You are on page 1of 63

1

‫تصميم الغالف‪ :‬حذيفة بلهوشات‬

‫‪2‬‬
‫الفهرس‬

‫المقدمة‪4 ....................................................................................‬‬

‫جهد سنوات‪9 ...............................................................................‬‬

‫إرهاب فكري‪ ،‬وتكفير ‪81 ...................................................................‬‬

‫فهم بالمقلوب ‪22 ...........................................................................‬‬

‫معارضة‪22 ..................................................................................‬‬

‫استنساخ ‪23 .................................................................................‬‬

‫باحث غير باحث‪44 .........................................................................‬‬

‫خلط أصول الفقه بمباحث الحديث‪49 ......................................................‬‬

‫كذب ‪18 ....................................................................................‬‬

‫هل هي خصومة مع البخاري؟ ‪14 ...........................................................‬‬

‫المراجع ‪11 .................................................................................‬‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد لله والصالة والسالم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫فقد احتفى عبد النبي الشراط مدير (دار الوطن) بإصدار كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة)‬

‫لرشيد أيالل‪ ،‬ولم ينس في تقديمه للكتاب أن يعرض دعايته لكتب سبق أن طبعتها الدار‪ ،‬فيفخر‬
‫على سبيل المثال بأن الدار طبعت كتاب (آذان األنعام)‪ ،‬ا‬
‫قائال في وصفه‪" :‬كتاب العصر‪ :‬نظرية آذان‬

‫األنعام دراسة قرآنية ألبحاث داروين في الخلق والتطور"(‪.)1‬‬

‫ثم يتحدث عن الداعي إلصدار كتاب (نهاية أسطورة)‪ ،‬بأنه "تبرئة الرسول المصطفى صلى الله‬

‫عليه وآله وسلم من كذب األفاكين‪ ،‬وخفافيش فقه الظالم‪ ،‬الذين يحرفون الكالم عن مواضعه‬
‫ليشتروا بآيات الله ثمنًا ً‬
‫قليال" (‪.)2‬‬

‫بهذا االنفعال والتشنج أعلن مدير دار الوطن تقديمه للكتاب‪ ،‬ولمعرفة شيء عن نوعية الكتب‬
‫التي يحتفي بها مدير الدار‪ ،‬يجدر الحديث ا‬
‫قليال عن "كتاب العصر" كما يصفه‪ ،‬فكتاب آذان األنعام‪،‬‬

‫مجرد كتاب تجاري‪ ،‬وال يوجد فيه أي محتوى علمي‪ ،‬ال عن داروين وال في العلوم الشرعية‪ ،‬وعلى‬

‫سبيل المثال‪ ،‬يبدأ الكاتبان فيه بالحديث عن معتقد داروين بالقول‪:‬‬

‫"ال يشك أحدٌ أنه مات موحدً ا على الفطرة السليمة"(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬رشيد أيالل‪ ،‬دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر‪ ،‬المغرب‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪2183‬م‪ ،.‬ص‪.88‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫(‪ )3‬آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور‪ ،‬تأليف‪ :‬عماد محمد بابكر حسن‪ ،‬باالشتراك‬
‫مع‪ :‬عالء الدين محمد بابكر حسن‪( ،‬نسخة إلكترونية)‪ ،‬الخرطوم‪ ،2113 ،‬ص‪.21‬‬
‫‪4‬‬
‫فمن أين لهما أنه ال يشك أحدٌ في هذا؟ فكيف وداروين نفسه قد شرح معتقده في سيرته‪ ،‬بأنه‬

‫كان مقتن اعا بوجود الله فترة كتابته (أصل األنواع) ثم تغير هذا المعتقد بعد ذلك‪ ،‬يقول‪" :‬مؤمن‬

‫بوجود الله‪ ،‬كان هذا االقتناع قو ّيا في ذهني‪ ،‬بقدر استطاعتي أن أتذكر‪ ،‬في الوقت الذي كنت أقوم‬

‫فيه بكتابة "نشأة األنواع الحية" (أصل األنواع) لكنه أصبح منذ ذلك الوقت يزيد ضع ًفا بشكل‬

‫تدريجي جدً ا‪ ،‬مع الكثير من التقلبات‪ ،‬ولكن الشك انبثق بعد ذلك"(‪ ،)4‬إلى أن قال‪" :‬ال بد لي‬

‫إلها وال ينفيه‪ ،‬فهو ال‬


‫شخص ًّيا بأن أكون قان ًعا‪ ،‬بأن أظل مؤمنًا بالمذهب الال أدري"(‪ ،)5‬فهو ال يثبت ا‬
‫يدري‪ ،‬ومع ذلك فال يشك أحدٌ فيما قاله المؤلفان!‬

‫وقد قام المؤلفان باختراع نظرية من ذهنيهما في تصوير داروين‪ ،‬مع توزيع ما تشتت من‬

‫خواطرهما في الكتاب على أنها تفسير لآليات واألحاديث‪ ،‬ليقوال على سبيل المثال‪﴿" :‬ولِل ِه َع َلى‬

‫اع إِ َل ْي ِه َسبِ ايال﴾(‪ ،)6‬تعني قصده والتد ّبر في أسراره واألحداث التي دارت‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ ِ‬
‫اس حج ا ْل َب ْيت َم ِن ْ‬
‫اس َت َط َ‬
‫عنده‪ ،‬وهذا أمر ال يتطلب الزيارة"(‪.)7‬‬

‫است ََوى‬
‫وهذا معناه نفي ركن من أركان اإلسالم بهذا التأويل الفاسد‪ ،‬أما تفسير قوله تعالى‪﴿ :‬ثم ْ‬
‫َع َلى ا ْل َع ْر ِ‬
‫ش﴾(‪ ،)8‬فهو عندهما "أن يحترم الله ذلك النظام الذي صنعه ويتحكم فيه!"(‪ )9‬وعالمة‬

‫التعجب من المصدر نفسه على نفسه‪.‬‬

‫(‪ )4‬قصة حياة تشارلس داروين‪ ،‬تحرير‪ :‬فرانسيس بيكون‪ ،‬ترجمة ومراجعة‪ :‬مجدي محمود المليجي‪ ،‬المركز القومي‬
‫للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،2188 ،‬ص‪.283‬‬
‫(‪ )5‬قصة حياة تشارلس داروين‪ ،‬ص‪ ،283‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫(‪ )6‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.93 :‬‬
‫(‪ )7‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫(‪ )8‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.14 :‬‬
‫(‪ )9‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫‪5‬‬
‫وفي تفسيرهما لقوله تعالى‪﴿ :‬و َال َت ْق َر َبا َه ِذ ِه الش َج َر َة َفتَكونَا ِم َن الظال ِ ِمي َن﴾ (‪ ،)10‬قاال‪" :‬التي منع‬

‫آدم من االقتراب منها وهي الجماع بين الزوج والزوجة" (‪ ،)11‬فهذا وأمثاله جعل من الكتاب في نظر‬

‫عبد النبي كتاب العصر‪ ،‬وليس من تحريف الكلم عن مواضعه!‪ ،‬فكيف إذا أضيف إلى هذا ثقل‬
‫األسلوب بتك ّلف التقليد فيكتبان ا‬
‫مثال‪" :‬معالم في الطريق"(‪" ،)12‬إبراهيم كان شخصية متقدة‬

‫ثورية"(‪" ،)13‬اإلعجاز الفني في القرآن"(‪" ،)14‬اإلعجاز القرآني يرسم رائعة فنية "(‪ ،)15‬وهذا مجرد‬

‫تقليد ومحاكاة لسيد قطب في أسلوبه بل في عين كلماته‪.‬‬

‫وفي شرح عملية التطور التي ابتكراها‪ ،‬يقوالن‪" :‬لما أصبح مخ اإلنسان العاقل ً‬
‫قابال ألن تنتقل‬

‫إليه علو ٌم ال يعلمها إال رب العالمين‪ ،‬بدأت عملية نقل بعض السلطات اإللهية إليه"(‪.)16‬‬

‫فهذا النص وأمثاله لم يزعج مدير الدار‪ ،‬وأخذ يصيح على غيره بأنهم يشترون بآيات الله ثمناا قلي اال‪،‬‬
‫ولم ِ‬
‫يكفه االسترزاق بهذا الكتاب‪ ،‬حتى قفز إلى المشاركة في الصخب حول صحيح البخاري‪ ،‬فهو‬

‫موضوعه (كتاب العصر) الجديد‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫"أدعو الباحثين المنقبين في بطون كتب التراث‪ ،‬إلى أن يقارنوا بين الديانة الزرداشتية التي كان مهدها‬

‫بالد فارس قبل مجيء اإلسالم‪ ،‬وبين بعض ما ورد في كتاب (صحيح البخاري) سيما في مسألة‬

‫(‪ )11‬سورة البقرة‪.21 :‬‬


‫(‪ )11‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪213‬‬
‫(‪ )12‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.288‬‬
‫(‪ )13‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.282‬‬
‫(‪ )14‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.229‬‬
‫(‪ )15‬آذان األنعام‪ ،‬ص‪.229‬‬
‫(‪ )16‬آذان األنعام‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪6‬‬
‫المعراج‪ ،‬ليقفوا على تأثير الديانة بل الديانات والتقاليد الفارسية القديمة على هذا الكتاب"(‪ ،)17‬أما‬

‫الحل بنظره فهو "العودة إلى المنبع اإلسالمي الصافي‪ :‬القرآن الكريم"(‪.)18‬‬

‫فيقال له‪ :‬الكالم الذي ألقاه على عواهنه بأن البخاري حوى أساطير من الزرداشتية‪ ،‬هو محض‬

‫دعوى قالها دون أن يستعرض تفاصيلها‪ ،‬ليثبت التطابق فيها‪ ،‬بخالف الحال في الكتاب الذي يقدّ م‬
‫ا‬
‫مشغوال‬ ‫له‪ ،‬حيث سيظهر أن فيه سرقة لجهد غير‪ ،‬ولكن صاحب دار النشر لم ير هذا‪ ،‬حيث كان‬

‫بتوجيه التهم إلى البخاري عن مراجعة ما يطبعه‪.‬‬

‫أما المقارنة التي يدعو إلى عقدها فقد قيل مثلها في القرآن نفسه‪ ،‬وهي مقارنات متهافتة‪ ،‬حيث‬

‫جاء في ملحمة جلجامش التي تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميالد(‪ ،)19‬أن "اآللهة العظام رغبوا‬

‫بإحداث الطوفان"(‪" ،)20‬احمل ذرية الحياة كلها إلى قلب الفلك‪ ،‬الفلك التي تبنيها أنت"(‪،)21‬‬

‫" اكتسحت العاصفة البالد ليوم واحد‪ ،‬لقد هبت بسرعة‪ ،‬ثم جاء الطوفان‪ ،‬مثل حرب غمر الناس‪،‬‬

‫لم يعد األخ يرى أخاه‪ ،‬ولم يعد الناس يميزون السماء"(‪ ،)22‬فهل يثبت هذا أن هذه هي مصدر قصة‬

‫حتما ال‪ ،‬إذ إن القرآن لما ذكر قصة نوح لم يقل إنه أنشأ القصة في وقت النزول‪ ،‬بل تحدث‬
‫نوح؟ ا‬
‫عن واقعة حصلت موضوعيا من قبل‪ ،‬فال يمنع هذا أن يخبر عنها بعض الناس على غير وجهها‪ ،‬كما‬

‫لم يقل هي القصة الوحيدة التي حصلت في العالم‪ ،‬وال تطابق بين األمرين‪.‬‬

‫(‪ )17‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.82‬‬


‫(‪ )18‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.82‬‬
‫(‪ )19‬انظر‪ :‬ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش‪ ،‬نائل حنون‪ ،‬دار الخريف‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2113 :‬م‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )21‬ملحمة جلجامش‪ ،‬ص‪.289‬‬
‫(‪ )21‬ملحمة جلجامش‪ ،‬ص‪.221‬‬
‫(‪ )22‬ملحمة جلجامش‪ ،‬ص‪.224‬‬
‫‪7‬‬
‫يمت إلى العلمية بصلة‪ ،‬فقد ألقى كلماته دون أي‬
‫والشاهد هنا أن ما يسلكه صاحب الدار ال ّ‬

‫بيان‪ ،‬إنما هو مجرد بيع وه ٍم‪ ،‬على أنه معرفة‪ ،‬ومن هنا يصير الجهل مر ّك ابا فيمن يصدق أمثال هذا‪،‬‬

‫ولكنها فنيات التسويق‪ ،‬ومن هنا احتفت الدار بكتاب رشيد أيالل‪ ،‬الذي لم يخرج عن إطار بيع‬

‫الوهم‪ ،‬كغيره من الكتب التجارية التي تنشرها هذه الدار وتبالغ في تمجيدها‪.‬‬

‫التقول على صاحبه‪ ،‬وتبين الوهم الذي يباع للناس على أنه‬
‫السطور القليلة‪ ،‬لترد ّ‬
‫فجاءت هذه ّ‬
‫حقيقة‪ ،‬ولم أتتبع الكاتب في كل زلة له فيه إنها إ اذا ستطول‪ ،‬إنما هي مسائل منبئة عن غيرها‪ ،‬تبين‬

‫جد ّية الكاتب‪ ،‬وأهليته‪ ،‬وأمانته المعرفية‪.‬‬

‫يوسف سمرين‬

‫القدس‬

‫‪2183/88/1‬م‬

‫‪8‬‬
‫جهد سنوات‬

‫جاء في العرض على غالف الكتاب‪" :‬وإن كان المؤلف لم ِ‬


‫يأت بشيء من عنده‪ ،‬فإنه بذل جهدً ا‬ ‫َ‬
‫مضن ًيا في البحث والتنقيب‪ ،‬الذي أخذ منه سنوات من الوقت"‪ ،‬صدّ قت بالشطر األول من كالمهم‬

‫أول ما طالعت الكتاب‪ ،‬ولكن التساؤل تعلق بالشطر الثاني‪ ،‬وهو الحديث عن جهد سنوات من‬

‫البحث والتنقيب‪ ،‬وهذا يصطدم بالمراجع المذكورة في الكتاب‪ ،‬وطريقة التوثيق‪ ،‬مما يدفع إلى‬

‫السؤال‪ :‬هل هو جهد سنوات كما قيل في التقديم له؟‬

‫صحيحا‪ ،‬فهذا يعني أن شبكة اإلنترنت عنده ضعيفة جدا ا‪ ،‬وهذا شيء من مراجع‬
‫ا‬ ‫فإن كان هذا‬

‫الكتاب والتي قد ينقل عنها صفحات كاملة‪ ،‬وطريقة التوثيق‪:‬‬

‫‪" .8‬ورد في موقع األلوكة تعليق على القصة من طرف أحد المعلقين"(‪.)23‬‬
‫‪" .2‬سأنقل لكم ً‬
‫مقاال للكاتب المصري عبد الفتاح عساكر بمنتدى الواحات المصرية"(‪.)24‬‬

‫‪" .2‬إسالم البحيري في مقالة له على موقع اليوم السابع"(‪.)25‬‬

‫‪" .4‬جاء في منتدى األزهري ن ًقال عن الشيخ محمد العمراوي"(‪.)26‬‬

‫‪" .1‬وجدت مقالة جامعة منشورة على منتدى السودان"(‪)27‬واستغرق نقله للمقالة أكثر من ‪81‬‬

‫صفحات من الكتاب(‪.)28‬‬

‫(‪ )23‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.814‬‬


‫(‪ )24‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.822‬‬
‫(‪ )25‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.819‬‬
‫(‪ )26‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.828‬‬
‫(‪ )27‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.822‬‬
‫(‪ )28‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.844‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ .3‬وقد يوثق من المكتبة الشاملة‪ ،‬فيقول‪" :‬انتهى بنصه من مقدمة الفتح عن الموسوعة‬

‫الشاملة"(‪ ،)29‬وال أعلم نوع المستعرض الذي عمل عليه!‬

‫‪ .3‬ويقتبس صفحتين عن "عماد الحسن رحمه الله في مقالة له نشرها على صفحته‬

‫الفيسبوكية"(‪.)30‬‬

‫فهذا وأمثاله مأل به كتابه‪ ،‬ولم يجد في دار النشر من ينبهه على أن هذه الطريقة قد تسيء إلى‬

‫سمعته ككاتب‪ ،‬أو إلى الدار على أنها ربحية تجارية غير جادة‪ ،‬فكيف والموضوع له عنوان كبير‪،‬‬

‫مثل الذي يحمله الكتاب؟‬

‫ولبيان الجهد المبذول في الكتاب يحسن التعرض ألول صفحة في الكتاب‪ ،‬ولك أن تقيس عليها‬

‫الباقي‪:‬‬

‫فأول ما بدأ به الكاتب كتابه‪ ،‬فصل فيه‪( :‬منع الرسول للصحابة من تدوين كالمه)(‪ ،)31‬وابتدأ كالمه‬

‫بقوله‪" :‬سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة"(‪ ،)32‬فقال‪" :‬روى أحمد ومسلم‬

‫‪ :...‬ال تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن‪ ،‬فمن كتب عني غير القرآن فليمحه"(‪.)33‬‬

‫ثم قال الكاتب في محاولة بيان حرصه على التوثيق‪" :‬وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد‬

‫الخدري‪ ،‬قال‪( :‬جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى)‪ .‬كتاب الزهد‬

‫(‪ )29‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.93‬‬


‫(‪ )31‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫(‪ )31‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )32‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )33‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫‪11‬‬
‫والرقائق‪ ،‬باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم‪ ،‬من طريق زيد بن أسلم‪ ،‬عن عطاء بن يسار‪،‬‬

