You are on page 1of 11

‫القوة الناعمة كأداة للسياسة العالمية‬

‫مقدمة‬

‫لعل مفهوم القوة هو أبرز مفاهيم السياسية الخارجية خاصة‪ ،‬والعالقات الدولية عامة‪ ،‬فقوة الدولة‬
‫مؤش ًار هامًا ما إذا كانت أهدافها المتعلقة بالسياسية الخارجية قابلة للتحقيق أم محض أمنيات‪،‬‬
‫وليس بخفى على أحد سباقات إحراز القوة بين الدول قديماً وحديثاً‪ ،‬فمن الصراع على تكوين‬
‫الجيوش عظيمة العدد والعتاد‪ ،‬إلى السباق على امتالك القوة البحرية‪ ،‬فاألسلحة الصاروخية‬
‫والمتطورة‪ ،‬إلى امتالك القوة النووية‪ ،‬وكل هذه األنواع سابقة الذكر كان لها األثر فى اعتبار دولة‬
‫ما كبرى _أو بمعنى أخر قطبية_ فى السياسة الدولية من عدمه‪.‬‬

‫ولكن مع تطور المجتمعات وثقل تبعات الحروب العسكرية‪ ،‬وتكلفتها الباظهة اتجهت الدول إلى‬
‫الحفاظ على مكانتها وتطويرها شيئًا فشيئًا باستخدام أدوات حداثية دخل فيها األداة الدبلوماسية‪،‬‬
‫والثقافية‪ ،‬اإلعالمية‪ ،‬وهو ما سمى بالقوة الناعمة‪ ،‬وهنا حدثت نقلة نوعية فى القوة من الصلبة‬
‫القائمة على اإلكراه واإلجبار‪ ،‬إلى الجذب والتبعية اإلرادية التى قد تكون أكبر أث اًر‪ ،‬بل وأكثر‬
‫خط اًر‪ ،‬فإن كانت القوة الصلبة يمكن أن يمحى أثرها فى ظل إدراك الدول لها‪ ،‬والعمل على‬
‫مناهضتها والتخلص من أثارها‪ ،‬فإن القوة الناعمة تنشأ بتبعية دولة ألخرى طواعية فمصدر‬
‫الخطر غير معلوم‪ ،‬وهو ما قد يؤثر على هوية الدولة واستقالليتها فيجعلها تابعة دون أن تشعر‪،‬‬
‫ومنتهكة فكريًا دون أن تدرك‪ ،‬ومخترقة دون أن تتيقن‪.‬‬

‫ولعل القوة الناعمة كمفهوم منظر له تحت قبة العلم يعد مفهومًا حديثًا لكنه كممارسة قديمة قدم‬
‫الحضارات اإلنسانية‪ ،‬بل وقد تبلورت معالمه وتطورت لينبثق من هذا المفهوم‪ ،‬أدوات للقوة‬
‫الناعمة‪ ،‬وأسباب ظهورها واستبدالها بالقوة الصلبة‪ ،‬واستراتيجيات استخدام القوة الناعمة‪ ،‬بل‬
‫وانطلق استخدام القوة المذكور م ن الدول أى الفاعل الرسمى إلى الفواعل غير الرسمية من غير‬
‫الدول‪.‬‬

‫كما أن مفهوم القوة وصل إلى مرحلة من التعقيد والتداخل غير من شكل السياسة الخارجية فإن‬
‫كانت القوة الصلبة تعتمد على المعايير العسكرية واالقتصادية فإن القوة الناعمة هدمت حدود‬
‫الدول مخترقة إياها‪ ،‬وهو ما جعل الدول تدرك عدم جدوى القوة الصلبة فى تحقيق أهدافها‪ ،‬وهنا‬
‫أدركت الدول أهمية التعاون‪ ،‬أو طبقًا لما طرحه جوزيف ناى فى قوله "السلطة مع األخرين ال‬
‫وبناء على ما سبق ذكره ستحاول الطالبة التركيز على أهم النقاط‬
‫ً‬ ‫السلطة فوق األخرين"‪،‬‬
‫النظرية‪ ،‬لعرض مفهوم القوة الناعمة‪.‬‬
‫تعريف القوة الناعمة‬

‫ال وهو ما اتجه إليه جوزيف ناى‬


‫لتعريف مفهوم القوة الناعمة البد من التعرف على معنى القوة أو ً‬
‫فى تعريفه للقوة أنها "القدرة على عمل األشياء" أو هى " القدرة على التأثير فى سلوك األخرين‬
‫للحصول على النتائج التى يتوخاها الفرد"‪ ،‬وهى "القدرة على خلق التغيير"‪ ،‬أو "امتالك‬
‫القدرات أو الموارد التى يمكنها أن تؤثر على النتائج" “ لكن يعيب هذا التعريف أنه يجعل القوة‬
‫مادية‪ ،‬متناسبة طرديًا مع ما تملكه الدولة‪ ،‬مع أن الدولة قد ال تحقق أهدافها إذا استخدمت‬
‫مواردها بصورة سلبية أيضًا‪.‬‬

