You are on page 1of 39

‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.

‬‬

‫جامعة امحمد بوقرة‬


‫كلية الحقوق‪-‬بودواو‪-‬‬

‫محاضرات في القانون الدولي اإلنساني‬


‫محاضرات ألقيت على طلبة السنة الثالثة ليسانس تخصص القانون العام‪.‬‬

‫من إعداد‪ :‬د‪ .‬لـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوكال مريم‪.‬‬

‫االمتحان سيكون عبارة عن اسئلة فهم ‪ 16‬ن‪ ،‬و سؤال مباشر ‪ 4‬ن‪.‬‬
‫هذا العمل عبارة عن ملخص وليس المطبوعة كاملة وقد تم حذف الهوامش والتمهيدات والمالحق وغيره‪ ،‬وبالتالي‬
‫لمن أراد معلومات أكثر يمكن له الحصول على المطبوعة األصلية كاملة من مكتبة الكلية‪.‬‬
‫ال يطلب من الطالب حفظ المواد وال أرقامها في االمتحان‪.‬‬

‫خطة المحاضرة‪:‬‬
‫سيتم التعرض لمقياس القانون الدولي اإلنساني من خالل أربعة فصول كالتالي‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬مدخل للقانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مصادر ومبادئ القانون الدولي اإلنساني‬

‫‪1‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬حماية المدنيين واألعيان المدنية خالل النزاعات المسلحة‬


‫الفصل الرابع‪ :‬حماية ضحايا النزاعات المسلحة من العسكريين في إطار القانون الدولي اإلنساني‬

