You are on page 1of 5

‫وقعة صفين‬

‫الفتنة الكبرى‬
‫وقعة صفين‪ ‬هي معركة وقعت بين جيش‪ ‬علي بن أبي طالب‪ ‬وجيش‪ ‬معاوية بن أبي سفيان‪ ‬في‪ 26 ‬يوليو‪ 657 ‬م‪ 37 /‬هـ‪.‬‬
‫وكانت امتداداً‪ ‬للفتنة‪ ‬التي أدت إلى مقتل الخليفة الثالث‪ ‬عثمان بن عفان‪ ‬على يد ثوار اجتمعوا من‪ ‬مصر‪ ‬وغيرها‪ .‬وبدأت‬
‫معركة صفين في‪ 1 ‬صفر‪ 37 ‬هـ‪ ، ‬وصفين‪ ‬منطقة بين‪ ‬الشام‪ ‬والعراق‪.‬‬

‫فهرست‬

‫أسباب المعركة‬
‫بعد مقتل‪ ‬عثمان‪ ‬طلبت البيعة لخالفة‪ ‬المسلمين‪ ‬لعلي‪ ‬وتمت له في‪ ‬المسجد النبوي‪ ‬في المدينة‪.‬ـ نزل‪ ‬علي بن أبي‬
‫طالب‪ ‬الرحبة بعد‪ ‬موقعة الجمل‪ ‬وأرسل إلى‪ ‬معاوية‪ ‬يدعوه للمبابعة والطاعة إال أن‪ ‬معاوية‪ ‬اشترط‪ ‬القصاص‪ ‬ممن أقدموا‬
‫على قتل‪ ‬عثمان‪ ‬أو تسليمهم لكي يقتصوا منهم فاعتذر‪ ‬علي‪  ‬بعدم معرفته بالجناة وأن األولى المبايعة ليكونوا بعدها يداً‬
‫واحدة في معاقبة الجناة‪ ،‬ودارت بينهما مراسالت عدة أدرك خاللها قتلة‪ ‬عثمان‪ ‬خطورة موقفهم وأن‬
‫مبايعة‪ ‬معاوية‪ ‬لعلي‪  ‬ستجر عليهم العقاب والقصاص‪ ،‬لذلك حرصوا على التحريش بين الفريقين وجرهم إلى المواجهة وقد‬
‫نجحوا في ذلك‪.‬‬

