You are on page 1of 127

‫جامعة تونس المنار‬

‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‬

‫حماية ّ‬
‫الطفل المهدّد‬
‫من خالل مجلة حماية الطفل‬
‫مذكرة لنيل شهادة الماجستير‬
‫ّ‬
‫في قانون العقود واإلستثمارات‬

‫تحت إشراف‬ ‫أعدّتها ودافعت عنها‪:‬‬


‫األستاذ‪:‬‬
‫ّللا‬
‫عبد ّ‬ ‫سميّة العريبي‬
‫األحمدي‬

‫متكونة من‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أمام لجنة‬
‫األستاذ‪(............................................:‬رئيس)‬
‫ّللا األحمدي‪(........................‬عضو)‬‫األستاذ‪ :‬عبد ّ‬
‫األستاذ‪(.............................................:‬عضو)‬

‫السنة الجامعية ‪2011-2010‬‬


‫ي بجوهره خلق قابال‬ ‫صب ّ‬ ‫ّ‬
‫إن ال ّ‬
‫وللشر وإنّما أبواه يميالن‬
‫ّ‬ ‫للخير‬
‫به إلى أحد الجانبين‬
‫اإلمام الغزالي‬
‫إهداء‬
‫إلى أ ّمي وأبي العزيزين على صبرهما وتضحياتهما‬
‫وتشجيعهما لي طوال سنوات دراستي‬

‫ّ‬
‫األعزاء على تشجيعهم‬ ‫إلى إخوتي وأخواتي‬
‫ومساندتهم لي‬

‫بحب وإخالص‬
‫ّ‬ ‫إلى ك ّل من ش ّجعني‬

‫وأخص بالذكر صديقتي‬


‫ّ‬ ‫إلى ك ّل أصدقائي وصديقاتي‬
‫"إيناس" إليكم جميعا أهدي هذا العمل سائلة هللا أن‬
‫يوفّقني ويوفّقكم لما فيه خيري الدّنيا واآلخرة‪.‬‬
‫شكر‬
‫أتقدّم بال ّ‬
‫شكر إلى األستاذ عبد هللا‬
‫األحمدي لقبوله تأطيري واإلشراف على‬
‫هذا العمل وللنصائح والتوجيهات التي‬
‫قدّمها لي‪.‬‬
‫إن اآلراء الواردة في هذه المذ ّكرة ال تعبّر عن آراء واتجاهات‬
‫ّ‬
‫تتبنّاها كلية الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس وإنّما هي خا ّ‬
‫صة‬
‫بصاحبتها‪.‬‬
‫قائمة المختصرات‪:‬‬

‫بالعربيّة‪:‬‬

‫م ح ط‪ :‬مجلّة حماية الطفل‬

‫م أ ش‪ :‬مجلّة األحوال ال ّ‬
‫شخصية‬

‫م‪.‬ج‪ :‬المجلّة الجزائية‬

‫م ش‪ :‬مجلة ال ّ‬
‫شغل‬

‫م إ ع‪ :‬مجلة اإللتزامات والعقود‬

‫م ق ت‪ :‬مجلة القضاء والتشريع‬

‫ن م ت‪ :‬نشريّة محكمة التّعقيب‬

‫ق‪.‬ج‪ :‬قسم جزائي‬

‫ق‪.‬م‪ :‬قسم مدني‬

‫ص‪ :‬صفحة‬

‫بالفرنسية‪:‬‬

‫‪Op cit : opère citato‬‬

‫‪P : page‬‬
‫المخ ّ‬
‫طط العام‬

‫المقدمة‬
‫صعبة الموجبة للحماية‬
‫األول‪ :‬الحاالت ال ّ‬
‫الجزء ّ‬
‫طفل‬ ‫األول‪ :‬الحاالت المهدّدة لتربية ال ّ‬
‫الفصل ّ‬
‫األول‪ :‬فقدان اإلطار التّربوي‬ ‫الفرع ّ‬
‫الفرع الثّاني‪ :‬غياب الدّور التّربوي‬
‫طفل‬‫الفصل الثّاني‪ :‬الحاالت المهدّدة لسالمة ال ّ‬
‫األول‪ :‬حاالت استغالل ّ‬
‫الطفل‬ ‫الفرع ّ‬
‫الفرع الثّاني‪ :‬حاالت الخطر المل ّم‬
‫الجزء الثّاني‪:‬آليّات الحماية‬
‫طفل المهدّد‬ ‫األول‪ :‬الحماية اإلجتماعيّة لل ّ‬
‫الفصل ّ‬
‫المختص‪ :‬مندوب حماية ّ‬
‫الطفولة‬ ‫ّ‬ ‫األول‪ :‬الهيكل الحمائي‬‫الفرع ّ‬
‫الفرع الثّاني‪ :‬آليّات تد ّخل مندوب حماية ّ‬
‫الطفولة‬
‫طفل المهدّد‬ ‫الفصل الثّاني‪ :‬الحماية القضائيّة لل ّ‬
‫األول‪ :‬المرحلة اإلستقرائيّة‬ ‫الفرع ّ‬
‫الفرع الثّاني‪ :‬المرحلة الحكميّة‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬

‫تمث ّل األسرة الخليّة األساسيّة في خاليا النّسيج االجتماعي فهي تلعب دورا محوريّا في تنشئة الطفل‬
‫تنشئة سليمة وفي نحت مالمح شخصيّته‪ ،‬فالطفل يولد كالصفحة البيضاء ‪ 1‬ثم ينشأ ويترعرع داخل األسرة‬
‫التي تعتبر مجتمعا صغيرا وهذا المجتمع الصغير قد يحمل كل إيجابيات المجتمع كما قد يحمل سلبياته‪ ،‬لذلك‬
‫القوة‪،‬‬
‫فهو مطالب بأن يمنح الطفل كل العناية الالزمة ألن هذا الكائن ‪-‬أي الطفل‪ -‬يولد ضعيفا بحاجة إلى ّ‬
‫الرأي‪ 2 .‬لذلك فإن االهتمام به وبحقوقه هو من‬
‫مجردا من كل شيء بحاجة للمساعدة‪ ،‬جاهال بحاجة إلى ّ‬
‫ّ‬
‫صميم اإلهتمام بحقوق اإلنسان ألن الطفل من الثوابت اإلجتماعية واإلنسانية والقانونية‪ 3.‬وباعتباره رجل‬
‫الغد وأمل المستقبل فإن الطفل ككائن ضعيف ذي احتياجات خصوصيّة ال بدّ أن يحظى بإحاطة وعناية‬
‫صة مع مراعاة ميوالته الفكريّة وقدراته الذّهنيّة ومدى نضجه العقلي وكذلك طبيعة تكوينه النّفسي‪،‬فهو‬
‫خا ّ‬
‫في حاجة إلى غيره حاجة استقرار‪ .‬فتوفير أسباب اإلستقرار والتوازن المادّي والنفسي للطفل هو في الحقيقة‬
‫توفير وضمان الستقرار وتوازن المجتمع بأسره‪ ،‬فالنهوض بالمجتمعات وتحقيق رقيّها ال يكونان إال بضمان‬
‫حقوق اإلنسان‪ .‬والطفل ّأوال وأخيرا هو إنسان له حقوق أيضا يجب حمايتها من كل خطر يمكن أن يتهدّدها‪.‬‬
‫فحماية الطفولة تش ّكل ركنا أساسيا من أركان حماية حقوق اإلنسان واأل ّمة التي ال ترعى طفولتها وال ترعى‬
‫حقوق اإلنسان بوجه عام ال يمكن لها أن تتطلّع إلى غد مشرق‪ .4‬فأي انحراف في سلوك الطفل أو أي زعزعة‬
‫صحّي يش ّكل كل ذلك تهديدا للكيان األسري والتماسك‬
‫لكيانه النّفسي أو أي ضرر قد يلحق به على المستوى ال ّ‬
‫الراهن من تغيّرات وتحدّيات على عدّة مستويات فضال‬
‫والتوازن اإلجتماعي بصفة عا ّمة‪ .‬فما يشهده عصرنا ّ‬
‫عن مغريات الحياة بما قد يس ّهل انحراف األطفال ويجعلهم ضحيّة سهلة للنزالق في عالم اإلجرام‪ ،‬كل ذلك‬
‫ال ينفي تقصير األسرة في توجيه األبناء ومراقبتهم في مجتمع طغت فيه المادّة على القيم والمبادئ األخالقيّة‪،‬‬
‫لذلك تعتبر رعاية األسرة والطفولة العمليّة البنّاءة األساسيّة في أي مجتمع يسعى إلى تحقيق الت ّ ّ‬
‫طور المتوازن‬
‫‪5‬‬
‫البعيد عن اإلنحرافات والعلل اإلجتماعيّة والقادر على اإلبتكار والتجدّد والمتم ّ‬
‫سك بالقيم واألخالق الفاضلة‪.‬‬

‫تتعرض لها ثقافات العالم يدفعنا للتفكير في نوع العالقات‬


‫ّ‬ ‫إذن فعمق وات ّساع نطاق التغيّرات التي‬
‫والمبادئ األخالقية التي ينتظر أن تسود في مجتمع الغد‪ .‬فالمستقبل يضع أمام الحاضر كثيرا من التحدّيات‬
‫تصرفات البشر أنفسهم وسلوكياتهم والعالقات التي تقوم بينهم والقيم التي‬
‫ّ‬ ‫وتتوقف نتائج هذه التحدّيات على‬

‫‪ - 1‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬دار النشر بالمركز العربي للدراسات األمنية والتدريب‬
‫بالرياض‪ .1990.‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 2‬مقولة ل‪ J-J.Rousseau‬وردت بكتابه "‪ " Emile‬الذي خصصه للحديث عن الطفل إنسان الغد‪-‬الطفل الفنان‪ -‬الطفل‬
‫اإلنسان‪ .‬وردت بدراسة للطيب اللومي‪ :‬رعاية الطفولة في المجتمع المتوازن‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪ .1979‬ص ‪.21‬‬
‫‪- 3‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪.‬م‪.‬ق‪.‬ت فيفري ‪.2005‬ص ‪.29‬‬
‫‪ - 4‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪-‬أوربس ‪ .1997‬ص ‪.127‬‬
‫‪ - 5‬علي محمد جعفر‪ :‬حماية األحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر االنحراف‪.‬دراسة مقارنة‪.‬المؤسسة الجامعية‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع لبنان ‪.2004‬ص‪.7‬‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬
‫سكون بها والتي تو ّجه هذه العالقات‪ .‬وباعتبار أن الطفل هو رجل المستقبل وهو الوسيلة التي تصنع‬
‫يتم ّ‬
‫مستقبل كل أ ّمة فال بناء قويما لأل ّمة إال برعاية وحماية أطفالها ووجودها يرتبط بنجاعة هذه الحماية ‪.6‬‬

‫فالطفل له الحق في الحماية من كل خطر يتهدّده‪.‬‬

‫سحاب‬ ‫صغير من الناس أو من الدّواب وال ّ‬


‫صغير من ال ّ‬ ‫صغير من كل شيء فهو ال ّ‬
‫الطفل لغة هو ال ّ‬
‫والليل وتطلق هذه العبارة على الذكر واألنثى على حدّ ال ّ‬
‫سواء ومصدرها الطفولة‪ 7.‬وأما اصطالحا فإن‬
‫يعرف علماء النفس الطفل بأنه اإلنسان الكامل الخلق والتكوين‬
‫تعريف الطفل يختلف حسب المصدر‪ .‬فمثال ّ‬
‫لما يمتلكه من قدرات عقليّة وعاطفيّة وبدنيّة وحسيّة إال أن هذه القدرات ال ينقصها سوى النضج والتفاعل‬
‫‪8‬‬
‫بالسلوك البشري داخل المجتمع الذي يعيش فيه‪.‬‬

‫وأ ّما علماء االجتماع فيرون أن مفهوم الطفل يتحدّد ّ‬


‫بسن معيّنة تبدأ من ميالده وتنتهي عند الثانية‬
‫عشرة من عمره بينما يرى البعض اآلخر أنها تبدأ من الميالد وحتى بداية طور البلوغ بينما يذهب اتجاه‬
‫الرشد‪ 9.‬وأما من الناحية القانونية فهناك صعوبات في تعريف‬
‫ثالث إلى أن الطفولة تبدأ من الميالد وحتى سن ّ‬
‫الطفل أو تحديد مرحلة الطفولة نظرا لحساسيّة المرحلة وما تت ّسم به شخصيّة اإلنسان في تلك الفترة من‬
‫سن في تعريفها للطفل‪.‬‬
‫عمره من ضعف وعدم نضج عقلي‪ ،‬إال أن كل القوانين تقريبا اعتمدت معيار ال ّ‬
‫فحسب القانون التونسي وتحديدا الفصل الثالث من مجلة حماية الطفل "المقصود بالطفل على معنى هذه‬
‫الرشد بمقتضى أحكام خاصة" وهو ما‬
‫المجلة‪ ،‬كل إنسان عمره أقل من ثمانية عشر عاما‪ ،‬ما لم يبلغ سن ّ‬
‫‪10‬‬
‫يتماشى مع التعريف الوارد بالفصل األول من اتفاقية األمم المتحدة لحقوق الطفل‪.‬‬

‫س ّن القصوى للطفولة فإنها لم تحدّد سنّها الدنيا‪.‬‬


‫ولئن حدّدت أحكام الفصل ‪ 3‬من مجلة حماية الطفل ال ّ‬
‫فهل هي تسبق الوالدة أم تنطلق منها؟‬

‫ففي إطار التوضيحات التي قدّمتها وزارة الشباب والطفولة للجان مجلس النواب حول أحكام الفصل‬
‫‪ 3‬من م‪.‬ح‪.‬ط فإنها قالت‪" :‬لئن لم يحدّد الفصل ‪ 3‬من مشروع المجلة بداية وجود اإلنسان‪ .‬هل أنه منذ بداية‬
‫الحمل أم من تاريخ وضعه‪ ،‬فذلك راجع إلى أن ذهن واضعي المشروع انصرف إلى تحديده بداية من الوالدة‪.‬‬
‫وهناك نصوص أخرى تحدد حقوقه قبل الوالدة"‪11‬إذ أقر التشريع المدني للجنين عدة حقوق مثل حقه في‬

‫‪ - 6‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪33‬‬
‫‪ - 7‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬المجلد الرابع عشر‪.‬داربيروت للطباعة و النشر‪ .‬ص‪198‬‬
‫‪ - 8‬خالد مصطفى فهمي‪ :‬حقوق الطفل ومعاملته الجنائية في ضوء االتفاقيات الدولية‪.‬دراسة مقارنة‪.‬دار الجامعة‬
‫الجديدة‪.2007.‬ص‪10‬‬
‫‪ - 9‬خالد مصطفى فهمي‪ :‬المرجع السابق‪،‬ص‪10‬‬
‫‪ - 10‬المادة ‪ 1‬من اتفاقية حقوق الطفل‪ ...":‬الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب‬
‫القانون المنطبق عليه‪".‬‬
‫‪ - 11‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪-‬مداوالت مجلس النواب‪-‬عدد ‪ -4‬جلسة يوم الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪.1995‬ص ‪.22‬‬

‫‪2‬‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬
‫أقر حقّه في الحياة من ذلك الفصل‬
‫الميراث أو في الوصية (الفصل ‪ 184‬م‪.‬أ‪.‬ش) وكذلك التشريع الجزائي ّ‬
‫‪ 9‬من المجلة الجزائية الذي ينص على أن عقوبة اإلعدام ال تنفّذ على المرأة الحامل إال بعد وضعها لحملها‪.‬‬
‫وكذلك صدور قانون يتعلق بالطب اإلنجابي هدفه حماية الجنين من كل اعتداء قد يس ّلط على حقوقه‪ ،‬إضافة‬
‫إلى عدّة نصوص أخرى وطنية منها ودولية تنظم وتضمن حقوق الجنين‪ .‬ورغم اإلشكاليات الكثيرة التي‬
‫الرأي المتفق عليه هو أن أحكام مجلة حماية الطفل ال تنطبق على الجنين‪.‬‬
‫تثيرها هذه المسألة فإن ّ‬

‫ودائما في إطار الفصل ‪ 3‬من المجلة المذكورة وتحديدا فيما يتعلّق باالستثناء المنصوص عليه بآخر‬
‫الفصل والذي من شأنه أن يرفع صفة "الطفل" عن اإلنسان قبل بلوغه سن الثامنة عشرة‪ ،‬حيث استثنى‬
‫المشرع من لم يبلغ هذه السن وت ّم ترشيده بمقتضى أحكام خاصة‪ ،‬إال أن هذا االستثناء يمكن أن يثير بعض‬
‫متفرقة على عدّة مجاالت قانونية‪ ،‬إذ في القانون‬
‫ّ‬ ‫الصعوبات نظرا لوجود عدّة أحكام خاصة بسن الطفل‬
‫المدني اعتبر سن الرشد ‪ 20‬سنة إال في حاالت استثنائية تدعو للترشيد‪ .‬أما في قانون الشغل فإنه يسمح‬
‫للطفل بممارسة بعض األعمال منذ سن ‪ 16‬سنة وفي قانون األحوال الشخصية فإنه يسمح بترشيد البنت‬
‫‪12‬‬
‫بداية من سن ‪ 17‬سنة‪.‬‬

‫وما يمكن مالحظته أيضا من خالل الفصل ‪ 3‬من م‪.‬ح‪.‬ط هو أن المشرع قد اعتمد معيار السن‬
‫البيولوجي وبالتالي فإنه يستثني من أحكام هذه المجلة المعوقين ذهنيا بموجب ضعف العقل تطبيقا ألحكام‬
‫وهنا نتساءل‬ ‫‪13‬‬
‫الفصل ‪ 160‬وما بعده من مجلة األحوال الشخصية ولو صدرت في مواجهتهم أحكام بالحجر‬
‫أال يمكن للمعوق ذهنيّا أن يجد نفسه في حالة صعبة من الحاالت التي جاءت بها مجلة حماية الطفل في‬
‫فصلها العشرين؟‬

‫ربما يعود سبب عدم اعتماد المشرع للمعيار الذهني للطفل المعني بالحماية التي توفرها له مجلة‬
‫حماية الطفل إلى وجود قانون يحمي هذه الشريحة من المجتمع وهو القانون عــــ‪83‬ــــدد لسنة ‪1992‬‬
‫المؤرخ في ‪ 3‬أوت ‪ 1992‬المتعلق بالصحة العقلية‪.‬‬

‫أقر بأن المقصود بالطفل هو كل من لم يتجاوز الثمانية عشرة من عمره‪،‬‬


‫بما أن الفصل ‪ 3‬من م‪.‬ح‪.‬ط ّ‬
‫إذن فالمعوق الذي لم يتجاوز هذه السن أال يمكن اعتباره طفال فتشمله بالتالي أحكام مجلة حماية الطفل؟‬

‫س ّن فإنه ال تنطبق عليه أحكام مجلة حماية الطفل إال إذا كان طفال مهدّدا‪ ،‬ولفظ‬
‫الطفل وإن توفر فيه شرط ال ّ‬
‫عد‪ ،‬واإلنسان المهدّد هو الذي يكون في وضع ينذر‬
‫"الم ّهدد" هو لفظ مشتق من فعل هدّد أي أنذر وتو ّ‬
‫بالخطر‪ ،‬إذن فهذا الطفل المهدّد من حقه أن يتمتع بحماية‪ .‬والحماية قانونا هي إطار تشريعي يضعه المشرع‬

‫‪ - 12‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪.‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في العلوم الجنائية‪.‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪ .2008-2007‬ص ‪.4‬‬
‫‪ - 13‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬م‪.‬ق‪.‬ت‪ .‬مارس‪ 1997.‬ص ‪.71‬‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬
‫لدرء خطر أو إلعفاء من عقاب أو إلخراج من مجال تجريم والخطر الذي يهدّد الطفل من قبيل كل ذلك فهو‬
‫‪14‬‬
‫مضرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إما أن يهدّد الطفل بالتجريم أو بالعقاب أو بإلحاق‬

‫فحماية الطفل واالهتمام به كان منذ الحضارات القديمة‪ .‬فقد اعتنى المفكرون القدامى بأسس بناء‬
‫المجتمعات اإلنسانية ‪ 15‬وكانت األسرة تمث ّل حجر الزاوية في البناء االجتماعي بوصفها األساس الذي ترتكز‬
‫‪16‬‬
‫عليه بقية األنظمة االجتماعية‪.‬‬

‫ونجد أن فالسفة اليونان هم أول من اهتم بالطفل من خالل كتاباتهم فنذكر مثال كتاب "النظرية‬
‫عرف فيه الطفل بكونه مخلوقا مرنا يتش ّكل‬
‫التربوية للطفل" لسقراط وكتاب "الجمهورية" ألفالطون الذي ّ‬
‫الشر‪ 17،‬وكذلك فإن الطفل قد عرف اهتماما من قبل فالسفة ومفكري‬
‫ّ‬ ‫بما تنشؤه فيه من حبّ للخير أو‬
‫الحضارة العربية اإلسالمية حيث أولى هؤالء عناية متميزة بالطفل على مستوى تعليمه وتكوينه وتربيته إذ‬
‫يقول العالمة ابن خلدون "علّموا األطفال وهم يلعبون"‪ ،‬فقد وضعت الشريعة اإلسالمية منذ خمسة عشر‬
‫قرنا دستورا متكامال لحقوق اإلنسان فال نجد سورة من سور القرآن الكريم تخلو من تلك الحقوق‪ 18،‬فالقرآن‬
‫أقر حق الطفل في الحياة بتحريمه‬
‫الكريم أعطى مكانة هامة لألطفال حيث اعتبرهم زينة الحياة الدنيا‪ .‬كما ّ‬
‫سنّة النّبوية على حق الطفل في االسم الحسن‬
‫قتل األوالد خشية الفقر ووأد البنات خشية العار‪ .‬كما أكدّت ال ّ‬
‫وحقه في نسبته إلى والديه وحقه في النفقة والتربية والتعليم‪ 19.‬وفي نفس هذا اإلطار اإلسالمي فإن األسرة‬
‫مطالبة بتنشئة األبناء تنشئة صالحة ترتكز على الحب واألخالق الفاضلة‪ .‬فالطفل يولد على الفطرة كما جاء‬
‫ذلك في الحديث النبوي ‪ 20‬واألسرة هي التي تجعل من هذا الطفل إما عنصرا صالحا أو غير صالح في‬
‫محيطه األسري واالجتماعي حسب التربية والتنشئة التي تلقّاها والمبادئ والقيم التي تربّى عليها‪.‬‬

