Professional Documents
Culture Documents
2
الفهرس
المقدمة4 ....................................................................................
معارضة22 ..................................................................................
3
المقدمة
فقد احتفى عبد النبي الشراط مدير (دار الوطن) بإصدار كتاب (صحيح البخاري نهاية أسطورة)
لرشيد أيالل ،ولم ينس في تقديمه للكتاب أن يعرض دعايته لكتب سبق أن طبعتها الدار ،فيفخر
على سبيل المثال بأن الدار طبعت كتاب (آذان األنعام) ،ا
قائال في وصفه" :كتاب العصر :نظرية آذان
ثم يتحدث عن الداعي إلصدار كتاب (نهاية أسطورة) ،بأنه "تبرئة الرسول المصطفى صلى الله
عليه وآله وسلم من كذب األفاكين ،وخفافيش فقه الظالم ،الذين يحرفون الكالم عن مواضعه
ليشتروا بآيات الله ثمنًا ً
قليال" (.)2
بهذا االنفعال والتشنج أعلن مدير دار الوطن تقديمه للكتاب ،ولمعرفة شيء عن نوعية الكتب
التي يحتفي بها مدير الدار ،يجدر الحديث ا
قليال عن "كتاب العصر" كما يصفه ،فكتاب آذان األنعام،
مجرد كتاب تجاري ،وال يوجد فيه أي محتوى علمي ،ال عن داروين وال في العلوم الشرعية ،وعلى
( )1صحيح البخاري نهاية األسطورة ،رشيد أيالل ،دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر ،المغرب ،الطبعة األولى:
2183م ،.ص.88
( )2صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.88
( )3آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور ،تأليف :عماد محمد بابكر حسن ،باالشتراك
مع :عالء الدين محمد بابكر حسن( ،نسخة إلكترونية) ،الخرطوم ،2113 ،ص.21
4
فمن أين لهما أنه ال يشك أحدٌ في هذا؟ فكيف وداروين نفسه قد شرح معتقده في سيرته ،بأنه
كان مقتن اعا بوجود الله فترة كتابته (أصل األنواع) ثم تغير هذا المعتقد بعد ذلك ،يقول" :مؤمن
بوجود الله ،كان هذا االقتناع قو ّيا في ذهني ،بقدر استطاعتي أن أتذكر ،في الوقت الذي كنت أقوم
فيه بكتابة "نشأة األنواع الحية" (أصل األنواع) لكنه أصبح منذ ذلك الوقت يزيد ضع ًفا بشكل
تدريجي جدً ا ،مع الكثير من التقلبات ،ولكن الشك انبثق بعد ذلك"( ،)4إلى أن قال" :ال بد لي
وقد قام المؤلفان باختراع نظرية من ذهنيهما في تصوير داروين ،مع توزيع ما تشتت من
خواطرهما في الكتاب على أنها تفسير لآليات واألحاديث ،ليقوال على سبيل المثال﴿" :ولِل ِه َع َلى
اع إِ َل ْي ِه َسبِ ايال﴾( ،)6تعني قصده والتد ّبر في أسراره واألحداث التي دارت ِ الن ِ ِ
اس حج ا ْل َب ْيت َم ِن ْ
اس َت َط َ
عنده ،وهذا أمر ال يتطلب الزيارة"(.)7
است ََوى
وهذا معناه نفي ركن من أركان اإلسالم بهذا التأويل الفاسد ،أما تفسير قوله تعالى﴿ :ثم ْ
َع َلى ا ْل َع ْر ِ
ش﴾( ،)8فهو عندهما "أن يحترم الله ذلك النظام الذي صنعه ويتحكم فيه!"( )9وعالمة
( )4قصة حياة تشارلس داروين ،تحرير :فرانسيس داروين ،ترجمة ومراجعة :مجدي محمود المليجي ،المركز القومي
للترجمة ،القاهرة ،2188 ،ص.283
( )5قصة حياة تشارلس داروين ،ص ،283بتصرف يسير.
( )6سورة آل عمران ،اآلية.93 :
( )7آذان األنعام ،ص.242
( )8سورة األعراف ،اآلية.14 :
( )9آذان األنعام ،ص.232
5
وفي تفسيرهما لقوله تعالى﴿ :و َال َت ْق َر َبا َه ِذ ِه الش َج َر َة َفتَكونَا ِم َن الظال ِ ِمي َن﴾ ( ،)10قاال" :التي منع
آدم من االقتراب منها وهي الجماع بين الزوج والزوجة" ( ،)11فهذا وأمثاله جعل من الكتاب في نظر
عبد النبي كتاب العصر ،وليس من تحريف الكلم عن مواضعه! ،فكيف إذا أضيف إلى هذا ثقل
األسلوب بتك ّلف التقليد فيكتبان ا
مثال" :معالم في الطريق"(" ،)12إبراهيم كان شخصية متقدة
ثورية"(" ،)13اإلعجاز الفني في القرآن"(" ،)14اإلعجاز القرآني يرسم رائعة فنية "( ،)15وهذا مجرد
وفي شرح عملية التطور التي ابتكراها ،يقوالن" :لما أصبح مخ اإلنسان العاقل ً
قابال ألن تنتقل
إليه علو ٌم ال يعلمها إال رب العالمين ،بدأت عملية نقل بعض السلطات اإللهية إليه"(.)16
فهذا النص وأمثاله لم يزعج مدير الدار ،وأخذ يصيح على غيره بأنهم يشترون بآيات الله ثمناا قلي اال،
ولم ِ
يكفه االسترزاق بهذا الكتاب ،حتى قفز إلى المشاركة في الصخب حول صحيح البخاري ،فهو
"أدعو الباحثين المنقبين في بطون كتب التراث ،إلى أن يقارنوا بين الديانة الزرداشتية التي كان مهدها
بالد فارس قبل مجيء اإلسالم ،وبين بعض ما ورد في كتاب (صحيح البخاري) سيما في مسألة
الحل بنظره فهو "العودة إلى المنبع اإلسالمي الصافي :القرآن الكريم"(.)18
فيقال له :الكالم الذي ألقاه على عواهنه بأن البخاري حوى أساطير من الزرداشتية ،هو محض
دعوى قالها دون أن يستعرض تفاصيلها ،ليثبت التطابق فيها ،بخالف الحال في الكتاب الذي يقدّ م
ا
مشغوال له ،حيث سيظهر أن فيه سرقة لجهد غير ،ولكن صاحب دار النشر لم ير هذا ،حيث كان
أما المقارنة التي يدعو إلى عقدها فقد قيل مثلها في القرآن نفسه ،وهي مقارنات متهافتة ،حيث
جاء في ملحمة جلجامش التي تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميالد( ،)19أن "اآللهة العظام رغبوا
بإحداث الطوفان"(" ،)20احمل ذرية الحياة كلها إلى قلب الفلك ،الفلك التي تبنيها أنت"(،)21
" اكتسحت العاصفة البالد ليوم واحد ،لقد هبت بسرعة ،ثم جاء الطوفان ،مثل حرب غمر الناس،
لم يعد األخ يرى أخاه ،ولم يعد الناس يميزون السماء"( ،)22فهل يثبت هذا أن هذه هي مصدر قصة
حتما ال ،إذ إن القرآن لما ذكر قصة نوح لم يقل إنه أنشأ القصة في وقت النزول ،بل تحدث
نوح؟ ا
عن واقعة حصلت موضوعيا من قبل ،فال يمنع هذا أن يخبر عنها بعض الناس على غير وجهها ،كما
لم يقل هي القصة الوحيدة التي حصلت في العالم ،وال تطابق بين األمرين.
بيان ،إنما هو مجرد بيع وه ٍم ،على أنه معرفة ،ومن هنا يصير الجهل مر ّك ابا فيمن يصدق أمثال هذا،
ولكنها فنيات التسويق ،ومن هنا احتفت الدار بكتاب رشيد أيالل ،الذي لم يخرج عن إطار بيع
الوهم ،كغيره من الكتب التجارية التي تنشرها هذه الدار وتبالغ في تمجيدها.
التقول على صاحبه ،وتبين الوهم الذي يباع للناس على أنه
السطور القليلة ،لترد ّ
فجاءت هذه ّ
حقيقة ،ولم أتتبع الكاتب في كل زلة له فيه إنها إ اذا ستطول ،إنما هي مسائل منبئة عن غيرها ،تبين
يوسف سمرين
القدس
2183/88/1م
8
جهد سنوات
أول ما طالعت الكتاب ،ولكن التساؤل تعلق بالشطر الثاني ،وهو الحديث عن جهد سنوات من
البحث والتنقيب ،وهذا يصطدم بالمراجع المذكورة في الكتاب ،وطريقة التوثيق ،مما يدفع إلى
صحيحا ،فهذا يعني أن شبكة اإلنترنت عنده ضعيفة جدا ا ،وهذا شيء من مراجع
ا فإن كان هذا
" .8ورد في موقع األلوكة تعليق على القصة من طرف أحد المعلقين"(.)23
" .2سأنقل لكم ً
مقاال للكاتب المصري عبد الفتاح عساكر بمنتدى الواحات المصرية"(.)24
" .1وجدت مقالة جامعة منشورة على منتدى السودان"()27واستغرق نقله للمقالة أكثر من 81
صفحات من الكتاب(.)28
.3ويقتبس صفحتين عن "عماد الحسن رحمه الله في مقالة له نشرها على صفحته
الفيسبوكية"(.)30
فهذا وأمثاله مأل به كتابه ،ولم يجد في دار النشر من ينبهه على أن هذه الطريقة قد تسيء إلى
سمعته ككاتب ،أو إلى الدار على أنها ربحية تجارية غير جادة ،فكيف والموضوع له عنوان كبير،
ولبيان الجهد المبذول في الكتاب يحسن التعرض ألول صفحة في الكتاب ،ولك أن تقيس عليها
الباقي:
فأول ما بدأ به الكاتب كتابه ،فصل فيه( :منع الرسول للصحابة من تدوين كالمه)( ،)31وابتدأ كالمه
بقوله" :سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة"( ،)32فقال" :روى أحمد ومسلم
:...ال تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن ،فمن كتب عني غير القرآن فليمحه"(.)33
ثم قال الكاتب في محاولة بيان حرصه على التوثيق" :وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد
الخدري ،قال( :جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى) .كتاب الزهد
عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به"(.)34
والحديث بهذا اللفظ ":جهدنا بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لنا في الكتابة فأبى " ،الذي
أسهب الكاتب في بيان موضعه في صحيح مسلم ،ليس في الموضع الذي نسبه إليه وتبجح بإثباته،
بل الطريف أنه بهذا اللفظ ليس في صحيح مسلم ا
أصال! ،ويظهر أنه بحث على الشبكة ووهم فظن
أن اللفظ الثاني في صحيح مسلم وليس فيه ،ونسخ موض اعا ليس فيه ذلك اللفظ ،وهذا يبين أي جهد
مبذول في الكتاب.
