Professional Documents
Culture Documents
مقدمة
لعل مفهوم القوة هو أبرز مفاهيم السياسية الخارجية خاصة ،والعالقات الدولية عامة ،فقوة الدولة
مؤش ًار هامًا ما إذا كانت أهدافها المتعلقة بالسياسية الخارجية قابلة للتحقيق أم محض أمنيات،
وليس بخفى على أحد سباقات إحراز القوة بين الدول قديماً وحديثاً ،فمن الصراع على تكوين
الجيوش عظيمة العدد والعتاد ،إلى السباق على امتالك القوة البحرية ،فاألسلحة الصاروخية
والمتطورة ،إلى امتالك القوة النووية ،وكل هذه األنواع سابقة الذكر كان لها األثر فى اعتبار دولة
ما كبرى _أو بمعنى أخر قطبية_ فى السياسة الدولية من عدمه.
ولكن مع تطور المجتمعات وثقل تبعات الحروب العسكرية ،وتكلفتها الباظهة اتجهت الدول إلى
الحفاظ على مكانتها وتطويرها شيئًا فشيئًا باستخدام أدوات حداثية دخل فيها األداة الدبلوماسية،
والثقافية ،اإلعالمية ،وهو ما سمى بالقوة الناعمة ،وهنا حدثت نقلة نوعية فى القوة من الصلبة
القائمة على اإلكراه واإلجبار ،إلى الجذب والتبعية اإلرادية التى قد تكون أكبر أث اًر ،بل وأكثر
خط اًر ،فإن كانت القوة الصلبة يمكن أن يمحى أثرها فى ظل إدراك الدول لها ،والعمل على
مناهضتها والتخلص من أثارها ،فإن القوة الناعمة تنشأ بتبعية دولة ألخرى طواعية فمصدر
الخطر غير معلوم ،وهو ما قد يؤثر على هوية الدولة واستقالليتها فيجعلها تابعة دون أن تشعر،
ومنتهكة فكريًا دون أن تدرك ،ومخترقة دون أن تتيقن.
ولعل القوة الناعمة كمفهوم منظر له تحت قبة العلم يعد مفهومًا حديثًا لكنه كممارسة قديمة قدم
الحضارات اإلنسانية ،بل وقد تبلورت معالمه وتطورت لينبثق من هذا المفهوم ،أدوات للقوة
الناعمة ،وأسباب ظهورها واستبدالها بالقوة الصلبة ،واستراتيجيات استخدام القوة الناعمة ،بل
وانطلق استخدام القوة المذكور م ن الدول أى الفاعل الرسمى إلى الفواعل غير الرسمية من غير
الدول.
كما أن مفهوم القوة وصل إلى مرحلة من التعقيد والتداخل غير من شكل السياسة الخارجية فإن
كانت القوة الصلبة تعتمد على المعايير العسكرية واالقتصادية فإن القوة الناعمة هدمت حدود
الدول مخترقة إياها ،وهو ما جعل الدول تدرك عدم جدوى القوة الصلبة فى تحقيق أهدافها ،وهنا
أدركت الدول أهمية التعاون ،أو طبقًا لما طرحه جوزيف ناى فى قوله "السلطة مع األخرين ال
وبناء على ما سبق ذكره ستحاول الطالبة التركيز على أهم النقاط
ً السلطة فوق األخرين"،
النظرية ،لعرض مفهوم القوة الناعمة.