‫أما عن الوجه الثانى للقوة فهى تجعل الدول تحصل على النتائج المبتغاة دون تهديد أو دفع‬
‫رشاوى‪ ،‬بل ألن الدول األخرى معجبة بنموذج الدولة وتريد أن تسير على نهجها دون إكراه‪ ،‬وهو‬
‫ما عرفه جوزيف ناى على أنها "جعل األخرين يريدون ما تريد" أى أنها القيادة بالقدوة واجتذاب‬
‫األخرين لعمل ما تريد" فالقوة الناعمة هى "الجذب كثي ًرا ما يؤدى إلى اإلذعان" وتصبح موارد‬
‫الدولة للقوة الناعمة هى " الموجودات التى تنتج مثل هذه الجاذبية"‪ ،‬وقد تكون هذه الموجودات‬
‫متمثلة فى القيم المشتركة كالعدالة‪ ،‬ما يجعل األخرين يسايروا أهداف الدولة‪ ،‬فهى تعتمد على‬
‫ث قافة الدولة وقيمها‪ ،‬والقدرة على التالعب بجدول أعمال الخيارات السياسية بطريقة تجعل‬
‫األخرين يعجزون عن التعبير عن بعض التفضيالت ألنها تبدو بعيدة عن الواقع المشكل من‬
‫قبل‪. 1‬‬

‫كما عرف "‪ "jeong nam kim‬القوة الناعمة بأنها‪ " :‬درجة القبول والتأييد الذى تتلقاه الدولة‬
‫على المستوى المحلى بين مواطنيها وعلى المستوى العالمى بين باقى الدول"‪ ،‬فى حين‬
‫عرفها ‪ quanyi zhang‬بأنها " تلك القوة التى تؤكد استخدام األدوات الحضارية واالقتصادية‬
‫والدعائية"‪ ،‬كما عرفها ‪ wienbrenner‬بأنها " أداة الليبراليين فى تحقيق سياستهم فى حين أن‬
‫‪2‬‬
‫القوة الصلبة هى أداة الواقعيين فى فرض سياساتهم"‪.‬‬

‫وقد أشار رئيس الواليات المتحدةالسابق "أيزنهاور" سلفًا إلى القوة الناعمة فى قوله "جعل الناس‬
‫يفعلون شيئاً ليس فقط ألنك تحثهم على أن يفعلوا ذلك بل ألنهم يريدوا أن يفعلوه على نحو‬
‫غريزى من أجلك"‪ ،‬كما عرفها "نيال فرجسيون" على أنها" القوة غير التقليدية مثل السلع‬
‫الثقافية والتجارية"‬

‫‪ 1‬جوزيف ناى‪" ،‬القوة الناعمة وسيلة النجاح فى السياسة الدولية‪( ،‬المملكة العربية السعودية‪ :‬الكعبيان‪ ،)2007 ،‬ص‪:19‬ص‪63‬‬
‫‪2‬‬
‫مظفر عائض القحطانى‪ ،‬استراتيجية توظيف القوة الناعمة لتعضيد القوة الصلبة فى إدارة األزمة اإلرهابية فى المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬دكتوراة‪ ،‬جامعة نايف العربية للعلوم األمنية‪ ،‬قسم العلوم اإلدارية‪ ،2010 ،‬ص‪:69‬ص‪70‬‬
‫وقد أشار جوزيف ناى فى كتابه مستقبل القوة الناعمة إلى أنها "التأثير فى سلوك األخرين عن‬
‫طريق تشكيل أفضلياتهم بأساليب تفضى إلى ما تريده‪ ،‬عوض ًا عن استخدام أسلوب الجزرات‬
‫والعصوات لتغيير سلوكه م حينما يتحول الزخم إلى دفع مقحم"‪،‬وهو ما أشار لنفس معناه العالم‬
‫االنجليزى روبرت دال فيما سماه المالذ بأنه "القدرة على جذب األخرين للعمل بأساليب تكون‬
‫مناهضة ألفضلياتهم واستراتيجياتهم" وهو ما ينطوى على معرفة أولويات وتفضيالت األخرين‪،‬‬
‫وإلى أى مدى ساعدت السياسة المتبعة من الدولة األخرى على التأثير فى هذه التفضيالت‪،‬‬
‫ولكن هنا قد تجاهل القدرة على التأثير فى تفضيالت األخرين بالتأثير فى معتقداتهم فى حال‬
‫ناقضت أفعالهم تفضيالتهم وأولوياتهم‪ ،‬وهو ما قد يتتم من خالل التأطير المؤسسى‪ ،‬ولهذا‬
‫يوضح جوزيف ناى أن التأثير فى المعتقدات يكون بثالثة أشكال وهى‪:‬‬