وهو بهذا اللفظ في (المحدّ ث الفاصل) للرامهرمزي ،وفي سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
وهو ضعيف(.)35
أثرا من مراسيل ابن أبي مليكة ،ثم نقل عن طبقات ابن سعيد ،وما ينقله إنما يستنسخه عن
ثم نقل ا
المحمدية) ،لكاتبه محمود أبو ر ّية ،فقد ساق نفس ترتيب اآلثار فيها(،)36
ّ كتاب (أضواء على السنة
-8بدأ برواية حديث أبي سعيد عن أحمد ثم ذكر مسلم واختصر الحديث حيث إنه له في مسل ٍم بق ّية
لم يذكرها أبو رية" :وحدّ ثوا عني وال حرج .)37("...
من الطبقات(.)38
-8بدأ برواية الحديث عن أحمد ثم مسلم ووقع اختصاره للحديث على نحو كتاب محمود أبو
رية-2 ،حديث (جهدنا )...فزعم أن الحديث في صحيح مسلم فأخطأ! -2أنهم استأذنوا فلم يؤذن
لهم-4 ،نقل عن مراسيل ابن أبي مليكة-1 ،نقل عن ابن سعد من الطبقات.
مقارنة بالصور بين كتاب محمود أبو رية ،وكتاب رشيد أيالل:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
( )39الصورة من كتاب (أضواء على السنة المحمدية) ،لمحمود أبو رية ،ص.89
13
النص الثاني من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة)(:)40
والنص الذي في المربع األحمر ،هو للحديث الذي أقحمه أيالل في النص األصلي وقد أخطأ
وهذا الذي تمسح بعنوان "انتقاد التراث الديني"( ،)41كان حريا به أن يتعلم من هذا التراث منهج
البحث الرصين ،ويعتبر بقولهم" :من جربنا عليه الكذب ،والقول المضطرب ،والخروج عن
أسلوب الصادقين ،إلى أسلوب المدّ عين الدعاوى الكاذبة والسارقين ،فإنه عندنا محكوم له بالجرح،
( )41الصورة من كتاب (صحيح البخاري نهاية األسطورة) ،لرشيد أيالل ،ص.83
( )41صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.3
( )42الفارق بين المصنف والسارق ،عبد الرحمن السيوطي ،حققه :هالل ناجي ،عالم الكتب ،بيروت-لبنان ،الطبعة
األولى8991 :م ،ص.18
14
و نبقى في الصفحة األولى ،فبما أنه يستنسخ حججه من كتاب (أضواء على السنة المحمدية)،
فقد كان حر ايا به أن يرجع إلى الكتاب الذي رد عليه فيه أحد علماء الحديث ،وهو عبد الرحمن بن
يحيى المع ّلمي ،وحمل رده عنوان (األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل
والتضليل والمجازفة) ،الذي ألقمه فيه المعلمي الحجر ،وب ّين له كيف يكون العلم.
وقول هذا الرجل" :سنورد بعض األحاديث التي يعتبرها المحدثون صحيحة"( ،)43ثم ذكره
فالبخاري نفسه الذي يكتب عنه هذا الرجل ،ال يصحح رفع الحديث ،يقول ابن حجر" :منهم من
ّ
ّ
أعل حديث أبي سعيد وقال :الصواب وقفه على أبي سعيد ،قاله البخاري وغيره"(.)44
ولو رجع إلى كتاب المعلمي لوجده يذكر هذا( ،)45فلِ َم يل ّبس على الناس بأنه حديث صحيح عند
المحدثين ،وكأنه ال يوجد فيه نقاش هل هو من قول أبي سعيد نفسه ،أم هو مرفوع؟
ويل ّبس على الناس بعدم ذكر األحاديث األكثر واألقوى في كتابة الحديث واإلذن بها ،ففي
صريحا(.)48
ا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وأكثر ،ولو أراد أن ينسب الوهم لمن رواه عن أبي سعيد ،لكان أقرب من نسبته إلى الرواة اآلخرين،
ولو كان يريد أن ينسب الوهم فيه ألبي سعيد لكان أقرب من نسبة الوهم إلى غيره من الصحابة! فهو
فرد وغيره أكثر منه ،فكيف إن أمكن الجمع بين الروايات وعدم ضربها ببعضها؟
يقول المعلمي" :ليس في النهي غير حديثين ،أحدهما متفق على ضعفه وهو المروي عن زيد بن
ثابت ،والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد ،فأما أحاديث اإلذن فلو لم يكن منها إال
حديث أبي هريرة في اإلذن لعبد الله بن عمرو لكان أصح مما جاء في النهي" (.)49
علما ،ألنها ال تملك من العلم شيئًا ،ومنهجها منهج أهواء ،وأسلوبها انتقائي مزاجي،
الحديث ً
يخضع ألقوال الرجال"(.)50
....يمكنك أيها المقد س المقلد أن ترجع إلى األحاديث التي تسميها صحيحة لتقف على رأي
حجرا
ا فهو ال يعبأ بالصحابة ،وال يس ّلم بصحة األحاديث ،فعال َم إ اذا صار حديث أبي سعيد
"ورد في طبقات ابن سعد :أن األحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه
وفرح بهذا األثر ،ليكرر" :إن عمر بن الخطاب قام بحرق نسخ الحديث المكتوبة بعد
جمعها"(.)54
ً
وهذا األثر نقله أبو رية قب َله( ،)55ولو كان هذا الرجل طال ابا للحق لرجع إلى رد المعلمي ،حيث إن
أيضا إنما ولد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة"( ،)56فهذا األثر
قال المعلمي عقبه" :هذا منقطع ً
أما فرحه بمراسيل ابن أبي مليكة ،فقد أجاب المعلمي على نفس األثر" :ال ندري ما سنده إلى
ابن أبي مليكة ،وب ّين الذهبي أنه مرسل أي منقطع ،ألن ابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر وال كاد ،ومثل
ثم بعد ذا بصفحتين قال" :وهنا ارتأيت أن أنقل لكم ما أورده المفكر المصري محمود أبو رية
رحمه الله في كتابه (أضواء على السنة المحمدية)"( ،)58فيقال له :ها أنت كنت قاد ارا أن تنسب كالم
لتتشبع بما لم َ
تعط ،ولماذا لم تشر إلى من َ محمود أبو رية إليه ،ولكنك أخفيت مصدره أول األمر،
ٍ
سنوات في البحث رد عليه مر اة واحدة؟ فهل جهلت ر ّد المع ّلمي عليه؟ وأنت يفترض أنك َج ِهدت
وحتى ال يطول الحديث ويتشعب ،وحتى ال يقال في الرد على هذا الرجل بما ليس له أص اال،
يمكن للقارئ أن يرجع إلى رد المعلمي المذكور ،على محمود أبو رية ،وكتابه ،فقد وفى بالمطلوب
وزيادة.
عمد المؤلف إلى استعمال أساليب غير علمية ،ومن بين تلك األساليب رمي المخالفين له
بالتهم الجاهزة ،فيقول" :ما داعش التي نبتت بين ظهرانينا إال نتاج هذه المرويات المنسوبة لرسول
زورا وبهتانًا"(.)59
الله ً
"من هنا جاءت داعش ،وجاءت كل التصورات اإلرهابية ،من هذا الموروث الديني"(.)60
مرارا" :ما أسس الفكر اإلرهابي المدمر ،إال مرويات تناقلتها كتب
وبقي يكرر هذه االسطوانة ا
التراث ،ومنها صحيح البخاري"(.)61
وهو يريد بهذا إرهاب غيره فحسب ،بأن من لم يوافق آراءه فهو إرهابي ،وبذا يجر الحوار العلمي
إلى تهم جاهزة بحق المخالفين ،فهل بهذه الطريقة يكون البحث؟ ولما سلك هذا المسلك ،حق لنا
أن نسأل ،من الذي يرفع على رؤوس الناس سيف التكفير بالهوى والباطل والزور؟
" المئات منها تحمل بكوارث خطيرة ،فمنها ما تسيء إلى مقام األلوهية ،ومنها ما تسيء إلى مقام
النبوة"(.)62
ويقول " :السؤال الذي طرحناه إلسقاط أسطورة صحيح البخاري من برجها المبني على خرافة
ولكن من الذي قال :إن البخاري في مقام األنبياء من كل المسلمين؟ فكيف بأعلى من األنبياء؟
فإنه فهم أن في هذا إساءة منهم إلى مقام األلوهية! إذ الكتاب الكامل ال يكون إال من الكامل ،فقال:
" الكامل ال يصدر إال عن كامل ،وبالتالي فالشيخ البخاري هو إنسان كامل ،وال يجري عليه الذي
يجري على آدم وعلى أنبياء الله ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالبخاري أكمل من
الله في صفة الكمال! ،وإذا نادى مظلوم بكامل حقوقه؟ فهو ينازع الله في صفة الكمال ألن الكامل
الكمال.
