Professional Documents
Culture Documents
محاضرات المنهجية اولى ل.م.د
محاضرات المنهجية اولى ل.م.د
يقصد بمفيوم المنيجية ،الطريقة أو الكيفية المتبعة في ممارسة نشاط ما ،سواء كان ىذا
النشاط ماديا أي عمل يدوي أو نشاطا معنويا أي عمال فكريا.
نتناول في ىذا المبحث بداية تعريف المنيجية من الناحية المغوية في مطمب أول وفي
المطمب الثاني نعرف المنيجية من الناحية االصطالحية.
لفظ المنيجية :مصدر مؤنث لفعل ،نيج ،ينيج ،نيجا ومنياجا ،وىي لفظة مبتدعة
أصميا النيج أو المنياج ،ومنيا قولو تعالى" :ولكل جعمنا منكم شرعة ومنياجا" سورة المائدة
اآلية .48وفي ىذا المعنى اتفق المفسرون عمى شرح المفظة بالطريق الواضح البين الذي
يسير ويمشي عميو الناس.
فالمنيجية لغة تعني :الكيفية أو السبيل أو الطريقة المتبعة في تعميم شيء معين.
كما يقصد بالمنيجية كطريقة عممية في البحث العممي :الطريقة أو الكيفية العقالنية
المتبعة لتقصي الحقائق وادراك المعارف ،فيي إذن الصيغة أو األسموب المتبع في ترتيب
األفكار ،وعقمنة الفرضيات واخضاعيا لالمتحان والتحميل بما يضمن التوصل إلى نتائج
معرفية جديدة.
لممنيجية تعاريف كثيرة متداولة بين الكتاب نورد منيا:
-1إنيا فن التنظيم الصحيح لؤلفكار ،إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بيا
جاىمين ،واما من أجل البرىنة عمييا وتمقينيا لآلخرين حين نكون بيا عالمين.
-2إنيا الطريقة المؤدية إلى الكشف عن الحقيقة في العموم بواسطة طائفة من القواعد
العامة التي تييمن عمى سير العقل وتحدد عممياتو حتى يصل إلى نتيجة معمومة ،أو باتباع
مجموعة من القواعد التي تضبط سير العقل وتحدد المراحل التي يمر بيا حتى يصل إلى
النتيجة.
يقول كونياك" :إن المنيج ىو منظار فمكي ،يبرز ما كان يفمت من العين المجردة".
-3أما األستاذ "توماس كون" فإنو باإلضافة إلى تعريفو لممنيجية بأنيا الطريقة العقالنية
المنضبطة لتمقي المعارف" فقد شرح مراحل بمورتيا في مؤلفو حول "ىيكمة الثورات العممية"
الذي ألفو سنة ،1967وىو يقول في ىذا المضمار بأن كل ثورة عممية تستند عمى منيج
عممي ناجع ودقيق ،ونجاعة ىذا المنيج تكمن في استكمالو الدورة العممية وتوصمو إلى إثراء
الحقل المعرفي بقدرات ومكتسبات عممية جديدة ،والدورة العممية حسب كون تشمل عمى عدة
محطات عممية فيي:
خالل ىذه المرحمة تتبمور االفتراضات األولى وتشكل انطالق البحث العممي.
وىي المرحمة التي تدخل فييا االفتراضات الساحة العممية وتحتك بالظواىر الواقعية.
ويكتفي الباحث خالل ىذه المرحمة بالمالحظة ورصد ما يحدث من تغيرات وتطورات
لمعطياتو األولى.
ثالثا :تم تمييا مرحمة التحقيق:
وىي المرحمة التي تختم الدورة العممية وتقر نتائجيا بعد أن تتأكد من عموميتيا
وموضوعيتيا ،وباكتمال الدورة العممية ،تنتيي ىيكمة االكتشاف العممي ،ويستقر المنظور
العممي Le paradigmeالجديد.
يمكن القول إذن بأن المنيجية العممية ىي أقرب وأوضح وأصوب طريق لموصول إلى
العمم والمعرفة.
فيي أقرب طريق ألنيا تمكننا من االختزال وااليجاز وتجعمنا نتفادى الحشو واالطالة وتدفعنا
إلى تبني الدقة في التحميل.
وىي أوضح طريق ألنيا تممي عمينا تفادي الغموض والتعقيد والحرص عمى التسييل
والتبسيط ،فبقدر ما يبسط الباحث فرضياتو واستنتاجاتو ،وبقدر ما يقدم لنا شروحا مستوفية
وبسيطة ،بقدر ما يسيل عمينا فيميا واستيعابيا ،وبقدر ما يعقد الباحث في تحميالتو ويركبيا
بقدر ما ينفر الطالب عن عممو ويبعده عن االدراك.
وىي أخي ار أصوب طريق ألنيا تزودنا بمعارف منقحة ونتائج عممية محققة أخضعيا لمفحص
والتحقيق وتأكد من صحة محتواىا.
-4يعرف البعض المنيجية بأنيا" :الطريقة التي يتبعيا العقل في معالجة أو دراسة موضوع
أو مسألة ما من أجل التوصل إلى نتائج معينة ،عممية( الكشف عن الحقيقة) ،مقصودة(
البرىنة عمييا إلقناع الغير).
-5وتعني أيضا تعميم االنسان كيفية استخدام ممكاتو الفكرية وقدراتو العقمية أحسن استخدام
لموصول إلى نتيجة معينة بأقل جيد وأقصر طريق ممكنة.
المحاضرة الثانية :مفيوم البحث العممي ومميزاتو
إذا حاولنا تحميل عبارة "البحث العممي" ،فإننا نجد أنيا تتكون من
كممتين:
-2كممة "العممي" :فيي تنسب إلى العمم ،وىي تعني المعرفة والدراية
وادراك الحقائق واالحاطة واإللمام بيا.
و عميو فإن البحث العممي يعني التقصي المنظم باتباع أساليب ومناىج
عممية محددة لموصول إلى الحقائق العممية بقصد التأكد من صحتيا أو
تعديميا أو إضافة الجديد ليا أي تطويرىا.
أوال :البحث العممي :ىو" نشاط منظم ،وطريقة في التفكير ،وأسموب لمنظر
في الوقائع ،يسعى إلى كشف الحقائق ،ثم استخالص المبادئ العامة
والقوانين العامة أو القواعد التفسيرية".
ثانيا :البحث العممي :ىو " عرض مفصل أو دراسة متعمقة ،تمثل كشفا
لحقيقة جديدة أو التأكيد عمى حقيقة قديمة مبحوثة ،أو إضافة شيء جديد
ليا ،أو حل لمشكمة كان قد تعيد شخص بتقصييا وكشفيا وحميا".
ثالثا :البحث العممي :ىو " استقصاء دقيق ،ييدف إلى كشف حقائق
وقواعد عامة ،يمكن التحقق منيا مستقبال".
