Professional Documents
Culture Documents
تقوم "الدولة" وفقا ً لقواعد القانون الدولي المعاصر على أركان ثالثة (شعب – ُ
سلطة –
إقليم ) و بمجرد قيامها تكتسب صفة "الشخصية القانونية الدولية " حيث تصبح شخصا ً من
أشخاصه و بما يسمح لها التمتع بالحقوق المقررة لها في هذا القانون ,و الزامها بالواجبات
المنصوص عليها فيه.
و من أهم الحقوق "التي تتمتع بها الدولة في هذا اإلطار " حقها في الوجود و البقاء و
االستقالل " ..و حقها في" الدفاع الشرعي عن نفسها " ضد كل ما يهدد أمنها ووحدتها اإلقليمية و
استقاللها السياسي ,و كذلك حقها في امتالك الوسائل و األدوات التي تمكنها من ممارسة هذه
الحقوق وفقا لقواعد هذا القانون )1(..
(انظر لالستزادة حول هذا الموضوع :د.محمد عزيز شكري – مدخل إلى القانون الدولي العام –
جامعة دمشق ط 6112 – 11ص 141و ما بعدها )
و بالمقابل فإن " الدولة " تلتزم بمجموعة من االلتزامات و الواجبات العامة و الخاصة ؛ وال
سيما االلتزام بحل منازعاتها الدولية بالطرق السلمية ,و االلتزام بعدم اللجوء إلى استخدام القوة أو
التهديد باستعمالها في عالقاتها الدولية ,و كذلك واجب "عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول
االخرى ")6(..
لعام )1441 (انظر الفقرات 7-4-3من المادة /6/من ميثاق األمم المتحدة
و تتضافر هذه "الحقوق" مع هذه "االلتزامات " المقررة بموجب قواعد القانون الدولي
المعاصر ؛ لتحقيق الهدف األسمى و الرئيسي له ,و المتجسد في "حماية و حفظ و استدامة السلم
و األمن الدوليين " بمنع األسباب التي تهددهما و بقمع المعتدي و عدوانه )3(..
(انظر الفقرة /1/من المادة /1/من ميثاق األمم المتحدة )
تعريف " قوة الدولة " و تحديد عناصرها : أوال ً :
عرف كلمة "القوة" لغويا ً بأنها ضد الضعف ,و تعني القدرة و االستطاعة و التأثير و النفوذ ,أ .ت ُ ّ
و هي مصدر الحركة و العمل ..و منها قوة اإلرادة و قوة التفكير ..الخ)4(..
(راجع لالستزادة حول معنى " القوة " :المعاجم العربية المختلفة )
و تكتسب دراسة " قوة الدولة " أهمية خاصة في العالقات الدولية و القانون الدولي ,و ذلك
بالنظر إلى أن هذه "القوة" هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي ,و
تحدد إطار عالقاتها بالقوى الخارجية أو األجنبية عنها )1(..
( د.اسماعيل صبري مقلد ..العالقات السياسية الدولية -دراسة في األصول و النظريات – المكتبة
األكاديمية -القاهرة – ط – 1441ص)..123
و كذلك ألن العالقات الدولية هي صراع من أجل "القوة" و "النفوذ" و "التأثير" ..مثلما طرح
"هانز مورغانثو" عبر مقولته ( :إن السياسة الدولية ككل هي صراع مستمر من أجل "القوة" )
)2(..
(نقالً عن د.ايمان قديح :تحول مفهوم القوة في العالقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة -رسالة
ماجستير -كلية الحقوق و العلوم السياسية – جامعة محمد بوضياف -المسيلة – الجزائر – دون
تاريخ -ص)..4
و ألن "السياسة" – بحسب منطق الميكافيليين و الواقعيين – هي "القوة " The Powerو
دراسة السياسة بهذا المضمون تعني دراسة عالقات "القوة" بين الناس (و األمم و الشعوب و
الدول ) من حيث صورها و أشكالها و النظم التي تكون معبرة بنائيا ً و وظيفيا ً عن هذه الصور و
األشكال )7(..
