Professional Documents
Culture Documents
• ما الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ وما الغاية منها؟ وكيف تمارس سلطتها السياسية؟
• ما الحق؟ ما العدالة؟ وكيف تتحدد العالقة بينهما؟
مفهوم الدولة
كل من فكر في الدولة وجد نفسه مضطرا للتفكير في أساس مشروعيتها وغاياتها ،ألن الدولة ال يمكنها أن تقوم بشكل
دائم إال على أساس دائم ،وهو ما سمي بمشروعيتها والتي تضمن لها القبول الدائم ،هكذا فكل دولة تستند إلى مشروعية
ما ،وانطالقا من هذ المشروعية يتم اختيار غايات وجودها ،إذ يصعب الفصل هنا بين مفهومي المشروعية والغايات
ألنهما مترابطان معا بشكل ال يقبل الفصل؛ فمن أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما هي الغاية من وراء وجودها؟
-2تحديد دالالت المفاهيم :
-مفهوم الغاية :يدل على ما ألجله يقدم الفاعل على فعله ،وهي ثابتة لكل فاعل فعل بالقصد واالختيار ،فال توجد الغاية
في األفعال غير االختيارية.
-مشروعية الدولة :تشير إلى مجموع التبريرات والدعائم التي ترتكز عليها الدولة من أجل ممارسة سلطتها على
مواطنيها.
-3مطلب التحليل :تصور اسبينوزا ): (1677/1632تقوم الدولة على مشروعية التعاقد وغايتها تحقيق
الحرية والكرامة اإلنسانية
قطقق فالسققفة التعاقققد االجتمققاعي مقق التصققور الققديني للدولققة ،وبلققوروا فكققرا جديققدا يققربط الدولققة بفكققرة التعاقققد
المبققرم بققين األفققراد ككائنققات عاقلققة وحققرة .هققذا التعاقققد الحققر سيؤسققس الدولققة علققى قققوانين العقققل ،التققي مققن شققهنها
أن تتجققاوز مسققاوئ حالققة الطبيعققة القائمققة علققى قققوانين الشققهوة ،والتققي أدت إلققى الصققراع والفوضققى والكراهيققة
والخققداع .لتصققبب بققذلك غايققة الدولققة هققي تحقيققق إنسققانية اإلنسققان والمتمثلققة حسققب الفيلسققوف الهولنققدي بااارو
اسااابينوزا فقققي تحريقققر األفقققراد مقققن الخقققوف وضقققمان حققققوقهم الطبيعيقققة المشقققروعة :الحقققق فقققي الحيقققاة و األمقققن
والحريققة .هكققذا يققرى اسققبينوزا أن الغايققة مققن تهسققيس الدولققة هققي تحريققر األفققراد وإتاحققة الفرصققة لعقققولهم لكققي تفكققر
بحريققة وتققؤدي وظائفهققا بالشققكل المطلققوب دون اسققتخدام لققدواف الشققهوة مققن حقققد وغضققب وخققداع.
يختصر اسبينوزا الغاية من وجود الدولة بقوله" :الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة".
-4مطلااب المناقشااة :تصااور هيجاال ) : (1831/1770الدولااة غايااة ذاتهااا وتقااوم علااى مشااروعية
العقل.
انتقققققد هيجققققل التصققققور التعاقققققدي الققققذي يعتبققققر أن للدولققققة غايققققات خارجيققققة مثققققل تحقيققققق السققققلم وضققققمان
الحريات(غايققات المجتمقق المققدني) ،واعتبققر أن الدولققة غايققة فققي ذاتهققا تمثققل روح وإرادة ووعققي أمققة مققن األمققم،
وتعتبقققر تجسقققيدا للعققققل األخالققققي الموضقققوعي .إنهق قا التحققققق الفعلقققي للقققروح األخالققققي باعتبقققار إرادة جوهريقققة
وكونيققة .ومققن واجققب األفققراد أن يكونققوا أعضققاء فققي الدولققة وأن يتعلقققوا بهققا ألن فققي ذلققك سققموهم وعلققو مققرتبتهم،
فققال يكققون للفققرد وجققود حقيقققي وأخالقققي إال بانتسققابه إلققى الدولققة .هكققذا يعطققي هيجققل األولويققة فققي تحليلققه للكققل علققى
حسققاب الجققزء ،وللدولققة علققى األفققراد ،ويجعققل مصققيرهم فققي أن يحيققوا حيققاة عامققة وكونيققة.
