You are on page 1of 5

‫موضوع تطبيقي‬

‫انجاز ذة سميرة باجي‬


‫"إن قيمة الشخص تتحدد من خالل ربط عالقة تواصل مع الغير"‬
‫حلل مضمون القولة و ناقشه‬

‫ال اختالف في كون االنسان محور هذا الوجود الشيء الذي جعله مثارة للجدل‬
‫العلمي و الفلسفي وغيرهما من المقاربات المعرفية والسبب هو ان هذا الوضع‬
‫البشري او الوجود االنساني متعدد األوجه و األبعاد وهي ابعاد يحضر فيها البعد‬
‫البيولوجي‪،‬السوسيولوجي‪ ،‬السيكولوجي‪ ،‬األخالقي الوجودي السياسي و الثقافي‪...‬‬
‫و غيرها من األبعاد و التي يمكن إختزالها في بعدين‪ ،‬البعد الذاتي الذي يحيل إلى‬
‫الشخص باعتباره ذاتا واعية حرة مسؤولة أخالقيا و قانونيا ذاتا قادرة على التمييز‬
‫بين الخير و الشر و بين الخطأ و الصواب‪ ،‬و البعد الغيري الذي يحيل إلى الغير‬
‫باعتباره ذاتا أخرى مقابل ذاتي‪ ،‬ذاتا مشابهة و مخالفة لألنا في األن نفسه و هو كل‬
‫جسم او اسم نتواصل معه في وجود مشترك‪ ،‬وهي أبعاد ترتبط بقضايا فلسفية عدة‬
‫أهمها قضية قيمة الشخص و العالقة مع الغير‪ ،‬الشيء الذي يقودنا إلى طرح‬
‫‪:‬مجموعة من اإلشكاالت اهمها‬
‫أين تكمن قيمة الشخص؟ هل في كونه غاية أم انه مجرد وسيلة؟‪-‬‬
‫إلى أي حد يمكن أن تتحدد هذه القيمة بالواجب األخالقي و االجتماعي؟‪-‬‬
‫و ما الذي يجعل الشخص محط إحترام و تقدير؟‪-‬‬
‫من جهة أخرى أال يمكن أن تتحدد قيمة الشخص في قدرته على ربط عالقة مع‪-‬‬
‫الغير؟‬
‫ما طبيعة هذه العالقة؟ هل هي عالقة تواصل و صداقة؟أم صراع و عداوة؟‪-‬‬
‫إلى أي حد يمكن أن تكون النظرة التشيئية عائقا أم العالقة مع الغير؟‪-‬‬
‫مقاربة منه لقضيتي قيمة الشخص و العالقة مع الغير تبنى صاحب القولة أطروحة‬
‫تحيل الى أن قيمة الشخص مشروطة بخلق عالقة تواصل مع الغير‪ .‬بمعنى ان ما‬
‫يعطي معنى لوجود الشخص ويمنحه قيمة تسمو به في هذا الوجود هي قدرته على‬
‫ربط عالقة مع الغير عبر التواصل معه لكون الذات ال تكتمل اال بحضور الغير وهو‬
‫حضور يقتضي التواصل و التفاعل بينهما ‪ .‬فالشخص كمفهوم يحيل الى الذات‬
‫الواعية بذاتها و وجودها و تحددها مجموعة خصائص و لها إرادة و حرية‪ ،‬هذا‬
‫الشخص يملك قيمة ‪ .‬و يدل مفهوم القيمة على الخاصية الجوهرية التي تميزه و‬
‫تجعله يعلو عن كل األشياء و الموجودات و الكائنات األخرى‪ .‬و قد تقترن هذه‬
‫القيمة بقدرة الشخص على ربط عالقة أي رابطة إنسانية تجمعه بالغير وهو الذات‬
‫المقابلة لذاتي والتي تتحدد بنفس خصائص االنا ووجودهما يتكامل انه االنا الذي‬
‫ليس اياي ‪ ,‬اما التواصل فهو التفاعل القائم على الحوار بين الذوات و الذي قد‬
‫تجمعنا به عالقة تواصل أي انفتاح و تفاعل بين الذوات‪،‬وهنا نلمس عالقة التكامل‬