(د.محمد علي محمد -د.علي عبد المعطي محمد -السياسة بين النظرية و التطبيق -دار النهضة
العربية -بيروت -1491 -ص) 17
و كذلك ألن "القوة" هي التي تصنع القانون و ليس األخالق ؛ و بدون "القوة" تصبح األخالق
و القانون ال شيء ..و الدول الكبرى هي المتحكمة في هذه " القوة " و تستغلها لتوطيد مصالحها
تتماش مع القانون الدولي و األخالق الدولية )9() !!..
َ و مواقعها عبر العالم ؛ سواء تماشت أو لم
(د.محمد بو عشة -التكامل و التنازع في العالقات الدولية الراهنة -دراسة المفاهيم و النظريات -
دار الجيل -بيروت – ط - 1444- 1ص).. 116
و ألن دراسة "القوة" و تحليلها -من جميع جوانبها و صورها -سوف تعطينا أو تمنحنا
طرحت أو تطرح و القدرة و األهلية القانونية و األخالقية لكشف زيف النظريات و الشعارات التي ِ
مفادها أن " األقوى هو دائما ً على حق " كما يقول هتلر !!()4
(نقالً عن د.محمد طه بدوي -مدخل إلى علم العالقات الدولية -دار النهضة العربية -بيروت -
- 1471ص) 166
أو أن "من يملك القوة يملك القانون" ! )11( .
(د.محمد بو عشة – مرجع سابق -ص)116
و في هذا الصدد ؛ يصح القول -مبدئيا ً – أنه كلما حققت الدولة أهدافها و مصالحها في
عالقاتها الدولية المختلفة ؛ فهذا يعني أنها " قوية " بالمعنى الواسع لهذه الكلمة ..و أنه كلما كانت
الدولة " قوية " فإنها تكون قادرة على تحقيق أهدافها و مصالحها بشكل أسهل فيما لو كانت عليه
بغير هذه الصفة !.
و لكن يجب االنتباه إلى حقيقة أن امتالك الدولة لعوامل القوة المختلفة ال يعني و بشكل حتمي و
أكيد أن هذه الدولة قوية ؛ ألن عوامل القوة هذه ترتبط بالقدرة الفعلية للدولة على توظيفها توظيفا ً
سليما ً و رشيدا ً لتحقيق أهدافها ..و هكذا يعتبر ( المجال الجغرافي ) للدولة مثالً عامالً من عوامل
قوة الدولة ,و لكنه ال يعتبر سببا ً حتميا ً لقوتها من الناحية الفعلية ؛ ألن ذلك يرتبط ارتباطا ً عضويا ً
و وظيفيا ً بقدرة السلطة في الدولة على توظيفه -مع غيره من العوامل – لتشكيل و تكوين "قوة
الدولة " .
فمجرد امتالك هذه اإلمكانيات و العوامل ليس ضمانا ً في حد ذاته للحصول على القوة ,و لكن
استعمال هذه اإلمكانيات بطريقة تؤثر في سلوك الدول األخرى هو الذي يحقق هذه القوة و
يبرزها)11(..
(انظر بهذا المعنى ..د.اسماعيل صبري مقلد – مرجع سابق – ص 121و كذلك د.محمد بدوي
طه – مرجع سابق – ص)..44
و وفقا ً لما تقدم ؛ فإنه يمكننا تعريف ( القوة القومية ) للدولة على أنها تعني :
"المقدرة على التأثير في سلوك الدول األخرى بالكيفية التي تخدم أغراض الدولة الممتلكة لها ,و
بدون هذا فقد تكون الدولة كبيرة أو غنية أو عظيمة ولكنها ليست قوية " ()16
(د.اسماعيل صبري مقلد – مرجع سابق – ص).. 121
ب -عناصر و مكونات القوة القومية للدولة :
تتكون قوة الدولة من اجتماع مجموعة كبيرة من العوامل و العناصر التي تتداخل فيما بينها
تداخالً عضويا ً و وظيفيا ً ,يصعب معه فصل أو تقييم كل عنصر على حده منفصالً أو منقطعا ً عن
غيره من العناصر المكونة لقوة الدولة ..و بالتالي فتتشكل قوة الدولة من اجتماع هذه العناصر و
تعاضدها مع بعضها البعض بنسب مختلفة فيما بينها ..و يبقى لعنصر "القوة العسكرية" للدولة
الدور الريادي في تقييم قوة الدولة و تقدير مدى نجاحها أو فشلها في عالقاتها الدولية من حيث
قدرتها على توظيف هذا العنصر في خدمة مصالحها و تحقيق أهدافها سواء لجهة استعماله فعليا ً
أو التهديد باستخدامه لترهيب خصومها من الدول األخرى و اجبارها على اإلنصياع إلى مطالبها
و نفوذها ..