ومن ألزم غيره بقانونه ما ظلمه ،فعلى هذا على رشيد أيالل أن يقر بأن الخطأ الزم كل صفحة
من كتابه وأنه أخطأ ،وسها ،وغفل ،في كل سطر من كتابه ،بل في كل جملة فيه فإنها لم تكن كاملة،
وأن الصواب جانبها حتى ال يدّ عي الكمال-والعياذ بالله-وإال فقد ادعى ما ال يليق بالبشر ،وزعم
وبذا يذكرنا بأهل السفسطة القدامى ،حين اعتمد بعض هؤالء على مقالة هرقليطس األفسسي
بأن األشياء ك ّلها في جريان دائم ،حين قال" :ال يمكنك أن تنزل مرتين في النهر نفسه ،ألن ً
مياها
وتالمذته ،فأنكروا أن يكون ثمة وجود لشيء مستقر ،حتى إنهم ترفعوا عن كل نقاش ،بل عن كل
يزعم الصواب بأي كلمة يقولها ،حتى ال يدعي الكمال ،فيقع في
َ مع هذا الكاتب ،فعليه أ ْن ال
وفي كالمه مغالطة منطقية ،حيث إن قوله" :الكامل ال يصدر إال عن كامل" ،ال ينتج منه أن من
امال كان هو إذن ا
كامال ،وذلك أن القول بأن كل كامل ال يصدر منه إال قول كامل ،ال كان كتابه ك ا
عكس
ٌ يساوي أن كل قول كامل ال يصدر إال من كامل" ،فإن قولك كل إنسان حيوان ،ال يلزم منه
"وال يستولي الشيطان بحيلته على الضعفاء أشد من إيهام العكس العام حتى ينتهي إلى
المحسوسات ،حتى إن من رأى ً
حبال أسود مبرقش اللون ،يرتاع منه لشبهه بالح ّية ،وسببه معرفته أن
كل ح ّية فطويل مبرقش اللون ،فيسبق وهمه إلى عكسه العام ،ويحكم بأن كل طويل مبرقش اللون
فهو ح ّية"(.)69
( )66تاريخ الفلسفة ،أميل برهييه ،ترجمة :جورج طرابيشي ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت–لبنان ،الطبعة الثانية:
8913م ،ج ،8ص.33
( )67انظر :تاريخ الفلسفة ،أميل برهييه ،ج ،8ص.39
( )68القسطاس المستقيم ،أبو حامد الغزالي ،تحقيق :فيكتور شلحت ،دار المشرق ،بيروت-لبنان ،8912 ،ص .31
( )69القسطاس المستقيم ،ص.31
21
فالكاتب يبيع ما يسبق إلى أوهامه ،فهذا حال الرجل الذي يتبجح بـ "االحتكام إلى العقل
والمنطق السليم"(!)70
ويخلط الكاتب بين قولنا البشر غير معصومين ،وبين تحقق الخطأ فيهم ،فاإلنسان يمكن أن
يخطئ ،وال يلزم من هذا أن يكون مخط ائا ،وإال صار للمحكمة الحق أن تصدر أحكامها على أي
ولكن ماذا يقصد بقوله عن خصومه إن البخاري عندهم أكمل من الجميع وأنه ينازع الله في
صفة الكمال؟ بما أنه مغرم بالمقارنة مع داعش ،أليس يقصد به" :شرك األنداد ،وهو إثبات صفات
الله تعالى للمخلوقين"؟( ،)71كما هي العبارة التي سطرها التنظيم في أحد كتبه المنشورة!
ا
مستقبال عما يطعن هو به فها هو يتفق معهم في هذا ،بل ويزيد ليرمي من خالفه بل من سيدافع
من أحاديث بقوله" :سينبري ع ّباد البشر إلى الدفاع عن هذا"( ،)72فها هو يسمي مخالفيه بعباد البشر،
" قداسة األشخاص حيث تم رفعهم إلى مقامات أعلى من مقامات النبوة والرسالة ،وحق فينا ما
حق في األمم السابقة ،التي ألهت البشر من دون الله ،واتخذتهم أربا ًبا" (.)73
الخطاب ّية ،لمحاولة التأثير على نفس ّية القارئ ،ولذا كان الكتاب بيع وهم ،يلعب على وتر التخجيل،
واإلرهاب ،والتدليس.
23
فهم بالمقلوب
الرجل أن يقلب األمور تما اما ،ففي إسراعه إلى نصرة هواه يقول عن ابن َح َجر:
"يستشهد بقول المديني شيخ البخاري" :دعوا قوله فإنه ما رأى مثل نفسه" وهذا القول وإن كان
فبهذا التبجح بالعقل واللغة ،لم ينقل السياق كما هو ،لو كان يتعامل باحترام مع القارئ على أقل
"علي بن المديني كان أعلم أقرانه بعلل الحديث وعنه أخذ البخاري ذلك حتى كان يقول ما
استصغرت نفسي عند أحد إال عند علي بن المديني ومع ذلك فكان علي بن المديني إذا بلغه ذلك
فالبخاري كان يثني على ابن المديني ويهضم من حق نفسه بجانبه ،فيقول ابن المديني :دعوا
قوله في استصغاره لنفسه ،فهو لم ير مثل نفسه ،يعني في العلم واإلتقان ،وإن كان يقول غير ذلك
تواض اعا.
" فرق بين قول أحدهم ما رأيت مثل فالن ،وقوله :ما رأى فالن مثل نفسه ،القول الثاني أعلى في
وذكر أمثلة على هذا كالقول في سفيان الثوري :ما رأى مثل نفسه ،وقول الحاكم في الدارقطني
مثل هذا(.)77
فلعله الكاتب يحسب أن هذه الكلمة تماثل ما جاء في تقديم الناشر له ولكتابه" :المؤلف لم ِ
يأت
بشيء من عنده" ،فهي وإن كان مقصدها المدح ،إال أن سطوره حملتها على الذم دون أدنى تأويل.
بل إن من ال يفهم العبارة السابقة يبلغ به األمر أن يقول" :الشيخ البخاري ذو أصل فارسي فاللغة
والواقع أن جد أبيه أسلم( ،)79وأبوه إسماعيل بن إبراهيم طلب العلم ،والعلم في تلك الفترة يطلق
( )76شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل ،مصطفى بن إسماعيل ،تقديم :مقبل بن هادي الوادعي ،مكتبة ابن
تيمية ،القاهرة ،الطبعة األولى8998 :م ،ج ،8ص.434
( )77شفاء العليل ،ج.434 ،8
( )78صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.834
( )79سير أعالم النبالء ،الذهبي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،صالح السمر ،مؤسسة الرسالة ،بيروت-لبنان ،الطبعة
الحادية عشرة8993 :م ،ج ،82ص.292
( )81انظر :تذكرة الحفاظ ،الذهبي ،حققه :عبد الرحمن المعلمي ،دار الكتب العلمية ،بيروت-لبنان ،ج ،2ص.111
25
العربية ،فكيف بالعلوم الدينية ،فكيف بواحد من أخصها ،وهو علم الحديث ،فكيف بمن يحدث
باكرا؟ والكاتب يغفل عن سيبويه "إمام النحو ،ح ّجة العرب ،أبو ٍ
بشر ،عمرو بن عثمان ويصنف فيه ا
الفارسي"(.)81
ّ بن قنبر،
بل إن توجه سيبويه للنحو كان بعد توجهه إلى طلب الحديث ،ومبدأ ذلك أنه طلب الحديث
على حماد بن سلمة ،وبينما هو يستملي ،إذ بحماد يقول" :ليس أبا الدرداء" ،فقال سيبويه :ليس أبو
حماد :لحنت يا سيبويه ،ليس هذا حيث ذهبت ،وإنما ليس هنا
الدرداء ،وظنه اسم ليس ،فقال ّ
استثناء ،ومن هنا طلب سيبويه النحو ولزم الخليل فبرع(.)82
تصحيحا ل ّلسان وإبعا ادا له عن اللحن ،ومن هنا توجه سيبويه إلى
ا فانظر كيف كان درس الحديث
النحو حتى برع فيه ،فكيف بالبخاري وهو الذي أفنى حياته بالطلب ،واألخذ عن الشيوخ.
ومن األمثلة على فهمه بالمقلوب ،تشنيعه البالغ على من قال :السنة قاضية على القرآن ،فبدأ
بالتشنيع كعادته" :من يقرأ هذا العنوان سيصاب بالدهشة في أول وهلة"( ،)83فما معنى هذه العبارة؟
ٍ
قاض على ً
وتفصيال مع القرآن ،فالحديث هنا نصا يتعارض جملة
قال" :بمعنى إذا وجدت ًّ
القرآن"(.)84
( )81سير أعالم النبالء ،الذهبي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،نذير حمدان ،ج ،1ص.218
( )82انظر :مقدمة :عبد السالم محمد هارون ،لكتاب سيبويه ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،الطبعة الثالثة ،8991 :ج،8
ص.3
( )83صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.23
( )84صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.23
26
وهذا كذب بارد فال أحد قال بهذا من أهل العلم ،فمن عالمات الحديث الموضوع عندهم
"مخالفة الحديث صريح القرآن"( ،)85وعندها ال يكون الحديث من السنة ا
أصال ،ولذا من عالمات
وهنا يقال :أي حديث هذا الذي خالف صريح القرآن بنظرك ،حتى نرى هل هو يناقضه بحق ،أم
أنك لست ا
أهال لتقضي في هذه األبواب؟ لم يذكر إال مثالين فقال أحدهما حديث ابن عمر ،أن النبي
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله ،وأن محمدً ا رسول الله ،ويقيموا الصالة ويؤتوا
الزكاة فإذا فعلوا ذلك ،عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم ،وحسابهم على الله تعالى".
