Professional Documents
Culture Documents
محمد مازن جاسم
محمد مازن جاسم
بحث الطالب
محمد مازن جاسم
الكورس الثاني
قسم
فلسفة الفن
1
الفن في حضارة بالد ما بين النهرين7
وضع اإلنسان 7العراقي منذ آالف السنين أولى لِبنات 7الحضارة اإلنسانية .فكان اإلبداع األصيل ومهبط
اإللهام األول .إذ ترعرعت 7قيم الخير ومبادئ اإلنسانية على ضفاف دجلة والفرات .وفي ربوع أرض
العراق ُأبتدعت الفنون وإنبثقت 7من عطاءات 7اإلنسان مناهل المعرفة .فأنجب العراق العظيم أول معلم
وأول تلميذ وأقدم كاتب وأول مكتبة.
فهنا في سومر ...سادت القيم السياسية 7النبيلة ، 7وكانت جنة الفردوس ،وعلى ارض سومر وأكد،
كان المخاض االول والوالدة االولى الفكار كانت بمعانيها عميقة وخيرة بفعل إرادة السماء التي أحبت
هذه االرض ،وفي بابل وآشور إزدهرت العلوم ووضعت النظريات في الرياضيات والفلك 7والطب.
ِف إنسان هذه االرض دجلة والفرات 7وجبال كردستان ،أحبها ،ومنذ ان أغرته السهول ومنذ ان أل َ
الغرينية الخصبة عشقها 7،فكان التفاعل الصميمي االعظم بين انساننا ذو االرادة العظيمة ،وبين البيئة
التي نالت صداقته بعد مدة من الصراع المرير ،فكانت المودة وكان االلتحام 7األبدي الذي بنيت على
وفقه اسس الحضارة العراقية .فمنذ ان أحيلت 7االفكار واالحاسيس باساليب فنية ،واكتسبت حيز
التعبير في اشكالها الفنية 7المعبرة ،كانت ارض الرافدين مشعال وهاجا انار ذلك الظالم الدامس الذي
خيم على المنطقة انذاك.
وازاء هذا الزهو االزلي 7والعطاء الكبير 7الذي افاضه بسخاء اولئك 7االجداد العظماء في كل ميادين
الحياة 7،ووفاء منا لتلك 7الذكرى الطيبة التي خلودها امام االجيال 7،نجد الوقت قد حان لتدوين مثل هذه
المآثر الخالدة ،وذلك التراث 7الحضاري 7الهائل.
يعرف علماء التاريخ :بانه علم من العلوم اتخذ االدب لتدوينه وعرضه ،وتاريخ الفن هو جزء من
تاريخ الحضارة 7،يهيء لنا المجال الستعراض االعمال الفنية 7منذ القدم وحتى يومنا هذا .وفي الوقت
الذي يدرس فيه طلبتنا 7االعزاء في كليات ومعاهد الفنون العراقية مادة تاريخ الفن 7في بالد وادي
الرافدين ،ويالقون في دراستهم مشاكل جمة بسبب اعتمادهم على مصادر اجنبية الفتقار المكتبة
العربية 7لمصادر من هذا النوع .لذلك وضعنا على عاتقنا تاليف هذا الكتاب 7الذي يشكل عرضا موجزاً
لذلك الصرح 7الحضاري العظيم الذي بناه العراقيون القدماء بمشقة وصبر كبيرين.
واتبعنا في سرد قصة مولد وترعرع 7وتالق الفن العراقي في كتابنا 7هذا ،اسلوبا بسيطا 7يتفق مع الغاية
منه ككتاب منهجي اوال ،وليسهل على القارىء االعتيادي االفادة منه متى شاء ثانيا .واعتمدنا
الحوادث التاريخية بشكل مختصر كاساس لتكوين خلفية لفهم تاريخ الفن ،كون الفن 7غير منفصل عن
التاريخ 7،وال يمكن فهم احدهما فهما صحيحا دون االخر .فغالبا 7ما كان يقال ان دور الفن هو انه ينقل
رسالة 7ال زمن لها غير انه ال يمكن تفسيره اال عن طريق المعرفة الخالصة تماما 7باالحوال التي ادت
الى ظهوره ،فهو حلقة في سلسلة ال نهاية لها ،حلقة مرتبطة ارتباطا 7وثيقا بما سبقها وبما سيعقبها.