‫نظرا للمكانة الها ّمة جدّا التي احتلّها الطفل على ّ‬


‫مر العصور والحضارات فإن العناية به تواصلت حتى‬
‫‪21‬‬
‫المجرد ليصبح الطفل مؤسسة قانونية بذاتها‬
‫ّ‬ ‫الراهن ولكنها اليوم تجاوزت المفهوم الفلسفي‬
‫عصرنا ّ‬
‫وأدركت المجتمعات أن إعداد أجيال المستقبل ال يتأتى إال باالعتناء بالطفولة وحمايتها بإقرار حقوقها والعمل‬
‫على تكريسها ‪ 22‬لذلك نجد أن تونس قد اتخذت عدّة إجراءات كفيلة بحماية الطفل وجعلت الطفولة من‬

‫‪ - 14‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪.‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 15‬نهلة الجلولي‪ :‬حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي‪ :‬م ق ت أكتوبر ‪ .2005‬ص ‪.185‬‬
‫‪ - 16‬نهلة الجلولي‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.186‬‬
‫‪ - 17‬الطيب اللومي‪ :‬رعاية الطفولة في المجتمع المتوازن م ق ت أكتوبر ‪ .1979‬ص ‪.20‬‬
‫‪ - 18‬خالد مصطفى فهمي‪ :‬حقوق الطفل ومعاملته الجنائية في ضوء اإلتفاقيات الدولية‪.‬مرجع سابق ‪.‬ص‪.1‬‬
‫‪ - 19‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال مرجع سابق‪.‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 20‬عن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو‬
‫ينصرانه أو يمجسانه‪".....‬‬
‫‪ - 21‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪ .2007‬ص ‪.103‬‬
‫‪ - 22‬عبد هللا األحمدي‪ :‬مجلة حماية الطفل وحقوق اإلنسان‪ .‬م ق ت مارس ‪ .1997‬ص ‪.25‬‬

‫‪4‬‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬
‫األولويّات الوطنية في إطار المنظومة اإلصالحية فصدرت مجلة حماية الطفل بموجب القانون عدد ‪92‬‬
‫‪23‬‬

‫لسنة ‪ 1995‬المؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1995‬ودخلت حيّز التنفيذ في ‪ 11‬جانفي ‪ 1996‬الموافق ليوم عيد‬
‫الطفولة‪ .‬وتض ّمنت هذه المجلة عدّة أحكام وتدابير تهدف إلى حماية الطفل من كل خطر يهدّد تربيته أو‬
‫سالمته المادّية أو المعنوية ‪،‬كما أن أحكام هذه المجلة جاءت منسجمة مع المبادئ العالمية لحقوق الطفل‬
‫وخاصة مبادئ وأحكام اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في ‪ 20‬نوفمبر ‪ 1989‬عن الجمعية العامة لألمم المتحدة‬
‫والتي صادقت عليها تونس بمقتضى القانون عدد ‪ 93‬لسنة ‪ 1991‬المؤرخ في ‪ 29‬نوفمبر ‪ 1991‬ورغم‬
‫أهمية كل اإلجراءات التي اتخذت والقوانين التي سنّت من أجل حماية الطفولة فإن مجلة حماية الطفل تعتبر‬
‫‪24‬‬
‫نموذجا يحتذى به حتى أن هناك من اعتبرها "دستور الطفولة في تونس"‪.‬‬

‫هذه المجلة جاءت لتحمي الطفل سواء في مرحلة ما قبل ارتكاب الجريمة أم بعدها فالطفل سواء‬
‫كان مهدّدا بالجنوح أو جانحا فإنه يحتاج إلى الحماية والرعاية‪ .‬وهذه الحماية لألطفال المهدّدين هي مظهر‬
‫جديد من مظاهر الحماية‪ .‬فالسياسة المنتهجة من خالل هذه المجلة هي سياسة وقائية‪ .‬ولعل أبرز ما يميّزها‬
‫تخصيص المشرع كامل العنوان األول من المجلة لحماية الطفل المهدد‪ ،‬هذا العنوان الذي تض ّمن ‪ 48‬فصال‬
‫للحديث عن الطفل المهدّد وآليات حمايته‪.‬‬

‫فحماية الطفل المهدّد من خالل مجلة حماية الطفل هي في الواقع حماية لألسرة والمجتمع كافة‪،‬‬
‫والحماية هنا تهدف إلى ترسيخ ثقافة حقوق الطفل ال على المستوى النظري فقط بل وعلى المستوى العملي‬
‫أيضا‪.‬‬

‫فالمجلة لم تكتف ببيان الحاالت الصعبة المهدّدة للطفل وإنما أبرزت الوسائل الكفيلة بحمايته كما أن‬
‫رغبة المشرع في تحديد مفهوم حماية الطفل المهدّد تبدو واضحة بالفصول الواردة بالعنوان األول من‬
‫المجلة من خالل تذكيره بالغاية أو الهدف من كل اإلجراءات والتدابير الحمائية المت ّخذة بشأن الطفل المهدّد‬
‫في صحته وسالمته الجسدية والمعنوية‪.‬‬

‫فالطفل كان وال يزال دائما محور اهتمام التشريعات والفقهاء الذين كتبوا الكثير عنه وتناولوا كل ما‬
‫يتعلّق به من حقوق وواجبات في مختلف المسائل والوضعيات القانونية‪ ،‬إلى أن جاءت مجلة حماية الطفل‬
‫لتضمن مصلحة الطفل الفضلى تشريعا وواقعا ولتولي اهتماما خاصا وكبيرا بالطفولة المهدّدة باعتبارها فئة‬
‫خاصة وأن السنوات األخيرة شهدت ظهور أنواع جديدة‬ ‫‪25‬‬
‫زاغت عن مسار التنشئة االجتماعية السليمة‬

‫‪ - 23‬نهلة الجلولي‪:‬حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.195‬‬
‫‪ - 24‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.105‬‬
‫‪ - 25‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدد‪ ،‬الواقع واآلفاق‪ ،‬دراسة حول حقوق الطفل المهدد‪ .‬الشركة التونسية للنشر وتنمية‬
‫فنون الرسم‪ .‬تونس ‪.2000‬ص ‪.9‬‬

‫‪5‬‬
‫المقدمة‬
‫‪‬‬
‫من االعتداءات على حياة الطفل وحقوقه وأساليب حديثة في اإلجرام المنظم أفرزها التطور التكنولوجي‬
‫والعلمي الذي بلغه العالم المعاصر بما يجعل الطفل مهدّدا ومحاطا بالمخاطر من كل الجوانب‪.‬‬

‫فمجلة حماية الطفل اعتبرت اإلطار التشريعي األمثل واألفضل لحماية هاته الفئة االجتماعية‬
‫أقرته من إجراءات وتدابير حمائية لفائدة الطفولة المهدّدة‪ .‬لكن هذا اإلطار التشريعي أال يحتاج‬
‫الضعيفة لما ّ‬
‫إلى إعادة نظر؟ وهل يمكن اعتبار مجلة حماية الطفل "دستور الطفولة في تونس" كما أطلق عليها؟‪.‬‬

‫أمام التحدّيات الخطيرة التي يعرفها العالم اليوم وما تشير إليه الدراسات من ارتفاع نسبة ارتكاب‬
‫الجريمة ضدّ األطفال حيث لم يخل أي مجتمع من حاالت مؤسفة يستغ ّل فيها الطفل استغالال فاحشا ال تطيقه‬
‫قد باتت مهمة األولياء التربوية صعبة من‬ ‫‪26‬‬ ‫ضعيفة اله ّ‬
‫شة الناعمة‬ ‫نفسه الرقيقة المرهفة وال تتح ّمله بنيته ال ّ‬
‫حيث اإلحاطة والعناية بالطفل المعرض دوما لتنازع األهواء واالنبهار باألضواء‪ 27.‬وتأكيدا منه على الدور‬
‫الفعّال لألسرة في التنشئة الصالحة لألبناء وسعيا منه لتوفير حماية أكثر للطفل المهدّد‪ ،‬أوكل المشرع من‬
‫خالل مجلة حماية الطفل مه ّمة التدخل الوقائي لهيكلين حمائيين في حال وجود الطفل في حالة صعبة تهدّد‬
‫حياته‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق فإن حماية الطفل المهدّد تثير عدّة تساؤالت ولعل التساؤل األساسي والمحوري‬
‫أن اآلليات التي جاءت بها مجلّة حماية الطفل كفيلة بحماية الطفل المهدّد؟‬
‫هو هل ّ‬

‫صعبة الموجبة للحماية (الجزء‬


‫التعرض أوال إلى الحاالت ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن اإلجابة عن هذه اإلشكالية تقتضي منا‬
‫األول) لنتبين فيما بعد آليات هذه الحماية (الجزء الثاني) انطالقا من مجلة حماية الطفل وتحديدا نصوص‬
‫عنوانها األول‪.‬‬

‫‪ - 26‬الهادي سعيد‪ :‬لمحة تاريخية عن مجلة حماية الطفل م ق ت مارس ‪ .1997‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 27‬الهادي سعيد‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.21‬‬

‫‪6‬‬
‫الجزء‬
‫األول‬
‫صعبة الموجبة‬‫الحاالت ال ّ‬
‫للحماية‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬

‫المشرع يتحدّث عن الحاالت‬


‫ّ‬ ‫نص عليه الفصل ‪ 20‬من مجلة حماية الطفل نجد أن‬
‫بالرجوع إلى ما ّ‬
‫صعبة هي‬
‫المشرع بالحاالت ال ّ‬
‫ّ‬ ‫صعبة التي تهدّد الطفل على مستوى سالمته البدنية أو المعنوية‪ .‬وما يقصده‬
‫ال ّ‬
‫الحاالت التي من شأنها أن تؤثر في مسار حياة الطفل وتلحق به األذى إما بدنيا أو معنويا‪ .‬وحسب الحاالت‬
‫المذكورة بالفصل ‪ 20‬المذكور آنفا فإننا يمكن أن نتحدّث عن حاالت مهدّدة لتربية الطفل (الفصل األول)‬
‫وحاالت مهدّدة لسالمة الطفل (الفصل الثاني) ولكن قبل ذلك ال بدّ من اإلشارة إلى أن مجلة حماية الطفل لم‬
‫تتعرض إلى المخاطر التي يمكن أن تهدّد أموال الطفل وهو ما من شأنه أن يعقّد النظر في بعض القضايا‬
‫ّ‬
‫التي تطرح فيها مثل هذه اإلشكاليات ‪ .28‬فمكاسب الطفل وممتلكاته قد يكون لها تأثير سلبي على صحة‬
‫للتشرد واإلهمال‬
‫ّ‬ ‫يعرضه‬
‫الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية لو بقيت بدون حماية‪ .‬ففقدان الطفل ألمواله قد ّ‬
‫وقد يؤث ّر على توازنه النفسي والسلوكي‪ .‬فهل يمكن لهياكل الحماية أن تتد ّخل إذا ما ت ّم إشعارها بحالة من‬
‫جراء تصرف أوليائه أو أوصيائه أو المقدّمين عليه أو كافليه؟‪ 29‬ولكن ربما‬
‫حاالت تهدّد مكاسب الطفل من ّ‬
‫تعرض مجلة حماية الطفل لهذه المسألة لكون مكاسب وأموال الطفل يتع ّهد بها حسب ما جاء به‬
‫يعود عدم ّ‬
‫القانون قاضي التقاديم‪.‬‬

‫‪ - 28‬ملتقى دولي بالمعهد األعلى للقضاء تحت عنوان "مجلة حماية الطفل سنة بعد" أيام ‪ 7‬و ‪ 8‬جانفي ‪.1997‬‬
‫‪ - 29‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.72‬‬

‫‪7‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الحاالت المه ّددة لتربية‬


‫الطفل‪:‬‬
‫تعتبر التربية فنا وعلما في نفس الوقت حسب ويليام جيمس ‪ 30‬وأما دوركايم فإنه يرى أن التربية‬
‫كممارسة تتمثل في ذلك العمل الذي تقوم به أجيال الكهول على تلك التي لم تنضج بعد للحياة االجتماعية‬
‫‪31‬‬
‫والذي يهدف إلى تطوير الملكات التي يتطلبها كل من المجتمع والوسط العائلي الذي يعيش فيه الطفل‬
‫لذلك فإن الطفل في حاجة أكيدة إلى إطار يقوم بهذا العمل أي التربية‪ .‬فمتى كانت األسرة متماسكة ومتوازنة‬
‫كان الطفل متوازنا نفسيا‪ .‬لذلك فإن مسؤولية األسرة في التربية والوقاية من االنحراف هي مسؤولية كبيرة‪.‬‬
‫ونظرا لكل ذلك سعى المشرع إلى تركيز الدعائم األسرية وتقوية أركان األسرة حتى تكون المالذ اآلمن‬
‫لألبناء‪.‬وقد رأى المشرع من خالل مجلة حماية الطفل في فصلها العشرين أن فقدان اإلطار التربوي (الفرع‬
‫مجرد وجود إطار تربوي ينفي‬
‫ّ‬ ‫األول) يمث ّل حالة صعبة مهدّدة للطفل لكن هذا ال يعني العكس تماما أي أن‬
‫حالة التهديد‪ .‬فهذا اإلطار فضال عن وجوده هو مطالب بالقيام بدوره وواجبه التربوي لذلك فغياب الدور‬
‫التربوي (الفرع الثاني) هو أيضا من الحاالت المهدّدة لتربية الطفل‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬فقدان اإلطار التربوي‪:‬‬


‫المكونات األولى لثقافته‬
‫ّ‬ ‫تلعب األسرة دورا ف ّعاال في تنشئة الطفل فهي المحيط األول الذي يتلقّى عنه‬
‫ولغته وتراثه االجتماعي كما قال أوجيست كونت‪ ،‬لذلك فإن األسرة تبقى الركيزة األساسية الصالحة لتربية‬
‫سة للعائلة وخاصة لوالديه فهو يتطبّع في هذه‬
‫الطفل وحمايته ‪ . 32‬فالطفل في بداية حياته يكون في حاجة ما ّ‬
‫لذلك فإن األسرة كإطار‬ ‫‪33‬‬
‫نموه البدني والنفسي بما يلقّن وما يلمسه لدى والديه من طباع وعادات ‪.‬‬
‫الفترة من ّ‬
‫عرفه الفقيه "ميشال‬
‫تربوي هي المحيط الطبيعي الذي يجب أن يعيش فيه الطفل‪.‬واإلطار التربوي كما ّ‬
‫بنمو الطفل‪ ،‬هذا المخلوق الضعيف‬
‫ي ّ‬ ‫هنري" هو مجموع األشخاص الذين تعود لهم المسؤولية عن الرق ّ‬

‫‪ - 30‬أحمد شبشوب‪ :‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪ ،‬المطبعة األساسية تونس ‪.1992‬ص ‪.139‬‬
‫‪ - 31‬أحمد شبشوب‪ :‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.141‬‬
‫‪ - 32‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪.‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ - 33‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪.‬مرجع سابق ص ‪.78‬‬

‫‪8‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الذي يعتمد على غيره في تدبير أموره‪ ،‬وفي الوضع الطبيعي يتح ّمل األبوان هذه المهمة المزدوجة‪ .‬وتبعا‬
‫‪34‬‬

‫لذلك أكد التشريع التونسي على أهمية األسرة بالنسبة للطفل حتى يعيش متوازن النفس والسلوك‪ ،‬وبالتالي‬
‫ال بدّ من توفر إطار عائلي تربوي يقوم برعايته‪ .‬ونظرا لقيمة وأهمية العائلة في حياة الطفل فإن فقدانها قد‬
‫التشرد والضياع واإلهمال‪ ،‬وبالرجوع إلى أحكام الفصل ‪ 20‬م ح ط نجد أن المشرع‬
‫ّ‬ ‫يؤدّي بهذا األخير إلى‬
‫قد اعتبر في النقطة (أ) أن"فقدان الطفل لوالديه وبقاءه دون سند عائلي" يمثل حالة صعبة تهدد الطفل بل إنه‬
‫ذكرها في مقدمة الحاالت الثمانية المذكورة بالفصل المذكور آنفا‪ .‬ويمكن أن نستخلص أن المشرع التونسي‬
‫سع للعائلة حيث أنه لم يجعل حالة فقدان الوالدين حالة صعبة حتى ال يعطي مفهوما ضيقا‬
‫يتبنى المفهوم المو ّ‬
‫للعائلة بل إنه ربطها بالبقاء دون سند عائلي وبالتالي يجوز القول إن الطفل ال يكون مهدّدا حين يفقد والديه‬
‫سند العائلي‪ .‬وأول ما يتبادر إلى الذهن هو حالة الطفل ّ‬
‫الطبيعي (الفقرة األولى)‬ ‫فقط وإنما حين يفقد أيضا ال ّ‬
‫الذي يجد نفسه منذ الوالدة فاقدا لوالديه وبدون سند عائلي‪،‬إال ّ‬
‫أن الطفل الشرعي (الفقرة الثانية) كذلك يمكن‬
‫أن يفقد اإلطار التربوي ‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬فقدان اإلطار التربوي بالنسبة للطفل الطبيعي‪:‬‬


‫إذا وقفنا عند هذه الحالة الصعبة أي فقدان الطفل لوالديه وبقاؤه دون سند عائلي فإن أول ما يتبادر‬
‫إلى الذهن هو حالة األطفال الذين يجدون أنفسهم منذ الساعات األولى من حياتهم فاقدين لوالديهم ولسند‬
‫عائلي يحميهم وهنا نتحدث عن األطفال المولودين خارج إطار الزواج الشرعي والذين يقع التخلي عنهم‬
‫بالشوارع أو بالمستشفيات أو بمراكز رعاية الطفولة‪ .‬ولقد قام المعهد الوطني لرعاية الطفولة بتونس سنة‬
‫‪ 2006‬بإدماج حوالي ‪ 391‬طفال من بينهم ‪ 11‬طفال أدمجوا بقرى س‪.‬و‪.‬س )‪ (S.O.S‬أو بمراكز مندمجة‬
‫للشباب والطفولة في حين أدمج البقية لدى عائالتهم الطبيعية أو لدى عائالت بديلة وتمت تسوية وضعياتهم‬
‫في آجال قصيرة نظرا لألهمية التي يكتسيها وجود الطفل في وسط عائلي وانعكاساته على نموه الطبيعي‬
‫والمتوازن‪ ،‬هذا وقد تم إيداع ‪ 379‬طفال في إطار اإليداع العائلي القصير المدى ‪ 35‬وخالل سنة ‪ 2010‬تم‬
‫إدماج ‪ 1147‬طفال من فاقدي السند بالتشغيل أو بالزواج أو بالعائلة وبلغ عدد األسر المستفيدة من هذه‬
‫‪36‬‬
‫التدخالت حوالي ‪ 300‬أسرة ‪.‬‬
‫الطفل ّ‬
‫الطبيعي الذي يولد نتيجة عالقة غير شرعيّة ويترك بالطريق العام لمصير مجهول‬ ‫إن ّ‬
‫فيترعرع ويكبر داخل ملجأ أو مركز لرعاية األطفال مجهولي النسب‪ ،‬يمكن أن يعاني من عقد واضطرابات‬
‫ونموه العقلي بسبب نشأته محروما من دفء العائلة وخاصة حنان األبوين‬
‫ّ‬ ‫نفسية قد تؤثر على سلوكه‬

‫‪34‬‬ ‫‪- Michel Henry : les jeunes en danger.C.F.R.E.S. Vaucresson.1972.p.163.‬‬


‫‪ - 35‬التقرير الوطني حول وضع الطفولة بتونس لسنة ‪.2006‬‬
‫‪ - 36‬التقرير الوطني حول وضع الطفولة بتونس لسنة ‪.2010‬‬

‫‪9‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫ورعايتهما‪ .‬فاألم العزباء حتى وإن أرادت اإلحتفاظ بإبنها والعناية به فإنها تدرك مسبّقا ّ‬
‫أن عائلتها وأقاربها‬
‫تضطر األّم إلى‬
‫ّ‬ ‫سيرفضون ذلك ولن يقبلوا بهذا الطفل للعيش بينهم رغم أنّه ال ذنب له في ما حصل‪ .‬لذلك‬
‫التخلّي عنه في الشارع أو في المستشفى‪ .‬وبالتالي ينشأ هذا الطفل بدون والدين أو سند عائلي ونقصد هنا‬
‫يعرف السند العائلي وربّما يكون ذلك لمصلحة الطفل‪،‬وبالتالي يبقى‬
‫فالمشرع لم ّ‬
‫ّ‬ ‫العائلة الموسعّة أي األقارب‬
‫المجال واسعا لمسؤولية رعاية الطفل وتربيته وحمايته‪.‬‬

‫وإذا ما عدنا إلى الشرح اللغوي لكلمة "سند" نجد أنها مشتقة من فعل سند ويقال سند إلى الشيء‬
‫سنودا واستند وتساند وأسند غيره ويقال سانده إلى الشيء فهو يتساند إليه ويقال ساندت الرجل مساندة أي‬
‫‪37‬‬
‫عاضدته وكاتفته‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى ّ‬
‫نظم المشرع التونسي وضعية هؤالء األطفال اللقطاء من خالل الكتاب السابع من‬
‫مجلة األحوال الشخصية (الفصول من ‪ 77‬إلى ‪ )80‬وكذلك أحكام الفصل ‪ 27‬من قانون الحالة المدنية وكذلك‬
‫نجد قانون ‪ 4‬مارس ‪ 1958‬المنظم للوالية العمومية والكفالة والتبني‪ .‬ولكن يمكن أن نتساءل هنا‪ ،‬بوجود‬
‫هذه القوانين‪ ،‬هل يعني ذلك عدم إمكانية تطبيق أحكام مجلة حماية الطفل على هؤالء األطفال؟ رغم أن م ح‬
‫ط لم تتحدث عن الطفل اللّقيط إذ أن هناك نصوصا خاصة تنظم وضعيته ولكن هذا ال يمنع من تدخل حمائي‬
‫لفائدة هذا اللّقيط باعتباره طفال مهدّدا‪ .‬فمثال إذا ت ّم إشعار مندوب حماية الطفولة بوجود طفل مهدّد في صحته‬
‫وسالمته البدنية فإنه سيتع ّهد به ويتأكد من عدم وجود أسرة لهذا اللّقيط فإن لم يجدها سيحيل هذا الطفل إلى‬
‫السلطة اإلدارية المختصة بالعناية باألطفال اللّقطاء‪ ،‬إال أنه في خصوص مجلة حماية الطفل فإنها لم تأت‬
‫أقرت ضمن العنوان التمهيدي الخاص بالمبادئ العامة بأنه‪ :‬لكل طفل الحق‬
‫بالجديد في هذا الشأن سوى أنها ّ‬
‫فال شك أن الهوية حق مهم جدا‬ ‫‪38‬‬
‫في الهوية وتشمل الهوية االسم واللقب العائلي وتاريخ الوالدة والجنسية‬
‫سيضر‬
‫ّ‬ ‫بالنسبة للطفل‪ .‬ففقدان الهوية كالّ أو بعضا سيكون له تأثير سلبي على الطفل نفسيّا واجتماعيّا م ّما‬
‫حتما بمصلحته الفضلى‪ .‬كما أن فقدان الهوية سيحدث تمييزا بين األطفال على أساس المولد أواألصل‬
‫‪39‬‬
‫االجتماعي وهو ما ال تسمح به اتفاقية حقوق الطفل (المادة ‪.)2‬‬
‫الطفل ّ‬
‫الطبيعي الفاقد لوالديه وللسند العائلي قد يقع استغالله في‬ ‫وم ّما تجدر مالحظته هو أن هذا ّ‬
‫صة ّ‬
‫وأن‬ ‫ّ‬
‫المنظم أو قد يستغ ّل جنسيّا أو اقتصاديّا وهو ما يستوجب توفير الحماية الالّزمة له خا ّ‬ ‫اإلجرام‬
‫السن وحالة التّهديد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الحماية التي توفّرها م ح ط يتمتّع بها كل طفل مهدّد أي يكفي توفّر شرطي‬

