You are on page 1of 11

‫» ‪Le questionnement est bien le principe de la pensée même , le principe philosophique par excellence.

‬‬
‫لقد كان ‪." Michel Meyer, De la problématologie -‬إن المساءلة هي حقا مبدأ الفكر ذاته‪ ،‬إنها المبدأ الفلسفي بامتياز "‬
‫عنوان برنامج الفلسفة في السنة الثالثة " مطلب التفكير‪ :‬من اليومي إلى الفلسفي"‪ ،‬وهو عنوان تمت مقاربته من خالل فصول‬
‫ثالثة‪ * :‬أولها‪ :‬فصل" اليومي" الذي هدف إلى الكشف عن آليات عمل اليومي التي تفرض على الوعي و الفعل اإلنسانيين إيقاعا‬
‫تكراريا رتيبا يجعلهما موسمين بالسلبية‪ .‬فبالرغم من مظاهر التغير و االختالف وادعاء الفاعلية ‪ ،‬فإن األفراد ينخرطون سلبيا في‬
‫أنماط متكررة تجعل آراءهم و اختياراتهم نتاجا لتأثيرات خارجية مصدرها السائد االجتماعي و سلطة األكثرية و وسائل‬
‫االتصال الجماهيري ‪ .‬و في ذلك ما يؤدي بالضرورة إلى االغتراب أي إلى تشويه مميزات الفرد اإلنسانية و جعله غريبا عن ذاته‬
‫و عن واقعه ‪ ,‬فهو كائن الفكر والحرية و لكنه يتبنى آراء بال تفكير و يحدد مواقف دون اختيار حر ‪ .‬و هو يحيا في عالم يفهمه‬
‫بشكل زائف فال يتوصل إلى إدراك نظامه و آليات عمله‪ .‬إن معانية هذا الوضع ال يمكن أن تتم من دون تساؤل ‪ :‬كيف يمكن‬
‫لألفراد التحرر من االغتراب في سياق اليومي ؟ * إن هذا السؤال هو الذي أجاب عليه الفصل الثاني" مقتضيات التفكير"‪ ،‬حيث‬
‫حاول أن يبين أن الفرد ال يمكنه أن يتحرر من اغترابه في اليومي إال إذا غير عالقته به من خالل ممارسة التفكير الذي يقتضي‬
‫مساءلة إشكالية ترفض اإلقرار بالبديهي ليستنطق ما هو ضمني ال مفكر فيه داخل كل موقف فتحوله إلى مشكل يحرج الفكر‬
‫ويدعوه إلى البحث والتجاوز‪ .‬إن تحقق هذا المقتضى ال يمكنه إال أن يحرر الفرد من عالقته العفوية المختلطة باللغة ليعرف‬
‫األلفاظ بكل دقة ويحولها إلى مفاهيم تمكن من تمثل الواقع بأكثر دقة ويحصنه من أشكال المغالطة التي يحملها الخطاب فال يدافع‬
‫عن أطروحة وال يدحض أخرى إال باالستناد إلى حجج وجيهة يبنيها العقل وحده‪ * .‬أما الفصل الثالث فيتعلق " بتجربة االلتزام‬
‫" التي يقدمها كامتداد طبيعي لفعل التفكير باعتباره ال يمكن أن يتحقق في إطار العزلة وال أن يكون المباليا‪ .‬فااللتزام هو الوجه‬
‫اآلخر للتفكير من حيث أنه اليكون إال في إطار الحوار مع اآلخرين والقبول بالنقد كقاعدة للتعامل مع كل المشاركين فيه‪ ،‬رهانه‬
‫من ذلك إرساء تواصل حقيقي يبرر الرجاء في حياة إنسانية بال عنف‪ .‬فالتفكير إذن مسؤولية بإقناع الذات واآلخر بأن اإلنسان‬
‫قادر على تغيير واقعه نحو األفضل وشجاعة في تحملها‪ - .‬ويتضح من خالل الفصول الثالثة أن برنامج الفلسفة في السنة الثالثة‬
‫قد راهن على إمكانية قيام تواصل حقيقي بين البشر يمكنهم من إزالة أشكال النزاع للتفكير معا في كنف الحوار وللحياة معا في‬
‫عالم بال عنف مم يهيئهم للتحرر من االغتراب‪ - .‬إذا كان جوهر التفلسف هو المساءلة‪ ،‬فإنه اليمكن االنخراط في هذا الرهان‬
‫دون مساءلته إشكاليا للكشف عن مفترضاته الضمنية وامتحان مدى وجاهتها‪‘ - :‬ن المفترض األول الذي تكشف عنه مساءلة‬
‫الرهان المعلن هو أنثر بولوجي ( والمفترض هو الموقف الذي يسلم به ضمنيا قول معلن ما (أطروحة‪ ،‬سؤال) فيجعل طرحه‬
‫ممكنا‪ .‬ويكون المفترض انثربولوجيا عندما يتعلق بتصور عن اإلنسان‪ :‬انتربوس في اليونانية) ذلك أن اإلقرار بإمكانية تواصل‬
‫حقيقي بين الناس من خالل التفكير يهيئهم لإلتفاق ووضع حد لعنف الخطاب والممارسة يفترض ضمنيا وجود خصائص مشتركة‬
‫بين البشر تعبر عن وحدة كلية تجمع بيتهم رغم اختالفهم ( العقل‪ ،‬اإلحساس‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬الرمز‪ ،‬اإلنتاج‪ )...‬غير أن هذا‬
‫المفترض ال يخلو من إحراجات إذ‪ :‬بأي معنى يمكن اإلقرار بوحدة إنسانية كلية في ضوء ما يتميز به البشر من كثرة تعبر عن‬
‫تنوعهم الفردي والثقافي؟ أال يتضمن اإلقرار بوحدة إنسانية كلية خطرا مزدوجا يهدد بتحويل تلك الوحدة تارة إلى ماهية مجردة‬
‫تهمش الكثرة الفعلية بين البشر وطورا إلى مركزية اثنيه تفرض نموذجا حضاريا ما وترى في كل خصوصية مغايرة ضربا من‬
‫البربرية؟ عندئذ هل يكون الحل بتثمين االختالف بين األفراد والمجتمعات بما تتضمنه من ثراء والدفاع عن الخصوصية ضد كل‬
‫وحدة مزعومة؟ [إن هذه األسئلة تطرح إشكالية ‪ :‬اإلنساني بين الوحدة و الكثرة التي ستكون محورا للتفكير في الباب األول من‬
‫إما المفترض الثاني الذي تكشف عنه مساءلة رهان برنامج الثالثة‬ ‫برنامج الرابعة ]‬
‫فهو معرفي ‪ ،‬ذلك أن التفكير سيكون بالمعنا إذا لم ينفتح على إمكانية االتفاق وهو ما ال يتحقق من دون اإلقرار بإمكانية إلى‬
‫حقائق تتميز بالكلية باعتبارها قضايا تمكن من معرفة موضعية بالواقع و تحظى العلوم أضحت اليوم متهمة بكونها قد بعثرت‬
‫الواقع وجزأته فلم تقدم سوى حقائق جزئية و مؤقتة ؟ و أن الفلسفة أضحت متهمة بكونها مساءلة عقيمة ال تنتج أية معرفة ؟‬
‫عندئذ هل ينبغي االستسالم لريبة تجعل التفكير بال أفق وإمكانية االتفاق مستحيلة‪.‬؟ أم البد من خيار ابسمولوجي جديد يهيئ العلوم‬
‫لالنفتاح على الواقع في تعقيده ومن االعتراف بإسهام المساءلة الفلسفية في بلورة مطلب الحقيقة الكلية ؟ [إن هذه األسئلة تطرح‬
‫إشكالية ‪ :‬العلم بين الوحدة والكثرة التي ستكون محورا للتفكير في الباب الثاني من برنامج الرابعة ] أما المفترض الثالث الذي‬
‫تكشف عنه مساءلة رهان برنامج الثالثة فقيمي ذلك أن االنفتاح على إمكانية االتفاق باعتباره البديل النوعي للعنف ليس معرفيا‬
‫و السياسة والفنية ‪ ،‬وهو ما‬ ‫فحسب بل ينبغي أن يكون كذلك عمليا قيميا يتصل بأحكام القيمة في مجال الممارسة األخالقية‬
‫يفترض وجود قيم كلية تضع معايير موحدة بين الناس في تحديد الخير و الحق والجمال ‪ .‬و لكن مساءلة هذا المفترض سرعان ما‬
‫تكتشف عن إجراءات عديدة ‪ .‬أليس من تناقص في الحديث عن قيم كلية في ظل ما تتضمنه المجتمعات من قيم نسبية مختلفة ال‬
‫تفتأ تتغير عبر التاريخ؟ عندئذ هل يكون من المشروع القول أن القيم ال تكون إال نسبية وجزئية تعبر عن مواضعات المجتمعات‬
‫واختيارات األفراد ؟ ولكن أال يفضي ذلك إلى نسبوية قيمية نتفي إمكانية التمييز بين الحق والعنف و الحسن والسيئ و الجمال و‬
‫[إن هذه‬ ‫القبح فتجعل الفعل اإلنساني بال إحداثية توجهه وتهدد بانفجار العنف وتبريره؟‬
‫األسئلة تطرح إشكالية‪ :‬القيم بين النسبي و المطلق التي ستكون محورا للتفكير في الباب الثالث من برنامج الرابعة ] رهانات‬
‫األسئلة المطروحة ‪ -‬إن مساءلة هذه المفترضات التي قام عليها رهان مطلب التفكير في برنامج الثالثة عن صلته الوثيقة‬
‫بمطلب الكلي على مستويات ثالثة ‪ :‬وحدة اإلنسانية على المستوى االنثربولوجي ‪ ،‬و كلية الحقيقة على المستوى المعرفي ‪ ،‬و كلية‬
‫فانثربولوجيا ‪ ،‬إن فهم البشر لالختالفات القائمة بينهم‬ ‫القيم على المستوى العلمي ‪ .‬وفي ذلك ما يعبر عن رهانات أساسية ‪:‬‬
‫كتعابير متنوعة عن هوية إنسانية كونية توحد بينهم وتتيح لهم إمكانية التواصل و التعايش السلمي و االحترام المتبادل بحيث‬
