Professional Documents
Culture Documents
حماية الطّفل المهدّد-الذخيرة القانونية
حماية الطّفل المهدّد-الذخيرة القانونية
حماية ّ
الطفل المهدّد
من خالل مجلة حماية الطفل
مذكرة لنيل شهادة الماجستير
ّ
في قانون العقود واإلستثمارات
متكونة من:
ّ أمام لجنة
األستاذ(............................................:رئيس)
ّللا األحمدي(........................عضو)األستاذ :عبد ّ
األستاذ(.............................................:عضو)
ّ
األعزاء على تشجيعهم إلى إخوتي وأخواتي
ومساندتهم لي
بحب وإخالص
ّ إلى ك ّل من ش ّجعني
بالعربيّة:
م أ ش :مجلّة األحوال ال ّ
شخصية
م ش :مجلة ال ّ
شغل
ص :صفحة
بالفرنسية:
P : page
المخ ّ
طط العام
المقدمة
صعبة الموجبة للحماية
األول :الحاالت ال ّ
الجزء ّ
طفل األول :الحاالت المهدّدة لتربية ال ّ
الفصل ّ
األول :فقدان اإلطار التّربوي الفرع ّ
الفرع الثّاني :غياب الدّور التّربوي
طفلالفصل الثّاني :الحاالت المهدّدة لسالمة ال ّ
األول :حاالت استغالل ّ
الطفل الفرع ّ
الفرع الثّاني :حاالت الخطر المل ّم
الجزء الثّاني:آليّات الحماية
طفل المهدّد األول :الحماية اإلجتماعيّة لل ّ
الفصل ّ
المختص :مندوب حماية ّ
الطفولة ّ األول :الهيكل الحمائيالفرع ّ
الفرع الثّاني :آليّات تد ّخل مندوب حماية ّ
الطفولة
طفل المهدّد الفصل الثّاني :الحماية القضائيّة لل ّ
األول :المرحلة اإلستقرائيّة الفرع ّ
الفرع الثّاني :المرحلة الحكميّة
المقدمة
تمث ّل األسرة الخليّة األساسيّة في خاليا النّسيج االجتماعي فهي تلعب دورا محوريّا في تنشئة الطفل
تنشئة سليمة وفي نحت مالمح شخصيّته ،فالطفل يولد كالصفحة البيضاء 1ثم ينشأ ويترعرع داخل األسرة
التي تعتبر مجتمعا صغيرا وهذا المجتمع الصغير قد يحمل كل إيجابيات المجتمع كما قد يحمل سلبياته ،لذلك
القوة،
فهو مطالب بأن يمنح الطفل كل العناية الالزمة ألن هذا الكائن -أي الطفل -يولد ضعيفا بحاجة إلى ّ
الرأي 2 .لذلك فإن االهتمام به وبحقوقه هو من
مجردا من كل شيء بحاجة للمساعدة ،جاهال بحاجة إلى ّ
ّ
صميم اإلهتمام بحقوق اإلنسان ألن الطفل من الثوابت اإلجتماعية واإلنسانية والقانونية 3.وباعتباره رجل
الغد وأمل المستقبل فإن الطفل ككائن ضعيف ذي احتياجات خصوصيّة ال بدّ أن يحظى بإحاطة وعناية
صة مع مراعاة ميوالته الفكريّة وقدراته الذّهنيّة ومدى نضجه العقلي وكذلك طبيعة تكوينه النّفسي،فهو
خا ّ
في حاجة إلى غيره حاجة استقرار .فتوفير أسباب اإلستقرار والتوازن المادّي والنفسي للطفل هو في الحقيقة
توفير وضمان الستقرار وتوازن المجتمع بأسره ،فالنهوض بالمجتمعات وتحقيق رقيّها ال يكونان إال بضمان
حقوق اإلنسان .والطفل ّأوال وأخيرا هو إنسان له حقوق أيضا يجب حمايتها من كل خطر يمكن أن يتهدّدها.
فحماية الطفولة تش ّكل ركنا أساسيا من أركان حماية حقوق اإلنسان واأل ّمة التي ال ترعى طفولتها وال ترعى
حقوق اإلنسان بوجه عام ال يمكن لها أن تتطلّع إلى غد مشرق .4فأي انحراف في سلوك الطفل أو أي زعزعة
صحّي يش ّكل كل ذلك تهديدا للكيان األسري والتماسك
لكيانه النّفسي أو أي ضرر قد يلحق به على المستوى ال ّ
الراهن من تغيّرات وتحدّيات على عدّة مستويات فضال
والتوازن اإلجتماعي بصفة عا ّمة .فما يشهده عصرنا ّ
عن مغريات الحياة بما قد يس ّهل انحراف األطفال ويجعلهم ضحيّة سهلة للنزالق في عالم اإلجرام ،كل ذلك
ال ينفي تقصير األسرة في توجيه األبناء ومراقبتهم في مجتمع طغت فيه المادّة على القيم والمبادئ األخالقيّة،
لذلك تعتبر رعاية األسرة والطفولة العمليّة البنّاءة األساسيّة في أي مجتمع يسعى إلى تحقيق الت ّ ّ
طور المتوازن
5
البعيد عن اإلنحرافات والعلل اإلجتماعيّة والقادر على اإلبتكار والتجدّد والمتم ّ
سك بالقيم واألخالق الفاضلة.
- 1رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .دار النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية والتدريب
بالرياض .1990.ص .78
- 2مقولة ل J-J.Rousseauوردت بكتابه " " Emileالذي خصصه للحديث عن الطفل إنسان الغد-الطفل الفنان -الطفل
اإلنسان .وردت بدراسة للطيب اللومي :رعاية الطفولة في المجتمع المتوازن .م ق ت أكتوبر .1979ص .21
- 3فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد.م.ق.ت فيفري .2005ص .29
- 4رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية-أوربس .1997ص .127
- 5علي محمد جعفر :حماية األحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر االنحراف.دراسة مقارنة.المؤسسة الجامعية
للدراسات والنشر والتوزيع لبنان .2004ص.7
1
المقدمة
سكون بها والتي تو ّجه هذه العالقات .وباعتبار أن الطفل هو رجل المستقبل وهو الوسيلة التي تصنع
يتم ّ
مستقبل كل أ ّمة فال بناء قويما لأل ّمة إال برعاية وحماية أطفالها ووجودها يرتبط بنجاعة هذه الحماية .6
ففي إطار التوضيحات التي قدّمتها وزارة الشباب والطفولة للجان مجلس النواب حول أحكام الفصل
3من م.ح.ط فإنها قالت" :لئن لم يحدّد الفصل 3من مشروع المجلة بداية وجود اإلنسان .هل أنه منذ بداية
الحمل أم من تاريخ وضعه ،فذلك راجع إلى أن ذهن واضعي المشروع انصرف إلى تحديده بداية من الوالدة.
وهناك نصوص أخرى تحدد حقوقه قبل الوالدة"11إذ أقر التشريع المدني للجنين عدة حقوق مثل حقه في
- 6فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد .مرجع سابق .ص 33
- 7ابن منظور :لسان العرب ،المجلد الرابع عشر.داربيروت للطباعة و النشر .ص198
- 8خالد مصطفى فهمي :حقوق الطفل ومعاملته الجنائية في ضوء االتفاقيات الدولية.دراسة مقارنة.دار الجامعة
الجديدة.2007.ص10
- 9خالد مصطفى فهمي :المرجع السابق،ص10
- 10المادة 1من اتفاقية حقوق الطفل ...":الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب
القانون المنطبق عليه".
- 11الرائد الرسمي للجمهورية التونسية -مداوالت مجلس النواب-عدد -4جلسة يوم الثالثاء 31أكتوبر .1995ص .22
2
المقدمة
أقر حقّه في الحياة من ذلك الفصل
الميراث أو في الوصية (الفصل 184م.أ.ش) وكذلك التشريع الجزائي ّ
9من المجلة الجزائية الذي ينص على أن عقوبة اإلعدام ال تنفّذ على المرأة الحامل إال بعد وضعها لحملها.
وكذلك صدور قانون يتعلق بالطب اإلنجابي هدفه حماية الجنين من كل اعتداء قد يس ّلط على حقوقه ،إضافة
إلى عدّة نصوص أخرى وطنية منها ودولية تنظم وتضمن حقوق الجنين .ورغم اإلشكاليات الكثيرة التي
الرأي المتفق عليه هو أن أحكام مجلة حماية الطفل ال تنطبق على الجنين.
تثيرها هذه المسألة فإن ّ
ودائما في إطار الفصل 3من المجلة المذكورة وتحديدا فيما يتعلّق باالستثناء المنصوص عليه بآخر
الفصل والذي من شأنه أن يرفع صفة "الطفل" عن اإلنسان قبل بلوغه سن الثامنة عشرة ،حيث استثنى
المشرع من لم يبلغ هذه السن وت ّم ترشيده بمقتضى أحكام خاصة ،إال أن هذا االستثناء يمكن أن يثير بعض
متفرقة على عدّة مجاالت قانونية ،إذ في القانون
ّ الصعوبات نظرا لوجود عدّة أحكام خاصة بسن الطفل
المدني اعتبر سن الرشد 20سنة إال في حاالت استثنائية تدعو للترشيد .أما في قانون الشغل فإنه يسمح
للطفل بممارسة بعض األعمال منذ سن 16سنة وفي قانون األحوال الشخصية فإنه يسمح بترشيد البنت
12
بداية من سن 17سنة.
وما يمكن مالحظته أيضا من خالل الفصل 3من م.ح.ط هو أن المشرع قد اعتمد معيار السن
البيولوجي وبالتالي فإنه يستثني من أحكام هذه المجلة المعوقين ذهنيا بموجب ضعف العقل تطبيقا ألحكام
وهنا نتساءل 13
الفصل 160وما بعده من مجلة األحوال الشخصية ولو صدرت في مواجهتهم أحكام بالحجر
أال يمكن للمعوق ذهنيّا أن يجد نفسه في حالة صعبة من الحاالت التي جاءت بها مجلة حماية الطفل في
فصلها العشرين؟
ربما يعود سبب عدم اعتماد المشرع للمعيار الذهني للطفل المعني بالحماية التي توفرها له مجلة
حماية الطفل إلى وجود قانون يحمي هذه الشريحة من المجتمع وهو القانون عــــ83ــــدد لسنة 1992
المؤرخ في 3أوت 1992المتعلق بالصحة العقلية.
س ّن فإنه ال تنطبق عليه أحكام مجلة حماية الطفل إال إذا كان طفال مهدّدا ،ولفظ
الطفل وإن توفر فيه شرط ال ّ
عد ،واإلنسان المهدّد هو الذي يكون في وضع ينذر
"الم ّهدد" هو لفظ مشتق من فعل هدّد أي أنذر وتو ّ
بالخطر ،إذن فهذا الطفل المهدّد من حقه أن يتمتع بحماية .والحماية قانونا هي إطار تشريعي يضعه المشرع
- 12سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال.مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في العلوم الجنائية.
كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .2008-2007ص .4
- 13لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .م.ق.ت .مارس 1997.ص .71
3
المقدمة
لدرء خطر أو إلعفاء من عقاب أو إلخراج من مجال تجريم والخطر الذي يهدّد الطفل من قبيل كل ذلك فهو
14
مضرة.
ّ إما أن يهدّد الطفل بالتجريم أو بالعقاب أو بإلحاق
فحماية الطفل واالهتمام به كان منذ الحضارات القديمة .فقد اعتنى المفكرون القدامى بأسس بناء
المجتمعات اإلنسانية 15وكانت األسرة تمث ّل حجر الزاوية في البناء االجتماعي بوصفها األساس الذي ترتكز
16
عليه بقية األنظمة االجتماعية.
ونجد أن فالسفة اليونان هم أول من اهتم بالطفل من خالل كتاباتهم فنذكر مثال كتاب "النظرية
عرف فيه الطفل بكونه مخلوقا مرنا يتش ّكل
التربوية للطفل" لسقراط وكتاب "الجمهورية" ألفالطون الذي ّ
الشر 17،وكذلك فإن الطفل قد عرف اهتماما من قبل فالسفة ومفكري
ّ بما تنشؤه فيه من حبّ للخير أو
الحضارة العربية اإلسالمية حيث أولى هؤالء عناية متميزة بالطفل على مستوى تعليمه وتكوينه وتربيته إذ
يقول العالمة ابن خلدون "علّموا األطفال وهم يلعبون" ،فقد وضعت الشريعة اإلسالمية منذ خمسة عشر
قرنا دستورا متكامال لحقوق اإلنسان فال نجد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من تلك الحقوق 18،فالقرآن
أقر حق الطفل في الحياة بتحريمه
الكريم أعطى مكانة هامة لألطفال حيث اعتبرهم زينة الحياة الدنيا .كما ّ
سنّة النّبوية على حق الطفل في االسم الحسن
قتل األوالد خشية الفقر ووأد البنات خشية العار .كما أكدّت ال ّ
وحقه في نسبته إلى والديه وحقه في النفقة والتربية والتعليم 19.وفي نفس هذا اإلطار اإلسالمي فإن األسرة
مطالبة بتنشئة األبناء تنشئة صالحة ترتكز على الحب واألخالق الفاضلة .فالطفل يولد على الفطرة كما جاء
ذلك في الحديث النبوي 20واألسرة هي التي تجعل من هذا الطفل إما عنصرا صالحا أو غير صالح في
محيطه األسري واالجتماعي حسب التربية والتنشئة التي تلقّاها والمبادئ والقيم التي تربّى عليها.
- 14فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد.مرجع سابق .ص .36
- 15نهلة الجلولي :حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي :م ق ت أكتوبر .2005ص .185
- 16نهلة الجلولي :المرجع السابق .ص .186
- 17الطيب اللومي :رعاية الطفولة في المجتمع المتوازن م ق ت أكتوبر .1979ص .20
- 18خالد مصطفى فهمي :حقوق الطفل ومعاملته الجنائية في ضوء اإلتفاقيات الدولية.مرجع سابق .ص.1
- 19سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال مرجع سابق.ص .7
- 20عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال :كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو
ينصرانه أو يمجسانه".....
- 21عبد الباسط الخالدي :حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي .م ق ت أكتوبر .2007ص .103
- 22عبد هللا األحمدي :مجلة حماية الطفل وحقوق اإلنسان .م ق ت مارس .1997ص .25
4
المقدمة
األولويّات الوطنية في إطار المنظومة اإلصالحية فصدرت مجلة حماية الطفل بموجب القانون عدد 92
23
لسنة 1995المؤرخ في 9نوفمبر 1995ودخلت حيّز التنفيذ في 11جانفي 1996الموافق ليوم عيد
الطفولة .وتض ّمنت هذه المجلة عدّة أحكام وتدابير تهدف إلى حماية الطفل من كل خطر يهدّد تربيته أو
سالمته المادّية أو المعنوية ،كما أن أحكام هذه المجلة جاءت منسجمة مع المبادئ العالمية لحقوق الطفل
وخاصة مبادئ وأحكام اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في 20نوفمبر 1989عن الجمعية العامة لألمم المتحدة
والتي صادقت عليها تونس بمقتضى القانون عدد 93لسنة 1991المؤرخ في 29نوفمبر 1991ورغم
أهمية كل اإلجراءات التي اتخذت والقوانين التي سنّت من أجل حماية الطفولة فإن مجلة حماية الطفل تعتبر
24
نموذجا يحتذى به حتى أن هناك من اعتبرها "دستور الطفولة في تونس".
هذه المجلة جاءت لتحمي الطفل سواء في مرحلة ما قبل ارتكاب الجريمة أم بعدها فالطفل سواء
كان مهدّدا بالجنوح أو جانحا فإنه يحتاج إلى الحماية والرعاية .وهذه الحماية لألطفال المهدّدين هي مظهر
جديد من مظاهر الحماية .فالسياسة المنتهجة من خالل هذه المجلة هي سياسة وقائية .ولعل أبرز ما يميّزها
تخصيص المشرع كامل العنوان األول من المجلة لحماية الطفل المهدد ،هذا العنوان الذي تض ّمن 48فصال
للحديث عن الطفل المهدّد وآليات حمايته.
فحماية الطفل المهدّد من خالل مجلة حماية الطفل هي في الواقع حماية لألسرة والمجتمع كافة،
والحماية هنا تهدف إلى ترسيخ ثقافة حقوق الطفل ال على المستوى النظري فقط بل وعلى المستوى العملي
أيضا.
فالمجلة لم تكتف ببيان الحاالت الصعبة المهدّدة للطفل وإنما أبرزت الوسائل الكفيلة بحمايته كما أن
رغبة المشرع في تحديد مفهوم حماية الطفل المهدّد تبدو واضحة بالفصول الواردة بالعنوان األول من
المجلة من خالل تذكيره بالغاية أو الهدف من كل اإلجراءات والتدابير الحمائية المت ّخذة بشأن الطفل المهدّد
في صحته وسالمته الجسدية والمعنوية.
فالطفل كان وال يزال دائما محور اهتمام التشريعات والفقهاء الذين كتبوا الكثير عنه وتناولوا كل ما
يتعلّق به من حقوق وواجبات في مختلف المسائل والوضعيات القانونية ،إلى أن جاءت مجلة حماية الطفل
لتضمن مصلحة الطفل الفضلى تشريعا وواقعا ولتولي اهتماما خاصا وكبيرا بالطفولة المهدّدة باعتبارها فئة
خاصة وأن السنوات األخيرة شهدت ظهور أنواع جديدة 25
زاغت عن مسار التنشئة االجتماعية السليمة
- 23نهلة الجلولي:حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي .مرجع سابق .ص .195
- 24عبد الباسط الخالدي :المرجع السابق .ص .105
- 25نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدد ،الواقع واآلفاق ،دراسة حول حقوق الطفل المهدد .الشركة التونسية للنشر وتنمية
فنون الرسم .تونس .2000ص .9
5
المقدمة
من االعتداءات على حياة الطفل وحقوقه وأساليب حديثة في اإلجرام المنظم أفرزها التطور التكنولوجي
والعلمي الذي بلغه العالم المعاصر بما يجعل الطفل مهدّدا ومحاطا بالمخاطر من كل الجوانب.
فمجلة حماية الطفل اعتبرت اإلطار التشريعي األمثل واألفضل لحماية هاته الفئة االجتماعية
أقرته من إجراءات وتدابير حمائية لفائدة الطفولة المهدّدة .لكن هذا اإلطار التشريعي أال يحتاج
الضعيفة لما ّ
إلى إعادة نظر؟ وهل يمكن اعتبار مجلة حماية الطفل "دستور الطفولة في تونس" كما أطلق عليها؟.
أمام التحدّيات الخطيرة التي يعرفها العالم اليوم وما تشير إليه الدراسات من ارتفاع نسبة ارتكاب
الجريمة ضدّ األطفال حيث لم يخل أي مجتمع من حاالت مؤسفة يستغ ّل فيها الطفل استغالال فاحشا ال تطيقه
قد باتت مهمة األولياء التربوية صعبة من 26 ضعيفة اله ّ
شة الناعمة نفسه الرقيقة المرهفة وال تتح ّمله بنيته ال ّ
حيث اإلحاطة والعناية بالطفل المعرض دوما لتنازع األهواء واالنبهار باألضواء 27.وتأكيدا منه على الدور
الفعّال لألسرة في التنشئة الصالحة لألبناء وسعيا منه لتوفير حماية أكثر للطفل المهدّد ،أوكل المشرع من
خالل مجلة حماية الطفل مه ّمة التدخل الوقائي لهيكلين حمائيين في حال وجود الطفل في حالة صعبة تهدّد
حياته.
ومن هذا المنطلق فإن حماية الطفل المهدّد تثير عدّة تساؤالت ولعل التساؤل األساسي والمحوري
أن اآلليات التي جاءت بها مجلّة حماية الطفل كفيلة بحماية الطفل المهدّد؟
هو هل ّ
- 26الهادي سعيد :لمحة تاريخية عن مجلة حماية الطفل م ق ت مارس .1997ص .14
- 27الهادي سعيد :المرجع السابق .ص .21
6
الجزء
األول
صعبة الموجبةالحاالت ال ّ
للحماية
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
- 28ملتقى دولي بالمعهد األعلى للقضاء تحت عنوان "مجلة حماية الطفل سنة بعد" أيام 7و 8جانفي .1997
- 29لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .مرجع سابق.ص .72
7
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
- 30أحمد شبشوب :مدخل إلى علم النفس التربوي ،المطبعة األساسية تونس .1992ص .139
- 31أحمد شبشوب :مدخل إلى علم النفس التربوي،مرجع سابق .ص .141
- 32رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية.مرجع سابق ،ص .49
- 33رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية.مرجع سابق ص .78
8
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الذي يعتمد على غيره في تدبير أموره ،وفي الوضع الطبيعي يتح ّمل األبوان هذه المهمة المزدوجة .وتبعا
34
لذلك أكد التشريع التونسي على أهمية األسرة بالنسبة للطفل حتى يعيش متوازن النفس والسلوك ،وبالتالي
ال بدّ من توفر إطار عائلي تربوي يقوم برعايته .ونظرا لقيمة وأهمية العائلة في حياة الطفل فإن فقدانها قد
التشرد والضياع واإلهمال ،وبالرجوع إلى أحكام الفصل 20م ح ط نجد أن المشرع
ّ يؤدّي بهذا األخير إلى
قد اعتبر في النقطة (أ) أن"فقدان الطفل لوالديه وبقاءه دون سند عائلي" يمثل حالة صعبة تهدد الطفل بل إنه
ذكرها في مقدمة الحاالت الثمانية المذكورة بالفصل المذكور آنفا .ويمكن أن نستخلص أن المشرع التونسي
سع للعائلة حيث أنه لم يجعل حالة فقدان الوالدين حالة صعبة حتى ال يعطي مفهوما ضيقا
يتبنى المفهوم المو ّ
للعائلة بل إنه ربطها بالبقاء دون سند عائلي وبالتالي يجوز القول إن الطفل ال يكون مهدّدا حين يفقد والديه
سند العائلي .وأول ما يتبادر إلى الذهن هو حالة الطفل ّ
الطبيعي (الفقرة األولى) فقط وإنما حين يفقد أيضا ال ّ
الذي يجد نفسه منذ الوالدة فاقدا لوالديه وبدون سند عائلي،إال ّ
أن الطفل الشرعي (الفقرة الثانية) كذلك يمكن
أن يفقد اإلطار التربوي .
9
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
ورعايتهما .فاألم العزباء حتى وإن أرادت اإلحتفاظ بإبنها والعناية به فإنها تدرك مسبّقا ّ
أن عائلتها وأقاربها
تضطر األّم إلى
ّ سيرفضون ذلك ولن يقبلوا بهذا الطفل للعيش بينهم رغم أنّه ال ذنب له في ما حصل .لذلك
التخلّي عنه في الشارع أو في المستشفى .وبالتالي ينشأ هذا الطفل بدون والدين أو سند عائلي ونقصد هنا
يعرف السند العائلي وربّما يكون ذلك لمصلحة الطفل،وبالتالي يبقى
فالمشرع لم ّ
ّ العائلة الموسعّة أي األقارب
المجال واسعا لمسؤولية رعاية الطفل وتربيته وحمايته.
وإذا ما عدنا إلى الشرح اللغوي لكلمة "سند" نجد أنها مشتقة من فعل سند ويقال سند إلى الشيء
سنودا واستند وتساند وأسند غيره ويقال سانده إلى الشيء فهو يتساند إليه ويقال ساندت الرجل مساندة أي
37
عاضدته وكاتفته.
ومن جهة أخرى ّ
نظم المشرع التونسي وضعية هؤالء األطفال اللقطاء من خالل الكتاب السابع من
مجلة األحوال الشخصية (الفصول من 77إلى )80وكذلك أحكام الفصل 27من قانون الحالة المدنية وكذلك
نجد قانون 4مارس 1958المنظم للوالية العمومية والكفالة والتبني .ولكن يمكن أن نتساءل هنا ،بوجود
هذه القوانين ،هل يعني ذلك عدم إمكانية تطبيق أحكام مجلة حماية الطفل على هؤالء األطفال؟ رغم أن م ح
ط لم تتحدث عن الطفل اللّقيط إذ أن هناك نصوصا خاصة تنظم وضعيته ولكن هذا ال يمنع من تدخل حمائي
لفائدة هذا اللّقيط باعتباره طفال مهدّدا .فمثال إذا ت ّم إشعار مندوب حماية الطفولة بوجود طفل مهدّد في صحته
وسالمته البدنية فإنه سيتع ّهد به ويتأكد من عدم وجود أسرة لهذا اللّقيط فإن لم يجدها سيحيل هذا الطفل إلى
السلطة اإلدارية المختصة بالعناية باألطفال اللّقطاء ،إال أنه في خصوص مجلة حماية الطفل فإنها لم تأت
أقرت ضمن العنوان التمهيدي الخاص بالمبادئ العامة بأنه :لكل طفل الحق
بالجديد في هذا الشأن سوى أنها ّ
فال شك أن الهوية حق مهم جدا 38
في الهوية وتشمل الهوية االسم واللقب العائلي وتاريخ الوالدة والجنسية
سيضر
ّ بالنسبة للطفل .ففقدان الهوية كالّ أو بعضا سيكون له تأثير سلبي على الطفل نفسيّا واجتماعيّا م ّما
حتما بمصلحته الفضلى .كما أن فقدان الهوية سيحدث تمييزا بين األطفال على أساس المولد أواألصل
39
االجتماعي وهو ما ال تسمح به اتفاقية حقوق الطفل (المادة .)2
الطفل ّ
الطبيعي الفاقد لوالديه وللسند العائلي قد يقع استغالله في وم ّما تجدر مالحظته هو أن هذا ّ
صة ّ
وأن ّ
المنظم أو قد يستغ ّل جنسيّا أو اقتصاديّا وهو ما يستوجب توفير الحماية الالّزمة له خا ّ اإلجرام
السن وحالة التّهديد.
ّ الحماية التي توفّرها م ح ط يتمتّع بها كل طفل مهدّد أي يكفي توفّر شرطي
10
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الطبيعي مجهول النّسب وبالتّالي الفاقد لوالديه وللسّند العائلي .فماذا عن ّ
الطفل أو اإلبن للطفل ّ
هذا بالنّسبة ّ
ال ّ
شرعي؟
- 40إلهام قاسم :الحماية اإلدارية للطفل ،مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام ،كلية الحقوق والعلوم السياسية
بتونس .1997-1996ص 23و .24
- 41إلهام قاسم :الحماية اإلدارية للطفل ،مرجع سابق.ص .24
- 42محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .101
11
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الرقي بنمو الطفل وهما األبوان وبين اإلطار البديل والذي وصفه المشرع بالسند العائلي .وبالتالي فإن
43
الطفل ال يكون في حالة صعبة تهدد تربيته إال إذا فقد اإلطار التربوي بطرفيه األصلي والبديل .فهذه الحالة
تعتبر من أخطر الحاالت التي يمكن أن تعترض الطفل فهي ت ّهدد حياته بأكملها .ففقدان الوالدين والبقاء بدون
والتشرد وهو ما سيدفع بالطفل إلى االلتحاق بالشارع النعدام الرقابة والتوجيه.
ّ سند عائلي يعني الضيّاع
- 43زكريا عبد هللا :السياسة الجنائية من خالل مجلة حماية الطفل ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية،
كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .2000ص 17و .18
- 44التقرير الوطني لوضع الطفولة بتونس لسنة .2006
- 45قرار صادر عن قاضي األسرة بأريانة عدد 534بتاريخ 2006/1/27غير منشور .مذكور بمداخلة القاضي فاطمة
خليل بالملتقى حول دور فقه القضاء في تدعيم مبادئ مجلة األحوال الشخصية الذي نظمه المعهد األعلى للقضاء ومحكمة
االستئناف بتونس في .2006/6/17
- 46الهادي البحسيس :الطفل المهدد مرجع سابق ص .24
12
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
سند العائلي على غرار تعدّد صور فقدان الوالدين.
الرعاية والحماية تجاه الطفل .كما قد تتعدّد صور فقدان ال ّ
ّ
وعلى هياكل الحماية أن تعاين ك ّل حالة صعبة وتقدّر مدى خطورتها على ّ
الطفل إال أنّه رغم هذه السلطة
المخولة للهيكل الحمائي المختص ال بدّ من تد ّخل المشرع لتوضيح وتحديد مفهوم هاته الحالة
ّ التقديرية
يعرف هذه الحالة ولم يفردها بفصل
المشرع في م ح ط لم ّ
ّ صة ّ
وأن سند العائلي خا ّ
الصعبة وتحديد مفهوم ال ّ
الشرح
ّ كما هو الحال بالنّسبة لبقيّة الحاالت .فهل يعود ذلك إلى وضوح هذه الحالة وعدم حاجتها إلى
صة بالحماية
المشرع قد قصد فعل ذلك حتى يتيح مجاال أوسع وأكثر حريّة للهياكل المخت ّ
ّ والت ّوضيح أم ّ
أن
في تقديرها لمدى صعوبة هذه الحالة؟
وعلى مستوى آخر يمكن القول إن ما تشهده بعض المجتمعات اليوم من انحطاط أخالقي انعدمت
معه المبادئ األخالقيّة والقيم اإلجتماعيّة م ّما جعل بعض العائالت تعرف توت ّرا في عالقاتها وال تعطي أهميّة
صة في مجتمع عربي إسالمي حت ّى أصبح التف ّكك األسري ظاهرة
الرحم ولقيم الت ّآخي والت ّضامن خا ّ
لصلة ّ
سعة -وإن وجدت -مكانة ودور في الت ّربية ّ
والرعاية .وحتى الوالدين انتشرت في المجتمع ولم يعد للعائلة المو ّ
وأن هذا العصر لم تعد فيه عمليّة الت ّربية مقتصرة
صة ّ-وإن وجدا -قد يجدان صعوبة في اإلحاطة باألبناء خا ّ
صال الحديثة تو ّجه األطفال
على الوالدين فقط بل أصبحت هناك تأثيرات خارجيّة من وسائل اإلعالم واالت ّ
أن غياب الدّور الت ّربوي المنوط بعهدة األبوين أو من ح ّل محلّهما يبقى خطرا
وتقدّم لهم ثقافة خاصة بهم ،إال ّ
صعبة المهدّدة للطفل. يهدّد تربية ّ
الطفل لذلك اعتبره المشرع حالة من الحاالت ال ّ
- 47أحمد شبشوب :مدخل إلى علم النفس التربوي ،مرجع سابق ص .142
13
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
14
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
ومن مظاهر الت ّقصير أيضا بعض السلوكات التي يأتيها األبوان أو أحدهما مما يؤث ّر بشكل واضح
على الطفل .ونعني بذلك الت ّمييز المتع ّمد الذي يمارسه الوالدان على األبناء سواء بين الذكور واإلناث أو بين
ذات الجنس ألي اعتبار كان .وهذا الت ّمييز سيؤدّي بال ّ
ضرورة إلى حدوث شرخ في عالقة األبناء وتجاوبهم
فيما بينهم من ناحية وبينهم وبين والديهم من ناحية أخرى 48.لذلك على الوالدين أن يحسنا معاملة أبنائهما
واالضطالع بواجبهما التربوي دون تهاون وتقصير فأي خلل في سلوك الطفل يعني عدم قيام األبوين
مجرد
ّ بمراقبته ومتابعته وتوجيهه .وفي هذا اإلطار اعتبرت محكمة التعقيب في قرار لها سنة 1978أن
الضار هو قرينة على سوء مراقبة الطفل وأنه إذا كانت طبيعة األفعال التي ارتكبها الصبي
ّ صدور الفعل
والتي ألحقت ضررا بالغير تؤكد بصورة قطعية عدم اعتناء الولي بابنه فال يعفى الولي من المسؤولية 49ولقد
تكرس حقوق
المشرع رقابة الطفل ومتابعته بتنظيمه الحياة العائلية وذلك من خالل عدة نصوص ّ
ّ ّ
نظم
وواجبات األبوين تجاه أبنائهما.فاألبوان يتح ّمالن معا واجب مراقبة االبن القاصر ومتابعة سلوكه وتوجيهه
والسهر على شؤونه في نطاق واجب التعاون المحمول عليهما منذ تنقيح 1993/7/12لبعض فصول مجلة
نص الفصل 23منها في فقرته الثالثة على أن الوالدين "......يتعاونان على تسيير
األحوال الشخصية .فقد ّ
شؤون األسرة وحسن تربية األبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعامالت المالية"
ينص على أن
ّ الرابطة ّ
الزوجيّة فالفصل 57من م أ ش وواجب التعاون مفروض على الوالدين طوال قيام ّ
عرفها الفصل 54من نفس
"الحضانة من حقوق األبوين ما دامت الزوجية قائمة بينهما" ،والحضانة كما ّ
المجلة هي "حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته" وأما عند وفاة األب أو فقدان أهليّته فإنه وعمال بالفصل
154م أ ش تصبح األم حاضنة ووليّة على أطفالها بصفة آليّة وتتح ّمل بمفردها واجب رعايتهم ومراقبتهم
وتربيتهم.
ي وليس
وفي صورة حصول طالق األبوين فإن رقابة الطفل تعتبر واجبا مشتركا بين الحاضنة والول ّ
على أحدهما حرمان اآلخر من القيام بواجباته نحو الطفل 50 ،إذ جاء في الفصل 61من م أ ش أنه "إذا
سافرت الحاضنة سفر نقلة مسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظوره سقطت حضانتها"
وفي السياق نفسه جاء بالفصل 62من المجلة المذكورة سابقا أنه "يمنع األب من إخراج الولد من بلد أمه
إال برضاها ما دامت حضانتها قائمة وما لم تقتض مصلحة المحضون خالف ذلك" .واعتبارا لمصلحة الطفل
الرابطة الزوجيّة أو انفصامها بالوفاة أو بالطالق فقد أصبحت بموجب
عم المشرع سلطة األم في إطار قيام ّ
د ّ
تنقيح الفصل 67م أ ش بمقتضى قانون 12جويلية 1993تتمت ّع بصفة آليّة ب"صالحيات الوالية فيما يتعلق
بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية" ،إضافة إلى ذلك ،يمكن لألم أن تتمت ّع بكامل
- 48عبد الباسط الخالدي :حماية الطفولة المهدّدة في التشريع التونسي .مرجع سابق .ص .106
- 49ن م ت.ق.م.قرار تعقيبي مدني عـ648دد مؤرخ في 19جانفي 1978ص 25و .26
- 50محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .118
15
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
مشموالت الوالية بموجب حكم قضائي في حالة تعذّر على الولي ممارسة صالحياته أو تع ّ
سف فيها أو تهاون
يضر بمصلحة
ّ المقر أو ألي سبب
ّ مقره وأصبح بالتالي مجهول
في القيام بواجباته أو في حالة تغيّبه عن ّ
الطفل المحضون.
ومن ناحية أخرى اعتبر المشرع من خالل الفصل 93مكرر من م إ ع المنقح بمقتضى القانون
عـــ95ــدد لسنة 1995المؤرخ في 9نوفمبر 1995أن األبوين مسؤوالن بالتضامن عن تعويض األضرار
صر بالغير ،لذلك فإن مسؤوليّة الوالدين في تربية أبنائهما هي مسؤولية كبيرة
التي يلحقها أبناؤهما الق ّ
سهر على شؤونهم مما يعني ضرورة اإلستجابة لحاجيات الطفل
تستوجب الرقابة والمتابعة واإلرشاد وال ّ
الضروريّة سواء منها المعنوية أو المادية وهذه األخيرة تعني اإلنفاق عليه ولقد ّ
نظمت مجلة األحوال
والنفقة حسب الفصل 51
وطورتها بعد تنقيحها بمقتضى قانون 12جويلية ، 1993
ّ الشخصية أحكام النفقة
ضروريات في العرف والعادة" واألب هو ّ
"الطعام والكسوة والت ّعليم وما يعتبر من ال ّ 50م أ ش تشمل
المطالب بصفة رئيسيّة باإلنفاق على األبناء وتلبية حاجاتهم الحياتيّة .أ ّما األ ّم فعليها أن تساهم في اإلنفاق
الزوجين طبعا إن كان لها مال يم ّكنها من ذلك كما جاء في الفصل على أبنائها على أساس واجب الت ّعاون بين ّ
23م أ ش 52وأ ّما في صورة عسر األب فاأل ّم مقدّمة على الجدّ في اإلنفاق حسب ما جاء في الفصل 47م
وفي صورة وفاة األبّ تصبح األ ّم حاضنة وول ّية شرع ّية على ّ
الطفل. 53
أش
ي تقصير في هذه الواجبات المنوطة بعهدة الوالدين سيكون له حتما تأثير سلبي على وضع
إذن فأ ّ
الطفل النفسي والسلوكي بما يجعله مهدّدا باالنحراف ،إال أنه يالحظ أحيانا قيام الوالدين بواجبهما التربوي
ولكن االبن ال يعمل بنصائحهما وتوجيههما له ويحاول متى سنحت له الفرصة اإلفالت من رقابتهما بما
يجعله أيضا في هذه الحالة مهدّدا باالنحراف عن الطريق المستقيم خاصة إذا عجز الوالدان أو المتع ّهد بالطفل
عن رعايته وتوجيهه.