‫والتداخل بين مفهوم الشخص والغير اذ ان قيمة الشخص تقتضي حضور الغير مما‬
‫يمنحه قيمة تميزه‪ .‬و هذا ما يؤكده صاحب القولة الذي اعتبر ان قيمة الشخص‬
‫ككيان يعلو عن كل ما يوجد في هذا الوجود له قيمة جوهرية تميزه و تحدده و‬
‫مصدرها هو الغير الذي يتفاعل معه‪ ،‬فاألنا ال ترضى أن تعيش منعزلة أو منفردة‬
‫مما يحتم عليها خلق أواصل التفاعل و التواصل مع الغير و هي نقطة مشتركة بين‬
‫األنا و و الغير فال غنى ألحدهما على األخر مدام كل منهما له قيمة فهما يدركان‬
‫أهمية هذا التواصل الذي عن طريقه يتبادالن الخبرات و التجارب و المعارف‪ ،‬و هو‬
‫ما يؤدي إلى كسر الحاجز الذي يقف عائقا و يحول بين الشخص و الغير‪ ،‬لكن‬
‫بالتواصل الفعال تخرج كل ذات نحو األخرى مشاركة إياها ما تعيشه من أفكار‪،‬‬
‫إنفعاالت‪ ،‬أحاسيس و أحيانا قدرات و هو ما يضفي معنى على وجود األنا بالقدر‬
‫الذي يضفي معنى على وجود الغير‪ ،‬مما يؤكد أن قيمة الشخص هي من صنيع‬
‫‪.‬قدرته على الدخول في عالقة تواصلية و تفاعلية مع الغير‪ ،‬شريكه في الوجود‬
‫إن تأكيد صاحب القولة على إرتباط قيمة الشخص بالتواصل مع الغير إعالن عن‬
‫دفاعه على قيمة إنسانية ترتبط من جهة بقيم ذاتية تحيل إلى ان الشخص الذي‬
‫يملك قيم جوهرية تميزه عن الكائنات و الموجودات و من جهة أخرى قيم تفاعلية‬
‫تحيل الى أهمية الغير الذي يتكامل وجوده مع وجود األنا و أمام هذه القيم اإلنسانية‬
‫يمكن اإلقرار بثنائية الوجود المتكامل الذي ينسجه األنا و الغير و هو وجود ال‬
‫يتحقق إال بالتواصل و اإلنفتاح و التفاعل و هو ما يحقق قيمة األنا أو الشخص لكن‬
‫هو أمر يستوقفنا فعال حين ندرك أن الغير ليس دائما ما يحدد هذه القيمة التي تميز‬
‫الشخص إذ قد يكون مصدرها أساسا هو الذات نفسها بإمتالكها لمجموعة من‬
‫المحددات كاإلرادة‪ ،‬الوعي‪ ،‬الحرية‪ ،‬األخالق‪ ،‬المسؤولية‪ ،‬الكرامة‪ ..‬و غيرها من‬
‫الخصائص التي تجعل الشخص أرقى الكائنات و أكثرها قيمة‪ ،‬إضافة إلى إن العالقة‬
‫مع الغير التي إعتبرت محددا لقيمة الشخص إذ انبت على التواصل بدورها ال‬
‫تنحصر في هذا النموذج للعالقة الممكنة بين األنا و الغير إذ أنها قد تتعداه لما هو‬
‫أرقى و أصفى كالصداقة‪ ،‬المحبة‪ ،‬اإليخاء‪ i،‬اإليثار و التعاطف‪ ...‬و قد تنبني على قيم‬
‫‪.‬ال إنسانية تعدم التواصل بين الشخص و الغير كالحقد‪ ،‬األنانية‪ ،‬الكراهية و الصراع‬
‫أمام هذا التضارب في محددات قيمة الشخص و في أنواع العالقة التي تجمعه بالغير‬
‫ال يسعنا إال القول بأن الشخص يضل كيانا يملك قيمة تجعله يدخل في عالقات تأثير‬
‫و تأثر الشيء الذي أكده تصور هيجل الذي يرى أن للشخص قيمة أخالقية‬