‫عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به"(‪.)34‬‬

‫والحديث بهذا اللفظ‪ ":‬جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى "‪ ،‬الذي‬

‫أسهب الكاتب في بيان موضعه في صحيح مسلم‪ ،‬ليس في الموضع الذي نسبه إليه وتبجح بإثباته‪،‬‬
‫بل الطريف أنه بهذا اللفظ ليس في صحيح مسلم ا‬
‫أصال!‪ ،‬ويظهر أنه بحث على الشبكة ووهم فظن‬

‫أن اللفظ الثاني في صحيح مسلم وليس فيه‪ ،‬ونسخ موض اعا ليس فيه ذلك اللفظ‪ ،‬وهذا يبين أي جهد‬

‫مبذول في الكتاب‪.‬‬

‫وهو بهذا اللفظ في (المحدّ ث الفاصل) للرامهرمزي‪ ،‬وفي سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‬

‫وهو ضعيف(‪.)35‬‬

‫أثرا من مراسيل ابن أبي مليكة‪ ،‬ثم نقل عن طبقات ابن سعيد‪ ،‬وما ينقله إنما يستنسخه عن‬
‫ثم نقل ا‬
‫المحمدية)‪ ،‬لكاتبه محمود أبو ر ّية‪ ،‬فقد ساق نفس ترتيب اآلثار فيها(‪،)36‬‬
‫ّ‬ ‫كتاب (أضواء على السنة‬

‫وهذه مقارنة سريعة‪:‬‬

‫في كتاب (أضواء على السنة المحمدية)‪:‬‬

‫‪-8‬بدأ برواية حديث أبي سعيد عن أحمد ثم ذكر مسلم واختصر الحديث حيث إنه له في مسل ٍم بق ّية‬

‫لم يذكرها أبو رية‪" :‬وحدّ ثوا عني وال حرج ‪.)37("...‬‬

‫(‪ )34‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.83‬‬


‫(‪ )35‬انظر‪ :‬المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي‪ ،‬الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عجاج‬
‫الخطيب‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪ ،‬ص ‪.239‬‬
‫(‪ )36‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬محمود أبو ر ّية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫حجاج‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪-‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ‪ ،8233‬حديث رقم‪.2114 :‬‬
‫(‪ )37‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن ّ‬
‫‪11‬‬
‫‪ – 2‬ثم ذكر أنهم استأذنوا فلم يؤذن لهم‪-2 ،‬نقل عن مراسيل ابن أبي مليكة‪-4 ،‬نقل عن ابن سعد‬

‫من الطبقات(‪.)38‬‬

‫وفي (صحيح البخاري نهاية األسطورة)‪:‬‬

‫‪-8‬بدأ برواية الحديث عن أحمد ثم مسلم ووقع اختصاره للحديث على نحو كتاب محمود أبو‬

‫رية‪-2 ،‬حديث (جهدنا‪ )...‬فزعم أن الحديث في صحيح مسلم فأخطأ! ‪-2‬أنهم استأذنوا فلم يؤذن‬

‫لهم‪-4 ،‬نقل عن مراسيل ابن أبي مليكة‪-1 ،‬نقل عن ابن سعد من الطبقات‪.‬‬

‫هذه اسمها سرقة مكتملة األركان‪.‬‬

‫مقارنة بالصور بين كتاب محمود أبو رية‪ ،‬وكتاب رشيد أيالل‪:‬‬

‫(‪ )38‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص ‪.21-89‬‬


‫‪12‬‬
‫النص األول من كتاب (أضواء على السنة)(‪:)39‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫(‪ )39‬الصورة من كتاب (أضواء على السنة المحمدية)‪ ،‬لمحمود أبو رية‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫‪13‬‬
‫النص الثاني من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة)(‪:)40‬‬

‫والنص الذي في المربع األحمر‪ ،‬هو للحديث الذي أقحمه أيالل في النص األصلي وقد أخطأ‬

‫في تخريجه‪ ،‬وحاول التمويه في النص األصلي‪.‬‬

‫فهذا حال باحث يريد أن ينقد البخاري؟!‬

‫وهذا الذي تمسح بعنوان "انتقاد التراث الديني"(‪ ،)41‬كان حريا به أن يتعلم من هذا التراث منهج‬

‫البحث الرصين‪ ،‬ويعتبر بقولهم‪" :‬من جربنا عليه الكذب‪ ،‬والقول المضطرب‪ ،‬والخروج عن‬

‫أسلوب الصادقين‪ ،‬إلى أسلوب المدّ عين الدعاوى الكاذبة والسارقين‪ ،‬فإنه عندنا محكوم له بالجرح‪،‬‬

‫وأقواله ملغاة إلى حد الطرح"(‪.)42‬‬

‫(‪ )41‬الصورة من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة)‪ ،‬لرشيد أيالل‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )41‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )42‬الفارق بين المصنف والسارق‪ ،‬عبد الرحمن السيوطي‪ ،‬حققه‪ :‬هالل ناجي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪8991 :‬م‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫‪14‬‬
‫و نبقى في الصفحة األولى‪ ،‬فبما أنه يستنسخ حججه من كتاب (أضواء على السنة المحمدية)‪،‬‬

‫فقد كان حر ايا به أن يرجع إلى الكتاب الذي رد عليه فيه أحد علماء الحديث‪ ،‬وهو عبد الرحمن بن‬

‫يحيى المع ّلمي‪ ،‬وحمل رده عنوان (األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل‬

‫والتضليل والمجازفة)‪ ،‬الذي ألقمه فيه المعلمي الحجر‪ ،‬وب ّين له كيف يكون العلم‪.‬‬

‫وقول هذا الرجل‪" :‬سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة"(‪ ،)43‬ثم ذكره‬

‫مرفوعا عند بعض كبار المحدّ ثين‪،‬‬


‫ا‬ ‫لحديث أبي سعيد الخدري في صحيح مسلم‪ ،‬فالحديث ال يصح‬

‫فالبخاري نفسه الذي يكتب عنه هذا الرجل‪ ،‬ال يصحح رفع الحديث‪ ،‬يقول ابن حجر‪" :‬منهم من‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫أعل حديث أبي سعيد وقال‪ :‬الصواب وقفه على أبي سعيد‪ ،‬قاله البخاري وغيره"(‪.)44‬‬

‫ولو رجع إلى كتاب المعلمي لوجده يذكر هذا(‪ ،)45‬فلِ َم يل ّبس على الناس بأنه حديث صحيح عند‬

‫المحدثين‪ ،‬وكأنه ال يوجد فيه نقاش هل هو من قول أبي سعيد نفسه‪ ،‬أم هو مرفوع؟‬

‫ويل ّبس على الناس بعدم ذكر األحاديث األكثر واألقوى في كتابة الحديث واإلذن بها‪ ،‬ففي‬

‫علي وكان فيها العقل‪ ،‬وفكاك األسير‪،‬‬


‫صحيح البخاري‪( :‬باب كتابة العلم)‪ ،‬وفيه حديث صحيفة ّ‬
‫وأن ال َ‬
‫يقتل مسلم بكافر(‪ ،)46‬وقد كان عبد الله بن عمرو يكتب الحديث(‪ ،)47‬وفيه اإلذن بالكتابة من‬ ‫ْ‬

‫صريحا(‪.)48‬‬
‫ا‬ ‫النبي صلى الله عليه وآله وسلم‬

‫(‪ )43‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.83‬‬


‫(‪ )44‬فتح الباري‪ ،‬علي بن أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫ص‪.211‬‬
‫(‪ )45‬األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة‪ ،‬عبد الرحمن بن يحيى‬
‫المعلمي‪ ،‬عالم الكتب‪-‬بيروت‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )46‬انظر‪ :‬البخاري حديث رقم‪ ،888 :‬فتح الباري‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.214‬‬
‫(‪ )47‬انظر‪ :‬البخاري حديث رقم‪ ،882 :‬فتح الباري‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.213‬‬
‫(‪ )48‬انظر‪ :‬البخاري حديث رقم‪ ،882 :‬فتح الباري‪ ،‬دار الكتب السلفية‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.211‬‬
‫‪15‬‬
‫فمدار المنع على حديث أبي سعيد الخدري‪ ،‬ولو س ّلم أنه يعارض غيره‪ ،‬فغيره أوثق‪ ،‬وأصح‪،‬‬

‫وأكثر‪ ،‬ولو أراد أن ينسب الوهم لمن رواه عن أبي سعيد‪ ،‬لكان أقرب من نسبته إلى الرواة اآلخرين‪،‬‬

‫ولو كان يريد أن ينسب الوهم فيه ألبي سعيد لكان أقرب من نسبة الوهم إلى غيره من الصحابة! فهو‬

‫فرد وغيره أكثر منه‪ ،‬فكيف إن أمكن الجمع بين الروايات وعدم ضربها ببعضها؟‬

‫يقول المعلمي‪" :‬ليس في النهي غير حديثين‪ ،‬أحدهما متفق على ضعفه وهو المروي عن زيد بن‬

‫ثابت‪ ،‬والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد‪ ،‬فأما أحاديث اإلذن فلو لم يكن منها إال‬

‫حديث أبي هريرة في اإلذن لعبد الله بن عمرو لكان أصح مما جاء في النهي" (‪.)49‬‬

‫ولكن الرجل ال يعبأ بالحديث ا‬


‫أصال‪ ،‬فيقول‪" :‬ال يمكننا بأي حال من األحوال اعتبار خرافة‬

‫علما‪ ،‬ألنها ال تملك من العلم شيئًا‪ ،‬ومنهجها منهج أهواء‪ ،‬وأسلوبها انتقائي مزاجي‪،‬‬
‫الحديث ً‬
‫يخضع ألقوال الرجال"(‪.)50‬‬

‫لما يحسبها توافق هواه يصيح ا‬


‫قائال‪ ":‬تدل داللة قطعية على منع الرسول ألصحابه من‬ ‫ولكنه ّ‬
‫تدوين كالمه"(‪ ،)51‬ثم لما يخالف األمر هواه يقول‪" :‬لمن يقدّ س الصحابة ما عليه إال قراءة القرآن‬

‫‪ ....‬يمكنك أيها المقد س المقلد أن ترجع إلى األحاديث التي تسميها صحيحة لتقف على رأي‬

‫الصحابة في بعضهم" (‪.)52‬‬

‫حجرا‬
‫ا‬ ‫فهو ال يعبأ بالصحابة‪ ،‬وال يس ّلم بصحة األحاديث‪ ،‬فعال َم إ اذا صار حديث أبي سعيد‬

‫أساس ّيا في طرحه‪ ،‬لدرجة أنه قطعي الداللة؟!‬

‫(‪ )49‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.42‬‬


‫(‪ )51‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫(‪ )51‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.89‬‬
‫(‪ )52‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪16‬‬
‫وحتى يظهر إلى أي درجة لم يتعلم المؤلف الدرس‪ ،‬كرر نفس اآلثار التي رد عليها المع ّلمي من‬

‫قبل دون أي تغيير‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫"ورد في طبقات ابن سعد‪ :‬أن األحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه‬

‫بها‪ ،‬فلما أتوه بها أمر بتحريقها"(‪.)53‬‬

‫وفرح بهذا األثر‪ ،‬ليكرر‪" :‬إن عمر بن الخطاب قام بحرق نسخ الحديث المكتوبة بعد‬

‫جمعها"(‪.)54‬‬
‫ً‬

‫وهذا األثر نقله أبو رية قب َله(‪ ،)55‬ولو كان هذا الرجل طال ابا للحق لرجع إلى رد المعلمي‪ ،‬حيث إن‬

‫هذا األثر سنده‪:‬‬

‫علي أحاديث فقال‪ :‬إن األحاديث‬


‫عن عبد الله بن العالء قال‪ :‬سألت أبي القاسم بن محمد أن يملي ّ‬
‫كثرت على عهد عمر ‪ ...‬فساق األثر‬

‫أيضا إنما ولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة"(‪ ،)56‬فهذا األثر‬
‫قال المعلمي عقبه‪" :‬هذا منقطع ً‬

‫ال يصح‪ ،‬فلم تستدل به؟‬

‫أما فرحه بمراسيل ابن أبي مليكة‪ ،‬فقد أجاب المعلمي على نفس األثر‪" :‬ال ندري ما سنده إلى‬

‫ابن أبي مليكة‪ ،‬وب ّين الذهبي أنه مرسل أي منقطع‪ ،‬ألن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر وال كاد‪ ،‬ومثل‬

‫بحجة‪ ،‬إذ ال يدرى ممن سمعه"(‪.)57‬‬


‫ذلك ليس ّ‬

‫(‪ )53‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.81‬‬


‫(‪ )54‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )55‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫(‪ )56‬األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة‪ ،‬عبد الرحمن بن يحيى‬
‫المعلمي‪ ،‬عالم الكتب‪-‬بيروت‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )57‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫‪17‬‬
‫فهذا فحسب في أول صفحة من كتابه!‬

‫ثم بعد ذا بصفحتين قال‪" :‬وهنا ارتأيت أن أنقل لكم ما أورده المفكر المصري محمود أبو رية‬

‫رحمه الله في كتابه (أضواء على السنة المحمدية)"(‪ ،)58‬فيقال له‪ :‬ها أنت كنت قاد ارا أن تنسب كالم‬
‫لتتشبع بما لم َ‬
‫تعط‪ ،‬ولماذا لم تشر إلى من‬ ‫َ‬ ‫محمود أبو رية إليه‪ ،‬ولكنك أخفيت مصدره أول األمر‪،‬‬
‫ٍ‬
‫سنوات في البحث‬ ‫رد عليه مر اة واحدة؟ فهل جهلت ر ّد المع ّلمي عليه؟ وأنت يفترض أنك َج ِهدت‬

‫والتنقيب‪ ،‬كما جاء هذا الزعم في تقديم الكتاب!‬

‫وحتى ال يطول الحديث ويتشعب‪ ،‬وحتى ال يقال في الرد على هذا الرجل بما ليس له أص اال‪،‬‬

‫يمكن للقارئ أن يرجع إلى رد المعلمي المذكور‪ ،‬على محمود أبو رية‪ ،‬وكتابه‪ ،‬فقد وفى بالمطلوب‬

‫وزيادة‪.‬‬

‫(‪ )58‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫‪18‬‬
‫إرهاب فكري‪ ،‬وتكفير‬

‫عمد المؤلف إلى استعمال أساليب غير علمية‪ ،‬ومن بين تلك األساليب رمي المخالفين له‬

‫بالتهم الجاهزة‪ ،‬فيقول‪" :‬ما داعش التي نبتت بين ظهرانينا إال نتاج هذه المرويات المنسوبة لرسول‬

‫زورا وبهتانًا"(‪.)59‬‬
‫الله ً‬

‫"من هنا جاءت داعش‪ ،‬وجاءت كل التصورات اإلرهابية‪ ،‬من هذا الموروث الديني"(‪.)60‬‬

‫مرارا‪" :‬ما أسس الفكر اإلرهابي المدمر‪ ،‬إال مرويات تناقلتها كتب‬
‫وبقي يكرر هذه االسطوانة ا‬
‫التراث‪ ،‬ومنها صحيح البخاري"(‪.)61‬‬

‫وهو يريد بهذا إرهاب غيره فحسب‪ ،‬بأن من لم يوافق آراءه فهو إرهابي‪ ،‬وبذا يجر الحوار العلمي‬

‫إلى تهم جاهزة بحق المخالفين‪ ،‬فهل بهذه الطريقة يكون البحث؟ ولما سلك هذا المسلك‪ ،‬حق لنا‬

‫أن نسأل‪ ،‬من الذي يرفع على رؤوس الناس سيف التكفير بالهوى والباطل والزور؟‬

‫حرجا في وصفه ألحاديثه بقوله‪:‬‬


‫ا‬ ‫فصحيح البخاري الذي يتبعه أكثر المسلمين‪ ،‬لم يجد الكاتب‬

‫" المئات منها تحمل بكوارث خطيرة‪ ،‬فمنها ما تسيء إلى مقام األلوهية‪ ،‬ومنها ما تسيء إلى مقام‬

‫النبوة"(‪.)62‬‬

‫ويقول‪ " :‬السؤال الذي طرحناه إلسقاط أسطورة صحيح البخاري من برجها المبني على خرافة‬

‫تقديس الرجال‪ ،‬ورفعهم إلى مكانة األنبياء"(‪.)63‬‬

‫(‪ )59‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫(‪ )61‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.818‬‬
‫(‪ )61‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )62‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )63‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪19‬‬
‫ويقول‪" :‬شخصية محمد بن إسماعيل البخاري لما حملته من مالمح جعلت البعض يغالي فيها‬

‫ليرفعها إلى مقام األنبياء أو أكثر "(‪.)64‬‬

‫ولكن من الذي قال‪ :‬إن البخاري في مقام األنبياء من كل المسلمين؟ فكيف بأعلى من األنبياء؟‬

‫ويوضح أنه لما سمعهم يقولون‪ :‬إن البخاري صحيح‪،‬‬


‫ّ‬ ‫إن الكاتب يبين كيفية استنباطه لهذا االتهام‪،‬‬

‫فإنه فهم أن في هذا إساءة منهم إلى مقام األلوهية! إذ الكتاب الكامل ال يكون إال من الكامل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫" الكامل ال يصدر إال عن كامل‪ ،‬وبالتالي فالشيخ البخاري هو إنسان كامل‪ ،‬وال يجري عليه الذي‬

