You are on page 1of 13

‫السينما‪ ..

‬ذاكرة المنسيين في األرض‬

‫القمح مش زى الدهب‬

‫القمح زي الفالحين‬
‫صالح جاهين‬
‫أسامة صفار‬

‫ال تقل أهمية ك اميرا ال ديجتال في التعب ير عن المهمش ين عن تلك ال تي حظي بها ميث اق الماجنا‬
‫كارتا‪ Magana carta 1‬باعتب اره األصل الذي ق امت عليه االتفاقي ات الدولية لحقوق اإلنس ان‬
‫ودساتير الدول الديمقراطية في العالم‪.‬‬

‫وتتجلى ت أثيرات ك اميرا ال ديجتال الخفيفة الرخيصة وال تي ك انت هامش ية تماما في ب داياتها‬
‫للسينمائيين وخاصة الخارجين منهم على طاعة صناعة السينما بميزانياتها الضخمة وانطوائها‬
‫‪-‬غالبا‪ -‬تحت لواء السلطة االقتصادية أو السياسية أو بشكل أوضح سلطة المركز‪.‬‬

‫وقد ج اء اخ تراع " ك اميرا ال ديجتال" ليك ون بمثابة الحل الس حري ال ذي قدمه الق در ممثال في‬
‫العلم والتكنولوجيا ليحل معضلة العالقة بين المهمشين والسينما حيث استطاع ممثلو المهمشين‬
‫من الس ينمائيين أن يحمل وا ك اميراتهم وينتش روا بين عشش الص فيح ومن اجم الفحم وس كان‬
‫المن اطق العش وائية‪ ،‬بل ويخ ترقوا الس جون ومستش فيات األم راض العقلية والقبائل البدائية ال تي‬
‫همش تها الحض ارة الغربية ليص وروا أفالمهم بعي دا عن طغي ان التكلفة الباهظة لك اميرا الس ينما‬
‫وما يتبعها من ضوابط رقابية تعمل دائما لمصلحة رأس المال واأليدلوجيات ‪.‬‬

‫يعتبر الماجنا كارت ا واح دا من أهم‬


‫‪ - 1‬الماجنا كارتا (الميثاق األعظم ‪-‬الميثاق العظيم للحريات) هي وثيقة حقوق لضمان الحقوق األساسية‪ ،‬عهداً بين الملك ونبالء إنجلترا‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الوثائق القانونيه في تاريخ الديمقراطية‪.‬الميثاق صدر أصال في ‪ 1215‬وكان له نفوذ على نطاق واسع في العملية التاريخية التي أدت إلى سيادة القانون الدستوري اليوم‪ ..‬الميثاق‬

‫االعظم أثر كثير على الدساتير والوثائق األخرى‪ ،‬مثل وثيقة حقوق دستور الواليات المتحدة‪.‬‬
‫الميثاق االعظم كتب أص ال بس بب خالف ات بين الباب ا أنوس نت الث الث‪ ،‬والمل ك ج ون مل ك إنجل ترا والبارون ات عن حق وق المل ك لتخلي المل ك عن بعض الحق وق واح ترام بعض‬

‫االجراءات القانونية وقبول أن إرادة الملك يمكن ان تكون ملتزمة بالقانون‪.‬‬


‫لضمان الحقوق األساسية وأهمها الحق في المثول امام المحكمه‪ ،‬بمعنى انها ضد الس جن غ ير الق انوني‪ .‬كث ير من البن ود تج ددت ط وال العص ور الوس طى‪ ،‬وك ذلك خالل ف ترات‬

‫تيودور وستيوارت‪ ،‬والقرون السابع عشر والثامن عشر‪ .‬وبحلول اواخر القرن التاسع عشر الغيت معظم البنود في شكلها األصلي من القانون اإلنجليزي‪.‬‬
‫وهذا ال ينفي ظه ور المهمشين على الشريط الذي أنتجته صناعة السينما التي تنتمي للس لطة‬
‫بأش كالها االقتص ادية أو السياس ية‪ .‬و س واء ك ان ه ذا الش ريط وثائقيا أو روائيا فقد أظه رهم‬
‫باعتبارهم عناصر ال غنى عنها الستكمال الصراع الدرامي أحيانا‪.‬‬