‫الجيش‬
‫جهّز‪ ‬معاوية‪ ‬جيشا ً عدده ‪ 130‬ألف مقاتل من الشاميين‪،‬ـ وجهّز اإلمام‪ ‬علي‪ ‬جيشا ً عدده ‪ 135‬ألف مقاتل من‪ ‬الكوفيين‪،‬‬
‫منهم ‪ 100‬مقاتل ممّن قاتل مع رسول هللا في معركة‪ ‬بدر‪ ‬الكبرى‪ ،‬كعمار بن ياسر‪ ،‬وحزيمة بن ثابت‪ ،‬وسعد بن‬
‫قيس‪ ،‬وعبد هللا بن عباس‪ ‬وغيرهم‪.‬‬
‫االستعانة بقتلة عثمان‬
‫رأى‪ ‬علي بن أبي طالب‪  ‬أن مصلحة المسلمين العامة تقتضي مقاتلة هذه الفئة التي خرجت على أمير المؤمنين‪ ،‬وخرجت‬
‫على جماعة المسلمين‪ ،‬ورأى أن من المصلحة أي ً‬
‫ضا أن يستعين على قتالهم بهؤالء القوم من أهل الفتنة لِ َما لهم من العدد‬
‫والعدة‪ .‬وكانوا ينقسمون إلى مجموعتين كبيرتين‪:‬‬
‫‪ -‬مجموعة تظن أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر‪ ،‬وذهبت ألجل هذا لخلع عثمان بن عفان‪ ،‬أو قتله‪ ،‬وكذلك قال‬
‫محمد بن أبي بكر الصديق رضي هللا عنه لعثمان بن عفان رضي هللا عنه‪:‬‬
‫يقول‪[:‬ر َّب َنا ِإ َّنا َأ َطعْ َنا َسا َد َت َنا َو ُك َب َرا َء َنا َفَأ َ‬
‫ضلُّو َنا الس َِّبياَل ] {األحزاب‪.}67:‬‬ ‫َ‬ ‫إنا ال نريد أن نكون يوم القيامة ممن‬
‫فكان رضي هللا عنه يعتقد ابتداءً‪ ،‬ولديه قناعة تامة أن عزله لعثمان رضي هللا عنه‪ ،‬أو قتله قربة إلى هللا‪ ،‬وكان الكثير‬
‫ضلّل من قِ َبل رءوس الفتنة‪.‬‬ ‫منهم قد ُ‬
‫‪ -‬أما المجموعة األخرى‪ ،‬فكانت تظهر اإلسالم‪ ،‬وتبطن الكفر والكيد والحقد على اإلسالم‪ ،‬فكانوا من المنافقين‪.‬‬
‫وقائع المعركة‬
‫اليوم األول‬
‫أخرج علي بن أبي طالب رضي هللا عنه في اليوم األول‪ -‬وكان غ ّرة شهر صفر‪ -‬األشتر النخعي على رأس مجموعة‬
‫كبيرة من الجيش‪ ،‬وأخرج معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنه حبيب بن مسلمة مع مجموعة كبيرة من جيشه‪ ،‬وتدور‬
‫الحرب بين الفريقين بشدة من الصباح حتى المغرب‪ ،‬ويسقط الكثير من القتلى الشهداء من الفريقين‪ ،‬ويكون القتال في هذا‬
‫ًئ [‪]3‬‬
‫اليوم متكاف ا‪.‬‬
‫اليوم الثاني‬
‫في اليوم التالي الخميس ‪ 2‬من شهر صفر‪ ،‬أخرج علي بن أبي طالب رضي هللا عنه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص رضي‬
‫هللا عنه أحد المجاهدين الذين لمعت أسماءهم كثيرً ا في فتوح فارس والروم‪ ،‬وأخرج معاوية رضي هللا عنه أبا األعور‬
‫السلمي‪ ،‬ويدور قتال شديد‪ ،‬ويتساقط القتلى والشهداء من الفريقين دون أن تكون الغلبة ألحدهما‪.‬‬
‫اليوم الثالث‬
‫في اليوم الثالث يخرج على فريق العراق عمار بن ياسر رضي هللا عنه وأرضاه‪ ،‬وهو شيخ كبير قد تجاوز التسعين من‬
‫عمره‪ ،‬ويخرج في الناحية األخرى عمرو بن العاص رضي هللا عنه وأرضاه ويتقاتل الفريقان من الصباح حتى المغرب‪،‬‬
‫وال يتم النصر ألحد الفريقين على اآلخر‪.‬‬
‫اليوم الرابع‬
‫في اليوم الرابع يخرج على فريق علي بن أبي طالب محمد بن علي بن أبي طالب المُسمّى محمد بن الحنفية‪ ،‬وعلى‬
‫الناحية األخرى عبيد هللا بن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه وأرضاه‪ ،‬ويدور القتال من الصباح إلى المساء‪ ،‬ويسقط‬
‫القتلى والشهداء من الفريقين ثم يتحاجزان‪ ،‬وال تتم الغلبة ألحد الفريقين على اآلخر‪.‬‬