‫و االستعمارية التي تتخذ من الكثرة مبررا للتفاوت و‬ ‫يضعف ذلك االيدولوجيا القومية و العنصرية و الجنسية و الطائفية‬
‫ومعرفيا ‪ ،‬إن العمل على التوصل إلى حقائق كلية تعبر عن تظافر كل المعقوليات في معرفة الواقع داخل تعقيده‬ ‫اإلقصاء ‪.‬‬
‫من أجل التقدم باإلنسان هو ما يمكنه أن يحرر البشر من معارف مجزأة أشكال ال تقدم سوى حقائق جزئية غايتها النجاعة دون‬
‫و قيميا ‪ ،‬إن العمل على بلورة أشكال من االتفاق حول قيم أخالقية وسياسية كلية تتيح إمكانية توجيه الحيات‬ ‫اعتبار اإلنسان ‪.‬‬
‫المدنية و السياسية و العالقة بين األشخاص طبقا لمبادئ و قوانين تحمي احترام كرامة اإلنسان وحقوقه وهو ما يمكن أن يحرر‬
‫البشر من نسبوية يصبح في نطاقها كل شيء مبررا و جائزا كمقدمة تهتم اندالع العنف ‪ .‬الباب األول اإلنساني بين الكثرة‬
‫ال يوجد أي كائن غير إنسان " » ‪ « Excepté l’homme, aucun être ne s’étonne de sa propre existence‬والوحدة‬
‫يندهش من وجوده الخاص " * تكشف أبسط المالحظات عن مدى االقتران القائم بين الواقع اإلنساني و الكثرة نظرا لما يتسم به‬
‫وجود الناس من تعدد شديد واختالف عميق على جميع المستويات ‪ - :‬فبيولوجيا ‪ ،‬هناك اختالفات عرقية وجنسية وشكلية بين‬
‫األفراد مردها المدونة الوراثية وما تفرزه من تنوع بواسطة التطور والتناسل‪ - .‬وثقافيا‪ ،‬هناك اختالفات شديدة بين األنماط‬
‫الثقافية التي بواسطتها تتشكل هوية األفراد ووعيهم بذواتهم في إطار ما يميزهم عن الحضارات األخرى مثل‪ :‬اللغة والعقائد‬
‫واألعراف والعادات والقيم والخبرات‪ - ...‬وفرديا‪ ،‬هناك اختالفات عميقة بين اختيارات األفراد في توجيه الحياة‪ :‬مواقفهم الدينية‬
‫واألخالقية والسياسية والجمالية والجنسية وتعارض مصالحهم المادية والمعنوية بفعل مواقفهم االجتماعية‪ * .‬إن هذه الكثرة‬
‫المعطاة بدل أن ينظر إليها كتعابير تكشف عما يتميز به البشر من تنوع وثراء تحولت إلى منطلق لصراعات أفرزت تصورات‬
‫تبرر التمييز والمفاضلة واإلقصاء والعنف‪ - :‬إنه عنف عنصري وجنسي يتخذ من االختالف العرقي والجنسي مبررا النتهاك‬
‫حقوق األشخاص اعتبارهم أدنى قيمة‪ - .‬وهو عنف قومي وثقافي يتخذ من االنتماء إلى قوميات وثقافات معينة مبررا التهام‬
‫األشخاص بالتخلف والتوحش والبدائية واإلرهاب‪ - ...‬وهو عنف فكري واجتماعي يتخذ من االختالف الديني واألخالقي‬
‫والسياسي والرياضي والطبقي والجهوي مبررا للتهميش واالحتقار والعنف‪ * .‬إن هذا الوضع الخطير والمتأزم يوجب التفكير في‬
‫داللة الكثرة ومنزلتها في الواقع اإلنساني‪ - :‬هل في هذه الكثرة ما يؤسس الختالفات عميقة تقيم حدودا غير قابلة للتجاوز بين‬
‫الناس بيولوجيا وثقافيا وفرديا؟ أم أنها التعدو أن تكون سوى تجليات متنوعة لوحدة إنسانية تجمع بين كل الناس ليلتقوا حول‬
‫خصائص كلية مشتركة؟ ‪ -‬وعند افتراض إمكانية إثبات وحدة إنسانية تجمع بين الناس كافة فما هي الخصائص التي تمكن من‬
‫تعريف إنية هذه الوحدة؟ هل ينبغي االتجاه فورا إلى تكرار القول أنها تكمن في الوعي والعقل واإلرادة ؟ ولكن أليس في ذلك ما‬
‫يؤدي إلى حصر اإلنساني في إنية ثابتة وأزلية تنفي كل دور لما هو مغاير لها في تشكلها مثل الجسد والالوعي و الغير والعالم ؟‬
‫[المسألة األولى ‪ :‬اإلنية والغيرية ] ــ وإذا كان ما دعا إلى وضع فرضية وحدة إنسانية كلية هو الحيلولة دون تحول الكثرة إلى‬
‫مبرر للصراع العنيف فيكون التواصل ممكنا كبديل نوعي فإن هذا االفتراض ال يخلو من إشكال‪ ،‬إذ هل هذا التواصل بين الناس‬
‫ممكنا حقا ؟ وما هي الوسائط التي تضمن إمكانه؟ و هل يتسنى االعتراف بخصوصية االختالفات بين الناس و بكونية ما هو‬
‫إنساني في آن يؤدي ذلك إلى نفي إحداهما لألخرى؟[ المسألة الثانية‪ :‬الخصوصية والكونية ] ‪ .‬المســــــــــــــألـــــــــة‬
‫يقول ج‪ .‬لوموانيي‪ << :‬إن االختالف بيني وبين نفسي ال يقل عن‬ ‫األولـــــــــــى اإلنيــــــــــتة و الغـيـــــــــريـــــــــــة‬
‫االختالف بيني و بين غيري >> ــ ال يمكن المراهنة على تجاوز مأزق العنف الناجم عن تحول الكثرة من عالمة تنوع وثراء‬
‫إلى مبرر للصراع واإلقصاء و الهيمنة واالضطهاد و اإلبادة ‪...‬إال بالبحث عن خصائص كلية مشتركة بين الناس كافة و التي‬
‫فما هي طبيعة‬ ‫تشكل وحدتهم اإلنسانية و تجعل من الممكن الرجاء في التواصل و التعايش السلمي و االحترام المتبادل‪:‬‬
‫هذه الخصائص التي يتوحد حولها كافة الناس لتشكل إنية إنسانية كلية مشتركة بينهم ؟(اإلنية هي الخصائص التي تشكل هوية‬
‫تتميز بالثبات و االستمرارية في الوجود‪ .‬يقول الفارابي – كتاب الحروف ‪ " -‬تسمي الفالسفة الوجود الكامل إنية الشيء و هو‬
‫هل ينبغي االتجاه فورا إلى تعريف تلك اإلنية انطالقا من خاصية الوعي أي بعبارة أخرا العقل و اإلرادة ؟‬ ‫بعينة ماهيته‪)".‬‬
‫عندئذ ألن يجعلها ذلك ماهية ثابتة و أزلية تنفي ما هو مغاير لها مثل الالوعي و الغزيرة و العالم و اآلخرين؟ و لكن أليس في‬
‫أم‬ ‫االعتراف بما هو مغاير للوعي وللعقل ما يهدد بنفي اإلنية و تهميشها لتصبح مجرد صدى للغرائز و الالوعي و التاريخ؟‬
‫أن ذلك االعتراف لن يؤدي إال لفهم جدلي لإلنية يجعل من الغيرية شرطا لإلمكان تشكلها فال يمكن الحديث عن وعي دون‬
‫في اإلنية كإقصاء ‪ І-‬الوعي وال عن ذات دون جسد والعن أنا دون آخر وال عن إنسانية خارج صيرورة التاريخ ؟ التخطيط‬
‫للغيرية‪-1 :‬في اإلنية كنفي لغيرية العالم واآلخرين [ ديكارت " في يقين الكوجيتو " ص ‪ 2 ] 22‬ـ في اإلنية كنفي لغيرية الجسد‬
‫ـ في الغيرية كإقصاء لإلنية‪ 1 :‬ـ في غيرية الالوعي كنفي لمركزية الذات [ فرويد " ‪ [ II‬أفالطون " الجسد الوضيع " ص ‪] 32‬‬
‫سيادة األنا " ص‪ 2 ] 65‬ـ في غيرية الجسد كنفي لمركزية الذات [نيتشه " محتقرو الجسد " ] ‪ 3‬ـ في غيرية التاريخ كنفي‬
‫ـ في جدلية اإلنية و الغيرية‪ 1 :‬ـ في الوعي كمهمة [ريكور ] ‪ III‬لمركزية الذات [ماركس "هل الوعي كيان المستقبل ؟ "ص‪]50‬‬
‫اإلنية كإقصاء للغيرية‪ - :‬إن ‪ 2 I -‬ـ في الذات المتجسدة [مرلوبونتي " تجربة الجسد " ص ‪ 3 ] 42‬ـ في البينذتية [سارتر ]‬
‫البحث عن وحدة كلية تؤلف بين كثرة االختالفات الجزئية والخصوصية القائمة بين الناس حتى ال تتحول إلى مبرر لإلقصاء‬
‫والمفاضلة والتمييز والعنف بل تكون مدعاة للتواصل والتعايش واالحترام ال يكون إال برصد خصائص واحدة ومشتركة بينهم‬
‫جميعا تشكل إنيتهم‪ .‬ولكن أال يتوقف هذا البحث ما أن يبدأ بسبب بداهة الخاصية الكلية التي تفرض نفسها كوحدة جامعة لكل‬
‫الناس ومميزة له عن سائر الكائنات وهي الوعي؟ إذا كانت المساءلة الفلسفية هي دائما رفض للبديهي وإحراج له فإن هذه‬
‫البداهة سرعان ما تتحول إلى مصدر إشكال‪ - :‬فبأي معنى يمكن تعريف الوعي على نحو يجعل منه الخاصية اإلنسانية الكلية‬
‫التي تعبر عن وحدة تجمع بين الناس كافة؟ ‪ -‬و ما الذي يبرر استبعاد ما هو مغاير للوعي في تعريف الوحدة اإلنسانية مثل‬
‫السند‪" :‬في يقين‬ ‫غرائز الجسد وحواسه والعالم واآلخرين؟ ‪ -1‬اإلنية كنفي لغيرية العالم واآلخرين‪:‬‬
‫ديكارت (فيلسوف فرنسي‪- ) 1650 -1596:‬ال يمكن فهم النص في سياق التأمل الثاني‪ :‬في‬ ‫الكوجيتو"‬
‫طبيعة النفس اإلنسانية وإن معرفتها أيسر من معرفة الجسم‪ ،‬إال في عالقته بمسار الشك واليقين األول الذي قاد إلى اكتشافه وهو‬