إن مشققروعية الدولققة عنققد هيجققل إذن ال تسققتمد مققن التحالفققات القائمققة بققين األفققراد أي التعاقققد ،بققل تسققتمد مققن مبققادئ
عقلية وموضوعية تتهسس عليها الدولة بشكل حتمي يتجاوز اإلرادات الفردية ذاتها.
-5مطلب التركيب:
يتضققب أن التصققورات المرتبطققة بمشققروعية الدولققة وغاياتهققا تختلققف وتتبققاين بققاختالف المنطلقققات التققي ينطلققق
منهققا كققل فيلسققوف ،فنجققد مققن يعتبققر أن مشققروعية الدولققة تسققتمد مققن االتفققا التعاقققدي بققين األفققراد وبالتققالي تكققون
غايتهققا حفققظ األمققن وتحقيققق الحريققة للجميقق ،ومققن يعتبرهققا تسققتمد مققن مبققادئ عقليققة وموضققوعية تتهسققس عليهققا
الدولققة بشققكل حتمققي يتجققاوز اإلرادات الفرديققة ذاتهققا .لكققن فققي األخيققر يمكققن القققول أن الدولققة لهققا الققدور األسققاس
في التحقيق الفعلي إلنسانية اإلنسان.
تميزت مرحلة ميالد الدولة الحديثة بالدعوة إلى انفصال الكنيسة (الدين) عن السياسة ،فكان ماكياڤيلي من المؤيدين
لهذا اإلنفصال (انفصال السلطة الدينية عن السلطة السياسية) ،ورأى أنه من الضروري سحب البساط من تحت أقدام البابا
وتسليم السلطة لشخص األمير ،وقد سعى ماكياڤيلي في كتابه الذي يحمل عنوان "األمير" إلى تبيان المميزات والخصائص
التي يجب أن يتصف بها األمير والتي ستخول له ممارسة سلطته والحفاظ على استمراريتها.
يؤكد ماكياڤيلي في هذا الكتاب على أن القانون ال يكفي لتدبير وتسيير شؤون مجتم ما بشكل جيد وال يكفل لألمير
دائما الحفاظ على هيبته ومصالحه ،إذ في العديد من األحيان يكون تطبيقه بشكل حرفي سببا في ضياع هذ المصالب ،لذا
يلزم الحاكم أن يجم بين القوة والقانون في آن واحد ألن غاية ومهمة الحاكم ق حسب ماكياڤيلي ق هي الحفاظ على الحكم
وضمان استمرارية سلطته ،وذلك باعتماد جمي الوسائل الممكنة المشروعة منها وغير المشروعة (الغاية تبرر الوسيلة).
وبتعبير ماكياڤيلي على الحاكم أن يكون ماكرا كالثعلب وقويا كاألسد .بمعنى أنه على األمير الناجب أن يعتمد القوة
باإلضافة إلى التعامل بمنطق الحيلة والخديعة إذا أراد الحفاظ على حكمه ،من خالل إعطاء الوعود والتملص منها
والتظاهر بالشفقة والرحمة والتدين ،واحترام طقوس العبادة ،فكلها أساليب تقوي سلطته وتطيل عمر حكمه.
مما سبق يتضب أن السلطة عند ماكياڤيلي تستمد روحها من مصدرين ؛ أحدهما مادي يتجلى في القوة واآلخر رمزي
يتمثل في استغالل األمير لمجموعة من القنوات من قبيل الدين والثقافة لتمرير سلطته والتظاهر أمام شعبه بصفات الرجل
الورع والمتدين والمتواض ،مما يجعل أتباعه يثقون به ثقة عمياء ويتمنون عدم موته ،وحتى في حالة موته تظل ذكرا
كحاكم عظيم.
يؤكد ابن خلدون على أن نجاح الحاكم في تدبير شؤون رعيته رهين بنهج سياسة االعتدال والتوسط دون إفراط وال
تفريط ،فالحاكم الجيد ليس هو ذلك الذي يتعامل م رعيته بالقوة والبطش والتسلط ،وال هو كذلك من يتحلى باللين والرقة
المفرطين؛ وإنما ذلك الذي يحاول التقريب بين األسلوبين ،ألن المغاالة في القوة تخلق الخوف والخذالن في نفوس األتباع،
كما أن اللين والرفق والرقة ينميان في النفس الكسل والخمول ،لذا يتوجب على الحاكم العمل بمنطق الوسطية واالعتدال.
وتعود هذ القاعدة (مبدأ الوسطية واالعتدال) إلى الفلسفة اليونانية وتحديدا م أرسطو وأيضا إلى المرجعية
اإلسالمية ،وتستمد مبررها من أن الفرد ملزم بهن يبحث عن شيء وسط يمكن أن يقوم به ويحترمه في سائر الظروف
والمناسبات .فاإلنسان الشجاع مثال ليس هو المتهور بشكل كامل وال هو بالخائف والجبان بشكل كامل ،والحاكم الجيد ليس
بالحاكم المفرط في القوة والذكاء وال بالحاكم المغفل واللين بشكل مفرط.
-5مطلب التركيب
يبدو أن تصور كل فيلسوف للسلطة السياسية ناب من المناخ السياسي وطبيعة الدولة في عصر وفي مجتمعه،
فماكياڢيلي الحالم بوحدة إيطاليا وقوتها دفعه لتصور سلطة سياسية تتسم بالپراغماتية (الغاية تبرر الوسيلة) ،أما ابن خلدون
باعتبار مرآة عصر فموقفه اتسم بالتحليل التاريخي للسلطة السياسية في المجتمعات العربية اإلسالمية.
-العنف :استعمال القوة تجا الغير وذلك بهدف إخضاعه إلرادة الذات.
-3مطلب التحليل :تصور ماكس ڤيبر ( ":)1864/1920إن الدولة هي المصدر الوحيد الذي له الحق في
ممارسة العنف".
نجد أن ماكس ڢيبر نظر إلى الدولة من زاوية سوسيولوجية باعتبارها تجمعا بشريا في حدود مجال جغرافي معين
وتنظيما سياسيا وإداريا واقتصاديا ال يمكنه االستغناء عن العنف ألنه جزء من الوظيفة األساسية للدولة ،فهي تمارسه في
شكله المادي والمنظم بقوانين وإجراءات ،وهي الجهاز الوحيد الذي له الحق في ممارسة العنف واحتكار ،فهو حق
مشروع تمتلك الدولة فقط وسائل استخدامه من أجل تدبير شؤون المواطنين وضمان سيادتها في نفس الوقت .وغياب هذا
العنف سيؤدي حتما إلى اختفاء مفهوم الدولققققققة وبروز وانتشار الفوضى .وبذلك يصبب العنف ظاهرة صحية وعنصرا
ثابتا ومغذيا لوجود الدولة.
بناء على ما سبق يمكن القول أن السمة المميزة للدولة هي العنف المادي المشروع ألنه وسيلتها الفعالة والخاصة
بتحقيق غاياتها ،وال يسمب لألفراد أو الجماعات باستعمال العنف إال بتفويض وموافقة الدولة.
-4مطلب المناقشة :تصور جاكلين روس ( " :)..../1949إن دولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة
الدولة ممارسة تتشبث بالقانون وباحترام الحريات"...
تعترض جاكيلن روس على فكرة الدولة القائمة على العنف ،ألن العنف في نظرها ال يولد سوى العنف المضاد ،لذلك
ينبغي أن تتهسس الدولة على فكرة الحق والقانون والتمسك بالعدالة ،وهذا ال يتحقق إال في ظل دولة الحق والقانون ،وهي
الدولة التي تتهسس على مبادئ ثالث :الحق ،القانون و فصل السلط .ويترتب عن هذ المبادئ الثالث ممارسة معقلنة
لسلطة الدولة ،ممارسة تتشبث بالقانون واحترام الحريات وتحفظ الكرامة اإلنسانية ،ممارسة ضد كل أنواع القوة والعنف
والتخويف والتسلط واالستبداد .تقول روس في هذا الصدد ":إن دولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة لسلطة الدولة،
ممارسة تتشبث بالقانون وباحترام الحريات كما تؤدي إلى نظام سياسي متوازن ينفتب على مجال الحريات العامة".
-5مطلب التركيب
مما سبق يتضب أن نجاح الدولة المعاصرة يتوقف على المزاوجة بين سلطة القوانين وسلطة العنف ،لكن المشكل يكمن
في أن اآلليتين متعارضتين ،فهل من الممكن الجم بينهما من أجل تحقيق نفس الغاية ؟ الجواب الذي نقترحه هو أن
التناقض الموجود بينهما تناقض ظاهري فقط ال يمن اجتماعهما ،وبالتالي فال مجال للفصل بين الدولة من جهة وبين
القانون والعنف من جهة أخرى ،فهي بهما وبينمها وتدبرهما بما يتالءم ومصالب المجتم ومطالب العقل .فالدولة تمارس
العنف المشروع باسم الحق والقانون