‫وقد وقف السينمائيون حائرين أمام صناعة الفيلم التي تتكلف بالماليين؛ بينما من غير المنطقي‬
‫ص رف الماليين على فيلم يتح دث عن مهمش ين ال يحظ ون ب أي قيمة في نظر منتجي ه ذه‬
‫األفالم‪ ،‬ل ذا ك ان ظه ورهم على ص ور وأنم اط مح ددة إما باعتب ارهم نم اذج موج ودة في الواقع‬
‫وبالتالي تفرض نفسها في السينما أو االستعانة بهم كالبهارات في العمل الفني‪ .‬والحديث هنا ال‬
‫يقتصر على المهمش اقتص اديا(الفق ير) أو اجتماعيا(المنب وذ) أو عرقيا لكن يتج اوز إلى الم رأة‬
‫باعتبارها أول مخلوقات اهلل التي احتلت الهامش بإرادة أبنائها!!‬

‫مصطلح محافظ‬
‫و"س ينما المهمش ين" مص طلح محافظ أطلقه نق اد ينظ رون بتع ال ودونية في اتج اه الواقع‬
‫االجتم اعي ال ذي يف ترض بالس ينمائي األخذ منه وال رد إلي ه؛ فالمقولة التأسيس ية للنقد الس ينمائي‬
‫هي أن الس ينما م رآة المجتمع والفن هو الواقع تقريب ا‪ ،‬وبالت الي ف إن المهمش ين ج زء ال ينفصل‬
‫عن الص ورة المتش كلة ع بر الم رآة ح تى وان همشت أدوارهم وحوص روا في مجموع ات أو‬
‫فئ ات أو طوائف أو غيرها‪.‬وقد ع الجت الس ينما الواقعية المهمش ووض عه في المجتمع كما‬
‫أظه رت الس ينما المص رية نم اذج له وخاصة في فيلم “العزيمة” للمخ رج الراحل كم ال س ليم‬
‫عام ‪.1939‬‬
‫كمال سليم‬

‫وامتد االتجاه الواقعي في السينما المصرية ممثال في أفالم صالح أبو سيف ومن بعده عاطف‬
‫الطيب ورضوان الكاشف وداود عبد السيد ومجدي أحمد على وخيري بشارة ومحمد خان‪.‬‬

‫وك ان الفيلم الوث ائقي المص ري رغم ارتباطه ب رأس الم ال في بداياته (جري دة ش ركة شل‬
‫المصورة) وبالسلطة السياسية بعد ذلك (جريدة مصر السينمائية وأفالم السد العالي والتنمية في‬
‫مصر) والتي جاءت نتاج اهتمام حكومات ثورة ‪ 23‬يوليو بتوثيق منجزاتها والدعاية لها؛ وهو‬
‫ما أكده الرائد التس جيلي المخ رج سعد نديم في كتابه تاريخ الس ينما التس جيلية في مصر قائال‪:‬‬
‫"ه ذا ومن المعلوم أن السينما قد نش أت تس جيلية وك انت م دة ع رض الفيلم ت تراوح بين دقيقتين‬
‫ح تى وص لت إلى س اعة وما يزيد على الس اعتين أيض اً وب دأت الس ينما التس جيلية تنتشر في‬
‫أوروبا وفى كل أرجاء العالم الكوني ‪.‬‬

‫وقد نشأت السينما المصرية تسجيلية أيضا ‪ ,‬على غرار السينما العالمية إبان ظهورها‪ ،‬وعلي‬
‫يد رائد الس ينما المص رية (محمد بي ومي ) ( ‪1963- 1894‬م ) حيث أص در مجلة ( آم ون )‬
‫السينمائية عام ‪ ، 1923‬وظهر العدد األول منها بترحيب األمة المصرية بعودة الزعيم " سعد‬
‫زغلول " من منفاه عام ‪ ، 1923‬ثم تتابعت األعداد بعد ذلك ‪.‬‬
‫محمد بيومي‬

‫وبعد ثالثين عاما من ه ذا الت اريخ ق امت " ش ركة شل المص رية " بإنش اء وح دة اإلنت اج‬
‫السينمائي‪ ،‬وأصدرت مجلة سينمائية أخرى بعنوان "صور من الحياة" تناولت فيها المشروعات‬
‫الهامة في مصر خالل عامي ( ‪. ) 1955- 1954‬‬