- 51محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .120
- 52الفصل 23م أ ش "...على الزوجة أن تساهم في اإلنفاق على األسرة إن كان لها مال".
- 53الفصل 47م أ ش "األم حال عسر األب مقدمة على الجد في اإلنفاق على ولدها".
- 54رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية.مرجع سابق ص .45
16
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
يعرض مصالحه الفضلى إلى الخطر ،فعدم احترام الطفل لوالديه أو المتع ّهد بتربيته يعني
55
ما من شأنه أن ّ
التمرد قد يعود لعدّة أسباب تتعلّق
ّ تمرده على محيطه بما يحمله من تقاليد وقيم أخالقية متعارف عليها .وهذا
ّ
أساسا بشخصيّة الطفل ووضعيّته النفسيّة في هذه المرحلة العمرية ،فالطفل له مميّزات ذهنيّة واجتماعيّة
غالبا ما تتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه فإن كان يعيش في محيط غير متوازن فلن تكون له شخصيّة
متوازنة،فهذا التوازن يصعب تحقيقه في ظ ّل عائلة متف ّككة أو غير ملتزمة بواجباتها تجاه األبناء كأن يكون
األب مدمنا على شرب الكحول أو في حالة بطالة أو أن األم غير قائمة بواجباتها األسريّة فضال عن توت ّر
العالقة بين الوالدين أو أن هذين األخيرين قد يعجزان عن رعاية ابنهما واإلحاطة به وتربيته وتوجيهه
صرفاته بسبب مرضهما أو كثرة مشاغلهما العائلية أو لفقرهما،وبالتالي عدم قدرتهما على توفير
ومراقبة ت ّ
يتمرد
ضياع والتهميش وتجعله ّ
تعرض الطفل لل ّ
الحاجيات األساسية للطفل ،فكل هذه الظروف من شأنها أن ّ
نص على ذلك
على واقعه فيعجز الوالدان أو من قام مقامهما عن رعاية الطفل .ومن صور هذا العجز مثلما ّ
الفصل 27م ح ط "تسيّب في سلوك الطفل وذلك بتع ّمده إفشال المراقبة والمتابعة واعتياده مغادرة محل
ذويه بدون إعالم أو استشارة وتغيّبه عنه دون علم أو انقطاعه مب ّكرا عن التعليم بدون موجب" فالطفل يكون
يتمرد على محيطه األسري واالجتماعي بتع ّمده
مجرمة في نظر القانون فهو ّ
في خطر وإن لم يرتكب أفعاال ّ
إفشال مراقبة والديه أو وليّه أو حاضنه أو المتعهد برعايته ويمارس بذلك سلوكيات تنذر بالخطر .فمثال
الطفل الذي يفلت من رقابة عائلته ويسعى إلى مغادرة منزل والديه دون سابق استئذان وال سابق إعالم
ويبقى إلى ساعات متأخرة من الليل ويدمن على التدخين والتسكع في الشوارع هو لم يرتكب مبدئيا أي جرم
بالمعنى القانوني ولكن حالته خطرة ألنها تهيئه شيئا فشيئا الرتكاب الجرائم في معناها القانوني في وقت
وشيك 56وال بد أن نشير في هذا اإلطار أن تعمد الطفل إتيان كل هذه السلوكيات هو عنصر أساسي العتباره
في حالة صعبة من حاالت التهديد التي تستوجب التدخل الحمائي ويقصد بالتعمد اتجاه إرادة الطفل إلى
تعجيز أبويه أو وليه أو المتعهد بالرعاية عن القيام بدور التربية نظرا ألن حق المراقبة يمثل إحدى المسلمات
األساسية لضمان تربية الطفل 57فإفشال المراقبة بما يعني تعجيز الوالدين عن القيام بدورهما التربوي خاصة
وأن المشرع من خالل الفصل 27أشار إلى عدم حصول العلم لدى الوالدين أو المتعهد بالتربية بما يقوم به
الطفل من تصرفات ،فاعتياد الطفل مغادرة محل ذويه وتغيبه عنه ال يعني فشل الوالدين في رقابته ،بل إن
تعو د الطفل القيام بذلك دون علم أو إعالم أبويه أو المتعهد برعايته هو ما يحول فعال دون اضطالع هؤالء
ّ
Marocain et Tunisien comparès. Thèse doctorat d’Etat université de Tunis 1983. P 297.
57 - Ferchichi Bechir :op.cit.p 297.
17
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
بالدور المنوط بعهدتهم من توجيه وإرشاد ومراقبة،إال أن المشرع لم يبين لنا كيفية حصول العلم من عدمه
بالنسبة للوالدين أو المتعهد بالتربية.
فهل يجب أن يحصل العلم لديهم من طرف الطفل نفسه أم يمكن أن يكون عن طريق أي شخص آخر يعلمهم
بمكان وجود الطفل وبكل تصرفاته؟ وبذلك يعتبر الوالدان أو المتعهد بالرعاية على علم ومتابعة لسلوك
الطفل.
وفي هذا اإلطار نستنتج أن مندوب حماية الطفولة يجب أن يعتمد بشكل كبير على سلطته التقديرية
للطالع على كل الظروف والمالبسات المتعلقة بهذه الحالة الصعبة ونقصد حالة العجز عن الرعاية بسبب
سلوك الطفل دون أن ننسى مجهوده الفعال في بيان حالة التقصير البين في التربية والرعاية.
فاإلخالل بالدور التربوي بتقصير من األبوين تبدو أسبابه أكثر وضوحا من أسباب تعمد الطفل تعجيز والديه
أو من حل محلهما وإفشال رقابتهم له فهذه المرحلة العمرية ونعني الطفولة هي مرحلة حرجة في حياة كل
إنسان وللتحديد أكثر فالفترة الممتدة من السادسة إلى الثامنة عشر هي األكثر تأثيرا وتأثرا في حياة الطفل
ففي تلك الفترة سينتقل الطفل من محيطه العائلي الضيق إلى محيط أوسع وهو المحيط المدرسي وبالطبع
ستكون له عالقات جديدة وسيحتك شيئا فشيئا بكل مكونات المجتمع تقريبا،فالطفل ورقة بيضاء تتفاعل داخل
المجتمع وتتأثر بمكوناته وتؤثر فيه ميوالته وتتأثر هذه الميوالت بالمحيط القريب (العائلة) والبعيد (مكونات
المجتمع) 58واألكيد أن الطفل سيجد صعوبات لالندماج والتأقلم مع محيطه االجتماعي وسيكون لهذا المحيط
دور كبير في تجاوز الطفل لهذه الصعوبات خاصة وأن نظرة المجتمع للنسان بصفة عامة وللطفل بصفة
خاصة ستؤثر فيه ،فكلما كانت نظرة المحيط للطفل إيجابية كلما كانت عملية التكيّف ممكنة وسهلة ،وكلما
كانت نظرة المحيط للطفل سلبية كلما ع ّكرت عالقته بالطفل مما يخلق لدى هذا األخير نزعة ّ
تمردية تؤسس
لزرع شعور لديه باالنتقام من محيطه 59وكردّ فعل من الطفل على كل هذه الظروف التي يعيشها ونظرا
فيتصرف
ّ لطبيعة تكوينه النفسي وعدم نضجه العقلي فإنه سيسعى إلى اإلفالت من رقابة محيطه األسري
بما يحلو له بما سيجعله مهدّدا في كل لحظة باالنزالق في عالم االنحراف واإلجرام ،ويزداد هذا األمر
سينجر عنه من
ّ خطورة إن أدى بالطفل إلى االنقطاع مبكرا وبدون موجب ومن تلقاء نفسه عن التعليم بما
نتائج خطيرة جدا على الطفل وعلى المجتمع بأسره .فاالنقطاع المدرسي يعني بقاء الطفل في الشارع عرضة
لعدة مخاطر وعدة ممارسات ال أخالقية وربما الدخول في عالم الجريمة .لذلك كان من أهداف التعليم تحقيق
وقاية المجتمع من الجريمة واالنحراف 60وهنا ال بد من التذكير بأن االنقطاع المبكر عن التعليم بدون
- 58فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد.مرجع سابق.ص .59
- 59فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد.مرجع سابق .ص .59
- 60إلهام قاسم :الحماية اإلدارية للطفل .مرجع سابق .ص .34
18
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
موجب يكون من طرف الطفل بصفة تلقائية أي ليس بسبب الوالدين أو المتعهد بالتربية حتى يثبت هنا تعمد
الطفل إفشال المراقبة وتعجيز الوالدين عن متابعة تصرفاته .فالمحيط المدرسي مثل المحيط األسري كل
منهما يلعب دورا فعاال في نشأة طفل متوازن نفسيا وذهنيا .فهذا الكائن الضعيف يحتاج بازدياد إلى رعاية
الوالدين وتربيتهما له تربية اجتماعية وأخالقية وعاطفية إلى جانب تربيته الجسمية 61.فمثلما تكون تربية
الطفل مهدّدة وفي خطر كما تبينا في الحاالت السابق شرحها يمكن لسالمته أيضا أن تكون في خطر ،ويكون
الطفل حينئذ في حالة تستوجب الحماية .ويمكن أن نقول في هذا الصدد أن الحاالت المهدّدة لسالمة الطفل
هي أشد خطورة على الطفل وعلى المجتمع بأسره من أي حالة أخرى.
- 61محمد فاضل الجمالي :تربية اإلنسان الجديد .الدار العربية للكتاب 1981ص .54
19
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
- 62بسام عاطف المهتار :استغالل األطفال .تحديات وحلول .منشورات الحلبي الحقوقية .2008ص .7
- 63بسام عاطف المهتار :المرجع السابق ص .7
- 64بسام عاطف المهتار :المرجع السابق ص .7
20
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
والفصل 19من جهته ورد به ما يلي "يمنع استغالل الطفل في مختلف أشكال اإلجرام المنظم بما في ذلك
زرع أفكار التعصب والكراهية فيه وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع" ومع ذلك تبقى هذه الحالة
صعبة التقدير بما أن المشرع لم يقدّم مفهوما دقيقا ألفكار التع ّ
صب والكراهية لكون هذه األفكار قد تختلف
حسب المجتمع والجيل ،فما يعتبره البعض من قبيل التعصب والكراهية قد ال يعتبره البعض كذلك.
وأيضا أعمال العنف والترويع فيعود تقديرها لسلطة مندوب حماية الطفولة.ومن جهة أخرى فإن
المشرع الجزائي لم يقدم أيضا تعريفا واضحا للجرام المنظم فقد اكتفى من خالل الفصل 132من المجلة
الجزائية 65بتشديد عقوبة كل من يستخدم طفال أو عدة أطفال في تنفيذ أعمال إجرامية في إطار عصابات أو
مجرد تكوين عصابة أو
ّ جماعات إجرامية على معنى الفصل 131من م.ج ،وأما فقه القضاء فقد اعتبر أن
االنضمام إلى عصابة تهدف إلى االعتداء على األشخاص والممتلكات يعتبر جريمة منظمة وذلك من خالل
قرار تعقيبي عدد 38035مؤرخ في 26جوان 66 1991ويتخذ استغالل الطفل في اإلجرام المنظم عدة
أشكال فيمكن أن يستغل األطفال في الجرائم اإلرهابية (أ) وفي جرائم المخدرات (ب) وكذلك في النزاعات
المسلحة (ج).
يعتبر استغالل األطفال في الجرائم اإلرهابية بما يعني من زرع أفكار التعصب العنصري أو الديني
والكراهية والتحريض على القيام بأعمال العنف والترويع من أخطر أشكال االستغالل،فهذه الممارسات
اإلرهابية خطيرة جدا على الطفل ألنها تت ّجه في المقام األول إلى فكره فتسلبه وتشلّه .وإلى حريته فتقيّدها
وتحدّ منها وذلك عن طريق ممارسة أنواع مختلفة من القمع الفكري وغسل الدماغ إضافة إلى أن هذه
األشكال من االستغالل تت ّجه إلى عاطفة الطفل فتد ّمرها وتنزع منها براءتها وصفاءها 67وبذلك يصبح هذا
الطفل أداة طيّعة بين أيدي هاته العصابات تنفذ بها أعمالها اإلجرامية فهو ينساق بسهولة وراء عبث محترفي
اإلجرام 68نظرا لعدم نضجه العقلي والنفسي.
ونالحظ أن تنصيص المشرع من خالل الفصل 19من مجلة حماية الطفل على حماية الطفل من
أفكار التعصب الديني ال يعني إبعاده عن المعاني اإلنسانية والمبادئ األخالقية السمحة التي جاء بها الدين
اإلسالمي ،دين التسامح ،هذا الدين الذي يدعو إلى التآخي واالنفتاح على اآلخر ويكرس قيم المساواة
- 65الفصل 132جديد م ج " :يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من انخرط في عصابة أو شارك في وفاق من النوع المقرر
بالفصل 131من المجلة ومدة هاته العقوبة تكون اثنتي عشر عاما لرؤساء العصابات المذكورة وكذلك في صورة استخدام
طفل أو عدة أطفال دون الثمانية عشر عاما في األعمال المبينة بالفصل 131من المجلة".
- 66ن.م.ت ق ج عدد 1سنة 1991ص .77
- 67رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص 42و .43
- 68محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .108
21
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
سخ األخالقي ومقاومة زرع أفكار التعصب والكراهية وليس أجدى لتحقيق هذهواالعتدال بما يقي من التف ّ
الوقاية من تقوية الوازع األخالقي والروحي في ضمير كل فرد من أفراد المجتمع 69كما أن مختلف القوانين
الوطنية منها أو الدولية المتعلقة خاصة بحقوق اإلنسان دعت إلى ضرورة التشبع بثقافة التآخي البشري تلك
الثقافة التي تقوم على الدعوة إلى األخوة اإلنسانية متجاوزة كل الخصوصيات ومختلف أشكال التفرقة
والتمييز على أساس الجنس أو األصل االجتماعي أو اللون أو الدين وهي بالتالي ثقافة حقوق اإلنسان
بمفهومها الشامل 70فال بد من تربية الطفل على األخالق الفاضلة والقيم النبيلة لضمان شخصية متوازنة
بعيدة عن كل تعصب أو كراهية.
وإضافة إلى ما نص عليه المشرع التونسي ضمن الفصل 19م ح ط فإنه سعى من خالل القانون
عـــ75ـــدد لسنة 2003المؤرخ في 10ديسمبر 2003والمتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة جرائم
اإلرهاب ومنع غسل األموال ،ومن خالل الفصل 10من هذا القانون الذي اعتبر أنه تعدّ جرائم إرهابية
الجرائم اإلرهابية بطبعها أو التي تعامل معاملتها سواء كانت داخل البالد التونسية أو كانت قواعد الجماعة
اإلرهابية خارجها (قرار تعقيبي مؤرخ في 12جويلية ( 2006غير منشور) والمتمثلة وقائعه في تجنيد
الطفل شكري في تنظيم القاعدة وتكليفه باستقطاب عناصر من البالد التونسية للتحول للجهاد بعد تلقي
. تدريبات عسكرية خارج الوطن)
71
وكما بين الفصل 17من قانون 2003أن الطفل يمكن أن يستغل في اإلرهاب بأن يكون وسيطا
لربط الصلة بين مصدر المعلومة وأعضاء الجماعة اإلرهابية وهنا نتحدّث عن استغالل الطفل في التمهيد
للجريمة اإلرهابية فيقع استعماله دون إدراك وعلم منه لنقل المعلومات،أو أن يكون على علم وإدراك ووعي
صب يخلق لدى صاحبه حالة من
صبة ألن التع ّ
بعد أن ت ّم توجيه أفكاره وإقناعه بأهدافهم وأفكارهم المتع ّ
العمى العقلي تجعله يحيد عن قواعد الموضوعية 72وهذا التوجيه والتأثير سهل على مثل هذه العصابات
النمو العقلي والنفسي للطفل ،وبما أن هذا األخير يتميّز بذكائه فإنه أيضا يت ّم استغالل هذا
ّ نظرا لعدم اكتمال
الذكاء وتوظيفه في بعض وسائل االتصال والتقنيات التكنولوجية الحديثة من أجل توفير كل المعلومات
الالّزمة لهذه الجماعات،أو استعماله الختراق المواقع التابعة للدولة .كما أن هذه الجماعات أصبحت تستغ ّل
األطفال في جمع الموارد الماليّة لتدعيم ما تقوم به من عمليّات إرهابية ،إذ منع الفصل 19من قانون 2003
تبر ع أو كل جمع لألموال بأي طريقة كانت ،بل تجاوز االستغالل مرحلة التمهيد ليصبح الطفل أداة
كل ّ
ومحرضا لمن هم في سنّه على تبنّي هذه األفكار الداعية إلى
ّ مروجا
لتنفيذ الجريمة اإلرهابية أو ليكون ّ
22
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
التعصب والكراهية وارتكاب أعمال العنف والترويع ،والمالحظ أن المشرع لم يوضح لنا ما يقصده بأعمال
العنف والترويع هل هو عنف وترويع مادي أم معنوي؟
وكما أن استغالل الطفل في تنفيذ المآرب اإلجرامية لهذه العصابات يكون بعدّة طرق كاستغالله
للتسلّل إلى بعض الفضاءات وتنفيذ عمليّات إرهابيّة.
فهذه العصابات المنظمة ال تقتصر فقط على عصابات إرهابية تزرع في األطفال أفكار التعصب
والكراهية وتحرضهم على القيام بأعمال العنف والترويع ،وإنما أيضا هناك عصابات تستغل األطفال في
جرائم من نوع آخر كجرائم المخدرات حيث ينزلق عدد كبير من األطفال في هذا العالم.
يعتبر استغالل الطفل في جرائم المخدرات من أبرز وأخطر أشكال االستغالل في اإلجرام المنظم،
لذلك خص المشرع التونسي جرائم المخدرات بقانون خاص بها وهو القانون عــ52ـدد الصادر في 18
ماي 1992الذي تم تنقيحه بمقتضى القانون عــــ94ــدد في 1995/11/9ثم بمقتضى القانون عــ101ــدد
جر م فيه كل مسك أو استهالك أو ترويج أو تهريب للمواد
لسنة 1998مؤرخ في 1998/11/30الذي ّ
المخدّرة.73والمخدّرات هي كل مادة طبيعية أو مر ّكبة قابلة ألن تتسبب في تأثير على الجهاز العصبي
والمخدرات قانونا هي المادة التي تشكل 74
المركزي ،خضوع مادي أو نفسي أو خطر صحي واجتماعي
خطرا على صحة اإلنسان ويطلق عليها "العقاقير الخطيرة" وهي كل المواد المدرجة بالجدول "ب" الملحق
بالقانون عــ52دد لسنة 1992المؤرخ في 18ماي 1992المتعلق بالمخدرات 75ولقد أورد المشرع
التونسي في القائمة الملحقة بالقانون المذكور ما يزيد عن مائة وأربعين نوعا من المخدّرات المح ّجر
استهالكها أو إنتاجها أو حصادها أو مسكها أو حيازتها أو شراؤها أو نقلها أو ترويجها أو إحالتها أو
عرضها 76وبتعدّد هذه التحجيرات تتعدد صور استغالل الطفل في جرائم المخدرات ،لذلك حرص المشرع
كل الحرص على حماية الطفل من مثل هذه المخاطر بحيث اعتمد فلسفة إصالحية للتقليل من حدّة هذه
المشكلة على المستويين الوقائي والعالجي 77فجاء القانون عـ94ــدد لسنة 1995المؤرخ في 9نوفمبر
1995والمتعلق بإتمام القانون عـ52ــدد لسنة 1992المؤرخ في 18ماي 1992مضيفا فصال واحدا وهو
الفصل 19مكرر الذي تضمن ما يلي "للمحكمة أن تكتفي بإخضاع الطفل في جرائم االستهالك أو المسك
23
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
لغاية االستهالك للعالج الطبي الذي يخلصه من التسمم أو للعالج الطبي النفساني الذي يمنعه من الرجوع
إلى ميدان المخدرات أو للعالج الطبي االجتماعي أو ألي من التدابير المنصوص عليها بالفصل 59من
مجلة حماية الطفل".
إذن فكأن المشرع يعتبر الطفل في جرائم المخدرات مجنيا عليه وليس جانيا وهو بالتالي بمثابة
الضحية 78ونظرا لعدم تمييزه ونضجه العقلي والنفسي فهو عاجز عن الدفاع عن نفسه ومقاومة اإلغراء أو
التضليل الذي تمارسه عصابات اإلجرام للتأثير عليه وعلى مداركه وميوالته فتستغل هذه العصابات الطفل
لتعاطي المخدرات واستهالكها فتعمل على توريطه استنادا إلى سياسة الترغيب وتسهيل استعمال المادة
المخدرة تمهيدا لتوظيفه في تهريب المخدرات وترويجها 79فاستهالك المخدرات له تأثيرات سلبية وأضرار
بالغة الخطورة على قوى اإلنسان الجسدية منها والعقلية والطفل بطبعه كائن ضعيف ،لذلك سيكون للدمان
سيضر به هو وعائلته والمجتمع
ّ على المخدرات تأثير خطير جدا عليه وحتى على سلوكه وأخالقه مما
بأسره.
كما أن ت ّجار المخدرات يقومون باستغالل الطفل لتهريب المخدرات وترويجها ألن األطفال عادة ال
يثيرون الشبهات أثناء قيامهم بهذه األعمال اإلجرامية حتى أن هذه العصابات المنظمة استغلت أجساد األطفال
لتهريب المخدرات فجعلتها كالحاويات عند عملية العبور الحدودية وذلك بابتالعهم ألكياس صغيرة تحتوي
ولكن هنا يمكن أن نتساءل هل يمكن 80
على المواد المخدرة ليقع استخراجها الحقا بعد مدة زمنية معينة
اعتبار وجود هذه المادة المخدرة داخل جسم الطفل مسكا لها وهل هو مسك لغاية االستهالك واالتجار؟
جر م المشرع التونسي كل مسك لمادة مخدرة مع العلم بطبيعتها دون اعتبار إذا ما كان مسكا
لقد ّ
طارئا أو عرضيا أو دائما لمدة قصيرة أو طويلة وبالتالي يمكن أن يتم تتبع مبتلع المادة المخدرة فيجتمع
المسك والتهريب على أن يتجاوز سن الطفل الثالثة عشرة ،وأما الطفل الذي لم يتجاوز هذه السن فهو يتمتع
بقرينة قاطعة على عدم قدرته خرق القانون الجزائي ،81لذلك فإن الطفل في هذه الحالة أو في هذه المرحلة
العمرية يقع استغالله أكثر من غيره في جرائم المخدرات فيكون األداة الطيّعة والمناسبة في أيدي هذه
ّ
مخططاتهم .ومع انتشار عصابات اإلجرام المنظم وتجاوزها لحدود العصابات لترويج بضاعتهم وتنفيذ
الدولة الواحدة وارتكابها لجرائم أصبحت تعرف بالجرائم المنظمة عبر الوطنية أو العابرة للحدود ،وسعيها
الدائم إلى تلويث المجتمعات البشرية واستهداف كل الفئات العمرية ،فإن هذه التنظيمات اإلجرامية
صصة في تجارة المخدرات أو ما يعرف بالمافيا ،حيث تعد المافيا وتجارة المخدرات التجسيم الواقعي
المتخ ّ
- 78نجيبة الشريف بن مراد :طفلنا بين التشريع والقضاء والمجتمع .مرجع سابق.ص .70
- 79وداد النقاش :استغالل الطفل في الجرائم .مرجع سابق .ص .144
- 80وداد النقاش :استغالل الطفل في الجرائم .مرجع سابق .ص .148
- 81الفصل 38فقرة أولى من المجلة الجزائية.
24
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
األكثر خطورة للجرام المنظم لما تتخذه هذه األخيرة من أشكال تنظيمية وما تعتمده من وسائل بشرية
ومادية سواء على مستوى التخطيط أو التحضير أو التنفيذ 82فجرائم المخدرات تعتبر اليوم ظاهرة خطيرة
ومخيفة في مختلف أنحاء العالم فهي تهدّد المجتمعات اإلنسانية بأسرها وخاصة فئة األطفال حيث يسهل
التأثير عليهم ّ
والز ّج بهم في هذا العالم الذي يصعب الخروج منه إن لم يلق الطفل العناية والحماية الالزمة
النتشاله من هذا المستنقع الخطير الذي وقع فيه ،وما زاد األمر خطورة هو اعتماد المافيا والتنظيمات
صصة في تجارة المخدرات لوسائل وأساليب متطورة الستهداف األطفال مباشرة كلجوئها إلى تقنية
المتخ ّ
دس بعض المواد المخدرة ضمن التركيبة الصناعية لبعض األلعاب والملصقات التي يقبل
متطورة تتمثل في ّ
عليها األطفال في مختلف بلدان العالم ،وبمجرد استعمالها تصل المخدرات ألجسامهم عن طريق إلصاق
هذه الصور باستعمال اللعاب الذي سرعان ما ينقل المخدّر للدّم ،83فقد تفننت هذه العصابات في طرق
وأساليب تسويق وترويج المخدرات مستغلّة في ذلك براءة وعدم نضج الطفل الذي يجهل أحيانا ماهية المادة
التي كلّ ف بتوزيعها وأحيانا أخرى يتم إيهامه بأنها مادة أخرى يجوز المتاجرة فيها وترويجها ،فمحترفي
اإلجرام المنظم يس تترون بهؤالء األطفال الذين ال تحوم حولهم الشبهات والشكوك فيسيطرون عليهم
ويو ّج هون إرادتهم وميوالتهم كيفما يشاؤون من أجل خدمة مصالحهم وتحقيق أهدافهم اإلجرامية وتنفيذ
مآربهم في الخفاء ،كما أن هذه العصابات يمكن أن تستغل األطفال في مراقبة الطريق عند القيام بتوزيع
بمجرد
ّ المخدّرات في بعض المناطق ،فيكون هؤالء األطفال العيون الساهرة ونواقيس الخطر التي تدق
مالحظة أعوان األمن بالمنطقة . 84وإن اختلفت أشكال استغالل الطفل في جرائم المخدرات فإن الطفل يكون
في كل الحاالت مهدّدا ال محالة .ويزداد األمر خطورة إذا ما ت ّم استغالل الطفل لترويج المخدرات داخل
وفي نفس هذا اإلطار ال بدّ من اإلشارة إلى المؤسسات التعليمية أو التربوية أو االجتماعية أو الرياضية.
85
ظاهرة انتشرت بين صفوف األطفال وهي ظاهرة التدخين وما يسبّبه من أمراض خطيرة تصيب الجهاز
التنفسي كسرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين .فكيف يمكن للمشرع أن يتعامل مع الظاهرة التي أصبحت
تستقطب شيئا فشيئا عددا أكبر من األطفال فتقضي مبكرا على أجسادهم الصغيرة والضعيفة؟ إال أن هذه
األجساد الصغيرة والعقول غير الناضجة أصبحت تستغل كذلك في النزاعات المسلحة.
- 82محمد البرينصي :الجرائم المستحدثة ،رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء .2007ص .18
- 83وداد النقاش :استغالل الطفل في الجرائم .مرجع سابق .ص .145
- 84وداد النقاش :استغالل الطفل في الجرائم .مرجع سابق.ص .149
- 85سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال .مرجع سابق ص .80
25
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
ينص المشرع التونسي ضمن الفصل 18من مجلة حماية الطفل على أنه "يتمتع الطفل بكل ضمانات
القانون اإلنساني الدولي المنصوص عليها بالمعاهدات الدولية المصادق عليها بصفة قانونية ويمنع تشريك
األطفال في الحروب والنزاعات المسلّحة" وكذلك وعلى المستوى الدولي فإن الفصل 38من اتفاقية حقوق
الطفل يلزم الدول األطراف باتخاذ التدابير الممكنة لضمان عدم اشتراك الطفل الذي لم يبلغ الخامسة عشرة
من عمره في الحروب والنزاعات المسلّحة .إال أن هذه القوانين الداعية إلى احترام حقوق الطفل وضمان
سالمته وحمايته من كل المخاطر لم تمنع من استغالل الطفل في النزاعات المسلّحة ،فرغم التطور الذي
والحس اإلنساني الذين يغلّفان
ّ يشهده العالم اليوم في عدة مجاالت وعلى عدة مستويات ،فإن الغشاء األخالقي
الحضارة البشرية لم يكونا في أي وقت مضى أقل هشاشة وأفدح ضعفا مما هما عليه في الفترة التاريخية
الحالية ،الماديّة العنيفة 86فاألطفال اليوم هم أول ضحايا االستغالل بكل أشكاله وهم الضحايا الرئيسيين
وعلى مستوى آخر ،فإن االتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة 1989 87
للحروب في أكثر من بقعة من العالم،
قد نصت في فصلها 38فقرة " 3تمتنع الدول األطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة
في قواتها المسلّحة" بينما تونس التي صادقت على هذه االتفاقية سنة 1991فقد كفلت للطفل حماية في
الحروب أوسع من حماية االتفاقية الدولية لحقوق الطفل إذ لم تحدث أي تمييز بين األطفال خاصة من ناحية
السن ، 88فقد حرصت أغلب القوانين على حماية الطفل أثناء النزاعات المسلّحة لما للحرب من تأثير بالغ
على وضعية الطفل إذ تتسبب العمليات الحربيّة في وفاة عدد كبير من األطفال وإصابة عدد آخر بأضرار
كما أنها تؤدي إلى انتشار المجاعة 89
وتشوهات جسدية مختلفة وإعاقات على غاية من الخطورة
ّ بدنية
واألمراض ن تيجة النقص في المواد الغذائية واألدوية وبالتالي انعدام الرعاية الصحية ،كما أن الحروب
والنزاعات المسلّ حة من شأنها أن تحدث اضطرابا اجتماعيا فينعدم بذلك األمن واالستقرار وهو ما سيؤدي
التشرد واالنحراف وكذلك قد ترتكب خالل هذه الحروب جرائم ضد اإلنسانية لما تشهده
ّ ببعض األطفال إلى
من أعمال تقتيل جماعي وعنف وتعذيب قد يرتكب ضد األطفال خاصة وهو ما يهدّد سالمة الطفل الجسدية
والمعنوية.
رغم هذه العناية واإلحاطة القانونية التي يحظى بها الطفل على المستويين الوطني والدولي ،فإنه
يبدو أن هذه النصوص واإلجراءات بقيت عاجزة عن توفير الحماية الكافية للطفل من االستغالل أثناء
الحروب والنزاعات المسلّحة وقد أفاد تقرير وضع األطفال في العالم لسنة 2011الصادر عن اليونيسيف
أنه في جميع أنحاء العالم تتصاعد األزمات والصراعات اإلنسانية ويتفاقم الركود االقتصادي وتغير المناخ
- 86محمد الحبيب الشريف :حماية األطفال في النزاعات المسلحة .م ق ت جويلية .2003ص .13
- 87محمد الحبيب الشريف :حماية األطفال في النزاعات المسلحة .المرجع السابق .ص .13
- 88محمد الحبيب الشريف :حماية األطفال في النزاعات المسلحة مرجع سابق .ص .16
- 89مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .رسالة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم
الجنائية كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس 2003/2002ص .124
26
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
والتوسع الحضري السريع مما يشكل تهديدات جديدة لتطلّعات الشباب ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءا
خالل العقد المقبل ،فعالميا هناك أكثر من 1.2مليار مراهق يقفون على مفترق الطرق بين مرحلة الطفولة
وعالم الكبار وهذا وقت محوري في حياتهم يحتاجون فيه إلى الدعم التخاذ مسارات جديدة .90ونظرا لهذا
الوضع المتردّي للطفولة ،فقد طالب اإلعالن العالمي لبقاء الطفل ونمائه الصادر في سنة 1990ب "أن
وممرات العبور الخاصة لتمرير إمدادات اإلغاثة إلى األطفال في المناطق التي ال
ّ تراعى فترات الطمأنينة
تزال تشتعل فيها الحروب وأعمال العنف" حيث يت ّم استغالل األطفال وتشريكهم في الحروب رغم ما تتطلّبه
األعمال الحربيّة من قدرات جسدية وطاقة كبيرة لتح ّمل المتاعب والصعوبات وهو ما ال يتوفر في الطفل
نموه البدني بعد .لذلك فإن تجنيده وإجباره على االشتراك في الحروب
ذلك الكائن الضعيف الذي لم يكتمل ّ
يعتبر اعتداء خطيرا على حرمته الجسدية بسبب األضرار واإلصابات البدنية التي قد تلحق به أثناء الحرب
جراء ما
،كما أنها تعتبر اعتداء على حرمته المعنوية .بسبب األمراض النفسيّة والصدمات التي قد تصيبه ّ
يشاهده من عنف وممارسات بشعة وتعذيب ال يستطيع تح ّملها 91فما يحدث في العالم خالل السنوات األخيرة
من إهدار ألرواح الطفولة في عديد البقاع السخنة والمتوت ّرة من العالم مثل البوسنة وفلسطين والعراق
والشيشان والجزائر 92،....وغيرها من البلدان لهو خير دليل على الخطر الكبير الذي يحيط بالطفل ويهدّد
حقّه في البقاء والحياة .وهو ما يستوجب بذل مجهودات دولية أكبر في مجال حماية األطفال أثناء الحروب
ومنع استغاللهم وتشريكهم في النزاعات المسلّحة ضمانا الحترام الحرمة الجسدية للطفل ولسالمته المعنوية.
لذلك ال بدّ من مزيد اإلحاطة والعناية به بتنشئته تنشئة نفسيّة وبدنيّة سليمة لحمايته قدر اإلمكان من االنزالق
ّ
المنظم رغم أن هذا األخير ليس الحالة الوحيدة المهدّدة لسالمة الطفل وهذا األخير كما في عالم اإلجرام
يمكن استغالله في اإلجرام المنظم بمختلف صوره وأشكاله ،يمكن أيضا استغالله جنسيا مما سيكون له أثر
خطير جدا على سالمته الجسدية والمعنوية.
27
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
نفسيته وجسده وبالتالي قد يؤث ّر على غيره بطبيعة الحال في صغره وكبره .لذلك اعتبر المشرع من خالل
94
مجلة حماية الطفل أن استغالل الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا يعدّ من الحاالت الصعبة المهدّدة للطفل،
جرم كل اعتداء على أخالق الطفل وزجر
وعلى غرار كل القوانين الجزائية فإن القانون الجزائي التونسي ّ
تخول له نفسه ارتكاب جريمة جنسية ضد طفل.
كل من ّ
أمام ما يحدث في العالم اليوم يمكن أن نعتبر أن االستغالل الجنسي أصبح يمث ّل شكال من أشكال
اإلجرام المنظم شأنه في ذلك شأن جرائم اإلرهاب وتجارة المخدّرات واالتجار في البشر ....فأصبح الطفل
يس ّخر لتلبية الرغبات الحيوانية لدى مستغلّيه والذين بدورهم يستفيدون ماليّا من العملية 95إال أن هذا
االستغالل على غرار طرقه التقليدية (أ) أصبح يعرف أيضا طرقا مستحدثة (ب).
تعرضت عدّة
إن االستغالل الجنسي ليس ظاهرة جديدة في المجتمع بل هي ظاهرة قديمة ،فلطالما ّ
فئات من المجتمع لهذا النوع من االستغالل وهي عادة الفئات المستضعفة كالنساء واألطفال ،فاستمرار
وجود هذه الظاهرة اإلجراميّة إلى حدّ اليوم يدخل المجتمع البشري في ّ
دوامة من الالإستقرار االجتماعي.