‫اليوم الخامس‬
‫اليوم الخامس يخرج على فريق علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عبد هللا بن عباس رضي هللا عنهما‪ ،‬وعلى الفريق‬
‫اآلخر الوليد بن عقبة فاتح بالد أذربيجان وجزء كبير من بالد فارس في عهد عثمان بن عفان رضي هللا عنه‪ ،‬وقد واّل ه‬
‫عثمان رضي هللا عنه‪ ،‬وهو ابن خمس وعشرين وسنة‪ ،‬وكانت له جهود كبيرة في الجهاد في سبيل هللا‪ ،‬وتقاتل الفريقان‬
‫طوال اليوم دون أن يحرز أحدهما النصر على صاحبه‪.‬‬
‫اليوم السادس‬
‫في اليوم السادس يخرج على فريق العراق قيس بن سعد‪ ،‬وعلى جيش الشام ابن ذي القالع الحميري‪ ،‬وكان هو وأبوه ذو‬
‫القالع في جيش معاوية رضي هللا عنه‪ ،‬وقد استشهد والده في هذه المعركة‪ ،‬ويدور القتال الشديدـ بين الفريقين من الصباح‬
‫إلى المساء‪ ،‬ويتساقط القتلى والشهداء ويكثر الجرحى دون أن تكون الغلبة ألحد الفريقين‪.‬‬
‫اليوم السابع‬
‫في اليوم السابع يخرج للمرة الثانية األشتر النخعي على مجموعة من جيش العراق‪ ،‬ويخرج على جيش الشام حبيب بن‬
‫مسلمة الذي قد خرج له في المرة األولى‪.‬‬
‫وفي مساء هذا اليوم تبين أن استمرار هذا األمر‪ ،‬من إخراج فرقة تتقاتل مع الفرقة األخرى دون أن يكون النصر ألحد‬
‫سيأتي على المسلمين بالهالك‪ ،‬ولن يحقق المقصود‪ ،‬وهو إنهاء هذه الفتنة‪ ،‬وكان علي بن أبي طالب رضي هللا بفعل ذلك‬
‫ليج ّنب المسلمين خطر التقاء الجيشين الكبيرين‪ ،‬ولئال ُتراق الدماء الكثيرة‪ ،‬فكان يخرج مجموعة من الجيش لعلها أن تهزم‬
‫المجموعة األخرى‪ ،‬فيعتبروا ويرجعوا عن ما هم عليه من الخروج على أمير المؤمنين‪،‬ـ وكذلك كان معاوية رضي هللا‬
‫عنه يخ ّر ج مجموعة من جيشه فقط دون الجيش كله ليمنع بذلك إراقة دماء المسلمين‪.‬‬
‫فقرر علي بن أبي طالب رضي هللا عنه أن يخرج بجيشه كله لقتال جيش الشام‪ ،‬وكذلك قرر معاوية رضي هللا عنه‪،‬‬
‫ويبقى الجيشان طوال هذه الليلة يقرءون القرآن‪ ،‬ويصلون‪ ،‬ويدعون هللا أن يمكنهم من رقاب الفريق اآلخر جها ًدا في سبيل‬
‫هللا‪ ،‬ويدوّ ي القرآن في أنحاء المعسكرين‪ ،‬ويبايع جيش معاوية معاوية رضي هللا عنه على الموت‪ ،‬فليس عندهم تردد فيما‬
‫وصلوا إليه باجتهادهم‪ ،‬ويستعدون للقاء هللا تعالى على الشهادة في سبيله‪ ،‬ومع أنهم يعلمون أنهم يقاتلون فري ًقا فيه كبار‬
‫الصحابة؛ علي بن أبي طالب‪ ،‬وسلمان الفارسي‪ ،‬وعبد هللا بن عباس‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬إال أنه كان معهم أيضًا الكثير من‬
‫الصحابة معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬وعبد هللا بن عمرو بن العاص‪ ،‬وهو من أفقه الصحابة‪ ،‬ولم يكن‬
‫يرغب على اإلطالق أن يقاتل في صف معاوية‪ ،‬أو علي رضي هللا عنهما ولم يشترك رضي هللا عنه في هذه المعركة إال‬
‫ألن الرسول صلى هللا عليه وسلم كان قد أوصاه بأال يخالف أباه‪ ،‬وقد أمره أبوه عمرو بن العاص رضي هللا عنه أن‬
‫يشارك في القتال‪ ،‬فاشترك رضي هللا عنه في الحرب‪ ،‬ولكنه لم يقاتل ولم يرفع سي ًفا في وجه أحد من المسلمين‪.‬‬
‫اليوم الثامن‬
‫وفي اليوم الثامن يخرج علي بن أبي طالب رضي هللا عنه بنفسه على رأس جيشه‪ ،‬كما يخرج معاوية بن سفيان رضي هللا‬