ثانيا :المنيجية :إن االنسان غير المنظم وغير الخاضع لقواعد عقالنية
صارمة ،لو فكر فوضوي وعشوائي ،ال يضمن التوصل إلى نتائج معرفية
دقيقة ومظبوطة.
لقد اقترن العمم -في عصرنا ىذا -بالمنيجية إلى درجة أصبح فييا،
من الصعب التمييز بين المنيجية والعمم ،حتى كاد أن يفقد أي من
المصطمحين معناه بمعزل عن اآلخر.
ثالثا :السببية(أو العمية) :وتعني البحث في تفسير الظواىر لموقوف عند
سبب وجودىا ،والكشف عن العالقة التي تربط بين السبب(العمة) والنتيجة.
-لمعمم أدوات خاصة بو :فممحصول عمى درجة ح اررة الماء بدقة يجب
توفر مقياس ح اررة دقيق.
-العمم شامل ويمكن تعميمو :من أمثمتو أبحاث العالم مندل حول الوراثة،
ومثل قاعدة أرخميدس في طفو األجسام.
-العمم تراكمي وقابل لمتعديل :ال يبدأ من الصفر وانما يستفاد من تجارب
ودراسات سابقة.
-العمم يتأثر بالمجتمع ويؤثر فيو :يرتبط العمم بالمجتمع ارتباطا قويا،
وذلك ألن العمم يطور المجتمع ،كما أنو يتطور ويتغير تبعا لمظروف
المحيطة التي تسود المجتمع.
المعرفة :لغة :ىي مصدر الفعل عرف ،وىي حصيمة التعمم عبر
العصور.
*المعرفة نقيض االنكار والجحود ،أما العمم فيو نقيض الجيل واليوى.
* ترتبط المعرفة بذات الشيء أما العمم يرتبط بصفاتو ،ومن األمثمة عمى
ذلك عندما يقول شخص آلخر ،لقد عرفت أباك وعممتو رجال صالحا.
الثقافة :لغة الحذق ،وىو سرعة الفيم مع الحفظ ،فنقول إنسان حادق أي
مثقف وسريع الحفظ والفيم ،وكثيرىما ،وتطمق أيضا بمعنى التيذيب وتقويم
المعوج ،وىي في االصطالح المعرفة التي تؤخذ عن طريق االخبار والتمقي
واالستنباط ،فكل ىذه العوامل تحقق المعرفة ،وىي نتائج جيود فردية
وجماعية تعممية في ذات الوقت.
أما العمم ،فيو المعرفة التي تقوم عمى أسس وقواعد صحيحة ،وىناك
عموم وخصوص بينيما ،فالعمم أوسع وأشمل من الثقافة ،فكل عمم ثقافة
وليس كل ثقافة عمما.
* البصمة واألثر :تترك الثقافة بصماتيا الخاصة عمى األمم ،فكل أمة
تنطبع بطابع ثقافتيا الخاص ،في حين أن األمر بخالف ذلك فيما يتعمق
بالعمم.
* الطابع الغالب :الثقافة يغمب عمييا طابع العموم واالستغراق ،أما العمم
فيغمب عميو جانب التخصصية والمنيجية.
-1إنو نشاط إنساني خاص ،ينبني ويدل عمى قدرات وممكات إحساسية
تأممية ،أخالقية ،ذىنية خارقة ومبدعة.
أما العمم فيو :االعتقاد الجازم المطابق لمواقع وىو يمثل اليقين والحكم
الجازم غير القابل لمتشكيك.
أما الفن فيو ومضات رؤية خاطفة سرعان ما تنطفئ ،إذا فيو أقل
-2تعرف أيضا عمى أنيا عممية االستخدام األمثل لمعموم والمعرفة وجميع
التطبيقات المتعمقة بيا ،وتطويع ىذه العموم والمعارف في سبيل خدمة
االنسان ،وكل ما يتعمق برفاىيتو.
لقد ساد سابقا أن العمم ىو المعرفة العممية التي توصل ليا االنسان،
بينما التكنولوجيا تعني التطبيقات العممية لتمك العموم والمعارف المنظمة
التي توصل ليا االنسان.
المحاضرة الثالثة :أساس العلم وأهدافه
إن السؤال الذي يطرح نفسو بإلحاح حينما نود البحث في أساس
العمم ىو ىل العمم أساسو الفضول االنساني أم أساسو الحاجة؟
فإذا عرفنا قوانين الوراثة مثال ،صار بإمكاننا معرفة ما سيحدث إذا
ما توفرت شروط معينة إلخ .وبالتالي فإن ربط األسباب بالمسببات ،ىو
الذي يمكننا من فيم النواميس التي تنظم ىذا العالم الخارجي ،الذي يعرفو
عامة الناس عن طريق الحواس.
إن األنظمة التي يخضع ليا العالم الخارجي(سواء سميناىا قوانين أو
فروض أو نظريات أو سنن) ،ىي مجموعة المعارف االنسانية التي
تشمميا العموم المختمفة.
أما االجابة عمى السؤال المطروح ،نقول بأن المفكرين اختمفوا بشأن
أساس العمم فمنيم من يرى أن النشاط العممي ،يجب أن يستيدف الحقيقة
بدافع المعرفة ،أي أن العمم وليد الفضول ،في حين يرى فريق آخر بأن
العمل متقدم وسابق عمى العمم وباعث عميو ،أي أن العمم وليد الحاجة
وىو ما سنتناولو في الفرعين التاليين:
أ -حب االستطالع :وىي صفة طبيعية وغريزية في االنسان تدفعو دائما
إلى إزالة الستار عن أسرار الطبيعة وألغازىا ،وذلك إلشباع فضولو.
ج -يمجأ العالم أو الباحث المختص بعد اكتشاف القوانين العممية ،إلى
توظيفيا الختراع أشياء جديدة ،إلشباع حاجياتو ورغباتو ،ومثاليا،
الميندس الذي ينتفع بالقوانين الفزيائية والكيمائية والرياضيات إنشاء آالت
وأجيزة إلشباع حاجاتو.
يرى أنصار ىذا الرأي أن العمم أساسو الحاجة وذلك الن التاريخ
يشيد أن المجتمعات ىي التي تحدد نوع العمم الذي تحتاجو في مرحمة
معينة ،ولم يكن أبدا العمم في أي وقت من األوقات ظاىرة منعزلة عن
المجتمع ،ينمو بدون أي توجيو من ىذا األخير.
ويرى أنصار ىذا االتجاه أن العمم أساسو الحاجة ،ألن ىذه األخيرة
ىي التي تدفع االنسان إلى السعي من أجل تحقيق حاجاتو وزيادة رفاىيتو.