96فاستغالل الطفل جنسيا من الحاالت الصعبة التي تهدّد سالمته وسالمة مجتمع كامل حتى أنها تمث ّل مشكلة
ذات خطر عالمي نظرا النتشارها ،فالجرائم األخالقية أخذت في التصاعد بحكم التف ّجر الديمغرافي 97حتى
أنها أصبحت تت ّخذ شكل الجريمة المنظمة إذ أن استغالل الطفل على عدّة مستويات أصبح هدف هذه
العصابات والمجموعات اإلجراميّة إال أنه يجوز القول إن استغالل الطفل جنسيا في تونس لم يصل إلى حد
ارتكابه في إطار عصابات منظمة لكن المشرع التونسي وعيا منه بخطورة هذه الجريمة سعى إلى حماية
الطفل من االستغالل الجنسي في كل الحاالت وبأي شكل كان وذلك بردع المعتدين بإيجاد نصوص زجرية
صارمة وتوسيع نطاق التجريم حتى يشمل كل صور االعتداء 98ونظرا لآلثار النفسية الخطيرة التي قد
يخلّفها هذا االستغالل باعتباره من أبشع ما ّ
يتعرض له الطفل ويش ّكل تهديدا وحشيا لسالمته البدنية والذهنية
99مما سيكون له تأثير سلبي على توازنه العاطفي فينشأ بذلك طفال معقّدا نفسيا ،ذا شخصية عدوانية تميل
إلى اإلنتقام واإلجرام .وربما تقتضي خطورة هذا األمر وجود تعاون متبادل بين جهازين أساسيين لحماية
28
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الطفولة أي كل من مندوب حماية الطفولة والقاضي الجزائي لضمان حماية أكثر نجاعة للطفل المهدّد
100
نص المشرع من خالل الفصل 25م ح ط أنه" :يعدّ من قبيل االستغالل الجنسي للطفل ذكرا كان
ّ
أو أنثى تعريضه ألعمال الدعارة سواء بمقابل أو بدونه وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة" ولكنه لم يحدّد
صورا خاصة لهذا االستغالل وإنما اقتصر على إبراز كيفية تد ّخل الهياكل الحمائية عند وجود الطفل في
صعبة من خالل المجلة المذكورة .لذلك ال بدّ من الرجوع إلى أحكام المجلة الجزائية التي تولي
هذه الحالة ال ّ
أهمية خاصة لحماية األطفال من الفساد األخالقي وتتصدّى لكل تحريض على الفجور والدعارة ،إذ ّ
يقر
المشرع الجزائي عقوبات صارمة لزجر كل من ارتكب جريمة جنسية ضد طفل مثل مواقعة أنثى برضاها
أو بدون رضا أو االعتداء بالفاحشة ،فالطفل بحكم ضعفه وتبعيته فإنه عادة ما يكون الفريسة أو الضحية
السهلة لمثل هذه االعتداءات الجنسية ،لذلك سعى المشرع إلى توفير حماية ناجعة له.101
ومن جهة أخرى وفيما يتعلّق باالستغالل الجنسي المذكور بالفصل 25م ح ط ،فإن المشرع لم يعط
كالتعود والمقابل إذ لم يشترط صراحة أن يكون تعريض الطفل ألعمال
ّ شروطا محدّدة لهذا االستغالل
مستمرا إذ يكفي وقوعه ولو بصفة عرضية حتى يعتبر الطفل مستغال جنسيا .كما اعتبر المشرع أن
ّ الدعارة
االستغالل قائم سواء كان بمقابل أو ب دونه وكذلك لم يشترط طبيعة المكان الذي يقع فيه استغالل الطفل وال
كرسته
جنس هذا األخير سواء كان ذكرا أو أنثى وذلك عمال بمبدأ المساواة وعدم التمييز بين الجنسين الذي ّ
النصوص الدولية والمواثيق العالمية 102.فالمعيار المعتمد هو السن .فالطفل هو كل من لم يتجاوز سن الثامنة
عشر حسب ما نص عليه الفصل الثالث من م ح ط ،كل ذلك سعيا من المشرع إلى توسيع نطاق حماية الطفل
بتوسيعه لمجال التدخل خاصة فيما يتعلق بمدى خطورة اإلجرام المنظم.
ودائما في إطار الفصل 25م ح ط فإن المشرع اعتبر أن تعريض الطفل ألعمال الدعارة يمكن أن يكون
يعرض الطفل ألعمال
بطريقة مباشرة أو غير مباشرة .فاستغالل الطفل جنسيا يمكن أن يكون مباشرا حيث ّ
دعارة تسلط عليه مباشرة للنيل من عرضه بما يخدش عاطفة الحياء عنده ،وإما بطريقة غير مباشرة فيكون
تعرض المشرع لهذه الجريمة في الفصول من 232
سط في الخناء والتمعّش منه .وقد ّ
في صورة جريمة التو ّ
إلى 235من المجلة الجزائية واعتبرها من صور استغالل الطفل جنسيا لفائدة الغير ،وحسب الفصل 232
م ج فإن هذه الجريمة تمث ّل جنحة يعاقب عليها بالسجن من عام إلى ثالثة أعوام وبخطية مالية من 100إلى
29
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
500دينار وأما إذا ارتكبت هذه الجريمة ضد قاصر فهذا العقاب يرتفع بالسجن من ثالثة إلى خمسة أعوام
والخطية من 500إلى 1000دينار حسب ما نص عليه الفصل 233من نفس المجلة المذكورة سابقا .
وتتخذ هذه الجريمة عدّة صور تضمنّها الفصل 232م ج تتمثل في إعانة ومساعدة خناء القاصر أو
السعي لجلب الناس إليه إضافة إلى مقاسمة محصول الخناء أو تسلّم إعانات من قاصر يتعاطى الخناء أو
مساكنة هذا األخير أو استخدامه أو اإلنفاق عليه بقصد الخناء أو دفعه للفجور.
وما يمكن مالحظته هو أن كل هذه الصور تقتضي توفر الركن القصدي حتى تقوم الجريمة .كذلك
ال بدّ من اإلشارة إلى أنه ورغم تشديد المشرع في العقاب من ثالث سنوات إلى خمس سنوات إذا كان
103
المتوسط لفائدتها في الخناء قاصرا ،فإن المشرع الجزائي التونسي لم يخرج عن اإلطار العقابي للجنحة
وهو ما ال يتماشى وخطورة هذه الجريمة.
وكذلك نفس األمر بالنسبة لجريمة التحريض على الفجور حيث أن الفصل 234م.ج يعاقب بالسجن
من عام إلى ثالثة أعوام وبالخطية من 100دينار إلى 500دينار كل من اعتدى على األخالق الحميدة
بتحريض الشبان القاصرين ذكورا كانوا أو إناثا على الفجور بإعانتهم عليه أو تسهيله لهم ،وتعرف هذه
الجريمة في التطبيق القضائي بإفساد الشبيبة .104ويرى جانب من الفقه أن اإلعانة والتسهيل هو أمر واحد
105
يرميان إلى تيسير ممارسة الفجور والدعارة للقاصر.
تولي القوانين والتشريعات العربية أهميّة خاصة لحماية األحداث من الفساد األخالقي والتصدي لكل
وقد يت ّخذ التحريض أشكاال مختلفة فيكون شفاهيا وذلك 106
تحريض يستهدفون له على الفجور والدعارة،
بتقديم الهدايا واإلغراء بالوعود والمخادعة .ويمكن أن يكون عبر أفعال مادية من شأنها رفع حياء القاصر
بمجرد التحريض.
ّ 107كما لم يشترط المشرع حدوث الرذيلة لتوقيع العقوبة بل اكتفى
- 103فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد .مرجع سابق .ص .78
- 104محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .133
- 105عبد هللا األحمدي :الجرائم األخالقية :الخدمات العامة للنشر .تونس .1998ص .316
- 106رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .مرجع سابق .ص .156
- 107سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال .مرجع سابق .ص .66
- 108بسام عاطف المهتار :استغالل األطفال .مرجع سابق .ص .55
30
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الفقيرة ،إضافة إلى ذلك فإن العولمة قد ساعدت على ظهور أسواق جديدة زادت في انتشار هذه التجارة غير
يدر أرباحا طائلة فإنه يتم بيع األطفال بغرض تشغيلهم
القانونية ،وبما أن هذه األخيرة تعتبر نشاطا إجراميا ّ
في مجال الدعارة بعد نقلهم عبر الحدود الدولية نظرا لحرية الحركة بين حدود بعض الدول مما يسهل على
محترفي هذا اإلجرام تنفيذ أهدافهم ومن هنا صارت هذه التجارة تحتل المركز الثالث عالميا في أعقاب
109
تجارتي المخدرات والسالح من حيث كثرة األرباح.
وفي إطار التشريع الوطني وكما أسلفنا القول فإن هذه الجريمة تكيّف كجنحة مثل جريمة التوسط
في الخناء والتمعّ ش منه لذلك فعلى المشرع أن يعيد التفكير في وضع إطار تشريعي يتماشى وخطورة هذه
الجرائم وتوفير حماية أكثر وأنجع للطفل وذلك بتشديد العقوبات وتغيير الوصف القانوني للجريمة التي
يستغل فيها الطفل جنسيا . 110
وعلى مستوى آخر ولتكاتف كل الجهود من أجل تجنّب إلحاق األذى بالطفل وتحصينه من اإلجرام
وتفاديا للضطرابات والعقد النفسية التي يمكن أن تصيبه ال بدّ من دعوة مختلف الهياكل التربويّة والتعليميّة
وإلحاطة نفسية وتربوية 111
يتعرض له.
ّ إلى إنارة سبيل الطفل وتوجيهه وجعله على بيّنة مما يمكن أن
ناجعة يمكن اللجوء إلى أخصائيين في علوم التربية أو علم النفس أو االجتماع ،إال أن هذه الجريمة ازدادت
تطور التكنولوجيا حيث انتصب محترفو اإلجرام على شبكات االنترنيت مما يجعل
وتطورا مع ّ
ّ خطورة
سريّة يصعب الولوج إليها 112هدفهم في ذلك
ضبطهم من الصعوبة بمكان كما أنهم يتوفرون على تنظيمات ّ
استغالل األطفال المستعملين لهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة والذي يبدو عددهم كبيرا جدّا.
جرم المشرع التونسي كل اعتداء على األخالق الحميدة حماية لسالمة المجتمع وحفظا لألخالق
ّ
جرم كل استغالل جنسي عبر وسائل الصحافة حيث اعتبر
والقيم اإلنسانية واالجتماعية المتعارف عليها ،إذ ّ
أن استغالل صور الطفل عبر وسائل النشر والصحافة لغاية لفت النظر الرتكاب الفجور يمث ّل جريمة ّ
تعرض
لها الفصل 226مكرر من المجلة الجزائية حيث يعاقب كل من يلفت النظر إلى وجود فرصة الرتكاب
- 109وائل حداد :الطفل في الجريمة المنظمة .مذكرة لنيل الماجستير في العلوم الجنائية .كلية الحقوق بتونس .2006ص
.53
- 110فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد .مرجع سابق .ص .79
- 111مصطفى بن جعفر :حماية األطفال من اإلستغالل الجنسي .مرجع سابق .ص 56و .57
- 112فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد .مرجع سابق.ص .79
31
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الفجور وذلك بكتابات أو تسجيالت أو إرساليات سمعية أو بصرية أو الكترونية أو ضوئية .ونجد كذلك
سة باألخالق الحميدة التي تناولها الفصل 121فقرة 3من المجلة المذكورة سابقا
جريمة نشر مؤلفات ما ّ
الذي ح ّجر توزيع المناشير والنشرات والكتابات التي تنال من األخالق الحميدة وأيضا بيعها أو عرضها
للعموم أو بنيّة بيعها أو ترويجها أو عرضها لغرض دعائي.
وهاتان الجريمتان ال تقومان إال إذا توفّر ركن العلنية والقصد الجنائي أي انصراف إرادة الجاني
إلى خرق القواعد األخالقية للمجتمع حيث يشترط المشرع القصد الجنائي لتحقيق كسب مادي والستغالل
113
المجرم.
ّ صور الطفل ونشرها مع علمه وتو ّجه إرادته نحو ذلك الفعل
وحماية منه لسالمة أخالق المجتمع وزجرا لمرتكبي هذه الجرائم .أحدث المشرع تقنية اإليداع
القانوني حتى تت ّم مراقبة مختلف أنواع التسجيالت والتأكد بذلك من عدم وجود ما من شأنه أن يخدش الحياء
أو ينال من األخالق الحميدة أو يهدف إلى استغالل الطفل جنسيا .واإليداع القانوني يتعلق بكل المصنفات
مصورة وكذلك التسجيالت
ّ المطبوعة بجميع أنواعها من كتب ونشريات دورية ومجلّدات ورسوم ومنقوشات
الموسيقية والصوتية والحركية وغيرها مما يوضع في متناول العموم .إال أن العقوبة المقررة لكل من هاتين
المجرمة خاصة وأن المشرع لم يميز بين الطفل
ّ الجريمتين ال تعتبر رادعة فعال لمرتكبي هذه الممارسات
وغيره ممن ارتكب في حقه هذه الجرائم وهذا يعتبر نقصا فادحا يجب على المشرع تداركه من أجل توفير
حماية أنجع للطفل من مثل هذه الممارسات الالأخالقية .ولكن هذه الممارسات المخلّة باآلداب واألخالق ربما
قد تتجاوز اليوم "طاقة" المشرع وصرامة القوانين إذ أصبحت تمارس عبر وسائل االتصال الحديثة وأهمها
شبكة االنترنيت التي عرف استعمالها تطورا ملحوظا في العالم ومن ميزة هذه الشبكة تشعّبها وعالميتها إذ
أنها ال تعترف بالحدود مما يثير عديد اإلشكاليات التي تتعلق بمدى انطباق القانون عليها باإلضافة إلى كونها
114
شبكة مفتوحة تجمع جميع أصناف البشر بما في ذلك المنحرفون الذين من بينهم المنحرفون جنسيا
فمحترفو اإلجرام يسعون دائما إلى استعمال أحدث التقنيات واألساليب في تحقيق أهدافهم اإلجرامية .ففي
ظ ّل فضاء مفتوح ومعولم ومتجاوز لألطر القانونية التقليدية 115دخلت الجريمة عالم االنترنيت خاصة فيما
يتعلّق بنشر الصور الخليعة لألطفال والتحريض على الجرائم الجنسية المرتكبة ضدّهم فهؤالء يمث ّلون العدد
األكبر لمستعملي الشبكة العنكبوتيّة حيث يت ّم التقاط صور خليعة وإباحية للطفل بأي طريقة كانت سواء
بالكاميرات الرقميّة أو العاديّة أو الفيديو .فهذه الظاهرة ليست جديدة ،وإنما الصور الرقمية وتكنولوجيا
االنترنيت جعلت إنتاج وتوزيع هذه الصور أسهل وأقل خطورة 116فاالنترنيت س ّهلت بشكل كبير تداول هذه
- 113سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال .مرجع سابق .ص .68
- 114وائل حداد :الطفل في الجريمة المنظمة .مرجع سابق .ص .60
- 115وائل حداد :الطفل في الجريمة المنظمة .مرجع سابق .ص .60
- 116بسام عاطف المهتار :استغالل األطفال .مرجع سابق .ص .65
32
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
الصور وحتى وصولها إلى البيوت مباشرة .ورغم خطورة هذه المسألة وانتشارها بشكل كبير إال أنه ال
توجد إحصائيات دقيقة حول هذه المسألة لكن ببحث بسيط على شبكة غوغل Googleنجد أن هناك توزيع
صصة بنشر الصور واألفالم الخالعيّة
وإنتاج هذه الصور فهناك مثال شركة الند ساليد األمريكية المتخ ّ
لألطفال والتي ت ّم تفكيكها خالل العام 2000والتي كانت تس ّجل رقم أعمال قدره تسعة ماليين دوالر أميركي
صة منهم أطفال
كما أظهرت الدراسات أن عددا كبيرا من األطفال وخا ّ 117
في السنة بفضل االنترنيت،
يتعرضون للتصوير اإلباحي مقابل الحصول على الطعام والمأوى وبعض
الشوارع في مختلف أنحاء العالم ّ
المال .ومن جهتها قدّمت اليونيسيف دراسة قدّرت فيها أن األرباح الناتجة عن تجارة هذه األفالم والصور
الخليعة تقدّر ما بين مليارين وثالثة مليارات دوالر في السنة وذلك عبر دفع رسم اشتراك عبر بطاقات
االعتماد لولوج هذه المواقع . 118
نظرا لعالميّ ة هذه الظاهرة اإلجرامية وتداعياتها على المستوى الدولي دعت اتفاقية األمم المتحدة
لحقوق الطفل الدول األطراف إلى حماية الطفل من جميع أشكال االستغالل الجنسي بما في ذلك الدعارة
واستخدامهم في المواد الخالعيّة .كما صدر بروتوكول ملحق بهذه االتفاقية يح ّجر بيع األطفال واستغاللهم
في البغاء والمواد اإلباحية .فهذه الظاهرة وهذه الممارسات تزداد خطورة وانتشارا حتى أن األمر وصل إلى
حدّ نشر إعالنات عبر شبكة االنترنيت لتمكين المستغلّين من ممارسات جنسية مع األطفال .ويت ّم هذا النشر
عن طريق البريد اإللكتروني ويكفي إلرسال رسالة معرفة العنوان اإللكتروني للطرف اآلخر ثم إرسال
النص الذي قد يكون مرفقا ببعض الرسوم أو غير ذلك .كما يمكن استغالل مواقع االنترنيت لتحقيق هذه
المآرب الدنيئة وذلك بوضع معلومات أو صور في متناول مرتادي هذه المواقع وذلك بتخصيص أجزاء من
الشبكة لمن يريد خلق أو إنشاء موقع créer un site webويت ّم ذلك عبر بروتوكول االتصال .HTTP
وهكذا يمكن إنشاء مواقع متعلّقة ببورنوغرافيا األطفال La pornographie infantileويمكن للمنحرفين
سريّة .ومواقع بورنوغرافيا األطفال هذه منها التجارية التي
الوصول إليها 119بكل سهولة وفي منتهى ال ّ
تسعى إلى جذب الحريف من خالل عرض مجاني لمجموعة من الصور واألنشطة والممارسات وبعد ذلك
تكون باقي الخدمات بمقابل .لكن األمر ال يقف عند هذا الحدّ فهناك مواقع تنظم رحالت لهذا الغرض sex
toursفي تايالندا والفلبين وهناك مواقع أخرى وصلت إلى حدّ عرض خدماتها مع تحديد السعر .وكذلك
توجد مواقع إيديولوجية ّ
تنظر لمثل هذه الممارسات معتمدة في ذلك حججا اجتماعية ونفسية وبيولوجية
120
صصة لما يس ّمى .boy lovers
وعاطفية وهي مواقع مخ ّ
33
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
ّ
إن صعوبة تطبيق القانون على مستعملي ومنشئي هذه المواقع يجعل الوصول إليها سهال مما يش ّجع
محترفي اإلجرام المنظم على توسيع نشاطهم وبالتالي توسيع دائرة األطفال المستغلّين مما يزيد في خطورة
انتشار الثقافة الجنسية المنحرفة ،وهذه األخيرة يمكن كذلك أن تنتشر عبر الهواتف المحمولة باستعمال تقنية
Bluetoothلنشر مقاطع من الفيديو بها مشاهد إباحيّة يت ّم تبادلها بين األطفال باعتبار أن الهاتف المحمول
أصبح شائع االستعمال بين مختلف الشرائح العمرية .فكيف للقانون أن يتصدى لهذه السلوكيات المنافية
لآلداب ويحمي األطفال من كل هذه الممارسات الجنسية التي تستغل براءتهم وعدم نضجهم الوجداني
وتدفعهم بذلك إلى الفجور وربما تجعل منهم عناصر شاذة في المجتمع؟
وفي نفس هذا اإلطار أي االستغالل الجنسي انتشرت ظاهرة ظهور األطفال في كليبات األغاني
المصورة ولكنها في الحقيقة
ّ ّ
موظفة لخدمة األغنية لبعض الفنانين ضمن مشاهد معيّنة يقال أنها مشاهد بريئة
التصرف إساءة إلى
ّ تغتال براءة الطفولة بتلك اإلشارات واإليحاءات الجنسيّة .فهل يمكن أن يعتبر مثل هذا
الطفل واستغالال لبراءته لغايات ترويجية؟ أم أن األمر ال يدعو إلى القلق؟
إن التطور الضخم في مجاالت العلم والتكنولوجيا والذي ال يخضع ألي قيود وقلّما يأخذ في االعتبار
ّ
البعد األخالقي .قد تنجم عنه مشكالت إنسانية خطيرة يتضاءل أمامها كل ما يمكن لهذا التقدّم تحقيقه من
مكاسب مادية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية .فهذه التكنولوجيا سوف تؤدي إلى اختفاء كثير من القيم
والمعايير األخالقية المتوارثة وبذلك تزداد الجرائم األخالقية خطورة وانتشارا .فقد تجاوزت أنشطة
العصابات اإلجرامية استغالل الطفل ألغراض جنسيّة لتستغلّه اقتصاديا رغم ضعف بنيته الجسدية وعدم
نموه بما يش ّكل خطرا على صحته وسالمته.
اكتمال ّ
-مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .مرجع سابق .ص 94121
34
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
هذه الحماية من االستغالل االقتصادي يوفرها القانون الوطني على غرار القوانين واالتفاقيات
الدّولية 122الخاصة بالطفل التّي ن ّ
صت على واجب حماية هذا األخير من ك ّل أشكال االستغالل االقتصادي
أو استخدامه في أي عمل يضّر بصحّته و سالمته و نموه الطبيعي أو تكليفه بعمل من شأنه أن يفسد أخالقه.
و باعتباره يمث ّل خطرا يهدّد حياة الطفل ،دعا المشرع التونسي إلى ضرورة حماية الطفل من كل
أشكال االستغالل االقتصادي فمنع تعريض الطفل للتسول(أ)و تشغيله في ظروف مخالفة للقانون(ب).
للتسول:
ّ أ -تعريض الطفل
في البداية ال بدّ من المالحظة أن المشرع من خالل الفصل 26م ح ط قد منع تعريض الطفل
للتسول ،كما
ّ للتسول الذي اعتبره شكال من أشكال االستغالل االقتصادي و لكنه لم يقدّم لنا تعريفا واضحا
ّ
نتساءل أيضا إن كان المشرع يقصد باالستغالل االقتصادي صورة تعريض الطفل للتسول فقط أم أن مجرد
التحريض عليه دون ممارسته يعتبر استغالال أيضا؟ إال انه يمكن تعريف التسول على انه االستعطاء أو
االستجداء بقصد الحصول على إعانات مجانية 123و هو ظاهرة اجتماعية منتشرة في كل المجتمعات تقريبا
و لكنها تعتبر من الظواهر السلبية باعتبار أن التسول يمث ّل مهنة هامشية تستثمر العطف و الرحمة لدى
الغير البتزاز أمواله 124.لذلك يقع استغالل األطفال ألنهم كلما كانوا أصغر سنّا كانوا يستقطبون مزيدا من
الرأفة والرحمة، 125فنجد اليوم أن هذه الظاهرة تزداد انتشارا في مجتمعنا و عدد األطفال المستغلين يزداد
تضر بالطفل حتما و ال تعلّمه سوى الذّ ّل و التواكل على الغير .فإذا ت ّم استخدامه
ّ يوما بعد يوم فهذه الممارسات
سيتسول بنفسه ألنّه ّ
تعود على مثل هذه الطريقة السهلة للكسب المالي و ّ للتسول فعندما يكبر
ّ اليوم كطفل
ربما يجد نفسه ال يجيد أي عمل آخر غير التسول .فاستغالل األطفال اقتصاديا بتعريضهم للتسول يمنعهم
من مزاولة دراستهم و تطوير ملكاتهم تطويرا سليما 126.و رغم خطورة هذه الظاهرة و ما تلحقه من أذى
بالطفل فضال على المخاطر التي تحيط به أثناء قيامه بالتسول إال أنها أصبحت مورد رزق العديد من
فكونوا بذلك ثروات كبيرة ،بل إن األمر
يدر عليهم من أموال طائلة ّ
األشخاص مستغلين براءة األطفال بما ّ
المتسولون كيفية ممارسة مهنتهم فأصبحت تمارس في شكل منظم ،و
ّ طور هؤالء
تجاوز ذلك بكثير حيث ّ
تكونت مجموعات منظمة تضم نسا ًء ورجاال و أطفاال ونظمت عملية التسول مستعملة في ذلك أساليب و
طرق متنوعة إلثارة شفقة الناس.
-120انظر المادة 10من العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية و االجتماعية و الثقافية المؤرخ في 1966/12/16و
انظر كذلك المادة 32من اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في 1989/11/20
-محمد علي الجمال :التسول في القانون المصري و القانون المقارن .نيو اوفيست للطباعة الجيزة .1989ص 28123
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 108124
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 108125
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 126 108
35
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
جرم التّسول من خالل الفصل
المشرع التونسي إلى التّصدي لهذه الظاهرة الخطيرة حيث ّ
ّ لقد سعى
171م ج الذي اقتضى أن "يعاقب بالسّجن مدّة ستة أشهر اإلنسان الذي يوهم بنفسه سقوطا بدنيا أو قروحا
صدقة" و يرفع العقاب إلى عام إذا استخدم في التّسول طفل سنّه أقل من ثمانية عشر
بقصد الحصول على ال ّ
ّ
منظم .و نالحظ من خالل هذه األحكام أن عاما و يضاعف العقاب إذا ت ّم االستخدام في شكل جماعي
التسول أو إذا
ّ يجرم التسول في حد ذاته و إنما إذا أوهم الشخص بنفسه سقوطا أو قروحا لغاية
المشرع ال ّ
ّ
التعود و التكرار
ّ استخدم طفال أو كان التسول في شكل جماعي منظم .كما نشير إلى أن المشرع لم يشترط
أو أن يكون ذلك بمقابل أو بدونه كما لم يشترط أن يتم تعريض الطفل للتسول من قبل شخص واحد أو عدّة
أشخاص و هو ما يتماشى مع مصلحة الطفل،إال أنه إذا عدنا إلى الممارسات التي نراها بشكل يومي في
التسول نجد امرأة
ّ مجتمعنا فإننا نالحظ أن هذا النص الجزائي ال يجد صدى على أرض الواقع .ومن مظاهر
سل الناس مدّعية أنها لم تجد ما تطعم ابنها و ال مال لها لتشتري له الحليب،و بعد
تحمل رضيعا يبكي و تتو ّ
بضعة أمتار نجد امرأة أخرى تجلس بجانبها طفلة صغيرة رثّة الثياب تقول إنها يتيمة األب و غير قادرة
على رعايتها...و غيرها من المشاهد المشابهة التي تصادفنا على الطرقات و نراها يوميا.
للتسول من قبل الغير حيث يجبر هذا األخير الطفل على الخضوع لسلطته
ّ قد يقع استغالل الطفل
التسول على الطرقات.
ّ لينتفع بما كسبه من مال طيلة يوم من
فهذا السلوك هو اعتداء إجرامي خطير على حق الطفل في الحياة و في التمتع بطفولته وحقه في التعليم
والتربية و حقه في الرفاه و النمو ،فسيجد هذا المسكين نفسه في الشارع بكل ما فيه من مخاطر حيث أصحاب
يتسول فيها قد يكون لها تأثير سلبي على صحته و سالمته من
ّ السوء و المنحرفون كما أن الظروف التي
ذلك الظروف المناخية من برد و أمطار و حرارة،كذلك بقاء الطفل طيلة اليوم دون راحة أو غذاء و هو ما
من شأنه أن ينهك قواه البدنية و يصيب جسده الصغير باألمراض والعلل،فتعريض الطفل للتسول بآي شكل
-علي محمد جعفر :حماية األحداث المخالفين للقانون و المعرضين لخطر االنحراف .مرجع سابق ص 7127
- 128مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .مرجع سابق .ص 97
36
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
كان هو أذى كبير و اعتداء خطير على حرمته الجسدية و حقوقه المادية والمعنوية .ففي هذه المرحلة
نموا بدنيا ونفسيا متوازنا و
الحسّاسة من عمره يحتاج كل طفل إلى العناية و الرعاية الكاملة بما يضمن له ّ
سليما .وعلى المشرع أن يضمن له الحماية من كل ما من شأنه أن يعيق هذا النمو .ففي هذا اإلطار ربما
يكون من األفضل إفراد جريمة تعريض طفل للتسول بنص خاص بها مع الترفيع في العقاب والتشديد فيه
أكثر بالنسبة لصورة االستخدام في شكل جماعي منظم و كذلك ال بدّ من تسليط عقوبة مالية ها ّمة على كل
المشردين
ّ التسول خاصة و أن هناك من يستغل حاجة األطفال
ّ من يستغل حاجة طفل للمساعدة و يستخدمه في
و اليتامى للمأكل و المأوى فيُخضعهم إلى سيطرته و يتحكم في إرادتهم ويجبرهم على التسول في الشوارع
لينتفع هو فيما بعد بما سيحصلون عليه من إعانات مالية .وهنا ال بدّ من التأكيد على ضرورة تفعيل دور
الجمعيات المعتنية بقضايا الطفولة و تكثيف دور كل الهياكل االجتماعية إلنقاذ هؤالء األطفال و حمايتهم
من االستغالل االقتصادي الذي يقضي على مستقبلهم ...ومن المؤكد أن وجود طفل وسط عائلة لها من
اإلمكانيات المادّية ما يضمن الحد األدنى من حاجياته يمثل حماية للطفل من االستغالل ،فقد ثبت من عديد
الدراسات المنجزة في علم اإلجرام أن للعوامل االقتصادية تأثيرا جوهريا على سلوك الطفل،و هي بذلك من
أهم عوامل جنوحه 129فمن األطفال من تدفعه الظروف المادية وحالة الفقر التي تعيشها عائلته إلى ارتكاب
جرائم السرقة من اجل توفير بعض المال إلعانة والديه دون أن يدرك مخاطر ما يفعله .فإذا ما ألقينا نظرة
على ما يجري في مجتمعنا اليوم نجد أن جريمة السرقة بالنّشل تعتبر السّواد األعظم من الجرائم التي يقع
فيها تتبع األطفال 130كما أن بعض األفالم تساعد على تعلّم فنون السرقة و التحيّل ،131و ازداد األمر خطورة
حيث استغلت عدة عصابات األطفال في السرقة وحرضتهم عليها ،ثم يحال أفراد هاته العصابات على
القضاء بصفتهم شركاء لألطفال طبق أحكام الفصل 32م ج مع اإلشارة و أن تعامل القضاء مع الشريك في
األحكام اخف من التعامل مع الفاعل األصلي وطالما أن الطفل يجد من يروج له البضاعة المسروقة فإنه
يندفع إلى هذا السلوك ألنه يرى فيه طريقة سهلة للحصول على المال ،132إال أن االستغالل االقتصادي للطفل
ال يقتصر على هذه الصور فقط بل هناك صورة أخرى ال تقل خطورة على سالمة الطفل و هي ظاهرة
المشر ع تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للقانون و اعتبره شكال من أشكال
ّ تشغيل األطفال لذلك منع
االستغالل االقتصادي للطفل.
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص 108129
-فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع و الواقع التجدد .مرجع سابق .ص 130.74
-عبد الباسط الخالدي :حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي .مرجع سابق .ص 131.111
- 132فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع و الواقع التجدد .مرجع سابق .ص .74
37
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
إن سالمة المجتمع تقتضي ضمان سالمة أطفاله بدنيّا و ذهنيّا و العناية بهم بتطوير طاقاتهم الفكرية ّ
وقدراتهم الجسدية حتى يكونوا قادرين في المستقبل على العطاء و إلنتاج ،إال أن الطفل قد يستنفد طاقاته
وقدراته في مرحلة مبكرة من عمره إذا ما تم إقحامه واستغالله في مجال العمل في فترة الطفولة وهو ما
يمثل خطرا على سالمته و صحته.
يعتبر تشغيل األطفال شكال من أشكال اإلستغالل اإلقتصادي للطفل و هو ظاهرة قديمة انتشرت
خاصة بعد الحرب العالمية الثانية،حيث وقع تشغيل األطفال في المصانع و المعامل لساعات طويلة وفي
أشغال شاقة دون توفر أدنى شروط الصحة مما جعل األطفال العاملين في معاناة حقيقية.133
و في عصرنا الراهن ازدادت هذه الظاهرة انتشارا وحدة لما تشهده اليوم من حاالت فقر وخصاصة
تعاني منها بعض األسر إلى جانب غالء المعيشة و ارتفاع نسبة البطالة مما دفع بعض األولياء إلى تشغيل
أبنائهم و غالبا ما يكون ذلك في أعمال شاقة ال طاقة لهم على تح ّملها أو يقع استغاللهم للخدمة في المنازل.
واألطفال العاملون في المنازل غالبا ما يكونوا من الفتيات ففي العديد من الدول ينظر إلى العمل في المنازل
يتعرض هؤالء األطفال للساءة الجسدية والمعنوية و المعاملة
على أنه الوسيلة الوحيدة المتاحة للفتاة 134،و ّ
القاسية و المهينة فمنهم من يجبر على القيام بأعمال تفوق طاقته البدنية كما أن الغذاء الذي يتناولونه غير
نموهم الجسدي.
متوازن و بكميات ال تفي بحاجتهم الغذائية في هذه المرحلة من ّ
في تقريرها لسنة 2006أكدت اليونيسيف أن األطفال العاملين في المنازل يتعرضون مرارا
وتكرارا للساءة البدنية إما كعقاب على أي عمل يؤدّونه بمستوى أقل من المستوى المطلوب وإما كوسيلة
معرضون إلى أقصى الحدود لخطر اإلساءة الجنسية من أصحاب
روتينية لضمان خضوعهم و هم أيضا ّ
135
العمل.
إضافة إلى ظاهرة عمل األطفال في المنازل نجد كذلك ظاهرة عمل األطفال بالشوارع أو ما يعبّر
عنه ب"حرف الشوارع" 136 Les métiers des ruesحيث يستغل الطفل في بيع المأكوالت و غيرها
على الطرقات أو في مسح بلور السيارات و هناك من يعتبر ذلك شكال من أشكال التسول .ففي كل الحاالت
معرضا للخطر .لذلك دعت االتفاقيات الدولية إلى ضرورة حماية األطفال في مجال العمل و
يكون الطفل ّ
منعت استغاللهم اقتصاديا كما ضبطت شروطا تضمن سالمتهم الجسدية و المعنوية أثناء العمل حيث نصت
المادة 32من اتفاقية حقوق الطفل على ضرورة اتخاذ كل التدابير التشريعية لحماية الطفل في العمل وخاصة
ضرورة تحديد سن أدنى لتشغيل األطفال و وضع نظام تراعى فيه قدرات الطفل و يضمن سالمته و صحته
-مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل.مرجع سابق .ص 100و 101133
-وائل حداد :الطفل في الجريمة المنظمة مرجع سابق .ص 62134
-وائل حداد :المرجع السابق .ص 62135
- 136حميدة العريف :حماية الطفل من االستغالل االقتصادي .م ق ت جانفي 1999ص .63
38
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
من كل األخطار مع فرض عقوبات في صورة مخالفة هذه األحكام .فكان للتشريع الدولي تأثير بالغ على
التشريع التونسي 137حيث صادقت تونس على عدّة اتفاقيات في ميدان قانون الشغل 138كما وضعت نظاما
خاصا لتشغيل األطفال ال يتم إال بتوفر جملة من الشروط القانونية يعاقب كل من يخالفها و ذلك ضمانا
لحقوق الطفل و لسالمته و حمايته من كل استغالل في مجال العمل.
ففي المجال الصناعي ال يمكن تشغيل الطفل الذي لم يبلغ ستّ عشرة سنة فالعمل في الصناعة يتطلب
جهدا كبيرا ال تتحمله البنية الجسدية الضعيفة للطفل إضافة إلى انه يمكن استعمال مواد وآالت دقيقة وخطيرة
فيعرض صحته إلى الخطر إال أن الطفل دون سن السادسة عشرة يسمح له
ّ قد ال يحسن الطفل استعمالها
بالعمل في المؤسسات العائلية على أن ال يكون لهذا الشغل تأثير سلبي على صحته و نموه البدني و العقلي
و على تعليمه (الفصل 54م ش) و لكن أال يمكن للطفل في هذه الحالة أن يتعرض للخطر بما يعرقل نموه
البدني نتيجة إهمال أو تقصير أو عجز عن رعايته أثناء العمل من قبل والديه أو أحد أفراد العائلة الذين يعمل
معهم؟ خاصة أنّه سبق و أن ّ
تعرضنا إلى حالتي التقصير و العجز عن الرعاية كحاالت مهددة للطفل.