‫الكوجيتو‪ - :‬إن كل إنسان بحكم عدم اكتمال قدرته على التفكير بنفسه خالل الطفولة يكون عرضة لتأثير السلطات واآلخرين‬
‫واألهواء مم يؤدي إلى رسوخ أحكام مسبقة ومتسرعة ال يملك القدرة على تقويمها للتمييز بين ما هو خاطئ منها وما هو صائب‬
‫ال بد لي مرة في حياتي من الشروع الجدي في إطالق نفسي من جميع اآلراء التي تلقيتها في اعتقادي من‬ ‫إال بالشك فيها جميعا ‪" .‬‬
‫قبل‪ - ".‬إن الشك كما ينبغي ممارسته حسب ديكارت ليس ريبيا قوامه اإلقرار الوثوقي بعجز العقل و استحالة الحقيقة بل سيكون‬
‫منهجيا أي وسيلة بحث يعتمده العقل من أجل التميز بين ما هو مشكوك فيه و يقيني بحيث يكون ذلك أساسا معقوال يتيح إمكانية‬
‫معرفة الذات و العالم‪ ".‬كان مقصدي ال يرمي إال اليقين و إال أن أدع األرض رخوة و الرمل كي أجد الصخر و الصلصال‪- ".‬‬
‫إن ممارسة الشك تدرجت بديكارت من البسيط إلى المركب لتبلغ مرحلة اإلفراط و تنفي كل مصادر اليقين التي كانت لديه‪ .‬فالشك‬
‫في قيمة اإلدراك الحسي كشف عن خداعها وقاد إلى استبعادها واعتبار أن كل ما تقدمه عن العالم والجسم خاطئ‪ .‬أما الشك في‬
‫قيمة االستدالل العقلي كما يتجلى في أكثر العلوم معقولية وهي الرياضيات فيكشف أنه غير كاف للحماية من الخطأ واالستدالالت‬
‫الفاسدة مما يعني اعتبار أولياته ونتائجه خاطئة تماما‪ .‬هنا يبلغ الشك أقٌصى درجاته ليصبح ميتافيزيقيا من خالل فرضية الشيطان‬
‫إذ أن افتراض كائن له نفس قدرة اإلله ولكنه يستعملها في تضليل اإلنسان سيخلط ‪ l’ hypothèse du malin génie،‬الماكر‬
‫حدود الفصل بين ما هو معقول وما هو ال معقول والعجز عن رسمها‪ ".‬لعل شيئا واحدا هو الصحيح‪ ،‬وهو أن ال شيء في العالم‬
‫بيقيني‪ - ".‬إن هذا الشك المفرط الذي ينفي كل مصادر اليقين يكون في حد ذاته يقينا‪ .‬فمن يشك هو يفكر وال يمكن أن يشك آنذاك‬
‫أنه يفكر‪ .‬وبما أنه من التناقض أن يكون من يفكر منعدما فمن يفكر إذن هو موجود على وجه اليقين الذي ال يطاله الشك‪ .‬أنا أفكر‬
‫أنا موجود هذا يقين أول تكشفه الذات في إطار الشك كإقرار بديهي ال يمكن التشكيك فيه‪" .‬أنا كائن‪ ،‬أنا موجود قضية صحيحة‬
‫بالضرورة كلما نطقت بها وكلما تصورتها في ذهني‪‘ - ".‬ن هذا االكتشاف يقود ديكارت إلى تأمله بأكثر إمعان ليرصد التبعات‬
‫التي تنجر عنه‪ :‬فما هو هذا اإلنسان الذي أضحى على يقين من وجوده؟ حركة التفكير في النص * لحظة أولى‪:‬الكوجيتو ويقين‬
‫التطابق بين الفكر والوجود (الفقرة األولى) ‪-‬إن يقين األنا في وجوده كما تحدد من خالل الكوجيتو يثبت أن الفكر هو أساس ذلك‬
‫اليقين وانه بذلك يختزل إنية اإلنسان بعيدا عن كل غيرية باعتباره شيئا يفكر ‪ - :‬إن وجود األنا أفكر يقيني ألنه من البداهة أن‬
‫يكون األنا الذي يفكر موجود ككائن فعلي في الواقع إذ من التناقض أن يكون في أن لمفكر و منعدما ‪ .‬فهو إذن إقرارا معقول ال‬
‫يوجد فيه العقل المنتبه أي غموضا أو تدخل يبرران الشك فيه فيكون في نظره واضحا متميزا أي يقينيا‪ " .‬هذا أمر يقيني ‪ - ".‬إن‬
‫يقين األنا في وجوده لم يتحقق بواسطة ما هو مغاير للفكر لذلك غنه لم يستلزم العالقة بالطبيعة أو المجتمع أو بالغير بواسطة‬
‫حواس الجسم ‪ .‬فاألنا بفكره وحده يتيقن من وجوده أي بوعيه بذاته الذي منحه هوية ثابتة و مستمرة تجعله منبها و حاضرا لنفسه‬
‫بحيث يجعله ذلك مدركا لدل ما يحدث داخله من حاالت و مصدرا لكل التصورات و القرارات و األفعال ‪ .‬فبوعي األنا انه يشك‬
‫استحالت إمكانية الشك في ذلك و تحقق اليقين في الوجود ‪".‬أنا موجود ما دمت أفكر ‪ - ".‬إذا كان األنا يتيقن من وجوده من دون‬
‫تدخل ما هو مغاير للفكر فإن ذلك يعني أن الفكر كيان قائم بذاته وغير مادي متميز تماما عن الجسم ومستقل عن العالم واآلخرين‬
‫وهو النفس التي تجعل من اإلنسان ذاتا أي كائنا مدركا ومتصورا وفاعال وسيلة في ذلك هي العقل كقدرة تمكنه من الحكم والتمييز‬
‫والقرار‪ .‬فاإلنسان في إنيته ذات مفكرة أو بعبارة أخرى روح أو عقل‪ " .‬إذن فما أنا على وجه التدقيق إال شيء مفكر أي روح أو‬
‫ذهن أو عقل‪ * ".‬لحظة ثانية‪ :‬في الحجاج على وجاهة التطابق بين الفكر واليقين في الوجود‪ ( .‬الفقرة الثانية ) ‪-‬ال يكتفي‬
‫ديكارت بإثبات مدى بداهة التطابق بين األنا أفكر وأنا موجود وباستنتاج ما يترتب عن ذلك من تبعات بل يتجاوز ذلك نحو العمل‬
‫إن صفة الفكر التي تم اعتبارها المحددة إلنية‬ ‫على مفهوم الفكر بأكثر دقة والحجاج على كفايته لمنح اليقين في الوجود‪· :‬‬
‫اإلنسان سرعان ما تكشف عن إشكال يتمثل في اختالف تجلياتها التي تشمل كل ملكات اإلنسان‪ :‬العقل ( شك‪ ،‬تصور‪ ،‬حكم )‬
‫اإلرادة ( رغبة‪ ،‬نفور ) تخيل ( إنشاء صور ) إحساس ( انطباعات حسية ) فهل من تناقض بين القول بوحدة اإلنية اإلنسانية‬
‫إن هذه األفعال‬ ‫وكثرة األفعال المتعلقة بها؟ "حقا إنه ليس باألمر اليسير أن تكون كل هذه األشياء من خصائص طبيعتي‪· ".‬‬
‫الفكرية أو الواعية رغم كثرتها تجد شرط إمكانها في وحدة األنا أفكر‪ .‬ذلك أنه ال يمكن ألي فعل عقلي أو إرادي أو تخيلي أو‬
‫إدراكي أن يتحقق من دون الوعي بالذات كعالقة مباشرة بين األنا ونفسه تمنحه الوحدة والثبات فتجعله حاضرا لذاته ومنتبها‬
‫ومدركا لكل حاالته ومصدرا لكل أفعاله‪ .‬فمن دون أنا واع ال يمكن للعقل أن يشك أو يتصور أو يحكم وال لإلرادة أن ترغب أو‬
‫تنفر وال للخيال أن ينشئ صورا وال للحواس أن تدرك فال فعل من دون فاعل يوجه ويرسم المقصد‪ ".‬بديهي كل البداهة أنني أنا‬
‫الذي أشك وأنا الذي أفهم وأنا الذي أرغب‪ ".‬إن األنا ال يمكن أن يكون واعيا بذاته كوحدة مستمرة تتقاطع عندها الحاالت المتغيرة‬
‫وتصدر عنها األفعال المتنوعة من دون أن يكون موجودا فعليا في الواقع فمن التناقض أن يكون من يكون على يقين أنه واع‬
‫بنفسه أي يفكر غير موجود‪ .‬فالفكر هو دليل يقيني على الوجود مما يجعله الخاصية المحددة إلنية اإلنسان‪" .‬من هذا بدأت أعرف‬
‫ي شيء أنا‪ ".‬اإلشكالية‪ :‬هل الوجود بداهة أم إشكال؟ وكيف يمكن إثباته على نحو يقيني‪ ،‬هل باالنطالق من عالقة األنا بما هو‬ ‫أ ّ‬
‫مغاير له أي بالجسم والعالم والغير أم من عالقته بذاته من خالل الفكر؟ وأي تصور يترتب عن ذلك في شأن إنية اإلنسان؟‬
‫أطروحة الكاتب‪ :‬إن الفكر وحده هو شرط إمكان يقين األنا في وجوده فيدل على أن اإلنسان في إنيته ليس إال شيئا يفكر‪.‬‬
‫الضمنيات‪ :‬تنطلق أطروحة ديكارت عند اختزالها للوحدة اإلنسانية في خاصية الوعي من فهم ميتافيزيقي للوجود يبحث عن‬
‫اإلنية خارج إطار المحسوس بما يحمله من كثرة وتغير واختالف‪ - :‬فاألنا الواعي ال يتكون في سياق الغيرية التي تحيل على‬
‫التاريخ والثقافة واآلخرين‪ ،‬فهو ليس وحدة تنشأ في سياق عصر وضمن ثقافة ومن خالل شبكة من العالقات االجتماعية‬
‫والرمزية باآلخرين ألنه يعبر عن النفس كحقيقة ميتافيزيقية متعالية باعتبارها جوهرا روحيا أي كيانا قائما بذاته وال يحتاج في‬
‫أداء وظيفته وهي الوعي إلى غيره ويتميز بالبساطة والالمادية وعدم القابلية للتجزئة والخلود‪ - .‬إن اعتبار األنا نفسا يعني تمييزا‬
‫تماما بين الذات والجسم كآخر مغاير لها مم يؤسس لتصور ثنائي عن اإلنسان‪ .‬فالجسم جوهر ممتد اليعدو أن يكون آلة نشاطها‬