تعريف القوة الناعمة
أما عن الوجه الثانى للقوة فهى تجعل الدول تحصل على النتائج المبتغاة دون تهديد أو دفع
رشاوى ،بل ألن الدول األخرى معجبة بنموذج الدولة وتريد أن تسير على نهجها دون إكراه ،وهو
ما عرفه جوزيف ناى على أنها "جعل األخرين يريدون ما تريد" أى أنها القيادة بالقدوة واجتذاب
األخرين لعمل ما تريد" فالقوة الناعمة هى "الجذب كثي ًرا ما يؤدى إلى اإلذعان" وتصبح موارد
الدولة للقوة الناعمة هى " الموجودات التى تنتج مثل هذه الجاذبية" ،وقد تكون هذه الموجودات
متمثلة فى القيم المشتركة كالعدالة ،ما يجعل األخرين يسايروا أهداف الدولة ،فهى تعتمد على
ث قافة الدولة وقيمها ،والقدرة على التالعب بجدول أعمال الخيارات السياسية بطريقة تجعل
األخرين يعجزون عن التعبير عن بعض التفضيالت ألنها تبدو بعيدة عن الواقع المشكل من
قبل. 1
كما عرف " "jeong nam kimالقوة الناعمة بأنها " :درجة القبول والتأييد الذى تتلقاه الدولة
على المستوى المحلى بين مواطنيها وعلى المستوى العالمى بين باقى الدول" ،فى حين
عرفها quanyi zhangبأنها " تلك القوة التى تؤكد استخدام األدوات الحضارية واالقتصادية
والدعائية" ،كما عرفها wienbrennerبأنها " أداة الليبراليين فى تحقيق سياستهم فى حين أن
2
القوة الصلبة هى أداة الواقعيين فى فرض سياساتهم".
وقد أشار رئيس الواليات المتحدةالسابق "أيزنهاور" سلفًا إلى القوة الناعمة فى قوله "جعل الناس
يفعلون شيئاً ليس فقط ألنك تحثهم على أن يفعلوا ذلك بل ألنهم يريدوا أن يفعلوه على نحو
غريزى من أجلك" ،كما عرفها "نيال فرجسيون" على أنها" القوة غير التقليدية مثل السلع
الثقافية والتجارية"
1جوزيف ناى" ،القوة الناعمة وسيلة النجاح فى السياسة الدولية( ،المملكة العربية السعودية :الكعبيان ،)2007 ،ص:19ص63
2
مظفر عائض القحطانى ،استراتيجية توظيف القوة الناعمة لتعضيد القوة الصلبة فى إدارة األزمة اإلرهابية فى المملكة العربية
السعودية ،دكتوراة ،جامعة نايف العربية للعلوم األمنية ،قسم العلوم اإلدارية ،2010 ،ص:69ص70
وقد أشار جوزيف ناى فى كتابه مستقبل القوة الناعمة إلى أنها "التأثير فى سلوك األخرين عن
طريق تشكيل أفضلياتهم بأساليب تفضى إلى ما تريده ،عوض ًا عن استخدام أسلوب الجزرات
والعصوات لتغيير سلوكه م حينما يتحول الزخم إلى دفع مقحم"،وهو ما أشار لنفس معناه العالم
االنجليزى روبرت دال فيما سماه المالذ بأنه "القدرة على جذب األخرين للعمل بأساليب تكون
مناهضة ألفضلياتهم واستراتيجياتهم" وهو ما ينطوى على معرفة أولويات وتفضيالت األخرين،
وإلى أى مدى ساعدت السياسة المتبعة من الدولة األخرى على التأثير فى هذه التفضيالت،
ولكن هنا قد تجاهل القدرة على التأثير فى تفضيالت األخرين بالتأثير فى معتقداتهم فى حال
ناقضت أفعالهم تفضيالتهم وأولوياتهم ،وهو ما قد يتتم من خالل التأطير المؤسسى ،ولهذا
يوضح جوزيف ناى أن التأثير فى المعتقدات يكون بثالثة أشكال وهى:
أولا :تأثير الدولة فى سلوك دولة أخرى بالتهديدات والمكافئات لتغيير الدولة األخرى من
تفضيالتها ،وتصوغ سلوك ضد استراتيجياتها المحددة سلفاً.
ثانياا :أن تتحكم الدولة الممارسة للقوة فى جدول أعمال الدولة األخرى فتضع هى االستراتيجات
واجبة التنفيذ.
3
ثالثاا :تساعد الدولة فى خلق استراتيجيات وأهداف الدولة األخرى دون علم األخيرة بذلك.