أولينا 7في هذا الكتاب إهتماما ً خاصاً 7بطبيعة االعمال الفنية وما تضمنته 7من مضامين خاصة لها عالقة
بالديانة العراقية القديمة وبالمجتمع وبالبيئة ايضاً 7.وقدمنا البدع القطع الفنية وصفا فنيا مع تسليط
اضواء النقد الفني 7عليها ،مبينين ذلك االبداع االصيل وتلك العبقرية 7الفذة التي اتسمت بها اعمال
الفنان 7العراقي .وارشدنا الطالب في نهاية كل فصل الى عدد من المصادر العربية 7واالجنبية رغبة منا
في تنمية مدارك الطلبة 7العلمية ،وعززنا 7كتابنا 7المنهجي هذا بعدد كبير من الصور الفوتغرافية
التوضيحية لجعل الدراسة تقوم على اسس حقيقية وليس مجرد خيال.
واذا ماأخذنا بنظر االعتبار تلك 7االنجازات 7الحضارية العمالقة في حياة البشرية 7،نجد ان لبالد وادي
الرافدين حصة االسد منها ،لذا كان لزاما 7علينا 7ان نقسم منهجية كتابنا هذا الى تسعة فصول رئيسة
سمينا الفصل االول منها فنون االنسان القديم في عصور ما قبل التاريخ ،وسمينا الفصل الثاني7
بفنون االنسان العراقي القديم في العصر الشبيه بالتاريخي 7اشارة الى بداية تكوين ذلك االختراع
2
العظيم في حياة البشرية ونقصد به اختراع الكتابة 7.اما الفصول من الثالث 7الى التاسع 7،فقد إهتمت
بفنون االنسان 7العراقي القديم في العصور التاريخية عندما اكتسبت االحداث السياسية 7المهمة صفة
التدوين التاريخي بداً بالسومريون والعصور الالحقة.
يضم الفصل االول مبحثين 7،كان المبحث االول منهما مكرسا لدراسة فنون االنسان في العصر
الحجري القديم ،وقدمنا فيه دراسة تفصيلية لفنون االنسان في اوربا بغية توضيح خارطة تطور الفن
بشكل كامل ،فقد ترك لنا انسان هذا العصر الموغل في القدم رسوم جدارية عدة ،غطت مساحة
واسعة من سطوح جدران الكهوف ،ومازالت 7الوانها الجذابة البسيطة التي صمدت امام الزمن
باعجوبة حتى االن ،وخطوطها المرنة الصادقة التعبير 7،واسلوب تنفيذها 7الذي يعبر عن مهارة كبيرة
ودقة مالحظة في نقل الحدث ،مصدر اعجاب 7الكثيرين،وعلى الرغم من بساطة امكانات انسان 7ذلك
العصر ،كانت له اعماال بديعة ايضا 7في النحت 7على قطع العظام والقرون وانياب 7الحيوانات 7،ومع
صالبة مثل هذه المواد وضيق المساحات التي توفرها ،كانت جهود اقدم الفنانين متميزة في نحت
االشكال واسلوب تمثيل الموضوعات.
تناولنا 7في المبحث الثاني فنون إنسان 7ارض الرافدين في العصر الذي شهد اهم انجازين 7في حياة
البشرية وهما اختراع الزراعة 7وتدجين الحيوان 7،اللذين اثرا تاثيرا كبيرا في فنون هذا العصر ،فقد
ادى استقرار 7االنسان 7بسبب ممارسة الزراعة 7،الى ظهور فن العمارة ،الذي اتصف ومنذ البداية
بتنوع وظائف االبنية 7،وحسن ترتيب 7مخططاتها الهندسية وتكييف مادة الطين الستخدامها في البناء
وفي ذلك اعظم ابتكار 7في تاريخ الفن 7المعماري.
كان مولد فن الفخار 7في هذا العصر 7العظيم ضرورة ُملِّحة لخزن الحبوب 7في البداية ،ثم سار بسرعة
نحو التطور عندما اصبح اداة للتعبير 7الفني 7،فاختص بصناعته 7فنانون متخصصون 7،وغدت سطوح
الفخاريات 7ذات اللون (التبني) الجميل بمثابة 7أرضيات 7مناسبة لعرض أفكار االنسان 7وذكرياته
ومشاهداته ومعتقداته ،مما أكسب االنية الفخارية صفة روائع فنية .تعد هذه الحقبة نقطة الشروع
االولى التي وضعت فيها اسس الفنون 7التشكيلية 7العراقية ،وشملت ابداعات كثيرة .إذ تنسب اليها
اقدم تماثيل حجرية وفخارية في بالد وادي الرافدين والتي تشير بمواصفاتها الفنية 7الى اقدم تحسس
بقوى ما وراء الطبيعة 7،بشكل رموز مسؤولة عن الخصب والتكاثر 7والنماء بشكل عام.
اما الفصل الثاني من هذا الكتاب فيكتسب خصوصيته كونه يدرس فنون االنسان 7في الفترة الحضارية7
التي شهدت اعظم اختراع 7في قصة الحضارة اال وهو اختراع الكتابة 7،التي بدأت بسيطة في أدوارها
االولى ولم تستخدم إال لتدوين الممتلكات المادية للمعابد واالشخاص ،لهذا سمي هذا العصر بالعصر7
الشبيه بالكتابي. 7
شهد هذا العصر قفزة في جميع ميادين الفنون التشكيلية .ففي ميدان العمارة كان المعمار تواقا
لتقليص 7تلك الهوة الشاسعة بين السماء واالرض ،فرفع اقدم ابنية تذكارية ضخمة له ونقصد بها
المعابد عن سطح االرض 7،محاوال تسهيل مهمة هبوط القوى السماوية المتحكمة بسعادته وقدره في
ابنية جميلة بناها لراحتها 7على االرض .لذا فقد حرص المهندسون لهذه االبنية على تزيينها من
الخارج بزخارف ملونة جميلة وباسلوب يعد روعة في الجمال ،كي تليق بسكنى مثل هذه القوى
المقدسة الجليلة .وفي النحت المجسم عبر الفنان 7عن ذلك االخالص في اعماق التماثيل 7،بينما جاء
تسخير النحت البارز 7لتصوير الفعاليات السياسية للحكام 7،الذين تولوا مهمة المحافظة على النظام ضد
أشد قوى اإلرباك 7والفوضى شراسة ،ولتمثيل تلك الفعاليات الطقوسية التي حرص االنسان 7على
شكراً لاللهة على ما اغدقته من خيرات 7وفيرة على البالد .ومع ذلك لم تكن فنونتاديتها باستمرارُ 7
هذا العصر محصورة على طبقة معينة ،فقد كانت 7فنا شعبيا في بعض االحيان ،فاالختام االسطوانية
التي ابتكرت في هذه المرحلة تعد بحد ذاتها تجسيدا للشخصية وخصوصيتها بموضوعاتها 7التي تتفق
مع الذوق العام 7،التي كانت اقدم التواقيع الشخصية التي منحت االنسان 7صورة كاملة ،ليبدو كيانا
3
مستقل له دوره ومركزه في المجتمع ،والول مرة في تاريخ الفكر األنساني . 7وباستخدام الكتابة في
تدوين االحداث السياسية 7نكون قد دخلنا العصور التاريخية 7التي خصصت الفصل الثالث حتى التاسع7
من هذا الكتاب 7لدراسة فنونها.
شغلت العصور التاريخية القديمة التي سبقت ظهور االسالم مدة طويلة توالى على حكم العراق فيها
اقوام عديدين ،وكانت العهود االولى من نصيب السومريين 7التي يختص الفصل الثالث بدراسة فنونها
التشكيلية 7.ولعل اهم ما يسترعي 7االنتباه هو ارتباط 7فنون السومريين بارض 7العراق وبفنون المرحلة
السابقة مما يربح اصال عراقيا 7لهؤالء المبدعين االوائل الذين أحلـّوا ازدهارا عظيما يعد أصيال بصفة
خاصة .فللسومريين يرجع الفضل في ايجاد صفات 7االبنية المعمارية 7الهندسية التي استمرت 7في
العصور الالحقة .فقد واضب السومريون وبفاعلية 7كبيرة على احترام االلهة ،فشيدوا بنوع خاص من
اللبن 7يسمى باللبن 7المستوي -المحدب plane convexاروع ماثر العمارة الدينية والمدنية التذكارية
الفخمة التي ما زالت 7تثير الدهشة بانتظام مخططاتها االرضية 7وبحليتها التزينية بشكل الواح
ومنحوتات 7من البرونز 7والعاج والصدف ،تذكر بحزم الحكام الدؤوب على الفتك 7بمن يحاول الخروج
عن ارادة دويلة المدينة 7،وبذلك الخير 7الوفير الذي احلته االلهة في ارض سومر مما جعلها جنة
الفردوس الموعودة.
وفي ميادين النحت 7المجسم كان الحس السومري مرهفا في خلق الصيغ التعبيرية الناجحة والمؤثرة
في النفس 7،فكانت تماثيل المتعبدين السومريين 7من اقدم اعمال النحت 7المجسم التي تتوضح فيها
جهود تلك االنامل الماهرة التي صاغت 7من اكثر المواد صالبة اشكاال بشرية تعد متفوقة حقا
بخطوطها العامة 7،وتفاصيلها 7الدقيقة ،ومرونتها العالية 7وقوتها التعبيرية الهائلة 7التي جعلت اشكالها
تهرب من االشكال الواقعية ،وتنتمي الى عالم الخروج من الشكل المالوف ،بعيونها التي بدت واسعة
لدرجة انها احتلت حوالي نصف مساحة الوجه ،التي ما انفكت تتسائل 7عن طبيعة االلهة ومصير
البشر كما ورد ذلك على لسان كلكامش في اعظم ملحمة في تاريخ البشرية7.
وفي النحت 7البارز 7كانت الذاكرة والمشاهدة المجردة للسومريين 7،بمثابة (عدسة) متجولة امينة بشكل
مطلق في تخليد االحداث ،فعلى كتل الحجر الهائلة نحتت اغلب الفعاليات السياسية واالجتماعية7
والدينية باسلوب يعتمد انشاء تصويري بسيط ومترابط في رواية الحدث دون اهمال المضامين7
العميقة لالحداث .فحققوا بذلك اقدم توثيق تصويري لالحداث واوجدوا صلة قوية بين التاريخ
المكتوب والتاريخ المصور بلغة الفن.
لقد رافق السومريين االبداع في اغلب نتاجاتهم الفنية ،ففي فن صناعة وتزيين 7الفخار كانت لهم
نماذج رائعة حقا بجمال تقنية عملها واشكالها ونقوشها الزخرفية المتنوعة والمتناسقة 7والبهيجة
االلوان ،وفي الفنون الدقيقة كالصياغة 7واالواني المعدنية كان لهم تفوقا مرموقا ومهارة عالية،
مازالت 7تسترعي انتباه حتى العاملين بهذا المجال في عصرنا الحاضر.
وفي الفصل الرابع قدمنا دراسة تفصيلية لفنون الدولة االكدية ودورها الفعال في بناء 7الصرح
الحضاري العظيم للعراق القديم ،وبتسلم االكديين لمقاليد 7السلطة السياسية 7كانوا منذ البداية من
االدراك الن يواصلوا المسيرة بدال من يقوضوا ما انتجه اسالفهم في المجاالت 7المختلفة 7.فلم يكن
هناك أي توقف واضح في تقدم المدنية وال اية ثغرة في التطورات الفنية ،فقد حافظ الفنانون االكديون
بامانة على القيم الحضارية 7التي ورثوها عن السومريين 7.وقد استطاعوا بكل جرأه ان يطوروا تلك
القيم ويصوغوها باطار جديد يتجاوب والظروف الموضوعية لمرحلتهم التاريخية7.
لقد حاول النحات االكدي ان يجد في شخصية االنسان 7قوة الهية خارقة ،الن موقف هذا العنصر 7من
البشر لذي عشق الحركة والبناء 7،كان يعبر عن نفسه بسعادة اوسع في تخليد أعمال ملوكه ممن
صنعوا المعجزات 7.فالول مرة في تاريخ النحت العراقي القديم عملت 7تماثيل تقرب من الحجم الطبيعي
لالنسان ،وبدات نسب اجزاء الجسم تقرب من النسب الحقيقية ،بنزعة واقعية حية واجادة دقيقة في
4
التمثيل ،وعن طريق مهارة التالعب بالضوء والظل في طيات المالبس تحولت كتل الحجر الى مشهد
ذو حركة كبيرة الحيوية.
وفي تصوير االحداث خلّد النحات االكدي لالجيال معارك ملوكه البطولية 7الناجحة بشكل منحوتات7
بارزة كانت تعرض امام الناس 7في قصور وساحات المدن االكدية .لقد كان االكديون في هذا النوع من
المنحوتات 7يرفضون الجمود باالجماع 7،وكان الوجود بالنسبة لهم يمثل حالة تغيير متواصلة وتطور
دائم ،فنقلوا المنحوتات 7من جو الجمود الى جو حرية التكوين والحدوث المليء بالحياة 7وقوة التعبير.
فخلقوا بذلك توائم كبير بين الشخصية 7االكدية وخواص المنحوتات 7الفنية وفي ذلك اهمية كبيرة في
خلق االستقاللية لالسلوب 7الفني.
اال ان فنون الدولة االكدية لم تكن ملكية على طول الخط فقد كان لالساطير 7الدينية وعالم االلهة
والمعتقدات الدينية وذكريات كلكامش وانكيدو ،مجاال رحبا في التمثيل على سطوح االختام
االسطوانية ،التي وصلت الى قمة التالق في وضوح طبعاتها وجمال نحتها وعمق المضامين 7في
االفكار التي تعرضها.
لقد حقق االكديون تالقا فنيا عظيما اثار 7حقد الكوتيين الغزاة سكان الجبال البعيدة ،فاندفعوا كالثعابين7
كما تصفهم النصوص التاريخية الحتالل ارض الرافدين ،فاحلوا الخراب في البالد لذلك كانوا
يواجهون التحدي باستمرار من قبل العراقيين ،الذين رفضوا الخضوع لالجنبي منذ اقدم مراحل
التاريخ وقد كان مشروع تحرير االرض المقدسة على يد اول محرر في التاريخ ،الملك 7العظيم اوتو-
ـر التاريخ ،وقادهمحيكال الذي استنفر 7همم العراقيين الذين احبوا االستشهاد في سبيل الوطن على َم ّ
لحرب تحرير شاملة انتهت بطرد االجانب 7الغزاة وتحرير البالد منهم.
لهذا وضع االساس المتين لخلق حالة انبعاث 7كبيرة ونهضة نشطة بقصد بعث الحضارة السومرية-
االكدية من جديد بعد الخمول الذي انتابها 7ايام سيطرة الكوتيين 7االجانب 7،وقد كان عهد النهوض
الجديد هذا من نصيب 7ساللة اور الثالثة التي خصص الفصل الخامس من هذا الكتاب 7لدراسة فنونها.
فقد شهد الفن العراقي القديم دورا ذهبيا 7تميز بتمازج االساليب الفنية 7السومرية -االكدية تمازجا7
جميالً ادى الى خلق حالة جديدة اتصفت بابداعات فنية عديدة وانجازات 7خالقة من نوع خاص .فاذا
كانت المعابد والقصور السومرية -االكدية تعد انتصارا 7للعمارة االفقية ،فان االبراج المدرجة
(الزقورات) تعد اقدم انتصار للعمارة 7العمودية حققه مهندسو سومر واكد ،وهي بارتفاعاتها الهائلة7
والتناسق الجميل المتدرج لطبقاتها 7وقممها الزرقاء اللماعة المكسية بالطابوق االزرق ،توشك ان
تنطق بان تلك 7الهوة الشاسعة بين عالم السماء وعالم االرض قد اصبحت معدومة ،وان الطريق غدت
ممهدة بين عالم البشر وعالم االلهة ،وفي ذلك اعظم انجاز في تاريخ الفكر االنساني .وفي النحت
المجسم يبدو ان التقاليد السومرية القديمة لتماثيل المتعبدين 7بعثت من جديد ،فهذا العصر يشتهر
بعشرات التماثيل التي نحت من احجار صلبة سوداء اللون تتصف بقوة روحية هائلة مودعة في
اعماق التماثيل 7،وقد غيبت فيها قوانين النحت السومرية الصارمة ،التي لطفت 7هنا وهناك بلمسات
فنية ذات روحية اكدية ،أوجدت فيها حياة حقيقية واكسبتها قوة تعبيرية 7ممتازة .وفي النحت البارز
كانت سطوح الكتل الحجرية 7الواسعة تصور مشاهد تعبدية ولقاءات 7ود ّية بين البشر وااللهة ،وهي
تذكر بمضامينها 7باالعمال الورعة للملوك 7الذين احلوا الخير 7والرفاه لشعوبهم بفعل ارادة االلهة .وفي
النحت الفخاري واالختام االسطوانية ترك لنا فنانو هذا العصر موضوعات 7ذات طبيعة شعبية ،تعد
بمثابة دليل قوي على ان اناس هذا العصر كانوا مثلنا كائنات من دم ولحم يتحسسون االشياء
بعواطف صادقة ذات مضامين انسانية 7حقيقية.
لقد اغاض هذا الزهو العظيم المفعم بالتطور 7المتواصل العيالميين ،الذين نظروا اليه نظرة عدائية،
فاندفعوا بغزوة حربية شرسة لقتل ذلك االبداع ،اال انهم طردوا بالقوة وحررت البالد من شرورهم
5
للمرة الثانية ،واستمر توهج الحضارة العراقية الذي قاده هذه المرة االموريون بقيادة الملك العظيم
حمورابي الذي يختص الفصل السادس لدراسة فنونه األصيلة.
ففي بابل اعظم عاصمة في العالم القديم شيدت المعابد والقصور الفخمة التي زينت جدرانها بالرسوم
الجدارية ذات االلوان البهيجة الزاهية 7مما اكسب االبنية المعمارية طابعا تزينيا 7جميال ،وفي غرف
وساحات لقصور والمعابد عرضت تماثيل معمولة من االحجار 7والمعادن تتميز 7بافكار ومضامين7
جديدة تمجد دور الماء في احالل النماء والتكاثر 7في مثل بيئة االموريين 7الصحراوية .واذا جاز لنا ان
نختار اكثر االعمال النحت البارزة داللة على عبقرية النحات 7العراقي القديم ،فان مسلة حمورابي
تعرض نفسها في مثل هذا االختيار ،النها تعبر وبشكل اصيل عن تقنية ماهرة جدا في النحت وعن
افكار انسانية 7خالقة قل ان نجد لها مثيل بين فنون الحضارات 7القديمة.
وبعد موت حمورابي رجل الدولة االول اسقطت الساللة 7البابلية من قبل غازي اجنبي اخر هو الملك
الحثي (مورسيلس االول) الذي ترك البالد في فوضى بعد انهاء مهمته الحاقدة .فاتاح المجال للكشيين7
باالنحدار نحو الجنوب وتاسيس الدولة الكشية وقد كان هؤالء الكشيين اقلية دون اهل البالد حضارة
فذابوا في بوتقة التالق الفني للفنون 7البابلية ،وقلدوا في اغلب اعمالهم فنون بابل القديمة بكافة
ميادينها وقد خصص الفصل السابع لدراسة فنونهم.
وفي الفصل الثامن 7قدمنا دراسة تفصيلية 7شاملة لفنون الدولة االشورية .فقد تمكن هؤالء القوم من
االقوام الجزرية ان يتركوا ذكرى طيبة في مخيلة االجيال الالحقة بفعل تلك الجهود الوثابة التي
مكنتهم من امتالك اكبر امبراطورية قوية في الشرق االدنى القديم.
شهد الفن العراقي القديم عصرا من اعظم العصور الذهبية ،بفعل غنى البيئة الطبيعية 7االشورية
بانواع متعددة من االحجار ،فبفعل ابداع وجهود المعمار االشوري ،بنيت 7العواصم االشورية االربع،
باسوارها المحصنة 7القوية وقصورها الفخمة الواسعة ،التي تشعر بتنظيم دقيق لمخططاتها 7ومرافقها
البنائية 7،ومعابدها التي ترتبط ارتباطات قوية مع قوانين العمارة الدينية العراقية القديمة ،وابنيتها7
المدرجة العالية بطبقاتها الثمان 7المتناسقة 7التدرج والملونة بالوان جميلة .لقد خلق االشوريون
انسجاما وتفاعال فريدا بين ضروب الفنون التشكيلية المختلفة 7من اجل ايجاد طابع معماري خالد.
فالشخصية االشورية كانت تسعى وباصرار كبير في استغالل سطوح الجدران بمثابة 7سجالت مصورة
لتلك النجاحات الحازمة 7لجميع المعارك 7االشورية .فغلفت جدران القصور الداخلية ببضعة كيلو مترات
من االلواح الحجرية والرسوم الجدارية الرائعة الجمال ،التي تصور بواقعية كبيرة تلتزم 7الدقة في نقل
الحدث لجميع الفعاليات الملكية 7والسياسية والدينية والحياتية 7،واستطاع 7الفنان 7االشوري ان يظهر في
مشاهده هذه اعظم مهارة فنية في نحت ورسم مواضيعه ،وذلك في حسن استغالل المساحات7
المتاحة 7،وفي مهارته التقنية الفريدة التي تميزت 7بجمال أخاّذ لخطوطها العامة 7،وبدراسة ناجحة
للتشريح العضلي 7للكائنات 7البشرية والحيوانية 7التي تشترك في اداء مشاهدها ،وبموجة من الحركة
القوية تجتاز ارجاء المشاهد مما اكسب اعماله حياة نابضة وقوة تعبيرية هائلة7.
لقد جرب االشوريون ان يتعاملوا 7في فن النحت 7مع جميع المواد بغض النظر عن صعوبة او سهولة
نحتها ،وقد حققوا في ذلك نجاحات 7باهرة فمن العاج كانت لهم اعماال بشكل تماثيل مجسمة تعد روعة
في الجمال 7،ومنحوتات 7بارزة طعمت بالذهب واالحجار الثمينة المتنوعة االلوان 7،ومن البرونز عملوا
باساليب 7متنوعة ومعقدة من الصب تماثيل مجسمة افرغت فيها قوة تعبيرية 7كبيرة ،ومنحوتات 7بارزة
غلفت بها بوابات القصور الخشبية لتسطع بلون ذهبي جميل تحت اشعة الشمس ،وهي تنطق بتلك7
الشجاعة 7العمالقة التي كانت من اهم صفات الملك 7الذي ياخذ على عاتقه مهمة قيادة الدولة
6