‫‪ - 37‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ .‬المجلد الثالث ص ‪.220‬‬


‫‪ - 38‬الهادي البحسيس‪ :‬الطفل المهدد‪ .‬رسالة ختم دروس بالمعهد األعلى للقضاء ‪.1998/1997‬ص‪ .20.‬وانظر أيضا الفصل‬
‫‪ 5‬م ح ط "لكل طفل الحق في الهوية منذ والدته‪ .‬وتشمل الهوية االسم واللقب العائلي وتاريخ الوالدة والجنسية‪".‬‬
‫‪ - 39‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪.42‬‬

‫‪10‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الطبيعي مجهول النّسب وبالتّالي الفاقد لوالديه وللسّند العائلي‪ .‬فماذا عن ّ‬
‫الطفل أو اإلبن‬ ‫للطفل ّ‬
‫هذا بالنّسبة ّ‬
‫ال ّ‬
‫شرعي؟‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬فقدان اإلطار التّربوي بالنّسبة لل ّ‬


‫طفل الشّرعي‪:‬‬
‫المشرع على أه ّمية األسرة بالنّسبة ّ‬
‫للطفل وبيّن واجبات الوالدين تجاه األبناء من صالحيّات‬ ‫ّ‬ ‫لقد أ ّكد‬
‫الوالية ومشموالت الحضانة من خالل الفصلين ‪23‬و‪ 57‬م أ ش‪ ،‬كما أن مجلة حماية الطفل أيضا أكدت على‬
‫الدور الهام الذي تلعبه األسرة في حماية الطفل‪ ،‬وعلى مستوى دولي فإن االتفاقية األممية لحقوق الطفل‬
‫أكدت على هذه االعتبارات الجوهرية حيث ورد بالديباجة أن األطراف في هذه االتفاقية "‪...‬اقتناعا منها بأن‬
‫األسرة‪ ،‬باعتبارها الوحدة األساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة األطفال‪،‬‬
‫ينبغي أن تولي الحماية والمساعدة الالزمتين لتتمكن من االضطالع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع وإذ‬
‫جو من‬
‫تقر بأن الطفل كي تترعرع شخصيته ترعرعا كامال ومتناسقا ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في ّ‬
‫ّ‬
‫سعادة والمحبّ ة والتفاهم‪ "....‬وهذا الجو من المحبة والتفاهم الذي ذكرته االتفاقية يجده الطفل بين أحضان‬
‫ال ّ‬
‫أسرته أي في ظ ّل رعاية والديه وإن لم يكن الوالدان فيمكن أن يعيش الطفل في ظل رعاية األسرة المو ّ‬
‫سعة‬
‫أي أحد األقارب‪ ،‬خاصة وأن الفقه يعرف اتجاهين في تعريف العائلة‪ :‬اتجاه يتبنى المفهوم الضيق حيث ال‬
‫يتجاوز مفهوم العائلة األبوين واألبناء ويرجع ذلك إلى عدّة عوامل أدّت إلى انقراض العائلة الكبرى‬
‫‪ la famille étendue‬وبروز العائلة النوويّة ‪ .40 la famille étroite nucléaire‬وأما االتجاه اآلخر‬
‫سع للعائلة فإنه يعتبر أن هذه األخيرة مجموعة من األشخاص تربط بينها روابط‬
‫الذي يتبنى المفهوم المو ّ‬
‫ونعني بذلك السّند العائلي ‪.‬‬ ‫‪41‬‬
‫مؤسسة على الزواج والمصاهرة ‪،‬‬
‫إن ّ‬
‫الطفل ال ّ‬
‫شرعي يمكن أن يجد نفسه فاقدا لوالديه وبدون سند عائلي أيضا فهناك حاالت كثيرة‬
‫لفقدان الوالدين ‪ ،‬فقد يفقد الطفل كال والديه بالحياة أو بالموت كأن يصبح يتيما من كليهما أو من أحدهما مع‬
‫وجود اآلخر رهن المعالجة طويلة المدى أو محبوسا بالسجن أو بحالة غياب طويل مع انقطاع الخبر‪ 42.‬إذن‬
‫فهذا الطفل إن لم يجد العناية والحماية من باقي أفراد العائلة فإنه سيصبح بدون سند عائلي فضال عن فقده‬
‫فرق بشكل صريح بين اإلطار التربوي المعني أصال بمهمة‬
‫لوالديه ‪.‬ونالحظ في هذا الصدد أن المشرع قد ّ‬

‫‪ - 40‬إلهام قاسم‪ :‬الحماية اإلدارية للطفل‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس ‪ .1997-1996‬ص ‪ 23‬و ‪.24‬‬
‫‪ - 41‬إلهام قاسم‪ :‬الحماية اإلدارية للطفل‪ ،‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 42‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.101‬‬

‫‪11‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الرقي بنمو الطفل وهما األبوان وبين اإلطار البديل والذي وصفه المشرع بالسند العائلي‪ .‬وبالتالي فإن‬
‫‪43‬‬

‫الطفل ال يكون في حالة صعبة تهدد تربيته إال إذا فقد اإلطار التربوي بطرفيه األصلي والبديل‪ .‬فهذه الحالة‬
‫تعتبر من أخطر الحاالت التي يمكن أن تعترض الطفل فهي ت ّهدد حياته بأكملها‪ .‬ففقدان الوالدين والبقاء بدون‬
‫والتشرد وهو ما سيدفع بالطفل إلى االلتحاق بالشارع النعدام الرقابة والتوجيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سند عائلي يعني الضيّاع‬

‫سع للعائلة وذلك تكريسا‬


‫ومن ناحية أخرى وكما أسلفنا القول إن المشرع التونسي تبنى المفهوم المو ّ‬
‫منه للطابع االجتماعي والتضامني في حماية الطفل حتى ال يبقى واجب التربية والرقابة محموال على الوالدين‬
‫فقط‪ ،‬وذلك للحفاظ على الت ّوازن والت ّماسك األسري واإلجتماعي بصفة عامة‪ .‬لذلك فإن بقيّة أفراد العائلة‬
‫سعة مطالبون بالحلول مح ّل األبوين في االضطالع بدور الت ّربية واإلحاطة في صورة فقدان الوالدين‬
‫المو ّ‬
‫‪،‬ونشير في هذا الصدد أنّه ت ّم بمقتضى القانون عدد ‪ 10‬لسنة ‪ 2006‬المؤرخ في ‪ 6‬مارس ‪ 2006‬تنقيح‬
‫الفصل ‪ 66‬من مج ّلة األحوال الشخصيّة وإضافة الفصل ‪ّ 66‬‬
‫مكرر والقاضي بإقرار ّ‬
‫حق األجداد في زيارة‬
‫المشرع إلى الحفاظ على ترابط األجيال وصيانة العالقة بين أفراد األسرة وذلك بإخضاع‬
‫ّ‬ ‫أحفادهم سعيا من‬
‫ممارسة ّ‬
‫حق الزيارة من قبل األصول إلى معيار مصلحة المحضون الفضلى باعتباره من المبادئ العا ّمة‬
‫سند العائلي أيضا بعد أن يفقد والديه؟ وما هي‬ ‫فماذا لو فقد ّ‬
‫الطفل ال ّ‬ ‫‪44‬‬ ‫صت عليها مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل‪.‬‬ ‫التي ن ّ‬
‫صور فقدان السنّد العائلي؟‬
‫هذا السنّد العائلي يمكن أن يكون موجودا لكنّه ال يقوم بدوره الت ّربوي تجاه ّ‬
‫الطفل الفاقد لوالديه وفي‬
‫هذا اإلطار صدر قرار عن قاضي األسرة بأريانة تحت عدد ‪ 534‬بتاريخ ‪ 27‬جانفي ‪ 2006‬جاء فيه ما‬
‫أن فقدان ّ‬
‫الطفل لكال والديه وبقاءه دون سند عائلي يمثّالن أولى حاالت الت ّهديد التي جاء بتعريفها‬ ‫يلي‪ ":‬وبما ّ‬
‫الفصل ‪ 20‬من مجلة حماية ّ‬
‫الطفل فإن قاضي األسرة يتد ّخل فوريّا خا ّ‬
‫صة عند وجود نزاع بين عائلة أم‬
‫الطفل وعائلة والده‪ ،‬ويسعى أن تكون قراراته في إطار ات ّفاق العائلتين ضمانا الستقرار ّ‬
‫الطفل"‪ .45‬إذن فقد‬ ‫ّ‬
‫صدد ما‬ ‫يوجد السند العائلي لكنّه ال يضطلع بما عليه من واجبات تجاه ّ‬
‫الطفل‪ .‬ومن جهة أخرى وفي هذا ال ّ‬
‫أن ظاهرة النزوح التي تشهدها تونس تساهم بشكل كبير في تقلّص إشعاع العائلة بمفهومها‬
‫يمكن مالحظته هو ّ‬
‫المختص‬
‫ّ‬ ‫فإن الهيكل‬ ‫سع م ّما يخلق مشكل بقاء ّ‬
‫الطفل بدون سند عائلي ‪ 46‬وبالت ّالي وفي هذه الحالة ّ‬ ‫المو ّ‬
‫سعة والبحث عن أسباب امتناعها عن القيام بواجب‬ ‫بالحماية عليه أن يتح ّقق أوال من وجود العائلة المو ّ‬

‫‪ - 43‬زكريا عبد هللا‪ :‬السياسة الجنائية من خالل مجلة حماية الطفل‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪.2000‬ص ‪ 17‬و ‪.18‬‬
‫‪ - 44‬التقرير الوطني لوضع الطفولة بتونس لسنة ‪.2006‬‬
‫‪ - 45‬قرار صادر عن قاضي األسرة بأريانة عدد ‪ 534‬بتاريخ ‪ 2006/1/27‬غير منشور‪ .‬مذكور بمداخلة القاضي فاطمة‬
‫خليل بالملتقى حول دور فقه القضاء في تدعيم مبادئ مجلة األحوال الشخصية الذي نظمه المعهد األعلى للقضاء ومحكمة‬
‫االستئناف بتونس في ‪.2006/6/17‬‬
‫‪ - 46‬الهادي البحسيس‪ :‬الطفل المهدد مرجع سابق ص ‪.24‬‬

‫‪12‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫سند العائلي على غرار تعدّد صور فقدان الوالدين‪.‬‬
‫الرعاية والحماية تجاه الطفل‪ .‬كما قد تتعدّد صور فقدان ال ّ‬
‫ّ‬
‫وعلى هياكل الحماية أن تعاين ك ّل حالة صعبة وتقدّر مدى خطورتها على ّ‬
‫الطفل إال أنّه رغم هذه السلطة‬
‫المخولة للهيكل الحمائي المختص ال بدّ من تد ّخل المشرع لتوضيح وتحديد مفهوم هاته الحالة‬
‫ّ‬ ‫التقديرية‬
‫يعرف هذه الحالة ولم يفردها بفصل‬
‫المشرع في م ح ط لم ّ‬
‫ّ‬ ‫صة ّ‬
‫وأن‬ ‫سند العائلي خا ّ‬
‫الصعبة وتحديد مفهوم ال ّ‬
‫الشرح‬
‫ّ‬ ‫كما هو الحال بالنّسبة لبقيّة الحاالت‪ .‬فهل يعود ذلك إلى وضوح هذه الحالة وعدم حاجتها إلى‬
‫صة بالحماية‬
‫المشرع قد قصد فعل ذلك حتى يتيح مجاال أوسع وأكثر حريّة للهياكل المخت ّ‬
‫ّ‬ ‫والت ّوضيح أم ّ‬
‫أن‬
‫في تقديرها لمدى صعوبة هذه الحالة؟‬

‫وعلى مستوى آخر يمكن القول إن ما تشهده بعض المجتمعات اليوم من انحطاط أخالقي انعدمت‬
‫معه المبادئ األخالقيّة والقيم اإلجتماعيّة م ّما جعل بعض العائالت تعرف توت ّرا في عالقاتها وال تعطي أهميّة‬
‫صة في مجتمع عربي إسالمي حت ّى أصبح التف ّكك األسري ظاهرة‬
‫الرحم ولقيم الت ّآخي والت ّضامن خا ّ‬
‫لصلة ّ‬
‫سعة ‪-‬وإن وجدت‪ -‬مكانة ودور في الت ّربية ّ‬
‫والرعاية‪ .‬وحتى الوالدين‬ ‫انتشرت في المجتمع ولم يعد للعائلة المو ّ‬
‫وأن هذا العصر لم تعد فيه عمليّة الت ّربية مقتصرة‬
‫صة ّ‬‫‪-‬وإن وجدا‪ -‬قد يجدان صعوبة في اإلحاطة باألبناء خا ّ‬
‫صال الحديثة تو ّجه األطفال‬
‫على الوالدين فقط بل أصبحت هناك تأثيرات خارجيّة من وسائل اإلعالم واالت ّ‬
‫أن غياب الدّور الت ّربوي المنوط بعهدة األبوين أو من ح ّل محلّهما يبقى خطرا‬
‫وتقدّم لهم ثقافة خاصة بهم‪ ،‬إال ّ‬
‫صعبة المهدّدة للطفل‪.‬‬ ‫يهدّد تربية ّ‬
‫الطفل لذلك اعتبره المشرع حالة من الحاالت ال ّ‬

‫الفرع الثّاني‪ :‬غياب الدور التربوي‪:‬‬


‫يقول أفالطون "التربية الحقة هي التي تشمل تربية الجسم والعقل والخلق جميعا لكي يكون اإلنسان‬
‫نافعا منتجا" ويقول أيضا "التربية وصول كل من الروح والجسم إلى كل كمال وكل جمال ممكن" لذلك فإن‬
‫ساس وبالغ األهمية فالتربية‬
‫الدور التربوي الذي يقع على عاتق الوالدين أو من يقوم برعاية الطفل هو دور ح ّ‬
‫هي عمل يهدف إلى تمرير المعارف والقيم والرموز من جيل الكهول إلى جيل األطفال ‪ 47‬واإلخالل به‬
‫سيؤدي حتما إلى اإلخالل بالتوازن النفسي والسلوكي للطفل‪ .‬لذلك فإن المشرع رأى أن غياب الدور التربوي‬
‫هو حالة صعبة مهدّدة للطفل ومن صور غياب هذا الدور تقصير بيّن في الرعاية والتربية (الفقرة األولى)‬
‫كوضعية تمثل خطرا على سلوك الطفل وكذلك العجز عن رعاية الطفل (الفقرة الثّانية) وهو ما قد يس ّهل له‬
‫طريق االنحراف‪.‬‬

‫‪ - 47‬أحمد شبشوب‪ :‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪ ،‬مرجع سابق ص ‪.142‬‬

‫‪13‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التقصير البيّن في التربية والرعاية‪:‬‬


‫يعتبر الت ّقصير البيّن في التربية والرعاية من حاالت اإلخالل بالدور التربوي المنوط بعهدة الوالدين‬
‫باألساس بما يمث ّل خطرا يهدّد تربية الطفل‪ .‬وقد أورد المشرع تعريفا لمصطلح "التقصير البيّن في التربية‬
‫والرعاية" بالفصل ‪ 23‬م ح ط بتقديم مجموعة من األمثلة على سبيل الذكر ال الحصر‪ ،‬فاعتبر أن التقصير‬
‫البيّن يتمثل في اعتياد ترك الطفل دون رقابة أو متابعة والتخلي عن إرشاده وتوجيهه أو السهر على شؤونه‪.‬‬
‫فالطفل من حيث طبيعته وتكوينه النفسي يت ّسم بالضعف وعدم االكتمال والنضج لذلك فهو في حاجة أكيدة‬
‫إلى والديه وإلى إرشادهما ونصحهما بما يجعله في مأمن من كل خطر أو أذى حينما ينتقل من محيطه‬
‫األسري إلى المحيط المدرسي ثم المحيط األوسع وهو المجتمع حيث سيواجه الطفل عدّة صعوبات وعدّة‬
‫مخاطر من شأنها أن تهدّد حياته‪ .‬كذلك فإن هذا المجتمع يحتوي على سلوكات وممارسات مختلفة منها‬
‫شاذّة (طريقة اللباس وتسريحة الشعر وطريقة الكالم والعبارات المستعملة‪)...‬‬
‫االجتماعية العاديّة ومنها ال ّ‬
‫وهذه األخيرة ما أكثرها في مجتمعنا المعاصر وهي تهدّد بشكل كبير الطفل في مستوى تربيته وأخالقه‪،‬‬
‫لذلك يبدو دور الوالدين في عصرنا الراهن دورا خطيرا جدّا وح ّ‬
‫ساسا للغاية حتى أننا يمكن أن نقول إن كل‬
‫صة مع ازدياد نسبة األ ّمهات العامالت‪،‬‬
‫صرون في مراقبة أبنائهم نظرا لكثرة مشاغلهم وخا ّ‬
‫اآلباء تقريبا مق ّ‬
‫فإن كان األب واألم يعمالن طوال النّهار خارج المنزل ومنشغالن بمشاغل العمل فمن ذا الذي سيراقب‬
‫أبناءهما ويرشدهم ويوجههم؟‬

‫ونخص بالذكر التطور التكنولوجي وما أفرزه‬


‫ّ‬ ‫وتطورات‬
‫ّ‬ ‫تحوالت‬
‫وأمام ما يشهده العالم اليوم من ّ‬
‫من وسائل ات ّصال حديثة لع ّل أه ّمها اإلنترنيت التي انتشرت بين األفراد على أنها وسيلة ات ّصال وانفتاح على‬
‫ثقافات العالم‪ ،‬لكن هذه الوسيلة هي في الحقيقة سالح ذو حدّين فمثلما لها إيجابيات عديدة لها أيضا عدّة‬
‫سلبيات‪.‬وبعض المواقع يمكن أن تز ّج بمرتاديها من األطفال في عالم من الالأخالقيات مما يساهم في حدوث‬
‫تناقض نفسي وسلوكي لدى الطفل بين ثقافته العربية اإلسالمية وما تقدّمه هذه المواقع خاصة في ظ ّل انعدام‬
‫الرقابة والمتابعة العائلية‪ .‬كما أن هذه الرقابة على الطفل من قبل الوالدين قد تتراجع أو تنعدم تماما في ظ ّل‬
‫أسرة مشحونة بالخالفات الزوجيّة حيث أن هذه األخيرة لها تأثير كبير جدّا في نفسيّة الطفل مما يجعلها تت ّسم‬
‫تطور‬
‫سيشوه في نظره صورة األسرة‪ .‬كما أن العنف بين األزواج يبدو في ّ‬
‫ّ‬ ‫باالضطراب والهشاشة مما‬
‫مهتز الكيان‪.‬فاقد الث ّقة في نفسه وفي اآلخرين‪.‬لذلك‬
‫ّ‬ ‫ملحوظ وهذا الوسط العنيف سينشأ داخله حتما طفل عنيف‬
‫مستقرة‬
‫ّ‬ ‫فإن االستقرار األسري هو حاجة أكيدة لضمان التنشئة السليمة للطفل حتى يكون ذا شخصيّة‬
‫ومتوازنة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫ومن مظاهر الت ّقصير أيضا بعض السلوكات التي يأتيها األبوان أو أحدهما مما يؤث ّر بشكل واضح‬
‫على الطفل‪ .‬ونعني بذلك الت ّمييز المتع ّمد الذي يمارسه الوالدان على األبناء سواء بين الذكور واإلناث أو بين‬
‫ذات الجنس ألي اعتبار كان‪ .‬وهذا الت ّمييز سيؤدّي بال ّ‬
‫ضرورة إلى حدوث شرخ في عالقة األبناء وتجاوبهم‬
‫فيما بينهم من ناحية وبينهم وبين والديهم من ناحية أخرى‪ 48.‬لذلك على الوالدين أن يحسنا معاملة أبنائهما‬
‫واالضطالع بواجبهما التربوي دون تهاون وتقصير فأي خلل في سلوك الطفل يعني عدم قيام األبوين‬
‫مجرد‬
‫ّ‬ ‫بمراقبته ومتابعته وتوجيهه‪ .‬وفي هذا اإلطار اعتبرت محكمة التعقيب في قرار لها سنة ‪ 1978‬أن‬
‫الضار هو قرينة على سوء مراقبة الطفل وأنه إذا كانت طبيعة األفعال التي ارتكبها الصبي‬
‫ّ‬ ‫صدور الفعل‬
‫والتي ألحقت ضررا بالغير تؤكد بصورة قطعية عدم اعتناء الولي بابنه فال يعفى الولي من المسؤولية‪ 49‬ولقد‬
‫تكرس حقوق‬
‫المشرع رقابة الطفل ومتابعته بتنظيمه الحياة العائلية وذلك من خالل عدة نصوص ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نظم‬
‫وواجبات األبوين تجاه أبنائهما‪.‬فاألبوان يتح ّمالن معا واجب مراقبة االبن القاصر ومتابعة سلوكه وتوجيهه‬
‫والسهر على شؤونه في نطاق واجب التعاون المحمول عليهما منذ تنقيح ‪ 1993/7/12‬لبعض فصول مجلة‬
‫نص الفصل ‪ 23‬منها في فقرته الثالثة على أن الوالدين "‪......‬يتعاونان على تسيير‬
‫األحوال الشخصية‪ .‬فقد ّ‬
‫شؤون األسرة وحسن تربية األبناء وتصريف شؤونهم بما في ذلك التعليم والسفر والمعامالت المالية"‬
‫ينص على أن‬
‫ّ‬ ‫الرابطة ّ‬
‫الزوجيّة فالفصل ‪ 57‬من م أ ش‬ ‫وواجب التعاون مفروض على الوالدين طوال قيام ّ‬
‫عرفها الفصل ‪ 54‬من نفس‬
‫"الحضانة من حقوق األبوين ما دامت الزوجية قائمة بينهما"‪ ،‬والحضانة كما ّ‬
‫المجلة هي "حفظ الولد في مبيته والقيام بتربيته" وأما عند وفاة األب أو فقدان أهليّته فإنه وعمال بالفصل‬
‫‪ 154‬م أ ش تصبح األم حاضنة ووليّة على أطفالها بصفة آليّة وتتح ّمل بمفردها واجب رعايتهم ومراقبتهم‬
‫وتربيتهم‪.‬‬