‫يجري على آدم وعلى أنبياء الله ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالبخاري أكمل من‬

‫الجميع وينازع الله في صفة الكمال"(‪.)65‬‬

‫على هذه الطريقة من وضع له مع ّلمه درجة كاملة في تصحيحه المتحانه ّ‬


‫لتفوق الطالب فإنه ينازع‬

‫الله في صفة الكمال!‪ ،‬وإذا نادى مظلوم بكامل حقوقه؟ فهو ينازع الله في صفة الكمال ألن الكامل‬

‫صحيحا للطالب‪ ،‬يقال له‪ :‬كفرت! ألنك نازعت الله في‬


‫ا‬ ‫ال يصدر إال عن كامل!‪ ،‬ومن وضع كتا ابا‬

‫الكمال‪.‬‬

‫ومن ألزم غيره بقانونه ما ظلمه‪ ،‬فعلى هذا على رشيد أيالل أن يقر بأن الخطأ الزم كل صفحة‬

‫من كتابه وأنه أخطأ‪ ،‬وسها‪ ،‬وغفل‪ ،‬في كل سطر من كتابه‪ ،‬بل في كل جملة فيه فإنها لم تكن كاملة‪،‬‬

‫وأن الصواب جانبها حتى ال يدّ عي الكمال‪-‬والعياذ بالله‪-‬وإال فقد ادعى ما ال يليق بالبشر‪ ،‬وزعم‬

‫فيه صفة كمال ال تصدر إال عن الله‪.‬‬

‫وبذا يذكرنا بأهل السفسطة القدامى‪ ،‬حين اعتمد بعض هؤالء على مقالة هرقليطس األفسسي‬

‫بأن األشياء ك ّلها في جريان دائم‪ ،‬حين قال‪" :‬ال يمكنك أن تنزل مرتين في النهر نفسه‪ ،‬ألن ً‬
‫مياها‬

‫(‪ )64‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.34‬‬


‫(‪ )65‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫‪21‬‬
‫جديدة تغمرك باستمرار"(‪ ،)66‬ودفعوا بهذه المقالة إلى حدودها القصوى‪ ،‬من أمثال أقراطيلوس‬

‫وتالمذته‪ ،‬فأنكروا أن يكون ثمة وجود لشيء مستقر‪ ،‬حتى إنهم ترفعوا عن كل نقاش‪ ،‬بل عن كل‬

‫افتراضا بثبات األشياء التي يدور حولها الكالم(‪ ،)67‬وكذلك الحال‬


‫ا‬ ‫كالم‪ ،‬بحجة أن النقاش يحوي‬

‫يزعم الصواب بأي كلمة يقولها‪ ،‬حتى ال يدعي الكمال‪ ،‬فيقع في‬
‫َ‬ ‫مع هذا الكاتب‪ ،‬فعليه أ ْن ال‬

‫البشري في كتاب ليس هو الكمال اإللهي‬


‫ّ‬ ‫المحظور‪ .‬وإال فما ذكره في هذا تخليط‪ ،‬فالكمال العلمي‬

‫الذي ال يماثله شيء في الوجود!‬

‫وفي كالمه مغالطة منطقية‪ ،‬حيث إن قوله‪" :‬الكامل ال يصدر إال عن كامل"‪ ،‬ال ينتج منه أن من‬
‫امال كان هو إذن ا‬
‫كامال‪ ،‬وذلك أن القول بأن كل كامل ال يصدر منه إال قول كامل‪ ،‬ال‬ ‫كان كتابه ك ا‬

‫عكس‬
‫ٌ‬ ‫يساوي أن كل قول كامل ال يصدر إال من كامل‪" ،‬فإن قولك كل إنسان حيوان‪ ،‬ال يلزم منه‬

‫عام‪ ،‬وهو أن كل حيوان إنسان"(‪.)68‬‬

‫ويتندر الغزالي بمن يقع بمثل هذه المغالطة فيقول‪:‬‬

‫"وال يستولي الشيطان بحيلته على الضعفاء أشد من إيهام العكس العام حتى ينتهي إلى‬
‫المحسوسات‪ ،‬حتى إن من رأى ً‬
‫حبال أسود مبرقش اللون‪ ،‬يرتاع منه لشبهه بالح ّية‪ ،‬وسببه معرفته أن‬

‫كل ح ّية فطويل مبرقش اللون‪ ،‬فيسبق وهمه إلى عكسه العام‪ ،‬ويحكم بأن كل طويل مبرقش اللون‬

‫فهو ح ّية"(‪.)69‬‬

‫(‪ )66‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬أميل برهييه‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت–لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪:‬‬
‫‪8913‬م‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )67‬انظر‪ :‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬أميل برهييه‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )68‬القسطاس المستقيم‪ ،‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬فيكتور شلحت‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،8912 ،‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )69‬القسطاس المستقيم‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪21‬‬
‫فالكاتب يبيع ما يسبق إلى أوهامه‪ ،‬فهذا حال الرجل الذي يتبجح بـ "االحتكام إلى العقل‬

‫والمنطق السليم"(‪!)70‬‬

‫ويخلط الكاتب بين قولنا البشر غير معصومين‪ ،‬وبين تحقق الخطأ فيهم‪ ،‬فاإلنسان يمكن أن‬

‫يخطئ‪ ،‬وال يلزم من هذا أن يكون مخط ائا‪ ،‬وإال صار للمحكمة الحق أن تصدر أحكامها على أي‬

‫بريء‪ ،‬كونه غير معصوم!‬

‫ولكن ماذا يقصد بقوله عن خصومه إن البخاري عندهم أكمل من الجميع وأنه ينازع الله في‬

‫صفة الكمال؟ بما أنه مغرم بالمقارنة مع داعش‪ ،‬أليس يقصد به‪" :‬شرك األنداد‪ ،‬وهو إثبات صفات‬

‫الله تعالى للمخلوقين"؟(‪ ،)71‬كما هي العبارة التي سطرها التنظيم في أحد كتبه المنشورة!‬

‫ا‬
‫مستقبال عما يطعن هو به‬ ‫فها هو يتفق معهم في هذا‪ ،‬بل ويزيد ليرمي من خالفه بل من سيدافع‬

‫من أحاديث بقوله‪" :‬سينبري ع ّباد البشر إلى الدفاع عن هذا"(‪ ،)72‬فها هو يسمي مخالفيه بعباد البشر‪،‬‬

‫ال أنهم يعبدون الله وحده‪ ،‬أليس هذا هو التكفير؟‬

‫وانظر ماذا يصف المخالفين له بقوله‪:‬‬

‫" قداسة األشخاص حيث تم رفعهم إلى مقامات أعلى من مقامات النبوة والرسالة‪ ،‬وحق فينا ما‬

‫حق في األمم السابقة‪ ،‬التي ألهت البشر من دون الله‪ ،‬واتخذتهم أربا ًبا" (‪.)73‬‬

‫(‪ )71‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫(‪ )71‬شرك الطاعة‪ ،‬أبو صهيب العراقي‪ ،‬المكتب اإلعالمي‪ ،‬الدولة اإلسالمية في العراق والشام‪ ،‬والية نينوى‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )72‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.33‬‬
‫(‪ )73‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.881‬‬
‫‪22‬‬
‫فهذا ال عالقة له بالبحث العلمي‪ ،‬إنما له َن َفس إرهاب للخصوم‪ ،‬وتكفيرهم‪ ،‬بهذه الحجج‬

‫الخطاب ّية‪ ،‬لمحاولة التأثير على نفس ّية القارئ‪ ،‬ولذا كان الكتاب بيع وهم‪ ،‬يلعب على وتر التخجيل‪،‬‬

‫واإلرهاب‪ ،‬والتدليس‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫فهم بالمقلوب‬

‫الوفي‪ ،‬ويبلغ األمر بهذا‬


‫ّ‬ ‫الفهم بالمقلوب كان رفي اقا أميناا لسطور المؤلف‪ ،‬فهو صديقها‬

‫الرجل أن يقلب األمور تما اما‪ ،‬ففي إسراعه إلى نصرة هواه يقول عن ابن َح َجر‪:‬‬

‫"يستشهد بقول المديني شيخ البخاري‪" :‬دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه" وهذا القول وإن كان‬

‫صريحا للبخاري‪ ،‬واتهامه من شيخه‬


‫ً‬ ‫ذما‬
‫ورد من ابن حجر في سياق المدح إال أن المتمعن فيه يجده ً‬
‫مدحا‪ ،‬على رغم‬
‫بأنه كان ال يرى إال نفسه‪ ،‬لكن العقول تطمس في مثل هاته المناسبات لترى الذم ً‬
‫أنف اللغة‪ ،‬وعلى رغم أنف العقل"(‪.)74‬‬

‫فبهذا التبجح بالعقل واللغة‪ ،‬لم ينقل السياق كما هو‪ ،‬لو كان يتعامل باحترام مع القارئ على أقل‬

‫تقدير‪ ،‬وها هو السياق‪:‬‬

‫"علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك حتى كان يقول ما‬

‫استصغرت نفسي عند أحد إال عند علي بن المديني ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك‬

‫عن البخاري يقول دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه"(‪.)75‬‬

‫فالبخاري كان يثني على ابن المديني ويهضم من حق نفسه بجانبه‪ ،‬فيقول ابن المديني‪ :‬دعوا‬

‫قوله في استصغاره لنفسه‪ ،‬فهو لم ير مثل نفسه‪ ،‬يعني في العلم واإلتقان‪ ،‬وإن كان يقول غير ذلك‬

‫تواض اعا‪.‬‬

‫(‪ )74‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.91‬‬


‫(‪ )75‬هدي الساري مقدّ مة فتح الباري‪ ،‬علي بن أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار الكتب‬
‫السلفية‪ ،‬ص‪.243‬‬
‫‪24‬‬
‫فهذا صريح أنه يعني أن البخاري أفضل منه‪ ،‬وهذه الصيغة مشهورة متكررة في كتب الرجال‪ ،‬مما‬

‫دفع بعض المصنفين إليرادها في كتابه فقال‪:‬‬

‫" فرق بين قول أحدهم ما رأيت مثل فالن‪ ،‬وقوله‪ :‬ما رأى فالن مثل نفسه‪ ،‬القول الثاني أعلى في‬

‫رحال مجتهد لقي المشايخ فأكثر وناظر أهل‬


‫المدح ألن الذي يقال فيه ما رأى مثل نفسه الظاهر أنه ّ‬
‫العلم فظهر تفوقه عليهم‪ ،‬ومن ناحية أخرى من قال‪ :‬فالن ما رأى مثل نفسه‪ ،‬يدخل في جملتهم‬

‫يفضله على الناس جمي ًعا وعلى نفسه"(‪.)76‬‬


‫القائل وأنه بهذه الكلمة ّ‬

‫وذكر أمثلة على هذا كالقول في سفيان الثوري‪ :‬ما رأى مثل نفسه‪ ،‬وقول الحاكم في الدارقطني‬

‫مثل هذا(‪.)77‬‬

‫فلعله الكاتب يحسب أن هذه الكلمة تماثل ما جاء في تقديم الناشر له ولكتابه‪" :‬المؤلف لم ِ‬
‫يأت‬

‫بشيء من عنده"‪ ،‬فهي وإن كان مقصدها المدح‪ ،‬إال أن سطوره حملتها على الذم دون أدنى تأويل‪.‬‬

‫بل إن من ال يفهم العبارة السابقة يبلغ به األمر أن يقول‪" :‬الشيخ البخاري ذو أصل فارسي فاللغة‬

‫العربية ليست لغته األصلية"(‪.)78‬‬

‫والواقع أن جد أبيه أسلم(‪ ،)79‬وأبوه إسماعيل بن إبراهيم طلب العلم‪ ،‬والعلم في تلك الفترة يطلق‬

‫يتيما‪ ،‬وانهمك في طلب العلم‬


‫على العلوم الشرعية وآالتها وأهمها العربية‪ ،‬وقد نشأ البخاري ا‬
‫صغيرا‪ ،‬حتى صنّف وحدّ ث وما في وجهه شعرة(‪ ،)80‬وإذا كانت لغة المعارف في تلك األزمان هي‬
‫ا‬

‫(‪ )76‬شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل‪ ،‬مصطفى بن إسماعيل‪ ،‬تقديم‪ :‬مقبل بن هادي الوادعي‪ ،‬مكتبة ابن‬
‫تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪8998 :‬م‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.434‬‬
‫(‪ )77‬شفاء العليل‪ ،‬ج‪.434 ،8‬‬
‫(‪ )78‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.834‬‬
‫(‪ )79‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬صالح السمر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الحادية عشرة‪8993 :‬م‪ ،‬ج‪ ،82‬ص‪.292‬‬
‫(‪ )81‬انظر‪ :‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه‪ :‬عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.111‬‬
‫‪25‬‬
‫العربية‪ ،‬فكيف بالعلوم الدينية‪ ،‬فكيف بواحد من أخصها‪ ،‬وهو علم الحديث‪ ،‬فكيف بمن يحدث‬
‫باكرا؟ والكاتب يغفل عن سيبويه "إمام النحو‪ ،‬ح ّجة العرب‪ ،‬أبو ٍ‬
‫بشر‪ ،‬عمرو بن عثمان‬ ‫ويصنف فيه ا‬
‫الفارسي"(‪.)81‬‬
‫ّ‬ ‫بن قنبر‪،‬‬

‫بل إن توجه سيبويه للنحو كان بعد توجهه إلى طلب الحديث‪ ،‬ومبدأ ذلك أنه طلب الحديث‬

‫على حماد بن سلمة‪ ،‬وبينما هو يستملي‪ ،‬إذ بحماد يقول‪" :‬ليس أبا الدرداء"‪ ،‬فقال سيبويه‪ :‬ليس أبو‬

‫حماد‪ :‬لحنت يا سيبويه‪ ،‬ليس هذا حيث ذهبت‪ ،‬وإنما ليس هنا‬
‫الدرداء‪ ،‬وظنه اسم ليس‪ ،‬فقال ّ‬
‫استثناء‪ ،‬ومن هنا طلب سيبويه النحو ولزم الخليل فبرع(‪.)82‬‬

‫تصحيحا ل ّلسان وإبعا ادا له عن اللحن‪ ،‬ومن هنا توجه سيبويه إلى‬
‫ا‬ ‫فانظر كيف كان درس الحديث‬

‫النحو حتى برع فيه‪ ،‬فكيف بالبخاري وهو الذي أفنى حياته بالطلب‪ ،‬واألخذ عن الشيوخ‪.‬‬

‫ومن األمثلة على فهمه بالمقلوب‪ ،‬تشنيعه البالغ على من قال‪ :‬السنة قاضية على القرآن‪ ،‬فبدأ‬

‫بالتشنيع كعادته‪" :‬من يقرأ هذا العنوان سيصاب بالدهشة في أول وهلة"(‪ ،)83‬فما معنى هذه العبارة؟‬
‫ٍ‬
‫قاض على‬ ‫ً‬
‫وتفصيال مع القرآن‪ ،‬فالحديث هنا‬ ‫نصا يتعارض جملة‬
‫قال‪" :‬بمعنى إذا وجدت ًّ‬
‫القرآن"(‪.)84‬‬

‫(‪ )81‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬نذير حمدان‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.218‬‬
‫(‪ )82‬انظر‪ :‬مقدمة‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬لكتاب سيبويه‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،8991 :‬ج‪،8‬‬
‫ص‪.3‬‬
‫(‪ )83‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )84‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫‪26‬‬
‫وهذا كذب بارد فال أحد قال بهذا من أهل العلم‪ ،‬فمن عالمات الحديث الموضوع عندهم‬
‫"مخالفة الحديث صريح القرآن"(‪ ،)85‬وعندها ال يكون الحديث من السنة ا‬
‫أصال‪ ،‬ولذا من عالمات‬

‫أيضا "مناقضة الحديث لما جاءت به السنة مناقضة ب ّينة"(‪.)86‬‬


‫الحديث الموضوع ا‬

‫وهنا يقال‪ :‬أي حديث هذا الذي خالف صريح القرآن بنظرك‪ ،‬حتى نرى هل هو يناقضه بحق‪ ،‬أم‬
‫أنك لست ا‬
‫أهال لتقضي في هذه األبواب؟ لم يذكر إال مثالين فقال أحدهما حديث ابن عمر‪ ،‬أن النبي‬

‫صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬

‫"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله‪ ،‬وأن محمدً ا رسول الله‪ ،‬ويقيموا الصالة ويؤتوا‬

‫الزكاة فإذا فعلوا ذلك‪ ،‬عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم‪ ،‬وحسابهم على الله تعالى"‪.‬‬

‫ين َقد ت َبي َن‬ ‫وتفصيال قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ال إِك َْرا َه فِي الد ِ‬ ‫ً‬ ‫قائال‪" :‬هذا الحديث يخالف جملة‬ ‫وعلق ا‬
‫وت وي ْؤ ِمن بِالل ِه َف َق ِد استَمس َك بِا ْلعرو ِة ا ْلو ْث َقى َال ِ‬
‫انف َصا َم َل َها َوالله‬ ‫الر ْشد ِمن ا ْل َغي فمن يكْفر بِالطاغ ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫يم﴾(‪ ،)88(")87‬وذكر قوله تعالى‪َ ﴿ :‬وق ِل ا ْل َحق ِمن ربك ْم َف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر‬ ‫ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫ِ‬
‫َسم ٌ‬
‫ض‬ ‫ادق َها﴾(‪ ،)89‬وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َل ْو َشا َء َرب َك َآل َم َن َمن فِي ْاألَ ْر ِ‬ ‫اط بِ ِهم سر ِ‬
‫َارا َأ َح َ ْ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫إِنا َأ ْعتَدْ نَا للظالمي َن ن ا‬
‫ِِ‬ ‫كله ْم َج ِمي اعا َأ َف َأ َ‬
‫ين﴾(‪.)90‬‬
‫اس َحتى َيكونوا م ْؤمن َ‬ ‫نت ت ْك ِره الن َ‬