‫عنه على رأس جيشه‪ ،‬ويدور بين المسلمين من الطرفين قتال عنيف‪ ،‬وشرس لم يحدث مثله من قبل‪ ،‬فهؤالء هم األسود‬
‫الشجعان الذين قهروا دولة الروم ودولة الفرس‪ ،‬وثبت الفريقان لبعضهما ولم يف ّر أحد‪ ،‬ودار هذا القتال من الصباح حتى‬
‫عشاء هذا اليوم‪ ،‬وتحاجز الفريقان بعد سقوط الكثير من الشهداء‪ ،‬والقتلى والجرحى‪.‬‬
‫اليوم التاسع‬
‫وفي اليوم التاسع يصلّي علي بن أبي طالب رضي هللا عنه الصبح‪ ،‬ويخرج مباشرة لساحة القتال مستأن ًفا من جديد‪ ،‬وفي‬
‫هذا اليوم كان على ميمنة علي بن أبي طالب رضي هللا عنه عبد هللا بن بديل‪ ،‬وعلى ميسرته عبد هللا بن عباس‪ ،‬ويهجم‬
‫عبد هللا بن بديل بالميمنة التى هو عليها على ميسرة معاوية رضي هللا عنه التي كان عليها في ذلك الوقت حبيب بن‬
‫مسلمة‪ ،‬ويجبرهم عبد هللا بن بديل على التوجه إلى القلب‪ ،‬ويبدأ جيش علي رضي هللا عنه في إحراز بعض من النصر‪،‬‬
‫ويرى ذلك معاوية رضي هللا عنه‪ ،‬فيوجه جيشه لسد هذه الثغرة‪ ،‬وينجح جيشه بالفعل في سد الثغرة ويردّون عبد هللا بن‬
‫بديل عن ميسرتهم‪ ،‬وقُ تل في هذا اليوم خلق كثير‪ ،‬وانكشف جيش علي بن أبي طالب رضي هللا عنه حتى وصل الشاميون‬
‫إلى علي رضي هللا عنه‪ ،‬فقاتل رضي هللا عنه بنفسه قتااًل شدي ًدا‪،‬ـ وتقول بعض الروايات إنه قتل وحده في هذه األيام‬
‫ً‬
‫وخاصة أنه في أحداث الفتن تكثر الروايات الموضوعة‪،‬‬ ‫ً‬
‫مبالغا في هذه الرقم‪،‬‬ ‫خمسمائة من الفريق اآلخر‪ ،‬وقد يكون‬
‫والكاذبة التي تشمئز منها النفوس‪ ،‬ويتهمون فيها بسوء ظ ّنهم‪ ،‬وقبْح قصدهم‪ ،‬يتهمون معاوية بن أبي سفيان‪ ،‬وعمرو بن‬
‫العاص رضي هللا عنهما بأنهما يريدان اإلمارة والملك ويخدعان الناس بمكرهما الشديد‪ ،‬ويقذفان في جيش علي بن أبي‬
‫طالب وعمار بن ياسر رضي هللا عنهما‪ ،‬وروايات أخرى مختلقة في إظهار تقوى علي بن أبي طالب رضي هللا عنه‪،‬‬
‫والفريق الذي معه لينتقصوا بذلك من معاوية رضي هللا عنه وجيشه‪ ،‬وكلها روايات شيعية مغرضة ليس لها أساس من‬
‫الصحة‪ ،‬وكلها تأتي من أبي مخنف لوط بن يحيى أحد الوضّاعين الذي قال عنه اإلمام ابن حجر العسقالني‪ :‬إخباري تالف‬
‫ال يوثق به‪.‬‬
‫وقال عنه الدارقطني‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫وقال عنه يحيى بن معين‪ :‬ليس بتقة‪ .‬وقال عنه مرة‪ :‬ليس بشيء‪.‬‬
‫وقال عنه ابن عدي‪ :‬شيعي محترق‪.‬‬
‫بدأ جيش علي بن أبي طالب رضي هللا عنه في االنكسار بعد الهجمة التي هجمها عليها جيش معاوية بن أبي سفيان رضي‬
‫هللا عنه‪ ،‬فيأمر علي بن أبي طالب رضي هللا عنه األشتر النخعي لينقذ الجانب األيمن من الجيش‪ ،‬واستطاع بقوة بأسه‪،‬‬
‫وكلمته على قومه أن ينقذ الموقف‪ ،‬وظهر بأسه‪ ،‬وقوته وشجاعته في هذا الموقف‪ ،‬ور ّد األمر إلى نصابه‪ ،‬واستطاعت‬
‫ميمنة الجيش من السيطرة مر ًة أخرى على أماكنها التي كانت قد انسحبت منها‪.‬‬
‫و ُي َقتل في هذا الوقت عبد هللا بن بديل وتكاد الكرة تكون على جيش علي رضي هللا عنه‪ ،‬لوال أن ولّى عل ٌي رضي هللا عنه‬
‫على الميمنة األشتر النخعي‪ .‬استشهاد عمار بن ياسر رضي هللا عنه‬