‫الإرادي ووظيفتها االستمرار في الحياة أما النفس فهي الجوهر المفكر الذي يجعل اإلنسان كائن العقل والحرية ويبوئه مكانة‬
‫محورية في الكون‪" .‬إن األنا أي النفس التي بها أنا ما أنا متميزة تماما عن الجسم‪ ".‬الرهان‪ * :‬إن ما هو محل مراهنة في النص‬
‫هي محورية الذات الواعية كأساس لليقين وكمحدد لإلنية‪ - :‬إن العالقة بما هو مغاير اليمكن أن تكون معيارا للحقيقة‪ ،‬فالتطابق مع‬
‫الواقع الخارجي والتواصل مع الغير هما منطلق ادراكات حسية زائفة وأحكام مسبقة‪ ،‬لذلك ال تبدأ الحركة نحو اليقين إال بأن‬
‫تستقل الذات عن كل ماهو مغاير لها لتشك في كل ما آمنت به من قبل فال تقر إال بما يتمثله العقل بوضوح وتميز دون أية إمكانية‬
‫للشك فيه‪ - .‬أن الجسم ببنيته العضوية شرط الستمرار الحياة بحيث أن أي خلل يصيب نظامه اآللي يهدد بتوقفها ولكنه ال يمكن أن‬
‫‪ .‬يسهم في فعل التفكير وقرارات اإلرادة‪ ،‬لذلك فهو آخر مغاير للذات يجب إقصاؤه عند تعريف إنية اإلنسان والقول إنه ذات مفكرة‬
‫النص السند‪« :‬الحكمة في ‪I -‬‬ ‫اإلنية بما هي إقصاء للغيرية‪ -2 :‬اإلنية بما هي إقصاء لغيرية الجسد‪:‬‬
‫معرفة النفس»‪ .‬أفالطون تخلّص‪ :‬أدت محاولة اإلجابة عن سؤال‪ :‬ما هي الخصائص الكلية التي تحديد إنيتنا اإلنسانية؟ إلى‬
‫فرضية فهم أولى تتكون من اإلقرارات التالية‪ - :‬الخاصية المميزة لإلنسان هي الوعي الذي تجعل منه أنا تجد في العقل مرجعا‬
‫ألفكارها وأفعالها‪ - .‬إن هذه اإلنية تتحدد بالفكر وحده التحتاج في ذلك إلى توسط ما مغاير له مثل الجسم أو اآلخر أو العالم فاإلنية‬
‫ال تتحدد إالّ كنفي لكل غيرية‪ - .‬إن فرضية الفهم هذه التخلو من التباسات محرجة‪ .‬فإذا أمكن تبرير نفي غيرية العالم واآلخرين‬
‫وباستقاللية الذات التي تجد في العقل مرجعا للحكم والقرار فإنه يعسر اعتبار الجسد آخر الذات وإقصائه عند تعريف إنيتنا‪ .‬فما‬
‫الذي يبرر اعتبار الجسد آخر الذات؟ وهل من المشروع نفي غيريته عند تعريف إنيته؟ اإلشكالية المركزية‪ :‬على أي نحو تتحدد‬
‫إنية اإلنسان؟ هل يمكن تحديدها من جهة كونها جسد أم وحدة بين النفس والجسد؟ أم أن إنية اإلنسان التتحدد إال من خالل النفس‬
‫فقط؟ األطروحة‪ :‬يؤكد أفالطون أن اإلنية اإلنسانية التتعين إال في النفس فقط‪ ،‬وما الجسد ليس سوى عائقا للنفس يجب التخلص‬
‫منه‪ .‬مراحل الحجاج‪ -1 :‬استبعاد الجسد أن يكون يمثل إنية اإلنسان‪ -2 .‬استبعاد القول بأن إنية اإلنسان تتجلى في الكل ‪:‬النفس‬
‫وجسد‪ -3 .‬إنية اإلنسان تكمن في النفس فقط‪ .‬التحليل‪ -1 :‬استهل الكاتب نصه ببيان قياس المجهول على المعلوم‪ :‬هناك اختالف‬
‫بين الذي يستخدم شيئا عن الشيء الذي يستخدمه‪ ،‬هنا يفرق أفالطون بين النفس بما هي المستخ ِدم والجسد بما هو المستخدَم‪ .‬ولكن‬
‫ما داللة إستخدام النفس للجسد؟ تحيلنا هذه العبارة إلى العبارة إلى التقابل بين من يصدر األوامر ومن يطيعها‪ :‬النفس هي اآلمر‬
‫والجسد هو المأمور‪ .‬مثال حركة أعضاء الجسم التتم إال بأمر من النفس لتحديد الغاية والقصد‪ .‬الجسد اليتلقى أوامره من ذاته بل‬
‫من النفس فهو فاقد لإلرادة والفعل‪ .‬إن وقع المرض والجنون والموت قد جعل من الجسد كيانا محتقرا فهو زائل مع‬
‫الموت(عرضي) ‪ ،‬متغير اليستقر على حال‪ ،‬في المعرفة والوجدان‪ .‬على هذا النحو فإن عالقة النفس بالجسد تقوم في تقدير‬
‫أفالطون على التبعية‪ .‬الجسد ال يمثل إنية اإلنسان التي يجب أن تحمل صفات الوجود التام والثابت على الدوام بعيدا على‬
‫العرضية والغيرية‪ - .‬بناء على هذه اإلجابة األولى يقف أفالطون عند سؤال جديد من خالل الحوار الدائر بين سقراط وألقيبياس‪:‬‬
‫"لعل الجملة الحاصلة من الجسد والنفس هي التي تدير الجسد‪،‬إذن‪ ،‬أفيكون ذاك هو اإلنسان؟"‪ -2 .‬عن هذا السؤال يجيب سقراط‬
‫ويتقدم في الحوار مع ألقيبياس ليقدم الحجة‪ :‬بأنه إذا كان أحد الجزأين ال يشترك في التحكم‪ ،‬تعذر القول بأن إنية اإلنسان تكمن في‬
‫‪ -‬الجسد ال يأمر‬ ‫المقدمات‪:‬‬ ‫الوحدة بينهما‪ .‬يمكن القول أن أفالطون في هذه البرهنة قد اعتمد القياس المنطقي التالي‪:‬‬
‫اإلنسان ليس جسدا إذن إنية اإلنسان ليست كالّ مؤتلفا بين‬ ‫النتيجة‪:‬‬ ‫‪ -‬النفس تأمر الجسد‬ ‫ذاته‬
‫النفس والجسد‪ .‬إن هذا الموقف الذي إتخذه أفالطون من حقيقة كل من النفس والجسد يجد مبرراته في نظرية المعرفة لديه أو ما‬
‫يعبر عنها بنظرية المثل‪ ،‬وهي نظرية حول الحقيقة حقيقة الوجود وحقيقة اإلنسان‪ :‬يقسم أفالطون الوجود إلى‪ - :‬عالم المثل‪ ،‬عالم‬
‫عالم الوحدة والثبات‪ [.‬تنتمي إليه النفس]‪ - .‬عالم مادي‪ ،‬وهو عالم‬ ‫الحقيقة الواحدة الكلية والثابتة‪ ،‬وهي الحقيقة المجردة‪.‬‬
‫عالم الكثرة والغيرية‪ ،‬عالم الظن‬ ‫أي الوهم‪[.‬ينتمي إليه ‪: Doxa‬المحسوسات يتميز بالتغير الدائم‪ ،‬عرضي وزائل‪.‬‬
‫الجسد]‪ .‬ويقوم هذا التقسيم األفالطوني للوجود على المفاضلة‪ ،‬ومنه كانت المفاضلة بين النفس والجسد‪ ،‬وأن العالقة بينهما ليست‬
‫متجانسة فالجسد يعرقل النفس ويلهيها على التفكير ويعكر صفوها على ح ّد تعبي أفالطون‪" ،‬الجسد سجن للنفس" هكذا قال‬
‫أفالطون في محاورة الفيدون‪ .‬وهو نفس القائل في محاورة الغورجياس‪" :‬الجسد قبر للنفس"‪.‬النفس اليمكن أن تتعقل ذاتها‬
‫ووجودها الحقيقي إالّ عندما تتح ّر ر من الجسد‪ ،‬وذلك بالتفلسف الذي يعتبره أفالطون تدربا على الموت‪ .‬إنسانية اإلنسان ال تتحقق‬
‫إال بانفصال النفس على الجسد‪ -3 .‬يخلص أفالطون في آخر النص إلى التأكيد على أن النفس هي عين اإلنسان أي إنيته‪" :‬فلما لم‬
‫يكن اإلنسان هو الجسد‪ ،‬وال هو الجملة المؤلفة من النفس والجسد لزم إذن أن نستنتج من ذلك أن اإلنسان هو النفس‪ ".‬والنفس في‬
‫المرجعية األفالطونية ههنا هي الماهية العاقلة ووجودها األصلي هو عالم المثل‪ ،‬وهي الفكرة التي تعبر وتختزل كل ما هو‬
‫إنساني‪ .‬ما يمكن أن نخلص له أن اإلنية هي ما يد ّل على الثبات والدوام والوثاقة في الوجود التي تجد معناها في النفس لدى‬
‫إن" الذي يدل عل الثبات والدوام في‬ ‫أفالطون‪ .‬ولعل هذا ما عبر عنه الفارابي في كتابه "الحروف" وهو أول من نبه على حرف" ّ‬
‫ُأ‬ ‫ُأ‬
‫الوجود وفي العلم بالشيء‪ .‬ويعود الفارابي إلى بعض األلسن مثل الفارسية واليونانية‪ ،‬ففي اليونانية‪ " :‬ن" و" ون" ممدود الواو‬
‫اإلنية بما هي انفتاح على الغيرية‪. I - :‬وهم يخصون به هللا‪ ...‬لذلك تسمي الفالسفة الوجود الكامل"إنية" الشيء وهو بعينه ماهيته‬
‫‪ /1‬في محايثة اإلنية للغيرية‪ :‬السند‪ " :‬الشعور والالشعور"‪ .‬لـ‪ :‬س‪ .‬فرويد تمهيد ‪ :‬يبدو أن تفكيرنا في اإلنسان قد أنبنى على‬
‫جهل بم يخفيه هذا الكائن‪ ،‬جهل ولّ د أوهاما رسمت صورة تجد أساسها النظري في تصوره على أنه كائن الوعي واإلرادة‪ .‬وقد ال‬
‫تتب ّدد األوهام إالّ بإعادة التفكير في عمق اإلنسان وفي مدى وجاهة الخطاب الذي حقّر الغرائز‪ .‬من المستحيل أن نفهم اإلنسان من‬
‫دون التظنن على الوعي ببيان ال إجرائيته بشأن أفعال ظلت‪ ،‬تحت وطأته مستعصية على الفهم وظل معها اإلنسان لغزا يتمنع‬
‫على االكتشاف ما لم نعترف بما يسعى الوعي إلى إخفائه اعترافا يشيء بتحول المخفي إلى أساس والظاهر إلى عارض‪.‬هذا ما‬