ب -الحاجة أم االختراع كما يقال ،فالتاريخ يكشف لنا أن العموم لم تتولد
عن المذة ،وانما المستمزمات الضرورية لمحياة ىي الدافع إلييا.
ج -صعوبة مواجية المشاكل العممية( :أي المشاكل التي تعترض االنسان
في حياتو العممية يوميا) ،ىذه المشاكل ىي التي نبيت التفكير العممي إلى
االىتمام ودراسة تمك المشاكل ومثاليا ،دراسة ظاىرة االختمار التي توصل
إلييا العالم الفرنسي "باستور" بعد أن اعترضت صانعي كحول الشعير،
عقبات في صناعتيا ،وكذا البحث عن الدواء لمعالجة األمراض الوبائية،
كما ىو الحال ىذه األيام إذ األبحاث جارية عمى قدم وساق في مختمف
المخابر العممية في مختمف دول العالم إليجاد دواء لفيروس كورونا
(كوفيد )99الوباء العالمي الذي حير العالم وغير مجرى الحياة في
المعمورة.
خالصة القول ،فإن مثاليات العمماء ،ىو إشباع الفضول ،أو بعبارة
أخرى(العمم من أجل العمم أو عمى منوال ما يقال ،الفن من أجل الفن)،
ىو أسمى وأرقى في سمم الحضارة من العمم من أجل المنفعة.
إن الغاية من كتابة البحوث بالنسبة لمطمبة ،ىي تعود الطالب عمى
كيفية إنجاز ومناقشة ما يكمف بو من مواضيع بحث في إطار الفرق داخل
األفواج ،وفي المواد التي فييا أعمال موجية وعبر سنوات التكوين في
الميسانس.
لقد سبق لنا تعريف المنيجية في صيغتيا المفردة بأنيا الطريقة العممية المنظمة
المتبعة في تقصي الظواىر واألشياء إلدراك الحقائق التي تنطوي عمييا ،وبالتالي الوصول
إلى نتائج معرفية كالوصول إلى قانون أو مبدأ أو نظرية عممية أو إلى ابتكار شيء
جديد...الخ.
فالمنيجية بيذا المفيوم تنطبق عمى كل جيد أو نشاط يمارسو االنسان ،سواء كان
ىذا النشاط عمال ماديا أو عمال فكريا ،وسواء كان ينحصر في مجال العموم االجتماعية أو
في دائرة العموم الطبيعية.
وبناء عمى ما سبق ،نستخمص بأن المنيجية العممية :ىي الطريقة العممية الوحيدة
الموحدة ،التي يتبعيا العالم والباحث بغض النظر عن موضوع بحثو ،وطبيعة نشاطو ،سواء
كان بحثا نظريا أو تطبيقيا ،في مراكز البحث العممي األكاديمي ،أو مخابر البحث العممية أو
التطبيقية في عالم الصناعة والزراعة.
إن مصطمح المنيج مشتق من األصل اليوناني ،ومعناه طريقة المعرفة واليقين،
استعمل في بداية األمر من قبل أىل المنطق ،وذلك لشرح التسمسل االستداللي الذي يجعمنا
ننتقل من فرضيات إلى نتائج معرفية مستخمصة ،تم انتشر بعد ذلك استعمالو بين العمماء،
كطريقة مثمى لدراسة عممية.
لقد وقع إجماع العمماء عمى ضرورة إخضاع المنيج لقواعد عقالنية محددة وصارمة،
(من موضوعية و تحميل وتمحيص و تحقيق) ،تحترم من جميع الباحثين ،إال أن الحديث
عن مناىج بصفة الجمع عوض الحديث عن منيجية ما زال سائدا ومتفشيا بين الباحثين.
فيل يعني ىذا أن ىناك عدة مناىج عممية؟ أم أن صيغة الجمع ىنا تكتسي معنى
اصطالحيا موحدا من حيث الجوىر ومتعددة من حيث الشكل؟
إن المنهج العممي منهج واحد ،ييدف إلى تمييز الطريقة العممية الجدية المنضبطة
التي يستعمميا العمماء في نشاطيم عن باقي الطرق األخرى التي تتسم بالعشوائية
والفوضوية.
إن الحديث عن مناىج البحث العممي -بصيغة الجمع -يراد بو التنبيو إلى تعداد
أدوات المعرفة المتنوعة التي يستعمميا العمماء والباحثين ،والتي تختمف عن بعضيا البعض،
باختالف مواضيعيا.
المالحظ أن اليدف من توضيح ىذه المسألة –ىنا -إنما ىو من أجل لفت انتباه
الدارس إلى ذلك الخمط والغموض الذي يكتنف الموضوع ،ويدفع بالبعض –سيوا أو عمدا-
إلى المغاالة في تصنيف مناىج البحث العممي وتعدادىا ،في حين أن رأي الكثير من
المفكرين هو أن المنهج العممي واحد مكتمل من ناحية الجوهر ومتعدد من ناحية الشكل
واألداة.
ىذه المناىج البحثية عديدة سنتطرق إلى أىميا ونبدأ بالمنيج االستداللي.
المنيج االستداللي ىو ذلك المنيج الذي يتناول دراسة المسائل النظرية والفمسفية
بيدف التوصل إلى حقائق معرفية وقواعد عامة.
فالمنيج االستداللي ،ىو منيج تحميمي ،ال ييدف إلى إثبات صحة الفرضيات
فحسب ،بل إلى إقناع الغير بصحة رأي ما أو نظرية أو موقف أو مسألة أو صحة تصرف
ما عن طريق االستدالل المنطقي أو الرياضي.
فما ىو االستدالل؟
إن االستدالل ىو البرىان الذي ينطمق من المسممات ويندفع إلى الكشف عن قضايا
تنتج عنيا بالضرورة ،وذلك دون المجوء إلى التجربة ،وىذا عن طريق الشرح أو عن طريق
الحساب؟.
وىو االستدالل الذي ينطمق من فرضيات أولية ،مرو ار بالتحميل المنطقي والوصول
إلى نتائج صحيحة.
ومثاليا :المحامي الذي يقدم األدلة لمقاضي من أجل تبرئة ساحة موكمو من جريمة اتيم بيا،
حيث يبرىن بأن موكمو كان في الواليات المتحدة األمريكية طوال األسبوع األول من مارس،
مقدما كل المستندات واألدلة التي تبرىن عمى ذلك ،وىذا يعني أن موكمو ال يمكن أن يكون
ىو الذي ارتكب تمك الجريمة في الجزائر بتاريخ 2004/03/04 :أي في نفس الفترة التي
كان في الواليات المتحدة األمريكية ،وبالتالي ال يمكن أن يكون في الجزائر في نفس الوقت
الذي كان في أمريكا.