‫مقتل عمار بن ياسر‬


‫قرب العشاء يُقتل‪ ‬عمار بن ياسر‪ ، ‬وكان في جيش‪ ‬علي بن أبي طالب‪ ،‬ويقتل معه في نفس الوقت هاشم بن عتبة بن أبي‬
‫وقاص في لحظة واحدة‪.‬‬
‫يقول أبو عبد الرحمن السلمي‪ :‬رأيت عمارً ا ال يأخذ واديًا من أودية صفين إال ا ّتبعه من كان معه من أصحاب رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ورأيته جاء إلى هاشم بن عتية وهو صاحب راية‪ ،‬فقال‪ :‬يا هاشم تقدم‪ ،‬الجنة تحت ظالل السيوف‬
‫والموت في أطراف األسنة وقد فُتحت أبواب الجنة وتزينت الحور العين اليوم‪ ،‬ألقى األحبة محم ًدا وحزبه‪.‬‬
‫ثم حمل هو و‪ ‬هاشم بن عتبة‪ً  ‬‬
‫حملة واحدة فقُتال جميعً ا‪.‬‬
‫فكان لهذا األمر األثر الشديد على كال الطرفين وحدثت هزة شديدة في الفريقين‪ ،‬وزادت حميّة جيش علي بن أبي طالب‬
‫رضي هللا عنه بشدة‪ ،‬وزاد حماسهم‪ ،‬وذلك ألنهم تأكدوا أنهم على الحق‪ ،‬وذلك لقول رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في‬
‫َّار‪َ ،‬ت ْق ُتلُ ُه ْال ِفَئ ُة ْالبَاغِ َي ُة‪.‬‬
‫الحديث الصحيح‪َ :‬وي َْح َعم ٍ‬
‫وتيقن الناس أنهم على الحق البيّن‪ ،‬وأنهم الجماعة‪.‬‬
‫وعلى الناحية األخرى خاف الناس‪ ،‬ألنهم إذن البغاة الخارجين على إمامهم‪ ،‬واجتمع رءوساء جيش‪ ‬معاوية‪ ‬رضي هللا‬
‫عنه‪ ،‬عمرو بن العاص رضي هللا عنه‪ ،‬وأبو األعور السلمي‪ ،‬وعبد هللا بن عمرو بن العاص رضي هللا عنهما‪ ،‬ومعهم‬
‫معاوية بن أبي سفيان رضي هللا عنه‪ ،‬وأخذوا يتشاورون في األمر ويتدارسونه‪.‬‬
‫رفع المصاحف ووقف القتال‬
‫وبعد سير المعركة في صالح فريق‪ ‬اإلمام علي‪ ،‬دعا‪ ‬عمرو بن العاص‪ ‬جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أس ّنة‬
‫الرماح‪ ،‬ومعنى ذلك أنّ ‪ ‬القرآن‪ ‬حكما ً بيننا‪ ،‬أراد من ذلك أن يخدع أصحاب اإلمام‪ ‬علي‪ ،‬ليقفون عن القتال ويدعون‪ ‬اإلمام‬
‫علي‪ ‬إلى حكم‪ ‬القرآن‪.‬‬
‫وفعالً جاء زهاء عشرين ألف مقاتل من جيش‪ ‬اإلمام علي‪ ‬حاملين سيوفهم على عواتقهم‪ ،‬وقد اسودّت جباههم من السجود‪،‬‬
‫يتقدّمهم عصابة من الق ّر اء الذين صاروا خوارج فيما بعد‪ ،‬فنادوه باسمه ال بإمارة المؤمنين‪ :‬يا علي اجب القوم إلى‪ ‬كتاب‬
‫هللا‪ ‬إذا دعيت‪ ،‬وإالّ قتلناك كما قتلنا‪ ‬عثمان بن عفان‪ ،‬فو هللا لنفعلنها إن لم تجبهم‪.‬‬
‫أحق من أجاب إلى كتاب هللا‪ ،‬ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط ليسوا بأصحاب‬ ‫فقال علي‪" :‬عباد هللا إ ّني ّ‬
‫دين وال قرآن‪ ،‬وإ ّني اعرف بهم منكم‪ ،‬صحبتهم أطفاالً وصحبتهم رجاالً‪ ،‬فكانوا شرّ األطفال وشرّ الرجال‪ ،‬إ ّنها كلمة حقّ‬
‫يراد بها باطل‪ ،‬إ ّنهم وهللا ما رفعوها‪ ،‬إ ّنهم يعرفونها وال يعملون بها‪ ،‬ولك ّنها الخديعة والوهن والمكيدة‪ ،‬أعيروني سواعدكم‬
‫وجماجمكم ساعة واحدة‪ ،‬فقد بلغ الحق مقطعه‪ ،‬ولم يبق إالّ أن يقطع دابر الذين ظلموا"‪ .‬ث ّم قال لهم‪" :‬ويحكم أنا أوّ ل من‬
‫دعا إلى كتاب هللا‪ ،‬وأوّ ل من أجاب إليه ‪."...‬‬
‫قالوا‪ :‬فابعث إلى‪ ‬األشتر‪ ‬ليأتيك‪،‬ـ وقد كان‪ ‬األشتر‪ ‬صبيحة ليلة الهرير قد أشرف على عسكر‪ ‬معاوية‪ ‬رضي هللا عنه ليدخله‪،‬‬
‫فأصرّ وا على رأيهم‪ ،‬وكان أمير المؤمنين‪ ‬اإلمام علي‪ ‬في هذا الموقف أمام خيارين‪:‬‬