‫تكفلت به بعض الفلسفات الحديثة والمعاصرة وكذلك التحليل النفسي وع فرويد‪ .‬اإلشكالية‪ :‬هل يبدو من الوجيه التمسك بالقول إن‬
‫اإلنسان في إنيته وعي أم وجب االنزياح عن ذلك لالعتراف بأن الصفة الجوهرية لحياته النفسية تكمن في الالوعي ؟ األطروحة‪:‬‬
‫إن حقيقة ال‪،‬سان تتحدد من خالل بعده النفسي بما هو كائن الشعوري‪ .‬مستبعدا األطروحات التي تؤمن بسيادة األنا الواعية‪.‬‬
‫مراحل الحجاج‪ -1:‬من اإلنسان الوحدة( العقل) إلى اإلنسان الكثرة(بنية نفسية)‪ -2 :‬اإلنسان بما هو بنية نفسية‪ :‬أ‪ -‬بما هو بنية‬
‫موضعية‪ :‬ب‪ -‬بما هو بنية طاقوية( جهاز نفسي)‪ :‬التحليل‪ -1 :‬لقد كانت الفلسفة الكالسيكية تختزل الحياة النفسية في مفهوم العقل‪،‬‬
‫فديكارت عرف األنا بأنها "شيء مفكر" على ذلك اعتبر كل ظاهرة نفسية أي كل انفعال واعي وإرادي وكل ماهو غير إرادي‬
‫فهو مرتبط بالحياة الفيزيولوجية التي تتجلى في حركات الجسد اآللية‪ .‬إال أن هذا االعتقاد الراسخ لم يمنع بعض القراءات الفلسفية‬
‫الحديثة والمعاصرة من التأكيد بوجود قوة باطنية خفية تتحكم في سلوك وأفعال اإلنسان وال تخضع ألوامر العقل‪ ،‬نذكر على‬
‫سبيل المثال وال الحصر اسبينوزا الذي تفطن لمستطاع الجسد وما يمكن أن يصدر منه من أفعال كانت تنسب للنفس‪.‬من هذه‬
‫المنطلقات تناول فرويد من جديد مسألة اإلنسان ولكن هذه المرة من زاوية نظر علمية من خالل منهج التحليل النفسي حيث أكد‬
‫عجز الوعي على تفسير بعض السلوكيات الالإرادية الصادرة عن اإلنسان مثل الحلم أو زالت اللسان والقلم إلخ‪...‬إذن كان لزاما‬
‫على فرويد التأكيد بأن اإلنسان التتحدد إنيته في الوعي وإنما هو حياة نفسية معقدة وخفية في حاجة إلى تحليل وتأويل من أجل‬
‫تجاوز ظاهره والنفاذ إلى حياته النفسية‪ ،‬فماذا نعني بالحياة النفسية؟ انها مجموعة االنفعاالت النفسية الباطنية التي تتجلى عبر‬
‫الجسد في شكل سلوكيات ظاهرية‪ .‬االهتمام باإلنسان من جهة كونه جسد ال نفس‪ - .‬إن ما هو شعوري ال يمكن اعتباره دائما هو‬
‫الوعي ألن هناك من األفكار التي تبدو كما لو كانت واعية وإرادية وأحيانا أخرى تتحول إلى حالة كمون وتختفي لتظهر في‬
‫مرحلة الحقة‪ .‬من هنا افترض فرويد وجود حياة باطنية في اإلنسان عبر عنها بمفهوم"الالشعور"‪ .‬يقول في النص‪ " :‬وهذا‬
‫الالشعوري يتفق عندئذ في المعنى مع ما هو كامن وما هو قابل ألن يصير شعوريا‪ -2 ".‬إن هذا االكتشاف قد وضحه فرويد في‬
‫بداية حياته العملية ضمن نظرية أولى أطلق عليها اسم" النظرية الموضعية" حيث فشر اإلنسان على أنه بنية نفسية تتكون من‪- :‬‬
‫الشعوري‪ ،‬ما قبل الشعور‪ ،‬الالشعور‪ :‬الشعوري ما قبل الشعور الالشعور اإلدراك المباشر الفعل المقصود‪ ،‬الواعي الحر‪ :‬ما هو‬
‫واعي في الحياة النفسية‪ .‬ما هو مكبوت ولكنه قابل بأن يصير شعوريا‪ .‬يشتمل على الحاالت التي ليست حاضرة في ذهن اإلنسان‬
‫ولكن يمكن تذكرها‪ .‬هو المكبوت والغير قابل بأن يصير شعوريا‪ .‬ناتج عن عملية كبت الدوافع الغريزية‪ .‬انطالقا من هذا التفسير‬
‫يمكن القول أن حياة اإلنسان النفسية تشتغل على نحو ميكانيكي ينعدم التفاعل الديناميكي بين عناصرها‪ .‬كما أن هذه النظرية وفي‬
‫رأي النقاد وكذلك فرويد غير كافية إلثبات فرضية الالشعور‪ ،‬فهي تبقى نظرية غامضة‪ ،‬لذلك فكر فرويد في ضرورة تجاوزها‬
‫بالبحث عن نظرية علمية جديدة أكثر وضوحا وإقناعا‪ ،‬فكانت والدة " النظرية الطاقوية"‪ ،‬وهي تعرف بنظرية الجهاز‬
‫النفسي( المماثلة بين الحياة النفسية والجهاز اآللي‪ ،‬كالهما يشتغل بطاقة داخلية)‪ .‬وهذا الجهاز هو بنية يتشكل عبر مراحل‬
‫تاريخية من خالل عملية نمو الشخصية التي تبدأ في التشكل منذ لحظات الوالدة‪ ،‬وهذه البنية تتكون من‪ :‬الهو‪ :‬هو الموضع‬
‫األصلي الذي عنه ستنبثق الحياة النفسية بكل أبعادها مشتمال على كل ما يولد به اإلنسان من دوافع غريزية تجعله يطلب اللذة‬
‫ويجتنب االلم دون اعتبار لحدود المنطق والقيم والواقع‪ .‬ويمكن تصنيف تلك الدوافع بحسب مجموعتين متضافرتين هي دوافع‬
‫الجنس بأوسع داللته التي هي قوى توحيد وجمع وبناء ويسميها فرويد دوافع ايروس أو الليبيدو‪ ،‬ودوافع التدمير وهي قوى تشتيت‬
‫وفصل وتدمير ويسميها فرويد دوافع ثاناتوس‪ .‬وتصر عن هذه الدوافع رغبات غير معقولة ألن اللذة هي كمبدأ عملها لذلك فهي‬
‫في تناقض مع مبدأ القيم والمنطق‪ .‬األنا‪ :‬هو منبثق عن الهو من خالل النمو النفسي بفعل تأثير العلم الخارجي المادي‬
‫االجتماعي على الفرد‪ ،‬عندئذ تتشكل تدريجيا مختلف الوظائف اإلرادية الواعية التي تهيئ األنا لتحليل الواقع الخارجي استنادا‬
‫إلى مبدأ الواقع حفاظا على البقاء والتوازن النفسي والتعايش مع مؤسسات المجتمع والغير‪ .‬غير أن ذلك ال يعني أن نشاط األنا‬
‫واع بأسره بل هو في جزء منه غير واع ذلك أنه في عمله على خفض التوتر ومحافظته على التوازن يعتمد آليات دفاعية غير‬
‫واعية مثل الكبت والتصعيد والتقمص واإلسقاط والتصعيد والتعويض‪ ...‬األنا األعلى‪ :‬إن الحياة االجتماعية ما كان لها أن‬
‫تصبح ممكنة لوال القمع المنظم للغرائز‪ ،‬غير أن هذا القمع لم يعتمد عنف القوة بل التربية األخالقية وأشكال المكافأة والمعاقبة من‬
‫خالل اآلباء والمعلمين والمفكرين والواعظين‪ ...‬بحيث يؤدي ذلك تدريجيا إلى تكوين سلطة أخالقية داخلية التفتأ تراقب األنا في‬
‫عالقته بالواقع وبرغبات الهو‪ .‬نستنتج من خال لهذا التفسير ما يلي‪ - :‬أن إنية اإلنسان تتشكل مرحليا عبر النمو النفسي‬
‫والبيولوجي‪ - .‬أن إنية اإلنسان أصبحت وحدة لكثرة ولم تعد ذات متكتلة على ذاتها‪ - .‬إنية اإلنسان التتحدد في الوعي وإنما في‬
‫الالوعي وال يمثل الوعي إال جزءا ضئيال من هذه اإلنية‪ - .‬إنية اإلنسان إنية منفتحة على أبعاد مختلفة تتفاعل فيم بينها على نحو‬
‫انفتاح اإلنية على الغيرية‪ -2 :‬التاريخ بما هو شرط تحقق اإلنية‪ :‬النص السند‪" :‬األساس التاريخي للوعي"‪. II- .‬ديناميكي‬
‫ك‪ .‬ماركس وف‪ .‬انجلس مدخل إشكالي‪ :‬تخلص‪ :‬كشف النقد السابق عن مبررات العتراضات جذرية تجاه التناول العقالني‬
‫الميتافيزيقي إلشكالية اإلنية اإلنسانية‪ - :‬إن اختزال اإلنية اإلنسانية في ماهية كلية ثابتة وأزلية هي النفس العاقلة أو بعبارة أخرى‬
‫الذات الواعية واعتبار الجسد آخر يجب إقصاؤه خارج تلك الماهية باعتباره جسما ماديا يتوقف عند حدود البقاء العضوي وتتم‬
‫إدانته كمصدر أخطاء وأوهام‪ ،‬لم يجد وجاهته في الفكرالمعاصروالسيما التحليل النفسي مع فرويد عندما بين أن إنية اإلنسان‬
‫تكمن في الجسد أي هذا اآلخر كمنظومة من الغرائز التي تقف بشكل غير واع وراء األحاسيس واألفكار والقرارات خارج إطار‬
‫الوعي وسيادة األنا مم يعني أن اإلنية اإلنسانية غيرية قوامها الكثرة والتغير واالختالف والغريزة والالوعي وليس الوحدة‬
‫والثبات والتماثل والعقل‪ - .‬إن هذا التظنن يتوسع أكثر ويزداد حدة عند مالحظة الغياب التام للتاريخ كآخر في فهم اإلنية اإلنسانية‬
‫وتعريفها‪ .‬فما يقدم على أنه خصائص كلية توحد بين جميع الناس يكون في صيغة ماهية سمتها الوحدة والثبات خارج إطار‬
‫العالقة بالعالم االجتماعي وبالغير وما تشهده تلك العالقة من تغير عبر الزمن يكون منتجا الختالفات ثقافية واجتماعية واقتصادية‬
‫تحدد معالم بنية المجتمع وطبيعة العالقات بين األفراد وطبيعة أشكال الوعي والسلوك‪.‬إن هذا الغياب للتاريخ في فهم اإلنية‬
‫اإلنسانية والكيفية التي ينبغي اعتمادها في مقاربة العالقة بين اإلنسان والتاريخ ال يخلوان من إشكال‪ * :‬فهل من المشروع‬
‫الحديث عن إنية قوامها خصائص كلية تتسم بالوحدة والثبات بالنسبة إلى إنسان يوجد في سياق تاريخ قوامه التغير واختالف‬
‫الخصوصيات االقتصادية والسياسية والفكرية؟ * وهل أن التاريخ بما تتضمنه عصوره خصوصيات اقتصادية وسياسية وفكرية‬
‫‪ : Œ‬وبتحوالته السريعة هو نتاج وعي البشر بما ينشئونه من تصورات ويتخذونه من قرارات ويحددونه من غايات؟ نظام البرهنة‬
‫‪ - 1‬قد يبدو للوهلة األولى أن التاريخ ليس ‪: ‬في الوعي كلغة للواقع المادي‬ ‫اإليديلوجيا بما هي وعي مقلوب للواقع‪ :‬التحلـيـل‪:‬‬
‫إال حركة خطية للزمان تتعاقب في نطاقها األحداث االقتصادية واالجتماعية والسياسية والثقافية كنتاج إلرادة البشر ومقاصدهم‬
‫الواعية‪ ،‬فالتاريخ في حدوثه ومعناه هو من صنع اإلنسان مما يعني أمه ليس آخر بالنسبة إليه بل مماثل له لكونه نتاجا لما أراده‬
‫وخطط له وفعله‪ .‬إن هذا الفهم في نضر ماركس مثالي ميتافيزيقي لكونه يجعل من اإلنسان كائنا مجردا يتعالى على التاريخ فيحدده‬
‫دون أن يتحدد به و يعزل تصوراته عن الواقع االجتماعي و نشاط الناس المادي ‪ .‬لذلك يتعين دحضه و تجاوزه نحو فهم مادي‬
‫للتاريخ يقارب كحركة تتحدد انطالقا من شروط موضوعية اقتصادية و تطبيقية مستقلة عن وعي اإلنسان مما يعني قلبا للعالقة‬
‫بين اإلنسان و التاريخ حيث يصبح اإلنسان في أنيته نتاجا للتاريخ كآخر يسهم في إنتاجه دون وعي واضح به و تحكم حقيقي في‬
‫مساره‪ - :‬إن الفهم المادي للتاريخ كما يقترحه كارل ماركس يعني اإلقرار بأسبقية الممارسة العملية عل أشكال الوعي في تحديد‬
‫طبيعة الواقع االجتماعي وشبكة العالقات التي تقوم بين اإلنسان و اإلنسان في نطاقه و أشكال الوعي األخالقي و الديني و‬
‫السياسي و الفني و الفلسفي التي بها يتمثلون ذلك الواقع ويفهمونه‪ .‬وتعني الممارسة في هذا السياق الماركسي العالقة بين البشر و‬
‫الطبيعة من جهة وفيما بينهم من جهة أخرى في نطاق اإلنتاج االقتصادي‪ .‬فكل مجتمع يقوم على قاعدة اقتصادية مهما كانت‬
‫بساطتها أو تعقيدها تتحدد انطالقا من طبيعة القوى المادية و البشرية المعتمدة في اإلنتاج االقتصادي وطبيعة عالقات الملكية التي‬
‫تقترن بها ‪ .‬فنعد تحليل طبيعة القاعدة االقتصادية التي قام عليها المجتمع اليوناني أو الروماني القديم يمكن االنتباه إلى أنه يتأسس‬
‫على ممارسة إنتاجية قوامها قوة إنسانية أساسية تتمثل في العبيد (في عالقة باألرض و األدوات المادية ) ‪ .‬وهذه القوة اإلنتاجية‬
‫اقترنت بعالقات ملكية تمثلت في ملكية السادة للعبيد و لبقية وسائل اإلنتاج مما جعل المجتمع طبقيا ينقسم إلى طبقتين متناقضتين‬
‫المصالح وهما طبقة السادة و طبقة العبيد ‪ .‬أما عند تحليل طبيعة القاعدة االقتصادية للمجتمع األوربي الحديث ابتداء من القرن‬
‫السابع عشر ‪ ,‬فيمكن مالحظة أن هناك تغيرات قد طرأت على مستوى قوى اإلنتاج المادية حيث فقدت األرض و األقنان دورهم‬
‫اإلنتاجي األساسي لفائدة النشاط التجاري والمالي ثم الصناعي‪ ،‬إنه عصر المال واآللة فكان ذلك منطلق تغير من نمط إنتاج‬
‫إقطاعي إلى آخر رأسمالي أصبح في حاجة إلى قوة إنتاج جديدة هم العمال‪ .‬عندئذ انقسم المجتمع طبقيا إلى بورجوازية تملك‬
‫الرأسمال وإلى عمال أجراء‪ .‬ويتضح من خالل ما تقدم أن طبيعة قوى اإلنتاج االقتصادي هي التي تحدد بنية المجتمع الخاصة‬
‫وتركيبته الطبقية‪ .‬إن هذه الممارسة المادية التي تشكل قاعدة المجتمع االقتصادية هي ما يسميه ماركس" البنية التحتية"‪ - .‬إن‬
‫الممارسة العملية كعالقة اقتصادية إنتاجية بين البشر والطبيعة من جهة وفيما بينهم من جهة أخرى هي التي تحدد اإلطار‬
‫الموضوعي لنشأة أشكال الوعي واإلنتاج الفكري في المجتمع‪ ،‬من هنا يتجاوز كل من ماركس وأنجلس التناول الميتافيزيقي‬
‫المثالي الذي يعتقد أن البشر بوعيهم وبقيمهم وقراراتهم وأفعالهم الواعية هم الذين يحددون الواقع االجتماعي ويغيرون التاريخ‪.‬‬
‫يقول ماركس‪ «:‬إن التمثالت والتفكير وعالقات البشر تظهر هنا أيضا كانبثاق مباشر لسلوكهم المادي‪ ».‬ويضيف في موقع‬
‫يتضح مما سبق أن الجدلية ‪.» Ü‬آخر‪ «:‬ليس وعي األفراد هو الذي يحدد وجودهم بل وجودهم االجتماعي هو الذي يحدد وعيهم‬
‫‪ -2‬إن أشكال الوعي بمختلف مجاالتها‬ ‫التي تحكم حركة التاريخ كآخر بالنسبة إلى اإلنسان من وعيه وسيادة إرادته‪.‬‬
‫ومضامينها التي تؤلف ما يسميه ماركس"البنية الفوقية" ليست تصورات مفككة ومتناقضة بل تؤلف رؤية منسجمة للعالم تمكن‬
‫الناس من التفسير والفهم والتبرير واتخاذ القرارات وتحديد التصورات‪ .‬إن هذه الرؤية للعالم التي تسود في مجتمع ما أثناء لحظة‬
‫معينة من التاريخ تعبير عن طبيعة اإلنتاج االقتصادي لذلك المجتمع وبنيته الطبقية وصراع المصالح داخله هي ما يسميه ماركس‬
‫اإليديولوجيا‪ .‬غير أن اإليديولوجيا في نظره ترتبط بوعي زائف يعوق األفراد عن فهم واقعهم االجتماعي على نحو موضوعي‬
‫لتكرس خضوعهم للقوى المهيمنة اقتصاديا في ذلك المجتمع خدمة لمصالحها‪ . :‬إن وظيفة اإليديولوجيا مزدوجة تجمع بين فهم‬
‫الواقع على مستوى ذهني وتوجيه الممارسة على مستوى عملي بواسطة منظومة من التصورات والقيم‪ .‬كتب عالم االجتماع‬
‫الفرنسي ريمون أرون في تعريف اإليديولوجيا‪ «:‬هي نسق شمولي من التصورات تمكن من تأويل العالم التاريخي والسياسي‪».‬‬
‫وأضاف المؤرخ ماكسيم رودنسون‪ «:‬إن وظيفتها هي إعطاء توجيهات عملية لألفراد والجماعات‪ . ».‬إن اإليديولوجيا بوظيفتها‬
‫النظرية والعملية هي منطلق وعي زائف يشوه فهم الناس لواقعهم ألنها تخفي عنهم وظيفتها الحقيقية وهي تبرير مصالح قوى‬
‫الهيمنة في المجتمع‪ .‬فهي تخفي عنهم أنها تعبير عن واقع المجتمع بممارساته االقتصادية وصراعاته الطبقية ليتوهموا أنها نتاج‬
‫إلبداع الناس واختياراتهم الحرة‪ ،‬فيكون تبعا لذلك واقعهم االجتماعي نتاجا لوعيهم‪.‬هذا اإلخفاء هو ما يكشفه النقد الماركسي‪.‬بناءا‬
‫على ما سبق يمكن فهم المماثلة التي عقدها ماركس بين اإليديولوجيا من جهة وآلة التصوير واإلبصار في كل من الغرفة المعتمة‬
‫آللة التصوير وشبكية العين‪ .‬فكما أن آلة التصوير التصور والعين التبصر إال بقلب األشياء في كل من الغرفة المعتمة والشبكية‬
‫فإن اإليديولوجيا أن تنتج وعيا بالواقع إال بقلب العالقة بينهما فيبدو الوعي منتجا للواقع والحال أنه نتاج له ومحدد به‪ .‬اإلشكالية‪:‬‬
‫هل يحدد الواقع االجتماعي في سياق التاريخ كنتاج لوعي البشر؟ أم أن وعيهم نتاج لواقعهم االجتماعي؟ وماذا يترتب عن هذا‬
‫التعارض من تبعات على مستوى فهم اإلنية اإلنسانية‪ :‬هل يبقى من الممكن القول إنها ذات واعية تحدد التاريخ كنتاج لمقاصدها؟‬
‫أم إنها نتاج اجتماعي يحدده التاريخ كآخر مستقل عن وعيها وإرادتها؟ أطروحة الكاتب‪ :‬إن إنية األفراد والكيفية التي بها يفكرون‬
‫ويحيون هي نتاج غيرية مستقلة عن وعيهم وإرادتهم تتمثل في الواقع االجتماعي كآخر يتحدد انطالقا من درجة تطور النشاط‬
‫االقتصادي المادي الذي يقوم عليه‪ .‬رهانات النص‪ :‬ما تم كسبه‪ /‬نظريا‪ - :‬اكتشاف التالزم الوثيق بين الوعي والزيف مم يوجب‬
‫التخلي عن المطابقة بين الوعي والمعرفة‪ .‬فاإليديولوجيا السائدة التي تؤطر تصورات الناس وقيمهم وممارساتهم تخفي عنهم‬
‫شروطها االقتصادية واالجتماعية الموضوعية وتوهمهم أنها مستقلة والحال أنها نتاج شروط مستقلة عن إرادتهم وتبرر مصالح‬
‫الطبقة المهيمنة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ‪- .‬ال توجد إنية ثابتة بل هي تتشكل في إطار آخر مستقل عنها هو التاريخ المادي‬
‫لتكون إنية متحولة دوما وفي تشكل متواصل وموسومة باالختالف‪ .‬عمليا ‪ :‬التاريخ اليتحدد باإلنسان وال من أجل اإلنسان بل هو‬
‫جدلية اإلنية والغيرية‪ -1 :‬منزلة اآلخر ‪. III-‬مسار يتحدد انطالقا من اإلنتاج االقتصادي وصراع الطبقات دون بواعث وال غايات‬
‫لـ‪:‬‬ ‫في تحقق اإلنية‪ :‬النص السند‪« :‬الوعي بالذات يستوجب الوعي باآلخر»‬
‫هيقل‪.‬ص‪ 54 :‬تخلص‪ :‬إن كان الدرس الفرويدي قد دفعنا إلى مراجعة صورة اإلنسان كما توارثناها فحطم نرجسيته وجنون‬
‫عظمته‪ ،‬فإنه اكتفى بالدراسة البنيوية لإلنسان بمعزل على اآلخر‪ ،‬مؤكدا أن حقيقة الفرد تتطور وتكتمل دون الحاجة إلى اآلخر‪.‬‬
‫إال أن مسألة حضور اآلخر تبدو ضرورية لتحقق اإلنية في تصور هيغل‪ .‬اإلشكالية‪ :‬هل يقتضي تحقق اإلنية التمركز على الذات‬
‫أم ضرورة تجديل العالقة مع اآلخر؟ األطروحة‪ :‬إن الوعي بالذات ال يتحقق إال بموجب الوعي باآلخر وانتزاع االعتراف منه‬
‫واستيعابه‪ .‬مسار الحجاج‪ -1 :‬شرط تحقق الوعي بالذات‪ .‬التحليل‪ :‬لئن كان اإلنسان يتحدد باعتباره كائن عاقل إذ بالفكر يكون‬
‫مطابقا لذاته ومستقال به عن غيره‪ ،‬فهو إنيه جاهزة وتامة ما قبليا‪ ،‬فإنه مع هيقل كيان يتكون وينمو ويتمظهر ويتجلى في المعيش‬
‫انطالقا من وجوده الحيوي إلى أن يصل أعلى درجات التطور عبر مختلف لحظات الصيرورة التاريخية‪ .‬عندما يكون اإلنسان‬
‫مرتبطا بإشباع رغباته المادية مباشرة من الطبيعة يكون في الوقت نفسه مشدودا لها وجزء منها‪.‬عندها يكون وعيه لذاته وعيا‬
‫بسيطا (وعي حيواني)‪ ،‬ولكي يتجاوز هذا الوضع المنحط من الوعي عليه أن ينفتح على اآلخر من أجل انتزاع االعتراف منه‬
‫ولكن انتزاع االعتراف هذا ليس باألمر الهين ألن كالهما يحمل نفس الرغبة ومن هنا فإن تحقيق الوعي بالذات يتطلب الدخول‬
‫في منافسة وصراع جدلي يغامر فيه األنا واآلخر بحياتهما إذ أن كل منهما سيقدم نفسه إلى اآلخر كما لو كان غير متشبث بالحياة‬
‫رغبة منه ج ّر اآلخر كي يتخلى عن مواجهته واللجوء إلى االعتراف به ‪ .‬إال أن هذا الصراع ال يمكن أن يستمر إلى ما النهاية ‪،‬‬
‫في األخير البد أن ينتهي هذا الصراع بتفضيل أحد الطرفين للحياة على الموت‪ ،‬حينها سيستسلم لآلخر ويعترف به‪ .‬بهذا تنشا‬
‫العالقة بين السيد والعبد‪ ،‬السيد مستقل بذاته ‪ ،‬والعبد تابع للسيد موجود من أجله‪ .‬الذات ‪ -‬الوعي‪ :‬وعي خالص بالذات‪ :‬رفض‬
‫العالقة بين األنا‬ ‫اآلخر وعدم االعتراف به‪ ← .‬وعي متمركز حول ذاته وهو "وعي مطابق مع ذاته" كما يقول هيقل‪.‬‬
‫واآلخر تبدو عالقة إقصاء ونفي متبادل‪ - .‬الذات تنظر لآلخر نظرة سلبية (انه الموضوع سلبي)‪ - .‬الذات تتملكها الرغبة في‬
‫الحياة‪ .‬الرغبة في الحياة رغبة مشتركة بين الذات واآلخر ولكنهما لم يتوصل إلى االعتراف ببعضهما البعض‪ - .‬إن الرغبة في‬
‫الحياة هي منطق الصراع من أجل تحقيق هذه الرغبة‪ - .‬الذات ستقبل المجازفة بالحياة وخوض الصراع من أجل ضمان البقاء‪.‬‬
‫الذات ستتحول إلى سيد‪ :‬انتزع اعتراف اآلخر به‪ - .‬السيد سيستخدم العبد كوسيلة لإلنتاج‪ - .‬السيد فاقد العالقة المباشرة مع الطبيعة‬
‫وبالتالي لم يكشف قوانينها‪ - .‬السيد تحول تدريجيا إلى عبد‪ -1 :‬عبد للطبيعة ألنه لم يكشف قوانينها‪ -2.‬عبد لآلخر أي لعبده على‬
‫مستوى اإلنتاج حيث أصبح وجوده مقترنا بإنتاج العبد‪ .‬اآلخر ‪ -‬إن اآلخر وعي خالص بذاته‪ :‬إقصاء الذات (آخر) بالنسبة إليه‪- .‬‬
‫اآلخر ينظر للذات نظرة سلبية (موضوع سلبي)‪ - .‬اآلخر تتملكه الرغبة في الحياة‪ .‬إن اآلخر لم يقبل المجازفة بحياته أي لم يقبل‬
‫الصراع‪ ،‬إنه خشي على حياته‪ - .‬إن اآلخر تحول إلى عبد ألنه خشي المجازفة بحياته‪ - .‬العبد قبل أن يكون وسيلة إنتاج وانخرط‬
‫في العمل‪ - .‬العبد بواسطة العمل تمكن من اكتشاف قوانين الطبيعة وتأسيس عالقة مباشرة معها‪ - .‬العبد تحول بفعل العمل إلى‬
‫سيد‪ -1 :‬سيد على الطبيعة ألنه اكتشف قوانينها وسيطر عليها‪ -2 .‬سيد على اآلخر وذلك بفضل العمل الذي هو سبيل اإلنسان إلى‬
‫الحرية والكرامة‪ .‬الوعي بالذات يستوجب الوعي باآلخر‪ .‬هكذا تتحقق اإلنية اإلنسانية عبر عملية جدلية‪ :‬أي عبر لحظات جدلية‪:‬‬
‫‪ -1‬لحظة النفي‪ :‬إن الذات لها وعي خالص بذاتها‪ ،‬إذ تعتبر الذات اآلخر موضوع سلبي‪ .‬وفي المقابل فإن اآلخر بدوره يعتبر أن‬
‫الذات موضوع سلبي (عالقة تقوم على الصراع والرغبة في النفي)‪ -2 .‬لحظة الرغبة في الحياة والصراع‪ :‬اكتشف هيقل في‬
‫جدلية السيد والعبد أن الرغبة في الحياة هي الموضوع المشترك بين الذات واآلخر وهذه الرغبة ستؤدي إلى الصراع‪ ،‬إنه صراع‬
‫من أجل انتزاع االعتراف‪ .‬الذات ستقبل المجازفة بالحياة من أجل البقاء وفي المقابل اآلخر يرفض هذه المجازفة وذلك بموجب‬
‫الرغبة في الحياة ومن ثمت فإن الذات تتحول إلى سيد واآلخر إلى عبد‪ -3 .‬لحظة االعتراف‪ :‬إن الذات التي قبلت المجازفة بحياتها‬
‫والصراع ستتحول إلى سيد أما اآلخر الذي لم يقبل الصراع والمجازفة فقد تحول إلى عبد‪ .‬استنتاجات‪ -1 :‬إن الذات التحقق وعيها‬
‫بذاتها إال بموجب الوعي باآلخر‪ -2 .‬إن الذات وإن كان لها وعي باآلخر فإنها تستوعبه أي تحتويه‪ ،‬أي أن "الذات تبتلع اآلخر"‬
‫على ح ّد عبارة ألكسندر كوجيف‪ .‬هكذا يمكن القول أن األطروحة الهيقلية تنتقد ضمنيا التراث الميتافيزيقي والعقالني الذي تمركز‬
‫حول اإلنية مقابل إقصاء الغيرية‪ ،‬إذ كان اآلخر عالمة النقص األنطولوجي الذي يتمتع بوجود سلبي‪ .‬إن مسألة اآلخر مازالت‬
‫موضوع اهتمام الفكر الفلسفي واإلنساني المعاصر وان كانت هذه المسألة لها حضور في الفكر الفلسفي منذ اللحظة اليونانية التي‬
‫أقصت اآلخر من دائرة الوعي‪ ،‬وفي هذا السياق فإن الفكر اإلنساني المعاصر يستأنف التفكير في مسألة اآلخر ألن الوجود‬
‫اإلنساني اليمكن أن ينفصل على اآلخر‪ .‬ولكن أال يمكن أن يؤدي الوعي باآلخر إلى إقصاء هذا اآلخر واعتباره غريبا؟ أم أنه‬
‫سؤدي إلى االعتراف به ككيان مماثل وبالتالي نقيم معه عالقة صداقة الغرابة؟ ‪ - 2‬تخصيب العالقة بين األنا واآلخر‪:‬‬
‫النص السند‪" :‬هل الغير صديق أم عدو؟" ادغار موران تخلص‪ :‬اإلنسان كائن اجتماعي بطبعه ← حاجته لآلخر من أجل العيش‬
‫في نفس الوقت الذي يطلب فيه اإلنسان العزلة من أجل تفادي المكائد والغدر والكراهية‪ ،‬ينفتح على اآلخر سعيا إلى المحبة‬
‫والتعاطف‪ .‬اإلنسان يحمل طبيعة مركبة مما يؤكد على العالقة الجدلية بين اإلنية والغيرية فهي ليست فقط عالقة صداقة بل هي‬