‫ثم قال‪" :‬هؤالء يضربون بهاته اآليات عرض الحائط ويقولون لك بكل وقاحة وجرأة على الله‪،‬‬

‫السنة قاضية على الكتاب‪ ،‬ويبقى حكم الحديث هو النافذ‪ ،‬ويتجلى في قتال الناس حتى يشهدوا أن‬

‫(‪ )85‬المنار المنيف في الصحيح والضعيف‪ ،‬محمد بن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى بن عبد الله الثمالي‪ ،‬دار عالم‬
‫الفوائد‪ ،‬مكة‪ ،‬الطبعة األولى‪8421 :‬هـ‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫(‪ )86‬المنار المنيف‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )87‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.213 :‬‬
‫(‪ )88‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.23‬‬
‫(‪ )89‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬
‫(‪ )91‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.99 :‬‬
‫‪27‬‬
‫ال إله إال الله‪ ،‬وأن محمدً ا رسول الله‪ ...‬الحديث‪ ،‬أما أنا فأقول وقلبي مطمئن بأن هذا الكالم لم يفه‬

‫َاك إِال‬
‫به رسول الله الذي كان خلقه القرآن‪ ،‬والذي قال عنه الله تعالى في محكم تنزيله‪َ ﴿ :‬و َما َأ ْر َس ْلن َ‬

‫َر ْح َم اة ل ْل َعا َل ِم َين﴾(‪.)92(")91‬‬

‫فيقال‪ :‬هذا الرجل يرفض أن يتحاكم الناس إلى نصوص صحيح البخاري المرفوعة‪ ،‬ثم ها هو‬

‫يريد الناس أن تتحاكم إلى اطمئنان قلبه إلى نفي األحاديث! وهذا الحديث ال يخالف صريح القرآن‬

‫بل يوافق صريح القرآن‪ ،‬وإنما أتيت من جهلك فلم تقنع به‪ ،‬حتى زدت عليه اتهام غيرك بالوقاحة‪،‬‬

‫والجرأة على الله‪ ،‬وبيان ذلك أن الحديث يقول‪" :‬أمرت أن أقاتل"‪ ،‬وهذا الرجل الذي يتبجح‬

‫يفرق بين القتل‪ ،‬والقتال‪ ،‬يقول ابن دقيق العيد‪:‬‬


‫بالحديث عن لغة البخاري لم ّ‬

‫"فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه‪ ،‬فإن المقاتلة مفاعلة‪ ،‬تقتضي الحصول من الجانبين"(‪.)93‬‬

‫ذكر للغاية التي يباح قتالهم‬


‫فهنا المقاتلة تكون من جانبين‪ ،‬وليس قتله ألنه لم يؤمن‪ ،‬بل "هو ٌ‬
‫إليها‪ ،‬بحيث إذا فعلوها حرم قتالهم‪.‬‬

‫والمعنى‪ :‬أني لم أؤمر بالقتال إال إلى هذه الغاية‪.‬‬

‫ليس المراد‪ :‬أني أمرت أن أقاتل كل أحد إلى هذه الغاية‪ ،‬فإن هذا خالف النص واإلجماع‪.‬‬

‫فإنه لم يفعل هذا قط‪ ،‬بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله"(‪.)94‬‬

‫(‪ )91‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية‪.811 :‬‬


‫(‪ )92‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )93‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ ،‬تقي الدين ابن دقيق العيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬أحمد محمد شاكر‬
‫أبو األشبال‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪ ،8912 ،‬ج‪ ،2‬ص‪.221‬‬
‫(‪ )94‬قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم‪ ،‬أحمد بن تيمية‪ ،‬حققه‪ :‬عبد العزيز بن‬
‫عبد الله آل حمد‪ ،‬الطبعة األولى‪2114 :‬م‪ ،‬ص‪.93 ،91‬‬
‫‪28‬‬
‫ون بِالل ِه َو َال بِا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َو َال‬
‫ين َال ي ْؤ ِمن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صريحا‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬قاتلوا الذ َ‬
‫ا‬ ‫وهذا مثله في القرآن‬

‫َاب َحتى ي ْعطوا ا ْل ِج ْز َي َة َعن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ما حرم الله ورسوله و َال ي ِدين َ ِ‬
‫ون دي َن ا ْل َحق م َن الذي َن أوتوا ا ْلكت َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ي َحرم َ َ َ َ‬
‫ي ٍد وهم ص ِ‬
‫اغر َ‬
‫ون﴾(‪ ،)95‬فها هو قال قاتلوا الذين ال يؤمنون‪ ،‬وذكر الغاية التي يباح قتالهم إليها‪ ،‬وهي‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫هنا الجزية‪ ،‬وفي آية أخرى من نفس السورة قال‪َ ﴿ :‬فإِن تَابوا َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َفإِ ْخ َوانك ْم‬

‫ين﴾(‪ ،)96‬فجعله اإلسالم‪ ،‬فهذه صريح في موافقة داللة الحديث نفسه‪.‬‬ ‫فِي الد ِ‬

‫ولكنه بطريقته تلك يأخذ ببعض ويترك البعض‪ ،‬ويزعم أن خصومته فحسب مع األحاديث‬

‫المخالفة للقرآن‪ ،‬فإذا كانت متفقة مع التنزيل تجده يجمجم‪ ،‬وال يصرح‪ ،‬ولو كان ساع ايا لتقرير حكم‬

‫القرآن‪ ،‬لذكر أو أشار إلى ما يخالف كالمه من آيات‪ ،‬لكنه لم يفعل ذلك ولو مرة في كل كتابه‪.‬‬

‫مع التنبيه أن قوله تعالى‪َ ﴿ :‬ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر﴾(‪ ،)97‬ليس في سياق عدم اإلكراه‪،‬‬

‫وإن كانت اآليات واألحاديث في منع إكراه الناس على اإليمان مس ّلمة‪ ،‬إال أن االستدالل بهذه اآلية‬

‫بخصوصها عليه ال يصح‪ ،‬فـ" ظاهر هذه اآلية أنها أوجبت الزجر والردع والتقريع ال أنها واردة إذ ًنا‬

‫بالفعل‪ ،‬أال ترى إلى ما هو منوط من قوله عز وجل‪َ ﴿ :‬ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر إِنا َأ ْعتَدْ نَا‬
‫اط بِ ِهم سر ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ادق َها﴾(‪ ،)98‬وهو إفزاع وإرهاب وارتداع عن الكفر"(‪.)99‬‬ ‫َارا َأ َح َ ْ َ‬
‫للظالمي َن ن ا‬

‫وهذا الرجل ال خطة له يمشي عليها‪ ،‬فتارة ينفي الحديث الذي في البخاري‪ ،‬وأخرى في مسلم‪،‬‬

‫لما يذكر موطأ مالك يمر وكأنه ال يتحدث‬


‫وتارة أخرى يتندر بالحديث بال قيد ويسميه خرافة‪ ،‬وتارة ّ‬

‫(‪ )95‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.29:‬‬


‫(‪ )96‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.88 :‬‬
‫(‪ )97‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬
‫(‪ )98‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬
‫(‪ )99‬تهذيب األجوبة‪ ،‬الحسن بن حامد‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ :‬صبحي السامرائي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬مكتبة النهضة العربية‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 8411‬هـ‪8911-‬م‪ ،‬ص ‪.822‬‬
‫‪29‬‬
‫أيضا مالك بن أنس‪،‬‬
‫عن الموطأ بل عن غيره(‪ ،)100‬وهذا الحديث "أمرت أن أقاتل الناس"‪ ،‬قد رواه ا‬
‫كما في نسخة ابن وهب‪ ،‬وهي تبدأ بقوله‪ ":‬أخبرنا مالك عن أبي الزناد‪ ،‬وعن األعرج‪ ،‬عن أبي هريرة‬

‫عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال الله‪...‬‬

‫أيضا في موطأ ابن قاسم(‪.)102‬‬


‫الحديث"(‪ ،)101‬ويوجد هذا الحديث ا‬

‫ومن تناقضات هذا ا لكاتب‪ ،‬أنه قال في سياق اعتراضه على حديث في صحيح البخاري فقال‪:‬‬

‫"من المعلوم من ديننا‪ ،‬وكما تواتر عن نبينا‪ ،‬أن النوم من نواقض الوضوء"(‪ ،)103‬والواقع أن حديث‪:‬‬

‫"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله"‪ ،‬متواتر روي عن رسول الله من تسعة عشر‬

‫نفسا(‪ ،)104‬في حين أن النوم من نواقض الوضوء‪ ،‬ليس من الحديث المتواتر‪.‬‬


‫ا‬

‫أما المثال الثاني الذي زعم أنه يخالف صريح القرآن‪ ،‬فلم يكن من صحيح البخاري‪ ،‬بل كان من‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬وهذا يبين أنه ال يوجد أي منهج في هذا الكتاب فمع أن العنوان في البخاري‪ ،‬إال أنه‬

‫وقديما قال البلقيني‪ " :‬االنتهاض لمجرد‬


‫ا‬ ‫يقفز كل حين هنا وهناك‪ ،‬فالمهم عنده هو االعتراض‪،‬‬

‫االعتراض من جملة األمراض"(‪.)105‬‬

‫(‪ )111‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.828‬‬


‫(‪ )111‬مقدمة تقي الدين الندوي‪ ،‬لموطأ مالك‪ ،‬رواية محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬مع التعليق الممجد على موطأ محمد‪،‬‬
‫دار السنة والسيرة‪-‬بومبائي‪ ،‬دار القلم‪-‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )112‬انظر‪ :‬مقدمة تقي الدين الندوي‪ ،‬لموطأ مالك‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )113‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.811‬‬
‫(‪ )114‬انظر‪ :‬نظم المتناثر من الحديث المتواتر‪ ،‬محمد بن جعفر الكتاني‪ ،‬دار الكتب السلفية للطباعة والنشر‪ ،‬ص‪-29‬‬
‫‪.41‬‬
‫(‪ )115‬مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح‪ ،‬توثيق وتحقيق‪ :‬عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)‪ ،‬مطبعة دار الكتاب‬
‫‪8934‬م‪ ،‬ص ‪.833‬‬
‫‪31‬‬
‫يحرمن‪ ،‬ثم نسخن‬
‫وذكر حديث عائشة‪" :‬كان فيما أنزل من القرآن‪ :‬عشر رضعات معلومات ّ‬
‫ٍ‬
‫بخمس معلومات فتو ّفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ّ‬
‫وهن مما يقرأ من القرآن"‪.‬‬

‫أيضا مالك في الموطأ(‪ ،)106‬وبدأ تشنيعه‪،‬‬


‫وهذا الحديث ليس في صحيح مسلم فحسب‪ ،‬بل رواه ا‬
‫فقال‪ " :‬فهذا الحديث المنسوب إلى أمنا عائشة يتهم القرآن بالتحريف والتزوير‪ ،‬رغم أن الله تعالى‬
‫يقول في محكم تنزيله‪﴿ :‬إِنا ن َْحن نَز ْلنَا الذك َْر َوإِنا َله َل َحافِظ َ‬
‫ون﴾(‪ ،)107‬فهي تقول حسب نص هذا‬

‫الحديث أن رسول الله مات وآية التحريم بخمس رضعات مما يتلى من القرآن‪ ،‬وأي دارس يمكنه‬

‫التأكد أنه ال يوجد آية قرآنية واحدة في كتاب الله بهذا المعنى وبهاته الداللة‪ ،‬لكن المرويات الغريبة‬

‫كهاته والقادحة في صدقية القرآن ال مجال لمناقشتها من طرف هؤالء مع كامل األسف‪ ،‬ويمكننا أن‬
‫ً‬
‫وتفصيال‪ ....‬لكن اكتفينا بهذين المثالين‬ ‫نأتي بعشرات بل مئات األحاديث التي تعارض القرآن جملة‬

‫ليعرف القارئ ماذا نقصد"(‪.)108‬‬

‫ا‬
‫سؤاال فيقول لك‪ :‬أعرف لكن‬ ‫هذه الخطابة ال تصنع شي ائا‪ ،‬بل تذكرنا بفعل بعض األطفال تسأله‬

‫ال أريد أن أقول لك! وهو ال يصدّ ق أحاديث البخاري‪ ،‬ويفترض بالقارئ أن يصدقه بأن عنده من‬
‫ٍ‬
‫غائب ما أنصفك‪ ،‬وهذا الحديث ليس مخال افا للقرآن البتة‪،‬‬ ‫األمثلة غير ما ذكره‪ ،‬ومن أحالك إلى‬

‫فالحديث لم يقل وقرأهن النبي إلى أن مات!‪ ،‬حتى يقال بأنه يعارض آية الحفظ لكتاب الله‪ ،‬بل فيه‬

‫سم فاعله‪ ،‬أو المبني‬


‫وهن مما يقرأ من القرآن"‪ ،‬وهذه الصيغة للفعل تكون لما لم ي ّ‬
‫أنه مات‪ّ " :‬‬
‫للمجهول‪ ،‬فالحديث فيه إثبات (النسخ)‪ ،‬وهو يتفق مع صريح القرآن‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬ما نَن َس ْخ ِم ْن آ َي ٍة‬

‫ت بِ َخ ْي ٍر من َْها َأ ْو ِم ْثلِ َها﴾(‪ ،)109‬وال يحتاج األمر للتهويل ليقال إن أي دارس يستطيع التحقق‬
‫نسها َن ْأ ِ‬
‫ِ‬
‫َأ ْو ن َ‬

‫(‪ )116‬الموطأ‪ ،‬مالك بن أنس‪ ،‬صححه ورقمه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،8911 ،‬‬
‫ص‪.311‬‬
‫(‪ )117‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬
‫(‪ )118‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )119‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.813 :‬‬
‫‪31‬‬
‫من عدم وجود آية في عدد الرضعات‪ ،‬فهذا يعرفه الصبيان الحافظون لكتاب الله‪ ،‬فكيف بعلماء‬

‫اإلسالم الكبار؟ ولو رجع إلى تفسير الحديث عند العلماء‪ ،‬لما وجد وجها لتبجحه بأن هذا الحديث‬

‫يخالف القرآن‪ ،‬يقول النووي‪:‬‬

‫"وقولها‪( :‬فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء من (يقرأ) ومعناه‬

‫أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدً ا حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ‪:‬‬

‫فلما بلغهم النسخ بعد ذلك‬


‫متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده ّ‬
‫خمس رضعات ويجعلها قرآنًا ً‬
‫رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا ال يتلى"(‪.)110‬‬

‫وهذا يظهر أن الكاتب كان يفهم بالمقلوب‪ ،‬ويشنّع في إنكاره على غيره‪ ،‬وهو األحرى بالتشنيع‬

‫عليه القتحامه ما يجهله وحديثه فيما ال يحسنه‪ ،‬ويدفع إلى السؤال هل هي خصومة مع الحديث‬

‫فحسب‪ ،‬أم تمتد إلى القرآن نفسه‪ ،‬ودالالته التي تتفق مع األحاديث التي يرفضها الكاتب؟‬

‫ومن فهمه المقلوب‪ ،‬تعليقه على ما عنون له بقوله (الرسول يحاول االنتحار)‪ ،‬فبعد أن ذكر جز اءا‬

‫من الحديث‪ ،‬قال‪" :‬المحاولة التي قام بها ابن حجر العسقالني‪ ،‬وغيره لتبرير رواية البخاري لبالغ‬

‫معتبرا أن الزيادة (فيما بلغنا) وما بعدها ليست من كالم‬


‫ً‬ ‫إقدامه على محاولة االنتحار مرات عدة‪،‬‬

‫عائشة بل هي زيادة الزهري‪ ،‬لكن رغم أن هذا تأويل مجرد تأويل‪ ،‬فالكذب على رسول الله واضح‬

‫من خالل هذه الرواية"(‪.)111‬‬

‫(‪ )111‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬المطبعة المصرية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪8929 :‬م‪ ،‬ج‪ ،81‬ص‪.29‬‬
‫(‪ )111‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.811‬‬
‫‪32‬‬
‫فهذا الرجل يفهم بالمقلوب‪ ،‬فابن حجر يقول‪" :‬إن القائل فيما بلغنا هو الزهري‪ ،‬ومعنى الكالم‬

‫أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو من بالغات‬
‫ً‬
‫موصوال‪ ،‬وقال الكرماني‪ :‬وهو الظاهر"(‪.)112‬‬ ‫الزهري‪ ،‬وليس‬

‫ا‬
‫تأويال فالتأويل يكون للظاهر إلى المعنى البعيد‪ ،‬وليس إلى المتبادر‪ ،‬فهذا‬ ‫فهذا هو الظاهر وليس‬

‫الرجل يفهم العبارات بهذه الطريقة‪ ،‬وال يحسن التفريق بين الظاهر والمؤول‪ ،‬ويأتي ليستدرك‪،‬‬

‫وينقد‪ ،‬فعائشة كانت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬وتسأله ويحدثها‪ ،‬فال حاجة بها لتقول‬