‫ي وليس‬
‫وفي صورة حصول طالق األبوين فإن رقابة الطفل تعتبر واجبا مشتركا بين الحاضنة والول ّ‬
‫على أحدهما حرمان اآلخر من القيام بواجباته نحو الطفل‪ 50 ،‬إذ جاء في الفصل ‪ 61‬من م أ ش أنه "إذا‬
‫سافرت الحاضنة سفر نقلة مسافة يعسر معها على الولي القيام بواجباته نحو منظوره سقطت حضانتها"‬
‫وفي السياق نفسه جاء بالفصل ‪ 62‬من المجلة المذكورة سابقا أنه "يمنع األب من إخراج الولد من بلد أمه‬
‫إال برضاها ما دامت حضانتها قائمة وما لم تقتض مصلحة المحضون خالف ذلك"‪ .‬واعتبارا لمصلحة الطفل‬
‫الرابطة الزوجيّة أو انفصامها بالوفاة أو بالطالق فقد أصبحت بموجب‬
‫عم المشرع سلطة األم في إطار قيام ّ‬
‫د ّ‬
‫تنقيح الفصل ‪ 67‬م أ ش بمقتضى قانون ‪ 12‬جويلية ‪ 1993‬تتمت ّع بصفة آليّة ب"صالحيات الوالية فيما يتعلق‬
‫بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية"‪ ،‬إضافة إلى ذلك ‪،‬يمكن لألم أن تتمت ّع بكامل‬

‫‪- 48‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهدّدة في التشريع التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.106‬‬
‫‪ - 49‬ن م ت‪.‬ق‪.‬م‪.‬قرار تعقيبي مدني عـ‪648‬دد مؤرخ في ‪ 19‬جانفي ‪ 1978‬ص ‪ 25‬و ‪.26‬‬
‫‪ - 50‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.118‬‬

‫‪15‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫مشموالت الوالية بموجب حكم قضائي في حالة تعذّر على الولي ممارسة صالحياته أو تع ّ‬
‫سف فيها أو تهاون‬
‫يضر بمصلحة‬
‫ّ‬ ‫المقر أو ألي سبب‬
‫ّ‬ ‫مقره وأصبح بالتالي مجهول‬
‫في القيام بواجباته أو في حالة تغيّبه عن ّ‬
‫الطفل المحضون‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى اعتبر المشرع من خالل الفصل ‪ 93‬مكرر من م إ ع المنقح بمقتضى القانون‬
‫عـــ‪95‬ــدد لسنة ‪ 1995‬المؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1995‬أن األبوين مسؤوالن بالتضامن عن تعويض األضرار‬
‫صر بالغير‪ ،‬لذلك فإن مسؤوليّة الوالدين في تربية أبنائهما هي مسؤولية كبيرة‬
‫التي يلحقها أبناؤهما الق ّ‬
‫سهر على شؤونهم مما يعني ضرورة اإلستجابة لحاجيات الطفل‬
‫تستوجب الرقابة والمتابعة واإلرشاد وال ّ‬
‫الضروريّة سواء منها المعنوية أو المادية وهذه األخيرة تعني اإلنفاق عليه ولقد ّ‬
‫نظمت مجلة األحوال‬
‫والنفقة حسب الفصل‬ ‫‪51‬‬
‫وطورتها بعد تنقيحها بمقتضى قانون ‪ 12‬جويلية ‪، 1993‬‬
‫ّ‬ ‫الشخصية أحكام النفقة‬
‫ضروريات في العرف والعادة" واألب هو‬ ‫ّ‬
‫"الطعام والكسوة والت ّعليم وما يعتبر من ال ّ‬ ‫‪ 50‬م أ ش تشمل‬
‫المطالب بصفة رئيسيّة باإلنفاق على األبناء وتلبية حاجاتهم الحياتيّة‪ .‬أ ّما األ ّم فعليها أن تساهم في اإلنفاق‬
‫الزوجين طبعا إن كان لها مال يم ّكنها من ذلك كما جاء في الفصل‬ ‫على أبنائها على أساس واجب الت ّعاون بين ّ‬
‫‪ 23‬م أ ش ‪ 52‬وأ ّما في صورة عسر األب فاأل ّم مقدّمة على الجدّ في اإلنفاق حسب ما جاء في الفصل ‪ 47‬م‬
‫وفي صورة وفاة األبّ تصبح األ ّم حاضنة وول ّية شرع ّية على ّ‬
‫الطفل‪.‬‬ ‫‪53‬‬
‫أش‬

‫ي تقصير في هذه الواجبات المنوطة بعهدة الوالدين سيكون له حتما تأثير سلبي على وضع‬
‫إذن فأ ّ‬
‫الطفل النفسي والسلوكي بما يجعله مهدّدا باالنحراف‪ ،‬إال أنه يالحظ أحيانا قيام الوالدين بواجبهما التربوي‬
‫ولكن االبن ال يعمل بنصائحهما وتوجيههما له ويحاول متى سنحت له الفرصة اإلفالت من رقابتهما بما‬
‫يجعله أيضا في هذه الحالة مهدّدا باالنحراف عن الطريق المستقيم خاصة إذا عجز الوالدان أو المتع ّهد بالطفل‬
‫عن رعايته وتوجيهه‪.‬‬

‫الفقرة الثاّنية‪ :‬العجز عن رعاية الطفل‪:‬‬


‫إن الطفل كما له حقوق فإن عليه واجبات‪،‬ولع ّل أهم واجب مطالب بااللتزام به هو واجب احترام‬
‫والديه بصفة خاصة ومحيطه العائلي واالجتماعي بصفة عامة فهذا الواجب هو ذو مصدر أخالقي وإنساني‬
‫‪54‬‬
‫بالدرجة األولى يمليه تقدير اإلنسان لوالديه نتيجة لما يتكبّدانه من عناء وتضحية في سبيل تربيتهما له‬
‫كما أن مختلف الشرائع السماويّة قد حث ّت عليه‪ ،‬إال أن الطفل قد ال يلتزم بهذا الواجب لسبب أو آلخر وهو‬

‫‪ - 51‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 52‬الفصل ‪ 23‬م أ ش "‪...‬على الزوجة أن تساهم في اإلنفاق على األسرة إن كان لها مال"‪.‬‬
‫‪ - 53‬الفصل ‪ 47‬م أ ش "األم حال عسر األب مقدمة على الجد في اإلنفاق على ولدها"‪.‬‬
‫‪ - 54‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪.‬مرجع سابق ص ‪.45‬‬

‫‪16‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫يعرض مصالحه الفضلى إلى الخطر‪ ،‬فعدم احترام الطفل لوالديه أو المتع ّهد بتربيته يعني‬
‫‪55‬‬
‫ما من شأنه أن ّ‬
‫التمرد قد يعود لعدّة أسباب تتعلّق‬
‫ّ‬ ‫تمرده على محيطه بما يحمله من تقاليد وقيم أخالقية متعارف عليها‪ .‬وهذا‬
‫ّ‬
‫أساسا بشخصيّة الطفل ووضعيّته النفسيّة في هذه المرحلة العمرية‪ ،‬فالطفل له مميّزات ذهنيّة واجتماعيّة‬
‫غالبا ما تتأثر بالمحيط الذي يعيش فيه فإن كان يعيش في محيط غير متوازن فلن تكون له شخصيّة‬
‫متوازنة‪،‬فهذا التوازن يصعب تحقيقه في ظ ّل عائلة متف ّككة أو غير ملتزمة بواجباتها تجاه األبناء كأن يكون‬
‫األب مدمنا على شرب الكحول أو في حالة بطالة أو أن األم غير قائمة بواجباتها األسريّة فضال عن توت ّر‬
‫العالقة بين الوالدين أو أن هذين األخيرين قد يعجزان عن رعاية ابنهما واإلحاطة به وتربيته وتوجيهه‬
‫صرفاته بسبب مرضهما أو كثرة مشاغلهما العائلية أو لفقرهما‪،‬وبالتالي عدم قدرتهما على توفير‬
‫ومراقبة ت ّ‬
‫يتمرد‬
‫ضياع والتهميش وتجعله ّ‬
‫تعرض الطفل لل ّ‬
‫الحاجيات األساسية للطفل‪ ،‬فكل هذه الظروف من شأنها أن ّ‬
‫نص على ذلك‬
‫على واقعه فيعجز الوالدان أو من قام مقامهما عن رعاية الطفل‪ .‬ومن صور هذا العجز مثلما ّ‬
‫الفصل ‪ 27‬م ح ط "تسيّب في سلوك الطفل وذلك بتع ّمده إفشال المراقبة والمتابعة واعتياده مغادرة محل‬
‫ذويه بدون إعالم أو استشارة وتغيّبه عنه دون علم أو انقطاعه مب ّكرا عن التعليم بدون موجب" فالطفل يكون‬
‫يتمرد على محيطه األسري واالجتماعي بتع ّمده‬
‫مجرمة في نظر القانون فهو ّ‬
‫في خطر وإن لم يرتكب أفعاال ّ‬
‫إفشال مراقبة والديه أو وليّه أو حاضنه أو المتعهد برعايته ويمارس بذلك سلوكيات تنذر بالخطر‪ .‬فمثال‬
‫الطفل الذي يفلت من رقابة عائلته ويسعى إلى مغادرة منزل والديه دون سابق استئذان وال سابق إعالم‬
‫ويبقى إلى ساعات متأخرة من الليل ويدمن على التدخين والتسكع في الشوارع هو لم يرتكب مبدئيا أي جرم‬
‫بالمعنى القانوني ولكن حالته خطرة ألنها تهيئه شيئا فشيئا الرتكاب الجرائم في معناها القانوني في وقت‬
‫وشيك ‪ 56‬وال بد أن نشير في هذا اإلطار أن تعمد الطفل إتيان كل هذه السلوكيات هو عنصر أساسي العتباره‬
‫في حالة صعبة من حاالت التهديد التي تستوجب التدخل الحمائي ويقصد بالتعمد اتجاه إرادة الطفل إلى‬
‫تعجيز أبويه أو وليه أو المتعهد بالرعاية عن القيام بدور التربية نظرا ألن حق المراقبة يمثل إحدى المسلمات‬
‫األساسية لضمان تربية الطفل‪ 57‬فإفشال المراقبة بما يعني تعجيز الوالدين عن القيام بدورهما التربوي خاصة‬
‫وأن المشرع من خالل الفصل ‪ 27‬أشار إلى عدم حصول العلم لدى الوالدين أو المتعهد بالتربية بما يقوم به‬
‫الطفل من تصرفات‪ ،‬فاعتياد الطفل مغادرة محل ذويه وتغيبه عنه ال يعني فشل الوالدين في رقابته‪ ،‬بل إن‬
‫تعو د الطفل القيام بذلك دون علم أو إعالم أبويه أو المتعهد برعايته هو ما يحول فعال دون اضطالع هؤالء‬
‫ّ‬

‫‪ - 55‬رضا خماخم‪ :‬المرجع السابق ص ‪.45‬‬


‫‪56 - Ferchichi Bechir : La tutelle des pères et mères sur leurs enfants mineurs dans les droits‬‬

‫‪Marocain et Tunisien comparès. Thèse doctorat d’Etat université de Tunis 1983. P 297.‬‬
‫‪57 - Ferchichi Bechir :op.cit.p 297.‬‬

‫‪17‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫بالدور المنوط بعهدتهم من توجيه وإرشاد ومراقبة‪،‬إال أن المشرع لم يبين لنا كيفية حصول العلم من عدمه‬
‫بالنسبة للوالدين أو المتعهد بالتربية‪.‬‬

‫فهل يجب أن يحصل العلم لديهم من طرف الطفل نفسه أم يمكن أن يكون عن طريق أي شخص آخر يعلمهم‬
‫بمكان وجود الطفل وبكل تصرفاته؟ وبذلك يعتبر الوالدان أو المتعهد بالرعاية على علم ومتابعة لسلوك‬
‫الطفل‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار نستنتج أن مندوب حماية الطفولة يجب أن يعتمد بشكل كبير على سلطته التقديرية‬
‫للطالع على كل الظروف والمالبسات المتعلقة بهذه الحالة الصعبة ونقصد حالة العجز عن الرعاية بسبب‬
‫سلوك الطفل دون أن ننسى مجهوده الفعال في بيان حالة التقصير البين في التربية والرعاية‪.‬‬

‫فاإلخالل بالدور التربوي بتقصير من األبوين تبدو أسبابه أكثر وضوحا من أسباب تعمد الطفل تعجيز والديه‬
‫أو من حل محلهما وإفشال رقابتهم له فهذه المرحلة العمرية ونعني الطفولة هي مرحلة حرجة في حياة كل‬
‫إنسان وللتحديد أكثر فالفترة الممتدة من السادسة إلى الثامنة عشر هي األكثر تأثيرا وتأثرا في حياة الطفل‬
‫ففي تلك الفترة سينتقل الطفل من محيطه العائلي الضيق إلى محيط أوسع وهو المحيط المدرسي وبالطبع‬
‫ستكون له عالقات جديدة وسيحتك شيئا فشيئا بكل مكونات المجتمع تقريبا‪،‬فالطفل ورقة بيضاء تتفاعل داخل‬
‫المجتمع وتتأثر بمكوناته وتؤثر فيه ميوالته وتتأثر هذه الميوالت بالمحيط القريب (العائلة) والبعيد (مكونات‬
‫المجتمع)‪ 58‬واألكيد أن الطفل سيجد صعوبات لالندماج والتأقلم مع محيطه االجتماعي وسيكون لهذا المحيط‬
‫دور كبير في تجاوز الطفل لهذه الصعوبات خاصة وأن نظرة المجتمع للنسان بصفة عامة وللطفل بصفة‬
‫خاصة ستؤثر فيه‪ ،‬فكلما كانت نظرة المحيط للطفل إيجابية كلما كانت عملية التكيّف ممكنة وسهلة‪ ،‬وكلما‬
‫كانت نظرة المحيط للطفل سلبية كلما ع ّكرت عالقته بالطفل مما يخلق لدى هذا األخير نزعة ّ‬
‫تمردية تؤسس‬
‫لزرع شعور لديه باالنتقام من محيطه ‪ 59‬وكردّ فعل من الطفل على كل هذه الظروف التي يعيشها ونظرا‬
‫فيتصرف‬
‫ّ‬ ‫لطبيعة تكوينه النفسي وعدم نضجه العقلي فإنه سيسعى إلى اإلفالت من رقابة محيطه األسري‬
‫بما يحلو له بما سيجعله مهدّدا في كل لحظة باالنزالق في عالم االنحراف واإلجرام ‪،‬ويزداد هذا األمر‬
‫سينجر عنه من‬
‫ّ‬ ‫خطورة إن أدى بالطفل إلى االنقطاع مبكرا وبدون موجب ومن تلقاء نفسه عن التعليم بما‬
‫نتائج خطيرة جدا على الطفل وعلى المجتمع بأسره‪ .‬فاالنقطاع المدرسي يعني بقاء الطفل في الشارع عرضة‬
‫لعدة مخاطر وعدة ممارسات ال أخالقية وربما الدخول في عالم الجريمة‪ .‬لذلك كان من أهداف التعليم تحقيق‬
‫وقاية المجتمع من الجريمة واالنحراف ‪ 60‬وهنا ال بد من التذكير بأن االنقطاع المبكر عن التعليم بدون‬

‫‪ - 58‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪.‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.59‬‬
‫‪ - 59‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪.‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.59‬‬
‫‪ - 60‬إلهام قاسم‪ :‬الحماية اإلدارية للطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.34‬‬

‫‪18‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫موجب يكون من طرف الطفل بصفة تلقائية أي ليس بسبب الوالدين أو المتعهد بالتربية حتى يثبت هنا تعمد‬
‫الطفل إفشال المراقبة وتعجيز الوالدين عن متابعة تصرفاته ‪ .‬فالمحيط المدرسي مثل المحيط األسري كل‬
‫منهما يلعب دورا فعاال في نشأة طفل متوازن نفسيا وذهنيا‪ .‬فهذا الكائن الضعيف يحتاج بازدياد إلى رعاية‬
‫الوالدين وتربيتهما له تربية اجتماعية وأخالقية وعاطفية إلى جانب تربيته الجسمية ‪ 61.‬فمثلما تكون تربية‬
‫الطفل مهدّدة وفي خطر كما تبينا في الحاالت السابق شرحها يمكن لسالمته أيضا أن تكون في خطر‪ ،‬ويكون‬
‫الطفل حينئذ في حالة تستوجب الحماية‪ .‬ويمكن أن نقول في هذا الصدد أن الحاالت المهدّدة لسالمة الطفل‬
‫هي أشد خطورة على الطفل وعلى المجتمع بأسره من أي حالة أخرى‪.‬‬

‫‪ - 61‬محمد فاضل الجمالي‪ :‬تربية اإلنسان الجديد‪ .‬الدار العربية للكتاب ‪ 1981‬ص ‪.54‬‬

‫‪19‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬

‫الفصل الثّاني ‪ :‬الحاالت المه ّددة لسالمة‬


‫الطفل‪:‬‬
‫إن الحاالت المهدّدة لسالمة الطفل معنويا وجسديا تبدو أكثر خطورة من حاالت التهديد األخرى‬
‫فالطفل بحكم حداثة سنّه وعدم نضجه العقلي ّ‬
‫معرض أكثر من غيره من فئات المجتمع للمخاطر ومختلف‬
‫أشكال االستغالل حيث يعدّ استغالال كل استفادة من هؤالء األطفال على حساب حقوقهم األساسية‪ :‬من حقهم‬
‫في الرعاية والمساعدة والنمو والرفاهية والحماية والتعليم والبقاء‪ 62...‬فكل هذه المخاطر تهدّد سالمة الطفل‬
‫بما يستوجب التدخل لحمايته سواء في حاالت استغالله (الفرع األول) أو في حاالت الخطر المل ّم (الفرع‬
‫الثّاني) وهي حاالت تعتبر بالغة الخطورة على سالمة الطفل‪.‬‬

‫األول ‪ :‬حاالت استغالل الطفل‪:‬‬


‫الفرع ّ‬
‫إن ظاهرة استغالل األطفال ظاهرة ضاربة الجذور في القدم‪،63‬إال أنها انتشرت عبر مختلف العصور‬
‫والمجتمعات‪ .‬وفي عصرنا الراهن اتخذت هذه الظاهرة عدة أشكال وأبعاد مما زاد في تف ّ‬
‫شيها وخطورتها‪،‬‬
‫نص الفصل ‪20‬‬
‫وقد ّ‬ ‫‪64‬‬
‫وتطور مفاهيم حقوق اإلنسان‬
‫ّ‬ ‫كل ذلك بالتزامن مع تعاظم االعتراف بحقوق الطفل‬
‫من م ح ط على ثالث حاالت الستغالل الطفل وهي حالة االستغالل في اإلجرام المنظم التي تناولها الفصل‬
‫‪ 19‬من نفس المجلة (الفقرة األولى) وحالة االستغالل الجنسي التي نص عليها الفصل ‪( 25‬الفقرة الثّانية)‬
‫وحالة االستغالل االقتصادي الوارد ذكرها بالفصل ‪ 26‬من نفس المجلة كذلك (الفقرة الثّالثة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬االستغالل في اإلجرام المنظم‪:‬‬


‫إن استغالل الطفل في اإلجرام المنظم يعتبر من أحدث وأخطر أشكال االستغالل حيث انتشرت‬
‫عصابات وجماعات إجرامية منظمة هدفها استغالل األطفال والسيطرة على إرادتهم واستعمالهم كوسيلة‬
‫لتنفيذ مخططاتهم اإلجرامية‪ .‬وقد اعتبر المشرع من خالل مجلة حماية الطفل تحديدا الفصل ‪ 20‬أن استغالل‬
‫األطفال في اإلجرام المنظم يمثل حالة صعبة تهدّد سالمة الطفل ولم يقدّم لنا تعريفا واضحا لالستغالل في‬
‫اإلجرام المنظم‪ .‬فقد وردت عبارة "استغالل الطفل في اإلجرام المنظم على معنى الفصل ‪ 19‬من هذه المجلة"‬

‫‪ - 62‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬تحديات وحلول‪ .‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ .2008‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 63‬بسام عاطف المهتار‪ :‬المرجع السابق ص ‪.7‬‬
‫‪ - 64‬بسام عاطف المهتار‪ :‬المرجع السابق ص ‪.7‬‬

‫‪20‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫والفصل ‪ 19‬من جهته ورد به ما يلي "يمنع استغالل الطفل في مختلف أشكال اإلجرام المنظم بما في ذلك‬
‫زرع أفكار التعصب والكراهية فيه وتحريضه على القيام بأعمال العنف والترويع" ومع ذلك تبقى هذه الحالة‬
‫صعبة التقدير بما أن المشرع لم يقدّم مفهوما دقيقا ألفكار التع ّ‬
‫صب والكراهية لكون هذه األفكار قد تختلف‬
‫حسب المجتمع والجيل‪ ،‬فما يعتبره البعض من قبيل التعصب والكراهية قد ال يعتبره البعض كذلك‪.‬‬

‫وأيضا أعمال العنف والترويع فيعود تقديرها لسلطة مندوب حماية الطفولة‪.‬ومن جهة أخرى فإن‬
‫المشرع الجزائي لم يقدم أيضا تعريفا واضحا للجرام المنظم فقد اكتفى من خالل الفصل ‪132‬من المجلة‬
‫الجزائية‪ 65‬بتشديد عقوبة كل من يستخدم طفال أو عدة أطفال في تنفيذ أعمال إجرامية في إطار عصابات أو‬
‫مجرد تكوين عصابة أو‬
‫ّ‬ ‫جماعات إجرامية على معنى الفصل ‪ 131‬من م‪.‬ج ‪،‬وأما فقه القضاء فقد اعتبر أن‬
‫االنضمام إلى عصابة تهدف إلى االعتداء على األشخاص والممتلكات يعتبر جريمة منظمة وذلك من خالل‬
‫قرار تعقيبي عدد ‪ 38035‬مؤرخ في ‪ 26‬جوان ‪ 66 1991‬ويتخذ استغالل الطفل في اإلجرام المنظم عدة‬
‫أشكال فيمكن أن يستغل األطفال في الجرائم اإلرهابية (أ) وفي جرائم المخدرات (ب) وكذلك في النزاعات‬
‫المسلحة (ج)‪.‬‬

‫أ‪ -‬االستغالل في الجرائم اإلرهابيّة‪:‬‬

‫يعتبر استغالل األطفال في الجرائم اإلرهابية بما يعني من زرع أفكار التعصب العنصري أو الديني‬
‫والكراهية والتحريض على القيام بأعمال العنف والترويع من أخطر أشكال االستغالل‪،‬فهذه الممارسات‬
‫اإلرهابية خطيرة جدا على الطفل ألنها تت ّجه في المقام األول إلى فكره فتسلبه وتشلّه‪ .‬وإلى حريته فتقيّدها‬
‫وتحدّ منها وذلك عن طريق ممارسة أنواع مختلفة من القمع الفكري وغسل الدماغ إضافة إلى أن هذه‬
‫األشكال من االستغالل تت ّجه إلى عاطفة الطفل فتد ّمرها وتنزع منها براءتها وصفاءها ‪ 67‬وبذلك يصبح هذا‬
‫الطفل أداة طيّعة بين أيدي هاته العصابات تنفذ بها أعمالها اإلجرامية فهو ينساق بسهولة وراء عبث محترفي‬
‫اإلجرام ‪ 68‬نظرا لعدم نضجه العقلي والنفسي‪.‬‬