‫أيضا عالقة عداوة‪ ،‬هذا ما أكد عليه إ‪ .‬موران بأن جدلية اإلنية والغيرية تسكن اإلنسان في سياق لعبة المماثل والمختلف‪.‬‬
‫اإلشكالية‪ :‬هل أن اآلخر مماثل لذاته أم مختلفا عنها؟ وبأي معنى نعتبر اإلنسان" وحدة التنوع"؟ األطروحة‪ :‬إن الطبيعة المزدوجة‬
‫لإلنسان هي السبيل إلى تأسيس الصداقة مع الغير في إطار وحدة التنوع‪ .‬األطروحة المستبعدة‪ :‬اآلخرون هم الجحيم [ سارتر]‪.‬‬
‫مسار الحجاج‪ -1 :‬جدلية المماثل والمختلف‪ -2 .‬نحو الجدلية بين اإلنية والغيرية‪ :‬الغير صديق‪ .‬اإلنجاز‪ :‬إذا عدنا إلى الوصف‬
‫الهيقلي للصراع حتى الموت من أجل االعتراف فإنه ال يقدم صورة واقعية عن طبيعة العالقة بين الذوات الواعية‪ ،‬و ال يأخذ في‬
‫االعتبار تعـدد أوجه العـالقة مع الغيـر و التي تتخذ أبعادا متعددة‪ ،‬بين االبن و أبيه و األم و ابنها‪ ،‬بين صديقين ‪...‬هذه العالقات‬
‫تتأسس لكنها ال تكف أن تتغير و يمكن أن تتخذ أشكاال أكثر تنوعا إن لم تكن أكثر تناقضا‪ ،‬فأوجه العالقة مع الغير تم طرحها‬
‫بصيغ مختلفة‪ ،‬يمكن إجمالها في الصيغ التالية " اإلنسان ذئب لإلنسان " (هوبز) " اإلنسان إله لإلنسان"( سبينوز)‪ ،‬أو كما قال‬
‫سارتر "اآلخرون هم الجحيم"‪" ،‬إن أكبر عقاب لي هو أن أكون وحدي في الجنة" (مال برانش)‪ .‬إن هذه الصيغ يمكن أن تجد‬
‫مبرراتها بشكل من األشكال‪ ،‬لكن الخطأ يكمن في دحض بعضها لصالح البعض اآلخر بمعنى اعتبار جميع الناس من طبيعة‬
‫واحدة و بالتالي اعتبار جميع الناس إما أشرارا أو أخيارا بينما هم في الواقع يقيمون فيما بينهم أشكاال متعددة من العالقات‪ ،‬وكما‬
‫أن االختالف قد يكون من خصائص الذات نفسها كما أ ّكد ا‪.‬موران أن اإلنسان مركب‪ -1 :‬الغير‪ :‬مركب مماثل لي‪ :‬المماثل‪:‬‬
‫المطابق مع معطى آخر‪ .‬المختلف عني‪ :‬المختلف‪ :‬المغاير لي ‪ /‬غير متطابق معي‪ ،‬على‬
‫مستوى العرق‪ ،‬الدين‪ ،‬اللغة‪ - .‬التماثل‪ :‬اإلنسان يتشابه مع اإلنسان من حيث الخصائص اإلنسانية‪ ،‬أي هناك تماثل بين اإلنسان‬
‫واإلنسان على مستوى التركيبة البيولوجية‪ ،‬إنه التماثل على مستوى الطبيعة البشرية وعلى مستوى الثقافة‪ ...‬أين يكمن االختالف‬
‫إذن؟ ‪ -‬االختالف على مستوى الثقافة‪ ،‬إذ لكل إنسان ثقافة‪ ،‬لكننا نجد ثقافات وهذه "وحدة التنوع"‪ .‬لقد اعتبر موران أن الوجود‬
‫اإلنساني وجود يتأسس على‪ :‬الوحدة والكثرة‪ ،‬إنه « الوحدة المركبة »‪ ← .‬اإلنسان في ذات الوقت اختالف وتماثل‪ .‬يقول موران‪:‬‬
‫« توجد وحدة إالّ بقدر ما يوجد تنوع إنساني »‪ ← .‬إن هذا التنوع ال يجعل من العالقة بين األنا واآلخر عالقة عداوة‪ .‬ولكن ضمن‬
‫أية شروط يعتبر اآلخر عد ّو ا؟ وهل من سبيل لتجاوز هذه العداوة؟ يقول سارتر‪ « :‬اآلخرون هم الجحيم »‪ .‬األنا اآلخر‪ .‬على ماذا‬
‫يتأسس هذا القول؟ المسلمة الوجودية‪ :‬الوجود يسبق الماهية‪ ،‬اإلنسان يوجد ثم يحدد ماهيته بنفسه‪ .‬اإلنسان مشروع ينجزه بنفسه‪.‬‬
‫اآلخر هو أيضا ذات حرة تسعى لتحديد ماهيتها بنفسها ولكن كل ذات تسعى إلى موضعة اآلخر لتنجز ذاتها‪ ،‬اآلخر معرقل لفعلي‬
‫في الوجود‪ .‬عالقة صراع بين األنا واآلخر‪ :‬كالهما يسعى إلى تحقيق ذاته على حساب اآلخر‪ .‬اآلخر ضروري لتحقق اإلنية‬
‫اإلنسانية‪ ،‬حتى وإن كان عد ّوا‪ .‬هل من سبيل لتجاوز هذه العداوة؟ أال تتعين اإلنية اإلنسانية إالّ على العداوة؟ وهل من سبيل‬
‫لتجاوزها؟ ‪ -2‬لقد أشار الكاتب إلى مفارقة بقوله‪ « :‬إن الذات بطبعها مغلقة ومفتوحة‪ - ».‬الذات المغلقة‪ :‬عندما تعيش الذات‬
‫وضعية تمركز حول ذاتها فإن ذلك يفضي إلى إقصاء اآلخر« مركزية الذات »‪ .‬عندها يتحول اآلخر إلى عد ّو‪ - .‬الذات المفتوحة‪:‬‬
‫إنها الذات التي تتعطف مع الغير ومن ثمت إنها الذات التي تتخلّى عن مركزيتها‪ ،‬غايتها إقامة عالقة صداقة مع الغير‪ .‬لقد اقترح إ‪.‬‬
‫موران مشروعا ايتيقيا وهذا المشروع رهانه القضاء على أشكال العنف بين األنا والغير‪ ،‬وهذا المشروع يتأسس على ما يسميه‬
‫موران « الطبيعة المزدوجة » في اإلنسان‪ ،‬ميل داخلي لالعتراف بالغير‪ :‬فأنا لست أنا إالّ بوجود الغير‪ ،‬كذلك الغير ال يكون إالّ‬
‫باألنا‪ .‬ذلك هو حوار اإلنية والغيرية كما يقول بول ريكور‪ ،‬فاإلنية – الغيرية هي إنية االنفتاح على الغير‪ ،‬إذ ميز بول ريكور بين‬
‫ضربين من اإلنية‪ * :‬اإلنية العينية‪ :‬إنها إنية األنا الخالصة التي غيبت فيها اآلخر‪ * .‬الهوية اإلنية‪ :‬إنها اإلنية التي يحضر فيها‬
‫اآلخر وهي اإلنية الجديرة بتأسيس الصداقة‪ ،‬ذلك هو اللقاء بين اإلنية والغيرية‪ .‬كما بين ليفناس أن حقيقة اإلنسان ال تفهم إالّ داخل‬
‫الثراء واالختالف أي داخل التنوع‪ .‬إن العالقة بين األنا و اآلخر تكتسي طابعا متعدد األوجه‪ ،‬كما أنها تختلف و تتنوع تبعا لتعدد‬
‫أوجه الغير‪ ،‬و ذلك ما يعكسه الخطاب المتبادل بين األنا و الغير‪ ،‬و من جهة أخرى تنعكس هذه العالقة في الكلمات التي تدخل في‬
‫سجل العالقة بين الغير‪ :‬الحب و الكراهية‪ ،‬الصداقة والعـداوة‪ ،‬اإليثـار و األنانية‪ ،‬التعصب و التسامح‪ ،‬إن هذه الثنائيات تحيل‬
‫إلى وجهين من وجوه العالقة مع الغير‪ ،‬القريب و البعيد الذين يمثل الصديق و الغريب نموذجين لهما‪ ،‬فما المقصود بالصداقة و‬
‫هل يمكن أن تقوم عالقات اجتماعية أساسها الصداقة ؟ و إذا كانت الغرابة تمثل أحد أوجه العالقة مع الغير‪ ،‬فمن هو الغريب و أي‬
‫نوع من العالقة يمكن إقامتها معه ؟ إن الصداقة تمثل نموذجا إيجابيا للعالقة مع الغير و الصداقة لغة اسم مشتق من الصدق الذي‬
‫يعني الحقيقة و القوة و الكمال‪ ،‬و الصداقة في الواقع هي عالقة حب و ود صادقين تنشأ بين إنسانين‪ ،‬إذا كان الحب عاطفة تنشأ‬
‫عن ميل و رغبة في الموضوع أو الشيء المحبوب والتعلق الشديد به‪ ،‬لكونه يشبع ذلك الميل و الرغبة فأي نوع من الميول و‬
‫الرغبات هي الصداقة ؟ و ما الذي يجعل الصديق محبوبا و مرغوبا فيه و لماذا يرتبط األنا و الغير برباط الصداقة ؟ هل نصادق‬
‫الصديق ألنه شبيهنا أم ألنه ضدنا ؟ هل هو غاية في ذاته أم أنه مجرد وسيلة؟ لقد فحص أرسطو الصداقة حيث اعتبرها تجربة‬
‫معيشة و حالة واقعية فقد وجدها تنقسم إلى ‪ 3‬أنواع‪ :‬صداقة المتعة و المنفعة و الفضيلة‪ ،‬النوعان األوالن متغيران ألنهما‬
‫يوجـدان بوجود المتعة و المنفعة و يزوالن بزوالها‪ ،‬و لهذا ال يستحقان اسم الصداقة بمعناها الحقيقي‪ ،‬أما الصداقة الحقة فهي‬
‫صداقة الفضيلة ألنها تقوم على محبة الخيـر و الجمال لذاته أوال ثم لألصدقاء ثـانية‪ ،‬لذلك تـدوم و تبقـى‪ ،‬و خاللها تتحقق المتعة و‬
‫إرسال بالبريد ‪ Publié par kassebi‬المنفعة كنتيجتين لها‪ ،‬لكن هل يمكن قيام مجتمع على الصداقة؟ األستاذ‪ :‬الشاذلي الكسابي‬
‫ليست ‪ Pinterest‬المشاركة على ‪ Facebook‬المشاركة في ‪ Twitter‬اإللكتروني كتابة مدونة حول هذه المشاركة المشاركة في‬
‫للتواصل معنا )‪ (Atom‬هناك تعليقات‪ :‬إرسال تعليق رسالة أحدثالصفحة الرئيسية االشتراك في‪ :‬تعليقات الرسالة‬
‫التوقيت بالعالم الضيوف التوقيت في تونس أنا أفكر‪ .‬المظهر‪ :‬سفر‪ .‬صور المظاهر بواسطة ‪kassebi.chedli@gmail.com‬‬
‫‪ Blogger.‬يتم التشغيل بواسطة ‪konradlew.‬‬

‫‪Protect and Secure Your WiFi : https://bit.ly/vpn_secure‬‬

You might also like