‫بلغنا!‪ ،‬بل الذي قال هذا كما هو الظاهر هو الزهري‪ ،‬ثم إنه صحيح إلى الزهري‪ ،‬فالزهري صح عنه‬

‫أنه قال بلغنا‪ ،‬وانقطع اإلسناد بعده‪ ،‬وهذا يعلمه أهل الحديث ولذا سجله ابن حجر‪ ،‬بأن هذه الزيادة‬

‫وإن صحت من قول الزهري‪ ،‬فإنها لم تصح مرفوعة‪ ،‬فأي حذلقة وتهويل صنع هذا الرجل؟‬

‫(‪ )112‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ ،82‬ص‪.219‬‬


‫‪33‬‬
‫معارضة‬

‫ِ‬
‫الباطل باطل‪ ،‬وكما قيل‪ :‬وبضدها تتميز األشياء‪ ،‬فيقال‬ ‫وكما أن الز َم الحق حق‪ ،‬فإن الز َم‬

‫لهذا الكاتب‪ :‬أنت رفضت روايات الصحيح‪ ،‬وسميت من ينبري للدفاع عنها حتى قبل أن تسمع‬

‫حجته بأنه يعبد البشر‪ ،‬فقلت‪" :‬سينبري ع ّباد البشر إلى الدفاع عن هذا"(‪ ،)113‬ورميتهم باإلرهاب‬

‫والغلو والتطرف‪ ،‬وبأن منشأ الجرائم هو روايات الصحيح ونحوه‪ ،‬وشنعت عليهم فقلت‪" :‬يقولون‬

‫بكل وقاحة وجرأة على الله السنة قاضية على الكتاب"(‪ ،)114‬وزعمت "أن الله لم يتكفل إال بحفظ‬

‫تزور وتغير في الدين تحت‬


‫كتابه الموحى إلى عبده ونبيه‪ ،‬فيسهل على ذوي النفوس الخبيثة أن ّ‬
‫مسمى السنة‪ ،‬أو الحديث"(‪.)115‬‬

‫ولم تقنع بهذا حتى زدت فقلت‪" :‬نريد المخطوطة األصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين‬

‫الشيخ البخاري"(‪.)116‬‬

‫فيقال له‪ :‬ماذا ستقول لو أن أحدا ا عارضك بمثل حجتك‪ ،‬وقال لك إن اسم النبي محمد صلى‬

‫الله عليه وسلم في صحيح البخاري هو‪" :‬محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف‬

‫بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة‬

‫بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان"(‪.)117‬‬

‫(‪ )113‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫(‪ )114‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )115‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )116‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.832‬‬
‫(‪ )117‬صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪2112 :‬م‪،‬‬
‫ص‪.942‬‬
‫‪34‬‬
‫وزعم بأن هذا جرى عليه الكذب والتلفيق والتزوير‪ ،‬وأنه ال يأخذ به أبدا ا‪ ،‬بل ال يأخذ إال بالقرآن‪،‬‬

‫ثم احتج بأن القرآن لم يذكر إال اسمه‪﴿ :‬م َحمدٌ رسول الله﴾(‪ ،)118‬فكيف إذا ادعى بأن هناك نبيا غير‬

‫اسمه َأ ْح َمد﴾(‪ ،)119‬وأنه غير األول‪ ،‬وقال إنك تعبد البشر‪ ،‬كونك قلت في مقدمة كتابك‪:‬‬
‫محمد‪ْ ﴿ :‬‬
‫"رسولنا الكريم محمد بن عبد الله"(‪ ،)120‬وسألك‪ :‬أليست هذه "وقاحة وجرأة على الله‪ ،‬السنة قاضية‬

‫على الكتاب"(‪ ،)121‬ألست قد رفضت ما ذهبوا إليه من كونهم "حكموا بأن السنة قاضية على الكتاب‬
‫(‪)122‬‬ ‫بمعنى أنها مبينة ومفسرة وحاكمة"؟‬

‫ثم ألزمك بأنك زعمت بأن الذي تكفل الله بحفظه هو القرآن فحسب‪ ،‬فمن أين لك أنه تكفل‬
‫بحفظ باسم نبيه وتحديده ا‬
‫كامال؟ ورماك حينها بأنك تعبد التراث‪ ،‬ورواة اآلثار!‬

‫ثم امتد األمر أكثر‪ ،‬فقال لك‪ :‬إذا جرى التزوير على السنة‪ِ ،‬‬
‫فل َم ال يكون قد جرى على اللغة؟‬

‫فأخرج لنا الصحائف األصلية للمعلقات‪ ،‬وإال حكمنا بأنها ملفقة مكذوبة!‪ ،‬فأين هو إمضاء امرئ‬

‫القيس وعمرو بن كلثوم؟‪ ،‬أليس هذا هو منطقك؟‪ ،‬وال تستدل عليه بمعنى آية حتى يطالبك بوثيقة‬

‫موقعة من أصحاب الشواهد اللغوية‪ ،‬وإال فإن اللغة جميعها جرى تزويرها‪ ،‬فال يدري األمر من‬

‫النهي‪ ،‬وال الخبر من االستفهام‪ ،‬حتى تطلعه على مخطوطة أصلية للعرب األقحاح في كل هذا‪.‬‬

‫ثم يمتد األمر إلى القتل والقتال‪ ،‬فيقول لك هذا المعارض لك بمثل حجتك‪ ،‬أين في القرآن‬

‫النهي عن قتل النساء والصبيان؟ أليس فيه‪:‬‬

‫(‪ )118‬سورة الفتح‪ ،‬اآلية‪.29 :‬‬


‫(‪ )119‬سورة الصف‪ ،‬اآلية‪.3 :‬‬
‫(‪ )121‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )121‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬
‫(‪ )122‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪35‬‬
‫احصروه ْم َوا ْقعدوا َله ْم كل َم ْر َص ٍد َفإِن تَابوا‬ ‫ِ‬
‫﴿ َفا ْقتلوا ا ْلم ْش ِرك َ‬
‫ين َح ْيث َو َجدتموه ْم َوخذوه ْم َو ْ‬
‫َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َف َخلوا َسبِي َله ْم﴾(‪.)123‬‬

‫ِ‬
‫ويؤت الزكاة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ويصل‬ ‫فقال لك‪ :‬بأنه سيقتل األطفال والنساء‪ ،‬بل حتى من لم يقاتل‪ ،‬ما دام لم يتب‬
‫ومتى حاججته بالسنة‪ ،‬قال لك‪ :‬ال أقبل بغير القرآن ا‬
‫بدال فلعلها مما تم تزويره‪ ،‬وقال مثلك بأنها‬

‫وقاحة أن تجعلها قاضية على القرآن‪ ،‬وقال مثلك بأنه ال يعبد البشر! ولذا فإنه يأخذ بقتل الولدان‪،‬‬

‫وحجته في ذلك‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬

‫َان َأ َب َواه م ْؤ ِمنَ ْي ِن َف َخ ِشينَا َأن ي ْر ِه َقه َما ط ْغ َياناا َوك ْف ارا﴾(‪ ،)124‬بعد قوله تعالى‪َ ﴿ :‬حتى إِ َذا‬
‫﴿ َو َأما ا ْلغ َالم َفك َ‬

‫َل ِق َيا غ َال اما َف َق َت َله﴾(‪.)125‬‬

‫فمن الذي فتح لإلرهاب أبوابا مشرعة‪ ،‬وشرع ِ‬


‫بعوار منطقه سوء الفهم لكتاب الله؟ حتى تستحل‬ ‫ا‬
‫مبتدع أن يرد على مبتدع على نقيضه‪ ،‬فكيف إذا قال لك‬
‫ٌ‬ ‫زورا الدماء‪ ،‬فال يقدر‬
‫به المحارم‪ ،‬وتراق به ا‬
‫كفار بشهادتك‪ ،‬ألم تقل بأنهم يعبدون البشر‪ ،‬وأنهم سلكوا مسلك األمم‬
‫بأن من حوله من المسلمين ٌ‬
‫التي ألهت البشر من دون الله‪ ،‬واتخذتهم أربا ابا(‪ ،)126‬وزعم بأنه سيضرب عنق كل من لقيه من‬

‫محتجا بقوله تعالى‪:‬‬


‫ا‬ ‫الكفار!‬

‫﴿ َفإِ َذا َل ِقيتم ال ِذي َن َك َفروا َف َض ْر َب الر َق ِ‬


‫اب﴾(‪ ،)127‬فتهيج بأقوالك الفتن‪ ،‬ويركب األغمار خيول الغلو‬

‫بالتكفير‪ ،‬وال تنكر عليهم شي ائا‪ ،‬إال قالوا لك‪ :‬ما ذنبنا إن لم تلتزم بلوازم كالمك‪ ،‬ولم تدفعه إلى آخر‬

‫نتائجه المنطقية؟‬

‫(‪ )123‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.1 :‬‬


‫(‪ )124‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.11 :‬‬
‫(‪ )125‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫(‪ )126‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.881‬‬
‫(‪ )127‬سورة محمد‪ ،‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪36‬‬
‫أما أهل السنة‪ ،‬فهم أسعد الناس بالرد على أهل البدع والغلو‪ ،‬فيردون عليه بغير ما ابتكرته أنت من‬

‫قواعد لم تفطن للوازمها‪ ،‬فالقرآن نفسه يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬يا‬

‫ول َوأولِي ْاألَ ْم ِر ِمنك ْم َفإِن َتن ََاز ْعت ْم فِي َش ْي ٍء َفردوه إِ َلى الل ِه‬
‫ين آ َمنوا َأطِيعوا الل َه َو َأ ِطيعوا الرس َ‬ ‫ِ‬
‫َأي َها الذ َ‬
‫ون بِالل ِه َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َذل ِ َك َخ ْي ٌر َو َأ ْح َسن َت ْأ ِو ايال﴾(‪.)128‬‬
‫ول إِن كنت ْم ت ْؤ ِمن َ‬
‫َوالرس ِ‬

‫وقديما كتب أحد زعماء الخوارج وهو نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل‬
‫ا‬
‫الولدان‪ ،‬فأجابه‪" :‬إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم‪ ،‬وأنت فال تقتلهم‪ ،‬إال أن تعلم منهم‬

‫ما علم صاحب موسى من الغالم الذي قتله"(‪.)129‬‬

‫وقوله إال أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى‪ ،‬نقض مسبق عليه ما لو احتج بقصة قتل الغالم‪ ،‬بأنه‬

‫قتل لعلم الله بالغيب وهو ال يعلم الغيب‪ ،‬فكيف لو كان نجدة من أمثال هذا الكاتب‪ ،‬لقال حينها‬

‫البن عباس‪ :‬أين هي األوراق المكتوبة على هذا من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬في منع‬

‫قتل الولدان؟!‬

‫َحن نَز ْلنَا الذك َْر َوإِنا‬


‫أما زعم هذا الكاتب بأن الله حفظ القرآن وحده دون السنّة‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬إِنا ن ْ‬
‫َله َل َحافِظ َ‬
‫ون﴾(‪ ،)130‬فهي حجة قديمة‪ ،‬رد عليها ابن حزم فقال‪" :‬فإن قال قائل‪ :‬إنما عنى تعالى بذلك‬

‫القرآن وحده‪ ،‬فهو الذي ضمن تعالى حفظه ال سائر الوحي الذي ليس قرآ ًنا‪.‬‬

‫قلنا له وبالله تعالى التوفيق‪ :‬هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان‪ ،‬وتخصيص للذكر بال دليل‪ ،‬وما‬

‫َان هود اا َأ ْو ن ََص َارى تِ ْل َك َأ َمانِيه ْم‬


‫كان هكذا فهو باطل لقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َقالو ْا َلن َيدْ خ َل ا ْل َجن َة إِال َمن ك َ‬

‫اد ِقي َن﴾(‪.)131‬‬‫ق ْل هاتو ْا برهانَكم إِن كنْتم ص ِ‬


‫ْ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َ‬

‫(‪ )128‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.19 :‬‬


‫(‪ )129‬صحيح مسلم‪ ،‬حديث رقم‪ ،8182 :‬ص‪.131‬‬
‫(‪ )131‬سورة الحجر‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬
‫(‪ )131‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.888 :‬‬
‫‪37‬‬
‫فصح أن ال برهان له على دعواه‪ ،‬فليس بصادق فيها‪ ،‬والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه‬

‫صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن‪ ،‬وأيض ًا فإن الله تعالى يقول‪:‬‬
‫َات َوالزب ِر َو َأن َْز ْلنَا إِ َل ْي َك الذك َْر لِت َبي َن لِلن ِ‬
‫اس َما نز َل إِ َل ْي ِه ْم َو َل َعله ْم َي َت َفكر َ‬
‫ون﴾(‪ ،)132‬فصح أنه‬ ‫﴿بِا ْلبين ِ‬
‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم مأمور ببيان القرآن للناس‪.‬‬

‫وفي القرآن مجمل كثير كالصالة والزكاة والحج وغير ذلك مما ال نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه‪،‬‬

‫لكن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا كان بيانه صلى الله عليه وسلم لذلك المجمل غير‬

‫محفوظ وال مضمون سالمته مما ليس منه‪ ،‬فقد بطل االنتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع‬

‫المفترضة علينا فيه‪ ،‬فإذا لم ند ِر صحيح مراد الله تعالى منها‪ ،‬فما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه‬

‫الكذب الكاذب‪ ،‬ومعاذ الله من هذا"(‪.)133‬‬

‫فحفظ القرآن الزمه حفظ السنة ولغة العرب التي نزل بها‪ ،‬وإال فال معنى للحفظ دون أن يقدر أحد‬

‫على فهمه‪ ،‬والتزام أحكامه‪ ،‬ومعرفة معانيه‪ ،‬قال المعلمي‪:‬‬

‫"تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة‪ ،‬وحفظ لسانه وهو العربية‪ ،‬إذ المقصود‬

‫بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من طلبها"(‪.)134‬‬

‫(‪ )132‬سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.44 :‬‬


‫(‪ )133‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬علي بن حزم األندلسي‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.822‬‬
‫(‪ )134‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪38‬‬
‫استنساخ‬

‫الباحث الحقيقي ليس بذلك الذي يسطو على جهد غيره‪ ،‬ويقوم تارة باستنساخه حرفيا‪،‬‬
‫ٌ‬
‫باحث كونه يبحث عن الحق‪ ،‬ومن هنا فهو يبني على جهد من سبقه‪ ،‬فإن‬ ‫وأخرى بالمعنى‪ ،‬بل هو‬

‫ادعى أحدٌ ما دعوى‪ ،‬فإنه يمحص هذه الدعوى‪ ،‬فكيف إذا وقع الرد عليها ومناقشتها‪ ،‬بل وإفحام‬

‫قائلها؟ ما باله بعدها يستنسخ ما تم تفنيده؟‪ ،‬على هذا النحو استنسخ أيالل محتويات كتاب محمود‬

‫أبو رية‪ ،‬ولم يلتفت ولو لمرة واحدة إلى من رد عليه‪ ،‬بل كرر الحجج المتهافتة كما هي‪ ،‬دون أدنى‬

‫تطوير‪ ،‬وسار بنفس الدرب الذي سبق إليه‪.‬‬

‫فتجده يعيد كالم محمود أبو رية في النهي عن كتابة الحديث(‪ ،)135‬ويتجاهل رد المعلمي عليه‬

‫كأنه غير موجود‪ ،‬ويكرر الحديث عن عدالة الصحابة(‪ ،)136‬ويتحدث عن الرواية بالمعنى(‪ ،)137‬وكلها‬

‫مما جرت مناقشته‪ ،‬ووقع الرد عليه في كتاب (األنوار الكاشفة)‪ ،‬ومن األمثلة على استنساخه من‬

‫المحمدية)‪ ،‬وتلقفه كلماته وكأنها وحي منزل!‪ ،‬أنه يشنع على رواية‬
‫ّ‬ ‫كتاب (أضواء على السنة‬

‫البخاري في صحيحه‪:‬‬

‫(كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى ابن مريم‪ ،‬ذهب يطعن فطعن في‬

‫الحجاب)‪.‬‬

‫(‪ )135‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫(‪ )136‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫(‪ )137‬انظر‪ :‬أضواء على السنة المحمدية‪.11 ،‬‬
‫‪39‬‬
‫ليقول‪" :‬هذا الحديث في صحيح البخاري يعتبر من الطوام الكبرى المسيئة للرسول ولدينه‪ ،‬فهو‬

‫يؤكد عصمة رسول الله عيسى بن مريم عليهما السالم‪ ،‬كما يؤكد على عدم عصمة نبينا ورسولنا‬

‫محمد صلى الله عليه وسلم"(‪.)138‬‬

‫فهذا الرجل لو فكر بعقله بدل أن يسلمه إلى سطور محمود أبو رية تعبث به كيفما شاءت لكان أحفظ‬

‫لماء الوجه وقد طبع كتا ابا باسمه هو‪ ،‬فعال َم يكرر أفكار غيره؟‪ ،‬فيا ليت شعري بماذا يختلف كالمه‬

‫هنا عن كالم صاحب األضواء؟ حيث فهم من الحديث أبو رية التالي‪:‬‬

‫"إقرار اإلسالم بأن البشر جمي ًعا زاغوا وفسدوا‪ ،‬وأنهم مجردون من العصمة‪ ،‬معرضون القتراف‬

‫الخطايا واآلثام‪ ،‬بجانب إقراره للمسيح وحده بالعصمة"(‪.)139‬‬

‫وقد رد عليه المعلمي فقال‪:‬‬

‫تاما لإلنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده‪ ،‬ومن هنا كان فضل الخليلين‬ ‫ً‬
‫كماال ً‬ ‫"الفضل الذي يعتد به‬