لقد كان الفيمسوف اليوناني –سقراط -يمجأ إلى االستدالل الجدلي في محاوراتو مع
الغير ،وذلك لدحض وابطال استدالالتيم التحميمية الخاطئة ،وىو يقول في ىذا الصدد:
"عندما أختمف أنا وأنت حول عدد حبات البيض داخل السمة ،أو حول رقعة األرض أو حول
وزن كيس من الحبوب ،فإن الخالف ال يصل بنا إلى حد التشاجر والخصام ،ألنو بوسعنا
االحتكام إلى معايير وأدوات الحساب والقياس و الميزان لفض النزاع وحسم الخالف .أما
عندما أختمف معك حول ما ىو جميل وقبيح أو ما ىو خير وشر ،فالخصام سيكون أشد
وأعنف ،ذلك ألننا ال نممك معايير دقيقة نحتكم بيا ،وعميو فإنو إذا أردنا تجنب الصراع
واالقتتال أن ندخل في جدل وحوار لتقصي الحقائق والوصول إلى االقتناع والتراضي؟.
يقوم المنيج االستداللي عمى مجموعة من المبادئ التي تستخدم في عممية االستدالل
وىي :البديييات والمصادرات والتعريفات.
إن المصادرة ليست بينة بنفسيا كالبدييية ،إال أنو يصادر عمى صحتيا أي يفترض
أنيا صحيحة ،ألن صحتيا تستبان من نتائجيا .ومثاليا:
إنيا تصورات خالصة أي أفكار نظرية ،يحاول الباحث بواسطتيا التعبير عن مكنون
األشياء والظواىر التي يبحث فييا.
من خواص التعريف ،أنو جامع ،مانع ،مباشر ،ويستعمل التجريد والتعميم.
ومثاليا :إذ ا قمنا بتعريف العمم بقولنا :إنو "مجموع الخبرات االنسانية التي تجعل االنسان
قادر عمى التنبؤ".
المعرف.
ّ فنقول أن :العمم ىو الشيء
أما عبارة" :مجموع الخبرات االنسانية التي تجعل االنسان قادر عمى التنبؤ" ،ىي صيغة
التعريف ،وىي التي حددت خواص الشيء المعرف( أو خواص العمم).
فصل في مناهج البحث العممي (تابع المنهج االستداللي)
إن لالستدالل أدوات عديدة ،من أىميا :القياس والتجريب العقمي والتركيب وغير ذلك
وىو ما نتناولو فيما يمي:
أوال :القياس لغة :يقصد بالقياس من الناحية المغوية ،التقدير ،ومثاليا :قست الحقل ،أي
عرفت مساحتو.
ثانيا :اصطالحا :يعرف القياس بأنو" :إلحاق واقعة أو مسألة ال نص عمى حكميا بواقعة أو
مسألة ورد نص بحكميا ( أي شرع الحكم ألجميا) الشتراكيما في العمة".
أو "إلحاق مجيول الحكم بمعموم الحكم ،حيث يعطى لألول حكم الثاني" .كتفسير قاعدة
قانونية بالقياس لقاعدة أخرى.
أو تفسير قضية بالقياس لقضية أخرى مشابية ليا من حيث المعطيات ،ومثاليا :الخمر مادة
مسكرة ،تذهب العقل ،فيي حرام.
ويقاس عميو ،بأن كل مسكر يذىب بالعقل حرام ،ولما كانت المخدرات بأنواعيا تذهب العقل
فيي حرام.
يتبين مما سبق أن القياس عممية تقييم موازية ،نقيس فييا الشيء بمثيمو ،غير أن
يحول االفتراضات إلى نتائج،
القياس ليس البرىان ،إذ أنو ال يضيف شيئا لممعطيات ،وال ّ
وانما يسمح لنا باالنطالق في عممية االستدالل والبرىنة ،فيو يشكل خطوة من خطوات
البرىان.
-2الفرع :وىو المقيس أو المشبو( أي الحادث أو الواقعة التي نريد معرفة حكميا).
-3حكم األصل :وىو الحكم الذي يراد بيان مساواة الفرع لألصل فيو.
-4العمة :وىي التي انبنى عمييا تشريع الحكم في األصل ويتساوى معو الفرع فييا وتسمى
جامعا.
يكون التركيب عادة من الخاص إلى العام ،أي يبدأ من القضية الصحيحة المعمومة
كالمسألة الحسابية أو اليندسية ،ومثاليا :أ +ب = .15
فالتركيب يكون كاآلتي :أ +ب = = 03+13 = 02+13 = 01+14 = 00+15 = 15
.15 = 07+08 = 06+09 = 05+10 = 04+11
الفرع الثالث :التجريب العقمي.
يقصد بالتجريب العقمي ،أن يقوم االنسان بإدخال في ذىنو كل الفروض والتحقيقات
التي قد يكون من العسير عمى الباحث القيام بيا في الخارج ،ويتصور الطريقة المثمى
لتركيبيا حتى يتوصل إلى النتائج المرجوة.
إن ىذه العممية سابقة عمى تنفيذ المشروع أو وضع الخطة أو المخطط ،وذلك قبل
االنتقال إلى التنفيذ ( أي تجسيد المشروع).
أوال :التجريب العقمي الخيالي :إنو يمثل نوع من التأمالت الخيالية ،ومجال ىذا النوع من
التجريب األدب (القصة والشعر والرواية وغيرىا) ،وال قيمة لو من الناحية العممية والتطبيقية.
ثانيا :التجريب العقمي العممي :وىذا النوع من التجريب ،ذو قيمة عممية كبيرة ،ألن الفروض
فيو ،ال تقوم عمى موضوعات وىمية أو شعورية ،بل تقوم عمى وقائع ،خاضعة لمتجربة التي
تنتيي إلى نتائج ،وكل ذلك طبعا يجري داخل الذىن.
إنيا أداة من أدوات االستدالل ،تستخدم من أجل استبعاد القضية المضادة أو
المتناقضة ،ولتوضيح ذلك نسوق األمثمة التالية:
أوال :إذا كانت الخدمة الوطنية واجب وطني عمى الذكور فيي تعني أنو ليس واجبا عمى
االناث.
ثانيا :إذا كان مجموع الطمبة الذين تضميم مجموعة "د" يساوي ألف ( )1000وحضر منيم
تسع مائة وخمسون ( )950طالبا ،فيذا يعني أن ىناك خمسين طالبا غائب فقط.
يتضح مما تقدم أن مفيوم الدالة المضادة يقصد بو مفيوم المخالفة.
يكون ىذا النوع من االستدالل عمى قضية استنادا لالستدالل السابق ،ومن أمثمة ذلك:
إذا كان قطف أزىار الحديقة العامة عمل ممنوع ،يعاقب عميو القانون فما بالك باقتالعيا
وتحطيميا.