137.66
-حميدة العريف :حماية الطفل من االستغالل االقتصادي .مرجع سابق .ص
77138 -حول هذه االتفاقيات انظر نجيبة الشريف بن مراد :طفلنا بين التشريع و القضاء و المجتمع .مرجع سابق .ص
-رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين و التشريعات العربية .مرجع سابق .ص 139 102
39
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
هناك حاالت خفّض فيها المشرع ّ
سن التشغيل إلى أربع عشرة سنة كما نص على ذلك الفصل 53
مكرر م ش .كما اقر ضمن الفصل 58م ش انه ال يجوز أن يق ّل عن ثمانية عشر عاما السن األدنى للقبول
ّ
تعرض صحة أو سالمة أو أخالق
في األعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو الظروف التي يقع القيام بها أن ّ
األطفال للخطر و قد تعرض الفصالن 77و 78من نفس المجلة لهذه األعمال الخطيرة كالعمل تحت
األرض في المناجم أو العمل بالمؤسسات التي تجري بها عمليات استرجاع المعادن القديمة أو تحويلها أو
إيداعها.
وأما األطفال البالغون من العمر ثالث عشرة سنة فيمكنهم العمل بالقطاع الفالحي على أن يكلّفوا
نموهم(الفصل 55م ش) و كذلك الفصل 56م ش ضبط نفس السن للعمل
تضر بصحتهم و ّ
ّ بأعمال خفيفة ال
في قطاع الخدمات على أن يكلّف األطفال بأعمال خفيفة ال تلحق أي ضرر بصحتهم و ّ
نموهم و ال تعرقل
دراستهم ،و يعود للسلطات المعنية ضبط هذه األعمال الخفيفة.
وتجدر المالحظة انه بالنسبة للخدمة في المنازل فإنه و بالرجوع إلى قانون عملة المنازل عدد 25
لسنة 1995المؤرخ في 1جويلية 1995نجد أن السن األدنى النتداب األطفال لهذا العمل هو أربع عشرة
سنة .و حماية للطفل تقوم وزارة الشباب و الطفولة ببحث اجتماعي حول العائلة التي سيشتغل بها الطفل،
وال تتم المصادقة على االنتداب إال إذا تعهد المستأجر بالعمل على تنمية شخصية الطفل بدنيا و فكريا.و
تستمر المراقبة بعد االنتداب بواسطة المرشدات االجتماعيات لمعاينة المخالفات و اتخاذ اإلجراءات الالزمة
في شأنها .140كما تضمنت مجلة الصياد البحري في فصليها 6و 7أحكاما تنظم تشغيل األطفال.
إن تحديد المشرع للسن األدنى لتشغيل األطفال في مختلف الميادين الهدف منه إحاطة الطفل بكل
ما يكفل له حقوقه االجتماعية و االقتصادية و الصحية و النفسية،141لكن أليس من األجدى توحيد هذه السن
في كل األعمال التي يسمح القانون للطفل القيام بها و جعل هذه السن 16سنة في كل األعمال مهما كان
نوعها باستثناء األعمال الخطيرة بطبيعتها تبقى مسموحة لألطفال البالغين 18سنة من العمر؟
140 -مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .مرجع سابق .ص 104
81141 -نجيبة الشريف بن مراد :طفلنا بين التشريع و القضاء و المجتمع .مرجع سابق.ص
40
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
األطفال كما تسلط نفس العقوبة عن كل عامل مستخدم في ظروف مخالفة لألحكام القانونية على أن ال
تتجاوز جملة الخطايا خمسة آالف دينار حسب ما نص عليه الفصل 236م ش.
نالحظ من خالل هذه األحكام أن هذه العقوبات هي خطايا مالية فقط فضال على أنها بمبالغ زهيدة
ال تؤثر في أصحاب المؤسسات .فقد يشغل الطفل دون السن القانونية و في ظروف ال تراعى فيها سالمته
و صحته مما يلحق به أضرارا إال أن المؤجر لن يلحقه أي ضرر بدفعه هذه الخطية المالية البسيطة جدا.فهذه
اإلجراءات و األحكام التي جاء بها المشرع مدّعيا أنها توفر الحماية الكافية للطفل من كل استغالل اقتصادي
تبدو غير ناجعة و ال يمكن بهذه العقوبات غير الردعية ضمان سالمة الطفل و حمايته من كل انتهاك لحقوقه.
سعيا منه لمزيد حماية الطفل في مجال العمل و إلى جانب تحديده السن األدنى لتشغيل األطفال فإن
المشرع ضبط شروطا قانونية متعلقة بظروف العمل .فهل هذه الشروط ستضمن سالمة الطفل العامل؟
إن حماية الطفل العامل و ضمان سالمته الجسدية و المعنوية تقتضي معرفة و ضعه الصحّي و
مدى قدرته الجسدية قبل بذل أي مجهود بدني قد تكون له انعكاسات سلبية على صحته فيما بعد .لذلك فرض
المشرع من خالل الفصل 61م ش إجراء فحص طبي للطفل قبل العمل حيث جاء بالفصل المذكور انه "ال
يجوز تشغيل األطفال دون الثمانية عشر عاما في جميع األنشطة إال بعد فحص طبّي معمق يثبت أهليتهم
للقيام بالعمل الذي سيعهد لهم به" و هذا الفحص يجرى مجانا من طرف طبيب الشغل و هو إجباري مهما
كان النشاط الذي سيستخدم فيه الطفل.كما تضمن الفصل 60م ش أحكاما تقضي بإمكانية توقيف الطفل عن
العمل إذا ثبت لتفقدية طب الشغل أن العمل المكلف به يفوق طاقته و ذلك بعد إجراء فحص طبي له.
و قد تض ّمن التشريع التونسي أحكاما تهدف إلى حماية الطفل من بعض المواد الخطرة كالرصاص
األبيض و البنزين و األشعة و أحكاما تهدف إلى تخفيف عبء العمل عليه بتحديد أوزانا قصوى لألطفال
اقل من تلك المحددة للعمال الكهول.142
- 142حميدة العريف :حماية الطفل من االستغالل االقتصادي .مرجع سابق .ص .71
41
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
و نظرا ألهميّة الفحص ّ
الطبّي ،نجد أن عدّة تشريعات مقارنة أوجبت هذا الفحص للوضع الصحي
لألطفال قبل التحاقهم بالعمل للتأ ّكد من لياقتهم الص ّحيّة كما جاء ذلك في القانون البحريني والقانون السوري
و القانون المصري 143إال أن الرعاية الصحية ال تنتهي عند بدء العمل إذ يجب أن يكون الحدث بعد ذلك
مستمرة و أن يقع تجديد الفحص ّ
الطبّي دوريّا حتى بلوغه سنّا معيّنا 144.فحسب أحكام ّ موضوع مراقبة طبّية
مجلة الشغل فإن االهتمام بص ّحة الطفل يتواصل حتى بعد التأ ّكد من انه مؤ ّهل ص ّحيا للعمل إذ جاء بالفصل
62م ش أن" تأهل األطفال للعمل الذي يباشرونه يجب أن يكون موضوع مراقبة طبية مستمرة إلى بلوغ
الثمانية عشر عاما .و ال يمكن إبقاء الطفل في عمله إال بتجديد الفحص الطبي خالل كل ستة أشهر" .و أما
صا على ضرورة تواصل المراقبة ّ
الطبّية بالنسبة لألطفال العاملين الفصلين 63و 77مكرر م ش فقد ن ّ
باألعمال الخطيرة و ذلك إلى غاية بلوغهم الواحد و العشرين عاما .و أما الفصل 374م ش فقد تض ّمن
أحكاما ته ّم صحة األطفال العاملين بالمؤسسات الفالحية.
قر
المستمرة لألطفال المستخدمين أ ّ
ّ الطبّي و المراقبة ّ
الطبّية و لضمان احترام إجباريّة الفحص ّ
المشرع ضمن الفصل 234م ش عقوبة مالية تتراوح بين 24و 60دينارا في صورة مخالفة ذلك ،إال انه
و كما أسلفنا القول فإن هذه العقوبة ال تبدو زجريّة بالقدر الكافي و ال يمكنها أن توفّر الحماية الناجعة لألطفال
المستغلّين في مجال التشغيل.
و دائما في إطار سعيه لتحقيق هذه الحماية الناجعة ضبط المشرع من خالل مجلة الشغل ساعات
عمل األطفال بما يضمن راحتهم و يجنّبهم التعب و اإلرهاق.
لمزيد توفير الحماية لهم ،لم يقتصر المشرع على تحديد سن أدنى لقبول األطفال في مجال العمل و
مراقبة طبية لصحتهم قبل و أثناء العمل بل انه ضبط لهم العدد األقصى لساعات العمل و فترات راحة كافية
145
بالنظر إلى بنيتهم التي لم يكتمل نموها.
بالرجوع إلى الفصل 56م ش المتعلق باألنشطة غير الصناعية و غير الفالحية التي يسمح فيها
كما ذكرنا سابقا بتشغيل األطفال البالغين 13سنة نجد أن ساعات العمل يجب أن ال تتجاوز ساعتين في اليوم
لمن لم يبلغ السادسة عشرة سواء في أيام الدراسة أو في أيام العطل المدرسية و أن ال يتجاوز الوقت
المخصص يوميا للدراسة و األعمال الخفيفة سبع ساعات.
-رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .مرجع سابق .ص 117
143
- 144رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .مرجع سابق .ص 118
-رضا المزغني:رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .مرجع سابق .ص 109145
42
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
و في القطاع الصناعي فقد حدد الفصل 79م ش عدد ساعات عمل األطفال بأن ال تقل أسبوعيا عن
40ساعة و أن ال تتجاوز 48ساعة و لم يميز األطفال بأحكام خاصة إال انه و بالعودة إلى الفصل 63مكرر
م ش نجد انه ال يمكن تكليف األطفال الذين يقل سنهم عن 18سنة بأعمال لساعات زائدة على مدة عملهم
االعتيادية.
و حماية للطفل من استغالل مؤجريه في العمل رغبة منهم في تحقيق أرباح أكثر على حساب صحته
ومجهوده البدني ،حجّر المشرع تشغيل األطفال ليال نظرا لما يسبّبه العمل الليلي من إرهاق لجسد الطفل
جراء حوادث الشغل التي قد
واستنزاف لقواه و قدراته البدنية ،إضافة إلى ما قد يتع ّرض له من مخاطر ّ
يتعرض لها.
ّ
و قد تناولت الفصول 66 ،65و 74م ش مسألة تشغيل األطفال ليال ،و عموما فإنه يمنع تشغيل
األطفال البالغين من العمر أقل من ثمانية عشر عاما في أي عمل بين الساعة العاشرة مساء و الساعة
الخامسة صباحا ،ولكن في حاالت استثنائية يمكن تشغيل األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر
والثامنة عشر عاما ليال.
إن تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للشروط القانونية المنصوص عليها بمجلة الشغل سواء فيما
س ّن األدنى للشغل أو بظروف العمل لن يكلّف صاحب العمل سوى خطيّة ماليّة قدرها بضع دينارات
يتعلّق بال ّ
أمام األرباح الطائلة التي يحقّقها بفضل مجهود و تعب الطفل .و هذه العقوبات الماليّة لن تؤث ّر على سير
سسة و إنما التأثير كلّه سيكون على ذلك الطفل المستغ ّل ،فتكليفه بعمل يفوق طاقته البدنية أو تشغيله في
المؤ ّ
سالمة المهنيّة أو لساعات تتجاوز تلك التي ضبطها القانون،ك ّل ذلك
صحة و ال ّ
ظروف مخالفة لقواعد ال ّ
سيكون له انعكاسات سلبيّة وعواقب وخيمة على ص ّحته و سالمته الجسديّة والمعنوية م ّما سيجعل منه في
المستقبل إنسانا منهك القوى،ضعيف القدرات الجسديّة و غير متوازن نفسيّا.
43
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
معرضا لمخاطر الشارع أو العمل ولن تنتهك حقوقه:إذن يجب مساعدة
ايجابي على الطفل و لن يجد نفسه ّ
العائالت المحتاجة ماليّا 146و تحسين أوضاعها المادّية واإلجتماعيّة بما يضمن حياة كريمة لكامل أفراد
األسرة بما فيهم األبناء الصغار حتى ينشؤوا في استقرار و توازن عاطفي .فمدُّ يد المساعدة للعائالت المعوزة
شر الفقر و الحرمان و ي ُحدّ من ظاهرة ّ
تسول األطفال و عملهم بما يعيق هو الذي سيقي هؤالء األطفال ّ
نموهم وتعليمهم .لكن الفقر ليس سببا مقنعا الستغالل األطفال اقتصاديّا و تعريضهم لمخاطر عديدة من قبل
ّ
أوليائهم.
وإضافة للواجب المحمول على عاتق الوالدين من توفير الحاجيات المادية الضرورية للطفل ،فهما
مطالبان أيضا بواجبات معنوية تقتضي منهما اإلحاطة النفسيّة و المادّية بطفلهما و قضاء شؤونه و العناية
به في كل أحواله فالطفل دائما في حاجة أكيدة إلى من يرعاه و يعتني به .لذلك ال يمكنه االستغناء عن والديه.
مشردين دون رعاية أو متابعة و
ّ ولكن لألسف هناك من اآلباء من يهمل واجباته فيهمل أبناءه ويتركهم
سينجر عنه خطر كبير يهدّد حياة األبناء و استقرارهم العائلي وتوازنهم العاطفي.
ّ يسيء معاملتهم و هو ما
و حسب الفصل 46م ح ط فإن الخطر الملم هو " كل عمل ايجابي أو سلبي يهدد حياة الطفل أو
سالمته البدنية أو المعنوية بشكل ال يمكن تالفيه بمرور الوقت " و لعل المقصود بذلك هو كل امتناع أو فعل
يلحق بالطفل ضررا بليغا و دائما ،150فإهمال الطفل (الفقرة األولى) أو حرمانه من حقوقه و تعريضه
للتشرد(الفقرة الثّانية) أو اعتياد سوء معاملته (الفقرة الثّالثة) هو من حاالت الخطر الملم فالطفل في حاجة
44
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
ماسة إلى العيش وسط عائلة مستقرة تمنحه الحب و العطف و الرعاية ال عائلة تحرمه من كل ذلك وتتخلى
عن واجبها نحوه معرضة حياته لخطر دائم.
يعرض سالمته
إذن فاإلهمال هو تخلي الوالدين عن ابنهما و عدم رعايته و االهتمام بشؤونه بما ّ
المعنوية و البدنية و العقلية للخطر .فمن خالل الفصل 21م ح ط نتبيّن أن اإلهمال يت ّخذ صورا عديدة و
مختلفة .كما تعرضت أيضا المجلة الجزائية لجرائم اإلهمال ،فالفصل 212م ج بعد تنقيحه بقانون 9نوفمبر
يعرض مباشرة أو
1995نص على انه " يستوجب السجن مدة ثالثة أعوام و خطية قدرها مائتا دينار من ّ
بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد اإلهمال في مكان آهل بالناس طفال ال طاقة له على حفظ نفسه
أو عاجزا و يكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام و بخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم احد
الوالدين...و يضاعف العقاب...إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس .و المحاولة موجبة
للعقاب".
يفرق ضمن نفس الجريمة بين حالة اإلهمال التي تحصل بمكان آهل بالناس واإلهمال
إذن فالمشرع ّ
الذي يحصل في مكان غير آهل بالناس ،كما نالحظ أنه لم يحدّد سن الطفل المهمل بل اكتفى بتعريفه بكونه
الطفل الذي ال طاقة له على حفظ نفسه أو العاجز .فالمشرع التونسي لم ّ
يتبن نفس اتجاه بعض القوانين
المقارنة كقانون العقوبات اللبناني (المادة )498و قانون العقوبات المصري(المادتان 285و 152)287اللذين
حدّدا سنّا معيّنة للطفل بل انه فضّل أن تشمل الحماية الجزائية كل األطفال وفق نظام واحد و أن يترك
للقاضي حرية كبيرة في تقدير الوضعيات و االجتهاد فيها.153
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 112151
- 152رضا المزغنّي :رعاية األحداث في القوانين والتّشريعات العربيّة .مرجع سابق .ص .140
-152رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص و العلوم
الجزائية .كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 2007/2006ص 95
45
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
يعرض للخطر فكما جاء بالفصل 212م ج وكما
و أما بالنسبة إلى المكان الذي يترك فيه الطفل و ّ
ذكرنا سابقا يمكن أن يقع الترك و التعريض للخطر بمكان آهل بالناس أو بمكان غير آهل بالناس .فالفصل
212في صياغته القديمة أي قبل تنقيحه سنة 1995كان ينص على عبارة " في حاالت ال تمكن النجاة معها
إال بمجرد المصادفة" و هو ما يعني أن المشرع يقصد مكانا غير آهل بالناس إال انه و بعد التنقيح الذي شمل
الفصل 212وسع المشرع من نطاق حماية الطفل في إطار جريمة اإلهمال لتشمل كل مكان يترك فيه الطفل
مهمال دون رعاية سواء كان هذا المكا ن آهال أو غير آهل بالناس إال انه فرق بينهما في العقوبة كما سبق
ذكره بالفصل 212م ج .و في التطبيق القضائي للفصل 212المذكور آنفا نستحضر القضية التي تمثلت
أطوارها في ترك أ ّم لطفليها البالغين على التوالي ثالث سنوات و عامين ونصف بالمنزل دون أكل و رعاية
و أغلق ت عليهما الباب ،و قد بقيا بحالة إهمال طيلة أربعة أيام و كادا يهلكان لوال أن صراخهما بلغ مسامع
أحد األجوار الذي تحول إلى اقرب مركز امن فت ّم إخطار النيابة التي ع ّهدت مندوب حماية الطفولة
بالموضوع و أعطته إذنا بخلع باب المنزل مما مكن من إنقاذ الطفلين من الهالك .وباستنطاق األم لدى باحث
البداية أكدت أنها تركت ابنيها بحالة إهمال تشفيا من والدهما الذي هاجر إلى إحدى البلدان األوروبية و
تركها بدون نفقة ،و وقع إيداع الطفلين بمركز رعاية الطفولة و أحالت النيابة األم المذكورة على المحكمة
لمقاضاتها من اجل ترك ابنيها بحالة إهمال في مكان آهل بالناس طبق أحكام الفقرة الثانية من الفصل 212
من م ج وفق ما سلف بيانه و قد قضت المحكمة االبتدائية بتونس بسجنها مدة سنتين رغم تراجعها في
تصريحاتها لدى المحكمة.154
و من جهة أخرى و لمزيد حماية الطفل فإن الفصل 213م ج منذ تنقيحه بقانون 9نوفمبر 1995
يقتضي عقوبة بالسجن لمدة اثنتي عشر عاما لكل من ارتكب األفعال المذكورة بالفصل 212من نفس المجلة
من ترك و تعريض الطفل للخطر إذا نتج عن اإلهمال بقاء الطفل أو العاجز مقطوع األعضاء أو مكسورها
أو إذا أصيب بعاهة بدنية أو عقلية.و أما إذا كانت نتيجة هذا اإلهمال موت الطفل فإن العقاب يصبح السجن
بقية العمر .فتعريض الطفل للخطر بتركه والتخلي عنه بمكان ما هو فعل إجرامي كبير يهدّد حق الطفل في
الحياة و البقاء وقد يؤدّي به إلى الموت.
-153حكم ابتدائي غير منشور عدد 20952مؤرخ في 2006/1/7ورد ذكره ب :رضا خماخم :الطفل و القانون
الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 96و 97
46
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
هذا القاصر و ذلك بتخلصهم من القيام بالواجبات المفروضة عليهم تجاه الطفل كهجر المنزل لغير سبب
جدي و بالتالي ترك الطفل دون حماية و رعاية هو في اشدّ الحاجة إليها ،ففي بداية حياته يكون في حاجة
يضره 155نظرا إلى انه ال طاقة له
ّ ماسّة لمن يحفظه ويتع ّهده و يقوم على تربيته بما يصلحه و يحميه م ّما
صة إذا طال غياب الوالدين أو من يتع ّهد به
على حماية نفسه بنفسه فيمكن أن يصيب الطفل مكروه ما خا ّ
عن المنزل و دون توفير المرافق الالّزمة له.
فالتخلي عن الطفل هو من أبشع االعتداءات على حقه في الحماية و الرعاية و العيش في محيط
عائلي يلبي رغباته و يوفر له حاج ياته المادية و المعنوية ،فترك طفل يتحقق تقريبا بنفس سهولة ترك كلب
سسة لحماية الحيوانات ،156فتخلي الوالدين عن الطفل داخل مؤسسة صحية أو اجتماعية يكون
بالقرب من مؤ ّ
صى من المسؤولية إذا ثبت أن تخليه كان
جريمة إن كان لغير فائدة و بدون ضرورة فالولي يمكن أن يتف ّ
ناجما عن حالة ضرورة أو عن فائدة قد تحصل للطفل بإبقائه في تلك المؤسسة 157إال أن هذه المؤسسات
االجتماعية التي تقدّم المساعدة لألطفال تمارس على الطفل سلطة أبوية هي بالضرورة إدارية أكثر منها
عاطفية.158
إن تخلّص الوالدين من واجباتهما قد يصل بهما إلى حدّ رفض قبول الطفل عند صدور قرار في
ّ
الحضانة و يقصد بعبارة "الرفض" الرفض الواقعي و ليس الرفض القانوني الذي يعبّر عنه أحد أبوي
المحضون للمحكمة التي تبتّ في ّ
الرفض إيجابا أو سلبا ،159فيمكن أن تسند الحضانة ألحد الوالدين لكن هذا
األخير ال يلتزم بالواجبات المنوطة بعهدته تجاه المحضون ،و من هذه الواجبات التي قد يخ ّل بها الوالدان
صحيّة للطفل ،فقد اعتبر المشرع من خالل الفصل 21م ح ط أن االمتناع عن مداواة الطفل
واجب الرعاية ال ّ
سهر على عالجه يمث ّل شكال من أشكال اإلهمال ،و أما الفصل 212مكرر م ج فقد ذكر عبارة "إهمال
وال ّ
شؤون القاصر" ويمكن تبعا لذلك أن نعتبر أن االمتناع عن مداواة الطفل هو مظهر من مظاهر إهمال شؤونه
لما في ذلك من تهديد لسالمته البدنية ،فالطفل هذا المخلوق الضعيف البنية يحتاج إلى الرعاية الصحية و
-رضا المزغني:رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .مرجع سابق .ص 78155
156 -Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Librairie
de droit et de jurisprudence. Paris 1984. P 103
- 157رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 101
158 - Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit. P
104
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 112و 159 113
47
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
المراقبة المتواصلة في حالة المرض .والقائم على شؤونه يجب أن يسرع و ال يتهاون في عالجه كلّما أصيب
سهر
صة بغذائه و نظافة جسمه و ثيابه بما يقيه من األمراض .كما أن صورة عدم ال ّ
بمرض و أن يهت ّم خا ّ
على عالج الطفل قد تشمل أيضا عدم الحرص على استكمال الطفل للتالقيح الضروريّة التي من شأنها أن
تكسبه مناعة ضدّ العديد من األمراض الخطيرة التي تصيب خاصة األطفال 160فإهمال العناية بص ّحة الطفل
مرة.
جرمه المشرع كذلك ضمن الفصل 224م ج الذي اشترط تكرار هذا الفعل أكثر من ّ
ّ
قد يتّخذ إهمال الطفل صورا و مظاهر أخرى لذلك يخضع تقديرها إلى سلطة الهيكل الحمائي
المختص ،فجريمة إهمال طفل بصورها المختلفة المبيّنة بالفصل 212مكرر تبدو في غاية الخطورة لما
ّ
تلحقه من أذى كبير و أضرار فادحة بسالمة الطفل المعنوية و العقلية والبدنية فهي تهدّد حياته و بقاءه ،فهذه
قرره لها المشرع من عقاب ال يبدو متماشيا مع مدى خطورتها
األفعال قد تؤدي به إلى الموت إال أن ما ّ
على الطفل فثالثة أعوام سجنا و خطية قدرها مائتا دينار ال تبدو فعال عقوبة رادعة لمن تخول له نفسه إهمال
طفل ضعيف غير قادر على حفظ نفسه و تسيير شؤونه.
ليس اإلهمال فقط يمث ّل حالة خطر مل ّم تهدّد حياة الطفل ،فالت ّ ّ
شرد كذلك من أخطر الحاالت الصعبة التي قد
يجد الطفل نفسه فيها و المخاطر تحيط به من كل جهة.
إن مختلف القوانين و التشريعات تولي أهميّة كبيرة للت ّعليم ،و لما ّ
تطورت الحياة االجتماعية و
ازدادت اختبارات اإلنسان و معارفه أصبح نقل الغذاء الفكري و االجتماعي أو نقل الثقافة إلى الجيل الجديد
المدرسون و وجدت المدارس 161،و باعتبار األطفال هم
ّ من األمور المعقّدة التي تتطلّب اختصاصا.فوجد
جيل المستقبل،فقد وجب إعداد هذا الجيل بتعليمه و عدم حرمانه من هذا الحق .لذلك نظم المشرع التونسي
التعليم و أقر مجانيّته و إجباريّته .فقد جاء بالفصل األول من القانون التوجيهي عدد 2002-80المؤرخ في
23جويلية 2002و المتعلق بالتربية و التعليم المدرسي أن"...التعليم إجباري من سن السادسة إلى سن
-مليكة الجملي:الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .مرجع سابق .ص 73160
-محمد فاضل الجمالي :تربية اإلنسان الجديد .مرجع سابق .ص 56161
48
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
السادسة عشرة وهو حق أساسي مضمون لكل التونسيين ال تمييز فيه على أساس الجنس أو األصل
االجتماعي أو اللون أو الدين ،و هو واجب يشترك في االضطالع به األفراد و المجموعة" ،كما أن اتفاقية
أقرت أن الدول األطراف تعترف بحق الطفل في التعليم االبتدائي المجاني و في
حقوق الطفل في المادة ّ 28
التسرب من المدارس.
ّ توفير التعليم المهني و بضرورة ات ّخاذ تدابير للتقليل من معدّالت
التعليم اإلجباري هو التعليم األساسي الذي يمث ّل حلقة قائمة بذاتها و يرمي إلى تكوين الناشئة بشكل
ين ّمي قدراتهم الذاتيّة و يضمن لهم بلوغ حدّ كاف من المعرفة .162و نظرا لما يرمي إليه التعليم من أهداف
ضياع سامية تمث ّل وقاية للطفل من اإلنحراف ،إذ ال شك أن حرمان الطفل من حقه في التعليم ّ
يعرضه إلى ال ّ
والت ّشرد و يحول دون تكوين شخصيّته و تنمية ملكاته و تسليحه بزاد المعرفة في مواجهة المستقبل ،163لذلك
جرم المشرع حرمان الطفل من التعليم
و حرصا منه على ضمان هذا الحق واحترام مبدأ إجباريّة التعليمّ ،
سادسة عشر ،و في كلتا الحالتين سيجد سن السادسة أو بسحبه منها قبل ّ
سن ال ّ إما بعدم إلحاقه بالمدرسة في ّ
نموه الفكري و العقلي ،فامتناع الولي عن إلحاق ابنه بالمدرسة يمث ّل جريمة
مشردا بما سيعرقل ّ
ّ الطفل نفسه
أقرها الفصل 21من القانون التوجيهي للتربية و التعليم المدرسي المذكور سابقا والذي جاء فيه أن " كل
ولي يمتنع عن إلحاق منظوره بمؤسسات التعليم األساسي...يعرض نفسه إلى خطية من 20دينار إلى 200
دينار" ،و المالحظ أن الفصل يتحدّث عن جريمة امتناع و ليس جريمة فعل ،فالول ّ
ي يمتنع عن إلحاق ابنه
و ترسيمه بإحدى المدارس عند بلوغه ّ
سن السادسة دون أن يكون لهذا الولي سبب أو دافع لذلك إال إذا أثبت
العكس كأن يكون الطفل غير قادر على الدّراسة و التعلّم بصفة طبيعيّة استنادا لما ورد بالفصلين 20و 21
من القانون المذكور سابقا من عبارة "ما دام قادرا على مواصلة تعلمه بصفة طبيعية" إال أن الطفل المعوق
يمكنه كذلك التعلّم في مدارس خا ّ
صة إال إذا كانت درجة إعاقته ال تسمح له بالدراسة.
49
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
قر المشرع مبدأ عدم جواز رفت أي تلميذ
و من جهة أخرى ،و ضمانا لمواصلة الطفل تعليمه ،فقد أ ّ
سسات التربويّة العموميّة (الفصل )20و ذلك تفاديا
سادسة عشرة رفتا نهائيا من جميع المؤ ّ دون ّ
سن ال ّ
ضياع ،والنّتيجة األبناء في الشارع أو لظاهرة اإلنقطاع المدرسي التي تؤدّي إلى اإلنحراف و الت ّ ّ
شرد و ال ّ
أبناء الشوارع ، 164و إذا كانت المدرسة منارة تضيء درب الطفولة المتوازنة 165فإن األسرة تبقى صاحبة
الريادي في تنشئة الطفل تنشئة سليمة عقليّا ،بدنيّا وعاطفيّا ،إال أن هذه األسرة قد ال تقوم بدورها كما
الدور ّ
فتعرض حياة الطفل و سالمته المعنوية و البدنية إلى خطر كبير إذا اعتادت سوء معاملته.
يجب ّ
و من خالل الفصل 24نفهم أن المشرع يشترط الت ّكرار العتبار سوء المعاملة حالة صعبة على
معنى الفصل 20م ح ط ،حيث استعمل عبارة "اعتياد" ،و لكن ال يجب أن نفهم من ذلك أنه يغفر سوء
معاملة الطفل بصفة ظرفيّة أو منعزلة.168
50
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
و نالحظ أيضا أن الفصل 24م ح ط لم يحدّد األشخاص المعنيّين بارتكاب األفعال المذكورة ضدّ
الطفل ،لذا فهذه المعاملة السيّ ئة قد تكون من قبل الوالدين أو المتعهد بالرعاية أو كل من يقوم على شؤون
الطفل و له سلطة عليه.
على غرار الفصول سابقة الذكر ،أ ّكد كذلك الفصل 2م ح ط على ضرورة حماية الطفل من مختلف
أشكال سوء المعاملة بما فيها العنف أو اإلساءة البدنية ،فمن أخطر االعتداءات التي تنال من جسد الطفل نجد
المتكررة على سالمته البدنية كما ورد بالفصل 24م ح ط.
ّ التعذيب و االعتداءات
ي الذي يقوم بتأديب ابنه بضربه ضربا خفيفا ال يكون عرضة للتتبّع الجزائي و ال
و بالتالي فإن الول ّ
خولها يعتبر الطفل في هذه الحالة مهدّدا في سالمته البدنية .و في هذا السياق أ ّ
قر فقه القضاء أن الحماية التي ّ
القانون للطفل ال يعني أن يتخلّى الوالدان عن الحسم الالزم عند االقتضاء لتأديب و تربية األبناء ولتوجيههم
جراء هذا
سلوك القويم الذي تقتضيه األخالق و يرضاه المجتمع .171و أما إذا لحق جسد الطفل أي ضرر ّ
لل ّ
الضرب فإن هذا الفعل يخرج عن إطار التأديب و التربية و يدعو بذلك إلى مساءلة الولي و يعود للقاضي
تقدير هذه األفعال و تكييفها بحسب مخلّ فاتها على جسد الطفل و تمييزها إن كانت تدخل ضمن التأديب أو
ضمن جرائم العنف. 172
- 169رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 111
- 170علي عبد القادر القهوجي :قانون العقوبات .القسم الخاصّ .جرائم اإلعتداء على اإلنسان والمال.منشورات الحلبي الحقوقيّة .2010ص .224
171 -حكم ابتدائي مدني عدد 1مؤرخ في 1996/12/10مذكور ب م ق ت مارس 1997ص 221و ما بعدها
-مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .مرجع سابق .ص 76172
51
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
مستمرة ،فهناك من األولياء من ال يجد وسيلة
ّ يتعرض إلى الضرب و العنف بصفةفالطفل يمكن أن ّ
أخرى لتأديب ابنه و ال يجيد حتى التفاهم مع طفل صغير مراعيا في ذلك سنّه و درجة وعيه و نضجه
متكررة على سالمتهم الجسدية بما
ّ يتعرضون إلى اعتداءات بدنية
النفسي،لذلك نجد أن العديد من األطفال ّ
سيئة على أجسادهم كالكدمات و الجروح و كذلك
يجعلهم في حالة خطر دائم .فتظهر نتيجة هذه المعاملة ال ّ
آثار العنف الناتجة عن استعمال بعض األدوات و اآلالت الحادة و كذلك آثار الحروق إذ يتع ّمد بعض اآلباء
ساخن أو مادّة حارقة أو المكواة أو ال ّ
سجائر .و قد أثبت الواقع العملي بالمستشفيات حرق الطفل بالماء ال ّ
حصول العديد من الحاالت الخطيرة التي ينتهي أغلبها بوفاة الطفل نتيجة خطورة اإلصابات و عدم قدرته
على تح ّملها ،173و لكن األخطر من ذلك إن أدّت هذه االعتداءات على الطفل إلى إلحاق أضرار داخليّة
بقوة على األرض أو
كالكسور التي تصيب عظام الجمجمة نتيجة اعتياد ضرب الطفل على رأسه أو دفعه ّ
على جسم صلب ،فتكون العواقب وخيمة و قد تصل إلى حدّ الموت.
كما يعتبر أيضا من مظاهر سوء المعاملة تعذيب الطفل و هو من أخطر و أبشع االعتداءات التي
صة علما و أن تونس قد صادقت على االتفاقية الدولية لمناهضة
يتعرض لها اإلنسان عا ّمة و الطفل خا ّ
ّ
التعذيب بمقتضى القانون عدد 79في 11جويلية . 1988
فتعذيب الطفل قد يت ّخذ أشكاال مختلفة ،فكل فعل من شأنه أن يتسبّب في إحداث آالم بدنية أو معنوية
للطفل هو ضرب من ضروب الت ّعذيب و هو يشمل أيضا كل اعتداء بدني ينطوي على درجة كبيرة من
ضعيف على تح ّملها ،و في هذا السياق يمكن أن نعود إلى التعريف
صغير و ال ّ
القسوة قد يعجز جسد الطفل ال ّ
الوارد بالفصل 101مكرر من م ج" ...و يقصد بالتعذيب كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان
أو عقليا يلحق عمدا لشخص ما يقصد.....معاقبته على فعل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره أو
تخويفه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق األلم و العذاب الشديد ألي سبب من األسباب يقوم على التمييز أيا
كان نوعه".
-مليكة الجملي :الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل .مرجع سابق ص 79173
52
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
نمو طبيعي و متوازن ،فجسده
الطفل ،ذلك الكائن الصغير الذي يحتاج إلى الغذاء أكثر من غيره لضمان ّ
ضعيف ال يستطيع البقاء و لو لفترة قصيرة بدون طعام فهو غير قادر على تح ّمل الجوع،
الصغير و ال ّ
ف"تجويع الطفل" يعتبر مساسا فادحا بحقّه في الغذاء و خطرا مل ّما ّ
بنموه الجسدي و النفسي 174قد يصل به
ّحد الموت.
إن توفير غذاء الطفل يدخل ضمن الواجبات المنوطة بعهدة من يتولى رعايته و يكون تحت واليته
أو رقابته ،و بالتالي فإن منع الطعام على الطفل قد يصدر إما عن الوالدين باعتبارهما المحيط الطبيعي الذي
يعيش فيه الطفل و إما عن من يتعهد برعاية الطفل كالولي أو المسؤولين في مؤسسات اإليواء الخاصة
باألطفال و مراكز رعاية الطفولة أو عائالت اإليداع...أي كل من له سلطة على الطفل.