‫الفصل األول‪ :‬مدخل للقانون الدولي اإلنساني‪.‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مفاهيم أساسية حول القانون الدولي اإلنساني‬
‫أوال‪ -‬نشأة القانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫‪ -1‬مالمح القانون الدولي اإلنساني في العصور القديمة‪:‬‬
‫أشار المؤرخين إلى عدة وقائع‪ ،‬تدل على وجود بعض المالمح المتعلقة بالقانون الدولي اإلنساني‪ ،‬إال أنها‬
‫تميزت بأنها فردية‪ ،‬فقد أمر ملك الفرس سنة ‪ 538‬قبل الميالد جنوده لدى فتح "بابليون" بمعاملة الشعوب المنهزمة‬
‫برحمة واحترام أماكن العبادة‪ ،‬كما اهتم الرومان بعد بعث المسيح عليه السالم بحماية المدنيين والجرحى واألسرى‪.‬‬
‫‪ -2‬مالمح القانون الدولي اإلنساني في ظل اإلسالم‪:‬‬
‫اإلسالم من السلم فهو دين المسالمة‪ ،‬أما تشريع الحرب فيه فقد كان إما بغرض‪ :‬رد االعتداء‪ ،‬أو نشر الدين‪،‬‬
‫أو درء الفتنة والدفاع عن حق ثابت‪ ،‬إذ كان محمد رسول اهلل (ص) في الحديث الذي رواه سليمان بن بريدة عن‬
‫أمر أمي ار على جيش أو سرّية أوصاه في خاصته بتقوى اهلل ومن معه من‬ ‫أبيه قال‪ ":‬كان رسول اهلل (ص)‪ ،‬إذا ّ‬
‫المسلمين خي ار ثم قال‪ :‬اغزوا باسم اهلل في سبيل اهلل قاتلوا من كفر باهلل اغزوا وال تغلوا وال تغدروا وال تمثلوا وال‬
‫تقتلوا وليدا‪ ،‬واذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثالث خصال‪ ،‬أو خالل فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم‪،‬‬
‫وكف عنهم‪ ،‬ثم ادعهم إلى اإلسالم‪..‬فإن هم أبوا فسلهم الجزية‪..،‬فإن هم أبوا فاستعن باهلل وقاتلهم‪."..‬‬
‫كما قال رسول اهلل(ص)‪«:‬استوصوا باألسارى خيرا"‪ .‬كما جاء في قوله تعالى‪":‬ويطعمون الطعام على حبه‬
‫مسكينا ويتيما وأسيرا"‪ ،‬أي يبدأون بإطعامهم أوال وهو جائعون‪ ،‬إلى أحاديث كثيرة ال مجال لذكرها‪ ،‬جاء فيها أن‬
‫الرسول (ص) وصى بعدم استهداف الشيخ الكبير‪ ،‬والطفل الصغير‪ ،‬المرأة‪ ،‬أصحاب الصوامع أي الرهبان‪،‬‬
‫والعامل باألجرة والفالح‪ُ ،‬يفهم مما سبق تطبيق الرسول (ص) لمبدأ عدم التعرض للمدنيين‪.‬‬
‫من الناحية التطبيقية‪ ،‬كانت غزوة بدر أول مواجهة عسكرية مع قريش بعد عداء شديد‪ ،‬أسر الرسول (ص)‬
‫فيها سبعين رجال لهم سوابق في إيذاءه‪ ،‬لم يقتل منهم إال اثنين‪ ،‬أما الباقين فقد أخذ من المقتدر الفداء‪ ،‬ومن كان‬
‫يجيد القراءة والكتابة ففداؤه أن يعلم عشرة من أبناء المسلمين الكتابة والقراءة‪.‬‬
‫الغاية من كل ما سبق هو بيان أن قواعد الق‪.‬د‪.‬إ طبقت تطبيقا مثاليا في ظل التعاليم اإلسالمية‪ ،‬حتى في‬
‫ظل عدم احترام الطرف الثاني للقواعد ذاتها‪ ،‬وبالتالي فإن هذا القانون ليس اختراعا أوربيا‪.‬‬
‫‪ -3‬ظهور القانون الدولي اإلنساني في العصور الحديثة‪:‬‬
‫بقيت أوروبا غارقة في مفهوم "الحروب العادلة" طيلة ما ُعرف بعصور اإلقطاع‪ ،‬ومع بداية حركة اإلصالح‬
‫الديني أبدى "غروسيوس" أب القانون الدولي اهتماما بقانون الحرب‪ ،‬وبدأ في وضع قيود على سلوك المتحاربين‪،‬‬
‫تجسد أساسها في مبادئ الدين ومقتضيات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫من بعده تابع العديد من الفقهاء الدراسات‪ ،‬ما أدى الستقرار "القواعد العرفية والعادات المتعلقة بسير العمليات‬
‫العدائية"‪ ،‬من هؤالء الفقهاء نجد جون جاك روسو الذي استنتج في قاعدة ضمنها كتاب "العقد االجتماعي" مؤداها‬
‫أن‪" :‬الحرب تدور بين الدول وأن األفراد أعداء‪ ،‬لكن بطريقة عرضية‪ ،‬وبإلقاء السالح فإنهم يعودون لطبيعتهم‬
‫المسالمة‪ ،‬وال يجوز االعتداء عليهم"‪.‬‬
‫إال أن هذه المبادئ لم تلق تطبيقا واحتراما خالل النزاعات المسلحة آنذاك‪ ،‬وهذا إلى غاية الحرب التي دارت‬
‫رحاها بين فرنسا وسردينيا ضد النمساويين سنة ‪ ،1859‬حيث التقى الجيشان في جنوب إيطاليا ما انجر عنه‬
‫معركة "سولفيرينو"‪ ،‬والتي تعد من أكثر المعارك دموية التي سجلها التاريخ‪.‬‬
‫ففي مساء ‪ 24‬جوان ‪ 1859‬وصل شاب سويسري اسمه هنري دونانت إلى أرض المعركة‪ ،‬ولم يستطع تحمل‬
‫ما رآه‪ ،‬من جرحى وقتلى مكدسين في الكنائس بآالم رهيبة‪ ،‬كان يمكن إنقاذهم لو اسعفوا في الوقت المناسب‪ ،‬ففي‬
‫تولي األهمية الكبرى للخدمات الطبية التي كانت تتميز بالقصور‪ ،‬فالمهم آنذاك هو‬
‫ذلك الوقت لم تكن الجيوش ُ‬
‫التجنيد وليس إعادة تأهيل الجنود‪.‬‬
‫هذا ما حمل الشاب إلى تحرير كتاب أسماه "تذكار من سولفيرينو" سنة ‪ ،1862‬نال على ثره جائزة نوبل‬
‫األولى للسالم سنة ‪ ،1901‬تضمن هذا الكتاب نقال لكل ما رآه بهدف عدم تكرار المأساة‪ ،‬هذا ما يتطلب تحقيق‬
‫هدفين‪ :‬األول أن تنشأ في كل دولة جمعية غوث تطوعية تهتم بتقديم الخدمات الصحية للمقاتلين وقت الحرب‪ ،‬أما‬
‫الهدف الثاني فهو أن تتحرك الدول لاللتزام بحماية المستشفيات العسكرية وأفراد األطقم الطبية‪.‬‬
‫انجر عن هذه اإلستشرافات‪ ،‬إنشاء اللجنة الدولية للصليب األحمر واتفاقيات جنيف وما تالها‪.‬‬
‫تحقق هذا‪ ،‬نتيجة ألنه كان من بين قراء الكتاب أحد رؤساء الجمعيات ذات النفع العام السويسرية اسمه‬
‫"جوستاف موانييه"‪ ،‬وبعد عدة اجتماعات عقدتها لجنة تشكلت من دونان وطبيبان وآخرين‪ ،‬تأسست جمعية خيرية‬
‫اسمها "جمعية جنيف للمنفعة العامة"‪ ،‬والتي تطورت لتحمل اسم "اللجنة الدولية إلغاثة الجرحى" في ‪.1863‬‬
‫في السنة نفسها‪ُ ،‬وجهت الدعوة إلى دول العالم لحضور مؤتمر دبلوماسي في جنيف(سويسرا)‪ ،‬حضره ممثلوا‬
‫‪ 16‬دولة ليضعوا أسس اللجنة أعاله‪ ،‬وفي العام الموالي تم انعقاد مؤتمر ثان انجر عنه إبرام اتفاقية تحسين حال‬
‫الجرحى العسكريين في الميدان لسنة ‪ ،1864‬وهي أول اتفاقية في القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬والتي تلتها عدة‬
‫اتفاقيات ستتم دراستها أدناه‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬ما هو القانون الدولي اإلنساني؟‬
‫ُيعرف الق‪.‬د‪.‬إ حسب الدكتور المجذوب أنه‪ ":‬مجموعة القواعد الدولية المستمدة من االتفاقيات واألعراف التي‬
‫تهدف‪ ،‬بشكل خاص‪ ،‬إلى تسوية المشكالت اإلنسانية الناجمة‪ ،‬بصورة مباشرة‪ ،‬عن النزاعات المسلحة‪ ،‬الدولية أو‬
‫غير الدولية‪ ،‬والتي تقيد‪ ،‬ألسباب إنسانية‪ ،‬حق أطراف النزاع في استخدام أساليب الحرب وطرقها التي تروق لها‬
‫أو تحمي األشخاص واألمالك المعرضين أو الذين يمكن أن يتعرضوا ألخطار النزاع"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫ويعرفه د‪ .‬عامر الزمالي على أنه‪ ":‬فرع من فروع القانون الدولي العام‪ ،‬تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى‬
‫حماية األشخاص المتضررين في حالة نزاع مسلح بما انجر عن ذلك النزاع من آالم‪ ،‬كما تهدف إلى حماية‬
‫األموال التي ليست لها عالقة مباشرة بالعمليات العسكرية"‪.‬‬
‫منه يمكن القول أن القانون الدولي اإلنساني هو‪":‬فرع القانون الدولي العام‪ ،‬تهدف قواعده القانونية العرفية‬
‫منها والمكتوبة إلى حماية حقوق اإلنسان واألعيان المدنية وتحديد أساليب القتال خالل النزاعات المسلحة الدولية‬
‫وغير الدولية"‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ :‬تباين أو توازي؟‬
‫يظهر مع تزايد المطالبة باحترام حقوق اإلنسان الخلط ما بين القانونين‪ ،‬وهذا ما يستوجب التمييز بينهما‪،‬‬
‫فتظهر النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ ‬هما متمايزان‪ ،‬رغم أنهما متكامالن‪ ،‬فالق‪.‬د‪.‬إ يحمي حقوق اإلنسان وقت النزاعات المسلحة‪ ،‬في حين‬
‫يحمي القانون الدولي لحقوق اإلنسان حقوق البشر في وقت السلم‪ُ ،‬يفهم أن نطاق تطبيقهما متواز‪ ،‬إال أنهما‬
‫يكمالن بعضهما‪ ،‬ما يجعل الحماية القانونية الدولية للفرد قائمة في كل األحوال‪.‬‬
‫‪ ‬يهدف القانون الدولي لحقوق اإلنسان لحماية الفرد من تعسف الدولة قبل مواطنيها‪ ،‬أما الق‪.‬د‪.‬إ فيهدف‬
‫إلى حماية الفرد من انتهاك دولة أجنبية لحقوقه‪.‬‬
‫‪ ‬نطاق الحقوق في القانون الدولي لحقوق اإلنسان واسع تصل إلى حقوق الرفاهية(الجيل األول‪ ،‬الثاني‬
‫والثالث لحقوق اإلنسان)‪ ،‬في حين أن الحقوق في القانون الدولي اإلنساني تتميز بطابعها القاعدي وتتلخص في‬
‫الحقوق األساسية‪.‬‬
‫‪ ‬يطبق الق‪.‬د‪.‬إ وقت الحرب على المقاتلين والضحايا فهو يرتبط بظروف معينة‪ ،‬أما القانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان فهو يهتم بتطور الفرد ورفاهه وقت السلم‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬خصائص القانون الدولي اإلنساني‪ :‬تتمثل أهم خصائصه فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬تتميز قواعده بأنها دولية‪ ،‬ذات طابع إنساني‪ ،‬تضمن المساواة بين األطراف المتحارب‪.‬‬
‫‪ ‬هو قانون حديث النشأة باعتبار أن أول اتفاقية أبرمت في هذا الخصوص كانت سنة ‪ 1864‬فقط‪.‬‬
‫‪ ‬هو قانون رضائي شأنه شأن باقي فروع القانون الدولي العام‪ ،‬حيث ال تلتزم الدولة صاحبة السيادة‪ ،‬إال‬
‫بما أبدت رضائها عنه احتراما لسيادتها‪.‬‬
‫‪ ‬قواعد القانون الدولي اإلنساني قواعد آمرة وملزمة للدول ال يجوز عدم إعمالها أو التحفظ بشأنها‪.‬‬
‫‪ ‬في حال تعارض قواعده وقواعد اتفاقية صادقت الدولة عليها تكون األسبقية لقواعده‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬نطاق تطبيق القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫أوال‪ -‬النزاع المسلح الدولي‪ :‬يصدق على نوعين من النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫‪ -1‬النزاع المسلح بين دولتين قائمتين‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫أ‪ -‬مفهوم استخدام القوة في العالقات الدولية‪ :‬تراوحت الحرب بين اإلباحة والحظر‪ ،‬فحتى وقت قريب كانت‬
‫الحرب وسيلة مشروعة لحل المنازعات الدولية‪ ،‬في إطار نظرية الحرب العادلة‪ .‬إلى درجة أن عهد عصبة األمم‬
‫حد من حاالت اللجوء إليها‪ ،‬إذ اشترط انقضاء ثالثة أشهر بعد صدور الحكم التحكيمي أو‬ ‫لم يحظرها‪ ،‬إال أنه ّ‬
‫تقدير مجلس عصبة األمم‪ ،‬كما أنه بمجرد شن أحد أعضائها حربا فإنه يصبح آليا ُمحاربا لجميع الدول األعضاء‬
‫األخرى‪ ،‬ويتعرض آللية الدفاع الجماعي وكذا اإلقصاء من العصبة‪.‬‬
‫إال أنه ابتداء من عشرينيات القرن الماضي‪ ،‬بدأت تظهر إعالنات تدين الحرب كوسيلة لحل النزاعات‪ ،‬كل‬
‫هذا لم يمنع قيام عدة حروب في الثالثينيات‪ ،‬وهو ما انجر عنه تطبيق محتشم لإلجراءات أعاله‪ ،‬كتطبيق عقوبات‬
‫اقتصادية ضد إيطاليا‪ ،‬وطرد االتحاد السوفياتي سنة ‪.1939‬‬
‫أما ميثاق م‪.‬أ‪.‬م فقد حظر صراحة اللجوء إلى الحرب حسب المادة ‪ 4/2‬التي تنص على أنه‪ ":‬يمتنع أعضاء‬
‫المنظمة في عالقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سالمة األراضي أو االستقالل الساسي‬
‫ألي دولة على أي وجه آخر ال يتفق وأهداف األمم المتحدة"‪ ،‬منه فإن مجرد التهديد بالقوة أصبح محظورا‪ ،‬إال اذا‬
‫كان في إطار الفصل السابع من الميثاق الذي يبين اإلجراءات التي يتاح لمجلس األمن اتخاذها في حال تهديد‬
‫األمن والسلم الدوليين‪.‬‬
‫هذا الحظر ال يطال أنواعا من الحروب تُكيف على أنها مشروعة كحاالت‪ :‬الدفاع الشرعي‪ ،‬حالة الضرورة‪،‬‬
‫الحروب التي تقودها المنظمات الدولية لصد الحاالت التي تهدد األمن والسلم الدولي‪ ،‬باإلضافة إلى آخر أشكال‬
‫الحرب في القرن الواحد والعشرين وهي الحروب الوقائية‪ ،‬وهي استخدام القوة العسكرية تجاه دولة لمنعها من‬
‫استخدام جهازها العسكري الذي يشكل تهديدا كافيا ضدها وهذا هو أساس الحرب األمريكية على العراق سنة‬
‫‪ 2003‬على خلفية مزاعم بامتالكه أسلحة نووية‪.‬‬
‫كما ال تعد بعض األشكال األخرى مشروعة رغم أنها كانت كذلك قبال‪ ،‬كالحروب العادلة في العصور‬
‫الوسطى المتعلقة بنشر المسيحية‪ ،‬وكذا الحروب االنتقامية وهي رد فعل دولة سريع‪ ،‬على دولة أخرى اقترفت في‬
‫حقها فعال غير مشروع وتتميز بسرعتها‪.‬‬
‫تتصل مسألة استخدام القوة في العالقات الدولية بمشروعية أو حق الحرب‪ ،‬وان أصبح يسمى في القانون‬
‫الدولي المعاصر بالقانون المضاد للحرب باعتبار أن حظرها هو األصل‪ ،‬وهو يختلف عن قانون الحرب‪ ،‬الذي‬
‫تنتمي إليه أحكام الق‪.‬د‪.‬إ‪ .‬أما انطباق القانون الدولي اإلنساني فهو ال يتوقف على هذه التفرقة‪ ،‬إذ يلتزم الطرفين‬
‫بقواعد الق‪.‬د‪.‬إ بغض النظر عن من هو المعتدي ومن هو الضحية‪.‬‬
‫كما تختار دول أخرى عدم التدخل في النزاع وهذا ما يسمى الحياد‪ ،‬وهو نوعان‪ :‬الحياد الدائم وهو مركز‬
‫قانوني تتعهد فيه الدولة مع غيرها من الدول بعدم دخول أية حرب ويتم ذلك بتوقيع معاهدة تعتبر فيها الدول‬
‫األخرى ضامنة لهذا الحياد‪ ،‬أما الحياد المؤقت فهو الموقف الذي تتبناه دولة إزاء حرب معينة‪ ،‬ولم تدون أحكام‬
‫الحياد إال في مؤتمر الهاي الثاني حيث قننت حقوق المحايدين وواجباتهم في الحرب البرية والبحرية‪ ،‬إال أنه‬
‫يجدر القول أنه من خالل السوابق الدولية أنه قلما تم احترام الحياد‪ ،‬فقد ُسجل التعدي الدائم على الدول المحايدة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫هذا السلوك الذي تتبناه الدولة اختياريا أو اتفاقيا‪ ،‬تلتزم بموجبه بأال تقوم بأي عمل حربي واالمتناع عن تقديم‬
‫المساعدات ألطراف النزاع أو السماح باستعمال مجالها الجوي‪ ،‬كما تلتزم عدم التحيز في معاملة الطرفين‪.‬‬
‫وبالمقابل تتمتع الدولة المحايدة بحقوق تتمثل في‪ :‬احترام إقليم هذه الدولة‪ ،‬مواطنيها‪ ،‬سفنها‪ ،‬طائراتها حتى الحربية‬
‫منها وتجارتها وغيرها‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه ال يخل بالتزامات الحياد تمكين الدول األطقم الطبية من المرور بإقليمها أو توصيل‬
‫المساعدات حسب المادة ‪ 70‬ب‪ ،1.‬فهو التزام يقع على كل الدول المتعاقدة‪ ،‬كما نصت المادة على أن هذا ال‬
‫يعتبر تدخال في النزاع أو عمال غير ودي‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعريف الحرب‪:‬‬
‫يقصد بالحرب حسب د المجذوب‪ ":‬نضال مسلح بين فريقين متنازعين يستعمل فيهما كل فريق جميع ما لديه‬
‫من وسائل الدمار للدفاع عن مصالحه وحقوقه أو لفرض إرادته على الغير"‪.‬‬
‫كما يعرفها منتصر سعيد حمودة أنها‪ ":‬صراع مسلح بين طرفين‪ ،‬بهدف تغليب وجهة نظر سياسية أو تحقيق‬
‫أهداف اقتصادية أو عسكرية‪ ،‬وفقا للوسائل المنظمة بالقانون الدولي العام"‪.‬‬
‫تتنوع الحرب إلى‪ :‬الحرب البرية والتي تقع في أرض دولة واحدة أو أكثر‪ ،‬الحرب البحرية‪ ،‬عندما يقع العمل‬
‫الحربي في البحر حتى لو كان موجها للبر‪ ،‬أما الحرب الجوية‪ ،‬فهي التي يكون فيها العمل الحربي من خالل‬
‫الجو‪ ،‬وهي اليوم أكثر صور الحرب استعماال‪.‬‬
‫كما تمر الحرب بمراحل أوالها‪ :‬بداية الحرب‪ ،‬يشترط قانون الهاي أال تنشب الحرب إال بعد إعالن سابق‬
‫مبرر أو إنذار مع إعالن حرب بشروط‪ ،‬وقد تم االستغناء عن الشرط الحقا لقيام عدة حروب دونه‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬إدارة الحرب‪ ،‬بحيث تدور العمليات العدائية في أقاليم الدول المتحاربة إال أن التاريخ ّبين امتداد بعض‬
‫الحروب إلى الدول المحايدة كما حصل في الحرب العالمية الثانية حيث امتدت إلى مصر‪.‬‬
‫ال تنتهي الحرب إال بوقف العمليات العدائية نهائيا وعقد اتفاقيات سالم‪ ،‬ومن بعدها تنطلق العالقات الودية‬
‫ويعاد ربط العالقات الدبلوماسية وغيره‪ .‬أما الهدنة فهي وقف مؤقت وليست إنهاء للحرب مهما دامت مدتها‪ ،‬كما‬
‫ال ُيعد االحتالل حتى في ظل عدم وجود مقاومة إال امتدادا لحالة الحرب‪.‬‬
‫‪ -2‬النزاعات المسلحة الدولية المتعلقة بحروب التحرير‪:‬‬
‫يقصد بحركة التحرير‪":‬التنظيم السياسي أو العسكري الذي يناضل في سبيل حرية شعبه واستقالله من‬
‫السيطرة االستعمارية األجنبية"‪.‬‬
‫فقد ناضلت الدول المستعمرة لنيل استقاللها‪ ،‬وكذا لنيل االعتراف الدولي بها وبحق الشعوب في تقرير‬
‫مصيرها والمطالبة بتطبيق اتفاقيات جنيف على الحروب التي تخوضها هذه الشعوب وضرورة تمتعها بالحماية‬
‫القانونية المقررة للمدنيين والمقاتلين‪ ،‬في إطار نزاع مسلح دولي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫هذا األمر الذي مر بعدة مراحل لعل أن أول اعتراف بها كان في نص المادة األولى الفقرة الثانية من م‪.‬م‪.‬أ‪.‬م‬
‫المتعلقة بمبادئ األمم المتحدة‪ ،‬هذا ما أيدته الجمعية العامة في قرارها رقم ‪ 1415‬الصادر بتاريخ ‪ 14‬ديسمبر‬
‫‪ 1960‬حول منح االستقالل للبالد والشعوب المستعمرة‪ ،‬وكذا في ‪.1970‬‬
‫كانت إندونيسيا في مقدمة الدول التي حصلت على حق تقرير المصير سنة ‪ 1949‬من هولندا‪ ،‬وكذا الجزائر‬
‫في ‪ ،1962‬وتطالب الصحراء الغربية من خالل البوليساريو(حركة تحرير الصحراء الغربية) منذ سنوات المغرب‬
‫والمجتمع الدولي بهذا الحق الذي أصبح اليوم أصيال‪ ،‬هذا باإلضافة إلى فلسطين‪.‬‬
‫أما باستقراء اتفاقيات جنيف األربع فيالحظ خلوها من االعتراف بحروب التحرير كنزاعات مسلحة دولية إال‬
‫أن المادة ‪ 2/2‬المشتركة بين اتفاقيات جنيف األربع نصت على أنه‪ ":‬تنطبق االتفاقية أيضاً في جميع حاالت‬
‫االحتالل الجزئي أو الكلي إلقليم أحد األطراف السامية المتعاقدة‪ ،‬حتى لو لم يواجه هذا االحتالل مقاومة مسلحة"‪،‬‬
‫لم تأتي هذه المادة بالكثير فلم تبين تصنيف حالة االحتالل كنزاع دولي أو غير دولي‪ ،‬إال أنها بينت أن حالة‬
‫االحتالل يطبق عليها القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫أما االعتراف الصريح بحروب التحرير كنزاعات مسلحة دولية فلم يتأتى إال بالبروتوكول األول لسنة ‪1977‬‬
‫اإلضافي التفاقيات جنيف‪ ،‬وهو ما أكدت عليه المادة ‪ 4/1‬منه التي نصت بأنه‪ ":‬تتضمن األوضاع المشار إليها‬
‫في الفقرة السابقة‪ ،‬النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب بها ضد التسلط االستعماري واالحتالل األجنبي وضد‬
‫األنظمة العنصرية وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير‪ ،‬كما كرسه ميثاق األمم المتحدة واإلعالن‬
‫المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعالقات الودية بين الدول طبقا لميثاق األمم المتحدة"‪.‬‬
‫ُيفهم من المادة هذه نتيجتين أساسيين‪ :‬أن الق‪.‬د‪.‬إ ينطبق على النزاعات المسلحة المرتبطة بحروب التحرير‪،‬‬
‫وأن هذه األخيرة تُكيف على أنها نزاع مسلح دولي‪ .‬وهذا االعتراف المستحق للشعوب التي تناضل في سبيل تقرير‬
‫مصيرها‪ ،‬من شأنه التخفيف من وطأة الحرب على المدنيين خاصة‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه ال يطبق البروتوكول إال إذا كان طرفا النزاع أطرافا فيه‪ ،‬وهو ما يستدعي أن تودع‬
‫حركات التحرير إعالن انفرادي عمال بالمادة ‪ 3/96‬ب‪.‬ج‪ 1.‬التي تنص على أنه يجوز للسلطة الممثلة لشعب‬
‫مشتبك مع طرف سام متعاقد في نزاع مسلح من الطابع المشار إليه في الفقرة الرابعة من المادة األولى أن تتعهد‬
‫بتطبيق االتفاقيات وهذا اللحق "البروتوكول" فيما يتعلق بذلك النزاع‪ ،‬وذلك عن طريق توجيه إعالن انفرادي إلى‬
‫أمانة إيداع االتفاقيات‪ .‬ويكون لمثل هذا اإلعالن‪ ،‬إثر تسلم أمانة اإليداع له‪ ،‬اآلثار التالية فيما يتعلق بذلك النزاع‪:‬‬
‫تدخل االتفاقيات وهذا اللحق "البروتوكول" في حيز التطبيق بالنسبة للسلطة المذكورة بوصفها طرفا في النزاع‪،‬‬
‫وبأثر فوري‪ ،‬تمارس السلطة الحقوق وتتحمل االلتزامات المبينة في االتفاقيات والبروتوكول‪ .‬هذه األخيرة التي يلتزم‬
‫بها أطراف النزاع جميعا على حد سواء‪.‬‬
‫تعتبر هذه الفقرة األخيرة مهمة نظ ار ألن مثل هذه السلطات ال تتمتع بوصف الدولة‪ ،‬وبالتالي فإنها ال يمكن‬
‫أن تكون طرفا في اتفاقية دولية‪ ،‬ألنها تفتقر للشخصية القانونية الدولية‪ ،‬إال أن البروتوكول جاء باستثناء لصالح‬
‫منظمات التحرير إذ رخص لها االنضمام لالتفاقية واألهم أنه ساوى بينها وبين الدول المتعاقدة رغم تباينها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن السلطة الفلسطينية أعلنت انفراديا طبقا للمادة أعاله في ‪ 07‬جوان ‪ 1982‬التزامها‬
‫بتطبيق قواعد الق‪.‬د‪.‬إ إال أن هذا اإلعالن االنفرادي ال يؤدي إلى انطباق البروتوكول مباشرة‪ ،‬وانما يستدعي أن‬
‫يكون الطرف الثاني كذلك مصادقا على البروتوكول ذاته‪ ،‬وهذا ما تحجم عنه عمدا الدول المعنية كإسرائيل‬
‫والمغرب‪ ،‬فالمالحظ أن الدول تصادق على االتفاقيات التي ترى أنها لن تطبق عليها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬النزاع المسلح غير الدولي‪:‬‬
‫إذا كان تعريف النزاع المسلح الدولي بنوعيه قد استقر اليوم‪ ،‬بحيث ال يثير أية إشكاالت في التطبيق‪ ،‬فإن‬
‫النزاع المسلح غير الدولي ما زالت تعتريه العديد من نقاط االستفهام مردها صعوبة تكييف النزاع لصعوبة جمع‬
‫المعطيات في هذا النوع من النزاعات الذي يتميز بالرمادية‪.‬‬
‫‪ -1‬تعريف النزاع المسلح غير الدولي‪:‬‬
‫‪ -‬في إطار اتفاقيات جنيف األربع‪:‬‬
‫أخضعت اتفاقيات جنيف النزاع المسلح غير الدولي للحد األدنى من األحكام وقد أوردت في المادة الثالثة‬
‫المشتركة عبارة‪ ":‬النزاع المسلح الذي ليس له طابع دولي"‪ ،‬إال أن هذا ال يعتبر تكييف وال يكفي في ظل وجود‬
‫تقسيم ثالثي للنزاعات‪ ،‬ذلك أن بعض النزاعات تكيف على أنها داخلية‪.‬‬
‫كما اكتفت المادة ذاتها في مجال الحماية الشخصية المقررة في هذا النوع من النزاعات على تطبيق الحد‬
‫األدنى من القواعد اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -‬في إطار البروتوكول الثاني لسنة ‪ 1977‬المعني بالنزاعات المسلحة غير الدولية‪:‬‬
‫هذا البروتوكول جاء مخصصا لبيان أحكام الق‪.‬د‪.‬إ المطبقة في النزاعات المسلحة غير الدولية‪ ،‬التي تدور‬
‫على إقليم دولة طرف بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى ذات اتجاه ديني‬
‫أو قومي أو سياسي‪ ،‬من دون أن تتضمن عنص ار أجنبيا‪.‬‬
‫الفصل في أحكام الحماية القانونية المتعلقة بالنطاق الشخصي‪ ،‬هو ما كانت تفتقر له اتفاقيات جنيف‬
‫األربع‪ ،‬هذه الحماية التي تعتبر أكثر من ضرورية في النزاعات المسلحة غير الدولية لسببين‪ :‬األول هو أنها‬
‫تتميز بقسوتها على المدنيين فعادة ما يستهدفون من قبل الطائفة األخرى على شكل تصفية عرقية‪.‬‬
‫السبب الثاني هو أن أغلب الحروب اليوم ال تدور بين دولتين‪ ،‬وهو ما يجعل الق‪.‬د‪.‬إ غير ذي تطبيق‪ ،‬إال‬
‫إذا اعترف بالنزاعات المسلحة غير الدولية‪ ،‬وخصص لها األحكام المساوية في قيمتا للنزاعات الدولية‪.‬‬
‫الواقع أنه من الصعب تكييف الق‪.‬د‪.‬إ على الجماعات المسلحة ومتابعتهم في حال ارتكابهم لجرائم دولية ذلك‬
‫أنه عادة ما يكونون غير معروفين وال يلتزمون بالقانون‪.‬‬
‫لهذا كان لزاما وضع شروط تميز بين النزاع المسلح غير الدولي والنزاع الداخلي‪ ،‬وهي أن تكون القوات ذات‬
‫قيادة مسؤولة‪ ،‬تمارس سيطرة فعلية على جزء من اإلقليم‪ ،‬ويمكن لها القيام بعمليات عسكرية متواصلة‪ ،‬وتستطيع‬
‫تنفيذ أحكام البروتوكول(م ‪ 1‬ب ‪.)2‬‬
‫‪ -2‬أشكال النزاع المسلح غير الدولي‪ :‬نميز ثالثة أنواع‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫‪ -‬الحروب األهلية‪ :‬أكثر النزاعات المسلحة غير الدولية اليوم هي حروب أهلية‪ ،‬وهي أقسى الحروب وأفظعها‬
‫على المدنيين‪ ،‬ذلك أن كل طرف يسعي للتخلص من الطرف اآلخر وليس هزيمته فقط‪.‬‬
‫تعرف على أنها‪ ":‬نزاع عسكري مسلح يقع داخل الدولة الواحدة بين األفراد والدولة أو بين مجموعة من األفراد‬
‫ومجموعة أخرى أو بين قوات الدولية عندما يحصل تمرد أو عصيان مسلح وتتميز بطابعها الوطني حتى وان‬
‫كانت بتأييد أطراف أجنبية"‪.‬‬
‫ينطبق الق‪.‬د‪.‬إ على الحروب األهلية ألنه ال ينظر إلى أصل النزاع وسببه وانما إلى آثاره إلى اإلنسان‪ ،‬ومن‬
‫أمثلتها الحرب األهلية اللبنانية ‪ ،1990-1975‬والحرب األهلية الكورية ‪.1953-1950‬‬
‫‪ -‬الثورات الشعبية‪ :‬قامت العديد من دول العالم المتقدمة والنامية بثورات شعبية الغرض منها هو تغيير نظام‬
‫الحكم باتجاه معين‪ ،‬وهي تعريفا‪ ":‬قتال داخل الدولة تقوم به مجموعة من األشخاص يخرجون عن سلطة الدولة‬
‫ويقومون بالعمل المسلح ضد الحكومة القائمة دون أن يتمكنوا من تحقيق النصر لصالحهم ومن دون أن تتمكن‬
‫الحكومة من إخماد الثورة نهائيا مع استمرار الصراع بين الطرفين"‪.‬‬
‫فإذا فشلت الثورة يخضع الثوار للقانون الجنائي‪ ،‬واذا نجحت يعتبرون مقاتلين ويطبق عليهم الق‪.‬دإ‪ ،‬ومن أهم‬
‫أمثلة الثورات الشعبية نجد‪ :‬الثورة الفرنسية في سنة ‪ ،1799-1789‬والثورة المصرية في ‪.2011‬‬
‫‪ -‬العصيان العسكري‪ :‬هو انقالب عسكري لم يتحقق بشكل كامل‪ ،‬الفرق بينه وبين الحرب األهلية‪ ،‬هو قيام‬
‫قطاعات داخل الدولة بالتمرد على أوامرها‪ ،‬وعدم االستجابة لق ارراتها ومحاولة اإلطاحة بها‪ ،‬يقوم عليها قادة‬
‫عسكريين أو محافظي أقاليم‪ ،‬أي أشخاص كانوا جزء من الدولة‪ .‬ويتحقق العصيان عندما ينجح المتمردون‬
‫بالسيطرة على جزء من اإلقليم‪ ،‬أما العصيان الذي تتم اإلطاحة به في وقت قصير فال يخضع للق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬الحاالت التي ال يطبق فيها القانون الدولي اإلنساني‪ :‬وهي كل النزاعات الداخلية بأنواعها‪:‬‬
‫‪ -1‬االضطرابات الداخلية والتوترات السياسية‪ :‬هذا ما جاء في المادة األولى من البروتوكول اإلضافي الثاني‬
‫لسنة ‪ ،1977‬فهي ال تدخل في وصف النزاعات المسلحة حسب معايير الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬وقد عرفتها اللجنة الدولية‬
‫للصليب األحمر بأنها‪ ":‬تلك الحاالت التي ال تشكل نزاعا مسلحا غير دولي‪ ،‬تتضمن أعمال اعتداء مسلح متبادلة‬
‫بين جماعتين أو أكثر داخل إقليم الدولة‪ ،‬أو بين إحدى الجماعات المناهضة أو المعارضة وبين قوات األمن أو‬
‫الجيش التابعة للحكومة الشرعية‪ ،‬وان كانت ال ترقى إلى درجة الصراع المسلح من حيث الحجم أو الكثافة"‪.‬‬
‫فبعيدا عن النزاعات المسلحة غير الدولية هناك على الصعيد الداخلي مواجهات ذو طابع خطير وطويل‬
‫األمد ويتضمن أعمال عنف‪ ،‬يفهم مما سبق أن هذا النوع من النزاعات يفتقد لعنصر الديمومة والتنظيم‪ ،‬فإذا‬
‫ارتكبت الدولة أفعاال عدائية تجاه عرق معين‪ ،‬فإنه ال يعتبر نزاع مسلح غير دولي إال إذا استجاب للمعايير أعاله‪.‬‬
‫ومن بين أمثلته أحداث أكتوبر ‪ 1988‬في الجزائر‪.‬‬
‫‪ -2‬اإلرهاب وأعمال التخريب الداخليين‪ :‬هو كل األفعال التي يرتكبها أحد األفراد أو الجماعات المنظمة‬
‫بهدف نشر الرعب‪ ،‬وذلك باستخدام أو التهديد باستعمال وسائل قادرة على خلق حالة من الخطر العارم‪ ،‬أو‬
‫إحداث ضرر جسيم لتحقيق غاية معينة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫فرغم أن اإلرهاب آفة تضرب كل دول العالم اليوم من دون تفرقة بين مسلم ومسيحي ويهودي وعربي وغربي‪،‬‬
‫إال أنه ليس نزاعا مسلح غير دولي فهو جريمة دولية‪ ،‬تمس بحقوق اإلنسان األساسية بالنسبة للضحايا وتقيد‬
‫حقوق الباقين عندما تستعمل الدول التدابير االستثنائية لمكافحتها‪ .‬وبالتالي ال يطبق عليها الق‪.‬د‪.‬إ ألنه عمليا ال‬
‫يمكن لمثل هكذا جماعات وحشية أن تلتزم بقواعده‪ ،‬فلن تلتزم به داعش مثال‪.‬‬
‫كما تجدر اإلشارة إلى أن تكييف األحداث في الجزائر التي تلت إيقاف المسار االنتخابي سنة ‪ 1992‬وما‬
‫تاله من عنف‪ ،‬كان محل جدل حول تكييفه القانوني‪ ،‬فقد كاد أن ُيكيف على أنه حرب أهلية‪ ،‬نظ ار لكون اإلرهاب‬
‫مفهوم حديث آنذاك‪ ،‬ولم يتم االعتراف الدولي بجهود الجزائر في مكافحتها لإلرهاب إال بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‬
‫‪ ،2001‬وتفطن المجتمع الدولي للظاهرة الخطيرة على حقوق اإلنسان واستقرار الدول‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مصادر ومبادئ القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مصادر القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫تعتبر مصادر القانون الدولي اإلنساني التقليدية منحصرة في العرف واالتفاقيات الدولية‪ ،‬والواقع أنه ال يمكن‬
‫ترتيبهما على أساس القوة القانونية‪ ،‬نظ ار للتأثير المتبادل بين المصدرين‪ ،‬وألجل هذا يتبادالن الريادة‪ ،‬كما بدأت‬
‫تظهر مصادر أخرى في اطار الق‪.‬د‪.‬إ المعاصر‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المصادر االتفاقية للقانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫مر القانون الدولي اإلنساني من حيث تدوينه على مراحل عدة تشكلت أساسا من محطات أبرمت فيها‬
‫اتفاقيات مهمة يمكن تصنيفها إلى قانون جنيف وقانون الهاي‪:‬‬
‫أوال‪ -‬االتفاقيات المبرمة في إطار قانون جنيف‪:‬‬
‫‪ -1‬اتفاقية جنيف لسنة ‪ 1864‬المتعلقة بتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان‪ :‬عقد مؤتمر دولي دعت‬
‫إليه اللجنة الدولية إلغاثة الجرحى ودعمتها حكومة سويسرا‪ ،‬وانجر عنه اعتماد االتفاقية التي تضمنت ‪ 10‬مواد‪،‬‬
‫تعلقت أساسا بـ‪ :‬حياد األجهزة الصحية ووسائل النقل الصحي‪ ،‬واحترام المتطوعين المدنيين‪ ،‬وحمل شارة خاصة‬
‫هي صليب أحمر على رقعة بيضاء‪ .‬طبقت هذه األحكام في السنة الموالية باحتدام الحرب النمساوية البروسية‬
‫سنة ‪ ،1866‬حيث اشتركت جمعيات الصليب األحمر في أعمال اإلغاثة رغم أن النمسا لم تكن طرفا‪ .‬وألنها لم‬
‫تشمل ضحايا الحرب البحرية تمت مالءمتها في مؤتمر الهاي األول للسالم ‪.1899‬‬
‫‪ -2‬اتفاقية جنيف لسنة ‪ 1906‬الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان‪ :‬تعتبر متممة‬
‫لالتفاقية األولى بلغ عدد موادها ‪ ،33‬توسعت لتشمل حماية المرضى‪ ،‬كما شملت هذه االتفاقية شرط المعاملة‬
‫بالمثل‪ ،‬الذي يقضي بأال تطبق االتفاقية إال إذا كانت كل الدول المتحاربة مصادقة عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬اتفاقيتا جنيف المبرمتين ‪ 27‬جويلية ‪ :1929‬طورت الحرب العالمية األولى اتفاقية ‪ 1906‬من خاللهما‪:‬‬
‫‪ -4‬اتفاقية جنيف المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان‪ :‬هي صيغة جديدة التفاقية‬
‫‪ ،1906‬ضمت ‪ 39‬مادة‪ ،‬وألغت شرط المعاملة بالمثل أو المشاركة الجماعية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫‪ -5‬اتفاقية جنيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب‪ :‬ضمت ‪ 77‬مادة‪ ،‬وهي تعد تطور ملفت في ذلك الحين‪،‬‬
‫باعتبار أن مسألة األسرى بالغة التعقيد وذلك لغاية اليوم‪ ،‬فقبل إبرامها لم تطبق على األسير إال القواعد العرفية أو‬
‫القواعد الموضوعة من خالل االتفاقيات الثنائية‪.‬‬
‫‪ -6‬اتفاقيات جنيف األربع المبرمة في ‪ 12‬أوت ‪:1949‬‬
‫تمخض المؤتمر الذي دعت له الحكومة السويسرية سنة ‪ 1949‬إلى إبرام أربع اتفاقيات‪ ،‬تشكل حجر الزاوية‬
‫في الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬وهي المطبقة حاليا على النزاعات المسلحة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬اتفاقية جنيف األولى لتحسين حال الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة في الميدان‪ ،‬ضمت ‪ 64‬مادة‪.‬‬
‫‪-‬اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار‪ ،‬تضمنت ‪ 63‬مادة‪.‬‬
‫‪-‬اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب‪ ،‬تضمنت ‪ 143‬مادة‪.‬‬
‫‪-‬اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية األشخاص المدنيين في وقت الحرب‪ ،‬تضمن ‪ 159‬مادة‪.‬‬
‫هذه االتفاقيات عالجت مسألة ضحايا الحرب البرية والبحرية‪ ،‬وطورت القواعد القانونية التي جاءت بها اتفاقية‬
‫‪ ،1929‬كما اهتمت بضحايا النزاعات المسلحة الداخلية بعدما وقفت قواعد اتفاقية ‪ 1929‬عاجزة أمام الحرب‬
‫األهلية اإلسبانية ألنها لم تعرف الحروب الداخلية‪ ،‬باإلضافة إلى أنها عالجت وضعية حماية المدنيين تحت‬
‫االحتالل وزمن الحرب‪ُ ،‬يعبر هذا التطور على فهم الدول للدروس التي تمخضت على النزاعات السابقة‪.‬‬
‫‪ -7‬البروتوكوالت اإلضافية الملحقة التفاقيات جنيف األربع‪:‬‬
‫‪ -‬البروتوكولين اإلضافيين التفاقيات جنيف األربع المعتمدين في ‪ 08‬جوان ‪:1977‬‬
‫*البرتوكول اإلضافي األول الملحق باتفاقيات جنيف ‪ 1949‬والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة‬
‫الدولية‪ :‬ضم ‪ 102‬مادة‪ ،‬وملحق واحد تضمن الالئحة المتعلقة بتحقيق الهوية‪.‬‬
‫*البرتوكول اإلضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف ‪ 1949‬والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير‬
‫الدولية‪ :‬تميز بقلة مواده إذ تضمن ‪ 28‬مادة فقط‪ ،‬رغم نوعية الحماية التي جاء بها‪ ،‬كما ارفق بعدة ق اررات مهمة‪.‬‬
‫‪ -‬البروتوكول اإلضافي الثالث التفاقيات جنيف‪ ،‬بشأن اعتماد شارة مميزة إضافية المعتمد في ‪ 08‬ديسمبر‬
‫‪ :2005‬يضيف شارة جديدة وهي مربع أحمر قائم على حده وأرضيته بيضاء‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬االتفاقيات الدولية المبرمة في إطار قانون الهاي‪:‬‬
‫‪ -1‬مؤتمر الهاي الدولي األول للسالم المنعقد في ‪ 29‬جويلية ‪ :1899‬دعت له روسيا وتمخضت عنه عدة‬
‫وثائق منها‪ :‬اتفاقية حل النزاعات بالطرق السلمية‪ ،‬واتفاقية الهاي األولى لقوانين وأعراف الحرب البرية‪ ،‬وألحقت‬
‫بها الئحة الحرب البرية‪ ،‬إلى جانب إبرام اتفاقية تطبيق المبادئ اإلنسانية على الحرب البحرية‪.‬‬
‫‪ -2‬مؤتمر الهاي الثاني للسالم المنعقد في ‪ 18‬أكتوبر ‪ :1907‬انعقد بدعوة من أمريكا وانجر عنه إبرام ثالثة‬
‫عشر اتفاقية أهمها اتفاقية الهاي الرابعة المعنونة قوانين وأعراف الحرب البرية‪.‬‬
‫‪ -3‬هذا باإلضافة إلى كل االتفاقيات الدولية الخاصة بحظر أو تقييد استخدام أسلحة معينة‪ ،‬أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬اتفاقية حظر استعمال األسلحة البيولوجية والجرثومية لسنة ‪.1982‬‬