‫ونالحظ أن تنصيص المشرع من خالل الفصل ‪ 19‬من مجلة حماية الطفل على حماية الطفل من‬
‫أفكار التعصب الديني ال يعني إبعاده عن المعاني اإلنسانية والمبادئ األخالقية السمحة التي جاء بها الدين‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دين التسامح‪ ،‬هذا الدين الذي يدعو إلى التآخي واالنفتاح على اآلخر ويكرس قيم المساواة‬

‫‪ - 65‬الفصل ‪ 132‬جديد م ج ‪" :‬يعاقب بالسجن مدة ستة أعوام كل من انخرط في عصابة أو شارك في وفاق من النوع المقرر‬
‫بالفصل ‪ 131‬من المجلة ومدة هاته العقوبة تكون اثنتي عشر عاما لرؤساء العصابات المذكورة وكذلك في صورة استخدام‬
‫طفل أو عدة أطفال دون الثمانية عشر عاما في األعمال المبينة بالفصل ‪ 131‬من المجلة"‪.‬‬
‫‪ - 66‬ن‪.‬م‪.‬ت ق ج عدد ‪ 1‬سنة ‪ 1991‬ص ‪.77‬‬
‫‪ - 67‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 42‬و ‪.43‬‬
‫‪ - 68‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.108‬‬

‫‪21‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫سخ األخالقي ومقاومة زرع أفكار التعصب والكراهية وليس أجدى لتحقيق هذه‬‫واالعتدال بما يقي من التف ّ‬
‫الوقاية من تقوية الوازع األخالقي والروحي في ضمير كل فرد من أفراد المجتمع‪ 69‬كما أن مختلف القوانين‬
‫الوطنية منها أو الدولية المتعلقة خاصة بحقوق اإلنسان دعت إلى ضرورة التشبع بثقافة التآخي البشري تلك‬
‫الثقافة التي تقوم على الدعوة إلى األخوة اإلنسانية متجاوزة كل الخصوصيات ومختلف أشكال التفرقة‬
‫والتمييز على أساس الجنس أو األصل االجتماعي أو اللون أو الدين وهي بالتالي ثقافة حقوق اإلنسان‬
‫بمفهومها الشامل‪ 70‬فال بد من تربية الطفل على األخالق الفاضلة والقيم النبيلة لضمان شخصية متوازنة‬
‫بعيدة عن كل تعصب أو كراهية‪.‬‬

‫وإضافة إلى ما نص عليه المشرع التونسي ضمن الفصل ‪ 19‬م ح ط فإنه سعى من خالل القانون‬
‫عـــ‪75‬ـــدد لسنة ‪ 2003‬المؤرخ في ‪ 10‬ديسمبر ‪ 2003‬والمتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة جرائم‬
‫اإلرهاب ومنع غسل األموال‪ ،‬ومن خالل الفصل ‪ 10‬من هذا القانون الذي اعتبر أنه تعدّ جرائم إرهابية‬
‫الجرائم اإلرهابية بطبعها أو التي تعامل معاملتها سواء كانت داخل البالد التونسية أو كانت قواعد الجماعة‬
‫اإلرهابية خارجها (قرار تعقيبي مؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪( 2006‬غير منشور) والمتمثلة وقائعه في تجنيد‬
‫الطفل شكري في تنظيم القاعدة وتكليفه باستقطاب عناصر من البالد التونسية للتحول للجهاد بعد تلقي‬
‫‪.‬‬ ‫تدريبات عسكرية خارج الوطن)‬
‫‪71‬‬

‫وكما بين الفصل ‪ 17‬من قانون ‪ 2003‬أن الطفل يمكن أن يستغل في اإلرهاب بأن يكون وسيطا‬
‫لربط الصلة بين مصدر المعلومة وأعضاء الجماعة اإلرهابية وهنا نتحدّث عن استغالل الطفل في التمهيد‬
‫للجريمة اإلرهابية فيقع استعماله دون إدراك وعلم منه لنقل المعلومات‪،‬أو أن يكون على علم وإدراك ووعي‬
‫صب يخلق لدى صاحبه حالة من‬
‫صبة ألن التع ّ‬
‫بعد أن ت ّم توجيه أفكاره وإقناعه بأهدافهم وأفكارهم المتع ّ‬
‫العمى العقلي تجعله يحيد عن قواعد الموضوعية‪ 72‬وهذا التوجيه والتأثير سهل على مثل هذه العصابات‬
‫النمو العقلي والنفسي للطفل‪ ،‬وبما أن هذا األخير يتميّز بذكائه فإنه أيضا يت ّم استغالل هذا‬
‫ّ‬ ‫نظرا لعدم اكتمال‬
‫الذكاء وتوظيفه في بعض وسائل االتصال والتقنيات التكنولوجية الحديثة من أجل توفير كل المعلومات‬
‫الالّزمة لهذه الجماعات‪،‬أو استعماله الختراق المواقع التابعة للدولة‪ .‬كما أن هذه الجماعات أصبحت تستغ ّل‬
‫األطفال في جمع الموارد الماليّة لتدعيم ما تقوم به من عمليّات إرهابية‪ ،‬إذ منع الفصل ‪ 19‬من قانون ‪2003‬‬
‫تبر ع أو كل جمع لألموال بأي طريقة كانت‪ ،‬بل تجاوز االستغالل مرحلة التمهيد ليصبح الطفل أداة‬
‫كل ّ‬
‫ومحرضا لمن هم في سنّه على تبنّي هذه األفكار الداعية إلى‬
‫ّ‬ ‫مروجا‬
‫لتنفيذ الجريمة اإلرهابية أو ليكون ّ‬

‫‪ - 69‬محمد الحبيب بودن‪ :‬الوقاية من اإلجرام‪ .‬م‪.‬ق‪.‬ت سبتمبر ‪ .1977‬ص ‪.32‬‬


‫‪ - 70‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪22‬‬
‫‪ - 71‬سوسن الماجري‪ :‬التص ّدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪.‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪80‬‬
‫‪ - 72‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪25‬‬

‫‪22‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫التعصب والكراهية وارتكاب أعمال العنف والترويع‪ ،‬والمالحظ أن المشرع لم يوضح لنا ما يقصده بأعمال‬
‫العنف والترويع هل هو عنف وترويع مادي أم معنوي؟‬

‫وكما أن استغالل الطفل في تنفيذ المآرب اإلجرامية لهذه العصابات يكون بعدّة طرق كاستغالله‬
‫للتسلّل إلى بعض الفضاءات وتنفيذ عمليّات إرهابيّة‪.‬‬

‫فهذه العصابات المنظمة ال تقتصر فقط على عصابات إرهابية تزرع في األطفال أفكار التعصب‬
‫والكراهية وتحرضهم على القيام بأعمال العنف والترويع‪ ،‬وإنما أيضا هناك عصابات تستغل األطفال في‬
‫جرائم من نوع آخر كجرائم المخدرات حيث ينزلق عدد كبير من األطفال في هذا العالم‪.‬‬

‫ب‪ -‬االستغالل في جرائم المخ ّدرات‪:‬‬

‫يعتبر استغالل الطفل في جرائم المخدرات من أبرز وأخطر أشكال االستغالل في اإلجرام المنظم‪،‬‬
‫لذلك خص المشرع التونسي جرائم المخدرات بقانون خاص بها وهو القانون عــ‪52‬ـدد الصادر في ‪18‬‬
‫ماي ‪ 1992‬الذي تم تنقيحه بمقتضى القانون عــــ‪94‬ــدد في ‪ 1995/11/9‬ثم بمقتضى القانون عــ‪101‬ــدد‬
‫جر م فيه كل مسك أو استهالك أو ترويج أو تهريب للمواد‬
‫لسنة ‪ 1998‬مؤرخ في ‪ 1998/11/30‬الذي ّ‬
‫المخدّرة‪.73‬والمخدّرات هي كل مادة طبيعية أو مر ّكبة قابلة ألن تتسبب في تأثير على الجهاز العصبي‬
‫والمخدرات قانونا هي المادة التي تشكل‬ ‫‪74‬‬
‫المركزي‪ ،‬خضوع مادي أو نفسي أو خطر صحي واجتماعي‬
‫خطرا على صحة اإلنسان ويطلق عليها "العقاقير الخطيرة" وهي كل المواد المدرجة بالجدول "ب" الملحق‬
‫بالقانون عــ‪52‬دد لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 18‬ماي ‪ 1992‬المتعلق بالمخدرات ‪ 75‬ولقد أورد المشرع‬
‫التونسي في القائمة الملحقة بالقانون المذكور ما يزيد عن مائة وأربعين نوعا من المخدّرات المح ّجر‬
‫استهالكها أو إنتاجها أو حصادها أو مسكها أو حيازتها أو شراؤها أو نقلها أو ترويجها أو إحالتها أو‬
‫عرضها‪ 76‬وبتعدّد هذه التحجيرات تتعدد صور استغالل الطفل في جرائم المخدرات‪ ،‬لذلك حرص المشرع‬
‫كل الحرص على حماية الطفل من مثل هذه المخاطر بحيث اعتمد فلسفة إصالحية للتقليل من حدّة هذه‬
‫المشكلة على المستويين الوقائي والعالجي ‪ 77‬فجاء القانون عـ‪94‬ــدد لسنة ‪ 1995‬المؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر‬
‫‪ 1995‬والمتعلق بإتمام القانون عـ‪52‬ــدد لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 18‬ماي ‪ 1992‬مضيفا فصال واحدا وهو‬
‫الفصل ‪ 19‬مكرر الذي تضمن ما يلي "للمحكمة أن تكتفي بإخضاع الطفل في جرائم االستهالك أو المسك‬

‫‪ - 73‬أنظر الفصل ‪ 2‬من قانون ‪ 1992/5/18‬المتعلق بالمخدرات‪.‬‬


‫‪74‬‬ ‫‪- Francis Caballero : Droit de la drogue : Jurisprudence générale Dalloz 1989 p 7.‬‬
‫‪ - 75‬وداد النقاش‪ :‬استغالل الطفل في الجرائم‪ :‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء ‪ 2007‬ص ‪ .143‬وانظر كذلك الرائد‬
‫الرسمي للجمهورية التونسية عـ‪33‬دد ‪ 1992/5/26‬ص ‪.621‬‬
‫‪ - 76‬أنظر الفصل ‪ 2‬من قانون ‪ 18‬ماي ‪ 1992‬المتعلق بالمخدرات‪.‬‬
‫‪ - 77‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬طفلنا بين التشريع والقضاء والمجتمع‪ .‬الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم تونس ‪2000‬‬
‫ص ‪.69‬‬

‫‪23‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫لغاية االستهالك للعالج الطبي الذي يخلصه من التسمم أو للعالج الطبي النفساني الذي يمنعه من الرجوع‬
‫إلى ميدان المخدرات أو للعالج الطبي االجتماعي أو ألي من التدابير المنصوص عليها بالفصل ‪ 59‬من‬
‫مجلة حماية الطفل"‪.‬‬

‫إذن فكأن المشرع يعتبر الطفل في جرائم المخدرات مجنيا عليه وليس جانيا وهو بالتالي بمثابة‬
‫الضحية ‪ 78‬ونظرا لعدم تمييزه ونضجه العقلي والنفسي فهو عاجز عن الدفاع عن نفسه ومقاومة اإلغراء أو‬
‫التضليل الذي تمارسه عصابات اإلجرام للتأثير عليه وعلى مداركه وميوالته فتستغل هذه العصابات الطفل‬
‫لتعاطي المخدرات واستهالكها فتعمل على توريطه استنادا إلى سياسة الترغيب وتسهيل استعمال المادة‬
‫المخدرة تمهيدا لتوظيفه في تهريب المخدرات وترويجها ‪ 79‬فاستهالك المخدرات له تأثيرات سلبية وأضرار‬
‫بالغة الخطورة على قوى اإلنسان الجسدية منها والعقلية والطفل بطبعه كائن ضعيف‪ ،‬لذلك سيكون للدمان‬
‫سيضر به هو وعائلته والمجتمع‬
‫ّ‬ ‫على المخدرات تأثير خطير جدا عليه وحتى على سلوكه وأخالقه مما‬
‫بأسره‪.‬‬

‫كما أن ت ّجار المخدرات يقومون باستغالل الطفل لتهريب المخدرات وترويجها ألن األطفال عادة ال‬
‫يثيرون الشبهات أثناء قيامهم بهذه األعمال اإلجرامية حتى أن هذه العصابات المنظمة استغلت أجساد األطفال‬
‫لتهريب المخدرات فجعلتها كالحاويات عند عملية العبور الحدودية وذلك بابتالعهم ألكياس صغيرة تحتوي‬
‫ولكن هنا يمكن أن نتساءل هل يمكن‬ ‫‪80‬‬
‫على المواد المخدرة ليقع استخراجها الحقا بعد مدة زمنية معينة‬
‫اعتبار وجود هذه المادة المخدرة داخل جسم الطفل مسكا لها وهل هو مسك لغاية االستهالك واالتجار؟‬

‫جر م المشرع التونسي كل مسك لمادة مخدرة مع العلم بطبيعتها دون اعتبار إذا ما كان مسكا‬
‫لقد ّ‬
‫طارئا أو عرضيا أو دائما لمدة قصيرة أو طويلة وبالتالي يمكن أن يتم تتبع مبتلع المادة المخدرة فيجتمع‬
‫المسك والتهريب على أن يتجاوز سن الطفل الثالثة عشرة‪ ،‬وأما الطفل الذي لم يتجاوز هذه السن فهو يتمتع‬
‫بقرينة قاطعة على عدم قدرته خرق القانون الجزائي ‪ ،81‬لذلك فإن الطفل في هذه الحالة أو في هذه المرحلة‬
‫العمرية يقع استغالله أكثر من غيره في جرائم المخدرات فيكون األداة الطيّعة والمناسبة في أيدي هذه‬
‫ّ‬
‫مخططاتهم‪ .‬ومع انتشار عصابات اإلجرام المنظم وتجاوزها لحدود‬ ‫العصابات لترويج بضاعتهم وتنفيذ‬
‫الدولة الواحدة وارتكابها لجرائم أصبحت تعرف بالجرائم المنظمة عبر الوطنية أو العابرة للحدود‪ ،‬وسعيها‬
‫الدائم إلى تلويث المجتمعات البشرية واستهداف كل الفئات العمرية‪ ،‬فإن هذه التنظيمات اإلجرامية‬
‫صصة في تجارة المخدرات أو ما يعرف بالمافيا ‪،‬حيث تعد المافيا وتجارة المخدرات التجسيم الواقعي‬
‫المتخ ّ‬

‫‪ - 78‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬طفلنا بين التشريع والقضاء والمجتمع‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.70‬‬
‫‪ - 79‬وداد النقاش‪ :‬استغالل الطفل في الجرائم‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.144‬‬
‫‪ - 80‬وداد النقاش‪ :‬استغالل الطفل في الجرائم‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 81‬الفصل ‪ 38‬فقرة أولى من المجلة الجزائية‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫األكثر خطورة للجرام المنظم لما تتخذه هذه األخيرة من أشكال تنظيمية وما تعتمده من وسائل بشرية‬
‫ومادية سواء على مستوى التخطيط أو التحضير أو التنفيذ ‪ 82‬فجرائم المخدرات تعتبر اليوم ظاهرة خطيرة‬
‫ومخيفة في مختلف أنحاء العالم فهي تهدّد المجتمعات اإلنسانية بأسرها وخاصة فئة األطفال حيث يسهل‬
‫التأثير عليهم ّ‬
‫والز ّج بهم في هذا العالم الذي يصعب الخروج منه إن لم يلق الطفل العناية والحماية الالزمة‬
‫النتشاله من هذا المستنقع الخطير الذي وقع فيه‪ ،‬وما زاد األمر خطورة هو اعتماد المافيا والتنظيمات‬
‫صصة في تجارة المخدرات لوسائل وأساليب متطورة الستهداف األطفال مباشرة كلجوئها إلى تقنية‬
‫المتخ ّ‬
‫دس بعض المواد المخدرة ضمن التركيبة الصناعية لبعض األلعاب والملصقات التي يقبل‬
‫متطورة تتمثل في ّ‬
‫عليها األطفال في مختلف بلدان العالم‪ ،‬وبمجرد استعمالها تصل المخدرات ألجسامهم عن طريق إلصاق‬
‫هذه الصور باستعمال اللعاب الذي سرعان ما ينقل المخدّر للدّم ‪ ،83‬فقد تفننت هذه العصابات في طرق‬
‫وأساليب تسويق وترويج المخدرات مستغلّة في ذلك براءة وعدم نضج الطفل الذي يجهل أحيانا ماهية المادة‬
‫التي كلّ ف بتوزيعها وأحيانا أخرى يتم إيهامه بأنها مادة أخرى يجوز المتاجرة فيها وترويجها‪ ،‬فمحترفي‬
‫اإلجرام المنظم يس تترون بهؤالء األطفال الذين ال تحوم حولهم الشبهات والشكوك فيسيطرون عليهم‬
‫ويو ّج هون إرادتهم وميوالتهم كيفما يشاؤون من أجل خدمة مصالحهم وتحقيق أهدافهم اإلجرامية وتنفيذ‬
‫مآربهم في الخفاء‪ ،‬كما أن هذه العصابات يمكن أن تستغل األطفال في مراقبة الطريق عند القيام بتوزيع‬
‫بمجرد‬
‫ّ‬ ‫المخدّرات في بعض المناطق‪ ،‬فيكون هؤالء األطفال العيون الساهرة ونواقيس الخطر التي تدق‬
‫مالحظة أعوان األمن بالمنطقة ‪. 84‬وإن اختلفت أشكال استغالل الطفل في جرائم المخدرات فإن الطفل يكون‬
‫في كل الحاالت مهدّدا ال محالة‪ .‬ويزداد األمر خطورة إذا ما ت ّم استغالل الطفل لترويج المخدرات داخل‬
‫وفي نفس هذا اإلطار ال بدّ من اإلشارة إلى‬ ‫المؤسسات التعليمية أو التربوية أو االجتماعية أو الرياضية‪.‬‬
‫‪85‬‬

‫ظاهرة انتشرت بين صفوف األطفال وهي ظاهرة التدخين وما يسبّبه من أمراض خطيرة تصيب الجهاز‬
‫التنفسي كسرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين‪ .‬فكيف يمكن للمشرع أن يتعامل مع الظاهرة التي أصبحت‬
‫تستقطب شيئا فشيئا عددا أكبر من األطفال فتقضي مبكرا على أجسادهم الصغيرة والضعيفة؟ إال أن هذه‬
‫األجساد الصغيرة والعقول غير الناضجة أصبحت تستغل كذلك في النزاعات المسلحة‪.‬‬

‫ج‪ -‬االستغالل في النزاعات المسلّحة‪:‬‬

‫‪ - 82‬محمد البرينصي‪ :‬الجرائم المستحدثة‪ ،‬رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء ‪ .2007‬ص ‪.18‬‬
‫‪ - 83‬وداد النقاش‪ :‬استغالل الطفل في الجرائم‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.145‬‬
‫‪ - 84‬وداد النقاش‪ :‬استغالل الطفل في الجرائم‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.149‬‬
‫‪ - 85‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪ .‬مرجع سابق ص ‪.80‬‬

‫‪25‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫ينص المشرع التونسي ضمن الفصل ‪ 18‬من مجلة حماية الطفل على أنه "يتمتع الطفل بكل ضمانات‬
‫القانون اإلنساني الدولي المنصوص عليها بالمعاهدات الدولية المصادق عليها بصفة قانونية ويمنع تشريك‬
‫األطفال في الحروب والنزاعات المسلّحة" وكذلك وعلى المستوى الدولي فإن الفصل ‪ 38‬من اتفاقية حقوق‬
‫الطفل يلزم الدول األطراف باتخاذ التدابير الممكنة لضمان عدم اشتراك الطفل الذي لم يبلغ الخامسة عشرة‬
‫من عمره في الحروب والنزاعات المسلّحة‪ .‬إال أن هذه القوانين الداعية إلى احترام حقوق الطفل وضمان‬
‫سالمته وحمايته من كل المخاطر لم تمنع من استغالل الطفل في النزاعات المسلّحة‪ ،‬فرغم التطور الذي‬
‫والحس اإلنساني الذين يغلّفان‬
‫ّ‬ ‫يشهده العالم اليوم في عدة مجاالت وعلى عدة مستويات ‪،‬فإن الغشاء األخالقي‬
‫الحضارة البشرية لم يكونا في أي وقت مضى أقل هشاشة وأفدح ضعفا مما هما عليه في الفترة التاريخية‬
‫الحالية‪ ،‬الماديّة العنيفة ‪ 86‬فاألطفال اليوم هم أول ضحايا االستغالل بكل أشكاله وهم الضحايا الرئيسيين‬
‫وعلى مستوى آخر‪ ،‬فإن االتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة ‪1989‬‬ ‫‪87‬‬
‫للحروب في أكثر من بقعة من العالم‪،‬‬
‫قد نصت في فصلها ‪ 38‬فقرة ‪" 3‬تمتنع الدول األطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة‬
‫في قواتها المسلّحة" بينما تونس التي صادقت على هذه االتفاقية سنة ‪ 1991‬فقد كفلت للطفل حماية في‬
‫الحروب أوسع من حماية االتفاقية الدولية لحقوق الطفل إذ لم تحدث أي تمييز بين األطفال خاصة من ناحية‬
‫السن ‪ ، 88‬فقد حرصت أغلب القوانين على حماية الطفل أثناء النزاعات المسلّحة لما للحرب من تأثير بالغ‬
‫على وضعية الطفل إذ تتسبب العمليات الحربيّة في وفاة عدد كبير من األطفال وإصابة عدد آخر بأضرار‬
‫كما أنها تؤدي إلى انتشار المجاعة‬ ‫‪89‬‬
‫وتشوهات جسدية مختلفة وإعاقات على غاية من الخطورة‬
‫ّ‬ ‫بدنية‬
‫واألمراض ن تيجة النقص في المواد الغذائية واألدوية وبالتالي انعدام الرعاية الصحية‪ ،‬كما أن الحروب‬
‫والنزاعات المسلّ حة من شأنها أن تحدث اضطرابا اجتماعيا فينعدم بذلك األمن واالستقرار وهو ما سيؤدي‬
‫التشرد واالنحراف وكذلك قد ترتكب خالل هذه الحروب جرائم ضد اإلنسانية لما تشهده‬
‫ّ‬ ‫ببعض األطفال إلى‬
‫من أعمال تقتيل جماعي وعنف وتعذيب قد يرتكب ضد األطفال خاصة وهو ما يهدّد سالمة الطفل الجسدية‬
‫والمعنوية‪.‬‬