سجن
قرها الفصل 224م ج الذي اعتبرها جنحة يعاقب عليها بال ّ
نظرا لخطورة جريمة سوء المعاملة التي أ ّ
مدّة خمسة أعوام و بخطيّة قدرها مائة و عشرون دينارا ،غير أن تلك الجنحة قد تصبح جناية إذا نتج عن
اعتياد سوء المعاملة سقوط بدني تتجاوز نسبته عشرين في المائة أو في صورة حصول الفعل باستعمال
سجن مدّة عشر سنوات و يمكن أن يصل إلى بقيّة
السالح،ففي هاتين الصورتين يضاعف العقاب ليصبح ال ّ
العمر إذا نتج عن اعتياد سوء المعاملة موت الطفل ،مع اإلشارة إلى أن الفصل 31م ح ط أوجب إشعار
س ّر المهني كلّما تبيّن له وجود طفل يعامل
مندوب حماية الطفولة من قبل كل شخص وكذلك الخاضع لل ّ
متكررة.
ّ معاملة سيّئة بصفة
و تجدر المالحظة في هذا الصدد بالنّسبة لجريمة اعتياد منع الطعام على الطفل بأنه يصعب بعض
الطعام تعتبر من الشؤون األسريّة التي يصعب اإل ّ
طالع عليها أو التفطن إليها و ذلك ألن مسألة ّ
ّ الشيء
مراقبتها ،فربّما يكون األمر أسهل إذا تعلّق بطفل يقيم في إحدى المؤ ّ
سسات أو مراكز رعاية الطفولة ألن
ّ
التفطن إلى أي ضرر قد يلحق بالطفل،فغالبا ما يقع الرقابة وبالتالي يمكن
هذه األخيرة تخضع بطبعها إلى ّ
التفطن إلى هذه الجريمة من قبل ّ
الطبيب المعالج للطفل الذي يكتشف إصابته و معاناته من سوء التغذية وما ّ
يخلّفه ذلك من تأثيرات سلبيّة على ص ّحة الطفل ،فيكون ّ
الطبيب في هذه الحالة-وكما ذكرنا سابقا -مطالبا
المختص بحالة الت ّهديد التي يوجد عليها ذلك الطفل ،كما يمكن لبعض األشخاص
ّ بإشعار الهيكل الحمائي
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص 127174
-رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 114175
53
الجزء األول :الحاالت الصعبة الموجبة للحماية
المقربين من الطفل كأقاربه أو جيرانه اكتشاف هذه الجريمة عندما يالحظون الت ّدهور ال ّ
ص ّحي للطفل نتيجة ّ
"تجويعه" و هم في هذه الحالة مطالبون أيضا بإشعار مندوب حماية الطفولة.
صة حماية الطفل المهدّد في كل الحاالت الصعبة على معنى الفصل 20من
و تتولى األجهزة الحمائية المخت ّ
م ح ط مت ّخذة في ذلك اإلجراءات و التدابير المناسبة.
54
الجزء
الثاني
آليات الحماية
الجزء الثاني :آليات الحماية
الطفل رمز المستقبل وأداة صنعه وحياة المرء صورة من ماضيه وم ّما عاشه ،176لذلك ال بدّ من
اإلهتمام به وضمان حقوقه وإعداده أفضل إعداد تحسّبا للمستقبل وضمانا لسالمة المجتمع ،177وال يكون
صة بالطفل من النّاحية التشريعيّة وهو ما يدعو إلى تأسيس إطار قانوني
تحقيق ذلك إال بتوفير عناية خا ّ
مكوناته الذّاتيّة من مستوى نضج عقلي ومحيط حماية له من التّهديد
للتّعامل مع الطفل يأخذ بعين اإلعتبار ّ
أو الخروج بسلوكه عن السّلوك المستوجب داخل المجتمع ،178فاألطفال المهدّدون يمثّلون فئة خاصة لم
مجرمة قانونا إال أن وضعها الشخصي أو العائلي أو اإلجتماعي أو المدرسي أو سلوكها ينبّئ
ّ ترتكب أفعاال
معرضة لعوامل سلبيّة تؤثّر في سلوكها وتضعها في المنزلق نحو اإلنحراف واإلجرام ،179وبالتالي
بأنّها ّ
فإن هؤالء األطفال في حاجة إلى من يحميهم ال من يعاقبهم .لذلك أحدثت م ح ط آليات عمل استراتيجيّة
لحماية الطفل المهدّد .فإذا كانت المنظومة القانونيّة والتشريعيّة التونسيّة السّابقة تتد ّخل للعقاب والتجريم إثر
وقوع الجريمة ،180فإن م ح ط جاءت بفلسفة جديدة ترتكز على الجانب الوقائي أي التد ّخل قبل فوات األوان
يمر بها وأخذ التدابير الوقائية الكفيلة لحمايته قبل أن يت ّعدى
صعبة التي ّ
إلعانة الطفل على اجتياز الوضعيّة ال ّ
أقرت المجلّة آليّات قانونيّة لحماية الطفل المهدّد .فوفّرت له حماية قضائيّة (الفصل
مرحلة الجنوح .181وقد ّ
الثّاني) حيث وضعت إطارا قضائيا خا ّ
صا بالطفل .كما أوجدت آليّة جديدة أسندت لها مه ّمة الحماية
اإلجتماعية للطفل المهدّد (الفصل األول) فما جاءت به م ح ط من أحكام ومبادئ وآليات جديدة
182
وإجراءات....كلّها توحي بعمليّة إنقاذ لطرف ضعيف وسعي إلعادة تكييفه مع محيطه.
55
الجزء الثاني :آليات الحماية
-183علي محمد جعفر :حماية األحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر اإلنحراف .مرجع سابق ص .432
- 184رضا المزغني :رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية .مرجع سابق ص .78
- 185فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد .مرجع سابق .ص .41
- 186ابن منظور :لسان العرب .المجلّد الثالث عشر .ص .198
- 187الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 28 .52جوان 1996ص .1369
56
الجزء الثاني :آليات الحماية
يت ّم تعيين مندوب حماية الطفولة بعد نجاحه في مناظرة داخلية باإلختبارات أو بالملفّات تفتح لفائدة
المندوبين المساعدين الذين يتوفّر فيهم شرط األقدميّة خمس سنوات على األق ّل في رتبتهم في تاريخ ختم
قائمة التر ّ
شحات طبقا لما جاء بالفقرة (ب) من الفصل 15من األمر عدد 3287لسنة 2005المؤرخ في
أقر اإلنتداب عن طريق
19ديسمبر 188 2005المنقح للفصل 15من األمر عدد 1134المذكور سابقا والذي ّ
مناظرة بالملفات .وتت ّم المناظرة وفق مبدأ المساواة بين المتر ّ
شحين للنتداب بالوظيفة العموميّة عمال
بمقتضيات الفصل 6من الدستور وكذلك عمال بأحكام الفقرة 2من الفصل 10من القانون عدد 112لسنة
1983المؤرخ في 12ديسمبر 1983المتعلّق بضبط النظام األساسي للوظيفة العموميّة ،طبعا مع ضرورة
توفّر الشروط الالزمة للنتداب كالمؤ ّهالت العلميّة وشرط األقدميّة.
ويمكن أيضا تعيين مندوب حماية الطفولة بمقتضى قرار من الوزير المكلّف بشؤون الطفولة ويكون
ذلك إ ّما بمتابعة المندوب لمرحلة تكوين يت ّم تنظيمها من قبل اإلدارة لفائدة مندوبي حماية الطفولة المساعدين
المترسّمين في رتبتهم والنجاح فيها طبق أحكام الفقرة (أ) من الفصل 15جديد من أمر 2005سابق الذكر،
وإ ّما أن يعيّن باإلختيار من بين مندوبي حماية الطفولة المساعدين الذين لهم على األقل عشر سنوات أقدميّة
في رتبتهم والمر ّ
شحين حسب الجدارة بقائمة كفاءة عمال بمقتضيات الفقرة (ج) من نفس الفصل المذكور
آنفا.
57
الجزء الثاني :آليات الحماية
يتمتّع مندوب حماية الطفولة بعد تعيينه بتكوين وذلك عمال بمقتضيات الفصل 16من األمر عدد
.1134فمنذ إحداث الخطة ،تلقّى مندوبو حماية الطفولة تكوينا أساسيّا في جميع المجاالت ذات العالقة
صة المجاالت القانونية واإلجتماعية ،وقد ت ّم هذا التكوين بالنسبة إلى الدفعة األولى في إطار
بعملهم وخا ّ
التعاون التونسي البلجيكي وبدعم من منظمة اليونيسيف وقد تواصلت الدّورة من 18نوفمبر إلى 6ديسمبر
صون في مجاالت علم النفس وعلم اإلجتماع والتربية والتنظيم اإلداري والقانون وتقنيات ّ 1996
نظمها مخت ّ
191
التواصل.
الرفع من قدرات مندوبي حماية الطفولة وتطوير مهاراتهم في التع ّهد باألطفال المهدّدين، وبغاية ّ
ّ
وتنظم سنويّا العديد المستمر،
ّ تولي وزارة شؤون المرأة واألسرة والطفولة والمسنّين أهميّة قصوى للتّكوين
من الدّورات التكوينيّة لفائدتهم .ونظرا للكفاءة التي أصبح عليها العاملون في هذا السلك ،فقد عرف هذا
التكوين منحى جديدا منذ سنة 2003وأصبح تشاركيا ) ،(Participatifإذ أصبح المندوب شريكا في العمليّة
الجهوية التي ّ
ينظمها حول مواضيع خصوصيّة كفقدان السّند العائلي أو سوء ّ التكوينيّة من خالل اللّقاءات
معاملة األطفال . 192وتهدف هذه المقاربة باإلضافة إلى التكوين الذّاتي إلى تركيز شبكات الحماية على
المستوى الجهوي والتي تض ّم جميع المتد ّخلين في مجال ّ
الطفولة .ويت ّم هذا المشروع في إطار التعاون
التونسي البلجيكي حيث تنتظم سنويّا زيارات بعض المندوبين إلى بلجيكا واستقبال نظائرهم البلجيكيين في
193
تونس وامتدّ هذا البرنامج على مدى ثالث سنوات ( .)2007-2005
ّ
يتجزأ، باعتبار أن مندوب حماية الطفولة مؤسّسة تنحصر في شخص المندوب وحيث أن حقوق الطفل ك ّل ال
فإن عمل المندوب ال يمكن أن يت ّم بمعزل عن بقيّة المتد ّخلين ،لذلك وضعت الوزارة أسس العمل الشبكي
وهي مقاربة تنبني على تحديد األدوار بين العاملين في المجال وحسن التنسيق واستغالل اإلمكانيات المتاحة
194
من أجل تحقيق مصلحة الطفل الفضلى.
وإضافة إلى التّكوين الذي يتلقّاه فإن مندوب حماية الطفولة ال بدّ أن يخضع لفترة تربّص تدوم سنتين
عمال بأحكام الفصل 86من القانون األساسي للوظيفة العمومية والفصل 6من األمر عدد ،1134فالغاية
صة بهم واستكمال من هذا التربّص هو إعداد المندوبين لممارسة ّ
خطتهم وتدريبهم على التقنيات المهنيّة الخا ّ
196
صين.
المشرع مسألة ترسيم المندوبين المترب ّ
ّ كما ّ
نظم 195
تكوينهم ودعم مؤ ّهالتهم المهنيّة.
58
الجزء الثاني :آليات الحماية
ومن ناحية أخرى فإن مندوب حماية الطفولة وبعد تعيينه يتح ّمل عدّة واجبات .قبل مباشرته لمها ّمه التي
تعتبر اجتماعيّة وتربويّة وأخالقيّة قبل كل اعتبار197،يؤدّي مندوب حماية الطفولة اليمين أمام المحكمة
نص اليمين المذكور
اإلبتدائية المنتصب بدائرتها الترابيّة طبقا لما جاء بالفصل 29م ح ط .ومن خالل ّ
بالفصل 29م ح ط نستخلص تح ّمل المندوب لجملة من الواجبات.
ّأوال واجب القيام بوظائفه بكل شرف وأمانة حتى ال يصبح المندوب نفسه خطرا يهدّد الطفل198،فعلى
مندوب حماية الطفولة أن يلتزم بأداء وظائفه بك ّل أمانة ،ومن ذلك ما منعته النّصوص الجزائية من قيام
الموظف العمومي بجرائم اإلرتشاء واإلختالس والتّزوير ،وتتجسّم األمانة في حفظ أسرار اإلدارة199،وكذلك
فهو مطالب باإللتزام بكل الواجبات التي أناطها القانون األساسي للوظيفة العموميّة المؤرخ في 12ديسمبر
1983بعهدة الموظف العمومي باعتبار أن المندوب يحمل صفة موظف عمومي كما ذكرنا سابقا.
والواجب الثاني الذي ورد ذكره بالفصل 29م ح ط هو واجب احترام القانون .فمندوب حماية
الطفولة يرجع بالنظر إلى الوزير المكلّف بشؤون الطفولة ويخضع إلى سلطة الوالي المعني200،كما يخضع
المختص ترابيّا.
ّ في تد ّخله الوقائي لمتابعة قاضي األسرة
السر
ّ وأ ّما الواجب الثالث المنوط بعهدة مندوب حماية الطفولة فهو واجب المحافظة على
صة بالطفليطلع على عديد األسرار الخا ّ المهني،فبحكم طبيعة عمله والمها ّم المك ّلف بها ،فإنّه ّ
وبعائلته201،لذلك عليه عدم إفشاء األسرار المهنيّة وإالّ سيكون عرضة للتتبّع الجزائي عمال بالفصلين 253
و 254م ج.
وإضافة إلى ك ّل هذه الشروط وحتى ال يتجاوز المندوب حدود سلطته فيتع ّهد بما ال يدخل ضمن
مشموالته 202،فقد اشترط المشرع كذلك أن يكون تد ّخل المندوب في حال وجود طفل مهدّد وهنا نتحدّث عن
شرطين يتعلّقان بموضوع الحماية وهما شرط الس ّّن وشرط التّهديد كما سبق شرحهما.
المشرع شروطا لتد ّخل مندوب حماية الطفولة فقد حدّد كذلك صالحياته.
ّ فكما ضبط
- 197محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .143
- 198محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .143
- 199سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال .مرجع سابق.ص .99
- 200الفقرة األخيرة (جديدة) من الفصل األول من األمر عـــــ3287ـــدد المؤرخ في 19ديسمبر .2005
- 201محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص .144
- 202نجالء الردادي :مندوب حماية الطفولة .مرجع سابق .ص .14
59
الجزء الثاني :آليات الحماية
خول المشرع لمندوب حماية الطفولة عدّة صالحيات حيث أسند له من خالل الفصل 90من م
لقد ّ
ح ط مه ّمة التدخل الوقائي كلّما بلغه خطر يتهدّد الطفل في صحته البدنية أو النفسيّة أو في وضعه اإلجتماعي
أو العائلي 203،وقد حدّد نفس الفصل المذكور دوافع تد ّخل المندوب حيث ذكر بعضها وترك المجال مفتوحا
الستيعاب حاالت ووضعيّات أخرى قد يفرزها الواقع 204.فمندوب حماية الطفولة موجود بكل والية ومجال
تد ّخله ال يتجاوز حدود العمل الوقائي205،فحاجة الطفل للحماية السريعة ال يمكن أن تت ّم إال عبر تد ّخل شخص
ميداني فاعل ومسؤول له من الصالحيات ومن وسائل العمل ما يؤ ّهله للقيام بمسؤولّيته أحسن قيام 206،وقد
207 بخطة مندوب حماية ّ
الطفولة. ّ استقر رأي المشرع على تعويض ّ
خطة متفقّد األطفال ّ
ونظرا للدّور الكبير الذي يلعبه مندوب حماية الطفولة في حماية األطفال المهدّدين ،فقد أسند له
المشرع صفة مأمور الضّابطة العدليّة حسب ما جاء بالفصل 36م ح ط وم ّكنه من اإلستنجاد ّ
بالقوة العا ّمة
الرسمية على
صبغة ّ
مثله مثل سائر مأموري الضّابطة العدليّة في حاالت الخطر المل ّم 208وذلك إلضفاء ال ّ
يحررها مأمور الضّابطة العدليّة 210،كما
المقررة للمحاضر التي ّ
ّ يحرره الحجّة الثبوتيّة
أعماله 209فيكون لما ّ
تعرضه لتعطيل عمل أو
صنف العدلي في صورة ّ ّ
الموظف من ال ّ أنه يتمتّع بالحماية القانونية التي يتمتّع بها
اعتداء سواء بالقول أو بالعنف 211.كما أن مندوب حماية الطفولة مؤ ّهل ّ
لتلقّّ ي اإلشعارات بخصوص
األطفال المهدّدين وتقدير وجود التّهديد من عدمه وتحديد الحاجات الحقيقيّة للطفل المهدّد ورسم األولويّات
صة بكل متد ّخل وتكامل األدوار بهدف
التصرف في الموارد الخا ّ
ّ لوضع ّ
خطة دقيقة للتد ّخل أساسها حسن
رفع التّهديد ،ويشرف المندوب على المتابعة والمراجعة من خالل تقييم مدى تالؤم الوسائل المس ّخرة مع
212
الوضعيّة.
وعمال بمقتضيات الفصل 37من م ح ط ولتسهيل عمله وإيجاد الحلول المناسبة النتشال الطفل من الوضع
بالسر المهني على كل األشخاص المباشرين للطفل بمن فيهم
ّ الذي هو فيه ،رفع المشرع منظومة اإللتزام
213
المعلّمون واألساتذة واألعوان اإلجتماعيين واألطبّاء.
- 203محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص .145
- 204محمد الحبيب الشريف :المرجع السابق .ص .145
- 205رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة .مرجع سابق .ص .97
- 206رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة .مرجع سابق .ص .94
- 207الهادي سعيد :لمحة تاريخية عن مجلة حماية الطفل .م ق ت مارس .1997ص .24
- 208لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدّد .مرجع سابق.ص .79
- 209لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدّد.المرجع السابق.ص .79
- 210فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد .مرجع سابق .ص .42
- 211فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد.المرجع السابق.ص .42
212
- http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm
- 213فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد .مرجع سابق .ص .43-42
60
الجزء الثاني :آليات الحماية
وعلى غرار كل ذلك ،فقد أسندت مجلة حماية الطفل في فصلها 35عدّة صالحيات لمندوب حماية
الطفولة تم ّكنه من استدعاء الطفل وأبويه للستماع إلى أقوالهم وردودهم حول الوقائع موضوع اإلشعار،
وكذلك يمكنه الدّخول بمفرده إلى األمكنة التي يوجد بها الطفل المهدّد مع اصطحاب من يرى فيه فائدة في
ذلك مع ضرورة اإلستظهار بما يثبت وظيفته ،وإذا ما أراد الدّخول إلى البيوت المسكونة فعليه الحصول
على إذن مسبق من شاغليها .وأيضا يمكن للمندوب أن يقوم بالتحقيقات واألبحاث الالّزمة وكل ما من شأنه
أن يساعد على اإللمام بحقيقة وضع الطفل واتّخاذ التدابير الوقائيّة المالئمة في ذلك،إال أن كل هذه
المخولة لمندوب حماية الطفولة ال يجوز له القيام بها إال بعد الحصول على إذن
ّ الصالحيات واإلجراءات
عاجل يصدره قاضي األسرة بناء على مطلب يقدّمه المندوب على ورق عادي .وإضافة إلى ذلك وفي إطار
نفس الفصل المذكور سابقا فإن مندوب حماية الطفولة يمكنه أن ّ
يطلع على األبحاث اإلجتماعية المنجزة
214
حول الطفل قصد فهم شخصيّته وحقيقة وضعه من النواحي العائليّة واإلجتماعيّة والصحيّة.
ومن مها ّمه أيضا تحرير تقرير فيما يعاينه من أفعال ضدّ الطفل ويرفعه إلى قاضي األسرة وبذلك يحيطه
علما بما توفّر لديه من معطيات حول حالة الطفل المهدّد المتع ّهد به ،وأ ّما إذا ثبت لمندوب حماية الطفولة
عدم وجود أي تهديد أو خطر على الطفل أي أن اإلشعار لم يكن في محلّه فإن الفصل 38م ح ط أوجب
215
التحريات.
ّ عليه إعالم الطفل ووليّه والقائم باإلشعار بالنتيجة التي أثبتتها
- 214محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص .161
- 215محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل.المرجع السابق.ص .165
61
الجزء الثاني :آليات الحماية
الفقرة األولى :آلية اإلشعار:
من أبرز ما جاءت به مجلة حماية الطفل فيما يتعلّق بحماية الطفل المهدّد هو إحداث آلية اإلشعار
(أ) وضبط نظام قانوني له (ب).
التعرف على شروط القيام باإلشعار ( )2ال بدّ ّأوال من تبيّن مفهوم اإلشعار وأبعاده (.)1
ّ قبل
ّ
مشتق من فعل أشعر ويقال وإذا ما عدنا إلى الشرح اللّغوي لكلمة "إشعار" فإننا نجد أنها مصدر
أشعر القوم في سفرهم جعلوا ألنفسهم شعارا وأشعر القوم نادوا بشعارهم واإلشعار هو اإلعالم 216 ،ومن
217
الشروح اللغويّة كذلك أشعر يشعر إشعارا فالنا األمر و به :أعلمه إيّاه.
وإذا ما عدنا إلى الفصول المذكورة سابقا فإن اإلشعار هو إعالم بوجود حالة صعبة تهدّد طفال على
معنى الفصل 20من م ح ط وهو واجب على كل شخص راشد يتولّى رفعه بتلقائيّة إلى مندوب حماية
218
صعب الذي يوجد فيه.
الطفولة لغاية إنقاذ الطفل من الوضع ال ّ
كرسه
وبالرجوع إلى مداوالت مجلس النواب فقد ت ّم تعريف واجب اإلشعار بكونه "واجب جديد ّ
ّ
القانون دعما للسلوك التضامني واستجابة لحاجة الطفل في المساعدة ذلك أن هذا األخير يواجه صعوبات
متنوعة ال طاقة له بتجاوزها بمفرده .وتبعا لذلك فإن المشرع أسند للمواطن دورا فاعال وإيجابيّا بتحميله
ّ
وتجره إلى الجنوح .وواجب
ّ مسؤولية جديدة تتمثل في واجب اإلشعار عند حصول العلم بمخاطر تهدّد الطفل
219
يكرس قيم التضامن بين كافّة أفراد المجتمع".
اإلشعار ينطوي على معاني إنسانيّة سامية كما ّ
62
الجزء الثاني :آليات الحماية
عليهم باإلدّعاء بالباطل ما لم تثبت سوء نيّتهم .ونذكر أيضا القانون عــ71ـدد لسنة 1992المؤرخ في
220
إن واجب اإلشعار الذي جاءت به م ح ط له أبعاد إنسانية واجتماعيّة وأخالقيّة فهو يستمدّ مرجعيّته
مقومات حضارتنا العربيّة اإلسالميّة التي تدعو إلى التآخي والتضامن
وخلفيّته الفكريّة والفلسفيّة 224من ّ
وحبّ اآلخر .ويساهم اإلشعار بوصفه واجبا في ترسيخ الوعي بالمسؤولية تجاه الطفل لدى كافة المواطنين
لغاية إرساء مجتمع متضامن ،إال أن الواقع العملي يبيّن نسبيّة نجاعة آلية اإلشعار ،فهناك العديد من األطفال
المهدّدين الذين ال يجدون من يساعدهم وينقذهم من الخطر الذي يحيط بهم ،فالوعي بأهميّة واجب اإلشعار
لم يدخل بعد بصفة راسخة في تقاليدنا اليومية.
• الشروط الجوهرية:
- 220خديجة المدني :واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل .م ق ت جانفي .1999ص .236
- 221فتحي اإلنقليز :واجب اإلشعار .مرجع سابق.ص .3
- 222خديجة المدني :واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل .مرجع سابق.ص .237
- 223سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال .مرجع سابق .ص .87
- 224رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .108
- 225نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدّد ،مرجع سابق ،ص .175
63
الجزء الثاني :آليات الحماية
وطبق الفقرة 2من نفس الفصل المذكور فإن "لكل شخص إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن
له أن هناك ما يهدّد صحة الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية على معنى بقيّة الفقرات الواردة بالفصل
20من هذه المجلة".
فالتبليغ عن الحاالت المهدّدة بالخطر في اإلبّان وإيجاد السّبل السّريعة لعالجها من أوكد واجبات
أقر الفصل 32من م ح ط واجب "كل شخص راشد مساعدة أي طفل
اإلنسان تجاه أخيه اإلنسان ،226حيث ّ
يتقدم له قصد اعالم مندوب حماية الطفولة أو إشعاره بوجود حالة صعبة تهدّد الطفل أو أحد إخوته أو أي
صدد أن الفقرة األولى من
طفل آخر على معنى الفصل 20من هذه المجلة" ،وتجدر اإلشارة في هذا ال ّ
الرشد في الشخص الذي يقوم بإشعار مندوب حماية الطفولة في حالة
الفصل 31م ح ط ال تشترط صفة ّ
وجود طفل مهدّد على معنى الفقرتين (د و هـ) من الفصل 20من نفس المجلة .وهذا الصمت يفتح المجال
لغير الراشدين بأن يضطلعوا بدور اإلشعار ل ّما يتبيّن لهم أن طفال مهدّدا بموجب إحدى هاتين الوضعيتين
227
أو كليهما.
وما نستخلصه هو أن كل من يعلم بوجود طفل في حالة صعبة سواء علم شخصي أو عن طريق
الغير 228يمكنه أن يشعر مندوب حماية الطفولة بذلك.
• الشروط الشكلية:
ويت ّم اإلشعار عن طريق ثالث وسائل :اإلشعار المباشر وذلك بالتوجه مباشرة إلى مكتب مندوب
عرض لها الطفل ،واإلشعار عن طريق الهاتف ،واإلشعار
حماية الطفولة وإعالمه بوضعية التهديد التي يت ّ
الرقم األخضر 80 100 010من داخل
بالمراسلة .ويمكن اإلتصال بمندوب حماية الطفولة عن طريق ّ
المنطقة الترابية لكل والية.230
وإن لم يضبط المشرع شروطا شكلية خاصة لإلشعار وجعله متاحا بكل الوسائل فإنه في المقابل
ضبط نظاما قانونيا له.
- 226عبد الباسط الخالدي :حماية الطفولة المهدّدة في التشريع التونسي ،مرجع سابق ،ص .113
- 227حافظ بوكتيف :واجب اإلشعار .م ق ت مارس .1997ص .215
الردادي :مندوب حماية الطفولة :مرجع سابق ص .28 - 228نجالء ّ
229 http:// www.enfants-tunisiens.tn/adulte/ lois.htm
230 http:// www.enfants-tunisiens.tn/adulte/ lois.htm
64
الجزء الثاني :آليات الحماية
ب -النظام القانوني لإلشعار:
-1أنواع اإلشعار:
• اإلشعار الوجوبي:
استنادا إلى ما جاء بالفصلين 31و 32م ح ط فإن اإلشعار يكون وجوبيا في ثالث حاالت:
صت عليها الفقرة األولى من الفصل 31من م ح ط حيث ألزم المشرع من خاللها كل
الحالة األولى ن ّ
شخص بمن في ذلك الخاضع للسّر المهني بضرورة إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن له أن هناك
ما يهدّد صحة الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية على معنى الفقرتين (د وهـ) من الفصل 20من نفس
المجلة المذكورة ويقصد هنا حالتي اعتياد سوء معاملة الطفل واستغالل الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا
واللّتين تناولهما على التوالي كل من الفصلين 24و 25من م ح ط.
وقد أوجب المشرع اإلشعار بالنسبة للحالتين المذكورتين بالفقرتين (د وهـ) نظرا لخطورة هاتين
ضارة ذات وقع سلبي خاص على حاضر الطفل وعلى مستقبله من النواحي
ّ الجريمتين لما لهما من تأثيرات
النفسيّة واألخالقية واإلجتماعية والجسدية.232
للسر المهني ونقصد هنا ّ
الطبيب ال يت ّم إال في ّ وتجدر اإلشارة إلى أن اإلشعار المطالب به الخاضع
فتعرض الطفل في مناسبة يتيمة إلى سوء المعاملة ألسباب قد تكون غير
ّ التعود،
ّ صورة توفّر ركن
الطبيب بإشعار مندوب حماية ّ
الطفولة. قصدية 233ودون أن تلحق به أي ضرر ال يستوجب قيام ّ
- 231رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق ص .110
- 232محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل ،مرجع سابق ،ص .148
- 233رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .110
65
الجزء الثاني :آليات الحماية
المطالب بالقيام باإلشعار هنا هو كل شخص يتولى بحكم مهنته العناية باألطفال ورعايتهم كالمربّين واألطبّاء
خاص وقاية الطفل وحمايته من كل ما من شأنه
ّ وأعوان العمل اإلجتماعي وغيرهم م ّمن تعهد لهم بوجه
أن يهدّد صحته أو سالمته البدنية أو المعنوية.
لقد استعمل المشرع عبارة "وجوبا" في الفقرة األخيرة من الفصل 31من م ح ط وذلك للتأكيد على وجوبية
اإلشعار بالنسبة لهؤالء األشخاص ويعود ذلك إلى طبيعة وخصوصيّة مهنهم وقربهم للطفل واحتكاكهم به
234
في الحياة اليوميّة.
ولكن نتساءل هنا هل أن اإلشعار الوجوبي أصبح فعال جزءا من ثقافة حقوق الطفل؟ وما مدى
الراشد بواجب مساعدة التزام الفئات المطالبة باإلشعار الوجوبي بهذا الواجب؟ وما مدى وعي ال ّ
شخص ّ
طفل مهدّد وإشعار مندوب حماية الطفولة بحالته؟
• اإلشعار اإلختياري:
لقد ترك الفصل 31م ح ط في فقرته الثانية المجال مفتوحا أمام كل شخص إلشعار مندوب حماية
الطفولة كلّما تبيّن له أن هناك ما يهدّد صحّة الطفل أو سالمته البدنيّة أو المعنويّة على معنى الحاالت
المذكورة بالفصل 20م ح ط باستثناء حالتي اعتياد سوء المعاملة واإلستغالل الجنسي حيث يكون اإلشعار
وجوبيا كما بيّنا سابقا ،وكأن المشرع ترك مسؤولية ذلك إلى إرادة المواطن حسب درجة وعيه وحسّه
235
المدني.
إذا ما عدنا إلى عنونة القسم الثاني نجد أن المشرع وضع له عنوان "واجب اإلشعار" ث ّم نجد أن
اإلشعار ينقسم إلى إشعار وجوبي وإشعار اختياري .والمالحظ هو أن لفظتي "واجب" و"اختياري"
تتعارضان في المعنى فالواجب يعني اإللتزام أما اإلختيار فال يفيد اإللتزام إذ أن الواجب ال يترك مجاال
236
لإلختيار وإنما يفرض فرضا.
- 234رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .المرجع السابق .ص .115
- 235فتحي اإلنقليز :واجب اإلشعار .مرجع سابق .ص .6
- 236خديجة المدني :واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل .مرجع سابق .ص .241
66
الجزء الثاني :آليات الحماية
كما نشير إلى أن هناك عقليّات سائدة تحاول التستّر والكتمان حول ما يحدث في العائلة باستثناء
يتعرف عليها أعوان المصالح اإلجتماعيّة 237م ّما يتسبّب
الحاالت الخطرة التي تعرض على العدالة أو التي ّ
في وجود عدد من األطفال في حاالت صعبة ولكن دون حماية ألنه لم يت ّم اإلعالم عنهم من أجل حمايتهم
المتكررة في مجتمعنا أطفال صغار
ّ من الخطر الذي يحيط بهم قبل فوات األوان .فمن المشاهد اليوميّة
يتجولون في الشوارع أو بين وسائل النقل
ّ التسول وآخرون ينتصبون على الطرقات أو
ّ يستغلون في
التسول كما سبق وأن
ّ العمومي يبيعون بعض المأكوالت أو غير ذلك ...وهو ما يعتبر شكال من أشكال
ذكرنا والحال أن ذلك الطفل كان ال ب ّد أن يكون في ذلك الوقت في المدرسة يمارس حقّه في التعليم
والنّمو ّالفكري والعقلي كباقي األطفال الذين هم في سنّه.
ولتحقيق حماية أكثر نجاعة له إتّبع المشرع سياسة الترغيب عوضا عن سياسة التّهديد وذلك
بتشجيعه حتى عا ّمة الناس للقيام بواجب اإلشعار 238موفّرا لهم ضمانات للقيام به.
إن الحماية التي توفّرها م ح ط للقائم باإلشعار هي حماية مزدوجة تتمثّل في عدم مؤاخذته جزائيّا
وفي عدم اإلفصاح عن هويّته.
ينص الفصل 33من م ح ط على أنّه "ال يمكن مؤاخذة أي شخص قضائيّا من أجل قيامه عن حسن
ّ
نيّة باإلشعار على معنى األحكام السابقة" فسواء كان اإلشعار وجوبيّا أو اختياريا يحدث أن يكون في غير
محلّه عندما يثبت أن الخطر المدّعى أنه يهدّد الطفل ال وجود له فعال 239،ومعنى ذلك أن من قام باإلشعار
عن حسن نيّة ال يؤاخذ إطالقا ولو ثبت أن اإلشعار بحالة تهديد ال أساس له من الصحة .فالمشرع إذن ربط
م ّما يعني أن اإلشعار الكاذب لغايات كيديّة كتصفية الحسابات 240
مبدأ عدم المؤاخذة بحسن النيّة
نص
يمكن أن يؤاخذ عليه صاحبه جزائيّا إذا ثبتت سوء نيّته وذلك إما على أساس الوشاية الباطلة التي ّ
صت عليها الفقرة األولى من الفصل
عليها الفصل 248م ج أوعلى أساس جنحة اإليهام بجريمة التي ن ّ
142من م.ج.
- 237الرائد الرسمي للجمهورية التونسية -مداوالت مجلس النواب-عدد -4جلسة الثالثاء 31أكتوبر .1995ص .25
- 238نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .174
- 239محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .153
- 240رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .117
67
الجزء الثاني :آليات الحماية
فاإلشعار الخاطئ عن حسن نيّة ال يؤاخذ من قام به وذلك تشجيعا من المشرع وترغيبا في القيام
بواجب اإلشعار وكذلك تماشيا مع ما جاء بالفصل 12من الدّستور من أن "المتهم بريء إلى أن تثبت
إدانته" وما جاء أيضا بالفصل 37م ج من أنه "ال يعاقب أحد إال بفعل ارتكب قصدا" ،وبالتالي يجب على
القائم باإلشعار أن يثبت حسن نيّته ،وقد جاء في مداوالت مجلس النواب أن إثبات حسن النيّة " يكون بكل
الوسائل ويكون من مشموالت اجتهاد القاضي وذلك حسب الظروف والمعطيات المتوفرة لديه" 241.وتجدر
اإلشارة أن اإلخالل بواجب اإلشعار اإلختياري ال يرتّب أي عقاب.
وإضافة إلى عدم المؤاخذة الجزائيّة،ولمزيد ترغيب المواطن في اإلشعار وكضمان آخر يوفّره
المشرع أقرت مجلة حماية الطفل منع اإلفصاح عن هويّة القائم باإلشعار.
كما نفهم من الفصل 34المذكور أن مندوب حماية الطفولة مطالب بعدم اإلفصاح عن هويّة المشعر
السر المهني إال في الصور التي أباحها القانون
244
ّ بما أنه هو الذي يتلقى اإلشعارات ،وال يجوز له إفشاء هذا
وأما إذا أفصح المندوب عن هويّة القائم باإلشعار دون رضاه وفي غير الصور القانونيّة فإن المندوب في
سرا مهنيّا كان قد أدّى اليمين القانونيّة في خصوص اإللتزام بالمحافظة عليه
هذه الحالة يكون قد أفشى ّ
المشرع جزاء
ّ بمقتضى الفصل 29م ح ط وبذلك يمكن أن يكون عرضة للتتبّع الجزائي .وكذلك ّ
وقّّ ع
لكل من يخ ّل بواجب اإلشعار.
- 241الرائد الرسمي للجمهورية التونسية-مداوالت مجلس النواب -عـ4دد -جلسة يوم الثالثاء 31أكتوبر .1995ص .24
- 242محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .155
- 243رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .120
- 244محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .155
68
الجزء الثاني :آليات الحماية
أقر الفصل 119م ح ط عقابا بخطية مالية تتراوح بين 50و 100دينار في صورة مخالفةلقد ّ
أي شخص لمقتضيات الفقرتين األولى واألخيرة من الفصل 31وكذلك الفصلين 32و 34م ح ط.
