Professional Documents
Culture Documents
ال اختالف في كون االنسان محور هذا الوجود الشيء الذي جعله مثارة للجدل
العلمي و الفلسفي وغيرهما من المقاربات المعرفية والسبب هو ان هذا الوضع
البشري او الوجود االنساني متعدد األوجه و األبعاد وهي ابعاد يحضر فيها البعد
البيولوجي،السوسيولوجي ،السيكولوجي ،األخالقي الوجودي السياسي و الثقافي...
و غيرها من األبعاد و التي يمكن إختزالها في بعدين ،البعد الذاتي الذي يحيل إلى
الشخص باعتباره ذاتا واعية حرة مسؤولة أخالقيا و قانونيا ذاتا قادرة على التمييز
بين الخير و الشر و بين الخطأ و الصواب ،و البعد الغيري الذي يحيل إلى الغير
باعتباره ذاتا أخرى مقابل ذاتي ،ذاتا مشابهة و مخالفة لألنا في األن نفسه و هو كل
جسم او اسم نتواصل معه في وجود مشترك ،وهي أبعاد ترتبط بقضايا فلسفية عدة
أهمها قضية قيمة الشخص و العالقة مع الغير ،الشيء الذي يقودنا إلى طرح
:مجموعة من اإلشكاالت اهمها
أين تكمن قيمة الشخص؟ هل في كونه غاية أم انه مجرد وسيلة؟-
إلى أي حد يمكن أن تتحدد هذه القيمة بالواجب األخالقي و االجتماعي؟-
و ما الذي يجعل الشخص محط إحترام و تقدير؟-
من جهة أخرى أال يمكن أن تتحدد قيمة الشخص في قدرته على ربط عالقة مع-
الغير؟
ما طبيعة هذه العالقة؟ هل هي عالقة تواصل و صداقة؟أم صراع و عداوة؟-
إلى أي حد يمكن أن تكون النظرة التشيئية عائقا أم العالقة مع الغير؟-
مقاربة منه لقضيتي قيمة الشخص و العالقة مع الغير تبنى صاحب القولة أطروحة
تحيل الى أن قيمة الشخص مشروطة بخلق عالقة تواصل مع الغير .بمعنى ان ما
يعطي معنى لوجود الشخص ويمنحه قيمة تسمو به في هذا الوجود هي قدرته على
ربط عالقة مع الغير عبر التواصل معه لكون الذات ال تكتمل اال بحضور الغير وهو
حضور يقتضي التواصل و التفاعل بينهما .فالشخص كمفهوم يحيل الى الذات
الواعية بذاتها و وجودها و تحددها مجموعة خصائص و لها إرادة و حرية ،هذا
الشخص يملك قيمة .و يدل مفهوم القيمة على الخاصية الجوهرية التي تميزه و
تجعله يعلو عن كل األشياء و الموجودات و الكائنات األخرى .و قد تقترن هذه
القيمة بقدرة الشخص على ربط عالقة أي رابطة إنسانية تجمعه بالغير وهو الذات
المقابلة لذاتي والتي تتحدد بنفس خصائص االنا ووجودهما يتكامل انه االنا الذي
ليس اياي ,اما التواصل فهو التفاعل القائم على الحوار بين الذوات و الذي قد
تجمعنا به عالقة تواصل أي انفتاح و تفاعل بين الذوات،وهنا نلمس عالقة التكامل
والتداخل بين مفهوم الشخص والغير اذ ان قيمة الشخص تقتضي حضور الغير مما
يمنحه قيمة تميزه .و هذا ما يؤكده صاحب القولة الذي اعتبر ان قيمة الشخص
ككيان يعلو عن كل ما يوجد في هذا الوجود له قيمة جوهرية تميزه و تحدده و
مصدرها هو الغير الذي يتفاعل معه ،فاألنا ال ترضى أن تعيش منعزلة أو منفردة
مما يحتم عليها خلق أواصل التفاعل و التواصل مع الغير و هي نقطة مشتركة بين
األنا و و الغير فال غنى ألحدهما على األخر مدام كل منهما له قيمة فهما يدركان
أهمية هذا التواصل الذي عن طريقه يتبادالن الخبرات و التجارب و المعارف ،و هو
ما يؤدي إلى كسر الحاجز الذي يقف عائقا و يحول بين الشخص و الغير ،لكن
بالتواصل الفعال تخرج كل ذات نحو األخرى مشاركة إياها ما تعيشه من أفكار،
إنفعاالت ،أحاسيس و أحيانا قدرات و هو ما يضفي معنى على وجود األنا بالقدر
الذي يضفي معنى على وجود الغير ،مما يؤكد أن قيمة الشخص هي من صنيع