نشير بالقول في األخير لمدى تطبيق المنيج االستداللي في العموم القانونية والذي
يعرف فييا بالمنيج التحميمي ،أن رجال القانون يستخدمون المنيج لالستداللي في تفسير
وتركيب وتطبيق المبادئ والقواعد العامة المجردة في القضاء الجنائي والمدني ،وعمى أساس
ىذه القواعد يستنبط رجال القضاء النتائج والحمول واألحكام ،بعد إجراء عمميات االسناد
والتكييف القانوني لمظاىرة المطروحة.
وأخي ار يستعمل المشرع المنيج االستداللي في رسم السياسة التشريعية التي ترتكز
عمى األسس الفمسفية وااليديولوجية والدينية السائدة في المجتمع ،ويستميم منيا مختمف
التشريعات ،وذلك باعتبارىا مصد ار ليا.
المبحـــث الثانـــــي
المنهــــــــج التـــاريخــــــــي
نتطرق في المنيج التاريخي إلى نقطتين أساسيتين ىما :مفيوم كال من التاريخ
والمنيج التاريخي والعالقة بينيما في المطمب األول تم الخطوات األساسية لممنيج التاريخي
في المطمب الثاني.
ويعرفو بأنو" :وصف الحوادث أو الحقائق الماضية وكتابتيا بروح الباحث –الناقد -عن
الحقيقة الكامنة".
والواقع أن ميمة عمم التاريخ تكمن في القيام بوظيفة مضادة لسير الزمن ،تتمثل في
استرداد أحداث الماضي واستعادتيا استعادة ذىنية ،وذلك الستقرائيا وفيميا واستخراج العبر
منيا ،وافادة الحاضر والمستقبل بمعارف الماضي وأس ارره.
وعمى ىذا األساس يعرف المنيج التاريخي عادة بأنو منيج "استردادي" أي أنو يقوم
باسترداد آثار الماضي ويطمعنا عمى الكثير من المعارف المحيطة بتمك اآلثار .فما مفيوم
المنيج التاريخي؟
الفرع الثاني :مفهوم المنهج التاريخي.
يقوم المنيج التاريخي عمى دراسة األحداث الماضية بيدف إعادة بناء الماضي،
معتمدا في األساس عمى الوثائق واألرشيف ،إذ يتضمن المنيج التاريخي كأي منيج ،مسعى
خاصا ،حيث ينبغي عمى الباحث في بادئ األمر أن يقوم بجمع الوثائق المتنوعة ثم يقوم
بتقييميا أو نفذىا ،نقدا خارجيا وداخميا.
ال شك أن العالقة بين التاريخ كعمم من العموم ،باعتباره يشكل مجاال من مجاالت
البحث العممي ،والمنيج التاريخي عالقة وثيقة ،فال وجود لعمم التاريخ ،كعمم –وليس
كأساطير وحكايات وأحداث فقط -إال بوجود المنيج العممي التاريخي الذي يتبعو الباحث
ويطبقو في جمع الحقائق التاريخية وفحصيا وتحميميا ونقدىا ثم تفسيرىا.
إن منيج البحث التاريخي يشمل عمى خمس مراحل مختمفة يسير عمييا الباحث من
أجل بموغ الحقيقة التاريخية ،وتقديميا إلى المختص بصفة خاصة ولعامة القراء بصفة عامة.
الفرع األ ول :اختيار موووع البحث وتحييي..
يتم في ىذه المرحمة اختيار موضوع البحث التاريخي وتبيان عناصره بدقة ،وكذا
تحديده من حيث المكان والزمان الذي حصل فييا الحدث التاريخي أو الظاىرة ،وكذلك
تحديد األنشطة التي تضمنيا واألشخاص الذين تناوليم الحدث والذين اتصل بيم الباحث.
يقوم الباحث في ىذه المرحمة بجمع المادة التاريخية والمعمومات من مختمف المصادر
والمراجع األساسية والثانوية ،وتصنيفيا وترتيبيا من أجل الحصول عمى أفضل مادة عممية
لحل المشكمة التي يبحثيا.
أوال :المصاير األساسية :وىي متعددة في البحوث التاريخية نتناوليا فيما يمي:
أ -اآلثار :تتمثل اآلثار في بقايا حضارة ماضية أو أحداث وقعت في الماضي وتشمل
المباني بأنواعيا المختمفة :من معابد وكنائس ومساجد وقصور ومدرجات وأعمدة
وتماثيل وقنوات وجسور وغيرىا ،كما تشمل األسمحة والعمالت وأدوات ذىبية وفضية
ونحاسية وفخارية وخشبية ونسيجية...إلخ.
ب -الوثائق :إنيا سجالت ألحداث أو وقائع ماضية قد تكون مكتوبة أو مصورة أو
منحوتة أو شفوية ،نفصميا فيما يمي:
ثانيا :المصاير الثانوية :تتضمن المصادر الثانوية معمومات غير مباشرة ،تشمل كل ما
نقل أو كتب عن المصادر األساسية ،وىي تعطينا فكرة عن الظروف التي أدت إلى
اندثار المصادر األساسية.
يقال أن الشك ىو بداية الحكمة ،لذلك يقوم الباحث بإخضاع المادة التاريخية لمدراسة
والنقد ،وذلك بالتعرف عمى جزئياتيا وتحديد العالقة التي تربط بينيا وبين موضوع
الدراسة و البحث.
إن عممية نقد المصادر التاريخية المختمفة تكون خارجية وداخمية ،فما المقصود بالنقد
الخارجي والنقد الداخمي.
أوال :النقي الخارجي :الذي يسمى أيضا بنقي األصالة أو نقي التنقيب ،فالباحث –عن
طريق النقد الخارجي -يتأكد من صدق الوثيقة أو اآلثار حتى يقرر قبوليا كدليل في
بحثو أو عدم قبوليا.
يثير المؤرخ أو الباحث التاريخي بشأن مصادر المعمومات (الوثيقة مثال) مجموعة من
التساؤالت منيا:
-متى ظيرت ىذه الوثيقة؟ وىل ىذه الوثيقة أصمية؟ أم أنيا صورة من األصل؟ وىل
أدخمت عمى ىذه الوثيقة األصمية تعديالت باإلضافة والحذف؟ ومن ىي الجية التي
أصدرت الوثيقة؟ ومن ىو كاتبيا؟ وىل ىي فعال صادرة عن ىذا المؤلف؟ فنسبة الوثيقة
إلى شخص آخر غير كاتبيا تختمف قيمتيا اختالفا كبي ار عما إذا نسبت إلى كاتبيا
األصمي أو إلى شخص مشيور ،ومثاليا :أن تكون وثيقة أو لوحة أثرية ضئيمة القيمة،
فتختم بخاتم شخصية مشيورة األمر الذي يرفع قيمة الوثيقة ،وكأن تنسب لوحة زيتية إلى
الرسام بيكاسو لكي تباع بمبمغ مرتفع.