‫‪11‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫‪ -‬اتفاقية حظر استحداث األسلحة الكيمائية وانتاجها وخزنها واستعمالها وتدمير تلك األسلحة لسنة ‪.1993‬‬
‫‪ -‬اتفاقية حظر واستعمال وتخزين ونقل األلغام المضادة لألفراد وتدميرها أوسلو ‪.1997‬‬
‫جاء قانون الهاي بالعديد من األحكام المتعلقة بتقييد وسائل استعمال القوة وقصرها على المقاتلين فقط‪،‬‬
‫كحظر‪ :‬استعمال السم‪ ،‬واألسلحة المسممة‪ ،‬وقتل من ألقى سالحه ونحو ذلك‪ ،‬فقانون الهاي هو القانون الذي‬
‫يبين القواعد الخاصة بأساليب ووسائل القتال‪ .‬في حين تتعلق اتفاقيات جنيف بحماية األشخاص المدنيين‬
‫والعسكريين واألعيان المدنية أي حماية ضحايا النزاعات بصفة عامة‪ ،‬وهذا هو الفرق بين قانون الهاي وجنيف‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬العرف كمصدر للقانون الدولي اإلنساني أو القانون الدولي اإلنساني العرفي‪:‬‬
‫‪ -1‬أسباب اللجوء إلى القانون الدولي اإلنساني العرفي‪:‬‬
‫رغم إقرار عدة اتفاقيات متعلقة بالق‪.‬د‪.‬إ إال أنه تم تسجيل العديد من االنتهاكات التي كان يمكن تفاديها لو‬
‫تم احترامه‪ ،‬عدم االحترام ال يرجع إلى ضعف في قواعده وانما لعدم رغبة الدول في االلتزام بها‪ ،‬إلى جانب‬
‫ضعف الوسائل الكفيلة بتنفيذه‪ ،‬لذا وصل الفقهاء إلى نتيجة مهمة فحواها أنه ال طائل من إقرار قواعد أخرى‪ ،‬وانما‬
‫يكفي فقط تفعيل القواعد السارية النفاذ‪.‬‬
‫هذا ما أدى إلى التفكير في إقرار القواعد العرفية للق‪.‬د‪.‬إ المطبقة في النزاعات الدولية وغير الدولية في‬
‫‪ 2005‬تحت عنوان الق‪.‬د‪.‬إ العرفي‪ ،‬بعد أن كان غائبا على جدول أعمال اللجنة الدولية للصليب األحمر‪،‬‬
‫الغرض منها التغلب على بعض إشكاالت القانون الدولي اإلنساني التعاهدي(االتفاقي)‪ ،‬فرغم عدد االتفاقيات ذات‬
‫الصلة‪ ،‬إال أنه يالحظ وجود عائقين خطيرين لتطبيقها في المنازعات المسلحة الحالية وهما‪:‬‬
‫‪ -‬تنطبق المعاهدات على الدول التي صادقت عليها فقط‪ ،‬كما أن الدول التي تكون معنية بالنزاعات أصال ال‬
‫تصادق عن قصد لتفادي انطباقها عليها‪.‬‬
‫‪ -‬ال ينظم الق‪.‬د‪.‬إ بطريقة مفصلة نسبة كبيرة من النزاعات المسلحة‪ ،‬وهي النزاعات المسلحة غير الدولية‪،‬‬
‫فالبروتوكول اإلضافي األول المتعلق بالنزاعات الدولية يتضمن أكثر من ‪ 102‬مادة‪ ،‬أما البروتوكول اإلضافي‬
‫الثاني المتعلق بالنزاعات غير الدولية فيتضمن ‪ 28‬مادة‪ .‬وهنا تكمن أهمية الق‪.‬د‪.‬إ العرفي‪ ،‬فعندما ال تجد‬
‫المحاكم الدولية قاعدة مكتوبة قابلة للتطبيق على النزاع‪ ،‬فإنها تلجأ إلى القواعد العرفية‪ ،‬وهذا ما تبناه النظام‬
‫األساسي للمحكمة الجنائية ليوغسالفيا السابقة‪ ،‬والتي تقر باختصاصها في حال انتهاك‪" :‬قوانين وأعراف الحرب"‪.‬‬
‫‪ -2‬شروط قيام القاعدة العرفية الدولية في إطار القانون الدولي‪:‬‬
‫حسب النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية فإن العرف هو‪ ":‬العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون‬
‫دل عليه تواتر االستعمال"‪ ،‬وهو ما يتطلب وجود عنصرين هما‪ :‬ممارسة الدول واالعتقاد بأن هذه الممارسة‬
‫مطلوبة أو محظورة‪ ،‬تبعا لطبيعة القاعدة(الضرورة تصبح اعتقادا قانونيا‪ ،‬وهو ما اتجهت له محكمة العدل الدولية‬
‫في قضية الجرف القاري فقد توصلت إلى أنه‪ ":‬من البديهي أن ُيبحث عن مادة القانون الدولي العرفي في المقام‬
‫األول في الممارسة الحقيقة واالعتقاد القانوني للدول"‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫ففيما يخص الممارسات فإنه يجب النظر إليها من زاويتين‪ :‬األولى تتعلق بالممارسات التي تسهم في إنشاء‬
‫الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬وهل هذه الممارسات تكرس قاعدة في القانون الدولي اإلنساني العرفي؟‪.‬‬
‫يقصد بالممارسات األفعال المادية واللفظية للدول كـ‪ :‬السلوك على أرض المعركة‪ ،‬استخدام أسلحة معينة‪،‬‬
‫التعليمات المعطاة للقوات‪ ،‬كتيبات التعليمات العسكرية‪ ،‬أما ق اررات المحاكم الدولية فهي مصدر منفصل قائم‬
‫بذاته‪ ،‬إال أنه يعتبر دليال كافيا لوجود قاعدة عرفية‪ ،‬في حين ال تشكل جماعات المعارضة قواعدا معينة‪.‬‬
‫من ثم يجب تقييم الممارسات ووزنها من حيث ما إذا كانت كثيفة بما يكفي إلنشاء قاعدة دولية عرفية‪ ،‬إذ‬
‫يجب أن تكون الممارسة منتظمة غير متناقضة‪ ،‬إال أن االنتهاكات التي تصحبها اعتذارات أو تبريرات وتنديدات‬
‫من الدول األخرى تعتبر هي كذلك قاعدة عرفية‪.‬‬
‫يشترط كذلك أن تكون الممارسة منتشرة عالمية ومتماثلة‪ ،‬األمر ال يتطلب عددا معينا‪ ،‬مع التنويه إلى أن‬
‫محكمة العدل الدولية في قضية الجرف القاري لبحر الشمال توصلت إلى أن األمر يتعلق بـ‪ ":‬ممارسات الدول‬
‫المتأثرة بشكل خاص"‪ .‬على سبيل المثال إذا ما تحدثنا عن مشروعية استخدام األسلحة الليزر المسببة للعمى‪،‬‬
‫فالممارسة تتطلب غالبية الدول التي تستعمل هذا السالح‪ ،‬ولو كانوا ثالثة‪.‬‬
‫علما أن الدول يمكن لها المطالبة بتطبيق الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬رغم أنها ليس لها مصلحة‪ ،‬ولو لم تكن طرفا في النزاع‪.‬‬
‫كما ال يمكن القول بوجود إطار زمني معين لنشوء القاعدة العرفية‪ ،‬ذلك أن العامل الحاسم هو تراكم الممارسة‬
‫الفعالة‪ ،‬إذ يمكن في ‪ 5‬سنوات توافر ‪ 10‬ممارسات فعلية‪ ،‬وهذا يكفي في إطار ما يسمى بالعرف المتوحش‪.‬‬
‫الركن الثاني هو االعتقاد القانوني‪ ،‬أو الشعور بإلزامية القيام بالفعل أو االمتناع‪ ،‬وأن الممارسة من قبل‬
‫الدول تنفذ كأنها قانون‪ .‬للعلم أنه عادة ما يصعب فصل الركنين عن بعضهما فكل ممارس يستدعي أن يشعر‬
‫بإلزامية عمله وهذا هو سبب قيامه به‪.‬‬
‫من جهة أخرى تجدر اإلشارة إلى العالقة بين القواعد العرفية والقواعد االتفاقية‪ ،‬قد استقر في الفقه اليوم أن‬
‫بعض القواعد االتفاقية خاصة تلك التي القت عدد مصادقات كبير يصل إلى عدد الدول القائمة اليوم تقريبا‪،‬‬
‫تشير إلى الطابع العرفي للقاعدة كمبدأ عدم التدخل‪ ،‬فقد أضافت المحكمة في القضية أعاله‪ ":‬قد يكون لالتفاقيات‬
‫المتعددة األطراف دور هام في تسجيل وتعريف القواعد المشتقة من العرف‪ ،‬أو في الواقع في تطوير تلك القواعد"‪.‬‬
‫ذلك أن المعاهدة قد تقنن قاعدة عرفية قائمة"‪.‬‬
‫منه يمكن أن نتصور وجود قاعدة عرفية لم يتم تقنينها‪ ،‬وقاعدة عرفية األصل تم تقنينها‪ ،‬وقاعدة اتفاقية‬
‫لقبولها الواسع تعتبر عرفية في الوقت ذاته‪.‬‬
‫من القواعد ذات الطابع اإلنساني العرفي نجد‪ :‬مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين واألهداف المدنية‪ ،‬حظر‬
‫الهجمات العشوائية‪ ،‬حظر االستخدام الغادر للشارات‪ ،‬حماية الوحدات الطبية‪ ،‬حظر استخدام األسلحة التي تسبب‬
‫إصابات مفرطة أو آالم ال مبرر لها‪ ،‬ومبدأ أن كل طرف في النزاع عليه أن يضمن احترام قواته للق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬مصادر القانون الدولي اإلنساني المستحدثة‪:‬‬
‫‪ -1‬ق اررات المنظمات الدولية‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫على رأسها منظمة األمم المتحدة التي تعتبر ق ارراتها نواة التدخل الدولي اإلنساني‪ ،‬في إطار ما أصبح يسمى‬
‫بقانون نيويورك‪ ،‬وهو يعد أساس للق‪.‬د‪.‬إ المعاصر‪.‬‬
‫من بين القرارات اإلطار المتعلقة بالق‪.‬د‪.‬إ نجد قرار الجمعية العامة رقم ‪ 129/43‬الصادر في ‪1988‬‬
‫المتعلق بالنظام اإلنساني الدولي الجديد والذي جاء فيه بضرورة تثمين عمل الوكاالت المتخصصة فيما يتعلق‬
‫بالقضايا اإلنسانية وتعزيز االستجابة الدولية للمنظمات الحكومية وغير الحكومية بهدف تخفيف المعاناة اإلنسانية‪.‬‬
‫هذا القرار تبعه ق ار ارن مهمين تفسيريين‪ :‬القرار ‪ 130/43‬المتعلق بترقية التعاون الدولي في المجال اإلنساني‪،‬‬
‫والقرار رقم ‪ 131/43‬المتعلق بالمساعدة اإلنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية والحاالت االستعجالية من النوع‬
‫نفسه‪ ،‬المكمل بالقرار هو القرار رقم ‪ 100/45‬الصادر في ‪ 14‬ديسمبر ‪ 1990‬المتعلق بالموضوع نفسه الذي‬
‫جاء بفكرة فتح المنافذ االستعجالية اإلنسانية‪.‬‬
‫كما يلعب مجلس األمن دو ار هاما في تأمين حماية المدنيين في النزاعات المسلحة بالتوازي مع جهود إلنهاء‬
‫النزاع من بين أهم ق ارراته نذكر القرار رقم ‪ 770‬الصادر في ‪ 14‬أوت ‪ 1992‬والذي ُيرخص باستعمال القوة‬
‫إليصال مساعدات إنسانية للبوسنة والهرسك‪ ،‬كما استحدث قرار الجمعية العامة رقم ‪ 764‬لسنة ‪ 1992‬الخاص‬
‫بالوضع في البوسنة والهرسك إنشاء ممرات آمنة تحت رقابة القوة األممية لضمان الحركة اآلمنة للمعونات‬
‫اإلنسانية والموظفين العاملين عليها‪.‬‬
‫هذا إضافة إلى العديد من الق اررات الصادرة عن المنظمات الدولية اإلقليمية‪ ،‬فان مجمل هذه النصوص‬
‫جاءت بمفاهيم متطورة في الق‪.‬د‪.‬إ أهمها الترخيص بالتدخل اإلنساني في حاالت االنتهاكات الجسيمة للق‪.‬د‪.‬إ‪،‬‬
‫وبذلك أصبحت ق اررات المنظمات الدولية اليوم من المصادر المعاصرة للق‪.‬د‪.‬إ نظ ار لقدرتها على تحديثه وتطويره‪.‬‬
‫‪ -2‬الق اررات واآلراء االستشارية للمحاكم الدولية المتعلقة بالقانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫تعتبر مصادرا‪ ،‬إذ يوجد اليوم اجتهاد في الق‪.‬د‪.‬إ فمجموع األحكام الصادرة عن مختلف الجهات القضائية‬
‫ذات الصلة‪ ،‬أصبحت تعد مصد ار كسوابق قضائية يمكن للمحاكم الرجوع إليها إذا ما وجد فراغ في القانون‪.‬‬
‫من بين أهم هذه األحكام أحكام محكمة العدل الدولية ومنها‪ :‬حكمها في قضية مضيق كورفو(المملكة‬
‫المتحدة ضد ألبانيا) الصادر في ‪ 09‬أفريل ‪ ،1949‬والذي جاء فيه أن أعضاء األمم المتحدة يجب أن يمتنعوا في‬
‫عالقاتهم عن التهديد أو استعمال القوة‪ ،‬وكذا حكم محكمة العدل الدولية فيما يخص قضية األنشطة العسكرية‬
‫وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها(نيكاراغوا ضد و‪.‬م‪.‬أ) الصادر في ‪ 27‬جوان ‪ 1986‬حيث جاءت المحكمة‬
‫بالطابع العرفي للق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬باإلضافة لحكم محكمة العدل الدولية في قضية تطبيق اتفاقية منع جريمة اإلبادة‬
‫الجماعية والمعاقبة عليها(البوسنة والهرسك ضد يوغسالفيا) الصادر في ‪ 08‬أفريل ‪ 1993‬و ‪ 17‬ديسمبر ‪1997‬‬
‫في ‪ 11‬جويلية ‪.1996‬‬
‫أخي ار ال أري االستشاري لمحكمة العدل الدولية حول مشروعية استخدام دولة ما لألسلحة النووية في نزاع مسلح‬
‫الصادر ‪ ،1996‬أين استعملت المحكمة عبارة المبادئ األساسية للقانون الدولي اإلنساني واعتبرت أن إيصال‬
‫المساعدات للمدنيين مهما كانت توجهاتهم السياسية ال يمكن أن يعتبر بأي حال من األحوال تدخل غير مشروع‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مبادئ القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬


‫تعتبر مبادئ القانون الدولي المستمدة من النزعة اإلنسانية‪ ،‬الحد األدنى الذي يجب أن ينطبق في كل‬
‫الحاالت ومنها حاالت النزاعات المسلحة في أسوا ظروفها‪ ،‬هذا ما أكد عليه إعالن سان بيترسبورغ لسنة ‪،1868‬‬
‫الذي يشكل الخطوة األولى في مسيرة قانون الهاي الذي جاء فيه أن‪“ :‬تقدم الحضارة يجب أي يؤدي إلى التخفيف‬
‫قدر اإلمكان من ويالت الحرب وأن الهدف الوحيد المشروع الذي على الدول أن تسعى إليه أثناء الحرب هو‬
‫إضعاف القوات العسكرية للعدو”‪.‬‬
‫يستخلص من هذا اإلعالن عدة مبادئ رئيسية وأخرى فرعية‪ ،‬تنتمي إلى قانون جنيف والهاي‪ ،‬ومنها‬
‫المشتركة والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ .‬وقد اختلف الفقهاء في بيانها فمنهم من يوسع ومن يضيق فيها‪ ،‬لذا‬
‫سيتم الرجوع إلى أهمها فقط‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مبدأ اإلنسانية‪ :‬من أهم االلتزامات التي تترتب عنه‪:‬‬
‫‪-‬حظر قتل أو إصابة أحد أفراد قوات العدو الذي يكون عاج از عن القتال‪.‬‬
‫‪-‬يحق للمقاتلين والمدنيين الواقعين تحت سلطة الطرف الخصم أن تحترم أرواحهم‪ ،‬وكرامتهم وحقوقهم ومعتقداتهم‪.‬‬
‫‪ -‬يحق لكل فرد االستفادة من الضمانات القضائية األساسية‪ ،‬وال يعد مسؤوال عن عمل لم يرتكبه‪.‬‬
‫‪-‬حصانة الذات البشرية‪ ،‬فليست الحرب مبر ار لالعتداء على حياة من ال يشاركوا أو لم يعودوا قادرين على القتال‪.‬‬
‫‪-‬منع التعذيب بشتى أنواعه‪ ،‬ويتعين على الطرف الذي يحتجز رعايا العدو أن يطلب منهم فقط هويتهم‪.‬‬
‫‪-‬عدم التمييز في المساعدة والعالج ومختلف الخدمات والمعاملة بصورة عامة تقدم للجميع دون فرق‪.‬‬
‫‪-‬حظر استغالل المدنيين أو استخدامهم كدروع بشرية لحماية أهداف عسكرية وحظر العقوبات الجماعية‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مبدأ الضرورة العسكرية‪:‬‬
‫تتقاتل الجيوش وفقا لمخططات مدروسة واستراتيجيات‪ ،‬إال أنه ال يمكن لهذه المخططات أن تخالف قواعد‬
‫الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬ولضمان احترامها‪ ،‬فإن عددا من الدول تتطلب توقيع المستشار القانوني قبل توقيع القائد‪.‬‬
‫إال أنه في بعض األحيان تفرض معطيات القتال تعديل الخطة أو إجراء تدابير طارئة‪ ،‬يتخذها القائد المحلي‬
‫من دون الرجوع إلى السلطات العليا‪ ،‬كقصف جسر لمنع القوات من المرور أو قصف موقع مدني به عسكريين‬
‫شرعت الضرورة العسكرية وجعلتها مبر ار لبعض االنتهاكات‬ ‫مختبئين‪ ،‬هذا المبدأ اعتمدته اتفاقيات جنيف التي ّ‬
‫الجسيمة‪ ،‬إذ أشارت المادة ‪ 50‬ج‪ 1.‬المشتركة أن‪":‬المخالفات الجسيمة‪..‬تتضمن أحد األفعال التالية‪...‬ال تبرره‬
‫الضرورات الحربية‪ ،‬وبطريقة غير مشروعة وتعسفية"‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬التمييز بين المدنيين والعسكريين واألعيان المدنية‪ :‬على أطراف النزاع التمييز في كافة األوقات بين‬
‫السكان المدنيين والمقاتلين‪ ،‬من أجل الحفاظ على حياة المدنيين والممتلكات المدنية‪ .‬وال يجوز أن يكون السكان‬
‫المدنيون عرضة لالعتداء‪ ،‬فالهجوم يجب أن يقتصر على القوات العسكرية بما في ذلك المقاتلين والمنشآت التي‬
‫تساهم في تحقيق هدف عسكري‪ ،‬لكن الخسائر العرضية بين المدنيين ال تعتبر خرقا للق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬مبدأ معادلة التناسب‪ :‬يقصد به العمل على إيجاد التناسب بين تحقيق النصر في الحرب‪ ،‬وهو الهدف‬
‫الذي يرجوه الطرفين المقاتلين‪ ،‬وضرورة األخذ بعين االعتبار احترام الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬يقضي هذا المبدأ بضرورة المعادلة‬
‫بين األضرار التي ستتسبب فيها العملية العسكرية بمقابل النتائج التي سيضفر بها الطرف‪ ،‬فإذا كانت الخسائر‬
‫أكبر من الميزة العسكرية فهو يعد هدف غير مشروع‪ ،‬كما يشترط اتخاذ ما يلزم من التدابير االحتياطية أثناء‬
‫العمليات العدائية‪ :‬كالسيطرة التامة على المرؤوسين‪ ،‬االقتصار على العمليات الالزمة لقهر العدو‪ ،‬عدم جواز‬
‫األمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة‪ ،‬حظر الهجمات العشوائية‪ ،‬مبدأ االحتياط عند توجيه الضربات للتقليل من‬
‫األضرار بين المدنيين واألهداف المحمية‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬مبدأ حظر اللجوء إلى الغدر واالنتقام أثناء القتال‪ :‬ليس أطراف القتال أح ار ار في اختيار أساليب الحرب‪،‬‬
‫حرمت اتفاقيات جنيف استعمال الغدر‪ ،‬وهو ما يختلف حتما عن الحيل‬ ‫إذ يكون على الطرفين القتال بشرف‪ ،‬لذا ّ‬
‫الحربية التي تعد مشروعة فالحرب خدعة‪ ،‬كالهجوم المفاجئ أو تعمد نقل المعلومات الخاطئة‪.‬‬
‫أما أساليب الحرب الممنوعة فهي الغدر والخداع باستعمال الشارات المحمية‪ ،‬أو التقدم برفع الراية البيضاء ثم‬
‫الهجوم‪ ،‬أو عدم ارتداء الزي العسكري والتخفي كمدني لمخادعة العدو‪ ،‬واعطاء األمان لالستسالم ومن ثم الغدر‪.‬‬
‫كما يحظر االنتقام ويعتبر من أساليب الحرب الممنوعة‪ ،‬وتعرف األعمال االنتقامية حسب معهد القانون‬
‫الدولي بأنها‪ ":‬تدابير قسرية مخالفة للقواعد العادية لقانون الشعوب‪ ،‬تتخذها دولة ردا على األفعال غير مشروعة‬
‫ارتكبتها في حقها دولة أخرى‪ ،‬وتستهدف فرض احترام القانون على هذه الدولة عن طريق الحاق ضرر معين بها"‪.‬‬
‫فإذا استهدف مدنيون تابعون للدولة‪ ،‬فال يحق لها أن تستهدف مدنيي الطرف المقابل لالنتقام‪ ،‬كما ُيحظر‬
‫االنتقام من كل األشخاص المحميين كالمدنيين واألسرى‪ ،‬وحتى األعيان المدنية‪ ،‬وفقا للبرتوكول األول‪ ،‬واتفاقية‬
‫ج‪ 3.‬التي جاء فيها‪":‬وتحظر تدابير االقتصاص من أسرى الحرب"‪.‬‬
‫سادسا‪ -‬شرط أو مبدأ مارتنز‪ :‬فريديرك دي مارتنز هو فقيه قانوني روسي لعب دور هام في صياغة إعالن سان‬
‫بيترسبورغ وفقا لهذا المبدأ "يظل المدنيون والمقاتلون في الحاالت غير المنصوص عليها في االتفاقيات الدولية‪،‬‬
‫تحت حماية القانون العرفي والمبادئ اإلنسانية وما يمليه الضمير العام"‪ ،‬ولقد نصت على هذا المبدأ عدة‬
‫اتفاقيات‪ .‬كما اعتمدت محكمة نورمبورغ هذا المبدأ عند البت في قضايا كبار مجرمي الحرب العالمية الثانية‪.‬‬
‫يستشف واضحا اإلجماع حول المبدأ الذي يقضي بأن كل األشخاص واألماكن التي ال توجد قاعدة اتفاقية‬
‫تقضي بحمايتها‪ ،‬تطبق عليها القواعد العرفية ومبادئ اإلنسانية‪ ،‬وبالتالي يتوجب على األطراف المتنازعة تطبيق‬
‫الحد األدنى للحماية‪ ،‬تطبيقا لمبدأ الشك يفسر لصالح الشخص أو الشيء المحمي‪.‬‬
‫سابعا‪ -‬مبدأ حظر استخدام بعض أنواع األسلحة في الحرب‪ :‬ال يكون ألطراف النزاع وأفراد قواتها المسلحة خيار‬
‫غير محدود بالنسبة ألساليب الحرب‪ ،‬فاألمر ذاته يصدق على وسائل الحرب‪ ،‬إذ يحظر الق‪.‬د‪.‬إ استخدام األسلحة‬
‫التي تسبب خسائر غير ضرورية أو معاناة مفرطة‪.‬‬
‫فالعالقة بين توافر األسلحة بين المدنيين وانتهاكات حقوق اإلنسان طردية‪ ،‬هذا ما يعكسه ارتفاع معدالت‬
‫الجريمة في المناطق التي ترتفع فيها معدالت توافر األسلحة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫لهذا هناك عدة جهود للحد من توافرها حيث طرحت مسألة التجارة الدولية للسالح على جدول أعمال األمم‬
‫المتحدة ألول مرة في ‪ 1962‬وبقيت موضوعا محرما للـ ‪ 20‬سنة الموالية‪ ،‬قبل أن تبرم أولى االتفاقيات حول الحد‬
‫من اآلثار السلبية للسالح من حيث التجارة واالستعمال في الحروب‪.‬‬
‫كما يحظر كل سالح بطبيعته إذا نتج عن استخدامه أي من النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ ‬أن يكون عشوائي األثر بحيث ال يمكن توجيهه إلى هدف معين بدقة‪.‬‬
‫‪ ‬أن يحدث أض ار ار جسيمة وآالما ال مبرر لها‪.‬‬
‫‪ ‬أن يلحق بالبيئة الطبيعية أض ار ار بالغة االنتشار وطويلة األمد‪.‬‬
‫كما يمكن القول أن الق‪ .‬د‪.‬إ قد تعامل مع األسلحة بمنهجين يقضي األول بتحريمها‪ ،‬أما الثاني فيقيد من‬
‫استعمالها مثل البروتوكول الثالث التفاقية ‪ 1980‬الخاص بحظر أو تقييد استخدام األسلحة المحرقة‪.‬‬
‫وقد ثار الجدل حول القنابل العنقودية خاصة في الحروب ضد فلسطين وهي تدخل في األسلحة المقيدة‬
‫االستعمال وليست المحضورة‪ ،‬بشرط أال تستعمل في مواجهة المدنيين‪ ،‬بل ضد العسكريين والمنشآت العسكرية‪.‬‬
‫يجب اإلشارة إلى أن مبدأ القياس في تحريم األسلحة ال يعكس الواقع الدولي لألسف‪ ،‬فعندما عرضت على‬
‫محكمة العدل الدولية قضية مشروعية استعمال األسلحة النووية‪ ،‬ورغم أن كل شروط الحظر السالفة الذكر تتوافر‬
‫فيها‪ ،‬إال أن المحكمة توصلت إلى أنه ال يوجد ما يمنع الدولة التي تكون مهددة في وجودها من استعماله‪.‬‬
‫هذا ما يصدق كذلك على سالح النابالم‪ ،‬والقنابل المسمارية وغيرها التي لم يتوفق المجتمع الدولي إلى‬
‫تحريمها‪ ،‬كما ال تنفك تظهر أسلحة تدمير جديدة سهلة الحمل واالستخدام وشديدة النتائج‪ .‬والواقع أن البروتوكول‬
‫الرابع التفاقية األسلحة التقليدية ‪ 1980‬الخاص بحظر استخدام أسلحة الليزر المعمية هو الوحيد الذي تم حظره‬
‫قبل استعماله الفعلي‪ ،‬بفضل جهود ل‪.‬د‪.‬ص‪.‬أ الحارس على تطبيق الق‪ .‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬حماية المدنيين واألعيان المدنية خالل النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬حماية المدنيين خالل النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫تكلفة الحرب المعاصرة والتي أصبحت أساسا حروبا جوية تستخدم فيها التكنولوجيات المتطورة(الطائرة من‬
‫دون طيار مثال)‪ ،‬أصبحت فاتورتها من المدنيين تقارب ‪ 90‬بالمئة جلهم من النساء واألطفال‪.‬‬
‫لذا فإن الفئة التي تستوجب الحماية هي العزل من المدنيين ممن ال قدرة لهم على القتال وال يقومون بعمل‬
‫عدائي‪ ،‬وبالتالي يقع على الجانبين عدم االعتداء عليهم بل وحمايتهم‪ ،‬وفي هذا الصدد كانت اتفاقية جنيف الرابعة‬
‫المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب الوحيدة التي تعرضت لكيفيات حمايتهم‪.‬‬
‫ويعرف المدنيين بأنهم األشخاص الذين ال ينتمون إلى القوات المسلحة‪ ،‬كما نصت االتفاقية الرابعة على أن‬
‫تحمى األشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان‪ ،‬في حالة قيام نزاع مسلح أو حالة احتالل‪،‬‬
‫تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتالل ليسوا من رعاياها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫ُيفهم أن هناك معيارين‪ :‬معيار عدم القيام بفعل معاد أو حمل السالح واالنتماء إلى القوات المسلحة المعادية‪،‬‬
‫ومعيار الجنسية األجنبية حتى لو كان الشخص من عديمي الجنسية‪ .‬وهو ما يستتبع أال تسري هذه األحكام على‬
‫رعايا الدولة أو رعايا الدولة المحايدة أو رعايا دولة ليست طرف في النزاع في ظل وجود تمثيل دبلوماسي‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن الق‪ .‬د‪.‬إ خصص حماية عامة لهؤالء‪ ،‬كما خص فئات معينة بأحكامه نظ ار لضعفها أو‬
‫لحساسية الدور الذي يضطلعون عليه‪.‬‬
‫أوال‪ -‬حماية النساء خالل النزاعات المسلحة‪ :‬من المتعارف عليه أن النساء من أكثر الفئات المستهدفة‬
‫في النزاعات المسلحة‪ ،‬فأثر القتال عليهن شديد‪ ،‬خاصة ما تعلق منه بالعنف الجنسي والمخاطر على‬
‫صحتهن اإلنجابية‪ ،‬والق‪ .‬د‪.‬إ يعترف بذلك في الحماية العامة التي يوفرها لكل من الرجال والنساء من دون‬
‫تمييز‪ ،‬إال أنه يشملهن كذلك بأحكام خاصة إضافية لهن‪.‬‬
‫من بين هذه األحكام‪ :‬حظر استخدام النساء كدروع بشرية لحماية المقاتلين من الهجوم‪ ،‬والحماية من العنف‬
‫الجنسي‪ ،‬وهي أفعال تشكل جرائم حرب‪ ،‬كما يوجب القانون الدولي اإلنساني حبس السجينات بمعزل عن الرجال‪،‬‬
‫باإلضافة للمعاملة اإلنسانية في األسر‪.‬‬
‫كما يجب أن تعامل النساء الحوامل وأمهات األطفال الصغار ال سيما المرضعات منهن بالعناية الالزمة‪،‬‬
‫خاصة فيما يتعلق بتوفير الغذاء واللباس والرعاية الطبية واإلجالء والنقل واإلفراج عليهن إن كن أسيرات‪.‬‬
‫باإلضافة إلى منع بيع النساء‪ ،‬والزام األطراف المتحاربة بفرض عقوبات قاسية على من يزاولها‪ ،‬ومنع‬
‫استغاللهن في األعمال الشاقة‪.‬‬
‫ويمنح الق‪ .‬د‪.‬إ األسر الحق في معرفة مصير أقاربها المفقودين‪ ،‬ويلزم األطراف في النزاعات المسلحة على‬
‫اتخاذ جميع التدابير الممكنة للكشف عن مصير األشخاص الذين هم في عداد المفقودين‪.‬‬
‫كما يجدر التفريق بين النساء المدنيات والنساء المقاتالت‪ ،‬فاألصل أنه يمنع تجنيد النساء قدر اإلمكان‪ ،‬أما‬
‫جندن فإنهن يتحولن إلى مقاتالت‪ ،‬هذا ناجم عن تغير األدوار التقليدية فالمدنيين هم النساء واألطفال‪ ،‬أما‬
‫إذا ّ‬
‫الرجال فهل يعتبرون كذلك؟‪.‬‬
‫فال يمكن القول دائما بأن النساء جزء من المدنيين‪ ،‬حتى لو كان الفعل بسيطا كاإلطعام والمساندة إلى جانب‬
‫التجسس ونقل الرسائل أو اإلخفاء وصوال إلى المشاركة الحقيقية في القتال‪ ،‬طوعا كان أو كرها‪ .‬هذا ما يجعل من‬
‫مهمة التفرقة ما بين النساء المدنيات والمقاتالت صعبا ففي الحرب في رواندا مثال دفع البعض بأنه ال يمكن‬
‫للمدني أن يقف على الحياد‪ ،‬فكل جندي بدرجة ما طوعا أو كرها‪.‬‬
‫كما جاءت م ‪ 76‬ب‪ 1.‬بإجراءات إضافية لصالح حماية النساء كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬يجب أن تكون النساء موضع احترام خاص‪ ،‬وأن يتمتعن بالحماية‪ ،‬والسيما ضد االغتصاب واإلكراه على‬
‫الدعارة‪ ،‬وضد أية صورة أخرى من صور خدش الحياء‪.‬‬
‫‪ -2‬تعطى األولوية القصوى لنظر قضايا أوالت األحمال وأمهات صغار األطفال‪ ،‬اللواتي يعتمد عليهن أطفالهن‪،‬‬
‫المقبوض عليهن أو المحتجزات أو المعتقالت ألسباب تتعلق بالنزاع المسلح‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫‪ -3‬تحاول أطراف النزاع أن تتجنب قدر المستطاع‪ ،‬إصدار حكم باإلعدام على أوالت األحمال أو أمهات الرضع‬
‫اللواتي يعتمد عليهن أطفالهن‪ ،‬بسبب جريمة تتعلق بالنزاع المسلح‪ ،‬وال يجوز أن ينفذ حكم اإلعدام عليهن‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬حماية األطفال خالل النزاعات المسلحة‪:‬‬
‫جاء تحديد المقصود بالطفل في المادة األولى من اتفاقية حقوق الطفل لسنة ‪ ،1989‬وهو كل شخص يبلغ‬
‫أقل من ‪ 18‬سنة‪ ،‬وكذا الميثاق اإلفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته(م ‪ ،)2‬وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة اإلتجار‬
‫باألشخاص وبخاصة النساء واألطفال المكمل التفاقية األمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية(م‬
‫‪ ،)2/3‬أما الميثاق العربي لحقوق الطفل فقد أقر أنها ‪ 15‬سنة‪.‬‬
‫أما في الحرب وعلى األخص فيما يخص التجنيد فقد اعتمدت اتفاقية حقوق الطفل سن أقل وهي ‪ 15‬سنة‪،‬‬
‫هذا ما اعتمدته المادة ‪ 2/77‬ب‪ ،1.‬والمادة ‪/3/4‬ج ب‪ 2.‬جاء فيها‪ ":‬ال يجوز تجنيد األطفال دون الخامسة عشرة‬
‫في القوات أو الجماعات المسلحة‪ .‬وال يجوز السماح باشتراكهم في األعمال العدائية"‪.‬‬
‫أما النص األحدث وهو البروتوكول االختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك األطفال في‬
‫المنازعات المسلحة لسنة ‪ ،2000‬فقد جرم تجنيد الطفل الزاميا أو طوعيا دون ‪ 18‬سنة أو استخدامهم في األعمال‬
‫الحربية في النزاعات الدولية وغير الدولية واعتبرها جريمة حرب‪.‬‬
‫ما بين السنين وهذا التعارض الذي لم ُيفصل فيه يمكن القول بمشاركة من هم ما بين ‪ 15‬و ‪ ،18‬وبالتالي‬
‫فإنهم يفقدون حقوقهم كمدنيين غير مشاركين في األعمال العدائية ويصبحون هدفا مشروعا‪ ،‬خاصة مع التطور‬
‫التكنولوجي وظهور األسلحة الخفيفة‪ ،‬السهلة االستعمال‪ ،‬فقد تزايد إشراك األطفال في النزاعات المسلحة خاصة‬
‫في الدول النامية‪ ،‬وحتى من قبل دول متقدمة ككندا وأمريكا وبريطانيا وحتى بالنسبة للقوات األممية لحفظ السالم‪.‬‬
‫هذا التجنيد المبكر والذي في أحيان كثيرة يكون قسريا عن طريق اختطاف الطفل‪ ،‬ينشئ الطفل على الحرب‬
‫والرعب‪ ،‬وهو ما يتعارض مع التربية السليمة‪.‬‬
‫من الوثائق أعاله يمكن استخالص أن مظاهر حماية الطفل زمن الحرب تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬منع تجنيد الطفل األقل من ‪ 15‬سنة في النزاع المسلح الدولي وكذا الداخلي‪.‬‬
‫‪ -‬يبقى الطفل المقاتل أقل من ‪ 15‬سنة يتمتع بحقوق المدني‪ ،‬ألنه ال يجوز تجنيده أصال‪.‬‬
‫‪ -‬الطفل غير المقاتل يستفيد من الحماية المطبقة من المادة ‪ 27‬إلى ‪ 34‬ج‪ ،4.‬إذ يمنع قتل الطفل‪ ،‬واالعتداء‬
‫عليه جسديا‪ ،‬واكراهه على القيام بأعمال منافية للقيم واألخالق‪ .‬ومعاملته بطريقة غير إنسانية‪ ،‬والمساس سالمته‬
‫الجسدية والعقلية‪ ،‬واسترقاقه وتعذيبه وتعريضه للعقوبات الجماعية‪.‬‬
‫‪ -‬ال يجوز توقيف الطفل وحبسه بصفة غير قانونية وال فرض عقوبة اإلعدام وال السجن المؤبد عليه وهو ما يعد‬
‫جريمة ضد اإلنسانية‪ ،‬كما يسجن في مكان منفصل عن البالغين‪.‬‬
‫‪ -‬يعتبر الطفل المقاتل في الحقيقة ضحية تنفيذا لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل‪ ،‬فال يتحمل مسؤولية رفع السالح‬
‫وال خطأ مشاركته في األعمال الحربية‪ .‬ففي حال ارتكابه النتهاكات جسيمة للقانون الدولي اإلنساني خاصة جرائم‬
‫حرب فإنه ال يمكن أن تطبق عليه عقوبة اإلعدام‪ ،‬كما أن المحكمة الجنائية الدولية غير مختصة في متابعة‬