فعدم القيام باإلشعار الوجوبي على معنى الفقرتين األولى والثالثة من الفصل 31م ح ط يعاقب عليه الفصل
119من نفس المجلة بخطية مالية تتراوح بين 50و 100دينار وتع ّد هذه الجريمة جنحة من اختصاص
محكمة الناحية.
وكذلك فإن المشرع رتّب نفس العقاب الجزائي في صورة امتناع المواطن العادي ّ
الرشيد 245عن
مساعدة أي طفل يتقدّم له قصد إعالم مندوب حماية الطفولة أو إشعاره بوجود حالة صعبة تهدّد الطفل أو
أحد إخوته أو أي طفل آخر على معنى الفصل 20من المجلّة وهذا حسب ما جاء بالفصل 32م ح ط.
وهذه الجريمة تحيلنا على جريمة اإلمتناع عن اإلنجاد القانوني طبق الفصل 143م ج ،واإلحالة على معنى
مضرة فادحة أو وفاة ما كانت لتحصل لو قام المواطن
ّ هذه الجريمة يمكن أن يحصل إذا لحق بالطفل
246
بممارسة واجب اإلشعار وت ّم انتشال الطفل من الوضع الصعب الذي وجد فيه في البداية.
ومن ناحية أخرى فقد رتّب المشرع أيضا عقابا بخطية تتراوح بين 50و 100دينار عند مخالفة
صي من العقاب إال في
تحجير اإلفصاح عن هويّة القائم باإلشعار الوارد بالفصل 34م ح ط وال يمكن التف ّ
يقرها القانون
حالتين هما إثبات رضا من قام باإلشعار ورغبته في اإلفصاح عن هويّته أو في الصور التي ّ
247
ويقصد بها المشرع صور اإلستماع لمن قام باإلشعار بوصفه شاهدا.
ونجد كذلك أن الفصل 118م ح ط قد تض ّمن عقابا بخطية تتراوح بين 100و 200دينار لك ّل
من يتع ّمد إخفاء حقيقة وضع الطفل أو أدلى بتصريحات خاطئة مع علمه بأنها خاطئة وذلك لمنع مندوب
حماية الطفولة من القيام بمهامه سواء في حماية الطفل المهدّد أو في تنفيذ اتّفاق برنامج الحماية الذي
اختاره 248.وإذا ثبتت صحّة اإلشعار وتحقّق مندوب حماية الطفولة من الحالة الصعبة التي يوجد فيها الطفل
فإنه يتخذ التدابير الحمائية المناسبة حسب خطورة الحالة.
- 245رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .114
- 246رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .119
- 247رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية .مرجع سابق .ص .120
- 248فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد .مرجع سابق .ص .46
- 249علي يوسف :مندوب حماية الطفولة سند للطفل المهدّد .م ق ت جانفي .1999ص .209
69
الجزء الثاني :آليات الحماية
حماية الطفولة يتحقّق من وضعية الطفل ويحلّـل األسباب التي أدّت إلى حالة التّهديد ث ّم يقترح التدابير
المالئمة إما ّ بحصول اتفاق جماعي بخصوص التدبير أو برفع األمر إلى قاضي األسرة 250.ويسعى مندوب
بمجرد تع ّهده إلى اتّخاذ اإلجراء المناسب حسب خطورة الحالة الصعبة التي يوجد فيها
ّ حماية الطفولة
الطفل المهدّد ويعطي األولوية إلى التدابير اإلتفاقية (أ) وأ ّما إن كان يحيط بالطفل خطر محدق يهدّد حياته
وسالمته البدنية أو المعنوية فيمكن للمندوب أن يتخذ تدابير عاجلة (ب) إلبعاد الخطر عنه.
-1محتوى التدابير:
استنادا إلى الفصل 43من م ح ط فإن المشرع لم يترك المجال لمندوب حماية الطفولة إلعمال
تصور التدابير اإلتفاقيّة التي يمكنه اقتراحها على الطفل
ّ حرية مطلقة في
سلطته التقديريّة حيث لم يمنحه ّ
وأبويه 251،كما أن المشرع كان وفيّا من خالل الفصل المذكور للمبادئ العا ّمة لحماية الطفل التي أعلنها
صة مبدأ الحرص على إبقاء الطفل في محيطه في الفصول األولى من المجلّة ( من 1إلى ) 19وخا ّ
العائلي ،لذلك نجد أن التدابير الثالثة األولى المقترحة بالفصل 43تهدف إلى إبقاء الطفل في عائلته وأما
التدبير اإلتّفاقي المذكور أخيرا فيهدف إلى فصل الطفل عن عائلته.
- 250علي يوسف :مندوب حماية الطفولة سند للطفل المهدّد .المرجع السابق .ص 208و .209
- 251محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص .177
- 252نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .99
- 253محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .177
70
الجزء الثاني :آليات الحماية
الطبيعي الذي يتمتّع فيه الطفل بالحبّ والرعاية واإلهتمام بكل شؤونه وتوفير كل حاجياته المادية منها
254
والمعنوية ،وهو ما اعتبرته اإلتّفاقيّة األمميّة لحقوق الطفل قرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس.
يمكن لمندوب حماية الطفولة وحسب الفقرة (أ) من الفصل 43من م ح ط أن يقترح إبقاء الطفل
في عائلته لكن في المقابل يجب على الوالدين أن يلتزما باتخاذ اإلجراءات الالّزمة لحماية الطفل وانتشاله
من الوضع الخطر الذي هو فيه وذلك في آجال محدّدة مع فرض رقابة دوريّة من طرف مندوب حماية
الطفولة حيث يمكن لهذا األخير مراقبة حسن تنفيذ إلتزام أبوي الطفل والوقوف على مدى احترام اآلجال
255
المحدّدة.
وأما التدبير اإلتّفاقي الوارد بالفقرة (ب) من نفس الفصل المذكور فيهدف أيضا إلى إبقاء الطفل في
عائلته لكن مع تنظيم طرق التدخل اإلجتماعي المالئم وذلك بالتعاون مع الهيئة المعنيّة بتقديم الخدمات
والمساعدة اإلجتماعية الالّزمة للطفل ولعائلته،ويحصل ذلك مثال في الحاالت الصعبة التي تهدّد سالمة
الطفل اليتيم صحبة إخوته ،حيث يقتضي الحال اإلتيان بأحد األقارب للعناية بهم مع مدّهم بالمساعدة الماليّة
الالّزمة 256أو مثال في صورة مساعدة األبوين الفقيرين ومدّهما باإلعانة الماليّة حتى ال ّ
يعرضا الطفل
257
للتسول أو اإلستغالل اإلقتصادي.
ّ
أما الفقرة ( ج ) من نفس الفصل فيمكن لمندوب حماية الطفولة بموجبها أن يقترح إبقاء الطفل في
عائلته مع أخذ اإلحتياطات الالّزمة لمنع كل اتّصال بينه وبين األشخاص الذين من شأنهم أن يتسبّبوا له
صة في الحاالت الصعبة المنصوص عليها
فيما يهدّد صحته أو سالمته البدنية أو المعنويّة ويكون ذلك خا ّ
بالفقرات هـ ،و ،ز من الفصل 20من م ح ط.
وفي خصوص "أخذ اإلحتياطات الالّزمة" أوضحت وزارة الشباب والطفولة أن مندوب حماية الطفولة
يتولى اتّخاذ اإلحتياطات التي يفرضها الواقع وهي تختلف في شكلها ومضمونها من حالة إلى أخرى وال
258
يمكن والحالة تلك حصر هذه اإلحتياطات.
- 254محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق.ص .223
- 255محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .178
- 256محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .178
- 257محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .178
- 258الرائد الرسمي للجمهورية التونسية -مداوالت مجلس النواب-عدد -4جلسة يوم الثالثاء 31أكتوبر .1995ص .26
71
الجزء الثاني :آليات الحماية
حسب الفقرة (د) من الفصل 43من م ح ط ،يمكن لمندوب حماية ّ
الطفولة أن يودع الطفل المهدّد
بصفة مؤقّـتة لدى عائلة أو أية هيئة أو مؤسّسة اجتماعية أو تربويّة أخرى مالئمة ،عموميّة كانت أو
صة ،وعند اإلقتضاء بمؤسّسة استشفائيّة وذلك طبقا للقواعد المعمول بها.
خا ّ
هذا التدبير الوارد بالفقرة( د) هو التدبير الوحيد الذي يقتضي إبعاد الطفل عن عائلته 259،وبالتحديد
260
عندما يكون الخطر الملّـ ّم بالطفل متأتّـيا من أفراد عائلته وخاصة من أحد أبويه أو كليهما.
وبما أن الفكرة المركزيّة هي أخذ مصلحة الطفل باإلعتبار 261وهو ما يقتضي إبعاده وفصله عن محيطه
معرضا العتياد سوء المعاملة أو إلى اإلساءة الجنسيّة أو استغالله اقتصاديّا أو في
العائلي حيث يكون إ ّما ّ
262
أنشطة توصف بإرهابية.
ونظرا لهذا الوسط الذي يعيش فيه الطفل والذي يش ّكل خطورة كبيرة عليه ،فإن مندوب حماية
الطفولة وكما سبق وأن ذكرنا يتّـخذ تدبيرا بإبعاده عن عائلته وإيداعه لدى عائلة بديلة أو مؤسسة اجتماعية
أو استشفائية إذا اقتضى األمر ذلك ،فتونس وإن كان لها العديد من المؤسّسات الها ّمة سواء منها التي تتابع
وضعيّة األطفال اجتماعيّا أو نفسيّا أو التي تحتضنهم منذ فقدانهم السند العائلي إال أن العائالت البديلة أو
عائالت اإلستقبال التي ورد ذكرها في العديد من فصول مجلة حماية الطفل بقيت حبرا على ورق ضرورة
أنه ليس لها وجود واقعا 263إالّ من كفلت طفال طبقا لقانون اإليداع العائلي أي عند عائلة ما بمقابل مادّي
264وهنا ال ب ّد أن تكثّـف المؤسسات اإلجتماعية والتربوية من جهودها ،كما يجب القيام بحمالت توعوية
جدّية تكون موجّهة للعائالت لتحسيسهم بأهمية رعاية أي طفل ولو كان غريبا عنها 265،وكذلك ال ب ّد من
266
تخصيص فضاء إعالمي لهذا الغرض.
ومن جهة أخرى وبالنسبة للمؤسسات اإلجتماعيّة التي يودع بها مندوب حماية الطفولة األطفال المهدّدين
الرضّع
فنجد المعهد الوطني لرعاية الطفولة الذي يقوم بإيواء ورعاية الطفولة الفاقدة للسند العائلي من ّ
267
واألطفال دون السّت سنوات والذين يطلق عليهم اسم محضوني الدّولة.
72
الجزء الثاني :آليات الحماية
وأ ّما األطفال بين السادسة والثامنة عشرة فإن المزاولين منهم للتعليم أو المتابعين لتكوين مهني
تتكفّل بهم المراكز المندمجة للشباب والطفولة ،وأ ّما غير المزاولين للتعليم وال يتابعون أي تكوين مهني
فيت ّم قبولهم من طرف مراكز اإلحاطة والتّوجيه اإلجتماعي.
268
ولكن ال ب ّد من التأكيد على ضرورة إعطاء األولويّة للتدابير التي تكفل بقاء الطفل في محيطه
269
نموا متوازنا صلب الخليّة الطبيعيّة التي ينسب إليها.
العائلي بما يكفل له ّ
ولكي يتخذ مندوب حماية الطفولة إحدى هذه التدابير اإلتفاقية عليه أن يتّبع إجراءات معيّنة في
ذلك.
-2إجراءات التدابير:
يضبط الفصل 40من م ح ط إجراءات التدابير اإلتفاقية التي اتّخذها مندوب حماية الطفولة قبل
حصول اإلتفاق بين األطراف المعنيّة وبعده.
73
الجزء الثاني :آليات الحماية
عمال بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 40من م ح ط فإنّه في صورة حصول اإلتفاق يت ّم تدوينه
وتقع تالوته على مختلف األطراف بما في ذلك الطفل إذا بلغ الثالثة عشر عاما.
الرجوع
الرسمية على اإلتفاق وتكوينا لحجّة يمكن لمختلف األطراف ّ
صبغة ّ
وتعتبر شكلية التدوين إضفاء لل ّ
274
إليها ،واإلستناد عليها عند اإلقتضاء.
أن هناك نماذج مختلفة لمحاضر اتّفاق موضوعة على ذ ّمة مندوبي حماية
وتجدر اإلشارة إلى ّ
صة بكل حالة ،بصفة دقيقة وواضحة ،لتحقق الشروط ّ
الطفولة حيث يكفيهم تعمير المطبوعات الخا ّ
275
القانونية.
وتتض ّمن المطبوعة تاريخ انعقاد اإلجتماع وهويّة المشاركين فيه وصورة مل ّخصة عن وضعيّة
276 ّ
الطفل والتدبير المتّخذ في شأنه مع إمضاء األطراف.
ومن شكليّات اإلتفاق 277أيضا أنّه يقع تالوته على مختلف األطراف بما في ذلك الطفل المهدّد إذا
278
بلغ الثالثة عشر من عمره لتمتّعه بالتّمييز وقدرته على فهم مضمون اإلتّـفاق.
تنص أحكام المجلّة على قابليّة التدابير اإلتفاقيّة للطعن فإنّها أعطت في المقابل لمندوب
ّ ولئن لم
حماية الطفولة صالحيّة متابعة نتائج تلك التّدابير ومراجعتها بما يضمن قدر اإلمكان ابقاء ّ
الطفل في محيطه
- 274مح ّمد الحبيب الشريف :شرح مجلّة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .170
الطفل .مرجع سابق .ص 170 - 275مح ّمد الحبيب الشريف :شرح مجلّة حماية ّ
الطفولة .مرجع سابق .ص 41 الردادي :مندوب حماية ّ
- 276نجالء ّ
ي .مرجع سابق .ص .262 - 277رضا خماخمّ :
الطفل والقانون الجزائي التونس ّ
- 278محمد الحبيب الشريف :شرح مجلّة حماية ّ
الطفل المهدّد.مرجع سابق .ص 171
- 279لطفي الدواس :خواطر حول حماية ّ
الطفل المهدّد مرجع سابق .ص .86
الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .86 - 280لطفي الدواس :خواطر حول حماية ّ
الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .86 - 281لطفي الدواس :خواطر حول حماية ّ
74
الجزء الثاني :آليات الحماية
وهو ما جاء بالفصل 44من م 282
العائلي وعدم فصله عن أبويه أو إرجاعه إليهما في أقرب وقت ممكن
ح ط.
ومن خالل الفصل 41من م ح ط نتبيّن أن مندوب حماية الطفولة يقوم بالعمل التوعوي والتوجيهي
ومتابعة الطفل ومساعدة األسرة سواء بطلب من األبوين أو أحدهما أو الحاضن أو المقدّم على الطفل أو
المتع ّهد بالرعاية أو أية جهة أخرى ،كما أن المندوب مطالب بإعالم قاضي األسرة بكل الملفات المتعهد
بها ضمن مل ّخص شهري ،ما لم يتراء للقاضي وجوب إنهاء كامل الملف إليه ،وهنا نالحظ أن مندوب
حماية الطفولة يخضع إلى رقابة قاضي األسرة.
وكما يتّخذ مندوب حماية الطفولة تدابير اتّفاقيّة في شأن الطفل المهدّد فإنه يمكن كذلك اتخاذ تدابير
عاجلة نظرا لخطورة الحالة.
-1محتوى التدابير:
إن مصلحة الطفل هي أساس كل القوانين والتدابير واإلجراءات المتعلّقة بالطفل 283،وهي مبدأ
قانوني كرسته اتفاقية حقوق الطفل في المادّة 3وأ ّكدت عليه م ح ط في الفصل 4الذي ّ
أقر أيضا ضرورة
مراعاة حاجيات الطفل األدبيّة والعاطفيّة والبدنيّة ،وكذلك سنّه وصحّته ووسطه العائلي وكل ما يتعلّق
بوضعه.
وضمانا لمصلحة الطفل الفضلى التي تستوجب في بعض الحاالت الخطرة تد ّخال عاجالّ ،
أقر
الفصل 45من م ح ط إمكانيّة اتّخاذ مندوب حماية الطفولة بصفة مؤقّتة لتدابير عاجلة 284وذلك في حاالت
75
الجزء الثاني :آليات الحماية
التشرد واإلهمال .كما بيّن نفس الفصل أن هذه التدابير ترمي إلى وضع الطفل بمؤسّسة إعادة تأهيل أو
ّ
بمركز استقبال أو بمؤسسة استشفائيّة أو لدى عائلة أو هيئة أو مؤسّسة اجتماعيّة أو تعليميّة وذلك طبقا
والتشرد تناولهما المشرع بالفصلين 21و 22من م ح
ّ للقواعد المعمول بها .وللتذكير فإن حالتي اإلهمال
تعرضنا لهما ضمن حاالت الخطر المل ّم التي يمكن أن يجد الطفل نفسه فيها.
ط وقد سبق وأن ّ
-2إجراءات التدابير:
تخضع التدابير الوقائيّة العاجلة التي يمكن لمندوب حماية الطفولة اتّخاذها بمقتضى الفصل 45من
م ح ط إلى إذن قضائي عاجل يسلّـم طبقا ألحكام الفصل 35من نفس المجلة المذكورة وذلك ما ن ّ
صت
عليه الفقرة الثانية من الفصل 45سابق الذكر.
وهذا اإلذن العاجل يصدره قاضي األسرة بناء على مطلب يقدّمه مندوب حماية الطفولة على ورق
عادي ،ووجوبيّة الحصول على هذا اإلذن تتماشى مع ّ
الطبيعة اإلستثنائيّة لهذه التدابير 285،كما أن وزارة
محررة بطريقة واحدة لتنظيم وتوحيد طريقة العمل بينها
ّ الشباب والطفولة وضعت نسخا من هذا اإلذن
286
وبين مختلف المحاكم بتراب الجمهوريّة وبين مندوبي حماية الطفولة.
وعلى خالف التدبير اإلتّفاقي فإن التدبير العاجل ال يستوجب التشاور مع األطراف المعنيّة أي
الطفل وأبويه بل يعلمهم مندوب حماية ّ
الطفولة بالتدبير العاجل الذي يحدّده ويأخذ رأيهم بشأنه ما لم يتع ّذر
نص عليه الفصل 47من م ح ط.
عليه ذلك وهو ما ّ
وما يمكن مالحظته بخصوص هذا الفصل هو أن المشرع استعمل عبارة " التدابير العاجلة التي
حدّدها" أي مندوب حماية الطفولة والواقع أنه لم يحدّدها وإنما أذن بها قاضي األسرة حسب الفصل 45
وما يثير بعض اإلستغراب بخصوص أحكام هذا الفصل أيضا هو أخذ رأي الطفل وأبويه 287
من م ح ط.
بشأن التدبير العاجل الذي أذن به قاضي األسرة ،وهنا نتساءل ما الفائدة في أخذ رأي الطفل وأبويه بشأن
تدبير عاجل اتّخذ في ّ
حق طفل مهدّد وفي حالة خطر مل ّم وهو ما يدعو إلى التعجيل بالتدخل لحمايته قبل
فوات األوان؟
- 285سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال .مرجع سابق .ص .106
- 286نجالء الردادي :مندوب حماية الطفولة .مرجع سابق .ص .43
- 287محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .190
76
الجزء الثاني :آليات الحماية
فالتدابير العاجلة التي تتّـخذ في حاالت الخطر المل ّم تأخذ طابعا يمكن وصفه باستعجال
288
اإلستعجال.
فحسب ما جاء بالفصل 46من م ح ط فإن مندوب حماية الطفولة في حاالت الخطر المل ّم " يمكن
بالقوة العا ّمة ووضعه بمكان آمن وتحت
ّ أن يبادر بإخراج الطفل من المكان الموجود فيه ولو باإلستنجاد
عرف نفس الفصل المذكور الخطر المل ّم بأنه
مسؤوليته الشخصيّة مع مراعاة حرمة محالت السّكنى" .كما ّ
"كل عمل إيجابي أو سلبي يهدّد حياة الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية بشكل ال يمكن تالفيه بمرور
الوقت".
- 288رضا خماخم :الطفل والقانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص .262
- 289محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .197
77
الجزء الثاني :آليات الحماية
- 290سامية دولة :قضاء األطفال في مجلة حماية الطفل ،مركز الدراسات القانونية والقضائية تونس .2005ص .7
- 291سامية دولة :قضاء األأطفال في مجلة حماية الطفل ،مرجع سابق .ص .7
- 292فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية .كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
.2002/2001ص .73
- 293فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مرجع سابق .ص .73
- 294مجدي عبد الكريم أحمد الم ّكي :جرائم األحداث وطرق معالجتها في الفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة .دار الجامعة الجديدة للنشر .اإلسكندرية
.2009ص .5
78
الجزء الثاني :آليات الحماية
الفقرة األولى :كيفية تع ّهد قاضي األسرة:
حسب الفصل 51من م ح ط هناك طريقتين لتع ّهد قاضي األسرة ،فهذا األخير يمكن أن يتعهد
مجرد مطلب (أ) كما يمكنه أن يتع ّهد تلقائيّا (ب).
ّ بوضعية الطفل المهدّد بناء على
مجرد مطلب:
ّ أ -التع ّهد بناء على
أوكل المشرع إلى قاضي األسرة مه ّمة التد ّخل الوقائي لحماية الطفل المهدّد على معنى الفصل 20
من م ح ط وال يمكنه بأي حال من األحوال التوسّع في المجال المحدّد له وتناول مجال من مجاالت حياة
295
الطفل غير معني بالحماية.
واستنادا إلى نفس الفصل المذكور سابقا أي الفصل 51من م ح ط نتبين أن األطراف المعنية
بعبء تعهيد قاضي األسرة 297بوضعية الطفل المهدّد تنقسم إلى هياكل قضائيّة ()1وأخرى إدارية(.)2
-1الهياكل القضائية:
حسب ما جاء بالفصل 51من م ح ط فإن الهياكل القضائية التي يمكنها أن تصدر مطلب إلى
قاضي األسرة حتى يتع ّهد بوضعيّة الطفل المهدّد هي كل من قاضي األطفال والنيابة العموميّة.
• قاضي األطفال:
ما تجدر مالحظته أوال وهو أن تع ّهد قاض لقاض آخر أمر غير مألوف في النظام القضائي
تبررها المصلحة الفضلى للطفل 298،فقاضي
التونسي ،ويعتبر هذا اإلجراء إضافة إجرائية أتت بها م ح ط ّ
المختص بالنظر في ملف الطفل الجانح ،على أن التع ّهد بملف ذلك الطفل يمكن
ّ األطفال هو ذلك القاضي
- 295لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .88
- 296رضا خماخم :الطفل والقانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص .280
- 297فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مرجع سابق .ص .96
- 298فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مرجع سابق .ص .99
79
الجزء الثاني :آليات الحماية
أن يؤول إلى التصريح بعدم وجود جريمة ويتراءى له حاجة الطفل للمساعدة والحماية ،وذلك إذا ما
299
تبيّن وأنّه ضحيّة وضعيّة يمكن أن تؤدّي إلى تدهور حالته النّفسيّة أو اإلجتماعيّة وهو يعتبر في هذه الحالة
300
طفال مهدّدا يجب احتضانه ومتابعته تجنّبا لمخاطر اإلنزالق في عالم الجريمة.
عدّد المشرع على سبيل الحصر أوجه تع ّهد قاضي األسرة بالفصل 51من م ح ط دون إيراد
إمكانية تع ّهده من قبل قاضي تحقيق األطفال والحال أن الفصل 92من نفس المجلة أورد هذه اإلمكانية
301
وهو ما يتّجه تداركه في ظ ّل ال ّ
صياغة الواردة بالفصل 51المذكور.
• النّيابة العموميّة:
تعتبر النيابة العموميّة الوكيل الممثّـل للمجتمع والضامن الستقراره ،وباعتبار أن األسرة واألطفال
صة يمثّـلون نواة ّ
مكونة وفاعلة داخل المجتمع 302،فإن هذا الجهاز القضائي يلعب داخل األسرة بصفة خا ّ
دورا ها ّما في مجال حماية الطفل.
نظرا إلى أن النّيابة العموميّة على اتّصال دائم ومباشر مع أعوان الضابطة العدلية من شرطة
وحرس وطني فيمكن أن ينهى إليها محضر يتض ّمن سوء معاملة أو قسوة أو جريمة منسوبة لوالدي الطفل
فترى وجوب إشعار قاضي األسرة 303كذلك ومن خالل متابعتها للقضايا المنشورة لدى قلم التحقيق يمكنها
ّ
اإلطالع على حاالت صعبة ووضعيّات خطيرة يعيشها الطفل وتهدّد حياته وسالمته البدنية والمعنويّة ،كما
يمكن أن يبلغ إلى علمها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وجود طفل في حالة خطر فمثال يمكن أن تتوجّه
منظمة بمكتوب في طلب التد ّخل لفائدة طفل أو أطفال مهدّدين وفي الحاالت القصوى بإشعار من طرف
304
الطفل المميّز نفسه الذي يلتمس الحماية.
ونظرا للدور الهام الذي تلعبه النيابة العموميّة في الكشف عن الوضعيّات الخطيرة والجرائم
المرتكبة ض ّد األطفال ،ربما يكون من األفضل التنصيص على وجوب تعهيد قاضي األسرة من قبل النيابة
العموميّة لتحقيق حماية أنجع للطفل من الخطر الذي يهدّده وإنقاذه قبل فوات األوان.
- 299مصطفى بن جعفر :الحماية القضائية للطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .48
- 300مصطفى بن جعفر :القانون الجزائي التّونسي .القسم العا ّم .د ن تونس 2009ص .315
- 301لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .89
- 302فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مرجع سابق .ص .97
- 303محضر بحث مصلحة وقاية األحداث عــ72ـدد (أنظر الملحق عدد .)2
- 304مصطفى بن جعفر :الحماية القضائية للطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .49
80
الجزء الثاني :آليات الحماية
-2الهياكل اإلدارية:
استنادا إلى الفصل 51من م ح ط يمكن لقاضي األسرة أن يتع ّهد بوضعيّة الطفل المهدّد بمقتضى
مطلب صادر عن هيكل إداري كمندوب حماية الطفولة أو المصالح والمؤسسات العمومية.
تعرضنا إلى كيفيّة تع ّهد مندوب حماية الطفولة بوضعيّة الطفل المهدّد وذلك من خالل
لقد سبق وأن ّ
آلية اإلشعار .واستنادا إلى ما جاء بالفصل 39من م ح ط في فقرته الثانية فإن مندوب حماية الطفولة يحدّد
صبغة
اإلجراء المناسب حسب خطورة الحالة التي يعيشها الطفل ويقترح تبعا لذلك التدابير المالئمة ذات ال ّ
يقرر رفع األمر إلى قاضي األسرة ،305لذلك يعتبر مندوب حماية الطفولة أكثر األجهزة اتصاال
اإلتفاقية أو ّ
بقاضي األسرة ،فقد أعطاه المشرع صالحيات واسعة وجعل منه الجهاز المختص بدراسة ومتابعة حالة
محرك العمل الوقائي بالنسبة آلليات الحماية الوقائية
ّ األطفال " 306.فإذا كان مندوب حماية الطفولة هو
محرك العمل الوقائي بالنسبة آلليات الحماية الوقائية القضائية .وهما
ّ اإلجتماعية ،فإن قاضي األسرة هو
307
آليتان متكاملتان ألن الغرض منهما واحد وهو توفير حماية فعّالة لألطفال المهدّدين".
من بين الهياكل اإلداريّة التي يمكن لقاضي األسرة أن يتع ّهد بمقتضى مطلب صادر عنها ،ذكر
الفصل 51من م ح ط المصالح العموميّة للعمل اإلجتماعي والمؤسّسات العموميّة المعنيّة بشؤون الطفولة.
إن المصالح العموميّة للعمل اإلجتماعي تخضع إلى رقابة وإشراف وزارة الشؤون
اإلجتماعيّة،حيث يتع ّهد العون اإلجتماعي بالحاالت اإلجتماعيّة التي يت ّم اكتشافها من قبل المربّين وهي
باألساس كثرة الغيابات وعدم القدرة على التركيز وانحراف السلوك وتراجع النتائج المدرسيّة وهي
يمر بها الطفل 308،ولحماية الطفل من كل ما يش ّكل خطرا على مؤ ّ
شرات تعكس الصعوبة التي يمكن أن ّ
صحّته وسالمته البدنيّة والمعنويّة تتولى المصالح العموميّة للعمل اإلجتماعي تعهيد قاضي األسرة بموجب
مطلب تصدره عمال بما جاء بالفصل 51من م ح ط.
وأما المؤسسات العموميّة المعنيّة بشؤون الطفولة فيمكنها كذلك تعهيد قاضي األسرة بملفّات األطفال
المهدّدين بمقتضى مطلب تصدره في ذلك،ومن بين هذه المؤسسات نذكر مراكز الدفاع واإلدماج اإلجتماعي
- 305طلب إيداع طفل عـ310ـدد ،طلب التعهد بوضعية طفل عـــــ259ـــدد ،عــــ246ـــدد،عــــ213ـــدد (أنظر الملحق عدد .)2
- 306مصطفى بن جعفر :الحماية القضائية للطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .49
- 307رضا خماخم :الطفل والقانون الجزائي التونسي .مصدر مرجع سابق .ص .277
- 308فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مرجع سابق .ص .103
81
الجزء الثاني :آليات الحماية
المبكر عن الظروف والوضعيّات التي يمكن
ّ ومراكز اإلحاطة والتوجيه اإلجتماعي التي تساهم في الكشف
309
أن تؤدّي إلى اإلنحراف وعدم التكيّف اإلجتماعي.
وإضافة إلى هذه المراكز أيضا نجد المراكز المندمجة للشباب والطفولة التي من بين مهامها كفالة
األطفال المهملين وفاقدي السند العائلي وإيواء المهدّدين قصد رعايتهم وتربيتهم إلى غاية زوال حالة
التهديد 310 ،ونجد كذلك المعهد القومي لرعاية الطفولة الذي يتولى رعاية الطفولة الفاقدة للسند العائلي من
الرضع واألطفال دون السّت سنوات .فكل هذه المصالح والمؤسّسات العموميّة يمكنها تعهيد قاضي األسرة
ّ
بوضعيات األطفال المهدّدين .كما أن قاضي األسرة نفسه يمكن أن يتع ّهد تلقائيّا بمثل هذه الوضعيّات.
يمكن القول إن تع ّهد قاضي األسرة من تلقاء نفسه يع ّد من المؤسّسات الجديدة والتي يمكن اعتبارها
مخالفة لإلجراءات المدنية المؤسّسة على مبدأ حياد القاضي 311،إضافة إلى تعارضها مع النظرية العا ّمة
لإلجراءات الجزائيّة المؤسّسة على مبدأ التفرقة بين سلطة التحقيق والتّتبع والمحاكمة 312،إال أن ذلك يمكن
تبريره بسعي المشرع إلى ضمان مصلحة الطفل الفضلى وما يحدوه من هاجس تمكين أكبر عدد ممكن من
313
األطفال المهدّدين من التمتّع بتد ّخل قضائي وقائي ناجع.
يحصل هذا النوع من التع ّهد عندما يعاين قاضي األسرة بنفسه وجود طفل في حالة خطر 314،ومن
بين الحاالت التي يمكن أن تطرح أمام قاضي األسرة حالة رفض قبول الطفل من كال األبوين عند صدور
قرار في الحضانة من طرف قاضي األسرة ،إذ أن هذه الحالة ال تحتاج أن يقع إعالمه بها فهو يعاينها
بنفسه عند تولّـيه البتّ في قضيّة طالق 315.وتع ّد جلسات إجراء المحاولة الصلحيّة من أه ّم مصادر علم
قاضي األسرة التي يتع ّهد بمقتضاها من تلقاء نفسه 316.غير أنه يمكن أن يحصل العلم لقاضي األسرة بوجود
طفل في حالة صعبة بطريقة مباشرة كأن يعاين مباشرة حالة طفل مهدّد كأي شخص عادي يعلم بوجود
طفل يعيش ظروفا صعبة تهدّد حياته وسالمته البدنية أوالمعنويّة .وكذلك يمكن أن يتع ّهد قاضي األسرة
تلقائيّا بمقتضى اإلشعارات التي يفضّل بعض المواطنين القيام بها لديه.
82
الجزء الثاني :آليات الحماية
إن التع ّهد التلقائي لقاضي األسرة يضفي على التد ّخل النّجاعة المطلوبة كما يمكن تبريره بسببين:
ّأوال حالة الشخص المعني بالحماية وهو الطفل فنظرا لعدم نضجه البدني وال ّذهني فهو غير قادر عمليّا
على تقدير حالة الخطر التي يوجد عليها وهو بالتالي يحتاج إلى من يساعده ويحميه م ّمن يؤذيه ويش ّكل
خطرا عليه ،لذلك فإن التد ّخل القضائي الحمائي يفرض نفسه لما يتمتّع به القاضي من صالحيات واسعة
من شأنها تجاوز العوائق التي قد تحول دون القائمين باإلشعار للتد ّخل لفائدة الطفل فيلجأ قاضي األسرة
317
ليتع ّهد تلقائيّا.
المبرر الثاني للتعهد التلقائي لقاضي األسرة فهو حالة التأ ّكد،بحيث توجد عالقة بين حالة التأكد
ّ وأما
والتع ّهد التلقائي ،ونالحظ أن عمل قاضي األسرة يقترب من اختصاص القضاء اإلستعجالي ،ومن المظاهر
318
التي تكتسي صبغة التأ ّكد المشترطة في القضاء اإلستعجالي منع استفحال الضرر واستمراره.
يمكن أن يكون الطفل في وضعيّة صعبة تهدّد حياته كحاالت الخطر المل ّم بما يستوجب تد ّخال
عاجال لحمايته وانتشاله من الوضع الخطير الذي هو فيه قبل فوات األوان ،لذلك فإن تد ّخل قاضي األسرة
319
تلقائيا لرفع الخطر عن الطفل يكتسي طابعا استعجاليا نظرا لحالة التأكد.
وبمجرد تعهدّه بوضعيّة طفل مهدّد بصفة تلقائية أو بمقتضى مطلب صادر عن أحد األطراف ّ
المذكورة بالفصل 51من م ح ط فإن قاضي األسرة يتولّى القيام بجملة من األعمال اإلستقرائيّة.
استنادا إلى معيار مصلحة الطفل الفضلى ،فإن قاضي األسرة مطالب بالتحقّق من حالة الطفل
يمر فعال بحالة صعبة على معنى الفصل 20من م ح ط وأن هناك حقّا ما يش ّكل
المعروضة عليه إن كان ّ
خطرا يهدّد حياته وسالمته البدنية أو المعنويّة بما يستوجب التدخل لحمايته واتّخاذ التدبير الحمائي المناسب
83
الجزء الثاني :آليات الحماية
في شأنه .ولضمان حماية ناجعة وتحقيق الهدف المنشود من تد ّخل قاضي األسرة ،فإن هذا األخير متّعه
المشرع بعدّة صالحيات تحقيقيّة ( )1كما م ّكنه من اإلستعانة بعدّة هياكل تساعده في أعماله اإلستقرائيّة
(.)2
صل إلى إن الصالحيات التحقيقيّة التي يتمتّع بها قاضي األسرة ّ
تخول له جمع المعطيات حتى يتو ّ
تكوين ملف كامل ومكتمل حول وضعيّة الطفل المهدّد 323،وعمال بمقتضيات الفصل 52من م ح ط فإن
قاضي األسرة " يتلقى اإلعالمات والتقارير ويتولى جمع المعطيات وسماع من يرى فائدة في سماعه
للوقوف على وضعية الطفل الحقيقيّة" ،ونفهم من الفصل المذكور أن هذه اإلعالمات والتقارير يتلقاها
قاضي األسرة من الهياكل التي عهدته بملف الطفل المهدد على معنى الفصل 51من م ح ط ،وهذه الهياكل
كما سبق وأن ذكرنا هي كل من قاضي األطفال ،النيابة العمومية ،مندوب حماية الطفولة ،المصالح العمومية
للعمل اإلجتماعي والمؤسسات العمومية المعنية بشؤون الطفولة ،والتي عليها جمع أكثر ما يمكن من
324
المعطيات إلنارة قرار قاضي األسرة.