فالنقد الخارجي يتمثل إذا في إيجاد أصل الوثيقة ،أي إرجاع الوثيقة إلى زمانيا
الحقيقي ،ومعرفة كاتبيا أو مؤلفييا ،ومكانيا األصمي وكذلك تقييم حالتيا ،أي إدراك إن
كانت تامة أم ال ،فاسدة أم ال ،بالكشف عن مواطن الزيف والنسخ والعثور عمى األخطاء
الممكنة.
ثانيا :النقي الياخمي :يسمى أيوا بنقي التأويل أو نقي المصياقية والذي ينصب عمى
مضمون المصدر ،فالوثيقة مثال يجب التأكد من حقيقة المعاني والمعمومات والبيانات
التي اشتممت عمييا لموقوف عمى ما يمكن أن تتضمنو من تناقضات وأخطاء...إلخ.
كما ييتم النقد الداخمي بالتحقق من صدق المادة الموجودة في الوثيقة .ولكي يصل
الباحث إلى ذلك ،ال بد أن يجيب عمى مجموعة من التساؤالت منيا:
إن اليدف من النقد الداخمي ىو تحديد الظروف التي كتبت فييا الوثيقة والتحقق من
صدق المقدمات الفكرية التي بنى عمييا الكاتب أحكامو ،والوصول إلى تفسير صحيح
لممعمومات ،كمعرفة مكان ة المؤرخ وعالقتو باألحداث ،ىل لو عالقة مباشرة أم غير
مباشرة بيا؟ .كأن تصدر الوثيقة من مؤرخ عرف بموقفو المساند لالستعمار الفرنسي
في الجزائر ،فكيف نتوقع موقفو إذن من الثورة التحريرية ومن أحداثيا؟ أو أن يكون
أحد القادة الفرنسيين ،أو متزوج من فرنسية معروفة بمواقفيا.
-2معرفة حقيقة الكاتب عن طريق :أىمية كاتب الوثيقة من حيث سنو ولغة الوثيقة
وألفاظيا ،ومن حيث خبرتو ...إلخ.
-3من حيث ظروف تدوين ا لوثيقة ،ىل تمت كتابتيا مباشرة إثر الحدث؟ أم نقال عن شيود
عيان؟ أم نقموىا عمن سمعوا الحدث؟.
-4مقارنة ىذه الوثيقة بالوثائق األخرى ،وىل ىناك تطابق؟ أم ىناك تناقض؟.
وىكذا حتى يصل الباحث إلى الحقيقة أو يقترب منيا عمى األقل.
إن الفروض التي يضعيا الباحث أو المؤرخ ىي التي تساعده في تحديد المادة العممية
الالزمة لبحثو واستبعاد تمك التي ال تيمو.
تكون صياغة المادة العممية وفقا لنظام زمني معين ،أي تحديد الفترة ومثاليا :دراسة
الثورة الجزائرية في الفترة ما بين 26أوت 1556و 15مارس 1562أو وفقا لنظام
جغرافي أي تحديد منطقة معينة ومثاليا :استراتيجية الثورة في منطقة األوراس ،أو كذلك وفقا
لموضوع معين ،ومثاليا :الجانب السياسي في الثورة الجزائرية ،أو وفقا لنظام يمزج بين كل
تمك األنظمة( أي يشمل :الموضوع والمنطقة والزمان) ،ومثاليا :الثورة الجزائرية من سنة
1554إلى 1562ويشمل االقميم الجزائري كمو واستراتيجية الثورة في الداخل والخارج.
بعد صياغة الفروض يختار الباحث األدلة التي تخدم موضوعو ،ثم يقوم بتحميميا
ونقدىا حتى يتأكد أن تمك الفروض تعطي تفسي ار أكثر إقناعا من غيرىا من الفروض.
إن ما يزيد من تعقيد البحوث التاريخية عن غيرىا من البحوث ،ىو صعوبة تركيب
المادة التي جمعيا الباحث ،خاصة أنيا تتعمق بالماضي ،أغمبيا اندثر وال تتوافر عنو سوى
بيانات جزئية خضعت وتخضع لتفسيرات وتأويالت متباينة أحيانا.
بعد انتياء الباحث من جمع المعمومات وفحصيا تم تحميميا ونقدىا يأتي دور صياغة
الفروض لتفسير الحوادث التي يدرسيا ،واختيار من بين الفروض المطروحة أحسنيا ،لينتقل
الباحث بعدىا إلى مرحمة استخالص النتائج وكتابة بحثو ،الذي يمخص فيو الحقائق العممية
والنتائج التي توصل إلييا بأسموب عممي قوي وواضح.
إن معرفة قواعد وأحكام وأصول النظم القانونية واالدارية الحالية تقتضي معرفة
أصوليا وجذورىا التاريخية الماضية ،وىذا ال يتحقق إال باستخدام المنيج التاريخي ،فعن
طريقو يمكن معرفة جدور مبادئ وأحكام نظرية االلتزام في ماضي الحضارات االنسانية
المختمفة ،وأحكام ومبادئ نظريات العقود والمسؤولية والبطالن والمركزية االدارية والرقابة
االدارية والوظيفة العامة وغيرىا من مواضيع القانون.
تابع المنهج التجريبي
يقوم المنيج التجريبي عمى المالحظة الدقيقة في اختبار صدق الفرضية ،وىي ليست
مجرد مالحظة سمبية لما يحدث في كل واحدة من المجموعتين :التجريبية والضابطة ،وانما
مالحظة إيجابية فاحصة ،لموقوف عمى التغيير الذي يمكن أن يط أر عمى المجموعتين نتيجة
لتمقي إحداىا تأثير عامل معين عمييا وحرمان األخرى من تأثير ىذا العامل ،وكل ذلك من
أجل الكشف عن العالقة السببية بين الظواىر مع ضبط ىذه العالقة ضبطا دقيقا ومحكما.
ومثاليا :إذا أخذنا العجين ونضيف إليو خميرة الجعة وعجين دون خميرة ،فماذا يالحظ عمى
كل منيما ،مع العمم أنيما موضوعين في نفس المكان وفي ظل نفس الظروف ولمدة معينة.
ال شك أنك ستالحظ أ ،العجين الذي أضيف إليو خميرة الجعة قد ظيرت عميو عالمات
التغيير ،وتتمثل في االنتفاخ بسبب تكاثر الفطريات فيو.
يمتاز ىذا المنيج عن غيره من المناىج بأن ىدفو األساسي ىو الكشف عن العالقة
السببية بين الظواىر والمتغيرات وأنو يربط دراستو ليذه العالقة بضوابط أو شروط دقيقة ال
نجدىا في المناىج األخرى ،وتتمثل ىذه الضوابط والشروط في:
أوال :الشرط التالزمي :يتضح الشرط التالزمي من خالل المتال التالي :شخص ما يدخن
ويكثر التدخين ،ومع مرور الوقت تتحكم ىذه العادة في الشخص فال يستطيع االستغنا
عنيا ،ويصبح مدخنا مدمنا .وعميو نقول بأن تدخين السجائر يعتبر شرطا ضروريا لحدوث
ظاىرة االدمان عمى التدخين ،أي أنو لكي يحدث االدمان ال بد أن يكون الشخص مدخنا ثم
يكثر من ىذا التدخين.