‫ثم ج اءت مص لحة الفن ون وق دمت "مجلة الفن ون" ع ام ‪1957‬م ‪ ،‬ثم أنش أت الحكومة المص رية‬
‫"س توديو مصر" وق امت إدارة األفالم التس جيلية بإنت اج "المجلة الس ينمائية " ع ام ( ‪-1965‬‬
‫‪ ، )1966‬وأنتج المركز القومي لألفالم التسجيلية بوزارة الثقافة بعد إنشائه مجلتين سينمائيتين‬
‫األولى بعنوان (الثقافة والحياة)‪ ،‬والثانية بعنوان (النيل)‪.‬‬

‫وتت ابعت األفالم التس جيلية بعد ذلك من خالل (الوكالة العربية للس ينما) والتابعة ل وزارة الثقافة‬
‫فأصدرت مجلة سينمائية عام ‪ 1972‬وكان عنوانها "مصر اليوم" هذا وقد سبق كل ذلك إنشاء‬
‫(جري دة مصر الس ينمائية) ع ام ‪ 1935‬وقد أسس ها المص ور الس ينمائي( حسن م راد) وك انت‬
‫تابعة ألستوديو مصر حتى وفاته عام ‪ 1970‬ثم آلت تبعيتها للهيئة العامة لالستعالمات التابعة‬
‫لوزارة اإلعالم فغيرت اسمها إلى (جريدة مصر السينمائية الناطقة) وأصدرت أكثر من ألفين‬
‫وخمسمائة عدد حتى اآلن‪ ،‬وتعتبر سجال تاريخيا عظيما للحياة المصرية والعربية‪.‬‬

‫و ظهر أول فيلم تسجيلي في تاريخ السينما المصرية عام ‪ 1924‬ليواكب افتتاح مقبرة (توت‬
‫عنخ أمون) وقد أخرجه ( محمد بيومي) – رائد السينما المصرية – وكانت مدته ثمانية دقائق‪،‬‬
‫ثم تاله فيلم "حديقة الحي وان " من اخ راج " محمد ك ريم " ع ام ‪ ، 1927‬ثم أخ رج " ني ازى‬
‫مص طفي " ع ددا من األفالم الدعائية " لش ركات بنك مصر " ع ام ‪ ، 1936‬ك ذلك أخ رج‬
‫المصور السينمائي مصطفى حسن " فيلم (الحج الي مكة) عام ‪ ، 1938‬كما أخرج صالح أبو‬
‫سيف فيلما عن "وسائل النقل في مدنية اإلسكندرية" عام ‪ ،1940‬إال أن كل هؤالء تحولوا بعد‬
‫ذلك إلي إخراج األفالم الروائية وأصبحوا أعمدة السينما المصرية‪.‬‬

‫اختالف‪....‬‬
‫"اله امش" ليس نقيضا ل"المركز" ولكنه اختالف عنه وكشف له "والكشف" ص فة تجمع بين‬
‫"الفيلم الوثائقي "و"الهامش" لذا يمكن اعتبارهما معا يحمالن لغم الحقيقة الذي ينفجر في مواجهة‬
‫"اإلقص اء" ال ذي يتع رض له الهامش يون المنج ذبون تج اه المركز والمط رودون من جنته في‬
‫ال وقت ذات ه‪ ،‬فضال عن هامش ية الوث ائقي في اختالفه عن "ال روائي الطويل"‪ ،‬ف األخير ك اذب‬
‫جميل وص ادق في كذبه بتواطؤ مع المتلقي بينما الوث ائقي يع الج واقعا ويرصد حق ائق ت تراص‬
‫متتابعة لتشكل جملة جديدة تكشف حقائق جديدة نراها وما كنا لنراها لواله‪.‬‬

‫ولكن ما الهامش والمهمش؟‬

‫ط رق الكت اب ح ال المهمش ين وخاصة في الرواية األدبية وال تي انعكست فيما بعد علي الشاشة‬
‫الس ينمائية‪ ،‬وان بقي الكت اب في كل أحواله س ابقا على الفيلم ورم زا دالليا للثقافة علي مر‬
‫العصور مهما تراجعت أهميته‪.‬‬

‫وفي عص ور ال تراجع الثق افي الع ربي ك انت الداللة واض حة‪ ،‬إذ اتسع اله امش وض اق المتن‬
‫رغم أن الب ديهي هو أن المتن هي ما يؤخذ به ويق رأ ويقت ني من أجله الكت اب لكن عص ور‬
‫التراجع العربي األولى لم تشهد اختراعا يسمي "كاميرا الديجيتال" يتيح للمهمش قدرة معتبرة‬
‫على التأثير في المركز وفضحه تماما‪.‬‬

