ؛ ومنه َ ":أُه ْم َيْق ِس ُم وَن َر ْح َم َت َر ِّبَك "
وفي ذلك يقول الشيخ :
وأما الضرُب الثاني ،وهو أن يكوَن "َيْف َعل" لفعٍل موجوٍد ،فإَّن تقديَم االسم َيقتضي َش َبهًا
بما اقتضاُه في "الماضي" ،مَن األخذ بأن ُيقَّر أنه الفاعُل ،أو اِإل نكاُر أَن يكوَن الفاعل.
فمثاُل األَّو ِل قوُلك للرجل َيْبغي وَيْظِلُمَ" :أأنت تجيُء إلى الَّضعيف فتغصُب ماَله؟ "،
"أأنَت َتْز ُعم أَّن األمَر َك ْيَت وَك يَت ؟ " وعلى ذلك قوُله تعالىَ{ :أَفَأْنَت ُتْك ِر ُه الَّناَس َح َّتى
َيُك وُنوا ُمْؤ ِم ِنين} [يونس. ]99 :ومثال الثانيَ{ :أُه ْم َيْق ِس ُم وَن َر ْح َم َت َر ِّبَك } [الزخرف:
. ]32
3