.قدرته على الدخول في عالقة تواصلية و تفاعلية مع الغير ،شريكه في الوجود
إن تأكيد صاحب القولة على إرتباط قيمة الشخص بالتواصل مع الغير إعالن عن
دفاعه على قيمة إنسانية ترتبط من جهة بقيم ذاتية تحيل إلى ان الشخص الذي
يملك قيم جوهرية تميزه عن الكائنات و الموجودات و من جهة أخرى قيم تفاعلية
تحيل الى أهمية الغير الذي يتكامل وجوده مع وجود األنا و أمام هذه القيم اإلنسانية
يمكن اإلقرار بثنائية الوجود المتكامل الذي ينسجه األنا و الغير و هو وجود ال
يتحقق إال بالتواصل و اإلنفتاح و التفاعل و هو ما يحقق قيمة األنا أو الشخص لكن
هو أمر يستوقفنا فعال حين ندرك أن الغير ليس دائما ما يحدد هذه القيمة التي تميز
الشخص إذ قد يكون مصدرها أساسا هو الذات نفسها بإمتالكها لمجموعة من
المحددات كاإلرادة ،الوعي ،الحرية ،األخالق ،المسؤولية ،الكرامة ..و غيرها من
الخصائص التي تجعل الشخص أرقى الكائنات و أكثرها قيمة ،إضافة إلى إن العالقة
مع الغير التي إعتبرت محددا لقيمة الشخص إذ انبت على التواصل بدورها ال
تنحصر في هذا النموذج للعالقة الممكنة بين األنا و الغير إذ أنها قد تتعداه لما هو
أرقى و أصفى كالصداقة ،المحبة ،اإليخاء i،اإليثار و التعاطف ...و قد تنبني على قيم
.ال إنسانية تعدم التواصل بين الشخص و الغير كالحقد ،األنانية ،الكراهية و الصراع
أمام هذا التضارب في محددات قيمة الشخص و في أنواع العالقة التي تجمعه بالغير
ال يسعنا إال القول بأن الشخص يضل كيانا يملك قيمة تجعله يدخل في عالقات تأثير
و تأثر الشيء الذي أكده تصور هيجل الذي يرى أن للشخص قيمة أخالقية
اجتماعية يمتلكها بامتثاله للواجب األخالقي و انطالقا من التز امه بالواجبات
االجتماعية ,والقيام باألدوار و المهام المسنودة له داخل مجتمعه .كما تتمثل قيمة
الشخص في وعيه بذاته و حريته و انفتاحه على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول
مع جماعته في عالقة تأثير و تأثر يسودها التضامن و التعاون المتبادل .و ذلك
امتثاال للواجب األخالقي االجتماعي و هو ما يجعل من الشخص غاية في ذاته .و إذا
كان هيجل قد ربط قيمة الشخص بالواجب االخالقي و اإلجتماعي فهو إقرار بأهمية
األخالق التي تصدر عن العقل العملي األخالقي و هو ما دافع عنه ممثل الفلسفة
المثالية كانط الذي اعتبر ان األساس الذي تتحدد من خالله قيمة الشخص هو
امتالكه للعقل العملي األخالقي الذي يجعله غاية في حد ذاته و ليس مجرد وسيلة
يمكن أن توظيفها من طرف إرادات أخرى لتحقيق أغراضها و مصالحها .فاإلنسان
ما دام يمتلك العقل و الوعي فهو شخص و ليس شيئا بين األشياء ،وألنه ليس
موضوعا ,يجب احترامه و تقديره .في حين نجد أن الكائنات األخرى تفتقد لهذه
القيمة ألنها ال تمتلك العقل و الوعي فهي مجرد أشياء و موضوعات مما يحولها
إلى وسائل لتحقيق األغراض و المصالح وبذلك فقيمة الشخص تستمد من كونه
ذات واعية اخالقية و لها إرادة مما يجعلها ذات تمتاز بكرامة سامية وهو ما يجعلها
محط احترام وتقدير و يضفي عليها بعدا أخالقيا .و إذا كان الشخص محط إحترام و
تقدير فهو تقدير ال يأتينا إال من خالل الغير مما يستدعي خلق عالقة تواصل معه
الشيء الذي تبناه تصور ميرلوبونتي الذي اكد ان العالقة بين االنا والغير تقوم على
التواصل من خالل ربط جسور المحبة و الحوار ,و التعاطف و االنفتاح على الغير،
فكالهما يوجدان في هذا العالم و يتقاسمان الوجود فيه و هو ما يفرض على األنا