‫المضي بالقتال‪ ،‬ومعنى ذلك أ ّنه سيقاتل ثالثة أرباع جيشه وجيش أهل الشام‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫القبول بالتحكيم وهو أق ّل الشرّ ين خطراً‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وهكذا كان القبول بالتحكيم نتيجة حتمية لظروف قاهرة ال خيار ألمير المؤمنين‪.‬‬
‫التحكيم‬
‫اتفق الجيشان ـ جيش أهل الشام وجيش أهل‪ ‬العراق‪ ‬ـ على مبدأ التحكيم‪ ،‬وكان‪ ‬عمرو بن العاص‪ ‬المفاوض من قبل أهل‬
‫الشام‪ ،‬وكان‪ ‬أبو موسى األشعري‪ ‬المفاوض من قبل أهل العراق‪.‬‬
‫وقد اختلف الناس في‪ ‬أبي موسى األشعري‪ ‬أش ّد االختالف ‪ ،‬فاللذين استجابوا لفكرة التحكيم أراده مفاوضا ً عنهم‪ ،‬واللذين‬
‫رفضوا فكرة التحكيم ـ وهم اإلمام عليوأصحابه ـ رفضوا أن يكون األشعري مفاوضا ً عنهم‪ ،‬ولكن لم يكن أمام اإلمام ب ّد‬
‫من االستجابة ألهل‪ ‬العراق‪ ‬والقبول‪ ‬بأبي موسى األشعري‪.‬‬
‫وقد تع ّرض األشعري لخداع ابن العاص الذي أقنعه بخلع أمير المؤمنين‪ ،‬بينما قام‪ ‬عمرو بن العاص‪ ‬بتثبيت‪ ‬معاوية‪ ‬وخلع‬
‫أمير المؤمنين‪.‬‬
‫نتيجة المعركة‬
‫بعد اجتماع الحكمان في‪ ‬دومة الجندل‪  ‬في الموعد المحدد حسب المتفق عليه‪ ،‬إال أنهما لم يتفقا على شيء بل رجعا من‬
‫غير تفاهم‪ .‬وأراد‪ ‬علي بن أبي طالب‪  ‬أن ينهض مرة أخرى لقتال أهل الشام فاستنهض من انشقوا عنه من الخوارج لكنهم‬
‫امتنعوا عن الخروج معه واتهموه بالكفر والفسوق مما جعل خروجه إلى الشام يتحول إلى معركة بينه وبينهم عرفت‬
‫بـ‪ ‬موقعة النهروان‪  ‬تغلب فيها عليهم واستأصل شأفتهم وقضى عليهم إال قليال ‪ ،‬ومنذ ذلك الحين أخذ موقف‪ ‬علي بن أبي‬
‫طالب‪ ‬يتراجع بسبب تخاذل أنصاره وتعنتهم ‪ ،‬وفي المقابل أخذ موقف‪ ‬معاوية بن أبي سفيان‪ ‬وأهل الشام يتقدم واستمر‬
‫السجال بينهم دون تحقيق أحد من الطرفين مكاسب حاسمه ‪ ،‬حيث انتهى هذا السجال الذي استمر زهاء سنتين بقيام ثالثة‬
‫من الخوارج هم‪ : ‬عبد الرحمن بن ملجم‪ ‬البراك بن عبد هللا التميمي‪ ‬وعمرو بن بكر التميمي‪ ‬وعقدوا العزم على التخلص‬
‫من كل من‪ : ‬علي بن ابي طالب‪ ‬ومعاوية بن أبي سفيان‪ ‬وعمرو بن العاص‪ ،‬إذ رأوا بنظرهم القاصر أن هؤالء هم سبب‬
‫الفتن والمصائب التي حلت باالمة فقرروا التخلص منهم ‪ ،‬وقد تمكن عدو هللا‪ ‬عبد الرحمن بن ملجم‪ ‬من طعن‪ ‬علي بن ابي‬
‫طالب‪  ‬حيث استشهد (رضي هللا عنه) في مسجد الكوفة وهو خارج لصالة الفجر سنة (‪ 40‬هـ) بينما أخفق صاحباه في‬
‫قتل‪ ‬معاوية‪ ‬وعمرو بن العاص‪.‬‬
‫آل األمر من بعد إلى تولية‪ ‬الحسن بن علي‪ ‬الخالفة‪ ‬إال أنه تنازل عنها طواعية لمعاوية حقنا ً لدماء المسلمين وجمعا ً لهم‬
‫على إمام واحد‪ ،‬وقد سمي ذلك‪ ‬بعام الجماعة‪ ‬وانقضى بذلك عصر‪ ‬الخالفة الراشدة‪ ‬وابتدأ عصر‪ ‬بني أمية‪.‬‬
‫سؤال احدهم سيدنا علي عن قتلة الموقعة من الطرفين‬
‫ولقد سئل علي رضي هللا عنه عن قتلى الجمل وصفين فقال والذي نفسي بيده ال يموتن أحد من هؤالء وقلبه نقي إال دخل‬
‫الجنة يشير إلى الفريقين نقله الطبري وغيره فال يقعن عندكـ ريب في عدالة أحد منهم وال قدح في شيء‪ --‬ص‪268‬‬
‫مقدمة بن خلدون الجزء االول طابعة دار الفكر‬
‫الخسائر‬
‫ُقتل من الطرفين خالل المعركة ‪ 70‬ألف رجالً‪ ،‬فمن أصحاب‪ ‬معاوية‪ ‬من أهل‪ ‬الشام‪ 45 ‬ألف رجل‪ ،‬ومن أصحاب‬
‫اإلمام‪ ‬علي‪ ‬من أهل‪ ‬العراق‪ 25 ‬ألف رجل‪.‬‬
‫المصادر‬