وتسمح صياغة الفصل 52من م ح ط أن يتولى قاضي األسرة القيام شخصيّا بمعاينات وتوجّهات
على عين المكان أو أن يكون مصحوبا في ذلك بأحد أعوان العمل اإلجتماعي بالجهة.
إن الصالحيات التحقيقيّة الممنوحة لقاضي األسرة بمقتضى ما جاء بفصول مجلة حماية الطفل هي نفسها
صدد أن مه ّمة األول تختلف عن مه ّمة الثاني،
الممنوحة لقاضي التحقيق ،لكن تجدر اإلشارة في هذا ال ّ
فقاضي األسرة ال يبحث عن دليل إثبات أو عن وقائع ما ّديّة بل إنه يحتفظ في كل الحاالت بسلطته
- 323محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل ،مرجع سابق .ص .202
- 324محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .202
- 325محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .202
84
الجزء الثاني :آليات الحماية
التقديريّة ،فهو ال يحقق مع الطفل بل يسمعه ويترك له المجال ليعبّر عن آرائه وحاجياته الماديّة
326
327
والمعنويّة ،إذ أن رغبة المشرع ترمي إلى معاملة الطفل كشخص.
ولمزيد اإللمام بوضعيّة الطفل الصعبة يمكن لقاضي األسرة اإلستعانة بعدّة هياكل.
صين حتى
إن قاضي األسرة في تونس مثله مثل قاضي األطفال في فرنسا محاط بفريق من المخت ّ
328
يجري تحقيقاته على أكمل وجه.
صة حول
يمكن لقاضي األسرة أن يأذن بإجراء أبحاث اجتماعيّة أو طلب توضيحات عا ّمة أو خا ّ
األوساط التي يعيش فيها الطفل كاألسرة ،األجوار ،الحي ،المدرسة ...ويمكن أن يستعين في ذلك بمندوب
ينص على إمكانية تكليف قاضي األسرة مندوب حماية
ّ حماية الطفولة كما جاء بالفصل 54من م ح ط الذي
الطفولة بإتمام األبحاث وجمع المعلومات حول وضعيّة الطفل الحقيقيّة وتحديد حاجياته .329فكما سبق وأن
ذكرنا فمندوب حماية الطفولة هو المختص الميداني في شؤون الطفولة وهو أكثر األجهزة اتّصاال بقاضي
األسرة لذلك يكلّـفه بإجراء األبحاث وجمع المعلومات حول الطفل ،فتكوينه ومؤ ّهالته تمكنّه من فهم نفسيّة
330
الطفل فضال عن تمتّعه بصفة مأمور الضابطة العدليّة مما ّ
يخول له استدعاء الطفل وأبويه وسماعهم
والدخول إلى األمكنة التي يوجد فيها الطفل ،لذلك فهو يجمع كل المعلومات المتعلّقة بشخصيّة الطفل
يخص وضعه
ّ وسلوكه داخل األسرة والمدرسة والمحيط الذي يوجد فيه بصفة عا ّمة ،وكذلك جمع كل ما
اإلجتماعي والتعليمي والصحي والنّفسي.
ورغم أهميّة الجهود التي يقوم بها مندوب حماية الطفولة إال أن عمله ال يجب أن يستغرق وقتا
يضر بمصلحة الطفل ،لذلك وعمال بما جاء بالفصل 54من م ح ط فإن المندوب
ّ طويال 331،ألن ذلك قد
يكون ملزما بإنهاء نتائج أعماله في أجل ال يتعدّى الشهر ما لم تقتض مصلحة الطفل التّمديد في األجل
المبرر المعقول لهاجس اإلسراع
ّ ووافق قاضي األسرة على ذلك ،وال شك أن مصلحة الطفل الفضلى هي
332
والتحريات حتى ال يبقى الخطر الذي يهدّد الطفل قائما دون عالج.
ّ بإتمام األبحاث
85
الجزء الثاني :آليات الحماية
صة بالجهة ،فحسب الفصل 55من م ح ط فإن
كذلك يمكن لقاضي األسرة اإلستعانة بالسلط األمنيّة المخت ّ
هذه السلط تقوم بجمع المعلومات حول سيرة الطفل وسلوكه.333
كذلك وحسب نفس الفصل المذكور آنفا يمكن لقاضي األسرة أن يأذن بعرض الطفل على الفحص
الطبي أو الطبي النفساني أو إجراء األعمال واإلختبارات التي يراها ضرورية للوقوف على حاجيات
الطفل.334فعندما يبدو أن األطفال أو اآلباء يعانون من اضطرابات في الصحة الجسديّة أو العقلية بحيث أن
مختص يكون
ّ أعوان العمل اإلجتماعي أو القاضي ال يملكون اإلختصاص لتقديرها ،فإن اللجوء إلى
ضروريّا 335ألخذ فكرة حول نفسية الطفل وما قد يكون مصابا به من عقد نفسيّة ودوافع شعوريّة أو ال
336
شعوريّة.
وتذ ّكرنا مختلف هذه الصالحيات التحقيقيّة الممنوحة لقاضي األسرة بمقتضى الفصول 54 ،52و
55من م ح ط بالصالحيات واألعمال التي يجريها قاضي التحقيق في المادة الجزائيّة وهو ما ذهب بالبعض
إلى القول بأن قاضي األسرة ما هو إالّ قاضي مشرف على مكتب تحقيق اجتماعي بما لهذه العبارة من
337
خوالن له أن يلعب دورا أساسيا في حماية الطفل.
معنى وبعد ي ّ
دائما في إطار تحقيق مصلحة الطفل الفضلى ،يمكن لقاضي األسرة أن يتّخذ قرارا وقتيّا( )1لحماية
الطفل ويخضع هذا القرار إلى المراجعة الشهريّة(.)2
محاولة منه المحافظة على مصلحة الطفل وخوفا عليه من أي خطر ،فإن قاضي األسرة وقبل
التع ّهد في األصل يتّخذ تدابير مؤقّتة بناء على ما تج ّمع لديه من معلومات 338،فحسب ما جاء بالفصلين 53
يقرر مؤقّتا فصل الطفل عن محيطه العائلي،
و 56في فقرته الثانية من م ح ط فإن قاضي األسرة يمكنه أن ّ
فحسب الفصل .53يكون ذلك بناء على تقرير صادر عن مندوب حماية الطفولة يتعلّق بضرورة فصل
86
الجزء الثاني :آليات الحماية
صة إذا كان أفراد العائلة هم مصدر الضرر الالّحق
الطفل عن عائلته إذا اقتضت مصلحته الفضلى ذلك خا ّ
بالطفل أو الخطر المحدق به.
حسب الفقرة الثانية من الفصل 56من م ح ط يمكن لقاضي األسرة أن يتّخذ قرارا وقتيا في إبعاد
الطفل عن عائلته واإلذن بوضعه تحت نظام الكفالة مع إلزام أبويه بالمساهمة في اإلنفاق عليه وينفّذ قراره
فورا ،فمصلحة الطفل هي المعيار األساسي الذي يمكن على أساسه فصل الطفل عن عائلته رغم أن مجلة
حماية الطفل في فصلها الثامن قد اقتضت أن كل قرار يقع اتّخاذه يجب أن يهدف إلى "إبقاء الطفل داخل
محيطه العائلي وعدم فصله عن أبويه إال إذا تبيّن للسلطة القضائيّة أن هذا الفصل ضروري لصيانة مصلحة
الطفل الفضلى ،ويجب أن يكفل القرار للطفل الحق في مواصلة التمتع بمختلف ظروف الحياة والخدمات
المالئمة لحاجياته ولسنّه والمتناسبة مع المحيط العائلي العادي".
يتعرض الفصل 53من م ح ط إلى المكان الذي يمكن للقاضي أن يضع فيه الطفل خالل
ّ ولئن لم
تلك الفترة فإنه من المرجّح أن يكون بإحدى المراكز اإلجتماعيّة التي تتكفّل باإليداع الوقتي.
وأما الفقرة الثانية من الفصل 56من م ح ط فتنص على أن قاضي األسرة يمكنه اإلذن بوضع الطفل –
بعد أن يت ّم فصله عن عائلته -تحت نظام الكفالة مع إلزام أبويه بالمساهة في اإلنفاق عليه.
وينص
ّ 339
ويتمثّل نظام الكفالة في وضع الطفل داخل عائلة بديلة أو مؤسّسة مؤ ّهلة لكفالة األطفال،
الفصل 66م ح ط في هذا اإلطار على أنه "تع ّد قائمات في العائالت والمؤسسات المؤهلة لكفالة األطفال
من قبل الوزراء المكلّفين بالشباب والطفولة وشؤون المرأة واألسرة والشؤون اإلجتماعيّة".
كما تجدر اإلشارة أن نظام الكفالة الوارد ذكره بالفصل 56م ح ط يختلف عن نظام الكفالة الوارد
ذكره بالفصل 3وما بعده من القانون عـــ27ــدد لسنة 1958المؤرخ في 4مارس 1958والمتعلّق
المحرر من قبل عدلين
ّ بالوالية العموميّة والكفالة والتبنّي ذلك أنّها كفالة حكميّة وليس مبناها العقد ّ
الرسمي
والمصادق عليه من قبل قاضي الناحية 340،كما أنها كفالة تنتهي ببلوغ سن الثامنة عشرة كاملة في حين أن
الكفالة التعاقديّة تنتهي مبدئيا ببلوغ ّ
سن الرشد القانوني المحدّد بعشرين عاما ،كما أنها أيضا كفالة يساهم
341
الوالدان بمناسبتها في اإلنفاق على اإلبن المكفول ويقدّر قاضي األسرة تلك المساهمة.
يتعرض أي فصل من فصول م ح ط إلى مدى إمكانيّة الطعن في التدبير الوقتي الصادر عن
ّ لم
قاضي األسرة على معنى الفصلين 53و 56من نفس المجلة بما يؤكد أن المشرع اختار على صواب
- 339محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .213
- 340لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .92
- 341لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدّد .مرجع سابق .ص .92
87
الجزء الثاني :آليات الحماية
نظرا إلى أنه أعطى لقاضي األسرة خاصة بالنسبة لصورة الفصل 53إمكانية 342
طريقة عدم الطعن
مراجعة التدبير الوقتي شهريا.
انسجاما مع أحكام الفصلين 7و 8م ح ط اللّذين أ ّكدا على العمل الوقائي داخل المحيط العائلي
باعتباره المحيط الطبيعي بالنسبة للطفل ،اقتضى الفصل 53من م ح ط مراجعة التدبير الوقتي كل شهر
حتى ال يكون من قبيل " الوقتي الذي يدوم" 343،فهذه المراجعة الشهريّة ترمي إلى العمل على إرجاع
الطفل إلى والديه متى توفّرت الظروف المالئمة لذلك وبعد إزاحة الخطر الذي ّ
برر اتّخاذ مثل هذا التدبير
344
في حقّه.
وعلى خالف التّدبير الوقتي الوارد بالفصل 53فإن التدبير الوقتي الوارد بالفصل 56لم يخضعه
المشرع إلى المراجعة الشهريّة ،على أنه يجب على قاضي األسرة السّهر على متابعة وضعيّة الطفل
صة خالل فترة
المأذون بكفالته باإلستعانة بمندوب حماية الطفولة وبالمصالح والهيئات اإلجتماعية المخت ّ
تنفيذ التدبير الوقتي المشار إليه بالفصلين 53و 56من المجلة 345،وهو ما يجعل قراراته تتّصف بالمرونة
الالّزمة لتحقيق مصلحة الطفل الفضلى 346.فاتّخاذ قاضي األسرة لتدابير وقتيّة ومتابعته لوضعيّة الطفل
347
المهدّد خالل تنفيذ التّدبير يعتبر تخ ّ
صصا جديدا خارجا تماما ع ّما ألفناه في دور القاضي.
يبدو قاضي األسرة خالل المرحلة اإلستقرائية كقاضي باحث يتمتّع بعدّة صالحيات ّ
خولت له
استقراء حالة الطفل واتّخاذ التدابير الوقتية في شأنه مع متابعتها ومراجعتها بما يضمن مصلحة الطفل
يمر بحالة صعبة وال وجود
الفضلى ،إال أنه وفي صورة أثبتت التقارير واألبحاث المجراة أن الطفل ال ّ
ألي خطر يهدّده بأي شكل كان ،فإن قاضي األسرة يمكنه التصريح بأن ال وجه للتّع ّهد ،وأ ّما إذا ثبت وجود
ما يش ّكل خطرا على حياة الطفل وما يهدّد صحته وسالمته البدنية والمعنوية ّ
فيقرر بالتالي إحالة الملف
على الجلسة الحكميّة وذلك عمال بمقتضيات الفقرة األولى من الفصل 56من م ح.
- 342رضا خماخم :الطفل والقانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص .282
- 343محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص .206
- 344لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .مرجع سابق .ص .91
- 345لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .مرجع سابق .ص .93
- 346فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد .مرجع سابق .ص .45
- 347خديجة المدني :التخصص القضائي في ميداني األسرة والطفولة .مرجع سابق .ص .62
88
الجزء الثاني :آليات الحماية
يقرر"مآل األبحاث
تنص عليه الفقرة األولى من الفصل 56من م ح ط فإن قاضي األسرة ّ
ّ عمال بما
يقرر إحالة الملف على الجلسة
و التقارير المنهاة إليه و يمكنه التصريح بأن ال وجه للتعهد كما يمكنه أن ّ
الحكميّة".
خولت المجلة لقاضي األسرة إمكانية إصدار أحكام لحماية الطفل 348متّبعا في
خالل هذه المرحلة ّ
ذلك جملة من اإلجراءات خالل الجلسة الحكميّة (الفقرة األولى) ثم يصدر حكمه في الموضوع و يبتّ في
القضية باتخاذ القرارات المناسبة في شأن الطفل المهدّد (الفقرة الثّانية).
• سماع ول ّ
ي الطفل:
-رضا الوسالتي :مظاهر العناية بالطفولة في التشريع التونسي .م ق ت أكتوبر . 2002ص 348348
-لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .مرجع سابق .ص 93349
-سامية دولة :قضاء األطفال في مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 11350
-رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي مرجع سابق .ص 282351
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 216352
89
الجزء الثاني :آليات الحماية
و تكون هذه الوالية إما ّ ناتجة عن النسب الشرعي أو عن حكم بالتبني طبق قانون 4مارس 1958
المتعلق بالوالية العموميّة و الكفالة و التبنّي ،و قد ّ
نظمت مجلة األحوال الشخصية أحكام الوالية.
و الجدير بالمالحظة انه كان على المشرع سماع أ ّم الطفل في كل األحوال إذا كانت موجودة نظرا لقربها
353
منه و علمها الدّقيق بأحواله.
فعند قيام الزواج يكون الوالدان هما الحاضنان لطفلهما معا استنادا إلى ما جاء بالفصل 57من م
أ ش من أن "الحضانة من حقوق األبوين ما دامت الزوجية قائمة بينهما" ،و في صورة الطالق تسند
الحضانة إلى األب أو األم استنادا إلى مصلحة المحضون و ذلك طبقا ألحكام الفصول 32و 58و 67م
أ ش .كما يمكن أن تكون الحاضنة امرأة غير األم إذا اقتضت مصلحة الطفل ذلك عمال بأحكام الفصل 67
من م أ ش. 354
المقدّم عن الطفل هو الشخص الذي يعيّنه قاضي التقاديم ليدير أمالك القاصر الفاقد ألبويه و
ي ،وبالنظر لعالقة المقدّم بالطفل يكون سماعه غالبا ذا فائدة معتبرة.355
للوص ّ
- 353محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل مرجع سابق .ص 217
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 217354
- 355محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل مرجع سابق .ص 218
90
الجزء الثاني :آليات الحماية
• سماع كافل الطفل:
يمكن أن تكون كفالة الطفل قد ت ّمت إ ّما بعقد رسمي عمال بأحكام قانون 4مارس 1958المتعلق
بالوالية العموميّة و الكفالة و التبنّي ،و إ ّما بقرار وقتي في إبعاد الطفل عن عائلته و اإلذن بوضعه تحت
نظام الكفالة عمال بأحكام الفصلين 56و 59م ح ط.356
يحرر محضر من قبل كاتب الجلسة يتض ّمن سماع كل واحد من األشحاص المذكورين.357
هذا ،و ّ
حسب الفصل 58م ح ط فإن قاضي األسرة يتلقّى مالحظات ممثّل النّيابة العموميّة و مندوب
يقرر إجراء المرافعات دون حضور الطفل
حماية الطفولة و عند االقتضاء محامي الطفل كما يمكنه أن ّ
مراعاة لمصلحته.
إن حماية الطفل ته ّم النظام االجتماعي ،358فكل تهديد للطفل هو تهديد للمجتمع ،لذلك فإن تد ّخل
النّيابة العموميّة باعتبارها تمثّل المجتمع و نائب الحق العام يكون وجوبيّا ،و يفهم من صياغة الفصل 58
مجرد مالحظات.359
ّ مدعو لتقديم
ّ من م ح ط أن تد ّخل ممثّل النّيابة العموميّة يكون كتابيّا أو شفويّا بما انه
يتواصل دور مندوب حماية الطفولة حتى في الطور الحكمي و ذلك بتقديم مالحظاته كتابيّا أو
شفاهيّا ،وهذه المالحظات تت ّمم ما سبق له تقديمه من تقارير و بيانات أظرفت بملف القضيّة.360
يمكن للطفل أن يستعين بمحام في هذا الطور فيكون القاضي ملزما بسماع ملحوظاته في الغرض
قرر القاضي إجراء المرافعات دون حضور الطفل مراعاة لمصلحته عمال بما
بمحضر الطفل 361إال إذا ّ
نص عليه الفصل 58م ح ط.
ّ
- 356محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل مرجع سابق .ص 218
- 357محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 218و 219
- 358محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 219
359
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 219
360
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مصدر مرجع سابق .ص 219
-لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .مرجع سابق .ص 93361
91
الجزء الثاني :آليات الحماية
إن مالحظات محامي الطفل تكون إ ّما كتابيّة أو شفاهيّة أي يمكنه تقديم تقرير أو مرافعة أو القيام باالثنين
معا.362
وتجدر اإلشارة إلى أن إنابة المحامي في القضايا المتعلّقة بالطفل المهدّد ليست وجوبيّة مما يذ ّكرنا
بالقاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل 68من م م م ت التي تجعل تكليف المحامي أمرا اختياريا في
قضايا األحوال الشخصية .فما من شك أن إقرار حق الطفل في إنابة محام للدّفاع عنه يغيّر نظرتنا التقليديّة
إلى الطفل إذ أن القاعدة هي انه ال يمكن الدفاع عن الطفل إال في شخص وليّه الشرعي نظرا لوجوده تحت
الحجر باستثناء ما تجيزه الفقرة الثانية من الفصل 19من م م م ت من قيام في المادة االستعجالية من
طرف القاصر المميّز إذا كان هناك خطر مل ّم.363
إن إنابة الطفل لمحام للدّفاع عنه هو تأكيد لحقّه في محاكمة عادلة و في الدّفاع عن ذاته وفق ما
أ ّكدته االتفاقية األمميّة لحقوق الطفل و أحكام الفصلين 9و 12من م ح ط.364
و ربما يش ّكل ذلك الحق خطوة أولى نحو اعتماد نظام "محامي األطفال" الجاري به العمل في
بعض البلدان الغربية ككندا مثال حيث يس ّخر محام بصفة آليّة و وجوبيّة للدّفاع عن الطفل في كل القضايا
التي ته ّمه بدون استثناء. 365
سماع األشخاص و تلقّي المالحظات عمل مر ّكز يساهم فيه كل هؤالء األطراف عالوة على البحث
األمني المضاف حول سيرة الطفل ،كل ذلك من شأنه أن ينير قاضي األسرة366بشأن القرارات التي يمكنه
إصدارها.
- 362محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 220
-خديجة المدني :التخصص القضائي في ميداني األسرة و الطفولة .مرجع سابق .ص 62363
- 364محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 220
- 365خديجة المدني :التخصص القضائي في ميداني األسرة و الطفولة .مرجع سابق .ص 63
-محمد الصالح بنحسين :دور قاضي األسرة .م ق ت مارس . 1997ص 60366
13367 -فاطمة الزهراء بن محمود :الوسائل و التدابير في قضاء الطفل المهدد .م ق ت ماي . 2005ص
92
الجزء الثاني :آليات الحماية
تنوع الوسائل في قرارات قاضي األسرة:أّ -
عدّد الفصل 59م ح ط بصفة حصريّة الوسائل التي يمكن لقاضي األسرة أن يحكم بإحداها ،و
متنوعة تفسح له المجال لالجتهاد في اختيار أوفقها بالنسبة لكل طفل حسب مالمح شخصيته
هي وسائل ّ
الخاص ،368فقاضي األسرة يمكن أن يأذن إ ّما بإبقاء الطفل في محيطه العائلي( )1أو بإبعاده
ّ ووضعه
عنه(.)2
المشرع ضمن الفصل 59م ح ط جملة من الوسائل التي تهدف إلى إبقاء الطفل في محيطه
ّ أقر
ّ
مستقرة بقدر حاجته إلى
ّ لنموه النّفسي و الجسدي إلى عالقات عاطفية
العائلي قدر اإلمكان ،فالطفل يحتاج ّ
الغذاء.369
يقرر قاضي األسرة إبقاء الطفل داخل عائلته األصليّة 370متى اتضح له أن العائلة كفيلة بحماية
ّ
كرسته
الطفل من كل األخطار التي يمكن أن تهدّده ،و يعتبر هذا القرار هو األفضل نظرا لتوافقه مع ما ّ
اتفاقية حقوق الطفل التي تفترض كقرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس أن إبقاء الطفل لدى عائلته هو األكثر
تحقيقا لمصلحته الفضلى ،371و كذلك ما اقتضاه الفصالن 7و 8م ح ط من ضرورة إبقاء الطفل داخل
محيطه العائلي و عدم فصله عن أبويه إال في الحاالت القصوى إذ يجب أن يعطى االعتبار للعمل الوقائي
داخل العائلة حفاظا على دورها األساسي في التربية و التعليم و اإلحاطة و الرعاية الالّزمة من اجل ضمان
نمو طبيعي للطفل.
ّ
و يقع عادة اتّخاذ التدبير المتعلّق بإبقاء الطفل لدى عائلته دون أي إجراء آخر عند ثبوت عدم وجود
أي خطر يهدّد حياة الطفل و سالمته البدنية أو المعنوية و انه يتمتّع باإلحاطة النّفسيّة و المادّية الالّزمة
فضال عن أخالقه الجيّدة و سلوكه القويم.
و من الوسائل التي يمكن أيضا أن يأذن بها قاضي األسرة إبقاء الطفل لدى عائلته و تكليف مندوب
يقرر هذا التدبير إذا اتضح له وجود خطر ما على
حماية الطفولة بمتابعته و مساعدة العائلة و توجيهها ،و ّ
الطفل لكن ليست األسرة هي المسؤولة عن هذا الخطر ،لذلك يمكن إبقاء الطفل وسط محيطه الطبيعي ،و
يتولى مندوب حماية الطفولة متابعته و توفير المساعدة و التوجيه و التوعية للعائلة بما يضمن توازن الطفل
نفسيّا و عقليّا و بدنيّا ،لذلك فإن قاضي األسرة و استنادا إلى ما جاء بالفصل )3( 59م ح ط يمكنه أن
- 368محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 222
369
- Antoine Garapon et Denis Salas : La justice des mineurs. Évolution d’un modèle. Edition Bruylant L.G.D.J.
Paris 1995. P 17
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 222370
371
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 223
93
الجزء الثاني :آليات الحماية
يأذن بإخضاع الطفل للمراقبة الطبية و النفسانية ،و نالحظ أن هذا اإلجراء هو من الوسائل المعتمدة من
طرف قاضي األسرة خالل المرحلة االستقرائية ،و لكن لم يحدّد النص مكان تواجد الطفل ،أكان لدى عائلته
أو تحت نظام الكفالة؟ لذا ربّما يقتضي األمر تد ّخال تشريعيّا للتوضيح و التّحديد أو ربّما ال حاجة لذلك
فالمراقبة الطبية و النفسية تبدو ضرورية في كل الحاالت إن بدا للقاضي وجود أي خطر يهدّد صحة الطفل
صة النفسي لدى الطفل هو أمر بالغ األهميّة
الجسديّة أو المعنويّة ،فاالهتمام بالجانب الصحّي و خا ّ
،فالنظرة العمليّة الحديثة ترى أن اإلنسان ال يولد مجرما و أن الظروف البيئية واالجتماعية هي التي تعدّه
ألن يكون مجرما في غالب األحيان خصوصا بالنسبة لألحداث الذين لم تكتمل لديهم بعد القدرة على التمييز
صل في نفوسهم عوامل اإلجرام ،372فالطفل يخضع كلّيا إلى محيطه 373إذ
حرية االختيار و الذين لم تتأ ّ
و ّ
أن التبعيّة و الخضوع يميّزان الطفولة ،374فالطفل يتعلّم كثيرا من خالل التقليد ،و السلوك البسيط الذي
مجرد إنفاق المال على األبناء و تلبية حاجاتهم
ّ يأتيه الحاضن هو مصدر للتربية ،375لذلك فليس المطلوب
المادّية و إنما تلبية حاجاتهم المعنوية بتوفير اإلحاطة النفسية والرعاية العاطفية و احترام آرائهم و ميوالتهم
الفكرية.
إن الوسط السيّئ و المليء بالمشاكل و االضطرابات إضافة إلى تصدّع عرى األسرة هو ما يحدث
اضطرابا في سلوك الطفل و يخ ّل بتوازنه النفسي،لذلك و في صورة ش ّكلت العائلة خطرا على الطفل،
فإن قاضي األسرة يصدر قرارا بإبعاد الطفل عن محيطه العائلي.
حماية للطفل و ضمانا لمصلحته الفضلى ،قد يقتضي األمر اتخاذ قاضي األسرة لقرار بإبعاد الطفل
المهدّد عن وسطه العائلي األصلي لثبوت انه مصدر الخطر الذي يتهدّده أو الضرر الذي ناله و وضعه في
محيط بديل.376
و في صورة إبعاد الطفل عن عائلته فإن الوسيلة القانونية المعمول بها هي نظام الكفالة الذي جاء
به قانون 4مارس 1958المتعلق بالوالية العموميّة و الكفالة و التبنّي كما سبق و أن ذكرنا ،و الكفالة
حسب الفصل 3من هذا القانون هي عقد يقوم بمقتضاه شخص رشيد يتمتّع بحقوقه المدنية أو هيئة بكفالة
طفل قاصر.
372
-علي محمد جعفر :حماية األحداث المخالفين للقانون و المعرضين لخطر االنحراف .مرجع سابق .ص 432
373
- Antoine Garapon et Denis Salas : La justice des mineurs. Évolution d’un modèle. Op.cit. P 15
374
- Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit. P 139
375
- Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit. P 225
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 224376
94
الجزء الثاني :آليات الحماية
و يبدو أن نظام الكفالة في م ح ط ال يقع إال لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية أو مؤسسة
صة ،و بالتالي كان من األجدر في صياغة الفصل )4( 59عدم استعمال حرف "أو" حتى
تربوية مخت ّ
يكون المعنى منصرفا إلى نظام الكفالة وحده مع بيان طرقه الثالث الممكنة ،377مع اإلشارة و أن الفصل
المذكور جاء فيه ما يلي "وضع الطفل تحت نظام الكفالة أو لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية
أو تربوية مختصة".
و من جهة أخرى و كما ذكرنا في موضع سابق فإنه"تع ّد قائمات في العائالت و المؤسسات المؤ ّهلة
لكفالة األطفال من قبل الوزراء المكلّفين بالشباب و الطفولة و شؤون المرأة و األسرة و الشؤون االجتماعية"
،378و تراعى في ذلك الجوانب األخالقية و السلوكية و االجتماعية لهذه العائالت التي يت ّم اختيارها على
التطوع في إطار التكافل االجتماعي .379
ّ أساس
و يمكن أيضا لقاضي األسرة أن يفصل الطفل عن عائلته و يأذن بوضعه بمركز للتكوين أو التعليم
و ذلك كلّما ات ّضح له أن الطفل له من المؤ ّهالت العلميّة أو المهنيّة ما يسمح بوضعه بهذه المراكز التي
تساهم في تطوير نشاطاته ،382و قد تع ّهدت مراكز الدفاع و اإلدماج االجتماعي بهذا الدور الهام و قامت
بتقديم جملة من األنشطة الخصوصيّة داخل فضاءاتها كالخدمات االجتماعية و التأهيل و العمل التربوي
و نذكر مثال مركز اإلحاطة و التوجيه االجتماعي بدوار 383
باإلضافة إلى اإلدماج المهني و المدرسي
هيشر و مركز مالحظة األحداث بمنوبة اللذان يتولّيان قبول األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6و18
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 224377
378
-الفصل 66م ح ط
29379 -الرائد الرسمي للجمهورية التونسية-مداوالت مجلس النواب-جلسة يوم الثالثاء 31أكتوبر 1995ص
-نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدد .مرجع سابق.ص 31380
- 381نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدد .مرجع سابق.ص 144
-سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال .مرجع سابق .ص 118
382
383
-سوسن الماجري :التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال .مرجع سابق .ص 118
95
الجزء الثاني :آليات الحماية
سنة غير المزاولين للتعليم و ال يتابعون أي تكوين مهني ،على أن يتكفّل مركزا الدّفاع واإلدماج
384
االجتماعي بحي التضامن و المالسين بالتع ّهد النّهاري المتمثّل في مختلف وسائل و طرق الرعاية النفسية
و التربوية و التأهيل السلوكي في نطاق الدورات التربوية بهدف إكسابهم معارف ومهارات و قيم تم ّكن
من إعادة تكيّفهم مع المجتمع ،مع العلم و أنّه يت ّم تداول هؤالء األطفال بين اإلقامة بالمؤسسة و الزيارات
385
تطور درجة المصالحة بين الطفل واألسرة.
تتطور مع ّ
ّ العائلية التي
386
هذا و يت ّم إدماج الطفل مهنيّا عن طريق التدريب أو التكوين حسب سنّه و مؤ ّهالته.
هذه هي إذن مختلف القرارات التي يمكن لقاضي األسرة إصدارها و قد وردت على سبيل الحصر و ال
يمكن للقاضي إال االجتهاد "داخلها" باختيار احدها على أساس انه األكثر تطابقا مع مصلحة الطفل
الفضلى.387
اعتبارا للطابع اإلستعجالي للقرارات و الوسائل التي يتّخذها قاضي األسرة 388فقد أ ّكد الفصل 60
م ح ط أن أحكام قاضي األسرة تنفّذ فورا و ال تقبل الطعن باالستئناف باستثناء القرارات القاضية بإبعاد
الطفل عن عائلته أي الوسيلتين األخيرتين المنصوص عليهما بالفصل 59م ح ط و هما وضع الطفل تحت
صة ،و وضع الطفل بمركز
نظام الكفالة أو لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية أو تربوية مخت ّ
للتكوين أو التعليم .فهذه القرارات إن كانت تقبل االستئناف فإنها ال تقبل التعقيب .و يمكن القول إن عدم
قابلية الطعن بالتعقيب يرتكز على أسس منطقيّة و قانونيّة و عمليّة ،ألن قضايا الطفولة المهدّدة يتم االجتهاد
389
فيها بناء على وقائع و ال تطرح في شأنها إشكاالت قانونية عويصة.
و على غرار إمكانية الطعن( )1الواردة استثنائيا بالفصل 60م ح ط كأثر من اآلثار القانونية لقرارات
قاضي األسرة التي كما قلنا تنفّذ بصفة فوريّة ،فإن هذه القرارات تقبل المتابعة و المراجعة من طرف
قاضي األسرة(.)2
بعنوان " آليات حماية الطفل في القانون التونسي " يوم 25مارس . 2004ص 6و 7
-محمد السالمي :دور مؤسسات االستقبال في حماية األطفال المهددين و الجانحين .مرجع سابق .ص 7386
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 225387
-رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 282388
- 389محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 227و 228
96
الجزء الثاني :آليات الحماية
-1الطعن في قرار قاضي األسرة:
إن عدم قابليّة القرارات التي تقتضي إبقاء الطفل في محيطه العائلي إلى الطعن يعتبر منطقيّا ألن
المنازعة مفقودة 390أي المصلحة مفقودة من كل من خو ّل لهم الفصل 61م ح ط الطعن باالستئناف،391
و أما استئناف القرارات المتعلّقة بإخراج الطفل من محيطه العائلي األصلي فيد ّل على أن المشرع ترك
باب رجوع الطفل إلى أهله مفتوحا زيادة في التأكيد على أهمية األسرة بالنسبة للطفل .392
ي أو المقدّم أو
يخول للوالدين أو للول ّ و استنادا إلى ما جاء بالفصل المذكور فإن ّ
حق االستئناف ّ
الحاضن أو المتع ّهد برعاية الطفل أو للطفل المميّز أو من ينوبه.
إقرار حق الطعن باالستئناف للطفل المميّز يذكرنا باالستثناء المتعلّق بالقضاء اإلستعجالي و
ينص على أنّه "في
ّ المدخل على القاعدة العا ّمة لشروط القيام و ذلك بمقتضى الفصل 19م م م ت الذي
المادة اإلستعجالية يمكن قبول القيام من طرف القاصر المميّز إذا كان هناك خطر مل ّم " ،علما و أن المبدأ
هو اشتراط أهلية التقاضي التي ال تتوفّر لدى الشخص إالّ ببلوغه ّ
سن الرشد المدني و هو عشرون عاما،393
مع التذكير و أن الطفل المميّز هو من بلغ الثالثة عشرة من عمره و قد منحه المشرع حق الطعن ضمانا
لمصلحته.
و بالرجوع إلى الفصل 61م ح ط فإن مطلب الطعن يرفع لكتابة محكمة االستئناف في حدود
العشر أيام الموالية لصدور الحكم على غرار األحكام الجزائية ،و بخصوص األجل األقصى لسريان الطعن
نص على أنّه "تبتّ المحكمة في اجل أقصاه خمسة و
وصدور القرار االستئنافي فإن نفس الفصل المذكور ّ
أربعون يوما من تاريخ تقديم مطلب االستئناف" ،و في ذلك حرص من المشرع على اإلسراع بالبتّ في
قضية الطفل المهدّد ،و كانت وزارة الشباب و الطفولة قد أوضحت أن الغرض من تحديد أجال البتّ في
الطعن باالستئناف هو الحصول على قرار باتّ في أقرب اآلجال حتى ال يبقى الطفل في وضعيّة غير
مستقرة و ال يتأثّر بنزاع يطول أمده .394
ّ
هذا و بإصدار قاضي األسرة لحكمه يواصل متابعة تنفيذ قراراته مع إمكانية مراجعتها إذا رأى أن
مصلحة الطفل الفضلى تدعو إلى ذلك.
-رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 282390
-عبد الباسط الخالدي :حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي .مرجع سابق .ص 119391
-محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 227392
- 393محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 230
- 394الرائد الرسمي للجمهورية التونسية-مداوالت مجلس النواب-جلسة يوم الثالثاء 31أكتوبر 1995ص 28
97
الجزء الثاني :آليات الحماية
-2متابعة تنفيذ قرارات قاضي األسرة و مراجعتها:
ليس هناك في المنظومة القانونية التونسيّة المدنية أي حكم يعطي للقضاء صالحية متابعة تنفيذ
أقرتها مجلة حماية الطفل لقاضي األسرة بالفصول من 62
األحكام ذات الطبيعة المدنية غير األحكام التي ّ
إلى ،395 67حيث يلزم الفصل 62م ح ط قاضي األسرة بمتابعة تنفيذ كل األحكام و التدابير التي ت ّم
اتّخاذها أو التي أذن بها إزاء الطفل و يساعده في ذلك مندوب حماية الطفولة المختص ترابيّا.
صدد أن الفصل 62يعطي صفة مزدوجة لقاضي األسرة باعتباره قاضي حكم
و نالحظ في هذا ال ّ
396
وقاضي تنفيذ.