‫ربما اس تطعنا أن‬


‫وهو ما يؤك ده الك اتب المغ ربي عبد الس الم بنعبد الع الي في مق ال له ق ائال‪ّ " :‬‬
‫الثنائي يسار‪ /‬يمين بعد أن كشف‬
‫ّ‬ ‫ثنائي آخر هو‬
‫ّ‬ ‫الثنائي هامش‪/‬مركز جاء ليح ّل مح ّل‬
‫ّ‬ ‫أن‬
‫نؤ ّكد ّ‬
‫التي ارات األيديولوجية من‬
‫أن ما كانت تقيمه ّ‬
‫تبين ّ‬
‫هذا األخير عن شحنته الميتافيزيقية‪ ،‬وبعد أن ّ‬
‫معس كرات متخارجة تضع في إح دى ض فّتيها ما تص ّنفه يمينا كي تضع في األخ رى ما يش ّكل‬
‫يساره‪.‬‬

‫ربما ال يخ رج عن‬
‫أن ذلك التقس يم ال ذي ال يح ّدد أحد الط رفين إال بالنس بة لآلخ ر‪ّ ،‬‬
‫ت ّبين ّ‬
‫اري‪ ،‬إال ّأنهما قد‬
‫ني ووجه يس ّ‬
‫اإلش كالية نفس ها‪ .‬ص حيح ّأنها إش كالية ذات وجهين‪ ،‬وجه يمي ّ‬
‫تتمخض عنه صراعات كث ير‬‫يغدوان‪ ،‬بل غالبا ما يغدوان وجهين لعملة واحدة‪ .‬وهذا ما أخذت ّ‬
‫من األح زاب السياس ية في مختلف البل دان حيث ظه ر‪ ،‬وخصوصا في ظ روف االقتراع ات‬
‫أن الخصومات التقليدية بين اليمين واليسار‪ ،‬سواء في مجال السياسة وح تى‬
‫واالنتخابات‪ ،‬ظهر ّ‬
‫وأنها مج رد "خص ومات‬
‫ري‪ ،‬ليست بالتقابل ال ذي تظهر عليه في البداي ة‪ّ ،‬‬
‫في المي دان الفك ّ‬
‫التحوالت" التي يعرفها ما ك ان يحسب على أحزاب‬
‫عشاق"‪ .‬تشهد على ذلك هذه االنتق االت و" ّ‬
‫اليسار حتى وقت غير بعيد‪.‬‬

‫يحدد‬
‫دي‪ .‬وهو ال ّ‬
‫تعد ّ‬
‫ضد هذه التقسيمات ثنائية األبعاد يضع مفهوم الهامش نفسه ضمن فضاء ّ‬
‫ّ‬
‫ادين وال نقيض ين‪.‬‬
‫ادا‪ .‬فليست عالقة اله امش ب المركز عالقة متض ّ‬
‫نفسه ب أن يتّخذ موقعا مض ّ‬
‫ضده وال يناقضه‪ ،‬وإ ّنما يخالفه ويفارقه‪ ،‬فيكشف عن خلله‪.‬‬
‫فالهامش ال يقابل المركز وال يقوم ّ‬
‫ائي القيم ة‪ ،‬ح تى لو ك ان‬
‫فهو ال يفهم نفسه داخل منطق التع ارض‪ ،‬ال يفهمها داخل منطق ثن ّ‬
‫منطقا ج دليا‪ ،‬وإ ّنما وفق "منطق" االختالف‪ ،‬أي وفق حركة تجعله "يس كن" المركز وينج ّر إليه‬
‫ليش ّكل فضيحته‪"..‬‬

‫ظاهرة قديمة‪...‬‬
‫والمهمش ون وفق تعريف األمم المتح دة هم األش خاص ال ذين يتم تج اهلهم أو إقص اؤهم أو‬
‫مع املتهم ك أنهم غ ير مهمين " ورغم أن أغلب أن واع التهميش وأكثرها انتش ارا هو االقتص ادي‬
‫إال أن ثمة تهميشا اجتماعيا يعتمد اللون أو األصل العرقي أو الدين أو السلوك معيارا لتهميش‬
‫الفرد أو المجموعة ‪.‬‬

