You are on page 1of 2

‫ذ ‪ :‬عبد العالي بوحوص‬ ‫نموذج اإلشتغال على السؤال اإلشكالي املفتوح‬

‫هل معرفة الغير ممكنة ؟‬

‫يعتبرالغير من حيث هو قيمة إنسانية ؛ إش كالية مرتبط ة بالوض ع البش ري كوض ع يتس م‬
‫بالصعوبة والتعقيد والتداخل ‪ .‬ونجد السؤال الماث ل أمامن ا يس لط الض وء على قض ية الغ ير من‬
‫حيث هو المشابه والمخالف والقريب والبعيد والصديق والع دو والمع روف والمجه ول‪ .‬ذل ك أن‬
‫مفهومه ينطوي على متناقضات ومتقابالت‪ .‬الشيء الذي يجعل من الص عب مقاربت ه واإلحاط ة‬
‫به من زاوية واحدة‪ ،‬ونجد السؤال الماثل أمامنا يطرح إشكاال من أهم اإلشكاالت أال وهو معرفة‬
‫الغير بين اإلمكانية واحتمالية عدم اإلمكانية‪ .‬فالمعرفة بمفهومها كبن اء متماس ك وحقيق ة مدرك ة‬
‫من العقل‪ ،‬تفرض نفسها داخل هذا اإلشكالات التي تتم مقاربتها من زاوية معينة أال وهي معرفة‬
‫الغير كأنا أخرى مختلفة عن أناي حسب تعريف سارتر‪.‬‬
‫ومن هنا يمكننا طرح اإلشكال التالي ‪ :‬ه ل معرف ة الغ ير ممكن ة أم أنه ا مس تحيلة ؟ وإذا‬
‫كانت ممكنة ما هي الوسيلة أو الص يغة ال تي يمكن بواس طتها إدراك ه ذا الغ ير؟ ه ل ك ذات أم‬
‫كموضوع فقط؟ هل يمكن لألنا أن تنفتح على عالم الغير أم أن عالمه موصد و خاص؟ وإلى أي‬
‫حد تيسر المماثلة بين األنا و الغير معرفته؟‬
‫الحديث عن معرفة الغير يوحي بأننا نقبل ونقر بوج ود الغ ير ك ذات مس تقلة أي أن ا آخ ر‬
‫يشبهني في كونه ذات مفكرة وحرة ومريدة ويختلف عني سوسيوثقافيا من حيث اللغة والع ادات‬
‫والتقاليد‪ ...‬وبالتالي فالس ؤال المط روح أمامن ا يع ترف ب أن الغ ير موج ود و بأنن ا ال يمكن أن‬
‫نستغني عنه وهو في نفس الوقت ي دحض األطروح ة ال تي تص ر ب أن وج ود الغ ير افتراض ي‬
‫ويتجاوز ذلك إلى معرفة الغير ويطرح التساؤل هل هذه المعرفة ممكنة وحتى وإن كانت ممكن ة‬
‫هل هي كلية أم مجرد افتراضات نبنيها حيث ننطلق من انفسنا ونسقط م ا يم يز شخص يتنا على‬
‫ير ؟‬ ‫الغ‬
‫قد يتعلق األمر باإلنكشاف الكلي للذات أم ام الش خص والفك ر المنفتح أمامه ا أي أن يك ون ه ذا‬
‫الغير الذي هو في نفس الوقت يبقى شخصا مستعدا إلى أن ينكشف اآلخرين ‪ ،‬أو قد تتم المعرف ة‬
‫فقط من خالل المماثلة أي أنه بما أنني شخص و هو كذلك و أن ني ذات و ه و ك ذلك إذن فيمكن‬
‫التوصل إلى أننا متشابهين ‪ ،‬ويمكن أن أدرس مالمح شخصيته بإسقاط شخصيتي على تصرفاته‬
‫فأتوصل بذلك إلى حقيقته الكلي ة ‪ .‬أو ربم ا أن أص احبه وأح اول التق رب من ه من خالل عالق ة‬
‫صداقة فأفتش في خباياه وأح اول ال دخول إلى عالم ه الغ ريب م ني ‪ .‬فم ا هي آراء وتص ورات‬
‫الفالسفة حول هذه اإلشكالية ؟‬
‫في سياق امكانية المعرفة نجد تصور الفيلسوف ميرلوبونتي الذي يؤكد على أن التواص ل ييس ر‬
‫معرفة الغير و يخرج عالمه من تعاليه و انغالقه‪ .....‬يق ول ميرلوبون تي ‪ ":‬في تجرب ة الح وار‪،‬‬
‫تتكون أرضية مش تركة بي ني وبين الغ ير‪ .‬إن أفك اري و أفك اره تش كل نص ا واح دا‪".‬ومعرفت ه‬
‫تقتضي مني التعاطف معه وذلك ألن الغير وعي ال أستطيع معرفته إال إذا اعتبرت ه مث ل ذاتي ‪،‬‬
‫وأنه يحس ويفكر ويتصرف تماما كما أفعل أنا في ظروف مماثلة ‪ "٠‬وإذا ك ان ميرلوبون تي ق د‬
‫اعتبر معرفة الغير ممكنة عبر التواصل ‪ ،‬فان ماكس شيلر في كتابه " طبيعة التعاطف وشكله "‬
‫سيؤكد نفس الق ول ‪ ،‬ب التركيز على أهمي ة التع اطف الوج داني وض رورة إدراك الغ ير كوح دة‬
‫داللية ال ينفصل فيها بعده الموضوعي عن بعده الذاتي(احمرار الوجنتين\ الخج ل)‪ ،‬وبه ذا ينش أ‬
‫بين األنا و الغير عالم بينذاتي مشترك يشكل نطاقا تسقط في ه التجرب ة اإلنس انية و تظه ر ب دليل‬
‫قدرة األنا على التوحد الحدسي بالغير‪ ،‬وهذا ما يؤكده أيضا الفيلسوف هوسرل‪.‬‬