‫‪19‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫األطفال المقاتلين (م ‪ .)26‬أما اتفاقية حقوق الطفل فلم تمنع متابعة الطفل المقاتل‪ ،‬إال أنها وضعت معايي ار‬
‫خاصة لعدالة األطفال في النزاع الدولي‪ .‬ويجب التشديد على أن الطفل في النزاع الداخلي ال يتمتع بهذا إذ يمكن‬
‫متابعته مع األخذ في الحسبان قدرة الطفل على التمييز والسن‪.‬‬
‫كما أصدر مجلس األمن العديد من التوصيات منذ ‪ 1999‬تهدف إلى إيقاف تجنيد األطفال واستعمالهم‪ /‬في‬
‫الحرب باإلضافة إلى ضرورة متابعة المسؤولين على الجرائم ضد األطفال كالهجوم على المدارس والمستشفيات‬
‫واإلبادة الجماعية واقصائهم من إجراءات العفو‪ ،‬وألول مرة قام األمين العام السابق لألمم المتحدة كوفي أنان في‬
‫‪ 27‬جويلية ‪ 2003‬بضبط قائمة الدول التي ال زالت تجند األطفال‪ ،‬وطالب بفرض عقوبات مالية وعسكرية على‬
‫الدول التي ال تستجيب للتوصية‪.‬‬
‫كما ُأنشئ مكتب الممثل الخاص لألمين العام المعني باألطفال والنزاع المسلح في أعقاب تقرير حول أثر‬
‫النزاع المسلح على األطفال‪ ،‬قُدم للجمعية العامة في ‪ ،1996‬بعد تزايد مثول األطفال أمام القضاء الدولي‬
‫والوطني‪ ،‬إما كضحايا وشهود‪ ،‬أو لمحاكمتهم كمتهمين في حاالت النزاع المسلح‪.‬‬
‫أما فيما يخص الحماية الخاصة بالطفل المدني فهي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون األطفال موضع احترام خاص‪ ،‬وأن تكفل له الحماية ضد أية صورة من صور خدش الحياء‪ .‬ويجب‬
‫أن تهيئ لهم أطراف النزاع العناية والعون اللذين يحتاج إليهما‪ ،‬سواء بسبب سنه‪ ،‬أم ألي سبب آخر‪.‬‬
‫‪ -‬على دولة االحتالل أن تتخذ جميع التدابير الالزمة لتيسير التحقق من هوية األطفال وتسجيل نسبهم‪ .‬وال يجوز‬
‫لها بأي حال أن تُغير حالتهم الشخصية‪.‬‬
‫‪ -‬ال يجوز إجالء األطفال بخالف الرعايا إلى بلد أجنبي إال إجالء مؤقتا‪ ،‬إذا اقتضت ذلك أسباب قهرية‪.‬‬
‫‪ -‬يجب توفير الرعاية والمعونة لألطفال بقدر ما يحتاجون إليه وبصفة خاصة‪ :‬أن يتلقى األطفال التعليم‪ ،‬بما في‬
‫ذلك التربية الدينية والخلقية تحقيقا لرغبات آبائهم أو أولياء أمورهم في حالة عدم وجود آباء لهم‪ ،‬وأن تتخذ جميع‬
‫الخطوات المناسبة لتسهيل جمع شمل األسر التي تشتتت لفترة مؤقتة‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬حماية الصحفيين خالل النزاعات المسلحة‪ :‬االهتمام بوضع المراسل الصحفي ليس جديدا‪ ،‬نظ ار‬
‫لحساسية وخطورة الوظائف التي يقوم بها لنقل الحقيقة‪ ،‬إال أنه في إطار الق‪ .‬د‪.‬إ يجب التمييز بين‪:‬‬
‫المراسل الصحفي الذي يباشر مهامه في مناطق المنازعات المسلحة والذي يعد شخصا مدنيا‪ ،‬يجب حمايته‬
‫من أن يستهدف باألعمال العدائية‪ ،‬بشرط أال يقوم بأي عمل يسيء إلى وضعه كمدني‪.‬‬
‫يجوز له الحصول على بطاقة هوية‪ ،‬تصدر من حكومة الدولة التي يكون الصحفي من رعاياها‪ ،‬أو التي يقيم‬
‫فيها‪ ،‬أو التي يقع فيها جهاز األنباء الذي يستخدمه‪ ،‬وتشهد على صفته كصحفي‪.‬‬
‫أما المراسلون الحربيون الذين يرافقون القوات المسلحة‪ ،‬دون أن يكونوا جزءا منها‪ ،‬فيعتبرون أسرى حرب في‬
‫حال وقوعهم في قبضة العدو‪.‬‬
‫أما فيما يخص النزاعات المسلحة غير الدولية‪ ،‬فال أثر للصحفي في البروتوكول الثاني‪ ،‬إال أنه يجب أن‬
‫يتمتع بالقدر األدنى من الحماية اإلنسانية وأن يتمتع بالحماية ذاتها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى األعداد المتزايدة من الصحفيين الذين ُيستهدفون في النزاعات المسلحة عن عمد لتعتيم‬
‫ال أري العام الدولي وهو ما يعتبر انتهاكا للق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬وهو ما أدى بعديد الهيئات الدولية إلى التنديد بذلك‪ ،‬كالجمعية‬
‫العامة لألمم المتحدة التي تناولت وضعهم في دورتها ‪(25‬لسنة ‪ ،)1970‬وكذا منظمة مراسلون بال حدود‪.‬‬
‫رابعا‪ -‬حماية موظفي الخدمات اإلنسانية في النزاعات المسلحة‪ُ :‬يقصد بهم األشخاص الذين يقومون على‬
‫كل أشكال الخدمات اإلنسانية في زمن الحرب لفائدة العسكريين والمدنيين على حد سواء‪ ،‬المادية منها والمعنوية‪،‬‬
‫وال يشترط أن يكونوا فريقا واحد‪ ،‬وال أن ينتموا لدولة محايدة أو دولة معينة‪ ،‬فهم يتبعون دول وتنظيمات مختلفة‪،‬‬
‫يمكن حصرهم في‪:‬‬
‫‪ -1‬األطقم الطبية خالل النزاعات المسلحة‪ :‬يقصد بهم‪:‬‬
‫‪ -‬األشخاص المتفرغون للبحث عن الجرحى والمرضى والغرقى ونقلهم أو معالجتهم‪.‬‬
‫‪ -‬األشخاص المتفرغون إلدارة الوحدات والمنشآت الطبية‪.‬‬
‫‪ -2‬العسكريون المدربون‪ :‬بالخصوص للعمل عند الحاجة كممرضين‪ ،‬أو حاملين مساعدين للنقاالت‪ ،‬والقيام‬
‫بالبحث عن الجرحى والمرضى والغرقى ونقلهم أو معالجتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬رجال الخدمات الدينية‪ :‬كرجال الدين الملحقين بالقوات المسلحة‪.‬‬
‫‪ -4‬جمعيات اإلغاثة التطوعية‪ :‬هم المنتمين إلى جمعيات الصليب والهالل األحمرين‪ ،‬يضاف إليهم جمعيات‬
‫اإلغاثة التابعة لبلد محايد يقوم بالخدمات اإلنسانية‪ ،‬بعد اإلبالغ بمشاركتهم في أعمال التطوع‪.‬‬
‫تعتبر اللجنة الدولية للصيب األحمر أكثر منظمة نشطة في هذا المجال‪ ،‬وقد نصت اتفاقيات جنيف‬
‫وبروتوكوليها صراحة وضمنا إلى أنشطتها زمن الحرب‪ ،‬بصفتها مؤسسة إنسانية محايدة مستقلة أو كبديل عن‬
‫نظام الدولة الحامية‪.‬‬
‫فال يمكن للجنة وكل التشكيالت السالف ذكرها أن تقوم بوظيفتها‪ ،‬إال بعد تحصلها على الضمانات الدنيا‬
‫لحماية األفراد التابعين لها‪ ،‬هؤالء األشخاص ال يعتبرون أسرى حرب إذا ما وقعوا في قبضة العدو‪ ،‬إال أنه يمكن‬
‫استبقائهم لمساعدة أسرى الحرب‪ ،‬فهم محايدون وينتمون إلى جمعيات خاصة حتى لو كانوا يحملون جنسية العدو‪،‬‬
‫وهم يتمتعون بهذه الحماية طالما لم يقوموا برفع السالح‪ ،‬كما أن عملهم ال يعتبر تدخال في النزاع‪ ،‬أما العسكريين‬
‫القائمين على وظائف صحية بصورة مؤقتة فيعتبرون أسرى حرب‪.‬‬
‫أما فيما يخص النزاعات غير الدولية فقد تضمن البروتوكول الثاني النص على احترام الجرحى والمرضى‬
‫والغرقى‪ ،‬وهي المهمة التي ال يمكن القيام بها إال من خالل هذه الوحدات‪.‬‬
‫خامسا‪ -‬حماية موظفي الحماية المدنية خالل النزاعات المسلحة‪:‬‬
‫أو الدفاع المدني ويعرفون بأنهم األشخاص الذين يخصصهم أحد أطراف النزاع لتأدية المهمات اإلنسانية‬
‫الرامية إلى حماية السكان المدنيين من أخطار العمليات العدائية أو الكوارث ويساعدونهم على تجاوز آثارها‬
‫المباشرة وتوفير الظروف الالزمة للبقاء دون غيرها من المهام‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫لذا يجب توفير الحماية لموظفي الهيئات الخاصة التي ليس لها طابع عسكري‪ ،‬القائمة قبال أو تلك التي تنشأ‬
‫بمناسبة النزاع المسلح‪ ،‬لتأمين وسائل المعيشة للسكان المدنيين من خالل دعم خدمات المنفعة العامة األساسية‪،‬‬
‫وتوزيع مواد اإلغاثة وتنظيم اإلنقاذ‪ ،‬وقد كرس البروتوكول األول دور الدفاع المدني في مساعدة المدنيين أثناء‬
‫الحروب فوضع له إطا ار خاصا واعتبرهم مدنيين‪ ،‬وخصص لهم شارة مميزة وهي مثلث متساوي األضالع أزرق‬
‫اللون على أرضية برتقالية اللون‪.‬‬
‫تمتد الحماية إلى أرض القتال واألراضي المحتلة‪ ،‬والى كل المدنيين الذين يتطوعون ويشاركون في أعمال‬
‫الغوث‪ ،‬ومن المنظمات المتخصصة نجد المنظمة الدولية للدفاع المدني‪/‬الحماية المدنية ومقرها جنيف‪ ،‬بشرط أال‬
‫يشاركوا في العمليات العدائية‪ ،‬وأال تتسبب أعمالهم في اإلضرار بالعدو‪.‬‬
‫سادسا‪ -‬موظفو المنظمات الدولية واألفراد المرتبطون بها‪:‬‬
‫تزايد نشاط المنظمات الدولية في خالل النزاعات المسلحة وعلى رأسها قوات حلف شمال األطلسي ومنظمة‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬وتزايد االعتداءات عليها أدى لعدم اكتفاء األمم المتحدة بقواعد الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬ما انجر عنه إقرار‬
‫الجمعية العامة التابعة لها اتفاقية بشأن سالمتهم لسنة ‪.1994‬‬
‫كما يقع على القوات األممية التقيد بقوانين وأعراف الحرب‪ ،‬هذا ما أدى باألمين العام في ‪ 10‬أوت ‪1999‬‬
‫إلى إصدار تعليمات توجيهية بمناسبة مرور ‪ 50‬سنة على اتفاقيات جنيف عنوانها" احترام القانون الدولي اإلنساني‬
‫من قبل قوات األمم المتحدة"‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حماية األعيان المدنية في النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫أوال‪ -‬حماية الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة‪:‬‬
‫‪ -1‬الحماية العامة للممتلكات الثقافية‪:‬‬
‫عرفت اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية(الحقا ح‪.‬م‪.‬ث) في م‪ 1‬بأن الممتلكات الثقافية هي‪":‬الممتلكات‬
‫المنقولة أو الثابتة ذات األهمية الكبيرة لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية أو الفنية أو التاريخية الدينية أو‬
‫المدنية واألماكن األثرية ومجموعات المباني التي تكتسب بتجمعها قيمة تاريخية أو فنية أو التحف الفنية‬
‫والمخطوطات والكتب واألشياء األخرى ذات القيمة الفنية والتاريخية أو األثرية‪ ،‬والمجموعات العلمية ومجموعات‬
‫الكتب المهمة"‪ ،‬منه ُيمنع استهداف المدارس التربوية والتعليمية باإلضافة للجامعات والمعاهد‪ ،‬كما تتعهد الدولة في‬
‫حال االحتالل أن تحميها‪.‬‬
‫تستفيد من الحماية كذلك المباني المخصصة بصفة رئيسية لحماية وعرض الممتلكات الثقافية المنقولة‬
‫كالمتاحف ودور الكتب الكبرى باإلضافة إلى المراكز التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية والتي‬
‫يطلق عليها إسم" مراكز األبنية التذكارية"‪.‬‬
‫منه يحظر ارتكاب أي من األعمال العدائية الموجهة ضد اآلثار التاريخية أو األعمال الفنية أو أماكن العبادة‬
‫التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب‪ ،‬أو استخدامها في دعم المجهود الحربي‪ ،‬أو اتخاذها محال لهجمات‬
‫الردع‪ ،‬إذ يعد انتهاكا للق‪.‬د‪.‬إ كل هجوم عليه أو سرقة أو تخريب أو استخدام‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫إال أن أكثر هذه األماكن التي تثار دائما معضلة حمايتها في أثناء النزاعات المسلحة نجد األعيان الدينية‬
‫المقدسة‪ ،‬نظ ار الرتباطها العميق بإيمان الشعوب‪ ،‬إال أنها تثير العدد من اإلشكاالت خاصة فيما يتعلق بتحديد‬
‫ماهيتها‪ ،‬نظ ار الختالف االعتقادات‪ ،‬فما يعتبر في اإلسالم صنم‪ ،‬هو بالنسبة للبوذيين إله واجب االحترام‪ ،‬أما‬
‫الق‪.‬د‪.‬إ فيعمد في تحديد مفهومه من خالل االستعانة بمعايير مختلفة‪ ،‬كالمعيار الشخصي الذي يعني اعتقاد‬
‫مجموعة من األشخاص بأن هذا المكان يقربهم من القوى العليا‪ ،‬وبالتالي فإنه يمكن القول باختالف تعريف‬
‫األماكن الدينية حسب الثقافة الدينية للفرد إال أنه يمكن حصرها في‪ :‬أماكن العبادة‪ ،‬القبور‪ ،‬األضرحة‪ ،‬األماكن‬
‫ذات الرمزية الدينية(غار حراء مثال)‪ ،‬ويجدر احترامها حتى في ظل عدم االعتقاد بها‪.‬‬
‫يعتبر انتهاك حرمة األماكن المقدسة في صميم المادة ‪ 2/19‬من مواد لجنة القانون الدولي الخاصة‬
‫بالمسؤولية الدولية للدولة لسنة ‪ ،2001‬والمادة ‪ 7‬من الن‪.‬أ‪.‬م‪.‬ج‪.‬د باعتبارها جريمة ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫سبب حظر انتهاك هذه األماكن هو أنها ال تحقق أي ميزة عسكرية‪ ،‬وبالتالي فإن الدولة تلتزم في إطار‬
‫األعمال التحضيرية بحصر قائمة للممتلكات‪ ،‬ووضع خطة في حال الطوارئ لنقلها وحمايتها من الحرائق‪ ،‬كمنا‬
‫يتوجب اتخاذ االحتياطات الالزمة أثناء الهجوم لتجنب األضرار العرضي بالممتلكات الثقافية المحمية بما في ذلك‬
‫إلغاء أو تعليق هذا الهجوم‪ ،‬كما يكون على الدول أال تقيم المنشآت العسكرية بجوار الممتلكات المحمية‪.‬‬
‫ال يجوز التذرع بالضرورة العسكرية الستهداف الممتلكات الثقافية إال في حال ما إذا استخدامها العدو‬
‫ألغراض عسكرية وبعد اإلنذار المسبق‪ ،‬كما ال يبرر وجود القوات بالقرب من المعالم إال اذا اعتبرت تراثا إنسانيا‬
‫على جانب من األهمية‪ ،‬تمتد حماية الممتلكات حتى في ظل األراضي المحتلة‪ ،‬إذ يقع على المحتل منع‬
‫تصديرها‪ ،‬وأي نقل غير مشروع‪ ،‬أو نقل ملكيتها‪ ،‬أو تغييرها أو إخفاءها‪ ،‬باستثناء تك التدابير الرامية للحفاظ‬
‫عليها‪ .‬كما تجرى أعمال التنقيب بالتنسيق مع السلطات المحلية‪.‬‬
‫رغم الحماية الدولية التي يقرها الق‪.‬د‪.‬إ للممتلكات الدينية فإن الموروث الثقافي لإلنسانية ال يزال يتعرض‬
‫لالعتداء في خالل النزاعات المسلحة‪ ،‬فقد أصدر مجلس األمن قرار رقم ‪ 271‬لسنة ‪ 1969‬على إثر حريق‬
‫المسجد األقصى في ‪ 1969‬منوها إلى الخسارة التي لحقت بالتراث المشترك لإلنسانية‪.‬‬
‫كما قصفت إسرائيل المسجد األقصى في مدينة القدس ما أدى إلى تهديم بعض أجزائه‪ ،‬باإلضافة إلى أجرائها‬
‫للحفريات المشهورة من تحته‪ .‬كما طرح اإلشكال ذاته أثناء النزاع المسلح في يوغسالفيا السابقة‪ ،‬حيث تم تدمير‬
‫المساجد والمواقع التاريخية في كرواتيا والبوسنة والهرسك‪.‬‬
‫ال يخفى على أحد نهب فرنسا لممتلكات ثقافية جزائرية تسعى الجزائر منذ سنين السترجاعها‪ ،‬باإلضافة لنهب‬
‫المتاحف خالل الحرب على العراق‪ ،‬وعديد هو ما سرق من مصر إبان االنتداب ويعرض اليوم في المتاحف‬
‫األوربية على مرأى من العالم‪.‬‬
‫‪ -2‬الحماية الخاصة للممتلكات الثقافية‪:‬‬
‫يقصد بها السماح بإضافة تدابير عسكرية وادارية ومادية للمحافظة على الممتلكات الثقافية‪ ،‬تمنحها اللجنة‬
‫الدولية لحماية الممتلكات الثقافية‪ ،‬وهي لجنة لغرض ‪ ad hoc‬تنشأ لدى قيام نزاع مسلح تتكون من ‪ 12‬عضو‪،‬‬

‫‪23‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫تحترم تشكيلتها التمثيل العادل للمناطق وثقافات العالم‪ ،‬تتمثل مهمتها في مراقبة احترام الممتلكات الثقافية في‬
‫خالل العمليات العدائية‪.‬‬
‫تُستحق التدابير هذه بتوافر شروط ثالث‪ :‬أن تكون على جانب كبير من األهمية بالنسبة للبشرية‪ ،‬أن تكون‬
‫محمية بتدابير وطنية‪ ،‬أال تستخدم ألغراض عسكرية‪.‬‬
‫كما وتتعاون في سبيل تحقيق أهدافها مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية‪ ،‬وعلى الخصوص مع منظمة‬
‫األمم المتحدة للتربية والتعلم والثقافة(اليونسكو)‪ ،‬التي تختص دوليا بإعداد قوائم الممتلكات التي تعد تراثا مشتركا‬
‫لإلنسانية‪ ،‬باإلضافة إلى اللجنة الدولية للدرع األزرق‪.‬‬
‫أخي ار ال يمكن االعتداء على الممتلكات الثقافية حتى في النزاعات المسلحة غير الدولية‪ ،‬أما في االضطرابات‬
‫والتوترات الداخلية‪ ،‬فإن االعتداء على الممتلكات الثقافية يعتبر من جرائم القانون العام ويطبق عليها القانون‬
‫الوطني للدولة ال الق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬فئات األعيان المدنية المعنية بحماية خاصة‪:‬‬
‫‪ -1‬حماية البيئة في زمن النزاعات المسلحة‪ :‬يمكن أن يكون التعدي على البيئة من خالل االستعدادات‬
‫والتدريبات واالختبارات‪ ،‬وأثناء سير العمل الحربي ومن بعده بالنظر إلى مخلفاته‪.‬‬
‫ظهرت الحاجة إلى مثل هذه األحكام بعد حرب الخليج الثانية خاصة‪ ،‬نظ ار الستعمال السالح الكيميائي‬
‫خاللها وهو ما أثر على البيئة الطبيعية‪ ،‬لذا بدأ البحث عن القواعد التي يجب أن توضع لحماية البيئة‪ ،‬هذا ما‬
‫دعى إلبرام ثالث اتفاقيات تطرقت بشكل مباشر لحماية البيئة وقت الحرب وهي‪ :‬اتفاقية حظر استخدام تقنيات‬
‫تغيير البيئة ألغراض عسكرية أو ألية أغراض عدائية أخرى لسنة ‪ ،1976‬خاصة تلك الواسعة االنتشار أو‬
‫الطويلة البقاء أو الشديدة من حيث اآلثار المدمر للبيئة من دون حظر صناعة تطوير هذه المواد‪ ،‬وقد تميزت هذه‬
‫االتفاقية بالغموض والنقص‪ ،‬وهو ما استدعى الحاق اتفاق تفسيري لها‪.‬‬
‫كما تطرق البروتوكول اإلضافي األول التفاقيات جنيف لها‪ ،‬وقد تضمن حكمان األول يتعلق بحماية البيئة‬
‫من أساليب ووسائل القتال ويدخل ضمن مبدأ مهم للق‪.‬د‪.‬إ وهو حظر التسبب بآالم المفرطة أو التي ال مبرر لها‪.‬‬
‫أما المادة ‪ 55‬منه فقد نصت على أنه يراعى أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من األضرار البالغة واسعة‬
‫االنتشار وطويلة األمد‪ .‬وتتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع‬
‫منها أن تسبب مثل هذه األضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان‪ ،‬باإلضافة إلى حظر‬
‫هجمات الردع التي تشن ضد البيئة الطبيعية‪.‬‬
‫كما اعتبر جريمة حرب تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن إحداث ضرر واسع ضرر‬
‫واسع النطاق وطويل األجل وشديد على البيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحا بالقياس مع مجمل المكاسب‬
‫العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫النص الثالث هو نظام روما ‪ 1998‬حيث جاء في المادة الثامنة منه‪..":‬أو إحداث ضرر واسع النطاق‬
‫وطويل األجل وشديد للطبيعة يكون إفراطه واضحا بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة‬
‫المباشرة"‪ ،‬واعتبر مثل هكذا هجوم جريمة حرب‪.‬‬
‫‪ -2‬الممتلكات التي ال غنى عنها لبقاء السكان المدنيين‪:‬‬
‫أعطت المــادة ‪ 54‬ب‪ 1.‬أمثلة عن هذه األعيان ولم تحصرها‪ ،‬وقد عددت‪ :‬المواد الغذائية والمناطق الزراعية‬
‫التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري‪.‬‬
‫الهدف الرئيسي من هذا الحظر هو منع تجويع المدنيين‪ ،‬لذا تحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل‬
‫األعيان والمواد التي ال غنى عنها لبقاء السكان المدنيين‪ ،‬إذا كان القصد من ذلك هو منعها عن السكان المدنيين‬
‫أو الخصم لقيمتها الحيوية‪ ،‬مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح‪...‬الخ‪ ،‬كما‬
‫ال تكون محال لهجمات الردع‪ ،‬إال إذا كان ذلك من أجل الدفاع عن اإلقليم الوطني ضد الغزو‪.‬‬
‫هذا الحظر ال يطبق على ما يعتبر زادا ألفراد قوات العدو المسلحة وحدهم‪ ،‬أو يعتبر دعما مباش ار للعمل‬
‫ال عسكري‪ ،‬شريطة أال تتخذ مع ذلك حيال هذه األعيان والمواد في أي حال من األحوال إجراءات‪ ،‬قد يتوقع أن‬
‫تدع السكان المدنيين بدون مأكل ومشرب‪ ،‬على نحو يسبب مجاعتهم أو يضطرهم إلى النزوح‪.‬‬
‫المالحظ هو عدم إشارة الوثائق األقدم إليها رغم أهميتها فيما عدا حماية مرفق الماء‪ ،‬إذ نجد بعض القواعد‬
‫العرفية ذات الصلة ومنها المادة ‪/23‬أ من الئحة الهاي‪ ،‬والتي تحظر استعمال السم والمواد السمية فالضرورة‬
‫العسكرية ال تجيز بأي حال من األحوال استعماله‪.‬‬
‫‪ -3‬المواقع المجردة من وسائل الدفاع‪ :‬كالمدن والقرى والبيوت حسب المادة ‪ 25‬من الئحة قوانين وأعراف‬
‫الحرب البرية الملحق باتفاقية الهاي ‪ 1907‬والمادة ‪ 59‬ب‪ ،1.‬هذه األخيرة التي تجيز للسلطات أن تعلن الطرف‬
‫الثاني أن مناطق معينة منزوعة السالح وهي آهلة بالسكان‪ ،‬بشرط إجالء كل القوات المسلحة منها‪ ،‬وأال ترتكب‬
‫أية أعمال عدائية من جانب السكان‪ ،‬وأال يوجد بها غير األشخاص المدنيون المشمولين بالحماية‪ ،‬بتوافر هذه‬
‫الشروط ال يمكن أن تكون هذه المناطق محال لعمليات عسكرية بالنسبة للطرفين‪.‬‬
‫‪ -4‬المناطق منزوعة السالح‪ :‬يتفق الطرفان على تحديد مناطق يسبغون عليها الحماية وقت النزاع بعيدا‬
‫عن المناطق الحضرية أو القريبة من المطارات أو المنشآت العسكرية‪ ،‬باتفاق مكتوب أو شفهي مباشرة أو عن‬
‫طريق وسيط‪ ،‬يحدد مكانها بدقة مع تحديد المسؤول على اإلشراف واألشخاص الذين يسمح لهم بالدخول‪ ،‬كما‬
‫يسمح لقوات الشرطة بالتواجد لحفظ النزاع كما يجب تسميتها وابرازها بعالمات ظاهرة من بعيد وعلى الطرق‬
‫المؤدية لها (م ‪ 60‬ب‪ .)1.‬وتجدر اإلشارة إلى أنه عادت ما تكون هذه المناطق عبارة عن مخيمات لالجئين‪.‬‬
‫‪ -5‬المطارات والجسور‪ :‬يخصص الق‪.‬د‪.‬إ حماية خاصة لها باعتبار أنها معابر حدودية لألغذية واألدوية‬
‫وغيرها من السلع الضرورية للمدنيين‪ ،‬ففي حين تعتبر المطارات العسكرية أهدافا مشروعة‪ ،‬تعتبر المطارات‬
‫العادية هدفا مزدوجا من حيث طبيعته‪ ،‬فقد يستخدم ألغراض مدنية أو عسكرية بطريق عرضية‪ ،‬وقد اختلف الفقه‬
‫في تحديد طبيعته‪ ،‬إلى حين إقرار ب‪ 1.‬والذي جاء في المادة ‪ 2/52‬منه أن‪ ":‬تنحصر األهداف العسكرية فيما‬