‫اجتماعية يمتلكها بامتثاله للواجب األخالقي و انطالقا من التز امه بالواجبات‬
‫االجتماعية‪ ,‬والقيام باألدوار و المهام المسنودة له داخل مجتمعه‪ .‬كما تتمثل قيمة‬
‫الشخص في وعيه بذاته و حريته و انفتاحه على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول‬
‫مع جماعته في عالقة تأثير و تأثر يسودها التضامن و التعاون المتبادل ‪.‬و ذلك‬
‫امتثاال للواجب األخالقي االجتماعي و هو ما يجعل من الشخص غاية في ذاته‪ .‬و إذا‬
‫كان هيجل قد ربط قيمة الشخص بالواجب االخالقي و اإلجتماعي فهو إقرار بأهمية‬
‫األخالق التي تصدر عن العقل العملي األخالقي و هو ما دافع عنه ممثل الفلسفة‬
‫المثالية كانط الذي اعتبر ان األساس الذي تتحدد من خالله قيمة الشخص هو‬
‫امتالكه للعقل العملي األخالقي الذي يجعله غاية في حد ذاته و ليس مجرد وسيلة‬
‫يمكن أن توظيفها من طرف إرادات أخرى لتحقيق أغراضها و مصالحها‪ .‬فاإلنسان‬
‫ما دام يمتلك العقل و الوعي فهو شخص و ليس شيئا بين األشياء‪ ،‬وألنه ليس‬
‫موضوعا‪ ,‬يجب احترامه و تقديره‪ .‬في حين نجد أن الكائنات األخرى تفتقد لهذه‬
‫القيمة ألنها ال تمتلك العقل و الوعي فهي مجرد أشياء و موضوعات مما يحولها‬
‫إلى وسائل لتحقيق األغراض و المصالح وبذلك فقيمة الشخص تستمد من كونه‬
‫ذات واعية اخالقية و لها إرادة مما يجعلها ذات تمتاز بكرامة سامية وهو ما يجعلها‬
‫محط احترام وتقدير و يضفي عليها بعدا أخالقيا‪ .‬و إذا كان الشخص محط إحترام و‬
‫تقدير فهو تقدير ال يأتينا إال من خالل الغير مما يستدعي خلق عالقة تواصل معه‬
‫الشيء الذي تبناه تصور ميرلوبونتي الذي اكد ان العالقة بين االنا والغير تقوم على‬
‫التواصل من خالل ربط جسور المحبة و الحوار ‪ ,‬و التعاطف و االنفتاح على الغير‪،‬‬
‫فكالهما يوجدان في هذا العالم و يتقاسمان الوجود فيه و هو ما يفرض على األنا‬
‫والغير تحقيق المشاركة الوجدانية و ربط جسور التواصل بينهما ‪ ،‬و لعل األداة‬
‫‪ .‬الثقافية األكثر تعبيرا على الوجود المشترك بين األنا والغير هي اللغة‬
‫و بهذا يقول ميرلوبونتي منتقدا للفلسفة الوجودية ‪":‬إن نظرة الغير إلَ ّي ال تحولني‬
‫إلى موضوع كما أن نظرتي إليه ال تحوله إلى موضوع"‪ .‬التواصل إذن قنطرة عبور‬
‫لعالم الغير و هو ما سيسافر بنا إلى أعماقه و خباياه‪ ،‬ليؤدي أيضا إلى خلق عالقة‬
‫صداقة معه و الصداقة قد نصنفها حسب أرسطو إلى ثالثة أنواع صداقة المتعة ‪،‬‬
‫صداقة المنفعة و صداقة الفضيلة ‪ ،‬و يعتبر النوعين األولين من الصداقة هي‬
‫صداقة مؤقتة زائلة تزول بزوال المتعة و المصلحة فهي صداقة مزيفة أما الصداقة‬
‫الح قة فهي صداقة الفضيلة كونها صداقة دائمة ألنها تقوم على أساس المحبة و‬ ‫َ‬