‫إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر األنبياء الصالة والسالم‪ ،‬أما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه‬

‫أن يثاب العبد على سالمته منه وال أن يعاقب على وقوعه له‪ ،‬بل إن كان من شأنه أن يورث في نفس‬

‫اإلنسان استعدا ًدا ما لوسوسته فالذي يناله ذلك ثم يجاهد بسعيه ويخالف الشيطان ويتغلب عليه أولى‬

‫بالفضل ممن لم ينله"(‪.)140‬‬

‫(‪ )138‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.813 ،813‬‬


‫(‪ )139‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬ص‪.819‬‬
‫(‪ )141‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص‪.823‬‬
‫‪41‬‬
‫والزعم الكاذب بأنه يطعن في العصمة مردود‪ ،‬يقول المعلمي‪" :‬من قال إن النخسة دعاء للشر؟ بل‬

‫إن كانت لإليالم فقط فذلك من خبث الشيطان مكن منها كما مكن مما أصاب أيوب‪ ،‬وكما يمكن‬

‫الكفار من قتل المسلمين حتى األنبياء وذبح أطفالهم"(‪.)141‬‬

‫ويقول‪" :‬أين يذهب أبو رية من تدلية الشيطان آلدم إلى أن كان ما ذكره تعالى بقوله‪َ ﴿ :‬و َع َصى آ َدم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َربه َف َغ َوى﴾(‪ ،)142‬ومن قول موسى بعد قتله القبطي‪َ ﴿ :‬ق َال َه َذا م ْن َع َم ِل الش ْي َطان إِنه َعدو مضل مبِ ٌ‬
‫ين‬

‫* َق َال َرب إِني َظ َل ْمت َن ْف ِسي َفا ْغ ِف ْر لِي َف َغ َف َر َله إنه ه َو ا ْل َغفور الر ِحيم﴾(‪ ،)143‬وقول أيوب‪َ ﴿ :‬أني‬

‫اب﴾(‪ ،)144‬وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم‪﴿ :‬خ ِذ ا ْل َع ْف َو‬ ‫َمسن ِ َي الش ْي َطان بِن ْص ٍ‬
‫ب َو َع َذ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان ن َْز ٌغ َف ِ‬
‫اهلِين * وإِما ي َنز َغن َك ِمن الشي َط ِ‬
‫ف و َأ ْع ِر ْض َع ِن ا ْلج ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬‫يع َعل ٌ‬ ‫استَع ْذ بِالله إِنه َسم ٌ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َو ْأم ْر بِا ْلع ْر َ‬
‫ف من الشي َط ِ‬
‫ان ت ََذكروا َفإِ َذا هم م ْب ِصر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون﴾(‪.)145‬‬ ‫* إِن الذي َن ات َق ْوا إِ َذا َمسه ْم َطائ ٌ َ ْ‬

‫ثم ذكر المؤلف حديث البخاري‪:‬‬

‫صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها‪.‬‬


‫ً‬ ‫"ما من بني آدم مولود إال يمسه الشيطان حين يولد فيستهل‬
‫ثم يقول أبو هريرة‪﴿ :‬وإِني أ ِعيذها بِ َك وذريتَها ِمن الشي َط ِ‬
‫ان الر ِجي ِم﴾(‪.)146‬‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ويشنع الكاتب‪ " :‬فهذا الحديث يلحق مريم وابنها عيسى عليهما السالم بزمرة من ال يمسهم‬

‫الشيطان‪ ،‬وهذا تطاول على نبينا ما بعده تطاول‪ ،‬وتفضيل مريم الصديقة ورسول الله عيسى على نبي‬

‫اإلسالم"(‪.)147‬‬

‫(‪ )141‬األنوار الكاشفة‪ ،‬ص ‪.821‬‬


‫(‪ )142‬سورة طه‪ ،‬اآلية‪.828 :‬‬
‫(‪ )143‬سورة القصص‪ ،‬اآلية‪.83 ،81 :‬‬
‫(‪ )144‬سورة ص‪ ،‬اآلية‪.48 :‬‬
‫(‪ )145‬سورة األعراف‪ ،‬اآليات‪.218 ،211 ،899 :‬‬
‫(‪ )146‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.23 :‬‬
‫(‪ )147‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.813‬‬
‫‪41‬‬
‫وقد سبق بيان أنه يلوك كالم غيره دون مراجعة وال بحث‪ ،‬ويقال له‪ :‬المزية ال تقتضي األفضلية‪،‬‬

‫فمن خص بصفة ولو قيل هو أفضل فيها‪ ،‬ال يلزم منه األفضلية المطلقة على غيره‪ ،‬في كل شيء‪ ،‬فقد‬

‫يكون غيره بمجموع صفاته ال جميعها أفضل منه‪ ،‬فـ"الزيادة في صفة من صفات الفضل ال تقتضي‬

‫األفضلية المطلقة"(‪.)148‬‬

‫وهكذا لو تتبع المرء كالمه‪ ،‬لما وجد ما يستحق من أجله أن يطبع كتا ابا مفر ادا‪ ،‬واكتفى بقراءة كتاب‬

‫(األضواء) والرد عليه (األنوار)‪ ،‬ولكن الرجل لما يحاول أن يخرج عن كتاب (األضواء)‪ ،‬فإنه يعلق‬

‫بسطور غيره‪ ،‬فهو ال يقدر إال على التقليد الذي يرمي به غيره(‪.)149‬‬

‫فقد عقد ا‬
‫فصال بعنوان (الحديث في القرآن)‪ ،‬زعم فيه أن "الحديث هو مطلق كالم الله المنزل على‬

‫أيضا إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"(‪ ،)150‬وساق بعض اآليات‬
‫أنبيائه‪ ،‬وأنه كتاب الله الموحى ً‬
‫َج َعل َ‬
‫ون‬ ‫التي فيها وصف القرآن بالحديث مثل قوله تعالى‪َ ﴿ :‬أ َفبِه َذا ا ْلح ِد ِ‬
‫يث َأنتم مدْ ِهن َ‬
‫ون * َوت ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِر ْز َقك ْم َأنك ْم تكَذب َ‬
‫ون﴾(‪،)151‬‬

‫وبدأ يشنع على علماء الحديث‪ ،‬فقال‪" :‬فلم يتورع هؤالء على توقير كلمة الحديث التي تم إعطاؤها‬

‫معنى من لدن الله تعالى‪ ،‬باإلضافة إلى المعنى اللغوي‪ ،‬وهو كالم الله"(‪.)152‬‬

‫وهذا الكاتب ال يدري ما ينسخه بنفسه‪ ،‬فقد نقل قبل صفحتين عن (لسان العرب) في معنى‬

‫الحديث‪" :‬يطلق على الكالم‪ ،‬قليلة وكثيره ألنه يحدث ويتجدد شيئًا فشيئًا‪ ،‬وجمعه أحاديث"(‪.)153‬‬

‫(‪ )148‬فتح الباري‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.49‬‬


‫(‪ )149‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.821‬‬
‫(‪ )151‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.821‬‬
‫(‪ )151‬سورة الواقعة‪ ،‬اآلية‪.12 ،18 :‬‬
‫(‪ )152‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪ )153‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.48‬‬
‫‪42‬‬
‫فهذه لفظ عربي معروف قبل نزول القرآن‪ ،‬ويطلق على الكالم‪ ،‬فما باله جعل المعنى اللغوي هو‬

‫كالم الله؟‬

‫ثم إن في القرآن إطال اقا للحديث على كالم النبي صلى الله عليه وآله وسلم‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ‬

‫اج ِه َح ِدي اثا َف َلما نَب َأ ْت بِ ِه َو َأ ْظ َه َره الله َع َل ْي ِه َعر َ‬


‫ف َب ْع َضه َو َأ ْع َر َض َعن َب ْع ٍ‬
‫ض‬ ‫ض َأ ْز َو ِ‬
‫َأ َسر النبِي إِ َلى َب ْع ِ‬

‫َف َلما نَب َأ َها بِ ِه َقا َل ْت َم ْن َأن َب َأ َك َه َذا َق َال نَب َأنِ َي ا ْل َع ِليم ا ْل َخبِير﴾(‪.)154‬‬

‫المرة؟ إنه يعيد كلمات محمد شحرور‪ ،‬الذي زعم أن مصطلح‬


‫ولكن من أي شيء يستنسخه هذه ّ‬
‫الحديث هو للقرآن فقط(‪ ،)155‬وق ّلده فيه‪ ،‬فهذه هي طريقته‪ ،‬وهذا هو مضمار سباقه‪.‬‬

‫وما قاله ال يفيد النتيجة التي زعمها‪ ،‬فقد قال‪" :‬في معظم آيات القرآن جاءت لفظة حديث بمعنى‬

‫ودائما في معنى معين‪،‬‬


‫ا‬ ‫حتما‬
‫كالم الله"(‪ ،)156‬فيقال بأن ورود لفظ بشكل كثير أو غالب ال يجعله ا‬
‫كثيرا في القرآن على نار اآلخرة‪ ،‬وال يعني هذا عدم جواز إطالق النار على نار الدنيا‪،‬‬
‫فالنار ذكرت ا‬
‫والتشنيع على قائليها!‬

‫وبعد هذا االضطراب بأبجديات التفكير السليم‪ ،‬يقول‪" :‬لفظة الحديث لها معاني متعددة‪ ،‬منها‬

‫ما أسلفنا في اآليات السابقة أنها تدل على كالم الله‪ ،‬فهل المشتغلون بالحديث يشتغلون على كالم‬

‫الله‪ ،‬أم على كالم الرسول وأفعاله وأقواله"(‪!)157‬‬

‫(‪ )154‬سورة التحريم‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬


‫(‪ )155‬انظر‪ :‬القرآن والحديث‪ ،‬محمد شحرور‪ ،‬األهالي للتوزيع‪ ،‬سورية‪-‬دمشق‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫(‪ )156‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪ )157‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫‪43‬‬
‫وال يكف (الباحث) عن النسخ واللصق من المواقع اإللكترونية‪ ،‬والسطو على جهد غيره‪ ،‬وهذه‬

‫مقارنة بين نصه‪ ،‬وبين مقال لعبد الفتاح عساكر‪ ،‬على موقع (أهل القرآن)(‪ ،)158‬بعنوان‪( :‬أقدم‬

‫المخطوطات العربية)‪:‬‬

‫الصورة (‪ )8‬من كتاب صحيح البخاري نهاية األسطورة(‪:)159‬‬

‫ويبدأ النص المسروق من العالمة الحمراء األولى‪ ،‬حتى العالمة األخيرة‪ ،‬وأصلها من مقال عساكر‪.‬‬

‫الصورة (‪ ،)2‬تبين أنه سرق من مقال عساكر دون أي تغيير‪:‬‬

‫(‪ )158‬رابط الموقع‪.http://www.ahl-alquran.com :‬‬


‫(‪ )159‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.248‬‬
‫‪44‬‬
‫على أن مقال عساكر‪ ،‬منشور بتاريخ‪2113/4/2 :‬م‪ ،‬وهذا الجزء منه مسروق من مقال ألحمد‬

‫عبده ماهر فهو كاتبه األصلي‪ ،‬بعنوان (مخطوطات البخاري في العالم)‪ ،‬نشر على موقع (شباب‬

‫عواد‪،‬‬
‫مصر)(‪ )160‬بتاريخ‪2111/3/81 :‬م‪ ،‬أي قبله بعامين تقري ابا‪ ،‬وكلهم أحال إلى كتاب كوركيس ّ‬
‫في حين لو رجعنا إلى كتابه‪ ،‬فإن كالمه توزع على صفحتين (‪ ،)882 ،882‬ولم يكن بمثل هذا‬

‫الترتيب‪ ،‬فيظهر أن الكتاب لم يرجع إلى األصل بل اكتفى بنسخ ما ظفر به عن غيره‪.‬‬

‫عواد‪ ،‬ويظهر الفرق بينها وبين الصورتين السابقتين(‪:)161‬‬


‫الصورة (‪ )2‬لكالم ّ‬

‫فهذا الرجل يسرق من غيره‪ ،‬وينسبه إلى نفسه‪ ،‬بكتاب يحمل اسمه‪.‬‬

‫(‪ )161‬رابط الموقع‪.http://www.shbabmisr.com :‬‬


‫(‪ )161‬انظر‪ :‬أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم المكتوبة منذ صدر اإلسالم حتى سنة ‪ 111‬هـ‪ ،‬كوركيس‬
‫عواد‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم العراقية‪8912 ،‬م‪ ،‬ص ‪ ،882 ،882‬وقد تم دمج الشاهد من الصفحتين سو ايا للعرض‪،‬‬
‫وتبدأ الصفحة ‪ 882‬من قوله‪ :‬راجع د‪ .‬عدنان درويش‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫باحث غير باحث‬

‫إن المطالع لكتاب (نهاية األسطورة) يجعله يتساءل أين البحث في الموضوع؟ أم إن كل‬

‫من ضغط في مربع بحث جوجل على كلمة (ابحث) صار اسمه باح اثا؟ فعلى هذا ما أكثر الباحثين‪،‬‬

‫وهذا الكاتب يلقي الكمات دون تدقيق‪ ،‬وال تحقيق وال مراجعة‪ ،‬ويكفي أنه يحسبها أنها تصب في‬

‫رؤيته ليستنسخها في كتابه‪ ،‬ولذا تجده يقول‪:‬‬

‫" إن الحافظ الذهبي اتهم البخاري بالتدليس في حيث قال في سير أعالم النبالء‪ ،‬عند تعداد الرواة‬

‫عن الذهلي ما نصه‪:‬‬

‫روى عنه خالئق منهم ‪ ....‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬ويد ّلسه ً‬


‫كثيرا !!!‪ ،‬ال يقول‪ :‬محمد بن‬

‫ويعمي‬
‫ّ‬ ‫يحيى!! بل يقول محمد فقط!! أو محمد بن خالد!! أو محمد بن عبد الله‪ ،‬ينسبه إلى جده‪،‬‬

‫اسمه‪ ،‬لمكان الواقع بينهما!!! غفر الله لهما"(‪.)162‬‬

‫وعالمات التعجب من هذا الكاتب‪ ،‬وكأنه ظفر بما لم يظفر به أحد‪ ،‬فيقال له‪ :‬التدليس الذي‬

‫مدلسا وفق اصطالح‬


‫ا‬ ‫قصده هنا الذهبي ليس هو التدليس الذي يقدح في الرواية‪ ،‬ويجعل صاحبها‬

‫يسم من حدثه‪ ،‬وأوهم سماعه‬


‫المحدّ ثين‪ ،‬فيقولون في المدلس‪" :‬سمي بذلك لكون الراوي لم ّ‬
‫للحديث ممن لم يحدّ ثه به"(‪.)163‬‬

‫(‪ )162‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫(‪ )163‬نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الله بن ضيف الله الرحيلي‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪2118 :‬م‪ ،‬ص‪.812‬‬
‫‪46‬‬
‫يسمى تدليس الشيوخ‪ ،‬وهو "أن يصف شيخه بما لم يشتهر به‪ ،‬من اسم أو لقب‬
‫ومن التدليس ما ّ‬
‫إيهاما للتكثير غال ًبا‪ ،‬وقد يفعل ذلك لضعف شيخه"(‪.)164‬‬
‫أو كنية أو نسبة ً‬

‫والبخاري لم يفعل هذا ليستكثر‪ ،‬فشيوخه كثر‪ ،‬وليس الذهلي بضعيف حتى يخشى من هذا‪ ،‬ولم‬

‫يوهم أنه سمع حدي اثا ليس منه‪ ،‬فال تشنيع في كل هذا وليس هو التدليس االصطالحي‪ ،‬وإنما كان‬

‫هذا لما بين البخاري والذهلي‪ ،‬وهذا وإن ذكره الكاتب في سياق ذم‪ ،‬فهو المدح على التحقيق‪،‬‬

‫حيث إن البخاري وإن أخطأ عليه الذهلي‪ ،‬ورماه بما ليس فيه‪ ،‬فإن البخاري لم يسقط رواية الذهلي‬

‫قادرا أن يرميه بالضعف‪ ،‬فعلم أن هذا الكاتب ال يدري ما ينقله‪ ،‬حيث إنه ينقل‬
‫لحق نفسه‪ ،‬وكان ا‬
‫واحدة من مناقب البخاري من حيث ال يريد‪.‬‬

‫وليستكثر القدح بالبخاري قال‪:‬‬

‫"إن بعضهم اتهم البخاري في عقيدته ونسب إليه ً‬


‫قوال يفيد أن القرآن مخلوق بلفظه"(‪.)165‬‬

‫مع أنها هي قصته مع الذهلي‪ ،‬لكنه أراد استكثار الطعون‪ ،‬ومفادها‪ :‬أن البخاري قال بأن أفعال‬

‫العباد حركاتهم وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة(‪ ،)166‬ففهم منه الذهلي أنه يقصد بأن القرآن مخلوق إذ‬

‫هم يقرأونه‪ ،‬فاتهمه(‪ ،)167‬ولو كان هذا الباحث منص افا‪ ،‬لحاول أن يبحث في هذا التهمة ويعرف الحق‬

‫فيها بدل أن يردد كل كال ٍم قيل‪ ،‬ولما يكون المبحث نقيض هواه يصيح بأنهم ليسوا معصومين‪ ،‬فإن‬