‫رغم هذه العناية واإلحاطة القانونية التي يحظى بها الطفل على المستويين الوطني والدولي‪ ،‬فإنه‬
‫يبدو أن هذه النصوص واإلجراءات بقيت عاجزة عن توفير الحماية الكافية للطفل من االستغالل أثناء‬
‫الحروب والنزاعات المسلّحة وقد أفاد تقرير وضع األطفال في العالم لسنة ‪ 2011‬الصادر عن اليونيسيف‬
‫أنه في جميع أنحاء العالم تتصاعد األزمات والصراعات اإلنسانية ويتفاقم الركود االقتصادي وتغير المناخ‬

‫‪ - 86‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬حماية األطفال في النزاعات المسلحة‪ .‬م ق ت جويلية ‪ .2003‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 87‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬حماية األطفال في النزاعات المسلحة‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 88‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬حماية األطفال في النزاعات المسلحة مرجع سابق‪ .‬ص ‪.16‬‬
‫‪ - 89‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬رسالة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم‬
‫الجنائية كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪ 2003/2002‬ص ‪.124‬‬

‫‪26‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫والتوسع الحضري السريع مما يشكل تهديدات جديدة لتطلّعات الشباب ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءا‬
‫خالل العقد المقبل‪ ،‬فعالميا هناك أكثر من ‪ 1.2‬مليار مراهق يقفون على مفترق الطرق بين مرحلة الطفولة‬
‫وعالم الكبار وهذا وقت محوري في حياتهم يحتاجون فيه إلى الدعم التخاذ مسارات جديدة‪ .90‬ونظرا لهذا‬
‫الوضع المتردّي للطفولة‪ ،‬فقد طالب اإلعالن العالمي لبقاء الطفل ونمائه الصادر في سنة ‪ 1990‬ب "أن‬
‫وممرات العبور الخاصة لتمرير إمدادات اإلغاثة إلى األطفال في المناطق التي ال‬
‫ّ‬ ‫تراعى فترات الطمأنينة‬
‫تزال تشتعل فيها الحروب وأعمال العنف" حيث يت ّم استغالل األطفال وتشريكهم في الحروب رغم ما تتطلّبه‬
‫األعمال الحربيّة من قدرات جسدية وطاقة كبيرة لتح ّمل المتاعب والصعوبات وهو ما ال يتوفر في الطفل‬
‫نموه البدني بعد‪ .‬لذلك فإن تجنيده وإجباره على االشتراك في الحروب‬
‫ذلك الكائن الضعيف الذي لم يكتمل ّ‬
‫يعتبر اعتداء خطيرا على حرمته الجسدية بسبب األضرار واإلصابات البدنية التي قد تلحق به أثناء الحرب‬
‫جراء ما‬
‫‪،‬كما أنها تعتبر اعتداء على حرمته المعنوية‪ .‬بسبب األمراض النفسيّة والصدمات التي قد تصيبه ّ‬
‫يشاهده من عنف وممارسات بشعة وتعذيب ال يستطيع تح ّملها‪ 91‬فما يحدث في العالم خالل السنوات األخيرة‬
‫من إهدار ألرواح الطفولة في عديد البقاع السخنة والمتوت ّرة من العالم مثل البوسنة وفلسطين والعراق‬
‫والشيشان والجزائر‪ 92،....‬وغيرها من البلدان لهو خير دليل على الخطر الكبير الذي يحيط بالطفل ويهدّد‬
‫حقّه في البقاء والحياة‪ .‬وهو ما يستوجب بذل مجهودات دولية أكبر في مجال حماية األطفال أثناء الحروب‬
‫ومنع استغاللهم وتشريكهم في النزاعات المسلّحة ضمانا الحترام الحرمة الجسدية للطفل ولسالمته المعنوية‪.‬‬
‫لذلك ال بدّ من مزيد اإلحاطة والعناية به بتنشئته تنشئة نفسيّة وبدنيّة سليمة لحمايته قدر اإلمكان من االنزالق‬
‫ّ‬
‫المنظم رغم أن هذا األخير ليس الحالة الوحيدة المهدّدة لسالمة الطفل وهذا األخير كما‬ ‫في عالم اإلجرام‬
‫يمكن استغالله في اإلجرام المنظم بمختلف صوره وأشكاله‪ ،‬يمكن أيضا استغالله جنسيا مما سيكون له أثر‬
‫خطير جدا على سالمته الجسدية والمعنوية‪.‬‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬اإلستغالل الجنسي‪:‬‬


‫حداثة الطفل بالحياة اإلجتماعية وعيشه حسبما تمليه عليه اندفاعاته وتأث ّره بكل العوامل الخارجية‬
‫‪ ،93‬كل هذه المسبّبات تجعل من الطفل كائنا ضعيف الشخصيّة‪ ،‬عديم اإلرادة‪ ،‬غير مكتمل النّ ّ‬
‫مو الجسدي‬
‫والنضج العقلي والنفسي وبالتالي يكون سهل االستغالل جنسيّا وهذا الشكل من االستغالل أصبح ظاهرة‬
‫اجتماعية عالمية في عصرنا الراهن تدعو فعال إلى القلق‪ .‬فهذا الكائن الصغير الذي ت ّم استغالله جنسيا ال‬
‫يمكن أن يكون عضوا سليما في المجتمع بل سيش ّكل عضوا عانى الكثير في صغره‪ ،‬مما ترك ّ‬
‫تشوهات في‬

‫‪ 90‬تقرير اليونيسيف لوضع األطفال في العالم لسنة ‪.2011‬‬


‫‪ - 91‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق ص ‪.127-126‬‬
‫‪ - 92‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬حماية األطفال في النزاعات المسلحة‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.13‬‬
‫‪ - 93‬مصطفى بن جعفر‪ :‬حماية األطفال من االستغالل الجنسي‪ .‬م ق ت جانفي ‪ .1999‬ص ‪.41‬‬

‫‪27‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫نفسيته وجسده وبالتالي قد يؤث ّر على غيره بطبيعة الحال في صغره وكبره‪ .‬لذلك اعتبر المشرع من خالل‬
‫‪94‬‬

‫مجلة حماية الطفل أن استغالل الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا يعدّ من الحاالت الصعبة المهدّدة للطفل‪،‬‬
‫جرم كل اعتداء على أخالق الطفل وزجر‬
‫وعلى غرار كل القوانين الجزائية فإن القانون الجزائي التونسي ّ‬
‫تخول له نفسه ارتكاب جريمة جنسية ضد طفل‪.‬‬
‫كل من ّ‬

‫أمام ما يحدث في العالم اليوم يمكن أن نعتبر أن االستغالل الجنسي أصبح يمث ّل شكال من أشكال‬
‫اإلجرام المنظم شأنه في ذلك شأن جرائم اإلرهاب وتجارة المخدّرات واالتجار في البشر‪ ....‬فأصبح الطفل‬
‫يس ّخر لتلبية الرغبات الحيوانية لدى مستغلّيه والذين بدورهم يستفيدون ماليّا من العملية ‪ 95‬إال أن هذا‬
‫االستغالل على غرار طرقه التقليدية (أ) أصبح يعرف أيضا طرقا مستحدثة (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬الطرق التقليدية لالستغالل الجنسي للطفل‪:‬‬

‫تعرضت عدّة‬
‫إن االستغالل الجنسي ليس ظاهرة جديدة في المجتمع بل هي ظاهرة قديمة ‪،‬فلطالما ّ‬
‫فئات من المجتمع لهذا النوع من االستغالل وهي عادة الفئات المستضعفة كالنساء واألطفال‪ ،‬فاستمرار‬
‫وجود هذه الظاهرة اإلجراميّة إلى حدّ اليوم يدخل المجتمع البشري في ّ‬
‫دوامة من الالإستقرار االجتماعي‪.‬‬
‫‪ 96‬فاستغالل الطفل جنسيا من الحاالت الصعبة التي تهدّد سالمته وسالمة مجتمع كامل حتى أنها تمث ّل مشكلة‬
‫ذات خطر عالمي نظرا النتشارها‪ ،‬فالجرائم األخالقية أخذت في التصاعد بحكم التف ّجر الديمغرافي ‪ 97‬حتى‬
‫أنها أصبحت تت ّخذ شكل الجريمة المنظمة إذ أن استغالل الطفل على عدّة مستويات أصبح هدف هذه‬
‫العصابات والمجموعات اإلجراميّة إال أنه يجوز القول إن استغالل الطفل جنسيا في تونس لم يصل إلى حد‬
‫ارتكابه في إطار عصابات منظمة لكن المشرع التونسي وعيا منه بخطورة هذه الجريمة سعى إلى حماية‬
‫الطفل من االستغالل الجنسي في كل الحاالت وبأي شكل كان وذلك بردع المعتدين بإيجاد نصوص زجرية‬
‫صارمة وتوسيع نطاق التجريم حتى يشمل كل صور االعتداء ‪ 98‬ونظرا لآلثار النفسية الخطيرة التي قد‬
‫يخلّفها هذا االستغالل باعتباره من أبشع ما ّ‬
‫يتعرض له الطفل ويش ّكل تهديدا وحشيا لسالمته البدنية والذهنية‬
‫‪ 99‬مما سيكون له تأثير سلبي على توازنه العاطفي فينشأ بذلك طفال معقّدا نفسيا‪ ،‬ذا شخصية عدوانية تميل‬
‫إلى اإلنتقام واإلجرام‪ .‬وربما تقتضي خطورة هذا األمر وجود تعاون متبادل بين جهازين أساسيين لحماية‬

‫‪ - 94‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.51‬‬


‫‪ -95‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 96‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.169‬‬
‫‪ - 97‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.155‬‬
‫‪ - 98‬مصطفى بن جعفر‪ :‬حماية األطفال من االستغالل الجنسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.56‬‬
‫‪ - 99‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.107‬‬

‫‪28‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الطفولة أي كل من مندوب حماية الطفولة والقاضي الجزائي لضمان حماية أكثر نجاعة للطفل المهدّد‬
‫‪100‬‬

‫أو المستغ ّل جنسيّا‪.‬‬

‫نص المشرع من خالل الفصل ‪ 25‬م ح ط أنه‪" :‬يعدّ من قبيل االستغالل الجنسي للطفل ذكرا كان‬
‫ّ‬
‫أو أنثى تعريضه ألعمال الدعارة سواء بمقابل أو بدونه وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة" ولكنه لم يحدّد‬
‫صورا خاصة لهذا االستغالل وإنما اقتصر على إبراز كيفية تد ّخل الهياكل الحمائية عند وجود الطفل في‬
‫صعبة من خالل المجلة المذكورة‪ .‬لذلك ال بدّ من الرجوع إلى أحكام المجلة الجزائية التي تولي‬
‫هذه الحالة ال ّ‬
‫أهمية خاصة لحماية األطفال من الفساد األخالقي وتتصدّى لكل تحريض على الفجور والدعارة‪ ،‬إذ ّ‬
‫يقر‬
‫المشرع الجزائي عقوبات صارمة لزجر كل من ارتكب جريمة جنسية ضد طفل مثل مواقعة أنثى برضاها‬
‫أو بدون رضا أو االعتداء بالفاحشة‪ ،‬فالطفل بحكم ضعفه وتبعيته فإنه عادة ما يكون الفريسة أو الضحية‬
‫السهلة لمثل هذه االعتداءات الجنسية‪ ،‬لذلك سعى المشرع إلى توفير حماية ناجعة له‪.101‬‬

‫ومن جهة أخرى وفيما يتعلّق باالستغالل الجنسي المذكور بالفصل ‪ 25‬م ح ط‪ ،‬فإن المشرع لم يعط‬
‫كالتعود والمقابل إذ لم يشترط صراحة أن يكون تعريض الطفل ألعمال‬
‫ّ‬ ‫شروطا محدّدة لهذا االستغالل‬
‫مستمرا إذ يكفي وقوعه ولو بصفة عرضية حتى يعتبر الطفل مستغال جنسيا‪ .‬كما اعتبر المشرع أن‬
‫ّ‬ ‫الدعارة‬
‫االستغالل قائم سواء كان بمقابل أو ب دونه وكذلك لم يشترط طبيعة المكان الذي يقع فيه استغالل الطفل وال‬
‫كرسته‬
‫جنس هذا األخير سواء كان ذكرا أو أنثى وذلك عمال بمبدأ المساواة وعدم التمييز بين الجنسين الذي ّ‬
‫النصوص الدولية والمواثيق العالمية‪ 102.‬فالمعيار المعتمد هو السن‪ .‬فالطفل هو كل من لم يتجاوز سن الثامنة‬
‫عشر حسب ما نص عليه الفصل الثالث من م ح ط‪ ،‬كل ذلك سعيا من المشرع إلى توسيع نطاق حماية الطفل‬
‫بتوسيعه لمجال التدخل خاصة فيما يتعلق بمدى خطورة اإلجرام المنظم‪.‬‬

‫ودائما في إطار الفصل ‪ 25‬م ح ط فإن المشرع اعتبر أن تعريض الطفل ألعمال الدعارة يمكن أن يكون‬
‫يعرض الطفل ألعمال‬
‫بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬فاستغالل الطفل جنسيا يمكن أن يكون مباشرا حيث ّ‬
‫دعارة تسلط عليه مباشرة للنيل من عرضه بما يخدش عاطفة الحياء عنده‪ ،‬وإما بطريقة غير مباشرة فيكون‬
‫تعرض المشرع لهذه الجريمة في الفصول من ‪232‬‬
‫سط في الخناء والتمعّش منه‪ .‬وقد ّ‬
‫في صورة جريمة التو ّ‬
‫إلى ‪ 235‬من المجلة الجزائية واعتبرها من صور استغالل الطفل جنسيا لفائدة الغير‪ ،‬وحسب الفصل ‪232‬‬
‫م ج فإن هذه الجريمة تمث ّل جنحة يعاقب عليها بالسجن من عام إلى ثالثة أعوام وبخطية مالية من ‪ 100‬إلى‬

‫‪ - 100‬إلهام قاسم‪ :‬الحماية اإلدارية للطفل‪ .‬مرجع سابق ص ‪.42‬‬


‫‪ - 101‬أنظر الفصول ‪ 227-227‬مكرر‪ 228-228 -‬مكرر‪ 229-‬م ج‪.‬‬
‫‪ - 102‬المادة ‪ 2‬من اتفاقية حقوق الطفل والمادة ‪ 1‬من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان والمادة ‪ 24‬من الميثاق الدولي للحقوق‬
‫المدنية والسياسية‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫‪ 500‬دينار وأما إذا ارتكبت هذه الجريمة ضد قاصر فهذا العقاب يرتفع بالسجن من ثالثة إلى خمسة أعوام‬
‫والخطية من ‪ 500‬إلى ‪ 1000‬دينار حسب ما نص عليه الفصل ‪ 233‬من نفس المجلة المذكورة سابقا ‪.‬‬

‫وتتخذ هذه الجريمة عدّة صور تضمنّها الفصل ‪ 232‬م ج تتمثل في إعانة ومساعدة خناء القاصر أو‬
‫السعي لجلب الناس إليه إضافة إلى مقاسمة محصول الخناء أو تسلّم إعانات من قاصر يتعاطى الخناء أو‬
‫مساكنة هذا األخير أو استخدامه أو اإلنفاق عليه بقصد الخناء أو دفعه للفجور‪.‬‬

‫وما يمكن مالحظته هو أن كل هذه الصور تقتضي توفر الركن القصدي حتى تقوم الجريمة ‪ .‬كذلك‬
‫ال بدّ من اإلشارة إلى أنه ورغم تشديد المشرع في العقاب من ثالث سنوات إلى خمس سنوات إذا كان‬
‫‪103‬‬
‫المتوسط لفائدتها في الخناء قاصرا‪ ،‬فإن المشرع الجزائي التونسي لم يخرج عن اإلطار العقابي للجنحة‬
‫وهو ما ال يتماشى وخطورة هذه الجريمة‪.‬‬

‫وكذلك نفس األمر بالنسبة لجريمة التحريض على الفجور حيث أن الفصل ‪ 234‬م‪.‬ج يعاقب بالسجن‬
‫من عام إلى ثالثة أعوام وبالخطية من ‪ 100‬دينار إلى ‪ 500‬دينار كل من اعتدى على األخالق الحميدة‬
‫بتحريض الشبان القاصرين ذكورا كانوا أو إناثا على الفجور بإعانتهم عليه أو تسهيله لهم‪ ،‬وتعرف هذه‬
‫الجريمة في التطبيق القضائي بإفساد الشبيبة ‪ .104‬ويرى جانب من الفقه أن اإلعانة والتسهيل هو أمر واحد‬
‫‪105‬‬
‫يرميان إلى تيسير ممارسة الفجور والدعارة للقاصر‪.‬‬

‫تولي القوانين والتشريعات العربية أهميّة خاصة لحماية األحداث من الفساد األخالقي والتصدي لكل‬
‫وقد يت ّخذ التحريض أشكاال مختلفة فيكون شفاهيا وذلك‬ ‫‪106‬‬
‫تحريض يستهدفون له على الفجور والدعارة‪،‬‬
‫بتقديم الهدايا واإلغراء بالوعود والمخادعة‪ .‬ويمكن أن يكون عبر أفعال مادية من شأنها رفع حياء القاصر‬
‫بمجرد التحريض‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 107‬كما لم يشترط المشرع حدوث الرذيلة لتوقيع العقوبة بل اكتفى‬

‫وهناك من األطفال من تدفعه‬ ‫‪108‬‬


‫قد تختلف وسائل إغواء أو توريط األطفال لالتجار الجنسي بهم‬
‫أسباب وظروف معيّنة إلى االنزالق في عالم الدعارة أو قد يقع توريطه في هذا العالم باستغالل ظروفه تلك‬
‫التشرد والتصدّع األسري والتمييز الذي ّ‬
‫يتعرض له الطفل داخل أو خارج اإلطار العائلي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كالفقر المدقع أو‬
‫وأحيانا سهولة انجذاب الطفل وعدم وعيه سببا يدفعه إلى اكتشاف هذا العالم‪ .‬فالتجارة في مجال الدعارة‬
‫على المستوى الدولي أصبحت من أكثر الجرائم انتهاكا لحقوق اإلنسان وهي غالبا ما تنتشر في الدول‬

‫‪ - 103‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.78‬‬
‫‪ - 104‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.133‬‬
‫‪ - 105‬عبد هللا األحمدي‪ :‬الجرائم األخالقية‪ :‬الخدمات العامة للنشر‪ .‬تونس ‪ .1998‬ص ‪.316‬‬
‫‪ - 106‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.156‬‬
‫‪ - 107‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪ .‬مرجع سابق ‪ .‬ص ‪.66‬‬
‫‪ - 108‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.55‬‬

‫‪30‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الفقيرة‪ ،‬إضافة إلى ذلك فإن العولمة قد ساعدت على ظهور أسواق جديدة زادت في انتشار هذه التجارة غير‬
‫يدر أرباحا طائلة فإنه يتم بيع األطفال بغرض تشغيلهم‬
‫القانونية‪ ،‬وبما أن هذه األخيرة تعتبر نشاطا إجراميا ّ‬
‫في مجال الدعارة بعد نقلهم عبر الحدود الدولية نظرا لحرية الحركة بين حدود بعض الدول مما يسهل على‬
‫محترفي هذا اإلجرام تنفيذ أهدافهم ومن هنا صارت هذه التجارة تحتل المركز الثالث عالميا في أعقاب‬
‫‪109‬‬
‫تجارتي المخدرات والسالح من حيث كثرة األرباح‪.‬‬

‫وفي إطار التشريع الوطني وكما أسلفنا القول فإن هذه الجريمة تكيّف كجنحة مثل جريمة التوسط‬
‫في الخناء والتمعّ ش منه لذلك فعلى المشرع أن يعيد التفكير في وضع إطار تشريعي يتماشى وخطورة هذه‬
‫الجرائم وتوفير حماية أكثر وأنجع للطفل وذلك بتشديد العقوبات وتغيير الوصف القانوني للجريمة التي‬
‫يستغل فيها الطفل جنسيا ‪. 110‬‬

‫وعلى مستوى آخر ولتكاتف كل الجهود من أجل تجنّب إلحاق األذى بالطفل وتحصينه من اإلجرام‬
‫وتفاديا للضطرابات والعقد النفسية التي يمكن أن تصيبه ال بدّ من دعوة مختلف الهياكل التربويّة والتعليميّة‬
‫وإلحاطة نفسية وتربوية‬ ‫‪111‬‬
‫يتعرض له‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى إنارة سبيل الطفل وتوجيهه وجعله على بيّنة مما يمكن أن‬
‫ناجعة يمكن اللجوء إلى أخصائيين في علوم التربية أو علم النفس أو االجتماع‪ ،‬إال أن هذه الجريمة ازدادت‬
‫تطور التكنولوجيا حيث انتصب محترفو اإلجرام على شبكات االنترنيت مما يجعل‬
‫وتطورا مع ّ‬
‫ّ‬ ‫خطورة‬
‫سريّة يصعب الولوج إليها ‪ 112‬هدفهم في ذلك‬
‫ضبطهم من الصعوبة بمكان كما أنهم يتوفرون على تنظيمات ّ‬
‫استغالل األطفال المستعملين لهذه الوسائل التكنولوجية الحديثة والذي يبدو عددهم كبيرا جدّا‪.‬‬

‫ب‪ -‬الطرق المستحدثة لالستغالل الجنسي للطفل‪:‬‬

‫طورت عصابات اإلجرام المنظم من طرق ارتكابها للجرائم‬


‫مع التطور العلمي والتكنولوجي‪ّ .‬‬
‫مستعملة في ذلك مختلف التقنيات واألساليب الحديثة لتنفيذ مخططاتها اإلجرامية بكل ذكاء وحرفية‪ ،‬وبذلك‬
‫عرفت المجتمعات أنواعا جديدة من الجرائم التي تستهدف األطفال‪.‬‬

‫جرم المشرع التونسي كل اعتداء على األخالق الحميدة حماية لسالمة المجتمع وحفظا لألخالق‬
‫ّ‬
‫جرم كل استغالل جنسي عبر وسائل الصحافة حيث اعتبر‬
‫والقيم اإلنسانية واالجتماعية المتعارف عليها‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن استغالل صور الطفل عبر وسائل النشر والصحافة لغاية لفت النظر الرتكاب الفجور يمث ّل جريمة ّ‬
‫تعرض‬
‫لها الفصل ‪ 226‬مكرر من المجلة الجزائية حيث يعاقب كل من يلفت النظر إلى وجود فرصة الرتكاب‬