‫أولا‪ :‬تأثير الدولة فى سلوك دولة أخرى بالتهديدات والمكافئات لتغيير الدولة األخرى من‬
‫تفضيالتها‪ ،‬وتصوغ سلوك ضد استراتيجياتها المحددة سلفاً‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أن تتحكم الدولة الممارسة للقوة فى جدول أعمال الدولة األخرى فتضع هى االستراتيجات‬
‫واجبة التنفيذ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ثالثاا‪ :‬تساعد الدولة فى خلق استراتيجيات وأهداف الدولة األخرى دون علم األخيرة بذلك‪.‬‬

‫الف ارق بين القوة الصلبة والقوة الناعمة‬


‫حينما يطرح الفارق ب ين القوتين سابقتى الذكر‪ ،‬تركز األدبيات الحديثة على أن القوة الناعمة‬
‫أصبحت أكثر تأثي ًار فى السياسة الخارجية للدول لما لها من إمكانية تحملها على االستمرار‪ ،‬فى‬
‫حين أن القوة الصلبة أصبحت أقل فائدة فى ظل تغير النظام العالمى‪ ،‬حيث تصاعد الترابط‬
‫االقتصادى كنتاج لل عولمة‪ ،‬وظهور الفاعلين من غير الدول فى السياسة الخارجية‪ ،‬وانتشرت‬
‫التكنولوجيا‪ ،‬وتغيرت طبيعة المشكالت السياسية الدولية‪ ،‬كما أن تنامى الديمقراطية يعد قيدًا على‬
‫استخدام القوة الصلبة‪ .‬ويمكن طرح عدة محاور للمقانة بين القوة الناعمة والصلبة لعل أهمها‪:‬‬

‫أولا‪ :‬األدوات المستخدمة‪ :‬فيمكن القول أن القوة الصلبة هى قوة إكراهية تعتمد على التهديد‪،‬‬
‫وتبنى باألساس على التدخل العسكرى‪ ،‬واإلكراه الدبلوماسى‪ ،‬وفرض العقوبات االقتصادية‪،‬‬
‫وعلى النقيض فإن القوة الناعمة فإنها تعتمد على اإلقناع‪ ،‬ووسائلها األساسية هى وسائل غير‬
‫مادية‪ ،‬أى ليست ملموسة تعتمد باألساس على الثقافة والمؤسسية‪ ،‬واأليدلوجية‪ ،‬ويضاف لتلك‬

‫‪3‬‬
‫جوزيف ناى(مؤلف)‪ ،‬أحمد عبد الحميد نافع(مترجم)‪ ،‬مستقبل القوة‪( ،‬القاهرة‪:‬المركز القومى للترجمة‪ ،)2015:‬ص‪23:47‬و‬
‫ص‪107:130‬‬
‫األدوات أهمية أن تعتمد الدول الممارسة للقوة الناعمة على وسيلة الشرعية السياسية‪ ،‬أى أن‬
‫أعمال الدولة وأنشطتها البد أن تتحلى بالشرعية‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬عنصر الوقت‪ :‬فالقوة الصلبة تتطلب وقتًا أقل فى بنائها نظ ًار ألنها ملموسة‪ ،‬وعلى‬
‫ال لبناء مقدرات القوة غير الملموسة التى‬
‫النقيض من ذلك فإن القوة الناعمة تتطلب وقتًا طوي ً‬
‫تتسم بالتراكمية‪ ،‬وبالمثل فإن تأثير كل قوة يختلف تبعاً لعنصر الزمن‪ ،‬فالقوة الصلبة تظهر‬
‫نتائجها على المدى القصير‪ ،‬أما القوة الناعمة فتقوم على النتائج طويلة األمد‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬نمط السلوك الناتج‪ :‬فالقوة الناعمة تؤدى الضرورة طبقًا لقوة اإلكراه إلى سلوك مضطرب‬
‫تفعله الدول رغمًا عنها‪ ،‬فى حين أن القوة الناعمة تحفز الوحدات الدولية األخرى للعمل الطوعى‬
‫‪4‬‬
‫ما يقضى على إمكانيات الصراع‪.‬‬

‫رابعاا‪ :‬النظام السياسي المستخدم للقوة‪ :‬فيظهر أن القوة الصلبة غالبًا ما تكون أداة للنظم‬
‫الفاشية سواء فى التعامل على مستوى السياسة الداخلية أو الخارجية‪ ،‬فدائمًا ما يرتبط األمر‬
‫باإلنذار والعقاب‪ ،‬أما فى النظم الديمقراطية المعتمدة باألساس على المؤسسية تضطر القيادة‬
‫السياسة للتركيز على نمط الجذب واإلقناع سواء على المستوى الداخلى الذى ال يسمح باستخدام‬
‫القوة ضد المواطنين‪ ،‬أو على المستوى الدولى فى ظل استنكار المجتمع الدولى الستخدام العنف‬
‫من الدول تجاه بعضها‪.‬‬

‫وأخي اًر يمكن حصر مصادر االختالف فى الجدول الذى قدمه جوزيف ناى مقارنًا بين أنماط‬
‫السلوك‪ ،‬والموارد المحتملة كما هو كوضع فى الجدول التالى‪:‬‬

‫القوة الصلبة‬ ‫القوة الناعمة‬ ‫وسيلة التمييز‬


‫‪ ‬اإلرغام‬ ‫‪ ‬جاذبية جدول األعمال‬ ‫أنماط السلوك‬
‫‪ ‬اإلغراء‬ ‫‪ ‬السلوك التعاونى‬
‫‪ ‬األمر‬ ‫‪ ‬السلوك الطوعى‬
‫‪ ‬المدفوعات‬ ‫‪ ‬المؤسسات‬ ‫أرجح الموارد المحتملة‬
‫‪ ‬القوة‬ ‫‪ ‬القيم الثقافية‬
‫‪ ‬الرشاوى‬ ‫‪ ‬السياسات‬
‫‪5‬‬
‫‪ ‬العقوبات‬

‫‪4‬‬
‫‪JAN-PHILIPP N E WAGNER, "The Effectiveness of Soft & Hard Power in Contemporary International‬‬
‫‪Relations", international relation students, MAY 14 2014‬‬
‫‪5‬‬
‫وتبرهن األحداث الدولية على أهمية اللجوء الستخدام كلتا القوتين معاً‪ ،‬لتحقيق نجاح على مستوى‬
‫‪6‬‬
‫السياسة الخارجية ما يحفظ أمن الدول بصورة أفضل ضد التغيرات والتهديدات الخارجية‪.‬‬

‫موارد القوة الناعمة‬


‫وضح جوزيف ناى أن للقوة الناعمة ثالثة موارد أساسية وهم‪ :‬الثقافة‪ ،‬والقيم السياسية‪ ،‬والسياسة‬
‫الخارجية وهو ما يمكن توضيحه فيما يلى‪:‬‬

‫أولا‪ :‬الثق افة‪“ :‬هى مجموعة القيم والممارسات التى تخلق معنى للمجتمع"‪ ،‬وقد تكون ثقافة عليا‬
‫مثل‪ :‬األدب‪ ،‬والفن‪ ،‬والتعليم‪ ،‬وهو الشائع وسط النخبة‪ ،‬وبين ما يؤدى إلى إمتاع العامة وهو كل‬
‫ما يندرج تحت مسمى الثقافة الشعبية‪ .‬والثقافة هنا لها مستويين األول هو المستوى الداخلى أى‬
‫ما يحمله الفرد من قيم‪ ،‬والثانى هو المستوى المؤسسى أى المؤسسات الثقافية لكل دولة‪.‬‬

‫وهنا يأتى دور الدول فى الترويج لثقافيتها المحلية لتكتسب طابعًا عالميًا يسمح لها باختراق الدول‬
‫األخرى‬

‫ثانياا‪ :‬السياسة الخارجية‪ :‬إن السياسية الخارجية إلحدى الدول قد تعزز من قوتها الناعمة أو تحط‬
‫من شأنها‪ ،‬فالسياسات الخارجية ال تى تبدو متعالية ومتغطرسة ذات أفق ضيق تحد من قيمة القوة‬
‫الناعمة‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬القيم‪ :‬إن القيم التى تدافع عنها الدولة بمؤسساتها وسياستها الخارجية قد تعزز من القوة‬
‫الناعمة مثل رفع شعارات الديمقراطية‪ ،‬إقرار السالم‪ ،‬أو حفظ األمن‪ ،‬والدفاع عن حقوق‬
‫‪7‬‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫فى حين قسمت ‪ olga G. leonova‬مصادر القوة الناعمة إلى‪:‬‬

‫أولا‪ :‬العوامل خارجية والتى تشمل‪ :‬السياسة الخارجية‪ ،‬العالقات الدولية‪ ،‬وضع الدولة فى‬
‫هيراركية النظام الدولى‪ ،‬ووضع الدولة الجيوسياسى‪ ،‬ووضع الدولة الحضارى‪ ،‬ونموذج التنمية‬
‫السياسية واالقتصادية للدولة‪ ،‬مصادر معلومات الدولة‪ ،‬استراتيجيات الدولة للتنمية والقدرة على‬
‫تحوليها إلى واقع عملى‪.‬‬

‫‪ 6‬أياد خلف عمر الكاعود‪" ،‬استراتيجية القوة الناعمة ودورها في تنفيذ اهداف السياسة الخارجية األمريكية في المنطقة العربية"‪،‬‬
‫ماجستير‪ ،‬جامعة الشرق األوسط‪ ،‬كلية األداب والعلوم‪ ،2016 ،‬ص‪:32‬ص‪41‬‬
‫‪7‬‬
‫جوزيف س‪.‬ناى(مؤلف)‪ ،‬محمد توفيق البجريمى(مترجم)‪ ،‬القوة الناعمة‪ :‬وسيلة النجاح فى السياسة الدولية‪( ،‬المملكة العربية‬
‫السعودية‪ ،‬دار الكعبيان‪ ،)2007،‬ص‪::19‬ص‪40‬‬
‫ثانيا العوامل داخلية وتشمل‪ :‬ال مبادىء مثل العدالة‪ ،‬األيدلوجية‪ ،‬نمط الحياة المميز للدولة‪،‬‬
‫القيم‪ ،‬األفكار القومية‪ ،‬الثقافة المحلية وتشمل(المسرح‪ ،‬صناعة األفالم‪ ،‬األدب)‪ ،‬الجانب اإلبداعى‬
‫‪8‬‬
‫للدولة أى القدرة على االبتكار الفكرى والتكنولوجى‪.‬‬

‫مكونات القوة الناعمة‬


‫يمكن التركيز على ثالثة مكونات أساسية للقوة الناعمة متمثلة فى السطوع‪ ،‬واللطف‪ ،‬والجمال‪،‬‬
‫وهو ما يمكن توضيحه فيما يلى‪:‬‬

‫أول‪:‬السطوع ‪ :brilliance‬وهو ما يعنى أن الدولة متقدمة عسكرياً واقتصادياً‪ ،‬وقد أحرزت‬


‫نجاحات فى كال المجالين فهى تقدم نموذجًا ناجحًا لألخرين‪ ،‬ففى السياسة الخارجية الدولة‬
‫الناجحة يتخذ نموذجها وتقلد ممارستها ومؤسساتها وأيدلوجيتها وقيمها‪ ،‬ما يعطى لها ثقل‬
‫ويصعب مقاومة تحركاتها الخارجية‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬اللطف ‪ :benignity‬وهو كيفية تفاعل دولة مع الدول األخرى بطريقة جيدة كتقديم‬
‫المعونات‪ ،‬والمساعدات‪ ،‬ومراعاة حقوقهم‪ ،‬وتفضيالتهم‪ ،‬وعدم التصرف نحوهم بصورة تهديدية‪،‬‬
‫ما يدفع المحيط الدولى الحترام هذه الدولة‪ ،‬وبالتالى حصولها على موافقتهم على سياستها‬
‫الخارجية وتحركاتها الدولية‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬الجمال ‪:beauty‬يقصد به كيف يمكن أن تكون الفواعل الدولية متشابكة فى نماذجها‬
‫وقيمها ما يسمح بالتواصل‪ ،‬والثقة‪ ،‬والتعاون‪ ،‬وتبدأ هذه الصورة بادعاء دولة أنها حامية الحقوق‬
‫‪9‬‬
‫والقيم فيصبح لها الشرعية‪ ،‬والسلطة الدولية‪.‬‬

‫متطلبات وشروط نجاح القوة الناعمة‬


‫لكى تعمل القوة الناعمة ألى وحدة دولية البد من توافر بعض الشروط لعل أهمها‪:‬‬

‫أولا‪ :‬القدرة على الجذب‪:‬‬

‫أصبح التركيز على تفضيالت ومصالح الفاعلين فى النظام الدولى أم اًر هاماً‪ ،‬حيث يكون‬
‫انجذاب دولة ما إلى قيم وسياسات الدولة صاحبة الهدف أم اًر يصب فى صالحها‪ ،‬ألن الجذب‬
‫يرتبط باإلقناع الذى يفترض تغيير قيم الدول لصالح الدولة صاحبة الهدف‪ ،‬وهنا ينصب التركيز‬

‫‪8‬‬
‫‪olga G. leonova, "SOFT POWER AS A STATE'S FOREIGN POLICY RESOURCE", social studies, on the link:‬‬
‫‪9‬‬
‫سماح عبد الصبور‪" ،‬القوة الذكية فى السياسة الخارجية"‪( ،‬القاهرة‪:‬دار البشير للثقافة والعلوم‪ ،)2014 ،‬ص‪:48‬ص‪.50‬‬
‫على المخرجات النهائية‪ ،‬وهنا فتغيير القيم ليس صعباً‪ ،‬وإحداث التوافق باألمر اليسير خاصة فى‬
‫ظل توافق األهداف بين الدولتين‪ ،‬وقد سهل هذا التوافق الرواج الثقافى‪ ،‬وثورة التكنولوجيا‬
‫‪10‬‬
‫والمعلومات التى كان لها بالغ األثر فى إذابة الفوارق بين الشعوب‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬القدرة على التواصل مع الهدف المقصود (الترويج للفكرة)‬

‫أى أن الدولة تشكل تفضيالت وأهداف الغير فى عالقة تفاعلية قوامها تسويق األفكار‪ ،‬فإذا‬
‫فشلت الدولة فى هذا التسويق ي صبح هدفها عديم التأثير‪ ،‬كما أن الدولة إذا استطاعت حجب‬
‫وسائل نشر المعلومات عن شعبها فإنها يمكن أن تمارس نوعاً من التأثير المنهجى على شعبها‪،‬‬
‫ما يؤثر بالضرورة على الوضع الداخلى‪ ،‬ولكنه فى الوقت ذاته يمنع تأثير القوة الناعمة لباقى‬
‫الدول‪.‬‬

‫ثالثاا‪ :‬القدرة تغيير التجااات‬

‫ال يعد كافيًا قيام القوة الناعمة بإيصال رسالتها إلى الهدف المقصود بل البد من التأثير على‬
‫الوحدة الدولية األخرى لتغيير اتجاهاتها‪ ،‬وهنا يتم تعريف االتجاه على أنه "شعور إيجابى أو‬
‫سلبى دائم حول بعض األشخاص أو الكيانات أو القضايا" ويتوقف تغير االتجاه على ثالث‬
‫أمور وهى‪:‬‬

‫‪ ‬مصدر الرسالة ‪ :‬فإذا كان مصدر الرسالة جاذب ومتكرر بصورة صحيحة‪ ،‬وقادر على‬
‫اللعب على العواطف‪ ،‬ومدى موثوقية هذا المصدر وتمتعه بالخبرة‪ ،‬فمن المرجح أن‬
‫يسهم فى تغيير االتجاهات‪ .‬كما أن المصدر إذا كان ذو مصلحة مباشرة تعود عليه بنقل‬
‫تلك الرسالة فغالباً يكون تأثير الرسالة محدود‪ ،‬فنقل الرسالة من طرف ثالث ال يظهر‬
‫مصالحه تكون أكثر تأثي اًر‪.‬‬
‫‪ ‬الرسالة ذاتها ‪ :‬وخاصة مدى تكرارها ومحتواها‪ ،‬وما تحتويه من هدف ووسائل لإلقناع‪،‬‬
‫كما أن الرسائل التى تثير المخاوف تعد أقل تأثي ًار وأدعى لعدم االستجابة‪.‬‬
‫‪ ‬مستقبل الرسالة‪ :‬فاألفراد الذين يشعرون بتدنى الذات هم األكثر تأث اًر بالقوة الناعمة‪ ،‬كما‬
‫‪11‬‬
‫أن األفراد فى حاالتهم المزاجية الجيدة يكونون أكثر استعدادًا لالقتناع‪.‬‬

‫‪ 10‬سماح عبد الصبور‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.49‬‬


‫‪11‬‬
‫‪matthew kroenig and melissame adam and steven weber, "taking soft power seriously",‬‬
‫‪comparative strategy, vol:29, 2010, pp414:41‬‬
‫أدوات القوة الناعمة‬
‫للقوة الناعمة عدة أدوات منها ما طرحه جوزيف ناى حول القيم والمؤسسات ومنها المستحدث‬
‫ممثالً فى أدوات حداثية معاصرة‪ ،‬وقد اتجه الطالب إلى التركيز على األداة االدبلوماسية‪،‬‬
‫واإلعالمية وهو ما سيتم تناوله فيما يلى‬

‫أول‪ :‬األداة الدبلوماسية‬

‫ال حول "كيف يمكن للمميزات السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪،‬‬


‫شكلت اإلمبريالية الثقافية قديمًا تساؤ ً‬
‫والتكنولوجية أن تمثل أساس ًا تنافسى وجاذب للقيم الغربية" وهنا عنيت اإلمبريالية الثقافية قدرة‬
‫المجتمع على صياغة نموذج حداثى عالمى مستخدمة فى ذلك القوة‪ ،‬واإلقناع‪ ،‬والجاذبية‪ ،‬كما‬
‫تعتمد على صناعة المؤسسات االجتماعية القادرة على تمثيل فكرة المركز وأطرافه‪ ،‬بمعنى‬
‫مركزية ثقافة ما‪ ،‬لذا البد لبقية الثقافات من اتباعها‪ .‬تبع الحديث عن اإلمبريالية الثقافية الحديث‬
‫عن األداة الدبلوماسية كأساساً لها لتعمل على صياغة أنماط قانونية معاصرة‪ ،‬وأطر لعالقات‬
‫‪12‬‬
‫القوة الحديثة دون االعتماد على اإلكراه‪.‬‬

‫ويمكن تعريف الدبلوماسية الثقافية تبعًا لتعريف "‪ "pual sharp‬أنها " العملية التى يمكن من‬
‫خاللها توسيع العالقات المباشرة مع أفراد شعب ما بهدف زيادة المصالح"‪ ،‬فى حين عرفها "‬
‫‪ "Hans Tuch‬أنها " عملية حكومية للتواصل مع الجمهور األجنبى لتوسيع الفهم حول قيمها‬
‫ال عن أهدافها القومية"‪ ،‬كما يعرفها الباحث األمريكي ميلتون‬
‫ومثلها‪ ،‬ومؤسساتها الثقافية فض ً‬
‫سي كامينغز على أنها "هي تبادل المعلومات واألفكار والقيم والنظم والتقاليد والمعتقدات‪،‬‬
‫وغيرها من جوانب الثقافة‪ ،‬بقصد تعزيز التفاهم المتبادل"‪ .‬وهنا تهدف الدبلوماسية العامة إلى‬
‫التأثير على األفراد والشعوب عن طريق اإلقناع‪ ،‬كما مالت إليها المؤسسات غير الحكومية‬
‫ال عن الدول‪.13‬‬
‫والعابرة للقوميات فض ً‬

‫وهنا تلعب الدبلوماسية الثقافية دو اًر فى السياسة الخارجية من خالل المزج بين القوة الناعمة‬
‫والدبلوماسية العامة التى تهدف إلعالم الجماهير‪ ،‬والتأثير فى الرأى العام‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫التركيز على ثالثة أبعاد وهى‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪James bannent, "time, space, and german soft power: towards a spatio- temporalturn in diplomatic‬‬
‫‪studies, institute of international relations, vol21, no:2, 2013, pp7:8.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Brian Hocking, " Rethinking the ‘New’ Public Diplomacy",(united kingdom: palgrave‬‬
‫‪macmillan,2005), pp33:35.‬‬
‫‪ ‬البعد السياسى‪ :‬يركز على نمو الكيان السياسى للدولة فى إطار عالقات التعاون مع‬
‫أطراف المجتمع الدولى‪.‬‬
‫‪ ‬البعد االقتصادى‪ :‬حينما تتطور العالقات االقتصادية بين الدول لتقوم على االعتمادية‬
‫المتبادلة‪.‬‬
‫‪ ‬البعد الثقافى‪ :‬يعبر عن إحساس الشعوب والنخب الحاكمة بأن ثقافتها ومبتكراتها هي‬
‫من المنجزات اإلنسانية الحضارية‪ ،‬فتصبح جزء من عوامل قوة الدولة المضافة التي‬
‫تساهم في تعزيز سياستها الخارجية التي تسعى من خاللها لتحقيق المكانة والمنزلة‬
‫الدولية‪ ،‬وباتت ترتبط بتخطيط شامل ومبرمج من قبل صناع السياسة الخارجية للدولة‪.‬‬

‫وقد تفرع عن مفهوم الدبلوماسية الثقافية عدة مفاهيم لعل أهمها ‪ :‬الدبلوماسية الثقافية الجماعية‬
‫فى العقد الثالث من القرن الماضى مع ظهور مركز التعاون الفكرى وما تاله من منظمات تهتم‬
‫بالثقافة العالمية مثل اليونسكو‪ ،‬كما ظهر مفهوم الثقافة النخبوية التى تركز باألساس على‬
‫التبادالت العلمية‪ ،‬وما ينبثق عنها من أثر بالغ حيث ينقل األفراد من خالل التعليم خارج‬
‫أوطانهم ما تعلموه الشعورياً‪ ،‬وخصوصاً فى ظل وجود نموذج متطرف مثل المولد فى دولة‬
‫ديكتاتورية ثم االنتقال إلى نظام ديمقراطى‪ ،‬كما طرح مفهوم الثقافة الجماهيرية الذى ركز على‬
‫صناعة األفالم‪ ،‬والسينما‪ ،‬والمسرح‪ ،‬وما لهم من تأثير على نشر القيم‪ ،‬وظهر مفهوم الثقافة‬
‫الشعبية الذى ركز على انتقال القيم مايزيد من قوة الدول مثل قيم الديمقراطية‪ ،‬والحرية‪ ،‬وحقوق‬
‫‪14‬‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬األداة الثقافية‬

‫لتحليل السياسة الخارجية البد من عمل تحليل واسع للمجتمع بمعناه الواسع وما يشمله من تساؤل‬
‫حول ""كيف يمكن للثقافة أن تلعب دوراً هاماً بين الفاعلين الدوليين ‪ ،‬وهنا يمكن القول أن‬
‫الخصائص الثقافية ألى مجتمع هى إطار عام تتأسس داخله السياسة الخارجية للدولة‪ ،‬كما أن‬
‫الثقافة يمكن أن تصبح أداة ناعمة للسياسة الخارجية مثل عمليات التبادل الثقافى‪ ،‬فقد تؤثر ثقافة‬
‫دولة على دولة أخرى وتجبر الثقافة المنقولة صانع القرار على أن يضعها بعين االعتبار‪.‬‬

‫الحديث عن العوامل الثقافية كأحد أدوات القوة الناعمة دار بين العلماء التقليدين واالقتراب‬
‫الحديث ‪ ،‬حيث رأى العلماء التقليدين _ أو كما يطلق عليهم علماء السلطة‪ -‬أن جوهر القوة‬
‫يكمن فى العوامل السياسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والقضايا األمنية‪ ،‬فى حين أن دراسة العوامل الثقافية‬

‫‪14‬‬
‫سيد محمود‪" ،‬الدبلوماسية الثقافية‪ ..‬الفريضة الغائبة"‪ ،‬مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪ ،‬سبتمبر ‪ ،2017‬تاريخ‬
‫الدخول على الموقع‪29:‬أكتوبر ‪ ،2017‬متاح على الرابط‪http://acpss.ahram.org.eg/News/16406.aspx :‬‬
‫تكون إلعطاء نظرة ثاقبة متصلة بتلك العوامل ثاقبة الذكر وليس كعنصر مستقل‪ ،‬فى حين رأى‬
‫االقتراب الحديث أن عنصر الثقافة عنص ًار هامًا فى دراسة وتحديد السياسة الخارجية كأحد‬
‫مكوناتها وأساس لنشئتها‪.‬‬

‫ودراسة الثقافة كأحد مصادر القوة ليس باألمر اليسير ذلك ألنها تتطلب فهم أعمق لما بها من‬
‫قيم وتقاليد‪ ،‬اختالفات‪ ،‬وهياكل‪ ،‬كما يتوافر العديد من المشكالت النظرية الخاصة بدراسة ثقافات‬
‫األمم وهو ما دفع البعض للتركيز على بعض األسئلة القاصرة مثل‪:‬‬

‫‪ ‬أى فئة تمثل ثقافة المجتمع النخبة‪ ،‬الجماعات الفرعية‪ ،‬أم الجماهير؟‬
‫‪ ‬ما هى الصفات الثقافية التى يمتلكها األمة‪ ،‬طريقة التفكير‪ ،‬التقاليد‪ ،‬وأشكال الفن؟!‬
‫‪ ‬من أى مصدر يمكن اإلجابة على تلك األسئلة الصحف‪ ،‬المحفوظات العامة‪ ،‬أم‬
‫العروض الثقافية لألمة؟‬

‫وهناك منظور أضيق يركز على الثقافة المتعلقة بصانعى القرار السياسى على اعتبار أن‬
‫المواقف‪ ،‬واالتجاهات الثقافية لصانعي الق اررات ذات أهمية حيوية في فهم آرائهم‪ ،‬ومواقفهم‪،‬‬
‫وق ارراتهم‪ ،‬وإجراءاتهم فيما يتعلق بجوانب السياسة الخارجية‪ ،‬وهو ما يسمى "باالفتراضات أو‬
‫العقليات الثقافية"‪ ،‬وهذا النمط من الدراسة يركز باألساس على عدد محدود من األفراد أو‬
‫األحداث‪ .‬وهناك منظور أخر يركز على أن السياسة الخارجية ما هى إال انعكاس للثقافة‪.‬‬

‫أما المنظور الذى يركز على أن السياسة الخارجية ما هى إال انعكاس لثقافة المجتمع فيشير إلى‬
‫أهمية البرامج الثقافية التى توجه إلى الدول األجنبية‪ ،‬وإنفاق ماليين الدوالرات فى إقامة المعارض‬
‫الفنية‪ ،‬ونشر الكتب التى تعرف األخر بالدولة‪.‬‬

You might also like