‫واضحا‪ ،‬نقله ولم يبحث بصحة كالمهم‬


‫ا‬ ‫حسب أنه يمكنه االستفادة مما نقله عنهم ولو كان الخطأ فيه‬

‫من عدمه‪ ،‬وإال فقد كان بإمكانه أن يرجع إلى كتاب البخاري المفرد في بيان موقفه من هذه المسألة‪،‬‬

‫(‪ )164‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عاصم بن عبد الله القريوتي‪،‬‬
‫مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪-‬األردن‪ ،‬ص‪.83‬‬
‫(‪ )165‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )166‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،82‬ص‪.411‬‬
‫(‪ )167‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ج‪ ،82‬ص‪.413‬‬
‫‪47‬‬
‫وهو كتاب (خلق أفعال العباد)‪ ،‬الذي لم يكلف هذا الكاتب أن يرجع إليه في كتابه ولو مرة واحدة‪،‬‬

‫بل اكتفى بنقل االتهامات دون تحقيق وال تمحيص‪ ،‬يقول البخاري فيه عن القرآن‪:‬‬

‫"ما قرئ وحفظ وكتب ليس بمخلوق"(‪.)168‬‬

‫وعليه فيكون الذهلي فهم مقصده خطأ‪ ،‬فتهمته غير صحيحة‪ ،‬ورغم أنه أخطأ على البخاري إال‬
‫أن البخاري لم يترك روايته‪ ،‬ألن الحق كان عندهم فوق كل إنسان‪ ،‬وإنما لم يكن يسميه باسمه ا‬
‫كامال‬

‫لثقل ما ناله من ذلك االتهام‪ ،‬وال يغش سامع الرواية في هذا أبدا ا‪ ،‬فإن كان السامع عال اما فهو يعلم‬

‫أنه يرويه عن الذهلي‪ ،‬وإال فالراوي ثقة‪ ،‬لم يضعفه ألنه اتهمه خط اأ‪.‬‬

‫ا‬
‫مستقال فيما بعد‪ ،‬بعنوان (البخاري مجروح ومتروك الحديث)‬ ‫فصال‬ ‫ِ‬
‫يكتف بهذا بل عقد ا‬ ‫لكنه لم‬

‫وذكر فيه أن ابن أبي حاتم وأبا زرعة تركا حديثه "بعدما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم‬

‫بنيسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق"(‪.)169‬‬

‫صحيحا‪ ،‬بل ما ينقله حجة عليه‪،‬‬


‫ا‬ ‫فرجالن عمال بتصديق خبر ثبت أنه خطأ‪ ،‬ال يعتبر تركهما له‬

‫فوقع ترك روايته بعد أن بلغهما كالم محمد بن يحيى الذهلي فيه‪ ،‬وعلى هذا فمتى سقطت صحة‬

‫شخصا بتهمة ورتب أ اثرا على هذا‪ ،‬متى سقطت التهمة‬


‫ا‬ ‫رأسا‪ ،‬فمن رمى‬
‫كالم الذهلي؛ سقط الترك ا‬
‫بعين التحقيق لم يعد لألثر من مسوغ‪ ،‬ومن تمسك بأثر تهمة ساقطة فإنما يتمسك بنتيجة ال مقدمة‬

‫لها‪.‬‬

‫(‪ )168‬خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن‬
‫عميرة‪ ،‬دار عكاظ‪ ،‬جدة‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪.883‬‬
‫(‪ )169‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.841‬‬
‫‪48‬‬
‫تبجحه بعدم اإلجماع على صحة البخاري‪ ،‬يقدم حجته التالية‪" :‬الشيعة وهم نسبة‬
‫وفي سياق ّ‬
‫ّ‬
‫ويكذبون كل ما جاء فيه‪ ،‬فأين هو اإلجماع"(‪.)170‬‬ ‫مهمة من المسلمين ال يؤمنون بصحيح البخاري‪،‬‬

‫فيقال‪ :‬لو أن ا‬
‫رجال قيل له أجمع العرب على أن من نصب الفاعل‪ ،‬فقال‪ :‬قال محمدا ا‪ ،‬بأنه أخطأ‪،‬‬
‫هل يصح أن يقال له لنقض كالمه‪ :‬ولكني أعرف ا‬
‫رجال من دولة عربية قال بل يصح!‪ ،‬فالحديث هنا‬

‫إجماع وال خالف‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫عن علماء اللغة‪ ،‬ال العامة الذين قد يلحنون‪ ،‬فهم ال يعتبر بهم‬

‫أما الشيعة‪ ،‬فهل الشيعة ا‬


‫أصال من أهل العلم بالحديث حتى يحتج بأنهم اتفقوا أو اختلفوا؟ فيقال‬

‫ما أول كتاب في علم الحديث لهم؟‬

‫إن أقدم كتاب للشيعة اإلمامية يعود إلى القرن العاشر الهجري‪ ،‬توفي صاحبه سنة ‪933‬هـ(‪،)171‬‬

‫ومجمل بحوثهم فيه ضعيفة إلى الغاية مقارنة بمؤلفات وقواعد وكتب أهل السنة‪ ،‬فأين هذا من‬
‫ذاك؟‪ ،‬فال يعتبرون في الوفاق والخالف فيما ليسوا ا‬
‫أهال له‪ ،‬ثم إن كان يعتبر الخالف والوفاق مع‬

‫الشيعة‪ ،‬فقد وقع خالف بينهم هل القرآن الذي بين أيدينا محفوظ أم وقع فيه تحريف!‬

‫فعلى سبيل المثال قال المجلسي‪:‬‬

‫"األخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن األخبار في هذا الباب متواترة معنى‪،‬‬

‫وطرح جميعها يوجب رفع االعتماد عن األخبار رأس ًا‪ ،‬بل ظني أن األخبار في هذا الباب ال يقصر‬

‫عن أخبار اإلمامة "(‪.)172‬‬

‫(‪ )171‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.821‬‬


‫(‪ )171‬انظر‪ :‬أصول الحديث‪ ،‬عبد الهادي الفضلي‪ ،‬مركز الغدير للدراسات‪ ،‬لبنان‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية‪2188 :‬م‪،‬‬
‫ص‪.21‬‬
‫(‪ )172‬مرآة العقول شرح أخبار الرسول‪ ،‬محمد باقر المجلسي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران – إيران‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ج‬
‫‪ ،82‬ص‪.121‬‬
‫‪49‬‬
‫فعلى هذا فهو يعتبر حفظ القرآن محل خالف‪ ،‬ألم يحتج بخالف الشيعة مع البخاري؟ فيوجد‬

‫فيهم (وال أنسبه إليهم كلهم) من يثبت التحريف في القرآن‪ ،‬فعلى هذا ال إجماع عنده على أن القرآن‬

‫محرف‪.‬‬
‫غير ّ‬

‫وهذا الرجل ال يدري ما ينقله‪ ،‬فتجده ينقل ما هو حجة عليه‪ ،‬ففي سياق بيان أن ال إجماع على‬
‫صحة أحاديث البخاري‪ ،‬كتب ا‬
‫نقال عن غيره‪" :‬انتقاد ابن تيمية وابن القيم لحديث في البخاري"(‪،)173‬‬

‫أيضا‪" :‬ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ :‬ليس تحت أديم‬ ‫غفل أنه نسخ من قبل وهو ٌ‬
‫نقل عن غيره ا‬
‫السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن"!‬
‫(‪)174‬‬

‫وكونهم ينقدون عد ادا ا‬


‫قليال من األحاديث‪ ،‬فهذا يعني تسليمهم الباقي‪ ،‬وتعليل قطعة من حديث‬

‫لمقارنتها بغيرها من الروايات‪ ،‬كما يسلكه أهل العلم‪ ،‬ليس فيه اتهام للبخاري بالكذب! أو الطعن‬

‫على صحيحه‪ ،‬وما ينقله حجة عليه‪ ،‬لو كان له فهم صحيح‪ ،‬ومقصد صحيح‪.‬‬

‫(‪ )173‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.848‬‬


‫(‪ )174‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.848‬‬
‫‪51‬‬
‫خلط أصول الفقه بمباحث الحديث‬

‫إن كتاب أيالل يخلط العلوم الشرعية ببعضها‪ ،‬ليصل إلى النتيجة التي يريد‪ ،‬وهو بهذا‬

‫يفصح عن جهل وسقطات هائلة‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬تجده ليستكثر سطور كتابه‪ ،‬يدخل مباحث ال‬

‫شأن لها بمسألة ثبوت األحاديث‪ ،‬بل لها تعلق باألصول‪ ،‬على سبيل المثال أدخل مبحث (السنة‬

‫ناسخة للقرآن)‪ ،‬وبدأ ينسخ أقوال العلماء‪ ،‬وغاية ما يمكنه تحصيله ترجيح قول من قال بأن السنة ال‬

‫تنسخ القرآن‪ ،‬ولكن هل هذا يعني عند هؤالء أن السنة مثلما يزعم هو غير محفوظة‪ ،‬وأنها حديث‬

‫حتما ال‪ ،‬وهذا الشافعي‪ ،‬أشهر من قال بأنه‪" :‬إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب‪ ،‬وأن‬
‫خرافة؟ ا‬
‫السنة ال ناسخة للكتاب"(‪ ،)175‬من أشد المنافحين عن االحتجاج بالسنة‪ ،‬فهو القائل‪" :‬كل من قبل‬

‫عن الله فرائضه في كتابه‪ ،‬قبل عن رسول الله سننه‪ ،‬بفرض الله طاعة رسوله على خلقه‪ ،‬وأن ينتهوا‬

‫إلى حكمه‪ ،‬ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل‪ ،‬لما افترض الله من طاعته"(‪.)176‬‬

‫و القول بأن هذا حديث ناسخ وذلك منسوخ‪ ،‬مبحث‪ ،‬والقول بثبوت الرواية مبحث آخر‪،‬‬
‫ا‬
‫منسوخا‪ ،‬وقد ال يكون هذا وال ذاك‪ ،‬وال يض ّعف هذا‬ ‫ا‬
‫ناسخا وقد يكون‬ ‫فالحديث الصحيح قد يكون‬

‫وال يقوي من الحديث‪ ،‬فهذا خلط في المباحث‪.‬‬

‫وعلى هذا النحو فإن الكاتب يخلط بين ثبوت الرواية والعمل بها‪ ،‬أو بين ثبوت شيء ومشروعيته‬

‫لكل المسلمين‪ ،‬أو أنه ديني وليس دنيو ايا‪ ،‬أو العكس‪.‬‬

‫وبشكل عام فلقد دارت فصول كتاب أيالل حول هذا الخلط‪ ،‬وبعضها حاله مثل من يشنع على‬

‫من قال‪ :‬إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يركب ناقة‪ ،‬ويستشكل ذلك بأننا في عصر فيه‬

‫سيارات‪ ،‬وحافالت‪ ،‬وطائرات! وأن هذا معناه أن نعود بالزمن إلى الوراء‪ ،‬ونحو هذه التهويالت‬

‫(‪ )175‬الرسالة‪ ،‬محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة التراث‪ ،‬القاهرة‪8939 ،‬م‪ ،‬ص‪.813‬‬
‫(‪ )176‬الرسالة‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪51‬‬
‫الفارغة‪ ،‬ويرى أن الحل يكمن في نفي تلك الرواية‪ ،‬والكذب برواية أخرى بأنه كان يستعمل تقنية‬

‫القرن الواحد والعشرين لحل هذه المشكلة!‬

‫فمن قال بأن ثبوت كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب الناقة‪ ،‬واستعمل أدوات عصره‬

‫فقها أن الناس يجب أن تركبها بدل هذه المواصالت الحديثة‪ ،‬فالنظر إلى‬
‫كما هو الواقع‪ ،‬يلزم منه ا‬
‫ثبوت الحديث شيء‪ ،‬واالستنباط منه شيء آخر‪ ،‬فالثاني نظر الفقيه‪ ،‬و "قد يحمل الفقه غير فقيه‪،‬‬

‫يكون له حاف ًظا‪ ،‬وال يكون فيه ً‬


‫فقيها"(‪ ،)177‬ومن يبحث في األدلة اإلجمالية وكيفية االستفادة منها هو‬

‫األصولي‪ ،‬ولكن الكتاب خلط كل هذا ببعضه‪.‬‬

‫(‪ )177‬الرسالة‪ ،‬ص‪.412‬‬


‫‪52‬‬
‫كذب‬

‫لم يتوقف الكاتب رغم سرقاته‪ ،‬واتهاماته بالزور عن الكذب على غيره بشكل فاضح‪،‬‬

‫وعلى سبيل المثال‪ ،‬قال‪:‬‬

‫" إن الفقهاء والمحدّ ثين خالفوا القرآن وخالفوا العلم‪ ،‬وقالوا بأن مدة الحمل يمكن أن تصل إلى‬

‫خمس سنوات !!!!‪ ،‬هذا طب ًعا استنا ًدا إلى المرويات"(‪.)178‬‬

‫يهول كل مسألة‪ ،‬والفقهاء قالوا ذلك وف اقا لمعارف عصرهم‪ ،‬وأرجعوا ذلك إلى تقدير‬
‫وهكذا ّ‬
‫أهل المعرفة‪ ،‬والعلم كما هو معلوم يتقدم‪ ،‬ومن يتندر بعلوم األمس‪ ،‬سيتندر به علماء المستقبل‪،‬‬

‫ولم يزعم الفقهاء أن تحديد أكثر الحمل منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى‬

‫يقول إن مستندهم في هذا إلى الروايات‪ ،‬يقول البعلي‪:‬‬

‫"وغالبها ‪-‬أي مدة الحمل‪-‬تسعة أشهر وأكثرها أربع سنين ألن ما ال تقدير فيه شرعا يرجع فيه إلى‬

‫الوجود وقد وجد من تحمل أربع سنين"(‪.)179‬‬

‫فيقال‪ :‬هب أن هذه هي معرفة زمانهم‪ ،‬وهكذا قال لهم أطباؤهم‪ ،‬فإنهم لم يكذبوا على الرسول‬

‫صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزعموا أنهم قالوها توقي افا‪ ،‬بل قالوا مرد ذلك إلى الوجود‪ ،‬وهذا ال‬

‫يحكم به أمثالك‪ ،‬بل يحكم به أهل الطب‪ ،‬ومتى حددوا أقصى مدة ممكنة للحمل علميا فإن الفقه‬

‫يدور مع تحقيق مناطات األحكام‪ ،‬وليس من الذكاء أن يكذب المرء على خصمه ليسهل عليه الرد‬

‫بعد ذلك كما قيل‪.‬‬

‫(‪ )178‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.18‬‬


‫(‪ )179‬الروض الندي شرح كافي المبتدي‪ ،‬ألحمد بن عبد الله البعلي‪ ،‬المطبعة السلفية‪ ،‬ص ‪.424-422‬‬
‫‪53‬‬
‫وهكذا فإن الرجل ال يتورع عن الكذب‪ ،‬وعلى سبيل المثال وضع عنواناا لحديث سحر النبي‬

‫صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح البخاري بقوله‪( :‬الرسول يسحر فيهذي) ثم لم يذكر شي ائا في‬

‫هذا‪ ،‬بل في الحديث‪" :‬سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما‬

‫فعله"‪.‬‬

‫وعلق على هذا بقوله‪:‬‬

‫"اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ‪ ....‬وذلك من الهذيان‪ ،‬وهاته اإلساءة‬

‫من اإلساءات التي لم يتورع من ألف هذا الكتاب عن تدوينها"(‪.)180‬‬

‫وهذا الذي قاله كذب عليهم‪ ،‬فالهذيان هو‪" :‬كالم غير معقول مثل كالم المبرسم والمعتوه"(‪،)181‬‬

‫فأين الهذيان في تخيل شيء حصل وهو لم يحصل!‬

‫ومن صور كذبه على خصومه‪ ،‬قوله‪:‬‬

‫"محمد بن إسماعيل البخاري لم يكن يكتب أي حديث أو ينتخب أي حديث من أحاديث الصحيح‪،‬‬

‫من أصل أزيد من نصف مليون حديث‪ ،‬إال بعد أن يغتسل ويستخير الله بصالته ركعتين‪ ،‬ولكم أن‬

‫تتخيلوا كم من مرة قام البخاري بصالة االستخارة‪ ،‬ليكون الجواب هو ‪ 066‬ألف مرة‪ ،‬أي مليون‬

‫ومائتي ألف ركعة خالل ست عشرة سنة!!!"(‪.)182‬‬

‫فهذا الرجل يرد على نفسه بنفسه‪ ،‬فيقول بأن البخاري كان يستخير كلما انتخب حدي اثا في‬

‫الصحيح‪ ،‬ومعنى هذا أنه صلى بعدد أحاديث صحيح البخاري‪ ،‬كما هو واضح في كالمه‪.‬‬

‫(‪ )181‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.814‬‬


‫(‪ )181‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،81‬ص‪.231‬‬
‫(‪ )182‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.881‬‬
‫‪54‬‬
‫فكم عدد أحاديث صحيح البخاري بدون تكرار؟ على ما حرره ابن حجر‪ ،‬فإنها‪ 2338 :‬حدي اثا‬

‫تشمل المعلقات التي لم يوصلها في موضع آخر(‪ ،)183‬فصلى عند كل حديث منها ركعتين على مدى‬

‫‪ 83‬سنة‪ ،‬فأين الغرابة في هذا؟‬

‫ولكن لما لم تعجبه هذه الحسبة‪ ،‬طار إلى التشنيع‪ ،‬وجعله يصلي عند كل حديث قبل أي انتقاء‪،‬‬