‫‪ - 109‬وائل حداد‪ :‬الطفل في الجريمة المنظمة‪ .‬مذكرة لنيل الماجستير في العلوم الجنائية‪ .‬كلية الحقوق بتونس‪ .2006‬ص‬
‫‪.53‬‬
‫‪ - 110‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 111‬مصطفى بن جعفر‪ :‬حماية األطفال من اإلستغالل الجنسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 56‬و ‪.57‬‬
‫‪ - 112‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.79‬‬

‫‪31‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الفجور وذلك بكتابات أو تسجيالت أو إرساليات سمعية أو بصرية أو الكترونية أو ضوئية‪ .‬ونجد كذلك‬
‫سة باألخالق الحميدة التي تناولها الفصل ‪ 121‬فقرة ‪ 3‬من المجلة المذكورة سابقا‬
‫جريمة نشر مؤلفات ما ّ‬
‫الذي ح ّجر توزيع المناشير والنشرات والكتابات التي تنال من األخالق الحميدة وأيضا بيعها أو عرضها‬
‫للعموم أو بنيّة بيعها أو ترويجها أو عرضها لغرض دعائي‪.‬‬

‫وهاتان الجريمتان ال تقومان إال إذا توفّر ركن العلنية والقصد الجنائي أي انصراف إرادة الجاني‬
‫إلى خرق القواعد األخالقية للمجتمع حيث يشترط المشرع القصد الجنائي لتحقيق كسب مادي والستغالل‬
‫‪113‬‬
‫المجرم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صور الطفل ونشرها مع علمه وتو ّجه إرادته نحو ذلك الفعل‬

‫وحماية منه لسالمة أخالق المجتمع وزجرا لمرتكبي هذه الجرائم‪ .‬أحدث المشرع تقنية اإليداع‬
‫القانوني حتى تت ّم مراقبة مختلف أنواع التسجيالت والتأكد بذلك من عدم وجود ما من شأنه أن يخدش الحياء‬
‫أو ينال من األخالق الحميدة أو يهدف إلى استغالل الطفل جنسيا‪ .‬واإليداع القانوني يتعلق بكل المصنفات‬
‫مصورة وكذلك التسجيالت‬
‫ّ‬ ‫المطبوعة بجميع أنواعها من كتب ونشريات دورية ومجلّدات ورسوم ومنقوشات‬
‫الموسيقية والصوتية والحركية وغيرها مما يوضع في متناول العموم‪ .‬إال أن العقوبة المقررة لكل من هاتين‬
‫المجرمة خاصة وأن المشرع لم يميز بين الطفل‬
‫ّ‬ ‫الجريمتين ال تعتبر رادعة فعال لمرتكبي هذه الممارسات‬
‫وغيره ممن ارتكب في حقه هذه الجرائم وهذا يعتبر نقصا فادحا يجب على المشرع تداركه من أجل توفير‬
‫حماية أنجع للطفل من مثل هذه الممارسات الالأخالقية‪ .‬ولكن هذه الممارسات المخلّة باآلداب واألخالق ربما‬
‫قد تتجاوز اليوم "طاقة" المشرع وصرامة القوانين إذ أصبحت تمارس عبر وسائل االتصال الحديثة وأهمها‬
‫شبكة االنترنيت التي عرف استعمالها تطورا ملحوظا في العالم ومن ميزة هذه الشبكة تشعّبها وعالميتها إذ‬
‫أنها ال تعترف بالحدود مما يثير عديد اإلشكاليات التي تتعلق بمدى انطباق القانون عليها باإلضافة إلى كونها‬
‫‪114‬‬
‫شبكة مفتوحة تجمع جميع أصناف البشر بما في ذلك المنحرفون الذين من بينهم المنحرفون جنسيا‬
‫فمحترفو اإلجرام يسعون دائما إلى استعمال أحدث التقنيات واألساليب في تحقيق أهدافهم اإلجرامية‪ .‬ففي‬
‫ظ ّل فضاء مفتوح ومعولم ومتجاوز لألطر القانونية التقليدية ‪ 115‬دخلت الجريمة عالم االنترنيت خاصة فيما‬
‫يتعلّق بنشر الصور الخليعة لألطفال والتحريض على الجرائم الجنسية المرتكبة ضدّهم فهؤالء يمث ّلون العدد‬
‫األكبر لمستعملي الشبكة العنكبوتيّة حيث يت ّم التقاط صور خليعة وإباحية للطفل بأي طريقة كانت سواء‬
‫بالكاميرات الرقميّة أو العاديّة أو الفيديو‪ .‬فهذه الظاهرة ليست جديدة ‪،‬وإنما الصور الرقمية وتكنولوجيا‬
‫االنترنيت جعلت إنتاج وتوزيع هذه الصور أسهل وأقل خطورة ‪ 116‬فاالنترنيت س ّهلت بشكل كبير تداول هذه‬

‫‪ - 113‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.68‬‬
‫‪ - 114‬وائل حداد‪ :‬الطفل في الجريمة المنظمة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 115‬وائل حداد‪ :‬الطفل في الجريمة المنظمة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 116‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.65‬‬

‫‪32‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫الصور وحتى وصولها إلى البيوت مباشرة‪ .‬ورغم خطورة هذه المسألة وانتشارها بشكل كبير إال أنه ال‬
‫توجد إحصائيات دقيقة حول هذه المسألة لكن ببحث بسيط على شبكة غوغل ‪ Google‬نجد أن هناك توزيع‬
‫صصة بنشر الصور واألفالم الخالعيّة‬
‫وإنتاج هذه الصور فهناك مثال شركة الند ساليد األمريكية المتخ ّ‬
‫لألطفال والتي ت ّم تفكيكها خالل العام ‪ 2000‬والتي كانت تس ّجل رقم أعمال قدره تسعة ماليين دوالر أميركي‬
‫صة منهم أطفال‬
‫كما أظهرت الدراسات أن عددا كبيرا من األطفال وخا ّ‬ ‫‪117‬‬
‫في السنة بفضل االنترنيت‪،‬‬
‫يتعرضون للتصوير اإلباحي مقابل الحصول على الطعام والمأوى وبعض‬
‫الشوارع في مختلف أنحاء العالم ّ‬
‫المال‪ .‬ومن جهتها قدّمت اليونيسيف دراسة قدّرت فيها أن األرباح الناتجة عن تجارة هذه األفالم والصور‬
‫الخليعة تقدّر ما بين مليارين وثالثة مليارات دوالر في السنة وذلك عبر دفع رسم اشتراك عبر بطاقات‬
‫االعتماد لولوج هذه المواقع ‪. 118‬‬

‫نظرا لعالميّ ة هذه الظاهرة اإلجرامية وتداعياتها على المستوى الدولي دعت اتفاقية األمم المتحدة‬
‫لحقوق الطفل الدول األطراف إلى حماية الطفل من جميع أشكال االستغالل الجنسي بما في ذلك الدعارة‬
‫واستخدامهم في المواد الخالعيّة‪ .‬كما صدر بروتوكول ملحق بهذه االتفاقية يح ّجر بيع األطفال واستغاللهم‬
‫في البغاء والمواد اإلباحية‪ .‬فهذه الظاهرة وهذه الممارسات تزداد خطورة وانتشارا حتى أن األمر وصل إلى‬
‫حدّ نشر إعالنات عبر شبكة االنترنيت لتمكين المستغلّين من ممارسات جنسية مع األطفال ‪ .‬ويت ّم هذا النشر‬
‫عن طريق البريد اإللكتروني ويكفي إلرسال رسالة معرفة العنوان اإللكتروني للطرف اآلخر ثم إرسال‬
‫النص الذي قد يكون مرفقا ببعض الرسوم أو غير ذلك‪ .‬كما يمكن استغالل مواقع االنترنيت لتحقيق هذه‬
‫المآرب الدنيئة وذلك بوضع معلومات أو صور في متناول مرتادي هذه المواقع وذلك بتخصيص أجزاء من‬
‫الشبكة لمن يريد خلق أو إنشاء موقع ‪ créer un site web‬ويت ّم ذلك عبر بروتوكول االتصال ‪.HTTP‬‬
‫وهكذا يمكن إنشاء مواقع متعلّقة ببورنوغرافيا األطفال ‪ La pornographie infantile‬ويمكن للمنحرفين‬
‫سريّة‪ .‬ومواقع بورنوغرافيا األطفال هذه منها التجارية التي‬
‫الوصول إليها ‪ 119‬بكل سهولة وفي منتهى ال ّ‬
‫تسعى إلى جذب الحريف من خالل عرض مجاني لمجموعة من الصور واألنشطة والممارسات وبعد ذلك‬
‫تكون باقي الخدمات بمقابل‪ .‬لكن األمر ال يقف عند هذا الحدّ فهناك مواقع تنظم رحالت لهذا الغرض ‪sex‬‬
‫‪ tours‬في تايالندا والفلبين وهناك مواقع أخرى وصلت إلى حدّ عرض خدماتها مع تحديد السعر‪ .‬وكذلك‬
‫توجد مواقع إيديولوجية ّ‬
‫تنظر لمثل هذه الممارسات معتمدة في ذلك حججا اجتماعية ونفسية وبيولوجية‬
‫‪120‬‬
‫صصة لما يس ّمى ‪.boy lovers‬‬
‫وعاطفية وهي مواقع مخ ّ‬

‫‪ - 117‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‪.66‬‬


‫‪ - 118‬بسام عاطف المهتار‪ :‬استغالل األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.67‬‬
‫‪ - 119‬وائل حداد‪ :‬الطفل في الجريمة المنظمة‪ .‬مرجع سابق ص ‪.60‬‬
‫‪ - 120‬وائل حداد‪ :‬الطفل في الجريمة المنظمة‪ .‬مرجع سابق ص ‪.61‬‬

‫‪33‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫ّ‬
‫إن صعوبة تطبيق القانون على مستعملي ومنشئي هذه المواقع يجعل الوصول إليها سهال مما يش ّجع‬
‫محترفي اإلجرام المنظم على توسيع نشاطهم وبالتالي توسيع دائرة األطفال المستغلّين مما يزيد في خطورة‬
‫انتشار الثقافة الجنسية المنحرفة‪ ،‬وهذه األخيرة يمكن كذلك أن تنتشر عبر الهواتف المحمولة باستعمال تقنية‬
‫‪ Bluetooth‬لنشر مقاطع من الفيديو بها مشاهد إباحيّة يت ّم تبادلها بين األطفال باعتبار أن الهاتف المحمول‬
‫أصبح شائع االستعمال بين مختلف الشرائح العمرية‪ .‬فكيف للقانون أن يتصدى لهذه السلوكيات المنافية‬
‫لآلداب ويحمي األطفال من كل هذه الممارسات الجنسية التي تستغل براءتهم وعدم نضجهم الوجداني‬
‫وتدفعهم بذلك إلى الفجور وربما تجعل منهم عناصر شاذة في المجتمع؟‬

‫وفي نفس هذا اإلطار أي االستغالل الجنسي انتشرت ظاهرة ظهور األطفال في كليبات األغاني‬
‫المصورة ولكنها في الحقيقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫موظفة لخدمة األغنية‬ ‫لبعض الفنانين ضمن مشاهد معيّنة يقال أنها مشاهد بريئة‬
‫التصرف إساءة إلى‬
‫ّ‬ ‫تغتال براءة الطفولة بتلك اإلشارات واإليحاءات الجنسيّة‪ .‬فهل يمكن أن يعتبر مثل هذا‬
‫الطفل واستغالال لبراءته لغايات ترويجية؟ أم أن األمر ال يدعو إلى القلق؟‬

‫إن التطور الضخم في مجاالت العلم والتكنولوجيا والذي ال يخضع ألي قيود وقلّما يأخذ في االعتبار‬
‫ّ‬
‫البعد األخالقي‪ .‬قد تنجم عنه مشكالت إنسانية خطيرة يتضاءل أمامها كل ما يمكن لهذا التقدّم تحقيقه من‬
‫مكاسب مادية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية‪ .‬فهذه التكنولوجيا سوف تؤدي إلى اختفاء كثير من القيم‬
‫والمعايير األخالقية المتوارثة وبذلك تزداد الجرائم األخالقية خطورة وانتشارا‪ .‬فقد تجاوزت أنشطة‬
‫العصابات اإلجرامية استغالل الطفل ألغراض جنسيّة لتستغلّه اقتصاديا رغم ضعف بنيته الجسدية وعدم‬
‫نموه بما يش ّكل خطرا على صحته وسالمته‪.‬‬
‫اكتمال ّ‬

‫الفقرة الثّالثة‪ :‬االستغالل االقتصادي‪:‬‬


‫ّ‬
‫إن استغالل الطفل على المستوى االقتصادي الهدف منه هو تحقيق الربح المادي على حساب‬
‫ي العود غير مكتمل النّمو‬
‫صحة الطفل و سالمته البدنية فالطفل في هذه المرحلة العمرية ال يزال طر ّ‬
‫ضعيف البنية ‪ ،‬ال يمكن بالتالي تكليفه بأعمال تفوق طاقته‪ .‬لذلك فإن استغالله في هذه الحالة يؤدي إلى تدمير‬
‫قدراته الجسدية و الذهنية التّي ال تزال في طور التكوين و النّمو‪ 121‬بما يجعله في حالة صعبة تهدّد سالمته‬
‫للتسول أو‬
‫ّ‬ ‫عرف الفصل ‪ 26‬م ح ط االستغالل االقتصادي بأنّه "تعريض الطفل‬
‫الجسديّة و المعنويّة‪ .‬و قد ّ‬
‫ضارا بصحّته أو‬
‫ّ‬ ‫تشغيله في ظروف مخالفة للقانون أو تكليفه بعمل من شأنه أن يعوقه عن تعليمه أو يكون‬
‫بسالمته البدنيّة أو المعنويّة"‪.‬‬

‫‪-‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪94121‬‬

‫‪34‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫هذه الحماية من االستغالل االقتصادي يوفرها القانون الوطني على غرار القوانين واالتفاقيات‬
‫الدّولية‪ 122‬الخاصة بالطفل التّي ن ّ‬
‫صت على واجب حماية هذا األخير من ك ّل أشكال االستغالل االقتصادي‬
‫أو استخدامه في أي عمل يضّر بصحّته و سالمته و نموه الطبيعي أو تكليفه بعمل من شأنه أن يفسد أخالقه‪.‬‬

‫و باعتباره يمث ّل خطرا يهدّد حياة الطفل‪ ،‬دعا المشرع التونسي إلى ضرورة حماية الطفل من كل‬
‫أشكال االستغالل االقتصادي فمنع تعريض الطفل للتسول(أ)و تشغيله في ظروف مخالفة للقانون(ب)‪.‬‬

‫للتسول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أ‪ -‬تعريض الطفل‬
‫في البداية ال بدّ من المالحظة أن المشرع من خالل الفصل ‪ 26‬م ح ط قد منع تعريض الطفل‬
‫للتسول‪ ،‬كما‬
‫ّ‬ ‫للتسول الذي اعتبره شكال من أشكال االستغالل االقتصادي و لكنه لم يقدّم لنا تعريفا واضحا‬
‫ّ‬
‫نتساءل أيضا إن كان المشرع يقصد باالستغالل االقتصادي صورة تعريض الطفل للتسول فقط أم أن مجرد‬
‫التحريض عليه دون ممارسته يعتبر استغالال أيضا؟ إال انه يمكن تعريف التسول على انه االستعطاء أو‬
‫االستجداء بقصد الحصول على إعانات مجانية‪ 123‬و هو ظاهرة اجتماعية منتشرة في كل المجتمعات تقريبا‬
‫و لكنها تعتبر من الظواهر السلبية باعتبار أن التسول يمث ّل مهنة هامشية تستثمر العطف و الرحمة لدى‬
‫الغير البتزاز أمواله‪ 124.‬لذلك يقع استغالل األطفال ألنهم كلما كانوا أصغر سنّا كانوا يستقطبون مزيدا من‬
‫الرأفة والرحمة‪، 125‬فنجد اليوم أن هذه الظاهرة تزداد انتشارا في مجتمعنا و عدد األطفال المستغلين يزداد‬
‫تضر بالطفل حتما و ال تعلّمه سوى الذّ ّل و التواكل على الغير‪ .‬فإذا ت ّم استخدامه‬
‫ّ‬ ‫يوما بعد يوم فهذه الممارسات‬
‫سيتسول بنفسه ألنّه ّ‬
‫تعود على مثل هذه الطريقة السهلة للكسب المالي و‬ ‫ّ‬ ‫للتسول فعندما يكبر‬
‫ّ‬ ‫اليوم كطفل‬
‫ربما يجد نفسه ال يجيد أي عمل آخر غير التسول‪ .‬فاستغالل األطفال اقتصاديا بتعريضهم للتسول يمنعهم‬
‫من مزاولة دراستهم و تطوير ملكاتهم تطويرا سليما‪ 126.‬و رغم خطورة هذه الظاهرة و ما تلحقه من أذى‬
‫بالطفل فضال على المخاطر التي تحيط به أثناء قيامه بالتسول إال أنها أصبحت مورد رزق العديد من‬
‫فكونوا بذلك ثروات كبيرة‪ ،‬بل إن األمر‬
‫يدر عليهم من أموال طائلة ّ‬
‫األشخاص مستغلين براءة األطفال بما ّ‬
‫المتسولون كيفية ممارسة مهنتهم فأصبحت تمارس في شكل منظم‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫طور هؤالء‬
‫تجاوز ذلك بكثير حيث ّ‬
‫تكونت مجموعات منظمة تضم نسا ًء ورجاال و أطفاال ونظمت عملية التسول مستعملة في ذلك أساليب و‬
‫طرق متنوعة إلثارة شفقة الناس‪.‬‬

‫‪ -120‬انظر المادة ‪ 10‬من العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية و االجتماعية و الثقافية المؤرخ في ‪ 1966/12/16‬و‬
‫انظر كذلك المادة ‪ 32‬من اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في ‪1989/11/20‬‬
‫‪ -‬محمد علي الجمال‪ :‬التسول في القانون المصري و القانون المقارن‪ .‬نيو اوفيست للطباعة الجيزة ‪ .1989‬ص ‪28123‬‬
‫‪-‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪108124‬‬
‫‪-‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪108125‬‬
‫‪-‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪126 108‬‬

‫‪35‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫جرم التّسول من خالل الفصل‬
‫المشرع التونسي إلى التّصدي لهذه الظاهرة الخطيرة حيث ّ‬
‫ّ‬ ‫لقد سعى‬
‫‪ 171‬م ج الذي اقتضى أن "يعاقب بالسّجن مدّة ستة أشهر اإلنسان الذي يوهم بنفسه سقوطا بدنيا أو قروحا‬
‫صدقة" و يرفع العقاب إلى عام إذا استخدم في التّسول طفل سنّه أقل من ثمانية عشر‬
‫بقصد الحصول على ال ّ‬
‫ّ‬
‫منظم‪ .‬و نالحظ من خالل هذه األحكام أن‬ ‫عاما و يضاعف العقاب إذا ت ّم االستخدام في شكل جماعي‬
‫التسول أو إذا‬
‫ّ‬ ‫يجرم التسول في حد ذاته و إنما إذا أوهم الشخص بنفسه سقوطا أو قروحا لغاية‬
‫المشرع ال ّ‬
‫ّ‬
‫التعود و التكرار‬
‫ّ‬ ‫استخدم طفال أو كان التسول في شكل جماعي منظم‪ .‬كما نشير إلى أن المشرع لم يشترط‬
‫أو أن يكون ذلك بمقابل أو بدونه كما لم يشترط أن يتم تعريض الطفل للتسول من قبل شخص واحد أو عدّة‬
‫أشخاص و هو ما يتماشى مع مصلحة الطفل‪،‬إال أنه إذا عدنا إلى الممارسات التي نراها بشكل يومي في‬
‫التسول نجد امرأة‬
‫ّ‬ ‫مجتمعنا فإننا نالحظ أن هذا النص الجزائي ال يجد صدى على أرض الواقع‪ .‬ومن مظاهر‬
‫سل الناس مدّعية أنها لم تجد ما تطعم ابنها و ال مال لها لتشتري له الحليب‪،‬و بعد‬
‫تحمل رضيعا يبكي و تتو ّ‬
‫بضعة أمتار نجد امرأة أخرى تجلس بجانبها طفلة صغيرة رثّة الثياب تقول إنها يتيمة األب و غير قادرة‬
‫على رعايتها‪...‬و غيرها من المشاهد المشابهة التي تصادفنا على الطرقات و نراها يوميا‪.‬‬

‫للتسول من قبل الغير حيث يجبر هذا األخير الطفل على الخضوع لسلطته‬
‫ّ‬ ‫قد يقع استغالل الطفل‬
‫التسول على الطرقات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لينتفع بما كسبه من مال طيلة يوم من‬

‫للتسول من قبل والديه أو من يتعهد برعايته‪،‬و ربما من قبل الوالدين يعدّ‬


‫ّ‬ ‫كما يت ّم تعريض الطفل‬
‫األكثر انتشارا‪،‬فقد يلعب الوضع االقتصادي للعائلة دورا كبيرا في لجوء الوالدين إلى هذه الطريقة‬
‫تعرضه لمغريات البيئة مع غالء المعيشة‪ 127‬فضال على مشكلة البطالة التي‬
‫للكسب‪،‬فازدياد مطالب الفرد و ّ‬
‫ما انفكت تزداد حدّة‪،‬كل هذه العوامل جعلت بعض األسر تعيش في صعوبات مادية و حالة من الفقر و‬
‫الخصاصة فيضطر الوالدان للخروج إلى الشارع مستغلّين ابنهما الصغير أو ربما أبناءهما الستدرار شفقة‬
‫الناس عليهم‪...‬و لكن األخطر و األغرب ربما هو أن بعض اآلباء يجبرون أطفالهم على الخروج إلى الشارع‬
‫الستجداء الصدقات من الناس بحثا عن الكسب المريح و السريع و إن كان ذلك على حساب سالمة أبنائهم‬
‫‪128‬‬

‫فهذا السلوك هو اعتداء إجرامي خطير على حق الطفل في الحياة و في التمتع بطفولته وحقه في التعليم‬
‫والتربية و حقه في الرفاه و النمو‪ ،‬فسيجد هذا المسكين نفسه في الشارع بكل ما فيه من مخاطر حيث أصحاب‬
‫يتسول فيها قد يكون لها تأثير سلبي على صحته و سالمته من‬
‫ّ‬ ‫السوء و المنحرفون كما أن الظروف التي‬
‫ذلك الظروف المناخية من برد و أمطار و حرارة‪،‬كذلك بقاء الطفل طيلة اليوم دون راحة أو غذاء و هو ما‬
‫من شأنه أن ينهك قواه البدنية و يصيب جسده الصغير باألمراض والعلل‪،‬فتعريض الطفل للتسول بآي شكل‬

‫‪ -‬علي محمد جعفر‪ :‬حماية األحداث المخالفين للقانون و المعرضين لخطر االنحراف‪ .‬مرجع سابق ص ‪7127‬‬
‫‪ - 128‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪97‬‬