لقد ألزم الفصل 62قاضي األسرة " بمتابعة كل األحكام و التدابير التي ت ّم اتّخاذها" ،فهل نفهم من
صياغة الفصل متابعة كل األحكام أي تلك التي اتخذها قاضي األسرة و تلك التي صدرت عن محكمة
االستئناف بوصفها محكمة درجة ثانية؟ ،مع اإلشارة و أن صياغة النص الفرنسي للفصل 62حصرت
واجب المتابعة لما يصدره قاضي األسرة فقط من تدابير إذ جاء فيه:
« Le juge de la famille est tenu de suivre l’exécution de toutes les mesures
» …et dispositions qu’il a prises ou décidées envers l’enfant
و لكن ما هو متّفق عليه هو أن النص العربي يقدَّم دائما عند الفهم و التطبيق على النص الفرنسي،
و عليه يجوز القول إن قاضي األسرة ملزم بمتابعة التدابير التي أذن بها هو و كذلك األحكام
397
االستئنافية.
ال يكتفي قاضي األسرة بالمتابعة الوجوبيّة للتدابير التي أذن بها إزاء الطفل ،بل يمكنه -مراعاة ً
ي أو من
لمصلحة الطفل الفضلى -أن يراجع تلك األحكام و التدابير بناء على مطلب في الغرض يقدّمه الول ّ
آلت إليه كفالة الطفل أو الحاضن أو الطفل المميّز نفسه.398
و تتمثّل المراجعة في تعويض التدبير المتّخذ بتدبير آخر من التدابير المنصوص عليها بالفصل
59م ح ط ،و ذلك على ضوء ما يتّضح له من مستجدّات في وضعيّة الطفل ناتجة عن ممارسته واجب
متابعة التنفيذ للتّدابير السّابق اتّخاذها في شأن الطفل 399أي أن ظروف الطفل قد تتغيّر نحو األفضل أو
األسوإ وبالتالي ال ب ّد من اتّخاذ تدبير يتماشى و يتالءم مع الحالة التي هو عليها.400
- 395رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 283
- 396محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 234
- 397محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 235
398
-الفصل 63م ح ط
- 399محمد الحبيب الشريف :شرح مجلة حماية الطفل .مرجع سابق .ص 237
- 400طلب مراجعة قرار عـ334ـدد (أنظر الملحق عدد .)4
98
الجزء الثاني :آليات الحماية
و حسب الفصل 64م ح ط فإن مطلب المراجعة الذي يقدّمه أحد األشخاص المذكورين بالفصل
63ينظر فيه قاضي األسرة في ظرف الخمسة عشر يوما الموالية لتقديمه و يقع البتّ فيه بجلسة تعقد على
المقررة بالفصل 58
ّ نحو الجلسة التي ت ّم فيها اتخاذ التدبير المراد مراجعته أي أنها تخضع إلى اإلجراءات
401
من المجلة.
عمال بمقتضيات الفصل 65م ح ط فإن أحكام و قرارات المراجعة ال تقبل الطعن بأي وجه ،فمهما
كان القرار المتّخذ سواء بإبقاء الطفل داخل عائلته أو بفصله عنها فإنه ال يمكن الطعن فيه بأي طريقة
كانت ،فإذا كان القرار المتّخذ بعد المراجعة يقضي بإخراج الطفل من محيطه الطبيعي نظرا لعدم تحسّن
وضعه و بالتالي يكون من األنجع إخراجه من وسطه العائلي ،فإن هذا من شأنه أن يحرم األبوين من حق
التحري ال ّ
شديد ّ الطعن ما دام قرار المراجعة غير قابل للطعن و هذا ما يحفّز السّادة قضاة األسرة على
قبل اتّخاذ قرار مراجعة يقضي بفصل الطفل عن عائلته.402
كما يمكن لقاضي األسرة في إطار متابعة تنفيذ تدابيره إعالم الصناديق االجتماعية المعنيّة بوجوب
صرف المنح العائلية للعائلة أو المؤسسة التي أسندت إليها كفالة الطفل المهدّد.
أن عمليّة المتابعة لهؤالء األطفال المهدّدين قد يتع ّذر القيام بها بصفة واقعية
ما يمكن مالحظته هو ّ
مما يتع ّذر معه تقييم اإلجراءات المتّخذة و مدى مالءمتها مع حالة الطفل المهدّد و خاصة مراقبة حالة
التهديد من عدمه ،403فهناك عدّة صعوبات قد تحول دون تحقيق حماية ناجعة للطفل على مستوى الواقع
العملي ،و لع ّل أبرزها أن العائالت البديلة –كما سبق و أن ذكرنا -بقيت حبرا على ورق ،و كذلك التقصير
البيّن من الجمعيّات و المؤسّسات الحامية للطفولة في نشر الوعي االجتماعي و ترسيخ ثقافة حقوق
الطفل،فمظاهر التهديد وأشكاله والمخاطر التي تحيط باألطفال في عصرنا أخذت تنتشر وتتفاقم تفاقما
سريعا بفعل العولمة وتأثير وسائل اإلتصال الحديثة.
-401الفصل 58م ح ط " يتولى قاضي األسرة سماع الطفل و وليّه أو حاضنه أو مقدّمه أو كافله و يتلقى مالحظات ممثل النيابة العمومية و
يقرر إجراء المرافعات دون حضور الطفل مراعاة لمصلحته". مندوب حماية الطفولة و عند االقتضاء محاميه و يمكن له أن ّ
- 402رضا خماخم :الطفل و القانون الجزائي التونسي .مرجع سابق .ص 283
- 403نجيبة الشريف بن مراد :الطفل المهدد .مرجع سابق.ص 195
99
الخاتمة
الخاتمة
ّ
وألن "الوقاية خير من العالج" فقد أدرك ّ
إن مستقبل كل مجتمع يتحدّد من خالل مستقبل أطفاله،
المعرضين لخطر
ّ المشرع التونسي أهميّة الحماية أو الوقاية التي يمكن أن يوفّرها القانون لفائدة األطفال
ّ
اإلنحراف واإلستغالل بمختلف أشكاله ولك ّل تهديد يمكن أن ينال من سالمتهم البدنيّة والمعنويّة ،لذلك جاءت
لتخصص عنوانا
ّ المؤرخ في 9نوفمبر 1995
ّ مجلة حماية الطفل بموجب القانون عدد 92لسنة 1995
األول الذي تض ّمن 48فصال للحديث عن الحاالت المهدّدة للطفل
كامال لحماية الطفل المهدّد ،وهو العنوان ّ
وآليات حمايته .والطفل المهدّد على معنى م ح ط هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره يجد
صعبة الوارد ذكرها بالفصل 20من هذه المجلة.
نفسه في إحدى الحاالت ال ّ
وهي ثماني حاالت عدّدها المشرع بالفصل 20على سبيل الذكر ال الحصر وقدّم لها تعاريفا رغم
صعوبة حصر مجال التداخل لكنّه حاول تبسيط المفاهيم بتقديم بعض األمثلة ،ويبقى في كل الحاالت
للقاضي اإلجتهاد في تحديد الوضعيات التي يراها مهدّدة لصحة الطفل وسالمته البدنيّة والمعنويّة.
تعرض المشرع في الفصول من 21إلى 27م ح ط إلى مختلف الحاالت الصعبة المهدّدة
لقد ّ
للطفل باستثناء حالة فقدان الطفل لوالديه وبقائه دون سند عائلي الوارد ذكرها في مقدّمة الحاالت الثمانية
المذكورة بالفصل 20والتي لم يفردها بفصل كباقي الحاالت.
تنقسم الحاالت المهدّدة للطفل إلى حاالت تهدّد تربية الطفل وأخرى تهدّد تربيته .فأ ّما األولى فتظهر
من خالل صورتي فقدان اإلطار التربوي وغياب الدّور التربوي .
فالطفل في حاجة أكيدة إلى أسرة تحتضنه وإن فقدها فقد معها اإلستقرار والتوازن .وإن وجدت
هذه األسرة ولكنها لم تقم بواجبها التربوي كما يجب ،فالطفل كذلك في هذه الحالة سيفقد استقراره النّفسي،
فإن اختلّت التربية اخت ّل توازن الطفل واخت ّل معه بذلك توازن األسرة بل توازن المجتمع بأسره ،فتربية
الطفل هي مه ّمة خطرة وعلى األسرة حسن القيام بها .فالتربية السّليمة المبنيّة على األخالق الحميدة والقيم
اإلجتماعيّة واإلنسانيّة السّامية تساهم بشكل كبير في الح ّد من اإلجرام ،إذ ّ
أن التربية الحسنة تعني سلوكا
حسنا والسلوك الحسن يعني عدم اإلنحراف .وبالتالي انخفاض نسب ارتكاب الجريمة في المجتمع .لذلك
الريادي في بناء مجتمع متماسك ومتوازن .وكما يمكن أن تكون تربية الطفل مهدّدة
فاألسرة تلعب الدّور ّ
وفي خطر فإن سالمته البدنية أو المعنوية يمكن أن تكون أيضا في خطر.
إن الطفل بحكم حداثة سنّه وعدم نضجه العقلي والنّفسي فإنه يكون ّ
معرضا أكثر من غيره للمخاطر ّ
التي تنال من سالمته ،وقد تناول المشرع بالفصول 25 ،24 ،22 ،21 ،19و 26م ح ط مختلف الحاالت
100
الخاتمة
الصعبة التي تهدّد الطفل في سالمته البدنية أو المعنويّة ،وهذه الحاالت تشمل حاالت اإلستغالل وحاالت
الخطر المل ّم.
تعرض المشرع بالفصول 19و 25و 26م ح ط إلى حاالت استغالل الطفل وهي اإلستغالل في
ّ
اإلجرام المنظم والذي يشمل اإلستغالل في المخدرات واإلرهاب والنزاعات المسلّحة إال أن المشرع قد
اكتفى في الفصل 19بتعريف اإلستغالل في اإلرهاب فقط.
إن هذه الحاالت بالغة الخطورة على سالمة الطفل الجسديّة والنّفسية فهي تلحق أذى كبيرا به وتهدّد
ّ
حياته بأكملها حاضرها ومستقبلها.
إن الحاالت الثمانية الواردة بالفصل 20م ح ط هي حاالت ال تهدّد الطفل فقط ،وإنّما تهدّد مجتمعا
صعبة التي يوجد عليها الطفل ألنّها المحيط
كامال ،واألسرة هي المسؤول األساسي والمباشر عن الحالة ال ّ
الطبيعي الذي نشأ فيه ّ
الطفل وهي مطالبة بأن تنشئه تنشئة سليمة وتلقّنه مكارم األخالق حتى يكون عنصرا ّ
تحوالت اجتماعيّة قد جعل االسرة ال تحسن
الراهن من ّ
صالحا في المجتمع ،إال أن ما يشهده العصر ّ
اإلمساك بزمام األمور وال تستطيع اإلحاطة بكل جوانب حياة الطفل نظرا لكثرة المغريات التي تحيط به
وفي ظ ّل الثقافة ّ
الرقميّة وما تحمله من مخاطر والسيّما تلك الناجمة عن إشاعة ثقافة العنف واإلرهاب
والجنس والمخدّرات. 404
لقد وضعت م ح ط لفائدة الطفل المهدّد إطارا قانونيّا متكامال بهدف حمايته وضمان سالمته من
كل األخطار التي تهدّده وذلك من خالل ما وفّرته من آليات الحماية اإلجتماعية وكذلك آليات الحماية
القضائيّة.
رضا خماخم :الطفل والقانون الجزائي التونسي :مرجع سابق ص .493 404
101
الخاتمة
فالحماية اإلجتماعيّة للطفل المهدّد (الفصول من 28إلى 50م ح ط ) يوفّرها باألساس مندوب
مختص في شؤون الطفولة المهدّدة يضطلع بدور ذي بعد اجتماعي تربوي
ّ حماية الطفولة وهو هيكل
وأخالقي قبل كل شيء ،وقد حدّد المشرع شروطا لتد ّخله ومنحه عدّة صالحيات حتى يقوم بمه ّمته الوقائية
على أكمل وجه.
ولمزيد تسهيل عمله وضمان تد ّخل ناجع من أجل حماية كل طفل مهدّدّ ،
أقر المشرع آلية اإلشعار
ومقرا جملة من
ّ كواجب ذو بعد أخالقي إنساني فحدّد شروط القيام به وضبط نظامه القانوني مبرزا أنواعه
الضمانات للقيام به وأيضا جزاء اإلخالل به(،الفصول من 31إلى 34م ح ط).
خول المشرع
ومن جهة أخرى ولتوجيه العمل الوقائي بما يتناسب ومصلحة الطفل الفضلىّ ،
لمندوب حماية الطفولة اتّخاذ جملة من التدابير حسب خطورة الحالة التي يوجد عليها الطفل وتعطى
األولوية إلى التدابير اإلتفاقيّة (الفصول من 40إلى 44م ح ط) وأ ّما إن كان يحيط بالطفل خطر محدق
فيمكن لمندوب حماية الطفولة اتخاذ تدابير عاجلة (الفصول من 45إلى 50م ح ط) بصفة مؤقتة بعد
الحصول على إذن قضائي عاجل من قاضي األسرة وأ ّما في حاالت الخطر الملّم فيمكن المبادرة بإتّخاذ
هذه التّدابير لكن مع ضرورة الحصول على إذن قضائي ّ
يقر بصبغتها اإلستعجاليّة في أجل أقصاه أربع
وعشرون ساعة.
ونالحظ في هذا اإلطار أن تد ّخل مندوب حماية الطفولة لحماية الطفل المهدّد هو تد ّخل محدود
حيث أنه يباشر مهامه كمساعد لقاضي األسرة أو تحت إشرافه وبالتالي فهو يخضع إلى مراقبته بصفة
سابقة والحقة.
ولضمان مصلحة الطفل الفضلى وتحقيق حماية ناجعة له ،الب ّد من تفعيل دور مندوب حماية
الطفولة بمنحه أكثر استقالليّة عن قاضي األسرة للقيام بمهامه الوقائيّة ،وكذلك مزيد العمل على توفير
اآلليات الالّزمة للحماية من حيث عدد مندوبي حماية الطفولة تماشيا مع الكثافة ال ّ
سكانية لك ّل والية.
وإلى جانب الحماية اإلجتماعية التي وفّرتها م ح ط للطفل المهدّد فقد وفّرت له أيضا حماية قضائية ،حيث
المشرع لقاضي األسرة صالحية التّدخل الوقائي في مختلف الحاالت الصعبة التي تهدّد صحّة الطفل
ّ أوكل
أو سالمته البدنيّة أو المعنويّة.
فإضافة إلى كونه قاضيا صلحيّا في قضايا الطالق ،فقد منحه المشرع هذا الدّور الجديد وهو دور
حمائي،ال كما عهدنا القضاء له دور ردعي ،حيث أصبح له مه ّمة التد ّخل قبل حدوث الجريمة وذلك بحماية
الطفل من اإلنحراف واإلنزالق في عالم اإلجرام .وقد بيّن الفصل 51من م ح ط كيفيّة تع ّهد قاضي األسرة.
وبمجرد تع ّهده بوضعيّة الطفل المهدّد فإنه يشرع في مرحلة استقرائيّة يتولّى خاللها القيام بجملة من األعمال
ّ
102
الخاتمة
صعبة ليتّخذ في شأنها التدبير الوقتي المناسب ّ
التحقّّ ق من وضعيّة الطفل ال ّ واألبحاث اإلستقرائيّة من أجل
تعرضت الفصول من
لضمان مصلحته الفضلى ويمكنه اإلستعانة في ذلك بعدّة هياكل لتسهيل عمله ،وقد ّ
مخولة لقاضي األسرة
52إلى 57م ح ط إلى هذه المرحلة اإلستقرائيّة بما فيها من إجراءات وصالحيات ّ
كقاضي باحث.
وأ ّما الفصول من 58إلى 67من نفس المجلّة فقد تناول من خاللها المشرع المرحلة الحكميّة حيث
يتولّى قاضي األسرة البتّ في قضيّة الطفل المهدّد المتع ّهد به وإصدار حكم قضائي بشأنها متّبعا في ذلك
جملة من اإلجراءات .كما تناولت الفصول سابقة الذكر اآلثار المترتّبة عن قرارات قاضي األسرة المتّخذة
في شأن الطفل المهدّد.
وقد حرص المشرع على احترام مبدأ الحفاظ على مصلحة الطفل الفضلى وإبقائه في محيطه
العائلي ّ
الطبيعي كلّما كان ذلك ممكنا وعلى مندوب حماية الطفولة وقاضي األسرة العمل بهذا المبدأ في
مراحل عملهما الوقائي.
األول والرئيسي الذي يتلقّى فيه الطفل مبادئ األخالق والسلوك الحسن
وتبقى األسرة هي المحيط ّ
األول عن انحراف الطفل.
وهي بذلك تعتبر المسؤول ّ
ّ
إن اآلليات التي جاءت بها م ح ط ال تبدو كفيلة لوحدها بحماية الطفل المهدّد بل الب ّد من تضافر
جهود ك ّل ّ
مكونات المجتمع المدني لمزيد ترسيخ ثقافة حقوق الطفل والوعي بواجب حماية الطفل المهدّد،
الريادي في تنشئة الطفل تنشئة سليمة على المستوى المادّي والمعنوي فالب ّد
وبما أن األسرة تلعب الدّور ّ
من مزيد دعم اإلحاطة باألسر لتشخيص العوامل التي تجعل أطفالها عرضة للتّهديد واتخاذ الحلول الكفيلة
الرزق وفرص
صعوبات التي تواجهها وذلك بتحسين ظروف عيشها وتوفير موارد ّ
بمساعدتها على تجاوز ال ّ
التشغيل مع ضرورة نشر الوعي وإصالح مناهج التعليم وكذلك القيام بعدّة دراسات مع ّمقة في كل المجاالت
ّ
بالطفولة. ذات العالقة
وما يمكن استخالصه هو أن رغم تكريس حقوق الطفل على المستوى التشريعي فإن واقع الممارسة
يبيّن ما يواجهه الطفل من صعوبات ومشاكل ومن انتهاكات ألبسط حقوقه ،فمجلة حماية الطفل وغيرها
مجرد نصوص قانونية تحتاج
ّ تكرس حقوق الطفل وحقوق اإلنسان بصفة عامة تبقى
من القوانين التي ّ
التطبيق على أرض الواقع ،لذلك فالتّحدي المطروح في هذا اإلطار هو كيفيّة الوصول بهذه الحقوق إلى
مستوى الممارسة اليوميّة داخل المجتمع بك ّل ّ
مكوناته وفئاته.
103
المالحق
المراجع
المراجع باللّغة العربيّة:
-مصطفى بن جعفر :القانون الجزائي التونسي .القسم العام .د ن تونس .2009
-علــي عبــد القــادر القهــوجي :قــانون العقوبــات .القســم الخــاص .جــرائم اإلعتــداء علــى اإلنســان
والمال .منشورات الحلبي الحقوقية .2010
-محمد فاضل الجمالي :تربية اإلنسان الجديد .الدار العربية للكتاب.1981 .
-أحمد شبشوب :مدخل إلى علم النفس التربوي .المطبعة األساسيّة تونس .1992
-محمــد الهــادي بــن عبــد هللا :القــانون الجزائــي للشــغل .دار إســهامات فــي أدبيــات المؤسســة
تونس .2001
العام ـة فــي القــانون التونســي .شــركة أوربــيس
ّ والحريــات
ّ -عبــد هللا األحمــدي :حقــوق اإلنســان
للطباعة والنشر .تونس .1993
-رضــا خمــاخم :التّوجهــات الحديثــة للنّظــام القضــائي فــي تــونس .شــركة أوربــيس للطباعــة
تونس .2003
صة:
المراجع الخا ّ
العربيــة .دار النشــر بــالمركز
ّ -رضــا المزغنــي :رعايــة األحــداث فــي القــوانين والتشــريعات
العربي للدّراسات األمنيّة والتدريب بالرياض.1990 .
-نجيبـــة الشـــريف بـــن مـــراد :الطفـــل المهـــدّد .الواقـــع واآلفـــاق .دراســـة حقـــوق الطفـــل
الرسم .تونس .2000
المهدّد.الشركة التونسيّة للنشر وتنمية فنون ّ
-محمــد الحبيــب الشريف.شــرح مجلــة حمايــة الطفــل .مركــز الدراســات القانونيــة والقضــائية
.1997
-رضا خماخم :مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة .مطبعة أوربيس .1997
-بســام عــاطف المهتــار :اســتغالل األطفــال .تحــدّيات وحلــول .منشــورات الحلبــي الحقوقيــة
.2008
-مجــــدي عبــــد الكــــريم أحمــــد المكــــي :جــــرائم األحــــداث وطــــرق معالجتهــــا فــــي الفقــــه
اإلسالمي.دراسة مقارنة.دار الجامعة الجديدة للنشر.اإلسكندرية .2009
-
-ســـامية دولـــة :قضـــاء األطفـــال فـــي ّ
مجلـــة حمايـــة الطفـــل .مركـــز الدراســـات القانونيـــة
والقضائية تونس .2005
-علـــي محمـــد جعفـــر :حمايـــة األحـــداث المخـــالفين للقـــانون والمعرضـــين لخطـــر اإلنحـــراف.
دراسة مقارنة .المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنّشر والتوزيع .لبنان .2004
-مصـــطفى العـــوجي :الحــــدث المنحـــرف أو المهـــدّد بخطـــر اإلنحــــراف فـــي التّشــــريعات
العربيّة .مؤسسة نوفل لبنان .1986
-نجيبــة الشــريف بــن مــراد :طفلنــا بــين التشــريع والقضــاء والمجتمــع .الشــركة التونســية للنّشــر
الرسم تونس .2000
وتنمية فنون ّ
-عبــد هللا األحمــدي :قــانون جنــائي خــاص .الجــرائم األخالقيــة .الخــدمات العامــة للنشــر تــونس
.1998
ألول).الشـــركة التونســـية
-نجيبـــة الشـــريف بـــن مـــراد :قضـــاء األطفـــال فـــي تـــونس(.الجزء ا ّ
للنشر وتنمية فنون الرسم.تونس .2004
-نجيبــة الشــريف بــن مــراد :قضــاء األطفــال فــي تــونس (الجــزء ّ
الثــاني) .الشــركة التونســية
الرسم.تونس .2005
للنشر وتنمية فنون ّ
المذكرات واألطروحات:
األطروحات:
-رضـــا خمـــاخم :الطفـــل والقـــانون الجزائـــي التونســـي.أطروحة لنيـ ـ ل شـــهادة الـ ـدّكتوراه فـــي
القانون الخاص والعلوم الجزائيّة .كليّة الحقوق والعلوم السّياسية بتونس .2007-2006
المذكرات:
-سوســن المــاجري :التصــدي للجــرائم المرتكبــة ض ـ ّد األطفــال .مــذكرة للحصــول علــى شــهادة
الماجستير في العلوم الجنائيّة .كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .2008-2007
-نجــالء الــردادي :منــدوب حمايــة الطفولــة .مــذكرة لنيــل شــهادة الماجســتير فــي قــانون العقــود
واإلستثمارات.كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .2009-2008
ّ
المنظمة.مــذكرة لنيــل الماجســتير فــي العلــوم الجنائية.كليــة -وائــل حــدّاد :الطفــل فــي الجريمــة
الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس .2006-2005
-مليكــة الجملــي :الحمايــة الجزائيــة للحرمــة الجســدية للطفــل .رســالة للحصــول علــى شــهادة
الجنائيــة .كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية بتــونس -2002
ّ الدراســات المعمقــة فــي العلــوم
.2003
-زكريــا عبـــد هللا :السياســـة الجنائيـــة مـــن خـــالل ّ
مجلــة حمايـــة الطفـــل .رســـالة لنيـــل شـــهادة
الجنائيــة .كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية بتــونس -1999
ّ الدراســات المع ّمقــة فــي العلــوم
.2000
-إلهــام قاســم :الحمايــة اإلداريــة للطفــل .مــذكرة لنيــل شــهادة الدّراســات المعمقــة فــي القــانون
العام .كلية الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس.1997-1996.
-نجيبـــة النصـــري :الحمايـــة الجزائيـــة للطفل.مـــذكرة للحصـــول علـــى شـــهادة الماجســـتير فـــي
العلوم الجنائيّة .كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .2009-2008
-فرجانية سليمان :قاضي األسرة .مذكرة لإلحراز على شهادة الدّراسات المع ّمقة في العلوم
الجنائية .كلّية الحقوق والعلوم السياسية بتونس .2002-2001
المقاالت :
-عبـــد الباســـط الخالـــدي :حمايـــة الطفولـــة المهـ ـدّدة فـــي التشـــريع التونســـي.م ق ت أكتـــوبر
.2007
-روضــة العبيــدي :حمايــة الطفولــة فــي تــونس علــى امتــداد خمســين ســنة مــن اإلســتقالل .م ق
ت مارس .2006
-نهلة الجلولي :حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي .م ق ت أكتوبر .2005
-فاطمــة الزهــراء بــن محمــود :الوســائل والتــدابير فــي قضــاء الطفــل المهــدّد .م ق ت مــاي
.2005
-فتحي الميموني :حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد .م ق ت فيفري .2005
-منصور القديدي جراية :القاضي وحقوق اإلنسان :م ق ت أكتوبر .2003
-محمد الحبيب الشريف :حماية األطفال في النزاعات المسلحة .م ق ت جويلية .2003
-بديع بن عباس :التشريع التونسي ومقاومته لإلرهاب .م ق ت أكتوبر .2002
-رضا الوسالتي :مظاهر العناية بالطفولة في التشريع التونسي .م ق ت أكتوبر .2002
-خديجة المدني :واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل .م ق ت جانفي .1999
-علي يوسف :مندوب حماية الطفولة سند للطفل المهدّد .م ق ت جانفي .1999
-على الشورابي :الحماية القانونية لمصالح الطفل الفضلى.م ق ت جانفي .1999
-نجيبة الشريف :دور قاضي األسرة في حماية الطفل المهدد.م ق ت جانفي .1999
-حميدة العريف :حماية الطفل من اإلستغالل اإلقتصادي.م ق ت جانفي .1999
-مصطفى بن جعفر :حماية األطفال من اإلستغالل الجنسي .م ق ت جانفي .1999
-عبد هللا األحمدي :مجلة حماية الطفل وحقوق اإلنسان .م ق ت مارس 1997
-حافظ بوكتيف :واجب اإلشعار .م ق ت مارس .1997
-محمد صالح بن حسين :دور قاضي األسرة .م ق ت مارس .1997
-مصطفى بن جعفر :الحماية القضائية للطفل المهدد .م ق ت مارس .1997
-لطفي الدواس :خواطر حول حماية الطفل المهدد .م ق ت مارس .1997
-الهادي سعيد :لمحة تاريخية عن مجلّة حماية الطفل م.ق.ت مارس .1997
-الطيب اللّومي :رعاية الطفولة في المجتمع المتوازن .م ق ت أكتوبر .1979
-الشاذلي بورقيبة :أثر التدين في الح ّد من اإلجرام .م ق ت أكتوبر .1969
-رشيد الصباغ :الطفل ووالية التربية .م ق ت أكتوبر .1969
-محمد الحبيب بودن :الوقاية من اإلجرام .م ق ت سبتمبر .1977
الملتقيات:
-مجلــة حمايــة الطفــل ســنة بعــد :ملتقــى دولــي بالمعهــد األعلــى للقضــاء أيــام 7و 8جــانفي
.1997
-آليــات حمايــة الطفــل فــي القــانون التونســي :دورة دراس ـيّة بالمعهــد األعلــى للقضــاء يــوم 25
مارس .2004
-القضاء وحقوق اإلنسان :ملتقى وطني بالمعهد األعلى للقضاء يوم 12نوفمبر .1998
شخصــية :ملتقــى ّ
نظمــه المعهــد األعلــى -دور فقــه القضــاء فــي تــدعيم مبــادئ مجلــة األحــوال ال ّ
للقضاء ومحكمة اإلستئناف بتونس في 17جوان .2006
القوانين واإلتفاقيّات:
المؤرخة في 20نوفمبر .1989
ّ -اتّفاقية حقوق الطفل
-القانون عـ93ـدد لسنة 1991المؤرخ في 29نوفمبر 1991المتعلق بمصادقة تونس على اتّفاقية
حقوق الطفل.
ّ
السن األدنى للقبول بالعمل. -اتّفاقية ّ
منظمة العمل الدولية رقم 138المتعلّقة بتحديد
المؤرخ في .1966/12/16
ّ الخاص بالحقوق اإلقتصاديّة واإلجتماعيّة والثّقافية
ّ -العهد الدّولي
صادر في 18ماي 1992المتعلّق بالمخدّرات ،ت ّم تنقيحه بمقتضى القانون
-القانون عـ52ـدد ال ّ
مؤرخ في 30نوفمبر
عـ94ـدد في 9نوفمبر 1995ث ّم بمقتضى القانون عـ101ـدد لسنة ّ 1998
.1998
المؤرخ في 12جويلية 1993المتعلّق بتعديل مجلّة األحوال
ّ -القانون عـ74ـدد لسنة 1993
شخصية فيما يتعلّق بتعاون ّ
الزوجين لصالح األطفال. ال ّ
المؤرخ في 10ديسمبر 2003المتعلّق بدعم المجهود الدّولي
ّ -القانون عـ75ـدد لسنة 2003
لمكافحة جرائم اإلرهاب ومنع غسل األموال.
المؤرخ في 6مارس 2006المنقّح للفصل 66م أ ش وبمقتضاه
ّ -القانون عـ10ـدد لسنة 2006
مكرر والقاضي بإقرار ّ
حق األجداد في زيارة أحفادهم. أضيف الفصل ّ 66
-قانون 10جويلية 1995المتعلّق بمصادقة تونس على اتّفاقية ّ
منظمة العمل الدّولية رقم 138
ّ
السن األدنى للقبول بالعمل. المتعلّقة بتحديد
المؤرخ في 23جويلية 2002المتعلّق بالتّربية والتّعليم
ّ -القانون التّوجيهي عدد 2002-80
المدرسي.
-قانون 9نوفمبر 1995المنقّح لبعض فصول المجلّة الجزائيّة.
المؤرخ في 4مارس 1958المتعلّق بالوالية العموميّة والكفالة
ّ -القانون عـ27ـدد لسنة 1958
والتّبني.
المؤرخ في 12ديسمبر 1983المتعلّق بضبط النّظام األساسي
ّ -القانون عـ112ـدد لسنة 1983
للوظيفة العموميّة.
المؤرخ في 1جويلية 1995المتعلّق بعملة المنازل.
ّ -القانون عـ25ـدد لسنة 1995
المؤرخ في 29جويلية 1991المتعلّق بالنّظام التّربوي
ّ -القانون عـ25ـدد
-القانون عـ79ـدد في 11جويلية 1988المتعلّق بمصادقة تونس على اإلتّفاقية الدّوليّة لمناهضة
التّعذيب.
المؤرخ في 17جوان 1996المتعلّق بالنّظام األساسي لسلك
ّ -األمر عـ1134ـدد لسنة 1996
مندوبي حماية الطفولة و مجاالت تد ّخله وطرق تعامله مع المصالح والهيئات اإلجتماعية
المعنيّة.
المؤرخ في 19ديسمبر 2005المنقّح لألمر عـ1134ـدد لسنة
ّ -األمر عـ3287ـدد لسنة 2005
المؤرخ في 17جوان .1996
ّ 1996
الرسمي للجمهوريّة التّونسية .مداوالت مجلس النّواب .جلسة يوم الثّالثاء 31أكتوبر
الرائد ّ
ّ -
.1995
المعاجم:
-ابن منظور :لسان العرب.دار بيروت للطباعة والنشر.
-القاموس الجديد للطالب :الشركة التونسية للتوزيع.تونس.الطبعة الخامسة .1984
متفرقات:
ّ
-التّقرير الوطني حول وضع ّ
الطفولة بتونس لسنة .2010
-التّقرير الوطني حول وضع ّ
الطفولة بتونس لسنة .2006
-تقرير اليونيسيف لوضع األطفال في العالم لسنة .2011
-المواقع اإللكترونيّة:
http:// www.enfants-tunisiens.tn/adulte/lois.htm
http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm
:المذكرات
- Trabelsi Hajer : l’exploitation de l’enfant. Mémoire pour
l’obtention du mastère en droit des affaires. Faculté des sciences
juridiques, politiques et sociales. Université de carthage 2005-
2006.
- Ben Ali Graa Soumaya : L’exploitation sexuelle de l’enfant. DEA en
sciences juridiques fondamentales. Faculté des sciences
juridiques, politiques et sociales 1999-2000.
:المقاالت
- Bel Haj Hamouda Ajmi : Définitions comparées des concepts de
déviance et de délinquance. R.T.D 1992.
- Chazel Jean : Convergences et divergences en matière de
protection judiciaire des mineurs. Revue des sciences criminelles
et de droit comparé 1979. N°1.
الفهرس
المقدمة
...........................................................................
صعبة الموجبة للحماية................. األول :الحاالت ال ّ الجزء ّ
الفصل األول :الحاالت المهدّدة لتربية الطفل....................:
الفرع األول :فقدان اإلطار التربوي..............................:
الفقرة األولى :فقدان اإلطار التربوي بالنسبة للطفل الطبيعي..............................:
الفقرة الثّانية :فقدان اإلطار التّربوي بالنّسبة لل ّ
طفل الشّرعي.............................:
الفرع الثّاني :غياب الدور التربوي..............................:
الفقرة األولى :التقصير البيّن في التربية والرعاية.....................................:
الفقرة الثاّنية :العجز عن رعاية الطفل........................................:
الفصل الثّاني :الحاالت المهدّدة لسالمة الطفل..................:
األول :حاالت استغالل الطفل............................:
الفرع ّ
الفقرة األولى :االستغالل في اإلجرام المنظم......................................:
أ -االستغالل في الجرائم اإلرهابيّة.............................................................................:
ب -االستغالل في جرائم المخ ّدرات..............................................................................:
ج -االستغالل في النزاعات المسلّحة...........................................................................:
الفقرة الثّانية :اإلستغالل الجنسي..........................................:
أ -الطرق التقليدية لالستغالل الجنسي للطفل..................................................................:
ب-الطرق المستحدثة لالستغالل الجنسي للطفل.............................................................:
الفقرة الثّالثة :االستغالل االقتصادي.........................................:
للتسول.........................................................................................:
ّ أ -تعريض الطفل
ب -تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للقانون.................................................................
-1الشروط القانونية المتعلقة بسن الطفل.....................................................................:
-2الشروط القانونية المتعلقة بظروف العمل.................................................................:
الفرع الثّاني :حاالت الخطر المل ّم...............................:
الفقرة األولى :إهمال الطفل..............................................:
الفقرة الثّانية :الت ّ ّ
شرد................................................:
الفقرة الثّالثة :اعتياد سوء معاملة الطفل......................................:
الجزء الثاني :آليات
الحماية..................................................................
الفصل األول :الحماية االجتماعية للطفل المهدّد.................
المختص :مندوب حماية ال ّ
طفولة................: ّ الفرع األول :الهيكل الحمائي
الفقرة األولى :شروط تدخل مندوب حماية الطفولة.................................:
سابقة لتعيين مندوب حماية الطفولة...........................................................:
أ -الشروط ال ّ
طفولة..........................................................:ب -الشروط الالحقة لتعيين مندوب حماية ال ّ
الفقرة الثّانية :صالحيات مندوب حماية الطفولة..................................:
الفرع الثّاني :آليات تد ّخل مندوب حماية الطفولة......................:
الفقرة األولى :آلية اإلشعار..............................................:
أ -إحداث آلية اإلشعار.............................................................................................:
-1مفهوم اإلشعار وأبعاده........................................................................................:
-2شروط القيام باإلشعار...............................................................................:
ب -النظام القانوني لإلشعار.............................................................................:
-1أنواع اإلشعار........................................................................................:
-2ضمانات القيام باإلشعار.............................................................................:
-3جزاء اإلخالل بواجب اإلشعار.......................................................................:
الفقرة الثّانية :اتّخاذ التدابير الحمائ ّية من طرف مندوب حماية ال ّ
طفولة........................:
أ -التّدابير اإلتفاقيّة.......................................................................................:
-1محتوى التدابير......................................................................................:
-2إجراءات التدابير.....................................................................................:
ب -التدابير العاجلة......................................................................................:
-1محتوى التدابير.......................................................................................:
-2إجراءات التدابير.....................................................................................: