Professional Documents
Culture Documents
إن دراسة التطور التاريخي لقواعد القانون الدولي اإلنساني تتالزم مع فكرة تنظيم
الحرب باعتبارها واقعا قديما قدم التاريخ ،وبما أن القانون الدولي اإلنساني يهدف أساسا
للتخفيف من ويالت الحرب والمآسي اإلنسانية الناجمة عنها ،فبعد أن انبثقت هذه القواعد عن
الشرائع السماوية واألفكار الفلسفية ،التي تدعو إلى الرفق والرحمة والتحلي بالرحمة والمروءة
في معاملة العدو في اتون الحرب ،تطورت حتى استقرت في شكل مجموعة من األعراف
والعادات التي التزمت بها األطراف المتحاربة في بداية العصور الحديثة ،ثم تمت صياغتها
بعد عدة محاوالت في شكل اتفاقيات دولية .
المطلب األول
تطور القانون الدولي اإلنساني
في الحقيقة القواعد األولى لما يسمى القانون الدولي اإلنساني لم تنشأ إال نحو 2000
قبل الميالد ،وذلك مع تشكل األمم وتطور العالقات مع الشعوب ،ولقد تطورت األعراف
والقواعد القانونية التي تهدف الى التخفيف من ويالت الحرب ،مع تطور الحضارة االنسانية
حتى تشكلت تدريجيا المبادئ األساسية التي تحكم السلوك في الحرب.
وفي عااام1859جرت حرب قرب بلاادة )Solferinoفي مقاااطعااة لومبااارد االيطاااليااة
بين النمس ا ا ا ا ااا من جانب وفرنس ا ا ا ا ااا وايطاليا من جانب آخر ،وخلفت ما يقارب 40ألف قتيل
باإلضاافة إلى عدد كبير من الجرحى ،وقد صاادف أن مر هناك رجل أعماش شااب ساويسر
هنر دونان )Henri Dunantأثرت فيه هذه المأسااة ،واصادر كتابا صاري ار سماه تذكار
س ا ااولفرينو )solferinoوقدم اقتراحات إلنشا ا اااء جمعيات غوي تطوعية ،وقد احدي ثورة كبيرة
في الدوائر الس ااياس ااية األوربية ،وفعال ثم تأس اايل اللجنة الدولية للص االيب األحمر في أ توبر
1863من طرف 16دولاة آناذاك ،وبعاد عاام تقريباا تم عقد اتفاقية دولية تعنى بجرحى الحرب
هي اتفاقية جنيف لعام 1864بشأن تحسين حاش جرحى الحرب في الميدان.
وتواصلت حركة تدوين هذا القانون الى غاية اتفاقيات جنيف 9191التي تعتبر ثمرة
جهود جبارة إلرساء قواعد هذا القانون ،ثم البروتوكوالن اإلضافيان لعام ،9111وغير ذلك
من االتفاقيات الالحقة لمواجهة التحديات التي فرضتها النزاعات المسلحة ،وعليه فقواعد
1
القانون الدولي اإلنساني قد تطورت عبر مرحلتين أساسيتين :تمثل األولى مرحلة ما قبل
التدوين والمرحلة الثانية تبدأ من بداية التدوين لقواعد القانون الدولي اإلنساني.
الفرع االول
مرحلة ما قبل تدوين قواعد القانون الدولي اإلنساني
لقد اتسمت الحروب في العصور القديمة بالقوة والمراالة وسفك الدماء وعدم التفرقة بين
المقاتلين وغير المقاتلين ،وكذا بين األعيان المدنية واألعيان الفكرية ،ورغم هذا فقد ظهرت
بعض القواعد اإلنسانية التي تقيد من سلوك المتحاربين لصالح االعتبارات اإلنسانية وهذه
المحطات التاريخية هي :العصور القديمة ،العصور الوسطى ،وعصر النهضة).
أوال :القانون الدولي اإلنساني في العصور القديمة
إن الحروب في العصور القديمة تميزت بالوحشية والقسوة ،ولم ت ن تخضع أل قيد وال
أل قانون ،ول ن بسب فظائعها واآلالم التي يسببها اإلنسان لنفسه وفي حق غيره ،ظهرت
الحاجة لوضع قواعد في إطار متبادش ،اصبحت فيما بعد أعرافا ومواثيقا وصارت قيدا عليه
وعلى غيره فكونت قانونا.
لقد عرفت مختلف الحضارات القديمة نوعا من الطقول والتقاليد تبين بعض مواقف اللين
والرحمة ،رغم ان القاعدة السائدة هي القسوة والطريان ،فقد عرفت الحضارة الهندية مجموعة
من القواعد عرفت بقانون مانو ) ،والتي تضمنت قواعد إنسانية حيي كانت تحرم على
المحارب الشريف قتل النائم او األعزش الذ فقد درعه ،وكذا العدو المستسلم واألسير وكذا
غير المحارب ،كذلك عرفت الحضارة اإلفريقية القديمة قانونا يسمى قانون الشرف ينظم
طرق وأساليب القتاش ،بحيي يحرم الردر والخيانة واستخدام بعض األسلحة كاألسلحة
السامة ،وكذا إبعاد غير المقاتلين عن ويالت الحرب.
اما الحرب عند السومريين فقد كانت نظاما راسخا حيي عرفوا إعالن الحرب وحصانة
المفاوضين ،والتحكيم ،ومعاهدات الصلح.
كما ان الحضارة المصرية قد عرفت بعض المعامالت اإلنسانية لضحايا الحروب
ويتجلى ذلك من خالش األعماش السبعة للرحمة الحقيقية والتي جاء فيها :إطعام الجياع
إرواء العطاش ،كساء العراة ،إيواء الررباء ،تحرير األسرى ،العناية بالمرضى ،دفن الموتى.
2
اما الحيثيون فقد كانت تصرفاتهم في الحرب تتسم باإلنسانية بشكل كبير وكانت لهم
قوانين تقوم على العدالة واالستقامة ،وكانوا أيضا يعرفون إعالن الحرب ومعاهدات الصلح
وعند اصطدام اإلمبراطوريتان المصرية والحيثية عقدتا معاهدة تنظم اإلعماش العدائية عام
9621قبل الميالد.
وبخصوص الحضارة اليونانية فهناك من المفكرين والفالسفة من ساهم في بعض
القواعد اإلنسانية الخاصة بالحرب بين المدن اليونانية ،مثل ضرورة إعالن الحرب واال كانت
غير مشروعة ،وتحريم الحرب او وقفها في فترات معينة ،كفترات اال لعاب األولمبية
وفترات السالم المقدل الذ يعرف أثناء االحتفاالت اإلغريقية ،كما عرفت التحكيم لمنع او
وقف الحرب بين دولتين يونانيتين ،كما ظهرت بعض الممارسات العملية كقيام اليونانيين
في بعض الحروب ،باحترام بعض القواعد اإلنسانية ،مثل قيام االسكندر المقدوني بالعفو
عن أميرة ملك برول) عام 662قبل الميالد ،ومنحه كامل بالد الهند بعد فتحها.
أما الحضارة الرومانية فقد كانت األفكار الفلسفية قد دعت إلى بعض القواعد
اإلنسانية ،كمدرسة القانون الطبيعي والمدرسة الرواقية ،والتي أشهر أتباعها من الرومان
سيشرون وسينيك) ،وكانت تدعوا إلى الحد من القسوة وحاالت االسترقاق الجماعي الناجمة
عن الحروب ،عن طريق الدعوة إلى المساواة بين البشر ومهاجمة االسترقاق والتأ يد على ان
الحرب ال تحطم جميع روابط القانون ،كما يظهر الطابع اإلنساني المقيد لسلوك المقاتلين في
الحروب الرومانية في مؤلفات الفالسفة الرومان بعد اعتناقهم الديانة المسيحية.
ثانيا :القانون الدولي اإلنساني في العصور الوسطى
لقد ظهرت أولى المحاوالت في إطار تنظيم الحرب أو إضفاء طابع إنساني عليها من
خالش ما يسمى سلم الرب) و هدنة الرب) ،وقد رفض مسيحيو القرون األولى االنضمام
إلى الجيش الروماني بسب الطابع الوثني لهذا الجيش ،وكذا بسب األلوهية المزعومة
لشخص اإلمبراطور.
وفي عام696م صدر مرسوم ميالنو الشهير الذ أصدره اإلمبراطور قسطنطين بعد
اعتناق المسيحية ،كما قام القديل'' سانت اوغستين ''بإرساء نظرية الحرب العادلة في
كتابه '' ، '' lacite’ de dieuأما بالنسبة لتأثير الحضارة اإلسالمية فيمكن القوش انه مند
299م ) ،بدأت ترسخ وتؤكد ان بدأ نورها يمأل أرجاء المعمورة في القرن السابع الميالد
3
الطابع اإلنساني أثناء اندالع النزاعات المسلحة ،وعليه فالشريعة اإلسالمية تسمو وتتفوق
على المسيحية واليهودية في إرساء قواعد القانون الدولي اإلنساني ،1فلم يقتصر اإلسالم على
الحرب بعد وقوعها وحسب ،بل اهتم بالحرب ومدى مشروعية اللجوء إليها قبل وقوعها ،حيي
جاءت الشريعة اإلسالمية بأوش قاعدة للتميز بين المقاتلين وغير المقاتلين في قوله تعالى:
ِ ِ َّ ِ وَق ِاتلوا ِفي سِب ِ َّ ِ َّ ِ
ونك ْم َوَال تَ ْعتَدوا ِإ َّن الل َه َال يح ُّب اْلم ْعتَد َ
ين).2 ين يَقاتل َ
يل الله الذ َ َ َ
لقد وضعت الشريعة اإلسالمية نظاما إنسانيا مت امال لسير العمليات القتالية التي
تخوضها الجيوش اإلسالمية في حروبها ضد األعداء ،حيي ورد عن رسوش الله صلى الله
ال تقتلوا وليدا وال امرأة وال كبي ار عليه وسلم في وصية لزيد بن حارثه عندما بعثه إلى مؤتة
وال فانيا وال منعزال بصومعته)) ،كذلك قوله صلى الله عليه وسلم...... :أغزو وال ترلو وال
تردروا ،وال تمثلوا ،وال تقتلوا وليدا ،واذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثالي
ط ِعمو َن
خصاش ))....كما أمر اإلسالم بحسن معاملة األسير وا رامه ،حيي قاش تعالىَ :وي ْ
يما َوأ َِس ًا
ير)).3 ِ ِِ ِ ِ َّ
ام َعَل ٰى حبه م ْسك ًينا َوَيت ً
الط َع َ
باإلضافة إلى ذلك يمكن أن نشير الى ما قام به الصحابة رضوان الله عليهم في هذا
الباب ،فنذكر مثال حين تولى أبو بكر الصديق رضي الله عليه الخالفة ،أوصى قائد جيشه
أسامة بن زيد بقوله ....واني موصيك بعشر ،ال تقتلن امرأة وال صبيا وال كبي ار هرما وال
تقطعن شج ار مثم ار وال نخال وال تحرقها ،وال تقعرن شاة وال بقرة إال لمأ لة وال تجبن وترلل)).
وختاما يمكن القوش ان اإلسالم أباح الحرب لرد العدوان واتى بقواعد إنسانية لم تصلها
أيه حضارة.
الفرع الثاني
مرحلة تدوين قواعد القانون الدولي اإلنساني.
انه مع ظهور الدوش بمفهومها الحديي واالعتماد على القوات المسلحة النظامية
كإحدى المؤسسات العامة في الدولة الحديثة ،التي تخضع لقواعد وتشريعات خاصة بدأ
االتجاه نحو تقنين أو تدوين القواعد العرفية ،التي تحكم سلوك المقاتلين في شكل إعالنات
1المسيحية المحرفة لم تكن تتصور وقوع قتال او نزاع مسلح بين اإلنسان وأخيه اإلنسان ،بينما اليهودية المحرفة فانه نتيجة
انطالقها من عقيدة (شعب الله المختار) ،فقد كانت القوة والعنف واالسترقاق واالنتقام هي القواعد السائدة في حروبهم ضد
غيرهم من األمم ،بل ان الرب عندهم ( رب االنتقام).
2اآلية 190من سورة البقرة.
3اآلية 8من سورة اإلنسان
4
واتفاقيات دولية ،أو في شكل تعليمات عسكرية موجهة إلى الجيوش النظامية في الميدان
وتعود بداية مرحلة تدوين قواعد القانون الدولي اإلنساني بصدور معاهدة جنيف لعام 1864
ويمكن تناوش تطور تدوين قواعد القانون الدولي اإلنساني عبر مرحلتين :األولى قبل 1949
والثانية ابتداء من ، 1949وذلك ألهمية اتفاقيات جنيف لعام.1949
أوال :مرحلة تدوين قواعد القانون الدولي اإلنساني قبل عام1949
وقد تميزت هذه المرحلة بعقد عده اتفاقيات حسب التسلسل التاريخي:
-1اتفاقية جنيف لعام 1864
تم إقرار هذه االتفاقية في 66اوت 9629وقد جاءت في عشر مواد قانونية تتعلق بتحسين
حاش العسكريين الجرحى في الميدان وتمثل نقطة االنطالق للقانون الدولي اإلنساني واهم ما
تناولته:
-تقديم اإلسعافات األولية والرعايا الطبية للمحاربين الجرحى دون أ تمييز وبرض النظر عن
المعسكر الذ ينتمون إليه.
-ضرورة وجود شارة خاصة على المستشفيات وان يحملها أفراد الخدمات الطبية هي صليب
احمر على رقعة بيضاء)).
-2إعالن سان بيتر سبورغ عام1868
لقد جاء هذا اإلعالن منبثقا عن مؤتمر دعا إليه ال سندر الثاني قيصر روسيا في
الفترة مابين 29نوفمبر و11ديسمبر )1868حيي أقر اهم مبدأ من مبادئ القانون الدولي
اإلنساني والمتمثل في عدم احداي اضرار ال مبرر لها مبدأ الضرورة العسكرية)) وبذلك
يعد هذا اإلعالن وثيقة دولية تقيد حق الدوش في استخدام بعض أنواع األسلحة.
-3إعالن بروكسل حول الحرب البرية عام .1874
صدر هذا اإلعالن بناء على دعوة قيصر روسيا مؤتم ار دوليا لدراسة مشروع اتفاقية دولية
تتعلق بقوانين واعراف الحرب البرية ،وقد تضمن هذا اإلعالن )56مادة ،ل نه لم يدخل
حيز النفاذ إذ لم يحصل على مصادقة الحكومات.
-4اتفاقية الهاي لعام .1899
انعقد مؤتمر السالم الدولي األوش ،بناء على دعوة روسيا في الفترة ما بين 96ما
و61جويلية )9611حضره ممثلون عن )62دولة ،وقد تلخص عنه ثالي
5
اتفاقيات تتعلق بقانون الحرب:
-اتفاقية حل المنازعات بالطرق السلمية.
-اتفاقية قوانين وأعراف الحرب البرية باإلضافة إلى الئحة الحرب البرية.
-اتفاقية تطبيق المبادئ اإلنسانية على الحرب البرية.
كما أسفر عن ثالثة تصريحات:
-تصريح متعلق بالحرب البرية.
-تصريح خاص بحضر المقذوفات التي يكون الررض منها نشر غازات خانقة.
-تصريح خاص بحضر استعماش المقذوفات التي تتفرطح داخل الجسم.
-5اتفاقية جنيف المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان
لعام.1906
تعد هذه االتفاقية تعديال وتطوي ار إلحكام اتفاقية جنيف لعام 1864حيي اضفت
الحماية على فئة جديدة وهم المرضى ،ومن أهم ما جاءت به توضيح العالقة بين شارة
الصليب األحمر ودولة سويسرا ،فبينت االتفاقية الجديدة اعتماد هذه الشارة يمثل عرفانا
لسويسرا ،فهي عبارة عن معكول العلم السويسر ،كما نصت على زجر انتها ات استعماش
الشارة.
-6اتفاقية الهاي لعام 1907
تمخضت هذه االتفاقية عن مؤتمر الها الثاني للسالم الذ حضره ممثلون عن
)99دولة ،وتضمنت عدة وثائق دولية بلغ عددها 91اتفاقية واعالن ،أهمها االتفاقية الثالثة
المتعلقة ببدء حالة الحرب ،واالتفاقية الرابعة حوش قوانين وأعراف الحرب البرية والملحق
المرفق بها ،واالتفاقية الخامسة حوش حقوق وواجبات المحايدين في الحروب البرية وتعد
االتفاقية الرابعة التي جاءت في تسع مواد والالئحة المتعلقة بقوانين و أعراف الحرب البرية
التي جاءت بها )12مادة ،أهم وثيقة على اإلطالق ويطلق على هذه االتفاقية والالئحة
المرفقة بها اختصا ار اتفاقية الها الرابعة) فهي قد حلت محل اتفاقية الها لعام 9611
6
-7برتوكول جنيف لعام.1925
أقر هذا البرتوكوش في 91جوان 9161ويخص حظ ار استعماش الرازات الخانقة والسامة
او ما شابهها والوسائل الجرثومية في الحرب ،ويشكل هذا البروتوكوش أهمية كبيرة في القانون
الدولي اإلنساني ،رغم الثررات القانونية من حيي الصياغة ونطاق تطبيقه.