أولا :األدوات المستخدمة :فيمكن القول أن القوة الصلبة هى قوة إكراهية تعتمد على التهديد،
وتبنى باألساس على التدخل العسكرى ،واإلكراه الدبلوماسى ،وفرض العقوبات االقتصادية،
وعلى النقيض فإن القوة الناعمة فإنها تعتمد على اإلقناع ،ووسائلها األساسية هى وسائل غير
مادية ،أى ليست ملموسة تعتمد باألساس على الثقافة والمؤسسية ،واأليدلوجية ،ويضاف لتلك
3
جوزيف ناى(مؤلف) ،أحمد عبد الحميد نافع(مترجم) ،مستقبل القوة( ،القاهرة:المركز القومى للترجمة ،)2015:ص23:47و
ص107:130
األدوات أهمية أن تعتمد الدول الممارسة للقوة الناعمة على وسيلة الشرعية السياسية ،أى أن
أعمال الدولة وأنشطتها البد أن تتحلى بالشرعية.
ثانياا :عنصر الوقت :فالقوة الصلبة تتطلب وقتًا أقل فى بنائها نظ ًار ألنها ملموسة ،وعلى
ال لبناء مقدرات القوة غير الملموسة التى
النقيض من ذلك فإن القوة الناعمة تتطلب وقتًا طوي ً
تتسم بالتراكمية ،وبالمثل فإن تأثير كل قوة يختلف تبعاً لعنصر الزمن ،فالقوة الصلبة تظهر
نتائجها على المدى القصير ،أما القوة الناعمة فتقوم على النتائج طويلة األمد.
ثالثاا :نمط السلوك الناتج :فالقوة الناعمة تؤدى الضرورة طبقًا لقوة اإلكراه إلى سلوك مضطرب
تفعله الدول رغمًا عنها ،فى حين أن القوة الناعمة تحفز الوحدات الدولية األخرى للعمل الطوعى
4
ما يقضى على إمكانيات الصراع.
رابعاا :النظام السياسي المستخدم للقوة :فيظهر أن القوة الصلبة غالبًا ما تكون أداة للنظم
الفاشية سواء فى التعامل على مستوى السياسة الداخلية أو الخارجية ،فدائمًا ما يرتبط األمر
باإلنذار والعقاب ،أما فى النظم الديمقراطية المعتمدة باألساس على المؤسسية تضطر القيادة
السياسة للتركيز على نمط الجذب واإلقناع سواء على المستوى الداخلى الذى ال يسمح باستخدام
القوة ضد المواطنين ،أو على المستوى الدولى فى ظل استنكار المجتمع الدولى الستخدام العنف
من الدول تجاه بعضها.
وأخي اًر يمكن حصر مصادر االختالف فى الجدول الذى قدمه جوزيف ناى مقارنًا بين أنماط
السلوك ،والموارد المحتملة كما هو كوضع فى الجدول التالى:
4
JAN-PHILIPP N E WAGNER, "The Effectiveness of Soft & Hard Power in Contemporary International
Relations", international relation students, MAY 14 2014
5
وتبرهن األحداث الدولية على أهمية اللجوء الستخدام كلتا القوتين معاً ،لتحقيق نجاح على مستوى
6
السياسة الخارجية ما يحفظ أمن الدول بصورة أفضل ضد التغيرات والتهديدات الخارجية.
أولا :الثق افة“ :هى مجموعة القيم والممارسات التى تخلق معنى للمجتمع" ،وقد تكون ثقافة عليا
مثل :األدب ،والفن ،والتعليم ،وهو الشائع وسط النخبة ،وبين ما يؤدى إلى إمتاع العامة وهو كل
ما يندرج تحت مسمى الثقافة الشعبية .والثقافة هنا لها مستويين األول هو المستوى الداخلى أى
ما يحمله الفرد من قيم ،والثانى هو المستوى المؤسسى أى المؤسسات الثقافية لكل دولة.
وهنا يأتى دور الدول فى الترويج لثقافيتها المحلية لتكتسب طابعًا عالميًا يسمح لها باختراق الدول
األخرى
ثانياا :السياسة الخارجية :إن السياسية الخارجية إلحدى الدول قد تعزز من قوتها الناعمة أو تحط
من شأنها ،فالسياسات الخارجية ال تى تبدو متعالية ومتغطرسة ذات أفق ضيق تحد من قيمة القوة
الناعمة.
ثالثاا :القيم :إن القيم التى تدافع عنها الدولة بمؤسساتها وسياستها الخارجية قد تعزز من القوة
الناعمة مثل رفع شعارات الديمقراطية ،إقرار السالم ،أو حفظ األمن ،والدفاع عن حقوق
7
اإلنسان.
أولا :العوامل خارجية والتى تشمل :السياسة الخارجية ،العالقات الدولية ،وضع الدولة فى
هيراركية النظام الدولى ،ووضع الدولة الجيوسياسى ،ووضع الدولة الحضارى ،ونموذج التنمية
السياسية واالقتصادية للدولة ،مصادر معلومات الدولة ،استراتيجيات الدولة للتنمية والقدرة على
تحوليها إلى واقع عملى.
6أياد خلف عمر الكاعود" ،استراتيجية القوة الناعمة ودورها في تنفيذ اهداف السياسة الخارجية األمريكية في المنطقة العربية"،
ماجستير ،جامعة الشرق األوسط ،كلية األداب والعلوم ،2016 ،ص:32ص41
7
جوزيف س.ناى(مؤلف) ،محمد توفيق البجريمى(مترجم) ،القوة الناعمة :وسيلة النجاح فى السياسة الدولية( ،المملكة العربية
السعودية ،دار الكعبيان ،)2007،ص::19ص40
ثانيا العوامل داخلية وتشمل :ال مبادىء مثل العدالة ،األيدلوجية ،نمط الحياة المميز للدولة،
القيم ،األفكار القومية ،الثقافة المحلية وتشمل(المسرح ،صناعة األفالم ،األدب) ،الجانب اإلبداعى
8
للدولة أى القدرة على االبتكار الفكرى والتكنولوجى.
ثانياا :اللطف :benignityوهو كيفية تفاعل دولة مع الدول األخرى بطريقة جيدة كتقديم
المعونات ،والمساعدات ،ومراعاة حقوقهم ،وتفضيالتهم ،وعدم التصرف نحوهم بصورة تهديدية،
ما يدفع المحيط الدولى الحترام هذه الدولة ،وبالتالى حصولها على موافقتهم على سياستها
الخارجية وتحركاتها الدولية.
ثالثاا :الجمال :beautyيقصد به كيف يمكن أن تكون الفواعل الدولية متشابكة فى نماذجها
وقيمها ما يسمح بالتواصل ،والثقة ،والتعاون ،وتبدأ هذه الصورة بادعاء دولة أنها حامية الحقوق
9
والقيم فيصبح لها الشرعية ،والسلطة الدولية.
أصبح التركيز على تفضيالت ومصالح الفاعلين فى النظام الدولى أم اًر هاماً ،حيث يكون
انجذاب دولة ما إلى قيم وسياسات الدولة صاحبة الهدف أم اًر يصب فى صالحها ،ألن الجذب
يرتبط باإلقناع الذى يفترض تغيير قيم الدول لصالح الدولة صاحبة الهدف ،وهنا ينصب التركيز
8
olga G. leonova, "SOFT POWER AS A STATE'S FOREIGN POLICY RESOURCE", social studies, on the link:
9
سماح عبد الصبور" ،القوة الذكية فى السياسة الخارجية"( ،القاهرة:دار البشير للثقافة والعلوم ،)2014 ،ص:48ص.50
على المخرجات النهائية ،وهنا فتغيير القيم ليس صعباً ،وإحداث التوافق باألمر اليسير خاصة فى
ظل توافق األهداف بين الدولتين ،وقد سهل هذا التوافق الرواج الثقافى ،وثورة التكنولوجيا
10
والمعلومات التى كان لها بالغ األثر فى إذابة الفوارق بين الشعوب.
أى أن الدولة تشكل تفضيالت وأهداف الغير فى عالقة تفاعلية قوامها تسويق األفكار ،فإذا
فشلت الدولة فى هذا التسويق ي صبح هدفها عديم التأثير ،كما أن الدولة إذا استطاعت حجب
وسائل نشر المعلومات عن شعبها فإنها يمكن أن تمارس نوعاً من التأثير المنهجى على شعبها،
ما يؤثر بالضرورة على الوضع الداخلى ،ولكنه فى الوقت ذاته يمنع تأثير القوة الناعمة لباقى
الدول.
ال يعد كافيًا قيام القوة الناعمة بإيصال رسالتها إلى الهدف المقصود بل البد من التأثير على
الوحدة الدولية األخرى لتغيير اتجاهاتها ،وهنا يتم تعريف االتجاه على أنه "شعور إيجابى أو
سلبى دائم حول بعض األشخاص أو الكيانات أو القضايا" ويتوقف تغير االتجاه على ثالث
أمور وهى:
مصدر الرسالة :فإذا كان مصدر الرسالة جاذب ومتكرر بصورة صحيحة ،وقادر على
اللعب على العواطف ،ومدى موثوقية هذا المصدر وتمتعه بالخبرة ،فمن المرجح أن
يسهم فى تغيير االتجاهات .كما أن المصدر إذا كان ذو مصلحة مباشرة تعود عليه بنقل
تلك الرسالة فغالباً يكون تأثير الرسالة محدود ،فنقل الرسالة من طرف ثالث ال يظهر
مصالحه تكون أكثر تأثي اًر.
الرسالة ذاتها :وخاصة مدى تكرارها ومحتواها ،وما تحتويه من هدف ووسائل لإلقناع،
كما أن الرسائل التى تثير المخاوف تعد أقل تأثي ًار وأدعى لعدم االستجابة.
مستقبل الرسالة :فاألفراد الذين يشعرون بتدنى الذات هم األكثر تأث اًر بالقوة الناعمة ،كما
11
أن األفراد فى حاالتهم المزاجية الجيدة يكونون أكثر استعدادًا لالقتناع.
ويمكن تعريف الدبلوماسية الثقافية تبعًا لتعريف " "pual sharpأنها " العملية التى يمكن من
خاللها توسيع العالقات المباشرة مع أفراد شعب ما بهدف زيادة المصالح" ،فى حين عرفها "
"Hans Tuchأنها " عملية حكومية للتواصل مع الجمهور األجنبى لتوسيع الفهم حول قيمها
ال عن أهدافها القومية" ،كما يعرفها الباحث األمريكي ميلتون
ومثلها ،ومؤسساتها الثقافية فض ً
سي كامينغز على أنها "هي تبادل المعلومات واألفكار والقيم والنظم والتقاليد والمعتقدات،
وغيرها من جوانب الثقافة ،بقصد تعزيز التفاهم المتبادل" .وهنا تهدف الدبلوماسية العامة إلى
التأثير على األفراد والشعوب عن طريق اإلقناع ،كما مالت إليها المؤسسات غير الحكومية
ال عن الدول.13
والعابرة للقوميات فض ً
وهنا تلعب الدبلوماسية الثقافية دو اًر فى السياسة الخارجية من خالل المزج بين القوة الناعمة
والدبلوماسية العامة التى تهدف إلعالم الجماهير ،والتأثير فى الرأى العام ،وذلك من خالل
التركيز على ثالثة أبعاد وهى:
12
James bannent, "time, space, and german soft power: towards a spatio- temporalturn in diplomatic
studies, institute of international relations, vol21, no:2, 2013, pp7:8.
13
Brian Hocking, " Rethinking the ‘New’ Public Diplomacy",(united kingdom: palgrave
macmillan,2005), pp33:35.
البعد السياسى :يركز على نمو الكيان السياسى للدولة فى إطار عالقات التعاون مع
أطراف المجتمع الدولى.
البعد االقتصادى :حينما تتطور العالقات االقتصادية بين الدول لتقوم على االعتمادية
المتبادلة.
البعد الثقافى :يعبر عن إحساس الشعوب والنخب الحاكمة بأن ثقافتها ومبتكراتها هي
من المنجزات اإلنسانية الحضارية ،فتصبح جزء من عوامل قوة الدولة المضافة التي
تساهم في تعزيز سياستها الخارجية التي تسعى من خاللها لتحقيق المكانة والمنزلة
الدولية ،وباتت ترتبط بتخطيط شامل ومبرمج من قبل صناع السياسة الخارجية للدولة.