ين َقد ت َبي َن وتفصيال قوله تعالىَ ﴿ :ال إِك َْرا َه فِي الد ِ ً قائال" :هذا الحديث يخالف جملة وعلق ا
وت وي ْؤ ِمن بِالل ِه َف َق ِد استَمس َك بِا ْلعرو ِة ا ْلو ْث َقى َال ِ
انف َصا َم َل َها َوالله الر ْشد ِمن ا ْل َغي فمن يكْفر بِالطاغ ِ
ْ َ ْ ْ َ َ َ ْ َ
يم﴾( ،)88(")87وذكر قوله تعالىَ ﴿ :وق ِل ا ْل َحق ِمن ربك ْم َف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر ِ
يع َعل ٌ
ِ
َسم ٌ
ض ادق َها﴾( ،)89وقوله تعالىَ ﴿ :و َل ْو َشا َء َرب َك َآل َم َن َمن فِي ْاألَ ْر ِ اط بِ ِهم سر ِ
َارا َأ َح َ ْ َ
ِ ِِ
إِنا َأ ْعتَدْ نَا للظالمي َن ن ا
ِِ كله ْم َج ِمي اعا َأ َف َأ َ
ين﴾(.)90
اس َحتى َيكونوا م ْؤمن َ نت ت ْك ِره الن َ
ثم قال" :هؤالء يضربون بهاته اآليات عرض الحائط ويقولون لك بكل وقاحة وجرأة على الله،
السنة قاضية على الكتاب ،ويبقى حكم الحديث هو النافذ ،ويتجلى في قتال الناس حتى يشهدوا أن
( )85المنار المنيف في الصحيح والضعيف ،محمد بن قيم الجوزية ،تحقيق :يحيى بن عبد الله الثمالي ،دار عالم
الفوائد ،مكة ،الطبعة األولى8421 :هـ ،ص.34
( )86المنار المنيف ،ص.23
( )87سورة البقرة ،اآلية.213 :
( )88صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.23
( )89سورة الكهف ،اآلية.29 :
( )91سورة يونس ،اآلية.99 :
27
ال إله إال الله ،وأن محمدً ا رسول الله ...الحديث ،أما أنا فأقول وقلبي مطمئن بأن هذا الكالم لم يفه
َاك إِال
به رسول الله الذي كان خلقه القرآن ،والذي قال عنه الله تعالى في محكم تنزيلهَ ﴿ :و َما َأ ْر َس ْلن َ
فيقال :هذا الرجل يرفض أن يتحاكم الناس إلى نصوص صحيح البخاري المرفوعة ،ثم ها هو
يريد الناس أن تتحاكم إلى اطمئنان قلبه إلى نفي األحاديث! وهذا الحديث ال يخالف صريح القرآن
بل يوافق صريح القرآن ،وإنما أتيت من جهلك فلم تقنع به ،حتى زدت عليه اتهام غيرك بالوقاحة،
والجرأة على الله ،وبيان ذلك أن الحديث يقول" :أمرت أن أقاتل" ،وهذا الرجل الذي يتبجح
"فرق بين المقاتلة على الشيء والقتل عليه ،فإن المقاتلة مفاعلة ،تقتضي الحصول من الجانبين"(.)93
ليس المراد :أني أمرت أن أقاتل كل أحد إلى هذه الغاية ،فإن هذا خالف النص واإلجماع.
َاب َحتى ي ْعطوا ا ْل ِج ْز َي َة َعن ِ ِ ِ ون ما حرم الله ورسوله و َال ي ِدين َ ِ
ون دي َن ا ْل َحق م َن الذي َن أوتوا ا ْلكت َ َ َ ََ ي َحرم َ َ َ َ
ي ٍد وهم ص ِ
اغر َ
ون﴾( ،)95فها هو قال قاتلوا الذين ال يؤمنون ،وذكر الغاية التي يباح قتالهم إليها ،وهي َ َ ْ َ
هنا الجزية ،وفي آية أخرى من نفس السورة قالَ ﴿ :فإِن تَابوا َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َفإِ ْخ َوانك ْم
ين﴾( ،)96فجعله اإلسالم ،فهذه صريح في موافقة داللة الحديث نفسه. فِي الد ِ
ولكنه بطريقته تلك يأخذ ببعض ويترك البعض ،ويزعم أن خصومته فحسب مع األحاديث
المخالفة للقرآن ،فإذا كانت متفقة مع التنزيل تجده يجمجم ،وال يصرح ،ولو كان ساع ايا لتقرير حكم
القرآن ،لذكر أو أشار إلى ما يخالف كالمه من آيات ،لكنه لم يفعل ذلك ولو مرة في كل كتابه.
مع التنبيه أن قوله تعالىَ ﴿ :ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر﴾( ،)97ليس في سياق عدم اإلكراه،
وإن كانت اآليات واألحاديث في منع إكراه الناس على اإليمان مس ّلمة ،إال أن االستدالل بهذه اآلية
بخصوصها عليه ال يصح ،فـ" ظاهر هذه اآلية أنها أوجبت الزجر والردع والتقريع ال أنها واردة إذ ًنا
بالفعل ،أال ترى إلى ما هو منوط من قوله عز وجلَ ﴿ :ف َمن َشا َء َف ْلي ْؤ ِمن َو َمن َشا َء َف ْل َيكْف ْر إِنا َأ ْعتَدْ نَا
اط بِ ِهم سر ِ ِ ِِ
ادق َها﴾( ،)98وهو إفزاع وإرهاب وارتداع عن الكفر"(.)99 َارا َأ َح َ ْ َ
للظالمي َن ن ا
وهذا الرجل ال خطة له يمشي عليها ،فتارة ينفي الحديث الذي في البخاري ،وأخرى في مسلم،
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال :أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال الله...
ومن تناقضات هذا ا لكاتب ،أنه قال في سياق اعتراضه على حديث في صحيح البخاري فقال:
"من المعلوم من ديننا ،وكما تواتر عن نبينا ،أن النوم من نواقض الوضوء"( ،)103والواقع أن حديث:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ال إله إال الله" ،متواتر روي عن رسول الله من تسعة عشر
أما المثال الثاني الذي زعم أنه يخالف صريح القرآن ،فلم يكن من صحيح البخاري ،بل كان من
صحيح مسلم ،وهذا يبين أنه ال يوجد أي منهج في هذا الكتاب فمع أن العنوان في البخاري ،إال أنه
الحديث أن رسول الله مات وآية التحريم بخمس رضعات مما يتلى من القرآن ،وأي دارس يمكنه
التأكد أنه ال يوجد آية قرآنية واحدة في كتاب الله بهذا المعنى وبهاته الداللة ،لكن المرويات الغريبة
كهاته والقادحة في صدقية القرآن ال مجال لمناقشتها من طرف هؤالء مع كامل األسف ،ويمكننا أن
ً
وتفصيال ....لكن اكتفينا بهذين المثالين نأتي بعشرات بل مئات األحاديث التي تعارض القرآن جملة
ا
سؤاال فيقول لك :أعرف لكن هذه الخطابة ال تصنع شي ائا ،بل تذكرنا بفعل بعض األطفال تسأله
ال أريد أن أقول لك! وهو ال يصدّ ق أحاديث البخاري ،ويفترض بالقارئ أن يصدقه بأن عنده من
ٍ
غائب ما أنصفك ،وهذا الحديث ليس مخال افا للقرآن البتة، األمثلة غير ما ذكره ،ومن أحالك إلى
فالحديث لم يقل وقرأهن النبي إلى أن مات! ،حتى يقال بأنه يعارض آية الحفظ لكتاب الله ،بل فيه
ت بِ َخ ْي ٍر من َْها َأ ْو ِم ْثلِ َها﴾( ،)109وال يحتاج األمر للتهويل ليقال إن أي دارس يستطيع التحقق
نسها َن ْأ ِ
ِ
َأ ْو ن َ
( )116الموطأ ،مالك بن أنس ،صححه ورقمه :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت-لبنان،8911 ،
ص.311
( )117سورة الحجر ،اآلية.9 :
( )118صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.29
( )119سورة البقرة ،اآلية.813 :
31
من عدم وجود آية في عدد الرضعات ،فهذا يعرفه الصبيان الحافظون لكتاب الله ،فكيف بعلماء
اإلسالم الكبار؟ ولو رجع إلى تفسير الحديث عند العلماء ،لما وجد وجها لتبجحه بأن هذا الحديث
"وقولها( :فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ) هو بضم الياء من (يقرأ) ومعناه
أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدً ا حتى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض الناس يقرأ:
وهذا يظهر أن الكاتب كان يفهم بالمقلوب ،ويشنّع في إنكاره على غيره ،وهو األحرى بالتشنيع
عليه القتحامه ما يجهله وحديثه فيما ال يحسنه ،ويدفع إلى السؤال هل هي خصومة مع الحديث
فحسب ،أم تمتد إلى القرآن نفسه ،ودالالته التي تتفق مع األحاديث التي يرفضها الكاتب؟
ومن فهمه المقلوب ،تعليقه على ما عنون له بقوله (الرسول يحاول االنتحار) ،فبعد أن ذكر جز اءا
من الحديث ،قال" :المحاولة التي قام بها ابن حجر العسقالني ،وغيره لتبرير رواية البخاري لبالغ
عائشة بل هي زيادة الزهري ،لكن رغم أن هذا تأويل مجرد تأويل ،فالكذب على رسول الله واضح
( )111صحيح مسلم بشرح النووي ،المطبعة المصرية بالقاهرة ،الطبعة األولى8929 :م ،ج ،81ص.29
( )111صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.811
32
فهذا الرجل يفهم بالمقلوب ،فابن حجر يقول" :إن القائل فيما بلغنا هو الزهري ،ومعنى الكالم
أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القصة وهو من بالغات
ً
موصوال ،وقال الكرماني :وهو الظاهر"(.)112 الزهري ،وليس
ا
تأويال فالتأويل يكون للظاهر إلى المعنى البعيد ،وليس إلى المتبادر ،فهذا فهذا هو الظاهر وليس
الرجل يفهم العبارات بهذه الطريقة ،وال يحسن التفريق بين الظاهر والمؤول ،ويأتي ليستدرك،
وينقد ،فعائشة كانت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وتسأله ويحدثها ،فال حاجة بها لتقول
بلغنا! ،بل الذي قال هذا كما هو الظاهر هو الزهري ،ثم إنه صحيح إلى الزهري ،فالزهري صح عنه
أنه قال بلغنا ،وانقطع اإلسناد بعده ،وهذا يعلمه أهل الحديث ولذا سجله ابن حجر ،بأن هذه الزيادة
وإن صحت من قول الزهري ،فإنها لم تصح مرفوعة ،فأي حذلقة وتهويل صنع هذا الرجل؟
ِ
الباطل باطل ،وكما قيل :وبضدها تتميز األشياء ،فيقال وكما أن الز َم الحق حق ،فإن الز َم
لهذا الكاتب :أنت رفضت روايات الصحيح ،وسميت من ينبري للدفاع عنها حتى قبل أن تسمع
حجته بأنه يعبد البشر ،فقلت" :سينبري ع ّباد البشر إلى الدفاع عن هذا"( ،)113ورميتهم باإلرهاب
والغلو والتطرف ،وبأن منشأ الجرائم هو روايات الصحيح ونحوه ،وشنعت عليهم فقلت" :يقولون
بكل وقاحة وجرأة على الله السنة قاضية على الكتاب"( ،)114وزعمت "أن الله لم يتكفل إال بحفظ
ولم تقنع بهذا حتى زدت فقلت" :نريد المخطوطة األصلية لصحيح البخاري كما خطتها يمين
الشيخ البخاري"(.)116
فيقال له :ماذا ستقول لو أن أحدا ا عارضك بمثل حجتك ،وقال لك إن اسم النبي محمد صلى
الله عليه وسلم في صحيح البخاري هو" :محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة
ثم احتج بأن القرآن لم يذكر إال اسمه﴿ :م َحمدٌ رسول الله﴾( ،)118فكيف إذا ادعى بأن هناك نبيا غير
اسمه َأ ْح َمد﴾( ،)119وأنه غير األول ،وقال إنك تعبد البشر ،كونك قلت في مقدمة كتابك:
محمدْ ﴿ :
"رسولنا الكريم محمد بن عبد الله"( ،)120وسألك :أليست هذه "وقاحة وجرأة على الله ،السنة قاضية
على الكتاب"( ،)121ألست قد رفضت ما ذهبوا إليه من كونهم "حكموا بأن السنة قاضية على الكتاب
()122 بمعنى أنها مبينة ومفسرة وحاكمة"؟
ثم ألزمك بأنك زعمت بأن الذي تكفل الله بحفظه هو القرآن فحسب ،فمن أين لك أنه تكفل
بحفظ باسم نبيه وتحديده ا
كامال؟ ورماك حينها بأنك تعبد التراث ،ورواة اآلثار!