‫البداية والنهاية البن كثير‬ ‫‪‬‬


‫التاريخ االسالمي لمحمود شاكر‬ ‫‪‬‬
‫مركز البيت العالمي للمعلومات‬ ‫‪‬‬

‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪ ‬ت‪ ‬ث‪:s ‬تاريخ_اإلسالم_للذهبى‪1-‬‬ ‫‪.1‬‬
‫^‪ ‬أ‪ ‬ب‪ ‬ت‪ ‬ث‪( ‬إنگليزية)‪Gustave Louis M. Strauss, Mahometism: an historical sketch of  ‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪its origin and progress, p.66‬‬
‫^‪" ‬موقعة صفين"‪  .‬قصة اإلسالم‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪‬‬
‫‪Madelung, Wilferd (1997). The Succession to Muhammad: A Study of the‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.Early Caliphate. Cambridge University Press. ISBN 0521646960‬‬
‫المراجع‬

‫كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري‬ ‫‪‬‬


‫السيف والسياسة‪ - ‬صالح الورداني ص ‪125‬‬ ‫‪‬‬
‫البداية والنهاية ‪.129 / 8‬‬ ‫‪‬‬
‫عباس محمددـ العقاد‪ ،‬عبقرية اإلمام علي‪(،‬بغداد‪/‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بال تاريخ)‪،‬ص ‪21‬و‪.98‬‬ ‫‪‬‬
‫الطبري ج‪ . 6 / 4‬والكامل البن األثير ج‪149 / 3‬‬ ‫‪‬‬
‫ص ّفين ‪ ،537‬واالمامة والسياسة‪ ،‬وشرح النهج ‪424 / 3‬‬ ‫‪‬‬
‫ص ّفين ‪643‬‬ ‫‪‬‬
‫العقاد‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪108-107‬‬ ‫‪‬‬

You might also like