‫لكن مهما كانت هذه المعرفة أيمكنها أن تكون مطلقة ؟ أليس الغ ير شخص ا آخ ر ق ادرا‬
‫على الكذب والتخفي ؟ وهذا يحيلنا على صعوبة معرفته ؟‬
‫وفي هذا السياق نجد مثال التجربة الصوفية توضح أن العالم العرفاني الذي تش هده األن ا ال يقب ل‬
‫النقل للغير‪ ،‬هو عالم خاص و أصيل ال يعلمه إال من يش هده وبالت الي المماثل ة هن ا غ ير ممكن ة‬
‫بين األنا والغير‪،‬‬
‫ونجد أطروحة غا ستون بيرجي ترى أن عالم األنا مغلق يمتن ع التواص ل مع ه ‪ ،‬ليس ألن األن ا‬
‫تريد ذلك ولكن ألنه عالم أص يل تخ بره ال ذات فق ط كم ا ه و واض ح في تجرب ة األلم و الل ذة و‬
‫الموت‪ ،..‬و في هذا نجده يقول‪" :‬هك ذا ه و اإلنس ان‪ ،‬س جين في آالم ه‪ ،‬و منع زل في لذات ه‪ ،‬و‬
‫وحيد في موته‪ ،‬محكوم عليه بأن ال يشبع أبدا رغبته في التواصل‪ ،‬و التي لن يتخلى عنها أبدا"‬
‫وتدعيما لتصور بيرجي نجد موقف سارتر‪ :‬يرى ان معرفة الغير كذات مستحيلة الن النظر الى‬
‫الغير في وضع المعرفة معناه تشييئه ونفيه وسلبه معني الوعي واالرادة والحرية والتلقائية ‪ :‬ان‬
‫عالقة المعرفة بين االنا والغير تقيم هوة سحيقة ال تعبر وعدما يستحيل معه ك ل تواص ل ممكن‪.‬‬
‫ان كل منهما يشيء االخر وقدم مثال على دلك يتمث ل في النظ رة ال تي تح ول ه ذه العالق ة الى‬
‫‪.‬عالقة جحيمية‬

‫وختام القول ليس الشخص سجنا منغلقا على نفسه وليس بيتا مفتوح األبواب والنوافذ كله ا‬
‫‪ .‬فهو بالرغم عن كشفه على بعض الج وانب من شخص يته يخفي البعض اآلخ ر ‪ ،‬وهك ذا تبقى‬
‫إشكالية معرفة الغير مطروحة نظرا ألنه ال يمكن دراسته كلية من جميع الجوانب ‪ ،‬ألن الحديث‬
‫عن الغ ير ه و أيض ا ح ديث عن الش خص من حيث ه و ك ائن بيول وجي وس يكولوجي‬
‫وسوسيولوجي وعاقل وغير ذلك ؛ كم ا أن الح ديث عن الغ ير ي دفعنا الى الح ديث عن ال واجب‬
‫والحري ة وعن الح ق والعدال ة من حيث ه و ك ائن يحت اج الى تنظيم يض من ل ه حقوق ه ألن ه ال‬
‫يستطيع العيش وفق لقانون الغاب ولن يتحقق ذلك سواء عن طريق الدولة ‪ .‬والغ ير ك ائن يبحث‬
‫دوما عن الحقيقة لفهم حقيقة وجوده ولن يتحق ق ذل ك س وى من خالل إنت اج نظري ات وتج ارب‬
‫وبالتالي فإذا كانت معرفة الغير نسبية كيف يجب التعامل معه ؟‬

You might also like