والغير تحقيق المشاركة الوجدانية و ربط جسور التواصل بينهما ،و لعل األداة
.الثقافية األكثر تعبيرا على الوجود المشترك بين األنا والغير هي اللغة
و بهذا يقول ميرلوبونتي منتقدا للفلسفة الوجودية ":إن نظرة الغير إلَ ّي ال تحولني
إلى موضوع كما أن نظرتي إليه ال تحوله إلى موضوع" .التواصل إذن قنطرة عبور
لعالم الغير و هو ما سيسافر بنا إلى أعماقه و خباياه ،ليؤدي أيضا إلى خلق عالقة
صداقة معه و الصداقة قد نصنفها حسب أرسطو إلى ثالثة أنواع صداقة المتعة ،
صداقة المنفعة و صداقة الفضيلة ،و يعتبر النوعين األولين من الصداقة هي
صداقة مؤقتة زائلة تزول بزوال المتعة و المصلحة فهي صداقة مزيفة أما الصداقة
الح قة فهي صداقة الفضيلة كونها صداقة دائمة ألنها تقوم على أساس المحبة و َ
العدل و تؤدي إلى سيادة الفضيلة و القيم األخالقية السامية مما يجعل الناس قادرين
على أن يستغنوا عن القوانين و التشريعات إذا سادت الفضيلة .و بالتالي فان
عالقة الصداقة من أنبل العالقات اإلنسانية فهي ضرورة بشرية ال يمكن االستغناء
عنها ألي كان مهما عال الشأن و ارتفعت المكانة و كثرت الثروة .هذه األوجه
المشرقة للعالقة التي تجمع الشخص بالغير ال تحضر بصورة دائمة إنما قد تبهت أو
تنعدم فتكون العالقة بينهما حينها عالقة عدم يستحيل معه كل تواصل بين االنا
والغير ،هذا ما جسدته الفلسفة الوجودية في شخص جون بول سارتر الذي يرى
ان
العالقة بين االنا و الغير تتاسس على العدم ,اذ تنعدم إمكانية ربط عالقة بين االنا
والغير ,و هذا راجع للنظرة التشيئية .وهي نظرة متبادلة بين االنا والغير الن كل
منهما يشيئ االخر ,انها بتعبير سارتر ,رابطة األشياء التي ليس بينها عالقة .وهو
ما يجعل حرية االنا تنتفي امام نظرة الغير فيتولد لديه إحساس الخجل و التوتر و
االرتباك ,فتغيب العفوية والتلقائية .وبفعل ذلك تستحيل إمكانية التواصل بين االنا
".والغير .و هو متجسده مقولة سارتر "الجحيم هم اآلخرون
من كل ما سبق يمكن أن نستخلص أن قيمة الشخص قد تصدر عن الذات
بمحدداتها المختلفة ,من العقل العملي األخالقي الذي يجعل الشخص محط احترام و
تقدير ,و من الواجب االجتماعي الذي يدخل الشخص في عالقة تأثير و تأثر
التزاما منه بواجباته االجتماعية واألخالقية .و قد تتعدى قيمة الشخص الذات
لتنبع من ربط عالقة مع الغير .هذه العالقة بدورها قد تأخذ اشكال عدة اذ قد تسير
في منحنى إيجابي فتتأسس على التواصل ،المشاركة الوجدانية ،ربط جسور
المحبة ،الصداقة القائمة على الفضيلة باعتبارها من انبل العالقات اإلنسانية .كما
قد تسير في إتجاه العدم و الصراع و الكراهية بل قد تعيق حرية األنا و عفويته
بفعل النظرة التشيئية .هذا التضارب في محددات قيمة الشخص وكذا أوجه العالقة
مع الغير ماهو اال دليل على عمق هذه القضايا وتأكيد على كون االنسان متعدد
االبعاد والخصائص الشيء الذي جعله شخصا كان او غيرا محور اهتمام الفالسفة
و المفكرين .و اذا اقرينا بالتداخل القائم بين قيمة الشخص والعالقة مع الغير فان
هذا التعدد في اوجه العالقة التي قد تربط األنا بالغير ال يمكن إال أن يثمن أهمية
العالقات اإليجابية التي بتنا نحتاجها في زمن إختلت فيه المقاييس و شلت فيه
العالقات بين حروب و صراعات ،و أحقاد و غل تُ ِكنُّهُ النفوس ....فهل يحل السلم
محل الحرب و الحب محل الحقد؟ أال يمكن ذلك من خالل معرفة الغير معرفة يقينية
ال تقريبية؟