وقد تفرع عن مفهوم الدبلوماسية الثقافية عدة مفاهيم لعل أهمها :الدبلوماسية الثقافية الجماعية
فى العقد الثالث من القرن الماضى مع ظهور مركز التعاون الفكرى وما تاله من منظمات تهتم
بالثقافة العالمية مثل اليونسكو ،كما ظهر مفهوم الثقافة النخبوية التى تركز باألساس على
التبادالت العلمية ،وما ينبثق عنها من أثر بالغ حيث ينقل األفراد من خالل التعليم خارج
أوطانهم ما تعلموه الشعورياً ،وخصوصاً فى ظل وجود نموذج متطرف مثل المولد فى دولة
ديكتاتورية ثم االنتقال إلى نظام ديمقراطى ،كما طرح مفهوم الثقافة الجماهيرية الذى ركز على
صناعة األفالم ،والسينما ،والمسرح ،وما لهم من تأثير على نشر القيم ،وظهر مفهوم الثقافة
الشعبية الذى ركز على انتقال القيم مايزيد من قوة الدول مثل قيم الديمقراطية ،والحرية ،وحقوق
14
اإلنسان.
لتحليل السياسة الخارجية البد من عمل تحليل واسع للمجتمع بمعناه الواسع وما يشمله من تساؤل
حول ""كيف يمكن للثقافة أن تلعب دوراً هاماً بين الفاعلين الدوليين ،وهنا يمكن القول أن
الخصائص الثقافية ألى مجتمع هى إطار عام تتأسس داخله السياسة الخارجية للدولة ،كما أن
الثقافة يمكن أن تصبح أداة ناعمة للسياسة الخارجية مثل عمليات التبادل الثقافى ،فقد تؤثر ثقافة
دولة على دولة أخرى وتجبر الثقافة المنقولة صانع القرار على أن يضعها بعين االعتبار.
الحديث عن العوامل الثقافية كأحد أدوات القوة الناعمة دار بين العلماء التقليدين واالقتراب
الحديث ،حيث رأى العلماء التقليدين _ أو كما يطلق عليهم علماء السلطة -أن جوهر القوة
يكمن فى العوامل السياسية ،واالقتصادية ،والقضايا األمنية ،فى حين أن دراسة العوامل الثقافية
14
سيد محمود" ،الدبلوماسية الثقافية ..الفريضة الغائبة" ،مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية ،سبتمبر ،2017تاريخ
الدخول على الموقع29:أكتوبر ،2017متاح على الرابطhttp://acpss.ahram.org.eg/News/16406.aspx :
تكون إلعطاء نظرة ثاقبة متصلة بتلك العوامل ثاقبة الذكر وليس كعنصر مستقل ،فى حين رأى
االقتراب الحديث أن عنصر الثقافة عنص ًار هامًا فى دراسة وتحديد السياسة الخارجية كأحد
مكوناتها وأساس لنشئتها.
ودراسة الثقافة كأحد مصادر القوة ليس باألمر اليسير ذلك ألنها تتطلب فهم أعمق لما بها من
قيم وتقاليد ،اختالفات ،وهياكل ،كما يتوافر العديد من المشكالت النظرية الخاصة بدراسة ثقافات
األمم وهو ما دفع البعض للتركيز على بعض األسئلة القاصرة مثل:
أى فئة تمثل ثقافة المجتمع النخبة ،الجماعات الفرعية ،أم الجماهير؟
ما هى الصفات الثقافية التى يمتلكها األمة ،طريقة التفكير ،التقاليد ،وأشكال الفن؟!
من أى مصدر يمكن اإلجابة على تلك األسئلة الصحف ،المحفوظات العامة ،أم
العروض الثقافية لألمة؟
وهناك منظور أضيق يركز على الثقافة المتعلقة بصانعى القرار السياسى على اعتبار أن
المواقف ،واالتجاهات الثقافية لصانعي الق اررات ذات أهمية حيوية في فهم آرائهم ،ومواقفهم،
وق ارراتهم ،وإجراءاتهم فيما يتعلق بجوانب السياسة الخارجية ،وهو ما يسمى "باالفتراضات أو
العقليات الثقافية" ،وهذا النمط من الدراسة يركز باألساس على عدد محدود من األفراد أو
األحداث .وهناك منظور أخر يركز على أن السياسة الخارجية ما هى إال انعكاس للثقافة.
أما المنظور الذى يركز على أن السياسة الخارجية ما هى إال انعكاس لثقافة المجتمع فيشير إلى
أهمية البرامج الثقافية التى توجه إلى الدول األجنبية ،وإنفاق ماليين الدوالرات فى إقامة المعارض
الفنية ،ونشر الكتب التى تعرف األخر بالدولة.