-8اتفاقيتا جنيف لعام.1929
لقد اعتمدت في جنيف اتفاقيتان دوليتان بتاريخ27جويلية 1929األولى هي اتفاقية
جنيف المتعلقة بتحسين حاش الجرحى والمرضى والعسكريين في الميدان ،وهي صيرة جديدة
ومعدلة ومطورة التفاقيات جنيف لعام1864وجنيف لعام ،1906وذلك في ضوء التطورات
التي حدثت خالش الحرب العالمية األولى )9199-9196على غرار عدم شرعية التعرض
لطائرات النقل الطبي ،باعتبارها إحدى رسائل النقل المجهزة خصيصا لررض إنساني
باإلضافة إلى تضمنها آلية جديدة لقمع االنتها ات الدولية في هذا الشأن ،كآلية التحقيق في
االدعاء بانتهاك أحكامها.
اما االتفاقية الثانية والمتعلقة بمعاملة أسرى ،الحرب فقد تناولت في موادها السبعة
والثالثين أهم ما يتصل بحياة األسير على غرار إنشاء وكالة بحي لجمع المعلومات عن
األسرى ،وتسهيل تبادش األخبار مع أهاليهم وذويهم ،ورغم عدم مصادقه دوش كبرى عليها
مثل اليابان واالتحاد السوفياتي ،وقد أقرت محكمه نورنمبورغ في أعقاب الحرب العالمية
الثانية طابعها العرفي ،أ امتداد أثارها إلى جميع الدوش األطراف المتحاربة وليست األطراف
المصادقة عليها.
ثانيا :مرحلة تدوين قواعد القانون الدولي اإلنساني ابتداء من عام 1949
لقد كان لنتائج الحرب العالمية الثانية وفظاعتها تأثي ار كبي ار نتيجة ما شهده العالم من
ماسي وأضرار لحقت بالمدنيين والعسكريين على حد سواء ،مما عجل بإبرام أهم اتفاقيات
تتعلق بالقانون الدولي اإلنساني وهي اتفاقيات جنيف لعام ،1949ثم تلتها عدة اتفاقيات
أخرى باإلضافة إلى بروتوكوالت.
-9اتفاقيات جنيف لعام. 1949
في أعقاب الحرب العالمية الثانية ونتيجة لفظاعة الجرائم المرت بة هز الضمير العالمي ذلك
7
فدعت الحكومة السويسرية إلى مؤتمر دبلوماسي بجنيف بتاريخ 96اوت 1949والذ أسفر
عن إبرام أربع اتفاقيات هي:
االتفاقية األولى :اتفاقية جنيف لتحسين حاش الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان
وهي تعديل وتنقيح التفاقية جنيف األولى لعام .1929
االتفاقية الثانية :اتفاقية جنيف لتحسين حاش جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في
البحار وهي تعديل وتطوير التفاقية الها لعام.1907
االتفاقية الثالثة :اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب وهي تعديل وتطوير
إلحكام اتفاقية جنيف الثانية لعام .1929
االتفاقية الرابعة :اتفاقية جنيف بشأن حماية األشخاص المدنيين في وقت النزاع المسلح وهي
أوش وثيقة من نوعها تتناوش حماية المدنيين زمن النزاعات المسلحة ،ونشير هنا الى ان هناك
مادة فريدة ت ررت في االتفاقيات األربع ،وهي المادة الثالثة المشتركة المتعلقة بحماية ضحايا
النزاعات المسلحة غير الدولية.
-2اتفاقية الهاي لحماية الممتلكات الثقافية لعام :1954
نتيجة للتدمير الهائل الذ عرفه التراي الثقافي أعقاب الحرب العالمية الثانية
بادرت منظمة اليونسكو الى عقد مؤتمر دبلوماسي في الها وفي نهاية المؤتمر في
4مارل ،1954ث م إقرار اتفاقية خاصة بحماية الممتل ات الثقافية في حالة النزاع المسلح وقد
شملت هذه االتفاقية وثيقتين دوليتين :ملحق بعنوان الالئحة التنفيذية التفاقية حماية
الممتل ات في حالة النزاع المسلح ،وتضمنت قواعد رقابية لحماية الممتل ات الثقافية وتنظيمها
والوثيقة الثانية هي بروتوكوش من اجل حماية الممتل ات الثقافية في حالة النزاع المسلح.
-3البروتوكوالن اإلضافيان لعام .1977
اقر المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في جنيف ما بين 1974و1977بدعوة من الحكومة
السويسرية بروتوكولين إضافيين التفاقيات جنيف لعام .1949
أ-البرتوكول اإلضافي األول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية
جاء هذا البروتوكوش في أربعة أبواب تضمن الباب األوش منه قاعدة هامة لشعوب
العالم الثالي وحركات التحرر ،حيي نص على ان حروب التحرير تعد نزاعا مسلحا دوليا اما
الباب الثاني منه فقد جاء خاصا بالجرحى والمرضى والمنكوبين مكمال إلحكام االتفاقين
8
األولى والثانية من اتفاقيات جنيف لعام ،1949وتناوش الباب الثالي اساليب ووسائل القتاش
والوضع القانوني للمقاتل واسير الحرب ،اما الباب الرابع فقد اهتم بالسكان المدنيين بهدف
توفير حماية أ بر لهم من اخطار النزاعات المسلحة.
ب-البرتوكول اإلضافي الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية
جاء هذا البروتوكوش أ ثر تفصيال من المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام
1949ومكمال لها ،حيي وسع نطاق الضمانات األساسية الواردة في المادة الثالثة المشتركة
خاصة فيما يتعلق بالحقوق القضائية ،وحظر بعض اإلعماش ،ومما يالحظ عنه عدم اإلشارة
إلى آلية تنفيذه باستثناء نشره على نطاق واسع.
-4االتفاقيات الدولية الحديثة التي تفرض قيودا على استعمال األسلحة
ان فرض قيود على استعماش أسلحة معينة لم تنص عليه االتفاقيات السابقة خاصة
اتفاقيات جنيف لعام 1949رغم أهميتها ،ولهذا جاءت عدة اتفاقيات وبرتوكوالت لسد بعض
هذا النقص نذكر منها:
أ -اتفاقية حظر او تقييد استعماش أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر او عشوائية
الموقعة في جنيف بتاريخ 10أ توبر 1980وتضمنت البروتوكوالت التالية:
-البروتوكوش األوش بشأن الشظايا التي ال يمكن ال شف عنها
-البروتوكوش الثاني المتعلق بحظر او تقييد استعماش األلرام واالشراك الخداعية والنبائط األخرى.
-البروتوكوش الثالي المعدش في 3جانفي 1996بشأن حظر او تقييد استعماش األسلحة المحرقة.
-البروتوكوش الرابع بشأن أسلحة الليزر المعمية المعتمد في فينا في 13ا توبر.1995
ب –اتفاقية بشأن حظر استحداي وضع وتخزين واستخدام األسلحة ال يميائية وتدميرها الموقعة
في باريل في13جانفي 1993
ج –اتفاقية بشأن حظر استعماش وتخزين وانتاج ونقل األلرام المضادة لإلفراد وتدميرها الموقعة
في أوتاوا بتاريخ 96سبتمبر.9111
د -النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعروف بنظام روما األساسي .1998
9
المطلب الثاني
عالقة القانون الدولي اإلنساني بغيره من القوانين
برية الوقوف على عالقة القانون الدولي اإلنساني ،البد من دراسة العالقة أوال بينه
وبين القانون الدولي لحقوق اإلنساني ،الذ هو فرع من فروع القانون العام ويهتم بحماية
حقوق اإلنسان في حالة السلم وبهذا فهو وثيقة الصلة به ،وثانيا عالقته بالقانون الدولي
الجنائي الذ هو أيضا فرع من فروع القانون الدولي العام ،والذ يتولى تحديد األفعاش التي
ت يف على أنها جرائم دولية ويقرر عقوبات دولية لها.
الفرع األول
عالقة القانون الدولي اإلنساني بالقانون الدولي لحقوق اإلنسان
لقد رأينا ان القانون الولي اإلنساني هو فرع من فروع القانون الدولي العام الذ ينظم
العالقة بين أطراف النزاع المسلح او بينها وبين األطراف بهدف تنظيم سير العمليات القتالية
على نحو يراعي االعتبارات اإلنسانية للتخفيف من المآسي واآلالم التي تلحق بالفئات غير
المشاركة في العمليات العسكرية.
أما القانون الدولي لحقوق اإلنسان فيعرف بأنه فرع من فروع القانون الدولي العام
الذ يتضمن مجموعة القواعد القانونية ،التي تهدف إلى حماية الحقوق والمصالح الحيوية
للذات اإلنسانية في أحواش السلم كما في أحواش الحروب والظروف المماثلة)
ويمكن القوش ان مظاهر االتصاش بين القانونين أ ثر من مظاهر االنفصاش وهو ما أ دته
محكمة العدش الدولية في قضيتين :األولى في رأيها االستشار حوش مشروعية التهديد
باألسلحة النووية أو استخدامها بتاريخ 08جويلية ،1996وكذلك في فتوى اآلثار القانونية
الناشئة عن بناء الجدار العازش في األراضي الفلسطينية المحتلة بتاريخ 09جويلية 2004
حيي أشارت هذه الفتوى الى ان هناك ثالثة حاالت محتملة فيما يتصل بالعالقة بين القانون
الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان وهي:
-1بعض الحقوق يمكن ان تقتصر تماما على القانون الدولي اإلنساني.
-2بعض الحقوق يمكن ان تقتصر تماما على القانون الدولي لحقوق اإلنسان.
-3غير ان هناك بعض الحقوق األخرى يمكن ان تدخل ضمن فرعي القانونين معا ومن
بين هذه الحقوق تلك المسماة الحقوق غير القابلة لالنتقاص) ،والتي تبقى نافذة في جميع
10
األحواش ،وهذه الحقوق وردت بصفة عامة في المادة الثالثة المشتركة التفاقيات جنيف
لعام ،1949كحضر التعذيب والمعاملة القاسية او حضر االستعباد وغيرها.
ورغم هذه العالقة الت املية بينهما فان هناك عدة فوارق يمكن إجمالها على النحو التالي:
-9من حيي صفة القانونين :حيي يوصف القانون الدولي اإلنساني بأنه قانون استثنائي وعليه
فانه ينطو على حقوق أساسية منتقاة تمثل النواة الصلبة لحقوق اإلنسان ،والتي يتعين
احترامها في جميع األحواش أثناء النزاع المسلح ،باعتبارها ضمانات أساسية لحماية ال ائن
اإلنساني الذ يجد نفسه متورطا في وضع استثنائي هو وضع الحرب بينما القانون الدولي
لحقوق اإلنسان يشمل دائرة واسعة من حقوق اإلنسان ما فتئت تت ون باستمرار.
-6من حيي النطاق الزمني :يطبق القانون الدولي اإلنساني أثناء النزاعات المسلحة الدولية
وغير الدولية ،حيي يتوقف تطبقيه بعد انتهاء النزاع المسلح مثل تسليم األسرى وتسهيل
عودتهم ،نقل الجثامين ،البحي عن المفقودين ،بينما يطبق القانون الدولي لحقوق اإلنسان في
كل األوضاع ألجل حماية الفرد سواء في وقت السلم او الحرب ،وان كان تطبيقه يكون في
حالة السلم فانه ال يستبعد تطبيقه أيضا أثناء النزاع المسلح.
-6من حيي النطاق الشخصي :يطبق القانون الدولي اإلنساني على الفئات المشمولة بحمايته
من رعايا أطراف النزاع المسلح ،اما القانون الدولي لحقوق اإلنسان يطبق على المواطنين
رعايا الدولة بصورة رئيسية ويطبق كذلك على األجانب بمقتضى القانون الدولي العام
-9من حيي أنواع الحقوق المشمولة بالحماية يهدف القانون الدولي اإلنساني الى حماية فئات
معينة أثناء ظروف استثنائية ،فهو يحمي األشخاص الذين ال يشاركون في القتاش كالمدنيين
وأفراد الخدمات الطبية ،وكذلك االشخاص الذين توقفوا عن المشاركة في القتاش كالجرحى
والمرضى ،اما القانون الدولي لحقوق اإلنسان فهو يشمل بحمايته جميع الفئات ومن بين
الحقوق نذكر :الحقوق السياسية والحقوق المدنية لألفراد بقصد دعم تنميتهم وتطورهم.
-1من حيي وسائل الرقابة على تطبيقها :يسهر على تطبيق القانون الدولي اإلنساني الدولة
الحامية والمنظمات اإلنسانية غير الحكومية ،كاللجنة الدولية للصليب األحمر بينما يت فل
بالرقابة على تطبيق القانون الدولي لحقوق اإلنسان منظمة دولية عالمية ،هي منظمة األمم
المتحدة على اعتبار ان احترام حقوق االنسان وتعزيزها من األهداف األساسية للمنظمة
11
بموجب الميثاق ،4باإلضافة الى ما سبق تعتبر المحا م الجنائية الدولية المؤقتة
او الخاصة) او المحكمة الجنائية الدولية الدائمة) من الوسائل الفعالة التي تضمن ردع
االنتها ات الجسيمة للقانون الدولي اإلنساني ،كما يالحظ ان الدور الرقابي للمنظمات
اإلنسانية غير الحكومية الجديدة العاملة في ميدان حقوق اإلنسان على المستوى الدولي ال
يتميز بالحياد ويستخدم في بعض األحيان معايير مزدوجة.
الفرع الثاني
عالقة القانون الدولي اإلنساني بالقانون الدولي الجنائي
يعرف القانون الدولي الجنائي من طرف ) Gravenبانه :مجموعة القواعد
القانونية المعترف بها في العالقات الدولية والتي يكون الررض منها حماية النظام
االجتماعي الدولي بالمعاقبة على األفعاش التي تتضمن اعتداء عليه).
ويعرفه نزار العنبكي بأنه :مجموعة القواعد القانونية الموضوعية واإلجرائية ذات الصفة
الجنائية ،والتي تتعلق بتحديد وتجريم االنتها ات الخطيرة لقواعد النظام القانوني الدولي
وفرض العقاب على مرت بيه بمقتضى القانون العام).
وبما ان القانون الدولي اإلنساني هو القانون المطبق أثناء النزاع المسلح ،فان العالقة
بينه وبين القانون الدولي الجنائي ،تبرز بشكل سلبي في االفعاش التي ترت ب أثناء سير
العمليات العسكرية والتي تشكل مخالفة لقوانين وأعراف الحرب والتي تهدد -في نفل الوقت-
مصالح جوهرية وأساسية للمجتمع الدولي ،ويمكن أن نلخص بعض األفعاش التي ترت ب
أثناء سير العمليات العسكرية ،والتي تستدعي تدخل القانون الدولي الجنائي لتقرير عقوبات
دولية رادعه ،كما يلي:
-استعماش األسلحة المتفجرة والحارقة والمسمومة وقد تم تجريمها بمقتضى عدة اتفاقيات
دولية إنسانية منها اتفاقيات الها لعامي 1899و1907وكذلك تم حظرها من طرف النظام
األساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998المادة/8ب 18و)19
-استعماش األسلحة ال يميائية والجرثومية والبكترولوجية تم حظرها بمقتضى بروتوكوش جنيف
لعام ، 1925وكذلك بمقتضى النظام األسال للمحكمة الجنائية الدولية المادة -8ب.)18/
13
أ -ان كال من القانونين يعمل في إطار واحد وهو تحقيق األمن والسالم للفرد.
ب-ان القانون الدولي الجنائي يجرم من بين األفعاش إلى تجريمها جميع االنتها ات الجسيمة
التي يسعى القانون الدوش اإلنساني الى تجريمها وحظرها.
ج – مصلحة المجتمع الدولي في إعادة صياغة قواعد التجريم ،التي يحددها القانون الدولي
اإلنساني في قالب جديد ومن المؤكد أن إضفاء الطابع الجنائي اآلمر على قواعد القانون
الدولي اإلنساني يمثل األداة األ ثر فعالية وتأثير رادع.
د –إن استثناء المحكمة الجنائية الدولية سيؤد إلى تالشي الفروق بين القانونين خاصة وان
المحكمة تمثل الجانب اإلجرائي للقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي اإلنساني هو الجانب
الموضوعي للمحكمة.
14