و عطفا ً على ذلك ؛ فإن فهم األسلوب الذي تتعامل به الدول مع بعضها البعض ؛ يقتضي -
موضوعيا ً -إدراك و فهم عدة أشياء أساسية تتعلق بأوضاع السياسة الخارجية لكل دولة على
النحو التالي :
-1األهداف التي تسعى الدولة إلى تحقيقها..
-6مدى القوة التي في متناولها (تمتلكها) إلخراج تلك األهداف من الحيز النظري المجرد إلى
الواقع المادي ..أو بمعنى آخر " التعرف على مدى التناسب بين عاملي األهداف و
اإلمكانيات ؛ ذلك أنه بمقدار هذا التناسب تتحدد مقدرة الدولة على تحقيق األهداف الخارجية
التي تقررها لنفسها " ( )13( .د.اسماعيل صبري مقلد -مرجع سابق -ص) 167
-3مدى قدرة و فعالية قواعد القانون الدولي العام على ضبط سلوكيات الدول هذه سواء لجهة
األهداف أو الوسائل ( القوة ) المستخدمة لتحقيقها..
و يبدو أن هذا ( القانون ) أمام تقديم الدول -وال سيما الكبرى منها -لمصالحها الذاتية
على االعتبارات الموضوعية له ,قد أضحى بمثابة " الدرع الورقي " الذي ال يقدم و ال
يٌؤخر )14( !!..
(جان بريكمون – االمبريالية بقناع إنساني ..ترجمة عبود كاسوحة -اتحاد الكتاب العرب
-سلسلة الترجمة ( - 6114 )1ص )..112
و الذي ال حول له وال قوة أمام سلوكيات هذه الدول و تصرفاتها على الصعيد الدولي !!..
و تتكون عناصر القوة القومية للدولة مما يلي :
ثانيا :تعريف "القوة الناعمة "Soft Powerو تحديد عناصرها و أسباب اللجوء إليها :
لعلنا ال نبالغ إذ قلنا بأننا نمتلك – تاريخيا ً و عمليا ً – كنوزا ً و تراثا ً هائالً من مصادر ( القوة
الناعمة ) تتجسد أساسا ً في اعتبار "الجغرافية الطبيعية" التي نعيش فوق رحابها :مهدا ً للديانات
السماوية الثالث و خاتمتها الشريعة اإلسالمية و بما تحمله من قيم ربانية و أخالق إنسانية رفيعة و
دعوات للحوار و السالم و المحبة و التآخي و التعارف و التعاون و إعمار األرض باألخالق و
الفضائل و بما يفيد البشر وينفعهم ..
و كذلك في هذا التراث الثقافي و الحضاري و األخالقي و المعرفي ,الذي أنتجته الشعوب
العربية على تعاقب األجيال بكل مكوناتها و فئاتها و أديانها ..و كذلك في التعايش المشترك بين
أفراد المجتمعات العربية بغض النظر عن انتماءاتهم و مذاهبهم و طوائفهم ..و التي تعطي
نموذجا ً حضاريا ً رائعا ً في التعارف و المحبة وإرادة الحياة..
كل هذه العوامل و المصادر تدفعنا إلى التمسك بها و إحيائها و تفعيلها و توظيفها خدمةً
لمصالحنا و أهدافنا ,إضافة إلى توليد مصادر جديدة من واقعنا و حياتنا لتأكيد جدارتنا بالوجود و
الحياة و السيادة القائمة على السالم و التعاون و االحترام المتبادل ..
و هذا موضوع مهم و حيوي سنتابعه في أبحاث اخرى إن شاء الله تعالى ...