ثم امتد األمر أكثر ،فقال لك :إذا جرى التزوير على السنةِ ،
فل َم ال يكون قد جرى على اللغة؟
فأخرج لنا الصحائف األصلية للمعلقات ،وإال حكمنا بأنها ملفقة مكذوبة! ،فأين هو إمضاء امرئ
القيس وعمرو بن كلثوم؟ ،أليس هذا هو منطقك؟ ،وال تستدل عليه بمعنى آية حتى يطالبك بوثيقة
موقعة من أصحاب الشواهد اللغوية ،وإال فإن اللغة جميعها جرى تزويرها ،فال يدري األمر من
النهي ،وال الخبر من االستفهام ،حتى تطلعه على مخطوطة أصلية للعرب األقحاح في كل هذا.
ثم يمتد األمر إلى القتل والقتال ،فيقول لك هذا المعارض لك بمثل حجتك ،أين في القرآن
35
احصروه ْم َوا ْقعدوا َله ْم كل َم ْر َص ٍد َفإِن تَابوا ِ
﴿ َفا ْقتلوا ا ْلم ْش ِرك َ
ين َح ْيث َو َجدتموه ْم َوخذوه ْم َو ْ
َو َأ َقاموا الص َال َة َوآتَوا الزكَا َة َف َخلوا َسبِي َله ْم﴾(.)123
ِ
ويؤت الزكاة، ّ
ويصل فقال لك :بأنه سيقتل األطفال والنساء ،بل حتى من لم يقاتل ،ما دام لم يتب
ومتى حاججته بالسنة ،قال لك :ال أقبل بغير القرآن ا
بدال فلعلها مما تم تزويره ،وقال مثلك بأنها
وقاحة أن تجعلها قاضية على القرآن ،وقال مثلك بأنه ال يعبد البشر! ولذا فإنه يأخذ بقتل الولدان،
َان َأ َب َواه م ْؤ ِمنَ ْي ِن َف َخ ِشينَا َأن ي ْر ِه َقه َما ط ْغ َياناا َوك ْف ارا﴾( ،)124بعد قوله تعالىَ ﴿ :حتى إِ َذا
﴿ َو َأما ا ْلغ َالم َفك َ
بالتكفير ،وال تنكر عليهم شي ائا ،إال قالوا لك :ما ذنبنا إن لم تلتزم بلوازم كالمك ،ولم تدفعه إلى آخر
نتائجه المنطقية؟
قواعد لم تفطن للوازمها ،فالقرآن نفسه يأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ،قال تعالىَ ﴿ :يا
ول َوأولِي ْاألَ ْم ِر ِمنك ْم َفإِن َتن ََاز ْعت ْم فِي َش ْي ٍء َفردوه إِ َلى الل ِه
ين آ َمنوا َأطِيعوا الل َه َو َأ ِطيعوا الرس َ ِ
َأي َها الذ َ
ون بِالل ِه َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َذل ِ َك َخ ْي ٌر َو َأ ْح َسن َت ْأ ِو ايال﴾(.)128
ول إِن كنت ْم ت ْؤ ِمن َ
َوالرس ِ
وقديما كتب أحد زعماء الخوارج وهو نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل
ا
الولدان ،فأجابه" :إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم ،وأنت فال تقتلهم ،إال أن تعلم منهم
وقوله إال أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى ،نقض مسبق عليه ما لو احتج بقصة قتل الغالم ،بأنه
قتل لعلم الله بالغيب وهو ال يعلم الغيب ،فكيف لو كان نجدة من أمثال هذا الكاتب ،لقال حينها
البن عباس :أين هي األوراق المكتوبة على هذا من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،في منع
قتل الولدان؟!
القرآن وحده ،فهو الذي ضمن تعالى حفظه ال سائر الوحي الذي ليس قرآ ًنا.
قلنا له وبالله تعالى التوفيق :هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان ،وتخصيص للذكر بال دليل ،وما
صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة وحي يبين بها القرآن ،وأيض ًا فإن الله تعالى يقول:
َات َوالزب ِر َو َأن َْز ْلنَا إِ َل ْي َك الذك َْر لِت َبي َن لِلن ِ
اس َما نز َل إِ َل ْي ِه ْم َو َل َعله ْم َي َت َفكر َ
ون﴾( ،)132فصح أنه ﴿بِا ْلبين ِ
َ
صلى الله عليه وسلم مأمور ببيان القرآن للناس.
وفي القرآن مجمل كثير كالصالة والزكاة والحج وغير ذلك مما ال نعلم ما ألزمنا الله تعالى فيه بلفظه،
لكن بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فإذا كان بيانه صلى الله عليه وسلم لذلك المجمل غير
محفوظ وال مضمون سالمته مما ليس منه ،فقد بطل االنتفاع بنص القرآن فبطلت أكثر الشرائع
المفترضة علينا فيه ،فإذا لم ند ِر صحيح مراد الله تعالى منها ،فما أخطأ فيه المخطئ أو تعمد فيه
فحفظ القرآن الزمه حفظ السنة ولغة العرب التي نزل بها ،وإال فال معنى للحفظ دون أن يقدر أحد
"تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة ،وحفظ لسانه وهو العربية ،إذ المقصود
الباحث الحقيقي ليس بذلك الذي يسطو على جهد غيره ،ويقوم تارة باستنساخه حرفيا،
ٌ
باحث كونه يبحث عن الحق ،ومن هنا فهو يبني على جهد من سبقه ،فإن وأخرى بالمعنى ،بل هو
ادعى أحدٌ ما دعوى ،فإنه يمحص هذه الدعوى ،فكيف إذا وقع الرد عليها ومناقشتها ،بل وإفحام
قائلها؟ ما باله بعدها يستنسخ ما تم تفنيده؟ ،على هذا النحو استنسخ أيالل محتويات كتاب محمود
أبو رية ،ولم يلتفت ولو لمرة واحدة إلى من رد عليه ،بل كرر الحجج المتهافتة كما هي ،دون أدنى
فتجده يعيد كالم محمود أبو رية في النهي عن كتابة الحديث( ،)135ويتجاهل رد المعلمي عليه
كأنه غير موجود ،ويكرر الحديث عن عدالة الصحابة( ،)136ويتحدث عن الرواية بالمعنى( ،)137وكلها
مما جرت مناقشته ،ووقع الرد عليه في كتاب (األنوار الكاشفة) ،ومن األمثلة على استنساخه من
المحمدية) ،وتلقفه كلماته وكأنها وحي منزل! ،أنه يشنع على رواية
ّ كتاب (أضواء على السنة
البخاري في صحيحه:
(كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد غير عيسى ابن مريم ،ذهب يطعن فطعن في
الحجاب).
يؤكد عصمة رسول الله عيسى بن مريم عليهما السالم ،كما يؤكد على عدم عصمة نبينا ورسولنا
فهذا الرجل لو فكر بعقله بدل أن يسلمه إلى سطور محمود أبو رية تعبث به كيفما شاءت لكان أحفظ
لماء الوجه وقد طبع كتا ابا باسمه هو ،فعال َم يكرر أفكار غيره؟ ،فيا ليت شعري بماذا يختلف كالمه
هنا عن كالم صاحب األضواء؟ حيث فهم من الحديث أبو رية التالي:
"إقرار اإلسالم بأن البشر جمي ًعا زاغوا وفسدوا ،وأنهم مجردون من العصمة ،معرضون القتراف
تاما لإلنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده ،ومن هنا كان فضل الخليلين ً
كماال ً "الفضل الذي يعتد به
إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر األنبياء الصالة والسالم ،أما طعن الشيطان بيده فليس من شأنه
أن يثاب العبد على سالمته منه وال أن يعاقب على وقوعه له ،بل إن كان من شأنه أن يورث في نفس
اإلنسان استعدا ًدا ما لوسوسته فالذي يناله ذلك ثم يجاهد بسعيه ويخالف الشيطان ويتغلب عليه أولى
إن كانت لإليالم فقط فذلك من خبث الشيطان مكن منها كما مكن مما أصاب أيوب ،وكما يمكن
ويقول" :أين يذهب أبو رية من تدلية الشيطان آلدم إلى أن كان ما ذكره تعالى بقولهَ ﴿ :و َع َصى آ َدم
ِ ِ ِ
َربه َف َغ َوى﴾( ،)142ومن قول موسى بعد قتله القبطيَ ﴿ :ق َال َه َذا م ْن َع َم ِل الش ْي َطان إِنه َعدو مضل مبِ ٌ
ين
* َق َال َرب إِني َظ َل ْمت َن ْف ِسي َفا ْغ ِف ْر لِي َف َغ َف َر َله إنه ه َو ا ْل َغفور الر ِحيم﴾( ،)143وقول أيوبَ ﴿ :أني
اب﴾( ،)144وقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم﴿ :خ ِذ ا ْل َع ْف َو َمسن ِ َي الش ْي َطان بِن ْص ٍ
ب َو َع َذ ٍ
ِ ِ ِ ان ن َْز ٌغ َف ِ
اهلِين * وإِما ي َنز َغن َك ِمن الشي َط ِ
ف و َأ ْع ِر ْض َع ِن ا ْلج ِ ِ
يميع َعل ٌ استَع ْذ بِالله إِنه َسم ٌ
ْ َ ْ َ َ َ َ َو ْأم ْر بِا ْلع ْر َ
ف من الشي َط ِ
ان ت ََذكروا َفإِ َذا هم م ْب ِصر َ ِ ِ
ون﴾(.)145 * إِن الذي َن ات َق ْوا إِ َذا َمسه ْم َطائ ٌ َ ْ
ويشنع الكاتب " :فهذا الحديث يلحق مريم وابنها عيسى عليهما السالم بزمرة من ال يمسهم
الشيطان ،وهذا تطاول على نبينا ما بعده تطاول ،وتفضيل مريم الصديقة ورسول الله عيسى على نبي
اإلسالم"(.)147
فمن خص بصفة ولو قيل هو أفضل فيها ،ال يلزم منه األفضلية المطلقة على غيره ،في كل شيء ،فقد
يكون غيره بمجموع صفاته ال جميعها أفضل منه ،فـ"الزيادة في صفة من صفات الفضل ال تقتضي
األفضلية المطلقة"(.)148
وهكذا لو تتبع المرء كالمه ،لما وجد ما يستحق من أجله أن يطبع كتا ابا مفر ادا ،واكتفى بقراءة كتاب
(األضواء) والرد عليه (األنوار) ،ولكن الرجل لما يحاول أن يخرج عن كتاب (األضواء) ،فإنه يعلق
بسطور غيره ،فهو ال يقدر إال على التقليد الذي يرمي به غيره(.)149
فقد عقد ا
فصال بعنوان (الحديث في القرآن) ،زعم فيه أن "الحديث هو مطلق كالم الله المنزل على
أيضا إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم"( ،)150وساق بعض اآليات
أنبيائه ،وأنه كتاب الله الموحى ً
َج َعل َ
ون التي فيها وصف القرآن بالحديث مثل قوله تعالىَ ﴿ :أ َفبِه َذا ا ْلح ِد ِ
يث َأنتم مدْ ِهن َ
ون * َوت ْ َ َ
ِر ْز َقك ْم َأنك ْم تكَذب َ
ون﴾(،)151
وبدأ يشنع على علماء الحديث ،فقال" :فلم يتورع هؤالء على توقير كلمة الحديث التي تم إعطاؤها
معنى من لدن الله تعالى ،باإلضافة إلى المعنى اللغوي ،وهو كالم الله"(.)152
وهذا الكاتب ال يدري ما ينسخه بنفسه ،فقد نقل قبل صفحتين عن (لسان العرب) في معنى
الحديث" :يطلق على الكالم ،قليلة وكثيره ألنه يحدث ويتجدد شيئًا فشيئًا ،وجمعه أحاديث"(.)153
كالم الله؟
ثم إن في القرآن إطال اقا للحديث على كالم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،قال تعالىَ ﴿ :وإِ ْذ
َف َلما نَب َأ َها بِ ِه َقا َل ْت َم ْن َأن َب َأ َك َه َذا َق َال نَب َأنِ َي ا ْل َع ِليم ا ْل َخبِير﴾(.)154
وما قاله ال يفيد النتيجة التي زعمها ،فقد قال" :في معظم آيات القرآن جاءت لفظة حديث بمعنى
وبعد هذا االضطراب بأبجديات التفكير السليم ،يقول" :لفظة الحديث لها معاني متعددة ،منها
ما أسلفنا في اآليات السابقة أنها تدل على كالم الله ،فهل المشتغلون بالحديث يشتغلون على كالم
مقارنة بين نصه ،وبين مقال لعبد الفتاح عساكر ،على موقع (أهل القرآن)( ،)158بعنوان( :أقدم
المخطوطات العربية):
ويبدأ النص المسروق من العالمة الحمراء األولى ،حتى العالمة األخيرة ،وأصلها من مقال عساكر.
عبده ماهر فهو كاتبه األصلي ،بعنوان (مخطوطات البخاري في العالم) ،نشر على موقع (شباب
عواد،
مصر)( )160بتاريخ2111/3/81 :م ،أي قبله بعامين تقري ابا ،وكلهم أحال إلى كتاب كوركيس ّ
في حين لو رجعنا إلى كتابه ،فإن كالمه توزع على صفحتين ( ،)882 ،882ولم يكن بمثل هذا
الترتيب ،فيظهر أن الكتاب لم يرجع إلى األصل بل اكتفى بنسخ ما ظفر به عن غيره.
فهذا الرجل يسرق من غيره ،وينسبه إلى نفسه ،بكتاب يحمل اسمه.
إن المطالع لكتاب (نهاية األسطورة) يجعله يتساءل أين البحث في الموضوع؟ أم إن كل
من ضغط في مربع بحث جوجل على كلمة (ابحث) صار اسمه باح اثا؟ فعلى هذا ما أكثر الباحثين،
وهذا الكاتب يلقي الكمات دون تدقيق ،وال تحقيق وال مراجعة ،ويكفي أنه يحسبها أنها تصب في
" إن الحافظ الذهبي اتهم البخاري بالتدليس في حيث قال في سير أعالم النبالء ،عند تعداد الرواة
ويعمي
ّ يحيى!! بل يقول محمد فقط!! أو محمد بن خالد!! أو محمد بن عبد الله ،ينسبه إلى جده،
وعالمات التعجب من هذا الكاتب ،وكأنه ظفر بما لم يظفر به أحد ،فيقال له :التدليس الذي
والبخاري لم يفعل هذا ليستكثر ،فشيوخه كثر ،وليس الذهلي بضعيف حتى يخشى من هذا ،ولم
يوهم أنه سمع حدي اثا ليس منه ،فال تشنيع في كل هذا وليس هو التدليس االصطالحي ،وإنما كان
هذا لما بين البخاري والذهلي ،وهذا وإن ذكره الكاتب في سياق ذم ،فهو المدح على التحقيق،
حيث إن البخاري وإن أخطأ عليه الذهلي ،ورماه بما ليس فيه ،فإن البخاري لم يسقط رواية الذهلي
قادرا أن يرميه بالضعف ،فعلم أن هذا الكاتب ال يدري ما ينقله ،حيث إنه ينقل
لحق نفسه ،وكان ا
واحدة من مناقب البخاري من حيث ال يريد.
مع أنها هي قصته مع الذهلي ،لكنه أراد استكثار الطعون ،ومفادها :أن البخاري قال بأن أفعال
العباد حركاتهم وأصواتهم وكتابتهم مخلوقة( ،)166ففهم منه الذهلي أنه يقصد بأن القرآن مخلوق إذ
هم يقرأونه ،فاتهمه( ،)167ولو كان هذا الباحث منص افا ،لحاول أن يبحث في هذا التهمة ويعرف الحق
فيها بدل أن يردد كل كال ٍم قيل ،ولما يكون المبحث نقيض هواه يصيح بأنهم ليسوا معصومين ،فإن
من عدمه ،وإال فقد كان بإمكانه أن يرجع إلى كتاب البخاري المفرد في بيان موقفه من هذه المسألة،
( )164تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عاصم بن عبد الله القريوتي،
مكتبة المنار ،الزرقاء-األردن ،ص.83
( )165صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.18
( )166انظر :سير أعالم النبالء ،ج ،82ص.411
( )167انظر :سير أعالم النبالء ،ج ،82ص.413
47
وهو كتاب (خلق أفعال العباد) ،الذي لم يكلف هذا الكاتب أن يرجع إليه في كتابه ولو مرة واحدة،
بل اكتفى بنقل االتهامات دون تحقيق وال تمحيص ،يقول البخاري فيه عن القرآن:
وعليه فيكون الذهلي فهم مقصده خطأ ،فتهمته غير صحيحة ،ورغم أنه أخطأ على البخاري إال
أن البخاري لم يترك روايته ،ألن الحق كان عندهم فوق كل إنسان ،وإنما لم يكن يسميه باسمه ا
كامال
لثقل ما ناله من ذلك االتهام ،وال يغش سامع الرواية في هذا أبدا ا ،فإن كان السامع عال اما فهو يعلم
أنه يرويه عن الذهلي ،وإال فالراوي ثقة ،لم يضعفه ألنه اتهمه خط اأ.
ا
مستقال فيما بعد ،بعنوان (البخاري مجروح ومتروك الحديث) فصال ِ
يكتف بهذا بل عقد ا لكنه لم
وذكر فيه أن ابن أبي حاتم وأبا زرعة تركا حديثه "بعدما كتب إليهما محمد بن يحيى أنه أظهر عندهم
فوقع ترك روايته بعد أن بلغهما كالم محمد بن يحيى الذهلي فيه ،وعلى هذا فمتى سقطت صحة
لها.
( )168خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل ،محمد بن إسماعيل البخاري ،تحقيق :عبد الرحمن
عميرة ،دار عكاظ ،جدة-الرياض ،الطبعة الثانية ،ص .883
( )169صحيح البخاري نهاية األسطورة ،ص.841
48
تبجحه بعدم اإلجماع على صحة البخاري ،يقدم حجته التالية" :الشيعة وهم نسبة
وفي سياق ّ
ّ
ويكذبون كل ما جاء فيه ،فأين هو اإلجماع"(.)170 مهمة من المسلمين ال يؤمنون بصحيح البخاري،
فيقال :لو أن ا
رجال قيل له أجمع العرب على أن من نصب الفاعل ،فقال :قال محمدا ا ،بأنه أخطأ،
هل يصح أن يقال له لنقض كالمه :ولكني أعرف ا
رجال من دولة عربية قال بل يصح! ،فالحديث هنا
إن أقدم كتاب للشيعة اإلمامية يعود إلى القرن العاشر الهجري ،توفي صاحبه سنة 933هـ(،)171
ومجمل بحوثهم فيه ضعيفة إلى الغاية مقارنة بمؤلفات وقواعد وكتب أهل السنة ،فأين هذا من
ذاك؟ ،فال يعتبرون في الوفاق والخالف فيما ليسوا ا
أهال له ،ثم إن كان يعتبر الخالف والوفاق مع
الشيعة ،فقد وقع خالف بينهم هل القرآن الذي بين أيدينا محفوظ أم وقع فيه تحريف!
"األخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن األخبار في هذا الباب متواترة معنى،
وطرح جميعها يوجب رفع االعتماد عن األخبار رأس ًا ،بل ظني أن األخبار في هذا الباب ال يقصر
فيهم (وال أنسبه إليهم كلهم) من يثبت التحريف في القرآن ،فعلى هذا ال إجماع عنده على أن القرآن
محرف.
غير ّ
وهذا الرجل ال يدري ما ينقله ،فتجده ينقل ما هو حجة عليه ،ففي سياق بيان أن ال إجماع على
صحة أحاديث البخاري ،كتب ا
نقال عن غيره" :انتقاد ابن تيمية وابن القيم لحديث في البخاري"(،)173
أيضا" :ويقول شيخ اإلسالم ابن تيمية :ليس تحت أديم غفل أنه نسخ من قبل وهو ٌ
نقل عن غيره ا
السماء كتاب أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن"!
()174
لمقارنتها بغيرها من الروايات ،كما يسلكه أهل العلم ،ليس فيه اتهام للبخاري بالكذب! أو الطعن
على صحيحه ،وما ينقله حجة عليه ،لو كان له فهم صحيح ،ومقصد صحيح.
إن كتاب أيالل يخلط العلوم الشرعية ببعضها ،ليصل إلى النتيجة التي يريد ،وهو بهذا
يفصح عن جهل وسقطات هائلة ،على سبيل المثال ،تجده ليستكثر سطور كتابه ،يدخل مباحث ال
شأن لها بمسألة ثبوت األحاديث ،بل لها تعلق باألصول ،على سبيل المثال أدخل مبحث (السنة
ناسخة للقرآن) ،وبدأ ينسخ أقوال العلماء ،وغاية ما يمكنه تحصيله ترجيح قول من قال بأن السنة ال
تنسخ القرآن ،ولكن هل هذا يعني عند هؤالء أن السنة مثلما يزعم هو غير محفوظة ،وأنها حديث
حتما ال ،وهذا الشافعي ،أشهر من قال بأنه" :إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب ،وأن
خرافة؟ ا
السنة ال ناسخة للكتاب"( ،)175من أشد المنافحين عن االحتجاج بالسنة ،فهو القائل" :كل من قبل
عن الله فرائضه في كتابه ،قبل عن رسول الله سننه ،بفرض الله طاعة رسوله على خلقه ،وأن ينتهوا
إلى حكمه ،ومن قبل عن رسول الله فعن الله قبل ،لما افترض الله من طاعته"(.)176
و القول بأن هذا حديث ناسخ وذلك منسوخ ،مبحث ،والقول بثبوت الرواية مبحث آخر،
ا
منسوخا ،وقد ال يكون هذا وال ذاك ،وال يض ّعف هذا ا
ناسخا وقد يكون فالحديث الصحيح قد يكون
وعلى هذا النحو فإن الكاتب يخلط بين ثبوت الرواية والعمل بها ،أو بين ثبوت شيء ومشروعيته
لكل المسلمين ،أو أنه ديني وليس دنيو ايا ،أو العكس.
وبشكل عام فلقد دارت فصول كتاب أيالل حول هذا الخلط ،وبعضها حاله مثل من يشنع على
من قال :إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يركب ناقة ،ويستشكل ذلك بأننا في عصر فيه
سيارات ،وحافالت ،وطائرات! وأن هذا معناه أن نعود بالزمن إلى الوراء ،ونحو هذه التهويالت
( )175الرسالة ،محمد بن إدريس الشافعي ،تحقيق :أحمد شاكر ،مكتبة التراث ،القاهرة8939 ،م ،ص.813
( )176الرسالة ،ص .22
51
الفارغة ،ويرى أن الحل يكمن في نفي تلك الرواية ،والكذب برواية أخرى بأنه كان يستعمل تقنية
فمن قال بأن ثبوت كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركب الناقة ،واستعمل أدوات عصره
فقها أن الناس يجب أن تركبها بدل هذه المواصالت الحديثة ،فالنظر إلى
كما هو الواقع ،يلزم منه ا
ثبوت الحديث شيء ،واالستنباط منه شيء آخر ،فالثاني نظر الفقيه ،و "قد يحمل الفقه غير فقيه،
لم يتوقف الكاتب رغم سرقاته ،واتهاماته بالزور عن الكذب على غيره بشكل فاضح،
" إن الفقهاء والمحدّ ثين خالفوا القرآن وخالفوا العلم ،وقالوا بأن مدة الحمل يمكن أن تصل إلى
يهول كل مسألة ،والفقهاء قالوا ذلك وف اقا لمعارف عصرهم ،وأرجعوا ذلك إلى تقدير
وهكذا ّ
أهل المعرفة ،والعلم كما هو معلوم يتقدم ،ومن يتندر بعلوم األمس ،سيتندر به علماء المستقبل،
ولم يزعم الفقهاء أن تحديد أكثر الحمل منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى
"وغالبها -أي مدة الحمل-تسعة أشهر وأكثرها أربع سنين ألن ما ال تقدير فيه شرعا يرجع فيه إلى
فيقال :هب أن هذه هي معرفة زمانهم ،وهكذا قال لهم أطباؤهم ،فإنهم لم يكذبوا على الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزعموا أنهم قالوها توقي افا ،بل قالوا مرد ذلك إلى الوجود ،وهذا ال
يحكم به أمثالك ،بل يحكم به أهل الطب ،ومتى حددوا أقصى مدة ممكنة للحمل علميا فإن الفقه
يدور مع تحقيق مناطات األحكام ،وليس من الذكاء أن يكذب المرء على خصمه ليسهل عليه الرد
صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح البخاري بقوله( :الرسول يسحر فيهذي) ثم لم يذكر شي ائا في
هذا ،بل في الحديث" :سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما
فعله".
"اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ....وذلك من الهذيان ،وهاته اإلساءة
وهذا الذي قاله كذب عليهم ،فالهذيان هو" :كالم غير معقول مثل كالم المبرسم والمعتوه"(،)181
"محمد بن إسماعيل البخاري لم يكن يكتب أي حديث أو ينتخب أي حديث من أحاديث الصحيح،
من أصل أزيد من نصف مليون حديث ،إال بعد أن يغتسل ويستخير الله بصالته ركعتين ،ولكم أن
تتخيلوا كم من مرة قام البخاري بصالة االستخارة ،ليكون الجواب هو 066ألف مرة ،أي مليون
فهذا الرجل يرد على نفسه بنفسه ،فيقول بأن البخاري كان يستخير كلما انتخب حدي اثا في
الصحيح ،ومعنى هذا أنه صلى بعدد أحاديث صحيح البخاري ،كما هو واضح في كالمه.
تشمل المعلقات التي لم يوصلها في موضع آخر( ،)183فصلى عند كل حديث منها ركعتين على مدى
ولكن لما لم تعجبه هذه الحسبة ،طار إلى التشنيع ،وجعله يصلي عند كل حديث قبل أي انتقاء،
وبذا ناقض نفس ما ينقله ،وهكذا دأبه في هذا الكتاب ،مع التنبيه أن الحديث قد يكون واحدا ا وله
عشرة أسانيد ،فتسمى عشرة أحاديث ،ولما يجري تضعيف طريق منها ،يقال هذا حديث ضعيف،
لكن قد يصح من وجه آخر ،وهكذا ،وهذا للتنبيه على سوء فهمه لهذا األمر ،وبداية النسخ واللصق
والتهويل.
يصور وكأن الخالف مع البخاري فحسب ،ولكنه يهاجم السنة بشكل عام في
عنوان الكتاب ّ
كتابه ،فيقول:
واألمر لم يقتصر على صحيح البخاري ،بل الزم كالمه يمتد إلى نصوص آيات التنزيل ،مع عدم
اتساقه في استدالالته ،فالكتاب عبارة عن تجميع ،وسرقات ،فماذا يتوقع القارئ منه في النهاية؟
وقد سبقت بعض األمثلة على طعنه بأحاديث لها نفس دالالت اآليات القرآنية ،بحجة أنه يراها
-8طعنه بحديث السحر الذي فيه " :حتى إنه ليخ ّيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله".
فعلق ا
قائال" :اعتقدوا أن رسول الله كان يتخيل أنه يقوم بالعمل ولم يقم به ....وذلك من الهذيان،
وسى إِما َأن ت ْل ِق َي فيقال له :ألم تقل إنك تس ّلم بصحة القرآن؟ ،قال الله تعالى فيهَ ﴿ :قالوا َيا م َ
ون َأو َل َم ْن َأ ْل َقى * َق َال َب ْل َأ ْلقوا َفإِ َذا ِح َباله ْم َو ِع ِصيه ْم ي َخيل إِ َل ْي ِه ِمن ِس ْح ِر ِه ْم َأن َها ت َْس َعى
َوإِما َأن نك َ
-2استشكل حدي اثا في صحيح البخاري ،فقال" :ال يستطيع مسلم نقي الفطرة ،سليم العقل ،يحترم
دينه ونبيه ،أن يصدّ ق بأن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم يدخل على امرأة أجنبية عنه ،ويختلي
بها في غيبة زوجها"( ،)190فيقال له ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسفَ ﴿ :و َر َاو َدتْه التِي ه َو فِي َب ْيتِ َها َعن
اب َو َقا َل ْت َه ْي َت َل َك َق َال َم َعا َذ الل ِه﴾( ،)191فلو كان اعتراضه مسق اطا للرواية ،بقطع ِ ِ ِ
ن ْفسه َو َغل َقت ْاألَ ْب َو َ
متوجها على قصة يوسف واختالء امرأة العزيز به ،ثم أين وجد في
ا النظر عن صحة فهمه لها ،لكان
القرآن النهي عن الخلوة باألجنبية؟ أال يتحاكم هنا إلى كتب السنة ،التي طعن بها ،وسماها خرافة
الحديث؟
وبحشو بالغ ،بدأ يعرض شي ائا من نسخ صحيح البخاري ليحكم بعدها بأنه كتاب غريب المصدر
مجهول األثر( ،)192حيث إنه لم يعثر على نسخة البخاري نفسه ،فيقال له :ما تقوله لو كان حجة ،فإن
األمر يمتد إلى القرآن نفسه ،فيقدر أي ٍ
أحد أن يقول أين هي النسخة التي كانت عند حفصة؟ ،وأين
هي اللخاف والرقاع ونحوها مما كتب عليه القرآن أول مرة؟ ،ويظهر وقتها أن الخصومة ليس مع
السنة فحسب!