ثانيا :الشرط الكافي :وىو الذي يتبع حدوثو حدوث ظاىرة ما ،أي أن يكون وجوده كافيا
لحدوث الظاىرة ،ومثاليا :إن إتالف عصب االبصار يعتبر شرطا كافيا لحدوث فقدان
البصر ،وقطع المسان شرط كاف ألن يصبح االنسان أبكم.
من أمثمة ذلك :أن كوكب األرض الذي يعيش عميو االنسان تتوفر فيو مادة
االكسجين التي تعتبر الشرط الضروري والالزم لحياتو ووجوده.
فوجود االنسان واستمرار حياتو يستمزم وجود االكسجين ،كما أن عدم وجود ىذا األخير يؤدي
إلى انعدام الحياة عمى ىذا الكوكب ،وبالتالي عدم وجود االنسان أو فنائو.
ومثال ذلك أيضا :إلشعال الضو الكيربائي ال بد من إيصال المصباح بكل من القطب
الموجب والقطب السالب .أما إذا قمنا بإيصال القطب الموجب لوحده –دون القطب السالب-
فإن ذلك ال يؤدي إلى إشعال المصباح ،ونفس النتيجة نتحصل عمييا في حالة إيصال
القطب السالب فقط ،أي عدم الحصول عمى الضو .
قد يكون ىناك شرط يساعد أو يزيد من احتمال حدوث ظاىرة معينة ،ولكنو ال يؤكد
حدوثيا ،ألنو يعتبر واحدا من عدة عوامل ،ومثاليا :إن تدخين السجائر ال يعتبر شرطا كافيا
لحدوث ظاىرة االدمان ،بل ال بد من عوامل أخرى تدفعو إلى كثرة التدخين ،كالمشاكل
ونقص رقابة األوليا بالنسبة لمقصر وصغار السن.
خامسا :شرط التوافقية.
ومن أمثمتو :إذا عاش الشخص في مجتمع يعتبر فيو التدخين أم ار سائدا وطبيعيا،
فمثل ىذا الجو في المجتمع يشكل رفا توافقيا.
ال شك أن قوة المنيج التجريبي تكمن في أن الباحث يحاول في كل تجربة يجرييا أن
يختبر فرضية تقول بوجود عالقة سببية منتظمة بين متغير وظاهرة معينة ،وذلك عن
طريق اختيار مجموعتين متكافئتين ومتساويتين من جميع الوجوه ،ما عدا وجها واحدا أو
متغي ار واحدا ،وهو ما يسمى بالعامل التجريبي ،يسمط عمى إحدى مجموعتي التجربة،
ويحجب عن األخرى ،وتسمى المجموعة التي سمط عميها العامل التجريبي ،بالمجموعة
التجريبية ،بينما يطمق عمى المجموعة األخرى بالمجموعة الضابطة.
إن متانة المنيج التجريبي تتمثل في خضوعو لمتحكم والضبط ،فالباحث فيو ال يقوم
بوصف أو تفسير وتحميل ما ىو موجود ،ولكن يتدخل في توجيو العوامل والظروف بالحذف
أو التثبيت وفي التنظيم والترتيب ،وىو الذي يحدد ظروفيا بنفسو ،وىو الذي يخضع ويعرض
المجموعة التجريبية لمع ـامل التج ـ ـ ـريبي ،وعـ ـ ـدم تعريض المجموعة الضابطة لمعامل التجريبـ ـي
( العامل المستقل أو العامل المتغير) ،وىذا ما يطمق عميو التحكم في المتغير المستقل.
ىناك عدة أنواع من التصميمات التجريبية ،تتفاوت من حيث قوتيا وضعفيا ومن
حيث مزايا ىا وقصورىا ،ومن حيث كفاية العامل التجريبي(العامل المؤثر) في المتغير التابع،
وتتمثل ىذه األنواع من التجارب في:
الفرع األول :التجريب عمى المجموعة الواحدة.
يقوم الباحث في تجربتو ىذه عمى المجموعة الواحدة بإضافة عامل واحد معروف
بالعامل التجريبي لمجماعة ،ثم يق وم بقياس التغير الناتج ،إذا كان ىناك تغير ،ولتوضيح ذلك
نقدم المثال التالي:
قدم إلى الجزائر مجموعة من الطمبة األجانب بغرض الدراسة(بالمغة العربية) ،فقامت
الجامعة بتنظيم امتحان ليم بغية معرفة مستواىم في المغة العربية ،فوضعت سمما لمتنقيط،
وبعد تصحيح االمتحان ومعرفة النتائج وحفظيا ،يوزع الطمبة عمى األفواج حسب مستواىم.
تنظم دروس خاصة ومكثفة في المغة العربية ليؤال الطمبة األجانب حسب مستواىم
في ىذه المغة –استنادا إلى نتائج االمتحان السابق -وذلك لمدة محددة ثالثة أشير أو ستة
أشير.
وبعد انقضا تمك المدة ،ينظم امتحان من جديد ألولئك الطمبة ،ويصحح عمى أساس
سمم التنقيط السابق.
المقارنة :يقوم الباحث بعممية المقارنة بين نتائج االمتحان األول ونتائج االمتحان الثاني.
إذا كانت النتائج ذات قيمة ،أو بعبارة أخرى إذا تحسنت نتائج االمتحان الثاني ،فإن
الفضل في ذلك يعود إلى الدروس المكثفة في المغة العربية ،وىذه النتيجة تشكل العامل
األساسي المسؤول عن هذا التغيير ،وبالتالي تعتبر العامل المؤثر (العامل التجريبي).
يمكن استخدام مجموعتين أو أكثر في تجربة الجماعات بطريقة التناوب وعمى أن
تكون الجماعات متكافئة قدر المستطاع.
يطبق العامل التجريبي عمى كل مجموعة الواحدة بعد األخرى ،بحيث تصبح كل
واحدة ،كمجموعة تجريبية مرة ومجموعة ضابطة مرة أخرى ،وذلك أثنا المراحل المختمفة
لمدراسة.
وخالصة القول فإن استعمال المنيج التجريبي ليس أم ار ىينا بالنسبة لمباحث في
مجال العموم االجتماعية ،أما في مجال العموم الطبيعية ،فيجري الباحث معظم تجاربو داخل
المخبر ،حيث يستطيع أن يستبعد كل أو جل العوامل الخارجية التي تؤثر في المتغير
المستقل(العامل التجريبي) ،وضبط تمك التي ال يستطيع استبعادىا ،ثم يدخل العامل
التجريبي ،ويبدأ في مالحظة التغيرات التي تحدث ويقوم بقياسو.