‫‪25‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫يتعلق باألعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم‬
‫باستخدامها‪ ،‬والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو االستيالء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة‬
‫عسكرية أكيدة"‪.‬‬
‫منه ال يمكن استهداف المطار المدني إال إذا استخدم ولو عرضيا ألهداف عسكرية‪ ،‬وال يجوز ذلك بدعوى‬
‫أنه سيستعمل مستقبال لذلك‪ ،‬وهذا ما بررت به إسرائيل ضرب مطار لبنان ‪ 2006‬الذي كان يعج بالمدنيين‪.‬‬
‫‪ -6‬حماية المنشآت الحساسة والنووية‪ :‬تطرقت إلى هذه النقطة المادة ‪ 56‬ب‪ ،1.‬وقد بينت بأن كل‬
‫األشغال الهندسية والمنشآت التي تحوي قوى خطرة‪ ،‬هي على سبيل الحصر‪ :‬السدود‪ ،‬الجسور‪ ،‬المحطات النووية‬
‫لتوليد الطاقة الكهربائية‪.‬‬
‫كما أضافت المادة أنها ال يمكن أن تكون محال للهجوم‪ ،‬حتى ولو كانت أهدافا عسكرية‪ ،‬كما ال يجوز‬
‫تعريض األهداف العسكرية األخرى الواقعة عند هذه األشغال الهندسية أو المنشآت أو على مقربة منها للهجوم‪ ،‬إذا‬
‫كان من شأن مثل هذا الهجوم أن يتسبب في انطالق قوى خطرة من األشغال الهندسية أو المنشآت ترتب خسائر‬
‫فادحة بين السكان المدنيين‪.‬‬
‫هذه الحماية ليست مطلقة فقد وضعت لها حدود‪ ،‬إذ يمكن استهداف هذه المنشآت إذا‪ :‬استخدمت في غير‬
‫استخداماتها العادية دعما للعمليات العسكرية على نحو منتظم وهام ومباشر‪ ،‬وكان مثل هذا الهجوم هو السبيل‬
‫الوحيد المستطاع إلنهاء ذلك الدعم‪.‬‬
‫تسعى أطراف النزاع إلى تجنب إقامة أية أهداف عسكرية على مقربة من األشغال الهندسية أو المنشآت‬
‫المذكورة‪ ،‬ويسمح مع ذلك بإقامة المنشآت التي يكون القصد الوحيد منها الدفاع عن األشغال الهندسية أو المنشآت‬
‫المتمتعة بالحماية ضد الهجوم‪ ،‬ويجب أال تكون هي بذاتها هدفا للهجوم بشرط عدم استخدامها في األعمال‬
‫العدائية‪ ،‬ما لم يكن ذلك قياما بالعمليات الدفاعية الالزمة للرد على الهجمات ضد األشغال الهندسية أو المنشآت‬
‫المحمية‪ ،‬وكان تسليحها قاص ار على األسلحة القادرة على صد أي عمل عدائي ضدها‪ ،‬كما يحظر أن تكون‬
‫المنشآت هذه أهداف لهجمات الردع‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الشارة المميزة للصليب والهالل األحمرين الدوليين‪.‬‬
‫أوال‪ -‬ظهور وتطور الشارات الدولية للحماية‪:‬‬
‫في اتفاقية سنة ‪ 1864‬اعتمدت أول شارة وهي الصليب األحمر على الرقعة البيضاء وقد تم استعمال ألوان‬
‫العلم السويسري تكريما لمجهوداتها في إبرام االتفاقيات‪ ،‬ابتداء من هذا التاريخ اعتبرت الشارة العالمة المميزة‬
‫للمصالح الطبية لجميع الجيوش البرية‪.‬‬
‫في ‪ 1876‬طلبت تركيا(صادقت على االتفاقية في ‪ )1865‬التي كانت تخوض حروب الشرق ضد صربيا‬
‫وبروسيا من الحكومة السويسرية‪ ،‬بصفتها الدولة المودع لديها اتفاقيات جنيف‪ ،‬إبالغ أطراف االتفاقية بقرارها‬
‫باستخدام شارة الهالل األحمر مكان الصليب بنفس الشروط مراعاة لشعور الجنود المسلمين‪ .‬أما ايران فقد قررت‬
‫استخدام األسد والشمس األحمرين‪ ،‬رغم أن إيران لم تكن قد صادقت حينها في حين تحفظت مصر‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫تحفظات الدول المسلمة أدت إلى االعتراف بشارة الهالل األحمر في مؤتمر الهاي للسالم لسنة ‪ 1907‬في‬
‫إطار المعاملة بالمثل‪ ،‬أما االعتراف الرسمي فقد كان سنة ‪ 1929‬إذ نصت االتفاقية المتعلقة بتحسين حال‬
‫الجرحى والمرضى العسكرين في الميدان على الشارتين‪ ،‬ومن ثم اعتمدت اتفاقيات جنيف األربع وبروتوكوالها‬
‫اإلضافيين الشارات الثالث‪ .‬وفي ‪ 1980‬أبلغت إيران عن استعمالها مستقبال للهالل األحمر‪.‬‬
‫كما تم اعتماد شارة جديدة بموجب البروتوكول الثالث اإلضافي التفاقيات جنيف المعتمد في ‪ 08‬ديسمبر‬
‫‪ ،2005‬وهي مربع أحمر قائم على حده وأرضيته بيضاء‪ ،‬وتسمى شارة البروتوكول الثالث‪ ،‬وهي مساوية في‬
‫قيمتها القانونية للشارتين‪ ،‬وتنطبق عليها األحكام القانونية وكيفيات االستعمال ذاتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬نطاق حماية الشارة‪ :‬للشارة أهمية بالغة في حماية الضحايا والقائمين على الخدمات اإلنسانية‬
‫والمنشآت الطبية والتجهيزات الالزمة للمساعدة واإلغاثة‪ ،‬وهي تخدم أغراض إنسانية محضة‪ ،‬يكمن دورها في‬
‫تأمين حصانة ال غنى عليها للمتطوعين لإلغاثة في النزاع الدولي وغير الدولي‪ ،‬من خالل التعريف بهم وبيان‬
‫ارتباط الشخص أو الممتلكات بالهالل أو الصليب أو المربع األحمر‪.‬‬
‫كما يمكن أن تستعمل الشارة زمن السلم‪ ،‬وتعتبر الجمعيات المعنية المستعمل الحصري لها‪ ،‬بشرط أن يكون‬
‫استخدام الشارة طبقا للقوانين الوطنية‪ ،‬كما يمكن لعربات اإلسعاف الوطنية استخدامها بترخيص من الجمعية بشرط‬
‫المجانية‪ ،‬فالشارة ملك لل‪.‬د‪.‬ص‪.‬أ أي أنه في زمن السلم ال يمكن للجمعيات األخرى استعمال الشارة‪.‬‬
‫أما في زمن الحرب‪ ،‬فيحق للجمعيات الوطنية استعمالها‪ ،‬إال أنها تكون أصغر حجما‪ ،‬كما ال توضع فوق‬
‫الذراع وال أعلى المباني‪.‬‬
‫تستخدم الشارة من قبل الوحدات الثابتة والمتنقلة والبرية والبحرية والجوية والسفن ألطراف النزاع أو لطرف‬
‫محايد إلى جانب المستشفيات المدنية إلى جانب المستشفيات العسكرية الدائمة أو االستثنائية التي تعترف بها‬
‫الحكومة وتسمح لها بالقيام بأعمال اإلغاثة‪ ،‬وكل التجهيزات الصحية المرتبطة بها‪.‬‬
‫من حيث األشخاص نذكر موظفو الخدمات الطبية والدينية في الجيش وجمعيات اإلغاثة التطوعية المعترف‬
‫بها والمرخص لها كالصليب والهالل والجمعيات المحلية واألطقم في السفن والطائرات من المدنيين والعسكريين‪،‬‬
‫باإلضافة لمصالح الصحة التابعة للجيش‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬زجر التعسف في استعمال الشارة‪ :‬عديدة هي النصوص التي حظرت االستعمال السيء للشارة بهدف‬
‫الغدر بالخصم‪ ،‬وهذا ما جاء في المادة ‪/1/ 37‬د ب‪ ":1.‬التظاهر بوضع يكفل الحماية وذلك باستخدام شارات أو‬
‫عالمات أو أزياء محايدة خاصة باألمم المتحدة أو بإحدى الدول المحايدة أو بغيرها من الدول التي ليست طرفا‬
‫في النزاع"‪.‬‬
‫ألن الغدر محرم فقد اعتبر االستعمال الغادر للشارة حسب المادة ‪ 8‬ن‪.‬أ‪.‬م‪.‬ج‪.‬د جريمة حرب التي نصت‬
‫على أنه‪ ":‬إساءة استعمال علم الهدنة أو علم العدو أو شارته العسكرية وزيه العسكري أو علم األمم المتحدة أو‬
‫شاراتها وأزيائها العسكرية‪ ،‬وكذلك الشعارات المميزة التفاقيات جنيف مما يسفر عن موت األفراد أو إلحاق إصابات‬

‫‪27‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫بالغة بهم"‪ .‬لذا نصت المادة ‪ 54‬ج‪ 1.‬على التزام الدول المتعاقدة باتخاذ التدابير الالزمة إذا لم يكن تشريعها كافيا‬
‫من أجل منع وزجر حاالت التعسف في استعمال الشارة‪.‬‬
‫الجزائر من جهتها استجابت لهذا اإللزام وكرسته في المادة ‪ 299‬من األمر ‪ 28-71‬المتضمن قانون القضاء‬
‫العسكري التي نصت على أنه‪ ":‬يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات‪ ،‬كل شخص‪ ،‬عسكريا كان أم ال‪،‬‬
‫يستعمل دون حق‪ ،‬في زمن الحرب أو في منطقة العمليات لقوة أو تشكيلة‪ ،‬مخالفا بذلك القوانين واألعراف‬
‫الحربية‪ ،‬الشارات المميزة والشعا ارت المحددة في االتفاقات الدولية اآليلة لمراعاة األشخاص أو األموال وكذلك‬
‫األماكن الواقعة تحت حماية هذه االتفاقات"‪.‬‬
‫أخي ار تجدر اإلشارة إلى أنه بهدف تجنب األشخاص المحمية واألهداف المدنية يتوجب اتخاذ عدة احتياطات‬
‫أثناء الهجوم تتمثل في أن تبذل إدارة العمليات العسكرية الجهود من أجل تفادي السكان المدنيين واألشخاص‬
‫واألعيان المدنية‪ ،‬إ ذ يكون على من يخطط لهجوم أو يتخذ قرار بشأنه أن يبذل ما في طاقته للتحقق من أن‬
‫األهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصا مدنيين أو أعيانا مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة‪ ،‬ولكنها‬
‫أهداف عسكرية غير محظور مهاجمتها‪ .‬وأن يتخذ جميع االحتياطات الممكنة عند تخير وسائل وأساليب الهجوم‬
‫من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين‪ ،‬أو إلحاق اإلصابة بهم أو األضرار باألعيان المدنية‪ ،‬وذلك‬
‫بصفة عرضية‪ ،‬وعلى أي األحوال حصر ذلك في أضيق نطاق‪.‬‬
‫كما يكون عليه أن يمتنع أو يلغي اتخاذ قرار بشن أي هجوم قد يتوقع منه‪ ،‬بصفة عرضية‪ ،‬أن يحدث خسائر‬
‫في أرواح المدنيين أو إلحاق اإلصابة بهم‪ ،‬أو األضرار باألعيان المدنية‪ ،‬أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر‬
‫واألضرار‪ ،‬مما يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة‪.‬‬
‫كما يكون عليه أن يوجه إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين‪ ،‬ما‬
‫لم تحل الظروف دون ذلك‪ ،‬وينبغي أن يكون الهدف الواجب اختياره حين يكون الخيار ممكنا بين عدة أهداف‬
‫عسكرية للحصول على ميزة عسكرية مماثلة‪ ،‬هو ذلك الهدف الذي يتوقع أن يسفر الهجوم عليه عن إحداث أقل‬
‫قدر من األخطار على أرواح المدنيين واألعيان المدنية‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬حماية ضحايا النزاعات المسلحة من العسكريين‬
‫ال يعني أن يحمل شخص السالح أنه ال يتمتع بأي حماية بموجب الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬إال أن نوعية الحماية وسبلها‬
‫تتغير بتغير الشخص المحمي‪ ،‬فالمقاتلين أنواع وال يتمتع كلهم بحماية ق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أصناف العسكرين المشمولين وغير المشمولين بالحماية الدولية في النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫يجب التمييز بين عدة فئات من المقاتلين على أساس التمتع بحماية القانون الدولي االنساني‪.‬‬
‫‪ -1‬العسكريون الذين يجوز قتالهم‪:‬‬
‫هم كل من يرفع السالح لمواجهة الدولة من أفراد القوات المسلحة والميليشيات والمتطوعين‪ ،‬وكذا األشخاص‬
‫الذين يرافقون القوات المسلحة النظامية وأفراد األطقم المالحية‪ ،‬باإلضافة للمدنيين الذين يحملون السالح‪.‬‬
‫‪ -2‬العسكريون الذين ال يجوز قتالهم‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫حسب المادة ‪ 1/3‬ج‪ 1.‬ال يجوز قتال أفراد القوات المسلحة الذين ليس لهم دور إيجابي في الحرب كالجرحى‬
‫والمرضى الذين أبعدوا عن األعمال العدائية‪.‬‬
‫كما ال يجوز قتال األفراد الذين يرافقون القوات المسلحة كرجال الدين‪ ،‬واألطقم الطبية‪ ،‬واألفراد المتخصصون‬
‫في البحث عن الجرحى والمرضى والغرقى والقتلى رغم أنهم ينتسبون للقوات المسلحة‪.‬‬
‫‪ -3‬المقاتلون الذين ال يتمتعون بحماية القانون الدولي اإلنساني‪:‬ويخضعون للقوانين الوطنية وهم فئتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬الجواسيس‪ :‬تلعب االستعالمات في الحروب الحديثة دو ار محوريا وتخصص لها أجهزة ذات تقنية عالية‬
‫وموارد ضخمة فكسب المعلومة يعني ربح الحرب‪ ،‬ومن أهم مصادر المعلومات نجد الجواسيس‪.‬‬
‫قد عرفت الئحة الهاي للحرب البحرية الجاسوس بأنه‪ ":‬الشخص الذي يعمل في خفية تحت ستار كاذب في‬
‫جمع أو محاولة جمع معلومات في منطقة األعمال العسكرية إلحدى الدول المتحاربة بقصد إيصال هذه المعلومة‬
‫إلى دولته"‪ .‬أما اتفاقيات جنيف األربع فلم تتعرض له‪ ،‬في حين أن البروتوكول اإلضافي األول خصص له المادة‬
‫‪ 46‬التي حسمت الجدل الفقهي وأفرغت عنه وصف أسير الحرب وكل حماية قانونية أخرى وبينت مميزاته‪:‬‬
‫‪ -‬أال يرتدي الزي العسكري للعدو أثناء جمعه للمعلومات‪ ،‬ففيما يخص وضعية الجاسوس إزاء الق‪.‬د‪.‬إ فإنه يجب‬
‫التفرقة بين نوعين من الجواسيس‪ :‬الفئة التي تسمى بجنود االستطالع وهم عسكريون يتقدمون جيوشهم إلى‬
‫صفوف جيش العدو يرصدون تحركاتهم ويحاولون جمع المعلومات وايصالها إلى دولتهم وهؤالء يتمتعون بالحماية‬
‫وبصفة األسير بشرط ارتدائهم للمالبس العسكرية‪ ،‬فالعرف في الحروب هو بجواز الحصول على المعلومات‬
‫بالطرق المشروعة في ميدان القتال‪ .‬أما الصنف الثاني فهم أشخاص يزرعون من قبل دولتهم في صفوف العدو‬
‫كعسكريين أو كمدنيين وهم ال يتمتعون بحماية الق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫‪ -‬ال يعد جاسوسا فرد القوات المسلحة لطرف في النزاع الذي يقيم في إقليم يحتله الخصم والذي يقوم لصالح‬
‫الخصم الذي يتبعه بجمع أو محاولة جمع معلومات ذات قيمة عسكرية داخل ذلك اإلقليم‪ ،‬ما لم يرتكب ذلك عن‬
‫طريق عمل من أعمال الزيف أو تعمد التخفي‪ .‬وال يفقد المقيم‪ ،‬فضالً على ذلك‪ ،‬حقه في التمتع بوضع أسير‬
‫الحرب وال يجوز أن يعامل كجاسوس إال إذا قبض عليه أثناء مقارفته للجاسوسية‪.‬‬
‫لم يضف الق‪.‬د‪.‬إ الحماية القانونية للجاسوس‪ ،‬ألن الجوسسة هي نوع من أعمال الغدر والتحايل وهو‬
‫محظور في أعراف الحرب‪ ،‬إال أن الجاسوس يقوم بعمل استخباراتي لصالح بلده كعسكري مدرب‪ ،‬وفي الغالب‬
‫ينتمي للقوات المسلحة‪ ،‬كما أن التجسس من أقدم أساليب الحرب التي ال بد منها‪ .‬والقول بأن الجاسوس ال يتمتع‬
‫بحماية الق‪.‬د‪.‬إ ال يعني بأنه ال يتمتع بأي حقوق‪ ،‬وال يخول للدولة قتله بطريقة عشوائية وانما يكون عليها‬
‫إخضاعه لقانونها الوطني ومحاكمته محاكمة عادلة‪ ،‬وان ثبتت عليه التهم يمكن تطبيق العقوبات المناسبة عليه‪.‬‬
‫أما المشرع الجزائري فاعتبر أنه ال يمكن أن يمكن أن يكون الجاسوس من جنسية الدولة وقد أسماه مرتكب‬
‫للخيانة‪ ،‬أما األجنبي فأسماه الجاسوس وفي الحالتين يعاقب باإلعدام(المادتين ‪ 63‬و ‪ 64‬ق‪.‬ع)‪ ،‬والمادة ‪ 280‬من‬
‫القانون العسكري‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫ب‪ -‬المرتزقة‪ :‬بعض األشخاص يجعل من حمل السالح والقتال مهنته يعرض خدماته على كل من يدفع له‬
‫بالمقابل‪ ،‬فهو ال ينتمي للدولة وال يؤمن بعدالة قضيتها‪ ،‬وانما يبتغي المقابل المالي الذي عادة ما يكون مرتفعا‪ ،‬قد‬
‫تعرضت المــادة ‪ 47‬ب‪ 1.‬للمرتزق وعرفته بأنه الشخص الذي‪:‬‬
‫‪ -‬يجرى تجنيده خصيصا‪ ،‬محليا أو في الخارج‪ ،‬ليقاتل في نزاع مسلح‪.‬‬
‫‪ -‬يشارك فعال ومباشرة في األعمال العدائية‪.‬‬
‫‪ -‬يحفزه أساسا إلى االشتراك في األعمال العدائية‪ ،‬الرغبة في تحقيق مغنم شخصي‪ ،‬ويبذل له فعال من قبل طرف‬
‫في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في‬
‫القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم‪.‬‬
‫‪ -‬ليس من رعايا طرف في النزاع وال متوطنا بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع‪.‬‬
‫‪ -‬ليس عضوا في القوات المسلحة ألحد أطراف النزاع‪.‬‬
‫‪ -‬ليس موفدا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفا في النزاع بوصفه عضوا في قواتها المسلحة‪.‬‬
‫إذا كان األسير يتمتع بشرف الدفاع عن وطنه وشعبه‪ ،‬فإن المرتزق ال يختلف اثنان في ضرورة تجريده من‬
‫أية حماية قانونية ومنها مركز أسير حرب‪ ،‬ففيما يفر الشداد من الحرب وأهوالها‪ ،‬يتخذ المرتزق القتل وسيلة لكسب‬
‫الرزق‪ ،‬وهم عادة ما يريدون مضاعفة غنائهم من خالل أعمال النهب والسلب‪ ،‬وال توجد نصوص دولية لمحاربة‬
‫هؤالء ممن يهددون األمن والسلم الدوليين‪ ،‬عدا اتفاقية منظمة الوحدة اإلفريقية للقضاء على أعمال المرتزقة في‬
‫إفريقيا لسنة ‪ ،1977‬وقد أكدت المادة الثالثة منها ضرورة تجريم المرتزق في القانون الوطني وتسليط أقصى‬
‫العقوبات عليه ورفض التسليم‪ ،‬وهو ما استجاب له المشرع الجزائري في المادة ‪ 76‬من قانون العقوبات‪ ،‬إذ ال‬
‫يتمتع المرتزق بالحماية المقررة للمقاتل أو المدني‪ ،‬وبالتالي فإنه يجوز للدولة التي تلقي عليه القبض أن تحاكمه‬
‫وتطبق عليه قانونا الوطني‪.‬‬
‫كما ظهر ابتداء من الحرب على العراق لسنة ‪ 2003‬شكل أكثر تنظيما من المرتزقة وهو الشركات األمنية‬
‫الخاصة وهو ما يزيد من تعقيد تعريف المرتزق فهؤالء ال ينطبق عليهم وصف المرتزق من الناحية القانونية‪ ،‬نظ ار‬
‫لكون المرتزق يعين لنزاع محدد أما المنتمي إلى هذه الشركات فقد يربطه عقد بالشركة لمدة محددة أو غير محددة‬
‫من دون أن يكون هناك نزاع معين فهم موظفين‪ ،‬وهم يعاملون على أنهم مرتزقة رغم قانونية وضعيتهم‪ ،‬وهو ما ال‬
‫يستسيغه الكثير من المحللين رغم أن المبدأ الذي يحكمهما واحد‪.‬‬
‫فالعبرة بالنسبة للق‪.‬د‪.‬إ هي القتال بدون مقابل‪ ،‬فالمقاتل األجنبي الذي يقاتل بعد إيمانه بالقضية من دون‬
‫مقابل ليس مرتزق‪ ،‬أما هذه الشركات فال عالقة لها بالمعتقدات وانما تقدم خدماتها لمن يدفع أكثر‪ ،‬علما أن‬
‫الجنود العاديين يتلقون رواتب إال أن هذا األخير يكون مقداره معقول كموظف في الدولة على عكس المرتزقة‬
‫الذين يتقاضون مبالغ خيالية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬حماية األسرى في النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫أوال‪ -‬المقصود باألسير وفق القانون الدولي اإلنساني‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫يظهر من اتفاقية جنيف الثالثة وملحقها أنها لم تحدد تعريفا له نظ ار لكثرة األشخاص الذين تثبت لهم هذه‬
‫الصفة‪ ،‬وهذا ما انعكس على المادة الرابعة من االتفاقية والتي لم تعرف األسير‪ ،‬بل حدد حاالت ثالث يثبت‬
‫للشخص وضعية أسير حرب حسب المادتين الرابعة والخامسة‪:‬‬
‫‪ -1‬األشخاص الذين يثبت لهم المركز القانوني ألسير الحرب بمجرد االنتماء‪ :‬نصت عليهم المادة ‪/4‬أ ال يشترط‬
‫فيهم أن يقوموا بأعمال عدائية وانما يجب أن تتوافر فيهم شرطان‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬االنتماء إلى إحدى الفئات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أفراد القوات المسلحة‪.‬‬
‫‪ -‬أفراد الميليشيات بشرط‪ :‬وجود قيادة‪ ،‬شارة وزي‪ ،‬أن تحمل السالح جهرا‪ ،‬أن تلتزم بقوانين الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬أفراد القوات الذين يعلنون والئهم لحكومة ال تعترف بها الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬األشخاص الذين يرافقون العدو من متعهدي التموين‪ ،‬والعمال المدنيين بشرط تحصلهم على بطاقات شخصية‪.‬‬
‫‪ -‬أفراد األطقم المالحية‪.‬‬
‫‪ -‬الطيار هو أسير حرب فهو أحد أفراد القوات المسلحة‪ ،‬أو يعتبر ضمن الطاقم المدني للطائرات الحربية‪ ،‬هذا‬
‫التكييف جاء بعد السياسة المعادية تجاه الطيارين خالل الحرب العالمية الثانية والحرب الفيتنامية‪ ،‬كما ال يمكن‬
‫إطالق النار على الطيارين بعد إسقاط طائراتهم إال في حال مبادرتهم باألعمال العدائية‪.‬‬
‫‪ -‬سكان األراضي المحتلة‪.‬‬
‫يالحظ على هذه المادة أنها توسعت لتشمل أكبر عدد من األشخاص بهدف جعلهم يتمتعون بمركز األسير‬
‫وحماية الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬إال أنه قد يثور التساؤل حول‪ :‬كيف يمكن إثبات هوية هؤالء‪.‬‬
‫بالرجوع إلى المادة ‪ 17‬ج‪ 3.‬فإنه يثبت األفراد أعاله هويتهم من خالل بطاقات هوية تتضمن بياناتهم‬
‫الشخصية وصفاتهم في القوات المسلحة‪ ،‬أو من خالل الوثائق الشخصية والرسمية التي يثبت بها هؤالء أنهم من‬
‫سكان األراضي قبل االحتالل‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬الوقوع في قبضة العدو‪ .‬يشترط الوقوع الفعلي وليس االحتمالي كالمحاصرة أو التفاوض‬
‫بشأن االستسالم أو كون كفة الحرب إلى صالح العدو‪.‬‬
‫‪ -2‬األشخاص الذين يضفى عليهم المركز القانوني ألسير الحرب‪:‬‬
‫‪ -‬أفراد البلد المحتل خاصة من ُيبدي عدائه لها‪.‬‬
‫‪ -‬أفراد القوات المسلحة(أعاله) الذين يعتقلون في دولة محايدة أو غير محايدة‪.‬‬
‫‪ -3‬األشخاص الذين يكتسبون وصف أسير حرب قضائيا‪ :‬في حال وجود أي شك بشأن انتماء أشخاص قاموا‬
‫بعمل حربي وسقطوا في يد العدو‪ ،‬فإن هؤالء األشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها هذه االتفاقية لحين البت‬
‫في وضعهم بواسطة محكمة مختصة"‪.‬‬
‫فإذا قُبض على الشخص أثناء قيامه بأعمال عدائية‪ ،‬ولم يكن في اإلمكان التأكد من هويته لتلفها أو‬
‫ضياعها‪ ،‬يحق للشخص التمتع بمركز األسير والتقدم لسلطة االحتجاز بطلب االعتراف له بالمركز القانوني‬