عند حفصة ،فقد كان الحفظة موجودين ،وليس هذا في القرآن فحسب ،بل وال الحديث فحسب،
ف حتى كتب الفقه ،كان هناك من المعتنين بها ،والحافظين لها ،إلى درجة أن يقول القاضي الروياني
على سبيل المثال" :لو احترقت كتب الشافعي كنت أمليتها من حفظي!"(.)193
وقد بلغ االعتناء بصحيح البخاري الغاية ،وممن يذكر في مقدمة المعتنين به "المغاربة ،وما عرف
عنهم من اهتمام بصحيح البخاري وسرعة قراءته والصبر على سماعه وإسماعه ،فيروى في ذلك
العجب العجاب ،وممن يذكر في هذا الباب الحافظ أبو علي الصدفي المتوفى سنة 415هـ ،فقد
كان مما أقام للحديث السوق العظيم ،الذي نفقت بضائعه ،فقد أسمع صهره ابن سعادة صحيح
وللعلماء أسانيدهم إلى صحيح البخاري ،فالعالم كان يقرأ البخاري على عالِم ،وال يضير إن
كان لعالم نسخة من الصحيح ،ثم قرأها عليه آخر ،ولم يقل للعالم أعطني نسختك ،فيكفي أنه
استنسخها لنفسه ،كما إن أحاديث الصحيح معروفة ،موزعة على كتب الحديث من غيره ،إلى درجة
معرفة أن هذا من حديث الراوي الفالني ،وذلك ليس من حديثه ،وأي اختالف في نسخة ،يجري
التنبيه عليه ،وتصحيحه أو تضعيفه بقواعد علمية ،ليس فيها تحكّم وهوى.
ثم إنه بنتيجته هدم كل ما قاله من قبل ،فقد استدل على عدم اإلجماع على صحيح البخاري ،بأن
العلماء نقدوا بعض أحاديثه ،وهنا يقول ال يدري لعلهم نقدوا غير أحاديثه! ،بل وطعن في البخاري
من قبل في أنه متروك تارة ،ومتهم في عقيدته تارة أخرى ،فلم كل الصفحات السابقة ،إن كان يجهل
( )193الوافي بالوفيات ،صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي ،تحقيق :أحمد األرنؤوط ،تركي مصطفى ،دار إحياء
التراث العربي ،بيروت-لبنان ،الطبعة األولى2111 :م ،ج ،89ص.833
( )194مدرسة اإلمام البخاري في المغرب ،يوسف الكتاني ،دار لسان العرب ،بيروت-لبنان ،ج ،8ص .289
58
ولو بقي المسفسط مع حجة أنه ال يقبل إثبات شيء إال بنسخ موقعة من أصحابها ،يقال كيف به
أصال أي محاكم للتوثيق ،بل يتناقل الناس أن فالناا ابن فال ٍن ،فهل
يثبت نسبه ،في وقت لم يكن فيه ا
أيضا؟
يطعن هو بهذا ا
كثيرا ٍ
تسليما ا
ا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وصلى الله وسلم على
59
المراجع:
.8إحكام األحكام شرح عمدة األحكام ،تقي الدين ابن دقيق العيد ،تحقيق :محمد حامد الفقي ،أحمد
محمد شاكر أبو األشبال ،مطبعة السنة المحمدية ،القاهرة.8912 ،
.2اإلحكام في أصول األحكام ،علي بن حزم األندلسي ،دار اآلفاق الجديدة ،بيروت-لبنان.
.2آذان األنعام؛ دراسة قرآنية علمية لنظرية داروين في الخلق والتطور ،تأليف :عماد محمد بابكر
حسن ،باالشتراك مع :عالء الدين محمد بابكر حسن( ،نسخة إلكترونية) ،الخرطوم.2113 ،
.4أضواء على السنة المحمدية ،محمود أبو ر ّية ،دار المعارف ،القاهرة ،الطبعة السادسة.
.1أقدم المخطوطات العربية في مكتبات العالم المكتوبة منذ صدر اإلسالم حتى سنة 111هـ،
كوركيس عواد ،وزارة الثقافة واإلعالم العراقية8912 ،م.
.3األنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة ،عبد الرحمن بن
يحيى المعلمي ،عالم الكتب-بيروت.
.3تاريخ الفلسفة ،أميل برهييه ،ترجمة :جورج طرابيشي ،دار الطليعة للطباعة والنشر ،بيروت–لبنان،
الطبعة الثانية8913 :م.
.1تذكرة الحفاظ ،الذهبي ،حققه :عبد الرحمن المعلمي ،دار الكتب العلمية ،بيروت-لبنان.
.9تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عاصم بن عبد
الله القريوتي ،مكتبة المنار ،الزرقاء-األردن.
.81تهذيب األجوبة ،الحسن بن حامد ،حققه وعلق عليه :صبحي السامرائي ،عالم الكتب ،مكتبة
النهضة العربية ،الطبعة األولى 8411هـ8911-م.
.88خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل ،محمد بن إسماعيل البخاري ،تحقيق:
عبد الرحمن عميرة ،دار عكاظ ،جدة-الرياض ،الطبعة الثانية.
.82الرسالة ،محمد بن إدريس الشافعي ،تحقيق :أحمد شاكر ،مكتبة التراث ،القاهرة8939 ،م.
.82الروض الندي شرح كافي المبتدي ،ألحمد بن عبد الله البعلي ،المطبعة السلفية.
61
.84سير أعالم النبالء ،الذهبي ،تحقيق :شعيب األرنؤوط ،صالح السمر ،مؤسسة الرسالة ،بيروت-
لبنان ،الطبعة الحادية عشرة8993 :م.
.81شرك الطاعة ،أبو صهيب العراقي ،المكتب اإلعالمي ،الدولة اإلسالمية في العراق والشام ،والية
نينوى.
.83شفاء العليل بألفاظ وقواعد الجرح والتعديل ،مصطفى بن إسماعيل ،تقديم :مقبل بن هادي
الوادعي ،مكتبة ابن تيمية ،القاهرة ،الطبعة األولى8998 :م.
.83صحيح البخاري نهاية األسطورة ،رشيد أيالل ،دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر ،المغرب،
الطبعة األولى2183 :م.
.81صحيح البخاري ،محمد بن إسماعيل البخاري ،دار ابن كثير ،دمشق-بيروت ،الطبعة األولى:
2112م.
.89صحيح مسلم بشرح النووي ،المطبعة المصرية بالقاهرة ،الطبعة األولى8929 :م.
حجاج ،دار طيبة ،الرياض-المملكة العربية السعودية.
.21صحيح مسلم ،مسلم بن ّ
.28الفارق بين المصنف والسارق ،عبد الرحمن السيوطي ،حققه :هالل ناجي ،عالم الكتب ،بيروت-
لبنان ،الطبعة األولى8991 :م.
.22فتح الباري ،علي بن أحمد بن حجر العسقالني ،تحقيق :محب الدين الخطيب ،دار الكتب السلفية.
.22قاعدة مختصرة في قتال الكفار ومهادنتهم وتحريم قتلهم لمجرد كفرهم ،أحمد بن تيمية ،حققه:
عبد العزيز بن عبد الله آل حمد ،الطبعة األولى2114 :م.
.24القرآن والحديث ،محمد شحرور ،األهالي للتوزيع ،سورية-دمشق.
.21القسطاس المستقيم ،أبو حامد الغزالي ،تحقيق :فيكتور شلحت ،دار المشرق ،بيروت-لبنان،
8912م.
61
.23قصة حياة تشارلس داروين ،تحرير :فرانسيس داروين ،ترجمة ومراجعة :مجدي محمود المليجي،
المركز القومي للترجمة ،القاهرة2188 ،م.
.23كتاب سيبويه ،تحقيق :عبد السالم محمد هارون ،مكتبة الخانجي ،القاهرة ،الطبعة الثالثة8991 :م.
.21لسان العرب ،محمد بن مكرم بن منظور ،دار صادر ،بيروت-لبنان.
.29المحدّ ث الفاصل بين الراوي والواعي ،الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي ،تحقيق :محمد عجاج
الخطيب ،دار الفكر – بيروت.
.21مرآة العقول شرح أخبار الرسول ،محمد باقر المجلسي ،دار الكتب اإلسالمية ،طهران – إيران،
الطبعة الثانية.
.28مقدمة ابن الصالح ومحاسن اإلصطالح ،توثيق وتحقيق :عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)،
مطبعة دار الكتاب 8934م.
.22ملحمة جلجامش؛ ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش ،نائل حنون ،دار الخريف،
دمشق ،الطبعة األولى2113 :م.
.22المنار المنيف في الصحيح والضعيف ،محمد بن قيم الجوزية ،تحقيق :يحيى بن عبد الله الثمالي،
دار عالم الفوائد ،مكة ،الطبعة األولى8421 :هـ.
.24موطأ مالك ،رواية محمد بن الحسن الشيباني ،مع التعليق الممجد على موطأ محمد ،تعليق
وتحقيق :تقي الدين الندوي ،دار السنة والسيرة-بومبائي ،دار القلم-دمشق ،بيروت.
.21الموطأ ،مالك بن أنس ،صححه ورقمه :محمد فؤاد عبد الباقي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت-
لبنان8911 ،م.
.23نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ،ابن حجر العسقالني ،تحقيق :عبد الله بن ضيف الله الرحيلي،
الطبعة األولى2118 :م.
.23نظم المتناثر من الحديث المتواتر ،محمد بن جعفر الكتاني ،دار الكتب السلفية للطباعة والنشر.
.21الوافي بالوفيات ،صالح الدين خليل بن أيبك الصفدي ،تحقيق :أحمد األرنأووط ،تركي مصطفى،
دار إحياء التراث العربي ،بيروت-لبنان ،الطبعة األولى2111 :م.
62
.29مدرسة اإلمام البخاري في المغرب ،يوسف الكتاني ،دار لسان العرب ،بيروت-لبنان.
63