وفي األخير تجدر االشارة إلى أن المنيج التجريبي يتميز بالعديد من المزايا من
أىميا :إمكانية تكرار التجربة ،تحت شروط محددة عمميا(نفس الشروط) ،عن طريق أكثر
من باحث ،مما سيؤكد ثبات النتائج المحصل عمييا ميما كانت صحيحة أم خاطئة.
أما عيوب المنيج التجريبي ،خاصة في مجال العموم االجتماعية ،فتتمثل في:
-3صعوبة معالجة بعض الحقائق الذاتية لممفحوصين الذين تشمميم التجربة مثل :المكانة
االجتماعية ،الدين ،االيديولوجيا...إلخ.
-4كما أن من أكثر األخطا شيوعا في ىذا المنيج ،ميل الباحث لالعتماد عمى النتائج
التي تحصل عمييا في التجربة األولى دون تكرارىا.
-5عدم توفر األدوات واألجيزة الدقيقة ،قد يؤدي إلى بيانات ونتائج غير دقيقة.
المنهــــــــج التجـــــــريـــــــــــــــــــــبي
يعتبر المنيج التجريبي من أقرب مناىج البحث العممي لحل المشاكل بالطريقة
العممية ،نتعرض ليذا المنيج بدء بمفيومو ،تم الخطوات أو المراحل التي يجب أن تتبع فيو،
كما نتطرق إلى الخصائص العامة ليذا المنيج ونختم ىذا المبحث بالتعرض ألنواع التجارب
أو ما يعرف بالتصاميم التجريبية.
المنيج التجريبي و ذلك المنيج الذي يسعى إلى التحكم في جميع المتغيرات والعوامل
األساسية باستثناء متغير واحد ،حيث يقوم الباحث بتغييره بيدف تحديد وقياس تأثيره في
العممية التجريبية أي التجربة.
إن التجريب في جوىره ،تغيير عمدي مقصود ومضبوط بالشروط المحددة لحدث ما،
مع مالحظة التغيرات الواقعية في الحادث نفسو ،إذ الباحث التجريبي ىنا ال يقف عند مجرد
وصف موقف موجود ،أو تحديد حالة وانما يسعى قاصدا معالجة عوامل معينة تحت شروط
مضبوطة ضبطا دقيقا لكي يتحقق من كيفية حدوث حالة أو حادثة معينة ،ويحدد أسباب
حدوثيا.
فالتجربة إذا تعني :تغيير متعمد ومضبوط لمشروط بالشروط المحددة لحدث ما
ومالحظة التغيرات الناتجة في الحدث ذاتو.
إن المنيج التجريبي يدرس الظاىرة الطبيعية الخارجة عن العقل ،فيقوم الباحث
بوصفيا وتحميميا واخضاعيا لمتجربة العممية(وىو بذلك عكس المنيج االستداللي) ،حيث
ينتقل من الخاص إلى العام ،ويستق أر الظواىر الطبيعية بواسطة التجربة ،الستقصاء أو
ا ستخالص القوانين العامة التي تحكميا ،وليذا السبب يعتبر المنيج التجريبي منيجا
استقرائيا.
يعرف االستقراء بأنو مجموع األساليب والطرق العقمية والعممية التي يستخدميا الباحث
في االنتقال من عدد محدد من الحاالت الخاصة إلى قانون عام أو قواعد عامة ،يمكن
التحقق من صدقيا بتطبيقيا عمى عدد من الحاالت المشابية.
اوال :االستقراء التام :ىو الذي يبحث جميع الحاالت والظواىر التي ينطبق عمييا حكم معين
قبل صياغة ىذه النتيجة عمى شكل قاعدة أو قانون ،وىو ال يعنينا ألنو شاق ومتعذر
التحقيق.
ثانيا :االستقراء الناقص :وىو االستقراء العممي ،يقوم عمى دراسة عينات منتقاة من الظاىرة،
وتعميم حكميا عمى جميع الظواىر المشابية.
المطمب الثاني :خطوات المنهج التجريبي.
إن خطوات المنيج التجريبي ىي نفسيا خطوات المنيج العممي بوجو عام ،وتتمثل
ىذه الخطوات في المالحظة وفي وضع الفروض والقيام بإجراء التجارب لمتأكد من صحة
الفروض ،وأخي ار محاولة الوصول إلى القوانين التي تكشف عن العالقات الموجودة بين
الظواىر.
وقد تعتمد المالحظة العممية عمى وسائل تكنولوجية متطورة لتقوية ومساعدة الحواس
كالمجير والمجير االلكتروني والكمبيوتر وااليكوغرافي والسكانير.
تعتبر المالحظة العممية المحرك األساسي لبقية خطوات المنهج التجريبي ،إذ أنيا ىي التي
تقود إلى وضع الفروض واجراء التجارب عمييا الستخراج القوانين العامة والنظريات العممية.
ومن أمثمة ذلك :أن العالم الذي ينظر في النباتات المختمفة وأصناف األوراق وأنواع
األزىار يتعين عميو أن ينظر في ىذه األشياء ،ثم يقوم بعممية الوصف ،ثم التعريف ،ثم
التصنيف ،لكنو ال يقوم بعممية التفسير والتجريب.
تعرف ىذه المرحمة بأنيا تحميمية ،إذ يقوم الباحث فييا بمحاولة تفسير الظواىر عن
طريق وضع الفرضيات أو الفروض التي تبين الروابط والعالقات التفاعمية بين أجزائيا.
ويقابل ىذا في مجال العموم االجتماعية ما يطمق عميو االشكالية والتساؤالت الناتجة عنيا.
تم يقوم الباحث باختيار مدى صحة تمك الفرضيات مباشرة ،أو أن تؤدي إلى إثبات
قضية تكفي صحتيا إلثبات صحة الفرضيات المطموب اختبار مدى صحتيا ،وبالتالي
تتحول ىذه الفرضية إلى قانون عام أو نظرية عممية .في حين تستبعد الفرضيات التي بثبت
عدم صحتيا.
وبصفة عامة فإن ىذه المرحمة تنتقل من المالحظة إلى بيان الروابط ،ثم افتراض
صحة الفرضيات بإجراء التجارب المختمفة.
تعرف ىذه المرجمة بأنيا مرحمة تركيبية لكون الباحث فييا –بعد التحقق من صحة
الفرضيات عن طريق التجريب -يحاول أن يركب شيئا فشيئا القوانين الجزئية لمظواىر حتى
يتسنى لو وضع قانون كمي وعام أو مبادئ عامة كمية ،تصمح ألن يستخمص منيا بقية
القوانين الفرعية بواسطة االستدالل.