‫العدل و تؤدي إلى سيادة الفضيلة و القيم األخالقية السامية مما يجعل الناس قادرين‬
‫على أن يستغنوا عن القوانين و التشريعات إذا سادت الفضيلة‪ .‬و بالتالي فان‬
‫عالقة الصداقة من أنبل العالقات اإلنسانية فهي ضرورة بشرية ال يمكن االستغناء‬
‫عنها ألي كان مهما عال الشأن و ارتفعت المكانة و كثرت الثروة ‪ .‬هذه األوجه‬
‫المشرقة للعالقة التي تجمع الشخص بالغير ال تحضر بصورة دائمة إنما قد تبهت أو‬
‫تنعدم فتكون العالقة بينهما حينها عالقة عدم يستحيل معه كل تواصل بين االنا‬
‫والغير ‪ ،‬هذا ما جسدته الفلسفة الوجودية في شخص جون بول سارتر الذي يرى‬
‫ان‬
‫العالقة بين االنا و الغير تتاسس على العدم ‪,‬اذ تنعدم إمكانية ربط عالقة بين االنا‬
‫والغير ‪ ,‬و هذا راجع للنظرة التشيئية ‪ .‬وهي نظرة متبادلة بين االنا والغير الن كل‬
‫منهما يشيئ االخر‪ ,‬انها بتعبير سارتر ‪,‬رابطة األشياء التي ليس بينها عالقة ‪ .‬وهو‬
‫ما يجعل حرية االنا تنتفي امام نظرة الغير فيتولد لديه إحساس الخجل و التوتر و‬
‫االرتباك‪ ,‬فتغيب العفوية والتلقائية ‪ .‬وبفعل ذلك تستحيل إمكانية التواصل بين االنا‬
‫‪".‬والغير ‪ .‬و هو متجسده مقولة سارتر "الجحيم هم اآلخرون‬
‫من كل ما سبق يمكن أن نستخلص أن قيمة الشخص قد تصدر عن الذات‬
‫بمحدداتها المختلفة‪ ,‬من العقل العملي األخالقي الذي يجعل الشخص محط احترام و‬
‫تقدير ‪ ,‬و من الواجب االجتماعي الذي يدخل الشخص في عالقة تأثير و تأثر‬
‫التزاما منه بواجباته االجتماعية واألخالقية ‪ .‬و قد تتعدى قيمة الشخص الذات‬
‫لتنبع من ربط عالقة مع الغير‪ .‬هذه العالقة بدورها قد تأخذ اشكال عدة اذ قد تسير‬
‫في منحنى إيجابي فتتأسس على التواصل‪ ،‬المشاركة الوجدانية‪ ،‬ربط جسور‬
‫المحبة‪ ،‬الصداقة القائمة على الفضيلة باعتبارها من انبل العالقات اإلنسانية ‪ .‬كما‬
‫قد تسير في إتجاه العدم و الصراع و الكراهية بل قد تعيق حرية األنا و عفويته‬
‫بفعل النظرة التشيئية ‪.‬هذا التضارب في محددات قيمة الشخص وكذا أوجه العالقة‬
‫مع الغير ماهو اال دليل على عمق هذه القضايا وتأكيد على كون االنسان متعدد‬
‫االبعاد والخصائص الشيء الذي جعله شخصا كان او غيرا محور اهتمام الفالسفة‬
‫و المفكرين ‪ .‬و اذا اقرينا بالتداخل القائم بين قيمة الشخص والعالقة مع الغير فان‬
‫هذا التعدد في اوجه العالقة التي قد تربط األنا بالغير ال يمكن إال أن يثمن أهمية‬
‫العالقات اإليجابية التي بتنا نحتاجها في زمن إختلت فيه المقاييس و شلت فيه‬
‫العالقات بين حروب و صراعات‪ ،‬و أحقاد و غل تُ ِكنُّهُ النفوس‪ ....‬فهل يحل السلم‬
‫محل الحرب و الحب محل الحقد؟ أال يمكن ذلك من خالل معرفة الغير معرفة يقينية‬
‫ال تقريبية؟‬

You might also like