‫به ذا الفهم لمع ني التهميش والمهمش ين نكتشف أنه – أي التهميش – لم يكن أب دا ظ اهرة جدي دة‬
‫لكن المص طلح هو الجديد والجديد أيضا هو التمي يز واالهتم ام ال ذي أولته الس ينما له ؤالء‬
‫المهمش ين ح ديثا في كتاباتها النقدية وأفالمها التوثيقية وان ظهر المهمش ون (طبقا للمفه وم‬
‫السابق) في األفالم السينمائية باعتبارهم أحيانا ضرورة الستكمال فكرة الصراع الدرامي (إنها‬
‫النظرة نفسها واألداء ذاته الذي تعاملت به سينما المركز سابقا)‪.‬‬

‫والواقع أن العالقة بين المهمش ين والفيلم الوث ائقي اتخ ذت منذ س نوات قليلة منحى آخر يصب‬
‫في مص لحة االث نين معا ويمنح الفيلم الوث ائقي اعتب ارا جدي دا ويفعل من ق درة اله امش على‬
‫التحول إلى فضح المركز بقدر اكبر‪.‬‬

‫وقد جاء ابتكار كاميرا الديجتال في بداياته كتكنولوجيا رقمية للتصوير تساهم في تسهيل األمر‬
‫وإ ضفاء جماليات جديدة على الصورة‪ ،‬ولكن انخفاض التكلفة جعل من صناعة سينما الديجتال‬
‫في بعض المجتمعات مستقلة بذاتها لها نجومها وجمهورها وموضوعاتها المفضلة‪.‬‬

‫وما لبثت أن أف رزت تي ارا من التط وير واالبتك ار العلمي التق ني جعلت من ه ذه الك اميرا‬
‫الرقمية في متناول المهمشين أو بالحد األدنى ممثليهم في عالم الصورة ؛ فتجلى الفيلم الوثائقي‬
‫في عالمهم وخرج إلى النور باحثا عن عيون ترى وأذن تسمع ولكن للمركز سلطته وله آلياته‬
‫للمنع والمنح‪.‬‬
‫فحاولت السلطة في عدد من البلدان العربية" مثال" أن تمنعه(فيلم عين شمس الروائي للمخرج‬
‫المصري إبراهيم البطوط)‪ ،‬وبعض المهرجانات المتناثرة التي اشترطت السلطة مراقباتها من‬
‫خالل جه از الرقابة الت ابع للدولة أوال‪ ،‬لكن مح اوالت المنع في الح االت الس ابقة فش لت بامتي از‬
‫ذلك أن التكنولوجيا الرقمية اتخ ذت ه ذه الم رة موقفا واض حا ضد القمع وتض ييق مس احات‬
‫الحرية ومع المهمشين‪.‬‬

‫فقد اتح دت تجلي ات ه ذه التكنولوجيا لتجعل من ك اميرا بحجم كف اليد ش اهدا وقلما وتجعل من‬
‫ش بكة االن ترنت ناش را وآلة ع رض ال تتوقف عند ‪ 1000‬مش اهد ولكن تتج اوز ه ذا ال رقم إلى‬
‫الماليين عبر الفضائيات التي ال تستطيع سلطة الدولة منعها وأيضا عبر مواقع االنترنت التي‬
‫تس مح بع رض ه ذه األفالم بل تح ول جه از اله اتف المحم ول إلى آلة تص وير لها إمكانياتها‬
‫الفنية‪.‬‬

‫وأقيمت مهرجان ات ألفالم الموبايل ( ألغى مهرج ان أفالم الموبايل الث الث في مصر نظ را‬
‫ل رفض أجه زة الرقابة إلقامته قبل مراقبة كل أفالم ه‪ ،‬ورغم ذلك ف إن المض حك أن كل األفالم‬
‫تم رفعها على شبكة االنترنت وتمت مشاهدتها بكثافة عالية)‪.‬‬

‫وهنا تح ولت ترس انة الق وانين المقي دة لحق المهمش في التعب ير عن هامشه بكل تفاعالته إلى‬
‫ديناص ورات وتح ول الق ائمون على ه ذه األجه زة إلى س يارات ت دور ح ول نفس ها وال تقطع‬
‫مسافات في أي اتجاه في لعبة عبثية تجاوزها الزمن لذا يمكن القول ببساطة وبدون مبالغة أن‬
‫"الديجتاليين قادمون رغم أنف المركز"‪.‬‬

‫كوميديا المهمشين‪...‬‬
‫حين يتسع اله امش وتض يق مس احة المتن وحين ي زداد المهمش ون إلى أع داد ونسب ال تص دق‬
‫وتقتصر نخبة المجتمع على أف راد ال يس جلون نس بة ت ذكر منهم‪ ،‬فإنه من العبث أن نس تخدم‬
‫منهج القراءة الذي يصنف فئات المجتمع إلى هامشيين ونخبويين؛ ذلك أن األمر ببساطة شديدة‬
‫يعيد تش كيل نفسه بحيث ينفجر اله امش ويتجلى في حي اة المرك ز‪ ،‬وهنا نتح دث عن ديمقراطية‬
‫الطبيعة البشرية التي ال يمكن السيطرة عليها‪.‬‬
‫فانفجار العشوائيات في مصر جعل من المطرب الشعبي شعبان عبد الرحيم في مرحلة سابقة‬
‫مطربا مفضال ألف راح علية الق وم( فهو مط رب مهمش تماما أم ام نخبة ينتمي ذوقها الف ني إلى‬
‫الهامش)‪.‬‬

‫وليس شعبان عبد الرحيم هو التجلي األوحد لالنفجار العشوائي ولكن التجلي األكثر وضوحا‬
‫هو موجه الكومي ديا ال تي تعرضت لها مص ر‪ ،‬فقد م رت الس ينما المص رية بعش رة أع وام‬
‫كوميدية(‪ )2007-1997‬أطلق عليها نق اد وس ينمائيون "الس نوات العج اف"‪ ،‬حيث فرضت‬
‫الكوميديا اللفظية الفارغة من المضمون الرسالي نفسها علي سوق السينما واإلنت اج السينمائي‬
‫وجاءت بدايتها بالفيلم الصدفة "إسماعيلية رايح جاي " ليشكل نجاحه بداية الموجة نالت نجاحا‬
‫كبيرا وحققت إيرادات غير مسبوقة ولكنها نالت بنفس القدر عداء شديدا من أغلب النقاد‪.‬‬

‫ورغم المالحظ ات النقدية على ه ذه األفالم يبقي فهم م بررات وجودها ومن ثم انتش ارها‬
‫واس تجابة الجمه ور لها مرتبطا بدراسة الس ياق الزم ني في مجاالته االجتماعية واالقتص ادية‬
‫والسياس ية حيث بلغ التهميش االقتص ادي والسياسي واالجتم اعي أقصى م دى له في المجتمع‬
‫المصري وخاصة لفئة الشباب خالل هذه األعوام ووصلت نسبة البطالة طبقا لإلحصائيات إلى‬
‫‪ %18‬وانخفض الدخل مقارنة باألسعار‪ ،‬وضاقت اآلمال حتى علي الذين يحلمون بالهجرة بعد‬
‫أن أغلقت أبواب الدول األوروبية أمام العرب والمسلمين في العالم إلي حد كبير ألسباب تتعلق‬
‫بأح داث ‪11‬س بتمبر ونظ را ل دخول مواط ني ال دول االش تراكية الس ابقة س وق العمل في دول‬
‫أوروبا الغربية ومع انعدام التمثيل الشبابي في مختلف المحافل المصرية‪.‬‬

‫انتخبت ه ذه الش ريحة ممثليها في ع الم األحالم ليظهر أبط ال مش وهون ومض حكون وبال أية‬
‫مالمح للبطولة فكانت النماذج المطروحة تتميز بالبالهة والغباء الشديدين فضال عن التشوهات‬
‫الشكلية المبالغ فيها ما بين قصير جدا "محمد هنيدي" وطويل جدا "هاني رمزي "و"سمين جدا "‬
‫عالء ولي الدين " ‪.‬‬
‫ك ان إقب ال الجمه ور المص ري على أفالم مثل "إس ماعيلية رايح ج اي" و"هم ام في أمس تردام"‬
‫و"ص عيدي في الجامعة األمريكية" و"غ بي منه فيه" ومن بع دهم "اللم بي" وغيرها أش به ب إعالن‬
‫التحدي من هذا الجمهور تجاه طرف مجهول ومعروف في الوقت ذاته‪.‬‬

‫وهو تحد صبياني يبدو لص احب الخي ال كأنه مشهد تعلن فيه فت اة مراهقة لوالدتها أنها سوف‬
‫تم ارس الس لوك ال ذي تح ذرها من ممارس ته رغم علمها بكونه خط أ‪ ،‬فك ان المراهق والش اب‬
‫يتح دث عن الم رة الرابعة ل دخول الفيلم ‪ ،‬بينما أقصى طم وح أي س ينمائي أن ي دخل المش اهد‬
‫إلى فيلمه مرة واحدة‪ ،‬ونحن هنا أمام شخص يشعر بذاته في صالة العرض أو يغيب عن ذاته‬
‫ال تي يتلمس لحظة غي اب عنها في ض حك متواصل بال مع نى‪ ،‬ببس اطة أك ثر ل دينا فئة تم‬
‫تهمشيها بقسوة شديدة وفي ظل الصمت الذي فرضته على نفسها خوفا أو استسالما وفرضته‬
‫عليها السلطة جلدت ذاتها بالتوحد مع نماذج مشوهة تقول وال تقول شيئا‪.‬‬

‫ولعل الحراك السياسي الذي بدأ في مرحلة متأخرة من هذه األعوام العشرة العجاف هو‬
‫ما ساهم في إعادة التوازن للسينما إلى حد كبير ولجمهورها أيضا‪.‬‬

‫جمال الهامش‪...‬‬
‫ما ال ذي يمكن أن يض يفه المهمش ون إلي الفيلم الوث ائقي وال روائي باس تثناء الكشف وطلب‬
‫الرحمة والتح ريض؟ هنا يكمن الس ؤال الس ينمائي األهم‪ ،‬وهنا تب دو اإلجابة في مش اهد وأفالم‬
‫استطاعت أن تقدم قبح الواقع في صورة جميلة وآهة األلم في سيمفونية رائعة واستطاعت أن‬
‫تختصر عبقرية المهمش ين في التحايل علي الحي اة لس رقة لحظة الص فاء والس عادة من أني اب‬
‫الفقر والبؤس والحرمان والنبذ ‪.‬‬

‫ولعل حض ور المهمش ين في أغلب أفالم المخ رج المص ري الكب ير داوود عبد الس يد يؤكد علي‬
‫ه ذا المع ني فها هو "الش يخ حس ني " البطل األعمى في فيلم "الكيت ك ات " يتج اوز هامش يته‬
‫معانقا "ابنه" المهمش الب احث عن لقمة العيش ب الهجرة المس تحيلة بع دما يعزف ان على الع ود‬
‫ويغنيان معا‪.‬‬

‫وه اهو فيلمه الت الي "س ارق الف رح " يص لح نموذجا لط رح التفاص يل اإلنس انية بكامل روعتها‬
‫وهي آتية من قلب بؤس المهمشين وتدور القصة الرئيسية حول "عوض‪/‬ماجد المصري" الذي‬
‫يحب "أحالم‪/‬لوسي" و يريد ال زواج منها رغم ض يق حالته المادية فهو ال يس تقر في حرفة و‬
‫يلتقط رزقه من الشارع والمكان هنا هو عشش عشوائية فوق هضبة المقطم يتقاسم الجميع فيها‬
‫اله واء والم اء والس جائر وأحيان اً الرغب ات‪ ،‬أما "ش طة‪/‬محمد ش رف" العائد من الخليج بجه از‬
‫كاس يت وتليفزي ون وكل ما يتطلب زواجه من أن ثى يف رغ فيها ش هوته‪ ،‬فقد تجس دت أحالمه في‬
‫"أحالم"‪.‬‬

‫يوافق "المعلم بي ومي‪/‬لطفي ل بيب" ال ذي يعمل ماس حاً ومش رفاً في أحد المواقف العمومية‬
‫للس يارات على زواج "ش طة" من ابنته فيجن جن ون "ع وض" مح اوالً إنق اذ حلمه ب الزواج من‬
‫"أحالم" ال تي تحبه هى أيض ا‪ ،‬يلح على "المعلم بي ومى" مص طحباً ص ديقه "عن تر‪/‬محمد هني دى"‬
‫و"عم ركبة‪/‬حسن حسنى" و أمه محاوالً عقد إتفاق للزواج من "أحالم"‪ ،‬من هنا تبدأ رحلة الفيلم‬
‫األساس ية والبس يطة ج داً‪ ،‬على "ع وض" من اآلن و فى خالل ‪ 10‬أي ام أن ي أتى بـ (غويش تين‬
‫دهب عي ار ‪ 18‬مش ‪ )14‬كما اش ترط عليه "المعلم بي ومى" لي تزوج "أحالم" وعالقة "أحالم" بـ‬
‫"ع وض" عالقة قديمة منذ كانا طفلين فى العشش لكنها مركبة يختلط فيها الغم وض بالرغبة‬
‫ووحدة المصير باستحالة اللقاء‪.‬‬

‫ويحفل الفيلم بالشخصيات الهامشية التي كتبت وصورت بمزاج أدبي يميز سيناريوهات وأفالم‬
‫داوود عبد الس يد ومنها شخص ية ""عم ركبة" العج وز الح الم المعج ون بش بق الش يخوخة‪ .‬فهو‬
‫يحب "رمانة" ‪ -‬أخت "أحالم" ‪ -‬حباً جارفاً و"مطر أو فتحي عبد الوهاب" ‪ -‬شقيق "ع وض" –‬
‫الذي‪ ،‬يعمل طباالً فى أحد المالهي الليلية‪ ،‬رأسماله الوحيد طيلة ‪ 3‬أعوام قضاها طباالً عبارة‬
‫عن مجموعة مالبس وأحذية يختارها ويحافظ عليها باعتبارها واجهته فى العمل‪ ،‬ومضحياً فى‬
‫س بيلها ب أجره ك امالً ‪".‬مطر" يع ود إلى منزله فى الص باح الب اكر لين ام بعد ليلة منهك ة‪ ،‬ك ان‬
‫"ع وض" قد س رق كل مالبس وأحذية أخيه ليبيعها متحص الً على بعض نق ود تس اعده فى‬
‫رحلته‪ .‬يبلغ "مطر" الش رطة متهم اً "ع وض" بالس رقة‪ ،‬باكي اً أشد البك اء فى حس رة على ض ياع‬
‫حص يلة عمل ه‪ ،‬لكنه يتن ازل عن البالغ ال ذي قدمه حين ي درك عبث الموقف وأن مك ان إقامته‬
‫الوحيد هو السرير المجاور لسرير "عوض" فى نفس العشة‪ .‬يخرج من قسم الشرطة باكي اً بعد‬
‫أن تالعبت الحياة بمتعته الوحيدة ‪ ,‬الحياة ربما تكون جميلة مغرية مفتوحة شهية غامضة لكنها‬
‫لم تكن أبداً عادلة‪.‬‬
‫أما المخ رج الراحل رض وان الكاشف فقد جعل من تحفته الفنية "ليه يا بنفسج " ش هادة حية‬
‫ألولئك الذين يسعدون الناس ليال بالغناء والرقص في المناسبات ويعيشون بؤسهم الخاص جدا‬
‫نهارا لكنهم يبتهجون في لحظات يسرقونها من عمر هذا البؤس "‪.‬‬

‫وفي فيلمه التالي "الساحر" يبكينا قبل ان يبكي ساحره الذي فقد صالحيته في عمله فعجز عن‬
‫العيش وعن إث ارة اهتم ام جمه وره لتص بح ابنته فريسة لواحد من ورثة الكبار ويجسد المخرج‬
‫مج دي أحمد علي في فيلمه "خلطة فوزية " عبقرية ام رأة وإ رادتها الحديدية في التواصل مع‬
‫الحي اة ح تى ولو ت زوجت خمس م رات بحثا عن الس عادة المس تحيلة وسط ظ روف ال تص لح‬
‫للعيش من األساس‪.‬‬

‫إغراء‪..‬‬
‫ما الذي يغري السينمائي في تصوير حياة المهمش؟ أو ماذا يدفع أحدهم لتصوير حياة مومس‬
‫أو متسول أو عامل نظافة أو فالح أجير ؟؟‬

‫الحكاية بسيطة جدا إذا كان السؤال ‪ :‬ما الذي يغري أحدا من هؤالء لالستمرار في نمط حياته‬
‫من األصل؟ انه –أي المهمش– على استعداد تام لتغيير حياته في أي وقت فليس فيها ما يغري‬
‫باالستمرار لكنها مشحونة بالتفاصيل المثيرة للسينمائي والمبدع فهؤالء يعيشون في حزن جبلوا‬
‫عليه ‪ ..‬وال تس يل دم وعهم إال بتص عيد ميل ودرامي مب الغ فيها وه ؤالء يعيش ون في "نكتة" وال‬
‫يض حكون منها ل ذا ال يض حكهم إال ما يجعل اآلخ رين يس قطون أرضا من ش دة الض حك ‪..‬‬
‫المهمشون – أي األغلبية – يعيشون في الطرف اآلخر من الضحك والحزن والحلم ‪..‬يعيشون‬
‫في الفن تقريبا ‪.‬‬

You might also like