‫‪31‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫لألسير حسب المادة ‪ 45‬ب‪.‬ج‪ ،1.‬فيعرض الطلب على المحكمة للبت فيه‪ ،‬إال أن المادة لم تبين شكل المحكمة‬
‫واجراءات تقديم الطلب‪ .‬وبمفهوم المخالفة ال يستفيد من مركز أسير الحرب كل من المدنيين والمرضى والجرحى‬
‫واألطقم الطبية والدينية وقد أسمتهم اتفاقية جنيف الثالثة بالمستبقون‪ ،‬وُيسمون كذلك ألنهم يستبقون األسرى إلى‬
‫األسر‪ ،‬لخدمتهم‪ ،‬وهم ليسوا أسرى مع أنهم محتجزين في المعسكر ذاته‪.‬‬
‫أخي ار يجب التفريق بين المعتقل واألسير‪ ،‬فالمعتقل هو شخص مدني من الفئات المحمية ارتكب فعل أودى‬
‫بحياة أفراد قوات أو إدارة االحتالل‪ ،‬ويعتقل لفترة معينة فهو شخص ال يجوز أسره وال يتمتع بهذا المركز‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الوضع القانوني لقوات المنظمات الدولية في األسر‪:‬‬
‫إذا ما حصل تحالف بين عدة دول كما حصل في الحرب العالمية األولى والثانية فمن يكون المسؤول عن‬
‫األسرى الدولة الحاجزة أم مجموع الدول المتحالفة؟‪ ،‬وهنا إذا كانت القوات المشتركة تستجيب لشروط القانون‬
‫الدولي التي تعرف المقاتل فإن الق‪.‬د‪.‬إ ينطبق عليها كما يتمتع بوصف أسير حرب كل من يقع في يد العدو‪.‬‬
‫إال أن اإلشكال يطرح فيما يخص القوات التي تنضم إلى منظمة األمم المتحدة أو االتحاد اإلفريقي في إطار‬
‫عمليات حفظ السالم؟‬
‫إذ ال تعتبر المنظمات الدولية واإلقليمية عضو في اتفاقيات جنيف إال أن أغلبية الدول األعضاء فيها تعتبر‬
‫كذلك‪ ،‬ولقد تدخلت األمم المتحدة وقوات حلف شمال األطلسي(الناتو) وغيرها‪ ،‬في عديد النزاعات المسلحة من‬
‫خالل قوات حفظ السالم ألهداف عدة‪ :‬كقوات دفاع أو لتأمين بعض المناطق أو السكان أو المعابر لضمان‬
‫وصول السلع والخدمات‪.‬‬
‫تثير هذه القوات فيما يخص تطبيق الق‪.‬د‪.‬إ عدة إشكاالت قانونية‪ ،‬إذ تدخلت م‪.‬أ‪.‬م في كوريا سنة‬
‫‪(1950‬بين كوريا الشمالية والجنوبية) ومن ثم سلمت زمام األمور للو‪.‬م‪.‬أ التي لم تكن صادقت آنذاك على‬
‫االتفاقيات إال أن األطراف تعهدوا بتطبيقها‪ .‬أما في النزاع حول قناة السويس فقد صرح األمين العام بأن القوات‬
‫الموضوعة في خدمة األمم المتحدة ستطبق اتفاقيات جنيف‪.‬‬
‫في حالة إعالن القوات عن تطبيقها للق‪.‬د‪.‬إ فإن مسؤولية حماية األسير تقع على عاتق الدول التي أرسلت‬
‫القوات‪ ،‬أما إذا قادت دولة واحدة القوات باسم األمم المتحدة فإن المسؤولية تقع عليها‪ ،‬وهذا ال يعفي المنظمة من‬
‫المسؤولية الثانوية‪ ،‬كما يتمتع من يقع من قواتها في يد العدو بمركز أسير الحرب‪.‬‬
‫لم تكتف األمم المتحدة بالحماية التي ترتبها قواعد الق‪.‬د‪.‬إ لقواتها‪ ،‬فبعد تزايد العمليات األممية واالعتداءات‬
‫عليها‪ ،‬أصدرت الجمعية العامة في دورتها رقم ‪ 49‬القرار المعنون" اتفاقية بشأن سالمة موظفي األمم المتحدة‬
‫واألفراد المرتبطين بها‪ ،‬أشارت المادة ‪ 2/3‬منه على أنه‪ ":‬تطبق على كل عملية لألمم المتحدة يأذن بها مجلس‬
‫األمن كإجراء من إجراءات اإلنفاذ بموجب الفصل السابع من ميثاق األمم المتحدة ويشارك فيها أي من األفراد‬
‫كمقاتلين ضد قوات مسلحة منظمة وينطبق عليها قانون النزاعات المسلحة الدولية‪ .‬بشرط عدم المساس بتطبيق‬
‫القا‪.‬د‪.‬إ ومعايير حقوق اإلنسان المعترف بها عالميا"‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬الحقوق التي تنجر عن إقرار مركز أسير الحرب‪:‬‬


‫‪ -1‬الحقوق التي تثبت لألسير في مرحلة الوقوع في قبضة العدو‪:‬‬
‫يعتبر األسير تحت سلطة الدولة وليس أفراد‪ ،‬كما يحق له التكتم على المعلومات العسكرية ما عدا بياناته‬
‫الشخصية عند أول استجواب‪ ،‬واالستفادة من الخدمات الطبية‪ ،‬ومخاطبته باللغة التي يفهمها‪ .‬إلى جانب االحتفاظ‬
‫ببعض األدوات الشخصية غير الحربية كالبذلة واألوسمة‪ ،‬وأن يتم إجالؤه بعيدا عن ميدان القتال‪.‬‬
‫‪ -2‬الحقوق التي تثبت لألسير بدخول المعسكر‪ :‬أن يكون مكان األسر صحيا‪ ،‬الحق في المأوى والغذاء‬
‫والملبس‪ ،‬الحق في ممارسة الشعائر الدينية‪ ،‬حق األسير في تلقي المبالغ المالية التي ترسل إليه‪ ،‬وكذا إجراء‬
‫المراسالت واستقبالها‪ ،‬الحق في االتصال بالعالم الخارجي فمن حقه قبل مرور أسبوع الكتابة إلى أهله والى المركز‬
‫الرئيسي ألسرى الحرب أو وكالة البحث المركزية بشأن عن األسرى والمفقودين‪.‬‬
‫‪ -3‬الحقوق التي تثبت لألسير في نهاية األسر‪:‬‬
‫‪ -‬انتهاء األسر ألسباب صحية‪ :‬بحيث يعاد الجرحى والمرضى الميؤوس من شفائهم‪ ،‬والذين يبدو أن حالتهم‬
‫العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة إلى أوطانهم مباشرة‪ ،‬أو يأوون إلى بلد محايد‪ ،‬مع تحمل الدولة لمصاريف‬
‫إعادته ونقله‪ .‬منه يظهر أنه من أهم حقوق األسير عرضه على لجان طبية عضوية ونفسية المختلطة‪.‬‬
‫‪ -‬انتهاء األسر بسبب انتهاء األعمال العدائية‪ :‬يجب إعادة األسرى ألوطانهم بعد انتهاء الحرب ألن الغاية من‬
‫األسر هي إضعاف تعداد الخصم حتى في ظل عدم وجود اتفاقية مع دولة األسير‪ .‬نظ ار الن اتفاقية جنيف‬
‫وضعت تقسيم للتكاليف بينهما‪ ،‬بعد استرجاع الودائع الثمينة ومتاعه ومراسالته‪ ،‬مع استثناء األسرى الذين يقضون‬
‫عقوبات سالبة للحرية‪ .‬تجدر اإلشارة إلى أن قتال العدو ال يخول فرض العقوبات على األسير‪.‬‬
‫‪ -‬انتهاء األسر بسبب الوفاة‪ :‬يحق لألسير تدوين وصيته‪ ،‬وارسالها لوطنه‪ ،‬الفحص الطبي للجثة قبل الدفن‪ ،‬الدفن‬
‫باحت ارم مع وضع الشواهد ومسك الدفاتر‪.‬‬
‫‪ -4‬حقوق األسير الخاصة‪ :‬يمكن أن يتعرض األسير لوضعيات خاصة تنجر عنها حقوق خاصة‪ ،‬إذ يمكن‬
‫تشغيل األسير أثناء األسر بشرط أن تكون ظروف العمل مالئمة حسب سنه وصحته‪ ،‬مع ضمان حقه في األجرة‬
‫والتعويض في حال تعرضه للضرر خالل العمل‪ ،‬الحق في التظلم‪ ،‬كما يتمتع في حال المتابعة القضائية بالحق‬
‫في المحاكمة العادلة أمام محكمة وتبليغ الحكم للدولة الحامية‪ ،‬أما في حال الهروب الفاشل‪ ،‬فال يتعرض األسير‬
‫وكل من ساعده ألية عقوبة فهو حق له‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الحماية القانونية للجرحى والمرضى والغرقى في النزاعات المسلحة‪.‬‬
‫يعرف الجرحى والمرضى بأنهم األشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية‬
‫طبية بسبب الصدمة أو المرض أو أي اضطراب أو عجز بدنيا كان أم عقليا ويشمل هذان التعبيران أيضا حاالت‬
‫الوضع واألطفال حديثي الوالدة واألشخاص اآلخرين الذين قد يحتاجون إلى مساعدة أو رعاية طبية عاجلة‪ ،‬مثل‬
‫ذوي العاهات وأوالت األحمال‪ ،‬بشرط أن تمتع هذه األشخاص عن أي عمل عدائي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫أما المنكوبون في البحار فهم األشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يتعرضون للخطر في البحار أو أية‬
‫مياه أخرى نتيجة لما يصيبهم أو يصيب السفينة أو الطائرة التي تقلهم من نكبات‪ ،‬والذين يحجمون عن أي عمل‬
‫عدائي‪ ،‬ويستمر اعتبار هؤالء األشخاص منكوبين في البحار أثناء إنقاذهم إلى أن يحصلوا على وضع آخر‬
‫بمقتضى الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬وذلك بشرط أن يستمروا في اإلحجام عن أي عمل عدائي‪.‬‬
‫المالحظ هو عدم التمييز بين مدني وعسكري في المعامل الطبية على أي أساس كان‪ ،‬وهذا تأكيد لمبدا عدم‬
‫التمييز الذي جاءت به كل اتفاقيات جنيف‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬حماية القتلى والمفقودين في النزاعات المسلحة‪:‬‬
‫‪ -1‬حماية القتلى في النزاعات المسلحة‪:‬‬
‫تطور األسلحة الحربية أدى لزيادة أعداد القتلى في الحروب‪ ،‬كم أن صعوبة تأمين ميادين القتال أدى إلى‬
‫صعوبة التعامل مع الجثث بطريقة إنسانية‪ ،‬خاصة في ظل عدم توافر اإلمكانيات‪ ،‬أو إذا ما كانت الجثث تابعة‬
‫للطرف الثاني‪ ،‬إال أن الق‪.‬د‪.‬إ يوجب احترام جثث الذين توفوا بسبب األعمال العسكرية خاصة إذا توفوا في بلد‬
‫ليسوا من رعاياه أو بسبب االحتالل الحربي‪ ،‬ومن الحقوق المترتبة‪:‬‬
‫‪ -‬يجب على الدول التي توجد في أراضيها مواقع تضم رفات األشخاص هذه أن تعقد حالما تسمح بذلك الظروف‬
‫والعالقات بين األطراف المتخاصمة اتفاقيات بغية تسهيل إعادة رفات الموتى إلى أوطانهم وأمتعتهم‪ ،‬كما يتخذ‬
‫األطراف بعد كل اشتباك التدابير الالزمة إلجالء الموتى دون أي تمييز ومنع سلبها‪.‬‬
‫‪ -‬تعامل الجثث األشخاص الذين توفوا بسبب االحتالل أو األعمال العدائية باحترام وتصان القبور‪ ،‬فالقبور‬
‫الجماعية محضورة ألنها ال تسمح بالتعرف على هويات القتلى‪ ،‬ويمسك كل طرف سجل به كل المعلومات‬
‫المتاحة عن هوية القتلى وعالمات القبور ومكان الوفاة‪ ،‬كما يجب تبادل المعلومات مع الطرف الثاني فيما يخص‬
‫الوفيات الذين تحت أيديهم‪ ،‬واجراء فحص طبي للتأكد من حالة الوفاة‪ ،‬أما الدفن الجماعي فهو مسموح في حاالت‬
‫االستثناء القصوى مع ضبط السجالت‪ ،‬كما يسمح بالحرق لسببن‪ :‬لديانة المتوفى‪ ،‬أو ألسباب صحية‪.‬‬
‫‪ -‬احترام الشعائر الدينية لدى الدفن وعدم تدنيسها‪ ،‬وان أمكن الدفن حسب الجنسية حتى يكون يمكن التعرف على‬
‫المقاتل بعد الحرب‪ ،‬ويبدأ الطرفين بالمطالبة بقتالهم لدفنهم بالطريقة المالئمة عرفانا لهم بأدائهم واجبهم الوطني‪.‬‬
‫‪ -2‬الحماية القانونية للمفقودين في النزاعات المسلحة‪:‬‬
‫تنجر عن النزاعات المسلحة محن شديدة للعائالت إال أن أشدها هي حالة فقدان الشخص‪ ،‬فالمفقود هو كل‬
‫شخص انقطعت األخبار عنه ولم يعرف مصيره‪ ،‬كما يعتبر أن مجرد إبالغ الطرف الثاني طلب البحث عن مفقود‬
‫يكفي العتبار الشخص في عداد المفقودين‪ ،‬دون أن يكون عسكريا بالضرورة‪.‬‬
‫لذا يلتزم الطرفان‪ ،‬في موعد أقصاه انتهاء األعمال العدائية أن يقوم بالبحث عن األشخاص الذين أبلغ‬
‫الخصم عن فقدهم وتقديم المعلومات المجدية عنهم سواء سجنوا أو اعتقلوا أو توفوا‪.‬‬
‫تُبلغ المعلومات المتعلقة باألشخاص الذين أخطر عن فقدهم‪ ،‬وكذلك الطلبات الخاصة بهذه المعلومات إما‬
‫مباشرة أو عن طريق الدولة الحامية أو الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب‬