‫وبذا ناقض نفس ما ينقله‪ ،‬وهكذا دأبه في هذا الكتاب‪ ،‬مع التنبيه أن الحديث قد يكون واحدا ا وله‬

‫عشرة أسانيد‪ ،‬فتسمى عشرة أحاديث‪ ،‬ولما يجري تضعيف طريق منها‪ ،‬يقال هذا حديث ضعيف‪،‬‬

‫لكن قد يصح من وجه آخر‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا للتنبيه على سوء فهمه لهذا األمر‪ ،‬وبداية النسخ واللصق‬

‫والتهويل‪.‬‬

‫(‪ )183‬انظر‪ :‬هدي الساري‪ ،‬ص‪.433‬‬


‫‪55‬‬
‫هل هي خصومة مع البخاري؟‬

‫يصور وكأن الخالف مع البخاري فحسب‪ ،‬ولكنه يهاجم السنة بشكل عام في‬
‫عنوان الكتاب ّ‬
‫كتابه‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫نموذجا فقط لباقي هاته الكتب المسماة كتب الحديث"(‪.)184‬‬


‫ً‬ ‫"نحن اتخذنا البخاري‬

‫واألمر لم يقتصر على صحيح البخاري‪ ،‬بل الزم كالمه يمتد إلى نصوص آيات التنزيل‪ ،‬مع عدم‬

‫اتساقه في استدالالته‪ ،‬فالكتاب عبارة عن تجميع‪ ،‬وسرقات‪ ،‬فماذا يتوقع القارئ منه في النهاية؟‬

‫وقد سبقت بعض األمثلة على طعنه بأحاديث لها نفس دالالت اآليات القرآنية‪ ،‬بحجة أنه يراها‬

‫مناقضة للقرآن! وهذه أمثلة أخرى‪:‬‬

‫‪-8‬طعنه بحديث السحر الذي فيه‪ " :‬حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله"‪.‬‬

‫فعلق ا‬
‫قائال‪" :‬اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ‪ ....‬وذلك من الهذيان‪،‬‬

‫وهاته اإلساءة من اإلساءات التي لم يتورع من ألف هذا الكتاب عن تدوينها"(‪.)185‬‬

‫وسى إِما َأن ت ْل ِق َي‬ ‫فيقال له‪ :‬ألم تقل إنك تس ّلم بصحة القرآن؟‪ ،‬قال الله تعالى فيه‪َ ﴿ :‬قالوا َيا م َ‬
‫ون َأو َل َم ْن َأ ْل َقى * َق َال َب ْل َأ ْلقوا َفإِ َذا ِح َباله ْم َو ِع ِصيه ْم ي َخيل إِ َل ْي ِه ِمن ِس ْح ِر ِه ْم َأن َها ت َْس َعى‬
‫َوإِما َأن نك َ‬

‫نت ْاألَ ْع َلى﴾(‪ ،)186‬فعلى كالمك فإن قوله‪:‬‬ ‫ف إِن َك َأ َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫وسى * ق ْلنَا َال ت َ‬
‫َخ ْ‬ ‫* َف َأ ْو َج َس في َن ْفسه خي َف اة م َ‬
‫ا‬
‫تأويال لذاك؟‬ ‫(يخيل إليه من سحرهم) أنه هذيان! فإن أوله يقال له فما لك لم تجد‬

‫(‪ )184‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.242‬‬


‫(‪ )185‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.814‬‬
‫(‪ )186‬سورة طه‪ ،‬اآليات‪ ،31 :‬إلى ‪.31‬‬
‫‪56‬‬
‫‪-2‬استشنع حدي اثا فقال‪ " :‬صحيح البخاري ينسب لرسول الله نسيان كالمه‪ ،‬وكأن الله أخلف للنبي‬

‫َنسى * إِال َما َشا َء الله إِنه َي ْع َلم ا ْل َج ْه َر َو َما‬


‫وعده إياه"(‪ ،)187‬مع أن الله في كتابه يقول‪َ ﴿ :‬سن ْق ِرئ َك َف َال ت َ‬
‫ي ْخ َفى﴾(‪ ،)188‬ويقول مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم‪﴿ :‬وإِما ي ِ‬
‫نس َين َك الش ْي َطان َف َال َت ْقعدْ َب ْعدَ‬ ‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫الذك َْرى َم َع ا ْل َق ْو ِم الظال ِ ِمي َن﴾(‪ ،)189‬ويقال في االستثناء‪ ،‬والنسيان هنا ما قيل في سابقه‪.‬‬

‫‪-2‬استشكل حدي اثا في صحيح البخاري‪ ،‬فقال‪" :‬ال يستطيع مسلم نقي الفطرة‪ ،‬سليم العقل‪ ،‬يحترم‬

‫دينه ونبيه‪ ،‬أن يصدّ ق بأن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يدخل على امرأة أجنبية عنه‪ ،‬ويختلي‬

‫بها في غيبة زوجها"(‪ ،)190‬فيقال له ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسف‪َ ﴿ :‬و َر َاو َدتْه التِي ه َو فِي َب ْيتِ َها َعن‬

‫اب َو َقا َل ْت َه ْي َت َل َك َق َال َم َعا َذ الل ِه﴾(‪ ،)191‬فلو كان اعتراضه مسق اطا للرواية‪ ،‬بقطع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ن ْفسه َو َغل َقت ْاألَ ْب َو َ‬
‫متوجها على قصة يوسف واختالء امرأة العزيز به‪ ،‬ثم أين وجد في‬
‫ا‬ ‫النظر عن صحة فهمه لها‪ ،‬لكان‬

‫القرآن النهي عن الخلوة باألجنبية؟ أال يتحاكم هنا إلى كتب السنة‪ ،‬التي طعن بها‪ ،‬وسماها خرافة‬

‫الحديث؟‬

‫وبحشو بالغ‪ ،‬بدأ يعرض شي ائا من نسخ صحيح البخاري ليحكم بعدها بأنه كتاب غريب المصدر‬

‫مجهول األثر(‪ ،)192‬حيث إنه لم يعثر على نسخة البخاري نفسه‪ ،‬فيقال له‪ :‬ما تقوله لو كان حجة‪ ،‬فإن‬
‫األمر يمتد إلى القرآن نفسه‪ ،‬فيقدر أي ٍ‬
‫أحد أن يقول أين هي النسخة التي كانت عند حفصة؟‪ ،‬وأين‬

‫هي اللخاف والرقاع ونحوها مما كتب عليه القرآن أول مرة؟‪ ،‬ويظهر وقتها أن الخصومة ليس مع‬

‫السنة فحسب!‬

‫(‪ )187‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.813‬‬


‫(‪ )188‬سورة األعلى‪ ،‬اآلية‪.3 ،3 :‬‬
‫(‪ )189‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية‪.31 :‬‬
‫(‪ )191‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.813‬‬
‫(‪ )191‬سورة يوسف‪ ،‬اآلية‪.22 :‬‬
‫(‪ )192‬انظر‪ :‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬ص‪.239‬‬
‫‪57‬‬
‫وإال فإن األمر ال يشترط له نسخة موقعة من البخاري نفسه‪ ،‬أو أن تبقى نسخة القرآن التي أودعت‬

‫عند حفصة‪ ،‬فقد كان الحفظة موجودين‪ ،‬وليس هذا في القرآن فحسب‪ ،‬بل وال الحديث فحسب‪،‬‬

‫ف حتى كتب الفقه‪ ،‬كان هناك من المعتنين بها‪ ،‬والحافظين لها‪ ،‬إلى درجة أن يقول القاضي الروياني‬

‫على سبيل المثال‪" :‬لو احترقت كتب الشافعي كنت أمليتها من حفظي!"(‪.)193‬‬

‫وقد بلغ االعتناء بصحيح البخاري الغاية‪ ،‬وممن يذكر في مقدمة المعتنين به "المغاربة‪ ،‬وما عرف‬

‫عنهم من اهتمام بصحيح البخاري وسرعة قراءته والصبر على سماعه وإسماعه‪ ،‬فيروى في ذلك‬

‫العجب العجاب‪ ،‬وممن يذكر في هذا الباب الحافظ أبو علي الصدفي المتوفى سنة ‪415‬هـ‪ ،‬فقد‬

‫كان مما أقام للحديث السوق العظيم‪ ،‬الذي نفقت بضائعه‪ ،‬فقد أسمع صهره ابن سعادة صحيح‬

‫البخاري ومسلم نحو ستين مرة في مدة خمس وعشرين سنة"(‪.)194‬‬

‫وللعلماء أسانيدهم إلى صحيح البخاري‪ ،‬فالعالم كان يقرأ البخاري على عالِم‪ ،‬وال يضير إن‬

‫كان لعالم نسخة من الصحيح‪ ،‬ثم قرأها عليه آخر‪ ،‬ولم يقل للعالم أعطني نسختك‪ ،‬فيكفي أنه‬

‫استنسخها لنفسه‪ ،‬كما إن أحاديث الصحيح معروفة‪ ،‬موزعة على كتب الحديث من غيره‪ ،‬إلى درجة‬

‫معرفة أن هذا من حديث الراوي الفالني‪ ،‬وذلك ليس من حديثه‪ ،‬وأي اختالف في نسخة‪ ،‬يجري‬

‫التنبيه عليه‪ ،‬وتصحيحه أو تضعيفه بقواعد علمية‪ ،‬ليس فيها تحكّم وهوى‪.‬‬

‫ثم إنه بنتيجته هدم كل ما قاله من قبل‪ ،‬فقد استدل على عدم اإلجماع على صحيح البخاري‪ ،‬بأن‬

‫العلماء نقدوا بعض أحاديثه‪ ،‬وهنا يقول ال يدري لعلهم نقدوا غير أحاديثه!‪ ،‬بل وطعن في البخاري‬

‫من قبل في أنه متروك تارة‪ ،‬ومتهم في عقيدته تارة أخرى‪ ،‬فلم كل الصفحات السابقة‪ ،‬إن كان يجهل‬

‫من ألف صحيح البخاري؟!‬

‫(‪ )193‬الوافي بالوفيات‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد األرنؤوط‪ ،‬تركي مصطفى‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2111 :‬م‪ ،‬ج‪ ،89‬ص‪.833‬‬
‫(‪ )194‬مدرسة اإلمام البخاري في المغرب‪ ،‬يوسف الكتاني‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.289‬‬
‫‪58‬‬
‫ولو بقي المسفسط مع حجة أنه ال يقبل إثبات شيء إال بنسخ موقعة من أصحابها‪ ،‬يقال كيف به‬

‫أصال أي محاكم للتوثيق‪ ،‬بل يتناقل الناس أن فالناا ابن فال ٍن‪ ،‬فهل‬
‫يثبت نسبه‪ ،‬في وقت لم يكن فيه ا‬

‫أيضا؟‬
‫يطعن هو بهذا ا‬

‫كثيرا‬ ‫ٍ‬
‫تسليما ا‬
‫ا‬ ‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬ ‫وصلى الله وسلم على‬

‫‪59‬‬
‫المراجع‪:‬‬

‫‪ .8‬إحكام األحكام شرح عمدة األحكام‪ ،‬تقي الدين ابن دقيق العيد‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حامد الفقي‪ ،‬أحمد‬
‫محمد شاكر أبو األشبال‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪.8912 ،‬‬
‫‪ .2‬اإلحكام في أصول األحكام‪ ،‬علي بن حزم األندلسي‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .2‬آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور‪ ،‬تأليف‪ :‬عماد محمد بابكر‬
‫حسن‪ ،‬باالشتراك مع‪ :‬عالء الدين محمد بابكر حسن‪( ،‬نسخة إلكترونية)‪ ،‬الخرطوم‪.2113 ،‬‬
‫‪ .4‬أضواء على السنة المحمدية‪ ،‬محمود أبو ر ّية‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة السادسة‪.‬‬
‫‪ .1‬أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم المكتوبة منذ صدر اإلسالم حتى سنة ‪ 111‬هـ‪،‬‬
‫كوركيس عواد‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم العراقية‪8912 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة‪ ،‬عبد الرحمن بن‬
‫يحيى المعلمي‪ ،‬عالم الكتب‪-‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .3‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬أميل برهييه‪ ،‬ترجمة‪ :‬جورج طرابيشي‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت–لبنان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪8913 :‬م‪.‬‬
‫‪ .1‬تذكرة الحفاظ‪ ،‬الذهبي‪ ،‬حققه‪ :‬عبد الرحمن المعلمي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .9‬تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عاصم بن عبد‬
‫الله القريوتي‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الزرقاء‪-‬األردن‪.‬‬
‫‪ .81‬تهذيب األجوبة‪ ،‬الحسن بن حامد‪ ،‬حققه وعلق عليه‪ :‬صبحي السامرائي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬مكتبة‬
‫النهضة العربية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 8411‬هـ‪8911-‬م‪.‬‬
‫‪ .88‬خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد الرحمن عميرة‪ ،‬دار عكاظ‪ ،‬جدة‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ .82‬الرسالة‪ ،‬محمد بن إدريس الشافعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد شاكر‪ ،‬مكتبة التراث‪ ،‬القاهرة‪8939 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .82‬الروض الندي شرح كافي المبتدي‪ ،‬ألحمد بن عبد الله البعلي‪ ،‬المطبعة السلفية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ .84‬سير أعالم النبالء‪ ،‬الذهبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪ ،‬صالح السمر‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الحادية عشرة‪8993 :‬م‪.‬‬
‫‪ .81‬شرك الطاعة‪ ،‬أبو صهيب العراقي‪ ،‬المكتب اإلعالمي‪ ،‬الدولة اإلسالمية في العراق والشام‪ ،‬والية‬
‫نينوى‪.‬‬
‫‪ .83‬شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل‪ ،‬مصطفى بن إسماعيل‪ ،‬تقديم‪ :‬مقبل بن هادي‬
‫الوادعي‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪8998 :‬م‪.‬‬
‫‪ .83‬صحيح البخاري نهاية األسطورة‪ ،‬رشيد أيالل‪ ،‬دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر‪ ،‬المغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2183 :‬م‪.‬‬
‫‪ .81‬صحيح البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬دمشق‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪2112‬م‪.‬‬
‫‪ .89‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬المطبعة المصرية بالقاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪8929 :‬م‪.‬‬
‫حجاج‪ ،‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‪-‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ .21‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن ّ‬
‫‪ .28‬الفارق بين المصنف والسارق‪ ،‬عبد الرحمن السيوطي‪ ،‬حققه‪ :‬هالل ناجي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪8991 :‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬فتح الباري‪ ،‬علي بن أحمد بن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬دار الكتب السلفية‪.‬‬
‫‪ .22‬قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم‪ ،‬أحمد بن تيمية‪ ،‬حققه‪:‬‬
‫عبد العزيز بن عبد الله آل حمد‪ ،‬الطبعة األولى‪2114 :‬م‪.‬‬
‫‪ .24‬القرآن والحديث‪ ،‬محمد شحرور‪ ،‬األهالي للتوزيع‪ ،‬سورية‪-‬دمشق‪.‬‬
‫‪ .21‬القسطاس المستقيم‪ ،‬أبو حامد الغزالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬فيكتور شلحت‪ ،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪،‬‬
‫‪8912‬م‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ .23‬ق صة حياة تشارلس داروين‪ ،‬تحرير‪ :‬فرانسيس بيكون‪ ،‬ترجمة ومراجعة‪ :‬مجدي محمود المليجي‪،‬‬
‫المركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪2188 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬كتاب سيبويه‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪8991 :‬م‪.‬‬
‫‪ .21‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .29‬المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي‪ ،‬الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عجاج‬
‫الخطيب‪ ،‬دار الفكر – بيروت‪.‬‬
‫‪ .21‬مرآة العقول شرح أخبار الرسول‪ ،‬محمد باقر المجلسي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران – إيران‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ .28‬مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح‪ ،‬توثيق وتحقيق‪ :‬عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)‪،‬‬
‫مطبعة دار الكتاب ‪8934‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش‪ ،‬نائل حنون‪ ،‬دار الخريف‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬الطبعة األولى‪2113 :‬م‪.‬‬
‫‪ .22‬المنار المنيف في الصحيح والضعيف‪ ،‬محمد بن قيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬يحيى بن عبد الله الثمالي‪،‬‬
‫دار عالم الفوائد‪ ،‬مكة‪ ،‬الطبعة األولى‪8421 :‬هـ‪.‬‬
‫‪ .24‬موطأ مالك‪ ،‬رواية محمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬مع التعليق الممجد على موطأ محمد‪ ،‬تعليق‬
‫وتحقيق‪ :‬تقي الدين الندوي‪ ،‬دار السنة والسيرة‪-‬بومبائي‪ ،‬دار القلم‪-‬دمشق‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .21‬الموطأ‪ ،‬مالك بن أنس‪ ،‬صححه ورقمه‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬‬
‫لبنان‪8911 ،‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر‪ ،‬ابن حجر العسقالني‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الله بن ضيف الله الرحيلي‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪2118 :‬م‪.‬‬
‫‪ .23‬نظم المتناثر من الحديث المتواتر‪ ،‬محمد بن جعفر الكتاني‪ ،‬دار الكتب السلفية للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ .21‬الوافي بالوفيات‪ ،‬صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد األرنأووط‪ ،‬تركي مصطفى‪،‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪2111 :‬م‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ .29‬مدرسة اإلمام البخاري في المغرب‪ ،‬يوسف الكتاني‪ ،‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬

‫‪63‬‬

You might also like