‫‪34‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫األحمر‪ ،‬التي تقوم بدور مهم في جمع المعلومات ونقلها لمن لهم الحق في ذلك‪ ،‬أو للجمعيات الوطنية للصليب‬
‫والهالل األحمر‪ ،‬واذا ما تم تبليغ هذه المعلومات عن غير طريق ل‪.‬د‪.‬ص‪.‬أ ووكالتها‪ ،‬يعمل كل طرف في النزاع‬
‫على تأمين تزويد الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين بهذه المعلومات‪.‬‬
‫‪ -3‬حماية القتلى والمفقودون في النزاعات غير الدولية‪:‬‬
‫اهتمت المادة الثالثة المشتركة باألحياء دون الموتى والمفقودين‪ ،‬أما البروتوكول الثاني فقد اكتفى بالنص منه‬
‫على أن تتخذ كافة اإلجراءات الممكنة خاصة بعد أي اشتباك‪ ،‬للبحث عن الجرحى والمرضى والمنكوبين في‬
‫البحار وتجميعهم‪ ,‬كلما سمحت الظروف بذلك‪ ،‬مع حمايتهم من السلب والنهب وسوء المعاملة وتأمين الرعاية‬
‫الكافية لهم‪ ،‬والبحث عن الموتى والحيلولة دون انتهاك حرماتهم وأداء المراسم األخيرة لهم بطريقة كريمة‪.‬‬
‫بالمقارنة مع التفاصيل التي تضمنها البروتوكول األول فيما يخصم‪ ،‬علما أن ضحايا النزاعات الداخلية ليسوا‬
‫قلة‪ ،‬وأنهم يتعرضون لمعاملة غير إنسانية بعد الوفاة من تمثيل بالجثث ومقابر جماعية غير معرفة‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫القول أن الحماية التي يصبغها الق‪.‬د‪.‬إ على هذه الفئة في النزاعات المسلحة غير الدولية غير كافية‪.‬‬
‫الفصل الخامس‪:‬‬
‫دراسات تطبيقية على النزاعات المسلحة المعاصرة من منظور القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫أوال‪ -‬القانون الدولي اإلنساني في ظل االحتالل الحربي‪:‬‬
‫يعرف االحتالل د الشاللدة أنه الوضع القائم‪ ":‬عندما تتمكن قوات دولة من اقتحام إقليم دولة أخرى واالنتصار‬
‫على قواتها ثم الهيمنة على هذا اإلقليم أو جزء منه واقامة سلطة عسكرية تحل محل الحكومة الشرعية فيه"‪ ،‬و"تعد‬
‫األرض محتلة عندما تكون السيطرة واإلدارة الفعلية للمحتل"‪.‬‬
‫يذهب بعض الفقهاء إلى أن االحتالل أي سيطرة دولة على إقليم دولة أخرى هو نهاية الحرب‪ ،‬إال أن‬
‫األصوب هو أن االحتالل يعتبر مرحلة من مراحل الحرب‪ ،‬وامتدادا لها‪ ،‬تستمر خالله العمليات العدائية بين‬
‫الطرفين حتى ولو اختلفت في شدتها أو في شكلها‪ ،‬وحتى وأن انعدمت هذه األخيرة‪.‬‬
‫الدليل على ذلك هو المادة ‪ 2/2‬المشتركة ا‪.‬ج التي تنص‪ ":‬تنطبق االتفاقية أيضا في جميع حاالت االحتالل‬
‫الجزئي أو الكلي إلقليم أحد األطراف السامية المتعاقدة‪ ،‬حتى لو لم يواجه هذا االحتالل مقاومة مسلحة"‪ .‬كما أن‬
‫مجرد تعرض اتفاقيات جنيف لحالة االحتالل يعني أنها مرحلة من مراحل الحرب‪.‬‬
‫فاالحتالل حالة مؤقتة ال يجوز للدولة المحتلة التصرف في اإلقليم المحتل في خاللها إذ يبقى اإلقليم المحتل‬
‫محتفظا بسيادته‪ ،‬يفهم من هذا أنه ال ينتج عن االحتالل نقل سيادة اإلقليم إلى المحتل مهما طالت مدة االحتالل‪.‬‬
‫من جهة أخرى فإن احتالل األرض والنجاح في التغلب على العدو ال يعني أن تكون الدولة المحتلة حرة في‬
‫أن تفعل ما تشاء‪ ،‬إذ يقع عليها تطبيق القواعد الخاصة باالحتالل الحربي المبينة في القسم الثالث من اتفاقية‬
‫جنيف الرابعة لسنة ‪ 1949‬والتي تقضي بأال يحرم األشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل من‬
‫االنتفاع بهذه االتفاقية‪ ،‬وبموجبها يكون على دولة االحتالل أال ترغم األشخاص المحميين على الخدمة في قواتها‬
‫المسلحة‪ ،‬أو العمل إال إذا كانوا فوق الثامنة عشرة من العمر‪ ،‬ويعطون عن العمل أجر منصف‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫من واجب دولة االحتالل أن تعمل على تزويد السكان بالمؤن الغذائية واإلمدادات الطبية‪ ،‬كما تسمح دولة‬
‫االحتالل لرجال الدين بتقديم المساعدة الروحية ألفراد طوائفهم الدينية‪ ،‬وتمكن الجمعيات الوطنية للصليب األحمر‬
‫(والهالل األحمر والشمس واألسد األحمرين) المعترف بها‪ ،‬أن تباشر األنشطة اإلنسانية‪.‬‬
‫على دولة االحتالل أن تبقى التشريعات الجزائية الخاصة باألراضي المحتلة نافذة قدر اإلمكان‪ ،‬وفي حالة‬
‫مخالفة القوانين الجزائية التي تصدرها دولة االحتالل‪ ،‬يجوز لدولة االحتالل أن تقدم المتهمين لمحاكمها العسكرية‬
‫غير السياسية والمشكلة تشكيال قانونيا‪.‬‬
‫إذا اقترف شخص محمي مخالفة يقصد بها اإلضرار بدولة االحتالل‪ ،‬ولكنها ال تنطوي على االعتداء على‬
‫حياة أفراد قوات أو إدارة االحتالل أو على سالمتهم البدنية‪ ،‬أو على خطر جماعي كبير‪ ،‬أو على اعتداء خطير‬
‫على ممتلكات قوات أو إدارة االحتالل أو على المنشآت التي تستخدمها‪ ،‬جاز اعتقاله أو حبسه حبساً بسيطاً‪ ،‬على‬
‫أن تكون مدة االعتقال أو الحبس متناسبة مع المخالفة التي اقترفها‪ ،‬ال يجوز النطق بعقوبة اإلعدام على أشخاص‬
‫محميين خاصة اذا لم يبلغ ثمانية عشر سنة‪.‬‬
‫كما ال يج وز القبض على رعايا دولة االحتالل الذين لجأوا قبل بدء النزاع إلى األراضي المحتلة‪ ،‬أو‬
‫محاكمتهم‪ ،‬إال بسبب مخالفات اقترفوها بعد بدء األعمال العدائية‪ ،‬مع احترام ضمانات المحاكمة العادلة‪.‬‬
‫أما فيما يخص األمالك فحسب المادة ‪ 55‬من الحة الهاي ال تعتبر دولة االحتالل إال مسؤول إداري ومنتفعا‬
‫بها وال يمكن االستيالء عليها‪ ،‬أما الممتلكات الخاصة فال يجوز التعدي عليها‪ ،‬ما عدا الحربية منها‪ .‬إذ ال يجوز‬
‫أن تستغل مقدرات الدولة لصالحها ويقع عليها أن تراعي التوازن بين الضرورات العسكرية ومصالح السكان‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬الثورة الجزائرية والقانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫‪ -1‬مدى التزام جبهة التحرير الوطنية بمبادئ القانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫ألقت الثورة الجزائري والجبهة الوطنية للتحرير خاصة بضاللها على القانون الدولي اإلنساني وأثرت فيه من‬
‫حيث ضبطها وتنظيمها لحاملي السالح واألوامر الصارمة التي كانت توجه للمقاتلين فيما يتعلق بمعاملة األسرى‬
‫والتمييز بين المدنيين والعسكريين‪.‬‬
‫كما عمل القائمون على الثورة على االعتراف بحركات التحرير كنزاعات دولية‪ ،‬باعتبار أن االحتالل هو‬
‫عمل عدائي يحق للشعوب الدفاع عن نفسها وكذا تقرير المصير الذي اعترفت به األمم المتحدة‪ ،‬وبالتالي انطباق‬
‫اتفاقيات جنيف األربع على حالة الجزائر‪.‬‬
‫كما قام الثوار من طرف واحد بإيداع احترامهم وامتثالهم للقانون الدولي اإلنساني واعتمدوا نصوص على‬
‫شكل مدونات داخلية للسلوك العسكري وقد انضمت الجزائر رسميا التفاقيات جنيف األربع في ‪ 20‬جوان ‪1960‬‬
‫أي قبل سنتين من الحصول على االستقالل‪ ،‬الهدف كان آنذاك هو تدويل القضية واعالن أن الجزائر دولة مستقلة‬
‫عن فرنسا تحترم التزاماتها الدولية‪ .‬فرنسا كانت تطعن في أن النزاع هو ذو طبيعة دولية إال أن الحقيقة أن الجزائر‬
‫قبل االحتالل كانت دولة ذات سيادة ولها سفراء وهذا ما تدلل عليه حادثة المروحة وتقديم قروض‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫كما التزم الطرف الجزائري بعدم عدم القيام باألعمال الثأرية ردا على انتهاكات القانون الدولي اإلنساني من‬
‫قبل العدو أو تلك التي سمحت بها من المجازر الجماعية للقرى‪ ،‬احتراما لقواعد القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫في حين أن سلوك القوات الفرنسية تجاه األسرى الجزائريين كان يتعارض حتما والق‪.‬د‪.‬إ رغم أن فرنسا كانت‬
‫طرفا في اتفاقيات جنيف في ‪ .1951‬منه يمكن القول اليوم أن كفاح الشعب الجزائري كان وراء تغيير الذهنيات‬
‫واالعتراف بحروب التحرير على أنها نزاعات دولية‪.‬‬
‫‪ -2‬اال نتهاكات الفرنسية للممتلكات المحمية خالل االحتالل الجزائر‪:‬‬
‫جاء في اتفاقية الجزائر أو القصبة المبرمة في ‪ 05‬جويلية ‪ 1830‬التي وقعها الداي حسين مع قائد الحملة‬
‫الفرنسية كونت دو بيرمون أنه "‪..‬لن يؤذن للجنود الفرنسيين بدخول المساجد الجزائرية‪ ،"...‬وهو ما أكده بيان ملك‬
‫فرنسا شارل العاشر إال أن هذه االلتزامات لم تكن إال طريقة لجلب بعض التأييد وطمأنة المدنيين وسرعان ما‬
‫بدأت بإصدار القوانين التي تقضي بنهب ومصادرة األعيان المدنية وحتى األمالك الوقفية وتوزيعها مجانا على‬
‫المعمرين المستقدمين من فرنسا‪ ،‬باإلضافة إلى تحويل المساجد إلى كنائس وأحيانا أخرى تدنيسها‪.‬‬
‫والى غاية اليوم لم تسترد الجزائر ما نهبه المستدمر الفرنسي خاصة األرشيف الوطني وكذا المخطوطات التي‬
‫تعرض في المتحف الفرنسية‪ ،‬وعدة قطع اثرية منها مدفع بابا مرزوق الذي يعرض حاليا بميناء براست بفرنسا‪.‬‬
‫أخي ار تجدر اإلشارة إلى أنه ال يطبق الق‪.‬د‪.‬إ في حاالت اإلرهاب مهما كانت شدتها كما سبق اإلشارة إليه‪،‬‬
‫وقد أرسلت األمم المتحدة لجنة لتحري الوضع الجزائر بهدف تكييفه على أساس أنه حرب أهلية إال أن اللجنة‬
‫تأكدت من أن الوضع في الجزائر هو إرهاب مسلح ال يدخل ضمن نطاق الق‪.‬د‪.‬إ‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬القضية الفلسطينية والقانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫‪ -1‬الوضع القانوني لفلسطين وفق القانون الدولي العام‪:‬‬
‫تتكون منظمة التحرير الفلسطينية من عدة فصائل تقاوم االحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬وقد أقر ميثاق الجامعة العربية‬
‫بفلسطين كدولة وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني وبحقه في العودة وتقرير‬
‫المصير وقد اعترفت الجمعية العامة لألمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية في دورتها ‪ 29‬سنة ‪،1974‬‬
‫ومنحتها مركز مراقب في المنظمة ووكاالتها‪ .‬ونظ ار العتراف عدة دول بفلسطين كدولة وتفاوض إسرائيل معها‪،‬‬
‫فإن هذا االعتراف هو اعتراف للمقاتلين بالحماية التي يستحقها المقاتلين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي‬
‫اإلنساني باإلضافة إلى معاملتهم كأسرى في حال القبض عليهم‪.‬‬
‫المالحظ أن إسرائيل ترفض تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة بخصوص حماية المدنيين وخاصة البروتوكول‬
‫اإلضافي األول باعتبار أنه يرفع من حروب التحرير إلى مصاف النزاعات الدولية‪ ،‬وتدعي بأنها غير موقعة‬
‫عليه‪ ،‬إال أن محكمة العدل الدولية في أريها االستشاري لسنة ‪ 1970‬في قضية ناميبيا‪ ،‬أقرت بانطباق االتفاقية‬
‫أثناء االحتالل الحربي وطالبت دولة جنوب إفريقيا باعتبارها دولة االحتالل‪ ،‬االلتزام بتطبيقها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫جاء في قضية األنشطة العسكرية وشبه العسكري ‪ 1986‬أن اتفاقيات جنيف هي التعبير عن المبادئ العامة‬
‫للق‪.‬د‪.‬إ وأن نصوصها قد اكتسب الطابع العرفي مع احتفاظها بصفتها كقواعد اتفاقية وهي بصفتها هذه ملزمة‬
‫للجميع حتى الدول التي لم تنضم إليها‪.‬‬
‫كما تثار المادة ‪ 38‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪ 1969‬المعنونة "القواعد الواردة في المعاهدة‬
‫التي تصبح ملزمة للدول الغير عن طريق العرف الدولي" التي تنص على أن القواعد المتضمنة في المعاهدة يمكن‬
‫أن تكون ملزمة للغير غير المصادق باعتبارها قاعدة عرفية من قواعد القانون الدولي معترف لها بهذه الصفة‪.‬‬
‫بالتالي ال يمكن االحتجاج بالمصادقة لدفع قواعد الق‪.‬د‪.‬إ العرفية‪ ،‬خاصة بعد اعتراف األمم المتحدة واتخاذها‬
‫موقفا واضحا تجاه القضية الفلسطينية منذ سنة ‪ 1967‬باعتبار إسرائيل دولة محتلة لهذه األراضي‪ ،‬فنضال الشعب‬
‫الفلسطيني هو حرب تحرير‪ ،‬وقد اعترفت الجمعية العامة األمم المتحدة في قرارها رقم ‪ 62/6787‬في ‪ 16‬ديسمبر‬
‫‪ 1971‬صراحة بمشروعية نضال الشعوب التي تكافح لممارسة حقها في تولي أمورها بنفسها ولتتحرر من السيطرة‬
‫االستعمارية واألجنبية وبوجه خاص الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫قد تعددت ق اررات األمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية أولها قرار تقسيم فلسطين رقم ‪ 181‬لسنة ‪،1947‬‬
‫وقد توالت الق اررات مثل قرار عودة الالجئين الفلسطينيين رقم ‪ 194‬لسنة ‪ ،1948‬وآخرها قرار مجلس األمن رقم‬
‫‪ 1860‬الصادر في ‪ 08‬جانفي ‪ 2009‬الخاص بوقف إطالق النار في غزة‪.‬‬
‫إال أن اهم قرار إلى غاية اليوم هو قرار الجمعية العامة رقم ‪ 19/67‬لسنة ‪ 2012‬المتعلق باالعتراف‬
‫بفلسطين كدولة غير عضو بدل كيان غير عضو‪ ،‬بعد رفض مجلس األمن االعتراف بها‪ ،‬وتساوي الصفة الجديدة‬
‫لفلسطين صفة الفاتيكان‪ .‬وقد مارست فلسطين حقها في التصويت ألول مرة بموجب صالحياتها الجديدة في‬
‫المنظمة األممية في ‪ 18‬نوفمبر ‪.2013‬‬
‫ينتج عن االعتراف الدولي إمكانيه االنضمام لالتفاقيات الدولية ومطالبة الطرف اآلخر بالوفاء بالتزاماته‪،‬‬
‫إمكانية رفع إجراءات التقاضي‪ ،‬أنها كدولة خليفة لمنظمة التحرير الفلسطينية أو المالحقة‬
‫هذا االعتراف يخول فلسطين االنضمام إلى عدة منظمات دولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية وهذا ما‬
‫حصل فعال في ‪ 01‬أفريل ‪ 2015‬إذ أصبحت الدولة ‪ 123‬في المحكمة وقد حصلت قبال على العضوية الكاملة‬
‫في اليونسكو في ‪ ،2011‬رغم تهديدات األمريكو‪-‬اسرائيلية بسحب االشتراكات فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬التجاوزات اإلسرائيلية في فلسطين من زاوية القانون الدولي اإلنساني‪:‬‬
‫تخضع األراضي الفلسطينية منذ ‪ 1967‬لقواعد وقانون االحتالل الحربي‪ ،‬منه فإن الممارسات اإلسرائيلية تقع‬
‫في إطار القانون الدولي لالحتالل الحربي المبينة في اتفاقية جنيف الرابعة‪ ،‬وهو ما يلزم الدولة المحتلة حفظ األمن‬
‫والنظام داخل اإلقليم المحتل وفقا للقانون الذي كان معموال به قبل االحتالل قدر اإلمكان‪ ،‬وأال تستغل مقدرات‬
‫الدولة لصالحها وأن تراعي التوازن بين الضرورات العسكرية ومصالح السكان‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫محاضرات في القـانون الدولي اإلنساني‪ ........‬جامعة امحمد بوقرة‪ ...............‬كلية الحقوق بودواو‪.......‬د‪ .‬لـ ـ ــوكال مريم‪.‬‬

‫انتهكت إسرائيل في خالل االحتالل الق‪.‬د‪.‬إ‪ ،‬بصورة منتظمة ومستمرة‪ ،‬ففيما يخص األمالك فحسب المادة‬
‫‪ 55‬من الحة الهاي ال تعتبر دولة االحتالل إال مسؤول إداري ومنتفعا بها وال يمكن االستيالء عليها‪ ،‬أما‬
‫الممتلكات الخاصة فال يجوز التعدي عليها‪ ،‬ما عدا الحربية منها‪.‬‬
‫في هذا الصدد ال يمكن حصر التجاوزات اإلسرائيلية من بينها بناء المستوطنات من خالل تهجير‬
‫الفلسطينيين واالستيالء على الممتلكات الخاصة‪ ،‬كما لم تسلم الممتلكات الثقافية فقد تدمير حارة المغاربة‬
‫بالجرافات في جوان ‪ ،1967‬كما ال يخفى على احد الحفريات التي تقوم بها إسرائيل تحت المسجد األقصى‬
‫للوصول إلى ممر تم بناؤه قبل قرون تهدم جزء منه في ‪ 2004‬للوصول إلى موقع الهيكل اليهودي الذي يزعمون‬
‫أن الرومان دمروه في سنة ‪ 70‬للميالد‪.،‬‬
‫أما فيما يخص احترام األشخاص المحميين‪ ،‬فيذكر أنه منذ االحتالل تتصاعد أرقام القتلى والجرحى‬
‫والمفقودين خاصة في خالل االشتباكات واألعمال العدائية التي تثور بين الفينة واألخرى‪.‬‬
‫كما ضربت إسرائيل حصا ار خانقا على قطاع غزة ابتداء من جوان ‪ ،2007‬وهو ما يشكل نوع من العقاب‬
‫الجماعي والسجن الجماعي وهو محظور دوليا‪.‬‬
‫إال أن اكثر وثيقة رصدت االنتهاكات إسرائيلية بالغة الخطورة خاصة خالل فترات األعمال العدائية نجد تقرير‬
‫غولدستون‪ ،‬الذي كان نتاج أعمال بعثة األمم المتحدة لتقصي الحقائق حول الصراع في غزة‪ ،‬والذي توصل إلى‬
‫أن "الحالة الممتدة من الحصانة قد خلقت أزمة عدالة في األراضي الفلسطينية المحتلة تتطلب اتخاذ إجراءات"‪.‬‬
‫هذا ما يعززه الوضع القائم اليوم على خلفية عملية طوفان األقصى يوم ‪ 07‬كتوبر ‪ ،2023‬والتي ترتكب على‬
‫إثرها إسرائيل جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬وال تلتزم بأي من االلتزامات الدولية الناتجة‬
‫عن القانون الدولي اإلنساني المكتوب أو العرفي‪ ،‬علما أن إسرائيل موقعة على اتفاقيات جنيف األربعة في ‪06‬‬
‫جويلية ‪ 1951‬مع تحفظات‪ ،‬وأنها لم تصادق على البروتوكول األول لسنة ‪ 1977‬ألنه يعترف بحروب حركات‬
‫التحرير كنزعات دولية‪.‬‬
‫يذكر أنه في ‪ 05‬فيفري ‪ 2022‬أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرار أقرت فيه واليتها القضائية‬
‫اإلقليمية في فلسطين‪ ،‬وهو ما يعتبر خطوة جد إيجابية تنتظر خطوات أخرى وجهود دولية لتقديم مجرمين‬
‫صهيونيين للمحاكمة أمامها بشان الجرائم الصهيونية المرتكبة في فلسطين بعد تاريخ ‪.2015‬‬

‫‪39‬‬

You might also like