‫‪36‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫كان هو أذى كبير و اعتداء خطير على حرمته الجسدية و حقوقه المادية والمعنوية‪ .‬ففي هذه المرحلة‬
‫نموا بدنيا ونفسيا متوازنا و‬
‫الحسّاسة من عمره يحتاج كل طفل إلى العناية و الرعاية الكاملة بما يضمن له ّ‬
‫سليما‪ .‬وعلى المشرع أن يضمن له الحماية من كل ما من شأنه أن يعيق هذا النمو‪ .‬ففي هذا اإلطار ربما‬
‫يكون من األفضل إفراد جريمة تعريض طفل للتسول بنص خاص بها مع الترفيع في العقاب والتشديد فيه‬
‫أكثر بالنسبة لصورة االستخدام في شكل جماعي منظم و كذلك ال بدّ من تسليط عقوبة مالية ها ّمة على كل‬
‫المشردين‬
‫ّ‬ ‫التسول خاصة و أن هناك من يستغل حاجة األطفال‬
‫ّ‬ ‫من يستغل حاجة طفل للمساعدة و يستخدمه في‬
‫و اليتامى للمأكل و المأوى فيُخضعهم إلى سيطرته و يتحكم في إرادتهم ويجبرهم على التسول في الشوارع‬
‫لينتفع هو فيما بعد بما سيحصلون عليه من إعانات مالية‪ .‬وهنا ال بدّ من التأكيد على ضرورة تفعيل دور‬
‫الجمعيات المعتنية بقضايا الطفولة و تكثيف دور كل الهياكل االجتماعية إلنقاذ هؤالء األطفال و حمايتهم‬
‫من االستغالل االقتصادي الذي يقضي على مستقبلهم‪ ...‬ومن المؤكد أن وجود طفل وسط عائلة لها من‬
‫اإلمكانيات المادّية ما يضمن الحد األدنى من حاجياته يمثل حماية للطفل من االستغالل‪ ،‬فقد ثبت من عديد‬
‫الدراسات المنجزة في علم اإلجرام أن للعوامل االقتصادية تأثيرا جوهريا على سلوك الطفل‪،‬و هي بذلك من‬
‫أهم عوامل جنوحه‪ 129‬فمن األطفال من تدفعه الظروف المادية وحالة الفقر التي تعيشها عائلته إلى ارتكاب‬
‫جرائم السرقة من اجل توفير بعض المال إلعانة والديه دون أن يدرك مخاطر ما يفعله‪ .‬فإذا ما ألقينا نظرة‬
‫على ما يجري في مجتمعنا اليوم نجد أن جريمة السرقة بالنّشل تعتبر السّواد األعظم من الجرائم التي يقع‬
‫فيها تتبع األطفال‪ 130‬كما أن بعض األفالم تساعد على تعلّم فنون السرقة و التحيّل‪ ،131‬و ازداد األمر خطورة‬
‫حيث استغلت عدة عصابات األطفال في السرقة وحرضتهم عليها‪ ،‬ثم يحال أفراد هاته العصابات على‬
‫القضاء بصفتهم شركاء لألطفال طبق أحكام الفصل ‪ 32‬م ج مع اإلشارة و أن تعامل القضاء مع الشريك في‬
‫األحكام اخف من التعامل مع الفاعل األصلي وطالما أن الطفل يجد من يروج له البضاعة المسروقة فإنه‬
‫يندفع إلى هذا السلوك ألنه يرى فيه طريقة سهلة للحصول على المال‪ ،132‬إال أن االستغالل االقتصادي للطفل‬
‫ال يقتصر على هذه الصور فقط بل هناك صورة أخرى ال تقل خطورة على سالمة الطفل و هي ظاهرة‬
‫المشر ع تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للقانون و اعتبره شكال من أشكال‬
‫ّ‬ ‫تشغيل األطفال لذلك منع‬
‫االستغالل االقتصادي للطفل‪.‬‬

‫ب‪ -‬تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للقانون‪:‬‬

‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪108129‬‬
‫‪ -‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع و الواقع التجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪130.74‬‬
‫‪ -‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪131.111‬‬

‫‪ - 132‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع و الواقع التجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.74‬‬

‫‪37‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫إن سالمة المجتمع تقتضي ضمان سالمة أطفاله بدنيّا و ذهنيّا و العناية بهم بتطوير طاقاتهم الفكرية‬ ‫ّ‬
‫وقدراتهم الجسدية حتى يكونوا قادرين في المستقبل على العطاء و إلنتاج‪ ،‬إال أن الطفل قد يستنفد طاقاته‬
‫وقدراته في مرحلة مبكرة من عمره إذا ما تم إقحامه واستغالله في مجال العمل في فترة الطفولة وهو ما‬
‫يمثل خطرا على سالمته و صحته‪.‬‬

‫يعتبر تشغيل األطفال شكال من أشكال اإلستغالل اإلقتصادي للطفل و هو ظاهرة قديمة انتشرت‬
‫خاصة بعد الحرب العالمية الثانية‪،‬حيث وقع تشغيل األطفال في المصانع و المعامل لساعات طويلة وفي‬
‫أشغال شاقة دون توفر أدنى شروط الصحة مما جعل األطفال العاملين في معاناة حقيقية‪.133‬‬

‫و في عصرنا الراهن ازدادت هذه الظاهرة انتشارا وحدة لما تشهده اليوم من حاالت فقر وخصاصة‬
‫تعاني منها بعض األسر إلى جانب غالء المعيشة و ارتفاع نسبة البطالة مما دفع بعض األولياء إلى تشغيل‬
‫أبنائهم و غالبا ما يكون ذلك في أعمال شاقة ال طاقة لهم على تح ّملها أو يقع استغاللهم للخدمة في المنازل‪.‬‬
‫واألطفال العاملون في المنازل غالبا ما يكونوا من الفتيات ففي العديد من الدول ينظر إلى العمل في المنازل‬
‫يتعرض هؤالء األطفال للساءة الجسدية والمعنوية و المعاملة‬
‫على أنه الوسيلة الوحيدة المتاحة للفتاة‪ 134،‬و ّ‬
‫القاسية و المهينة فمنهم من يجبر على القيام بأعمال تفوق طاقته البدنية كما أن الغذاء الذي يتناولونه غير‬
‫نموهم الجسدي‪.‬‬
‫متوازن و بكميات ال تفي بحاجتهم الغذائية في هذه المرحلة من ّ‬

‫في تقريرها لسنة ‪ 2006‬أكدت اليونيسيف أن األطفال العاملين في المنازل يتعرضون مرارا‬
‫وتكرارا للساءة البدنية إما كعقاب على أي عمل يؤدّونه بمستوى أقل من المستوى المطلوب وإما كوسيلة‬
‫معرضون إلى أقصى الحدود لخطر اإلساءة الجنسية من أصحاب‬
‫روتينية لضمان خضوعهم و هم أيضا ّ‬
‫‪135‬‬
‫العمل‪.‬‬

‫إضافة إلى ظاهرة عمل األطفال في المنازل نجد كذلك ظاهرة عمل األطفال بالشوارع أو ما يعبّر‬
‫عنه ب"حرف الشوارع"‪ 136 Les métiers des rues‬حيث يستغل الطفل في بيع المأكوالت و غيرها‬
‫على الطرقات أو في مسح بلور السيارات و هناك من يعتبر ذلك شكال من أشكال التسول‪ .‬ففي كل الحاالت‬
‫معرضا للخطر‪ .‬لذلك دعت االتفاقيات الدولية إلى ضرورة حماية األطفال في مجال العمل و‬
‫يكون الطفل ّ‬
‫منعت استغاللهم اقتصاديا كما ضبطت شروطا تضمن سالمتهم الجسدية و المعنوية أثناء العمل حيث نصت‬
‫المادة ‪ 32‬من اتفاقية حقوق الطفل على ضرورة اتخاذ كل التدابير التشريعية لحماية الطفل في العمل وخاصة‬
‫ضرورة تحديد سن أدنى لتشغيل األطفال و وضع نظام تراعى فيه قدرات الطفل و يضمن سالمته و صحته‬

‫‪ -‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪.‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 100‬و ‪101133‬‬
‫‪ -‬وائل حداد‪ :‬الطفل في الجريمة المنظمة مرجع سابق ‪.‬ص ‪62134‬‬
‫‪ -‬وائل حداد‪ :‬المرجع السابق ‪.‬ص ‪62135‬‬
‫‪- 136‬حميدة العريف‪ :‬حماية الطفل من االستغالل االقتصادي‪ .‬م ق ت جانفي ‪ 1999‬ص ‪.63‬‬

‫‪38‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫من كل األخطار مع فرض عقوبات في صورة مخالفة هذه األحكام‪ .‬فكان للتشريع الدولي تأثير بالغ على‬
‫التشريع التونسي‪ 137‬حيث صادقت تونس على عدّة اتفاقيات في ميدان قانون الشغل‪ 138‬كما وضعت نظاما‬
‫خاصا لتشغيل األطفال ال يتم إال بتوفر جملة من الشروط القانونية يعاقب كل من يخالفها و ذلك ضمانا‬
‫لحقوق الطفل و لسالمته و حمايته من كل استغالل في مجال العمل‪.‬‬

‫تضر بهم يمثل‬


‫ّ‬ ‫إن الفصل ‪ 26‬م ح ط اقر أن تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للقانون و في أعمال‬
‫شكال من أشكال االستغالل االقتصادي دون أن يوضّح لنا ماهي هذه الظروف؟ و لذا ال بد من العودة إلى‬
‫أحكام مجلة الشغل المتعلقة بتشغيل األطفال حتى نتبين الظروف القانونية التي ضبطها المشرع فيما يخص‬
‫عمل األطفال و تبعا لذلك نتبين انه كلما تم تشغيل طفل في ظروف مخالفة لتلك التي نصت عليها مجلة‬
‫الشغل فإن هذا الطفل يعتبر في حالة صعبة تهدد حياته وسالمته الجسدية و المعنوية بما يوجب تدخل الهياكل‬
‫الحمائية ‪ .‬و قد ضبط المشرع من خالل مجلة الشغل شروطا قانونية تتعلق بسن الطفل(‪)1‬و أخرى تتعلق‬
‫بظروف عمله(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬الشروط القانونية المتعلقة بسن الطفل‪:‬‬


‫حدد المشرع التونسي سنا أدنى لتشغيل األطفال حماية للطفل من االستغالل االقتصادي‪ .‬والسن‬
‫األدنى هي التي ال يجوز مطلقا تشغيل الحدث الذي ال يبلغها‪ 139‬وقد حددها الفصل ‪ 53‬من م ش بستّ عشرة‬
‫سنة و هو ما يتماشى مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪ 138‬المتعلقة بتحديد السن األدنى للقبول بالعمل‬
‫س ّن التي تنتهي معها إجبارية‬ ‫والتي صادقت عليها تونس في ‪ 10‬جويلية ‪ .1995‬وكذلك ّ‬
‫سن ستّ عشرة هي ال ّ‬
‫التعليم حسب ما نص عليه القانون عدد ‪ 25‬المؤرخ في ‪ ،1991/7/29‬فال يمكن تشغيل األطفال الذين تقل‬
‫أعمارهم عن ستة عشر سنة إال في بعض الصور االستثنائية التي حددتها مجلة الشغل‪.‬‬

‫ففي المجال الصناعي ال يمكن تشغيل الطفل الذي لم يبلغ ستّ عشرة سنة فالعمل في الصناعة يتطلب‬
‫جهدا كبيرا ال تتحمله البنية الجسدية الضعيفة للطفل إضافة إلى انه يمكن استعمال مواد وآالت دقيقة وخطيرة‬
‫فيعرض صحته إلى الخطر إال أن الطفل دون سن السادسة عشرة يسمح له‬
‫ّ‬ ‫قد ال يحسن الطفل استعمالها‬
‫بالعمل في المؤسسات العائلية على أن ال يكون لهذا الشغل تأثير سلبي على صحته و نموه البدني و العقلي‬
‫و على تعليمه (الفصل ‪ 54‬م ش) و لكن أال يمكن للطفل في هذه الحالة أن يتعرض للخطر بما يعرقل نموه‬
‫البدني نتيجة إهمال أو تقصير أو عجز عن رعايته أثناء العمل من قبل والديه أو أحد أفراد العائلة الذين يعمل‬
‫معهم؟ خاصة أنّه سبق و أن ّ‬
‫تعرضنا إلى حالتي التقصير و العجز عن الرعاية كحاالت مهددة للطفل‪.‬‬

‫‪137.66‬‬
‫‪ -‬حميدة العريف‪ :‬حماية الطفل من االستغالل االقتصادي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‬
‫‪77138‬‬ ‫‪ -‬حول هذه االتفاقيات انظر نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬طفلنا بين التشريع و القضاء و المجتمع‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‬
‫‪ -‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين و التشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪139 102‬‬

‫‪39‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫هناك حاالت خفّض فيها المشرع ّ‬
‫سن التشغيل إلى أربع عشرة سنة كما نص على ذلك الفصل ‪53‬‬
‫مكرر م ش‪ .‬كما اقر ضمن الفصل ‪ 58‬م ش انه ال يجوز أن يق ّل عن ثمانية عشر عاما السن األدنى للقبول‬
‫ّ‬
‫تعرض صحة أو سالمة أو أخالق‬
‫في األعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو الظروف التي يقع القيام بها أن ّ‬
‫األطفال للخطر و قد تعرض الفصالن ‪ 77‬و ‪ 78‬من نفس المجلة لهذه األعمال الخطيرة كالعمل تحت‬
‫األرض في المناجم أو العمل بالمؤسسات التي تجري بها عمليات استرجاع المعادن القديمة أو تحويلها أو‬
‫إيداعها‪.‬‬

‫وأما األطفال البالغون من العمر ثالث عشرة سنة فيمكنهم العمل بالقطاع الفالحي على أن يكلّفوا‬
‫نموهم(الفصل ‪ 55‬م ش) و كذلك الفصل ‪ 56‬م ش ضبط نفس السن للعمل‬
‫تضر بصحتهم و ّ‬
‫ّ‬ ‫بأعمال خفيفة ال‬
‫في قطاع الخدمات على أن يكلّف األطفال بأعمال خفيفة ال تلحق أي ضرر بصحتهم و ّ‬
‫نموهم و ال تعرقل‬
‫دراستهم‪ ،‬و يعود للسلطات المعنية ضبط هذه األعمال الخفيفة‪.‬‬

‫وتجدر المالحظة انه بالنسبة للخدمة في المنازل فإنه و بالرجوع إلى قانون عملة المنازل عدد ‪25‬‬
‫لسنة ‪ 1995‬المؤرخ في ‪ 1‬جويلية ‪ 1995‬نجد أن السن األدنى النتداب األطفال لهذا العمل هو أربع عشرة‬
‫سنة‪ .‬و حماية للطفل تقوم وزارة الشباب و الطفولة ببحث اجتماعي حول العائلة التي سيشتغل بها الطفل‪،‬‬
‫وال تتم المصادقة على االنتداب إال إذا تعهد المستأجر بالعمل على تنمية شخصية الطفل بدنيا و فكريا‪.‬و‬
‫تستمر المراقبة بعد االنتداب بواسطة المرشدات االجتماعيات لمعاينة المخالفات و اتخاذ اإلجراءات الالزمة‬
‫في شأنها‪ .140‬كما تضمنت مجلة الصياد البحري في فصليها ‪ 6‬و ‪ 7‬أحكاما تنظم تشغيل األطفال‪.‬‬

‫إن تحديد المشرع للسن األدنى لتشغيل األطفال في مختلف الميادين الهدف منه إحاطة الطفل بكل‬
‫ما يكفل له حقوقه االجتماعية و االقتصادية و الصحية و النفسية‪،141‬لكن أليس من األجدى توحيد هذه السن‬
‫في كل األعمال التي يسمح القانون للطفل القيام بها و جعل هذه السن ‪ 16‬سنة في كل األعمال مهما كان‬
‫نوعها باستثناء األعمال الخطيرة بطبيعتها تبقى مسموحة لألطفال البالغين ‪ 18‬سنة من العمر؟‬

‫صت مجلة الشغل على عقوبات جزائية تسلّط على كل من خالف‬


‫و لتوفير حماية أكثر للطفل ن ّ‬
‫الشروط القانونية المتعلّقة بالسن األدنى لتشغيل األطفال حيث يخضع رؤساء المؤسسات إلى رقابة متفقدي‬
‫يتعرض المؤجر لعقوبات‪ .‬فحسب الفصل ‪ 234‬م ش يعاقب بخطية مالية‬
‫ّ‬ ‫الشغل وإذا ثبت وجود مخالفات‬
‫تتراوح بين ‪ 24‬و ‪ 60‬دينار كل من يخالف مقتضيات الفصل ‪ 53‬م ش المتعلق بتحديد السن األدنى لتشغيل‬

‫‪140‬‬ ‫‪ -‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪104‬‬
‫‪81141‬‬ ‫‪ -‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬طفلنا بين التشريع و القضاء و المجتمع‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص‬

‫‪40‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫األطفال كما تسلط نفس العقوبة عن كل عامل مستخدم في ظروف مخالفة لألحكام القانونية على أن ال‬
‫تتجاوز جملة الخطايا خمسة آالف دينار حسب ما نص عليه الفصل ‪ 236‬م ش‪.‬‬

‫نالحظ من خالل هذه األحكام أن هذه العقوبات هي خطايا مالية فقط فضال على أنها بمبالغ زهيدة‬
‫ال تؤثر في أصحاب المؤسسات‪ .‬فقد يشغل الطفل دون السن القانونية و في ظروف ال تراعى فيها سالمته‬
‫و صحته مما يلحق به أضرارا إال أن المؤجر لن يلحقه أي ضرر بدفعه هذه الخطية المالية البسيطة جدا‪.‬فهذه‬
‫اإلجراءات و األحكام التي جاء بها المشرع مدّعيا أنها توفر الحماية الكافية للطفل من كل استغالل اقتصادي‬
‫تبدو غير ناجعة و ال يمكن بهذه العقوبات غير الردعية ضمان سالمة الطفل و حمايته من كل انتهاك لحقوقه‪.‬‬

‫سعيا منه لمزيد حماية الطفل في مجال العمل و إلى جانب تحديده السن األدنى لتشغيل األطفال فإن‬
‫المشرع ضبط شروطا قانونية متعلقة بظروف العمل‪ .‬فهل هذه الشروط ستضمن سالمة الطفل العامل؟‬

‫‪ -2‬الشروط القانونية المتعلقة بظروف العمل‪:‬‬


‫لم يكتف المشرع التونسي على غرار االتفاقيات الدولية بتحديد السن األدنى لتشغيل األطفال بل‬
‫سعى إلى أن يكون هذا التشغيل في ظروف مالئمة توفر الحماية لألطفال العاملين و تضمن سالمتهم الجسدية‬
‫و المعنوية و الن نموهم لم يكتمل بعد و بعض األعمال تحتاج إلى مجهود بدني كبير‪ ،‬و حتى ال يلحق‬
‫صحتهم أي ضرر فرض المشرع مراقبة طبية لصحة األطفال العاملين(أ) كما عمل على تحديد و تنظيم‬
‫ساعات عملهم (ب) حتى ال يصيب أجسادهم الصغيرة و الضعيفة اإلرهاق و التعب‪.‬‬

‫• المراقبة الط ّب ّية‪:‬‬

‫إن حماية الطفل العامل و ضمان سالمته الجسدية و المعنوية تقتضي معرفة و ضعه الصحّي و‬
‫مدى قدرته الجسدية قبل بذل أي مجهود بدني قد تكون له انعكاسات سلبية على صحته فيما بعد‪ .‬لذلك فرض‬
‫المشرع من خالل الفصل ‪ 61‬م ش إجراء فحص طبي للطفل قبل العمل حيث جاء بالفصل المذكور انه "ال‬
‫يجوز تشغيل األطفال دون الثمانية عشر عاما في جميع األنشطة إال بعد فحص طبّي معمق يثبت أهليتهم‬
‫للقيام بالعمل الذي سيعهد لهم به" و هذا الفحص يجرى مجانا من طرف طبيب الشغل و هو إجباري مهما‬
‫كان النشاط الذي سيستخدم فيه الطفل‪.‬كما تضمن الفصل ‪ 60‬م ش أحكاما تقضي بإمكانية توقيف الطفل عن‬
‫العمل إذا ثبت لتفقدية طب الشغل أن العمل المكلف به يفوق طاقته و ذلك بعد إجراء فحص طبي له‪.‬‬

‫و قد تض ّمن التشريع التونسي أحكاما تهدف إلى حماية الطفل من بعض المواد الخطرة كالرصاص‬
‫األبيض و البنزين و األشعة و أحكاما تهدف إلى تخفيف عبء العمل عليه بتحديد أوزانا قصوى لألطفال‬
‫اقل من تلك المحددة للعمال الكهول‪.142‬‬

‫‪ - 142‬حميدة العريف‪ :‬حماية الطفل من االستغالل االقتصادي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.71‬‬

‫‪41‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫و نظرا ألهميّة الفحص ّ‬
‫الطبّي‪ ،‬نجد أن عدّة تشريعات مقارنة أوجبت هذا الفحص للوضع الصحي‬
‫لألطفال قبل التحاقهم بالعمل للتأ ّكد من لياقتهم الص ّحيّة كما جاء ذلك في القانون البحريني والقانون السوري‬
‫و القانون المصري‪ 143‬إال أن الرعاية الصحية ال تنتهي عند بدء العمل إذ يجب أن يكون الحدث بعد ذلك‬
‫مستمرة و أن يقع تجديد الفحص ّ‬
‫الطبّي دوريّا حتى بلوغه سنّا معيّنا‪ 144.‬فحسب أحكام‬ ‫ّ‬ ‫موضوع مراقبة طبّية‬
‫مجلة الشغل فإن االهتمام بص ّحة الطفل يتواصل حتى بعد التأ ّكد من انه مؤ ّهل ص ّحيا للعمل إذ جاء بالفصل‬
‫‪ 62‬م ش أن" تأهل األطفال للعمل الذي يباشرونه يجب أن يكون موضوع مراقبة طبية مستمرة إلى بلوغ‬
‫الثمانية عشر عاما‪ .‬و ال يمكن إبقاء الطفل في عمله إال بتجديد الفحص الطبي خالل كل ستة أشهر"‪ .‬و أما‬
‫صا على ضرورة تواصل المراقبة ّ‬
‫الطبّية بالنسبة لألطفال العاملين‬ ‫الفصلين ‪ 63‬و ‪ 77‬مكرر م ش فقد ن ّ‬
‫باألعمال الخطيرة و ذلك إلى غاية بلوغهم الواحد و العشرين عاما‪ .‬و أما الفصل ‪ 374‬م ش فقد تض ّمن‬
‫أحكاما ته ّم صحة األطفال العاملين بالمؤسسات الفالحية‪.‬‬

‫قر‬
‫المستمرة لألطفال المستخدمين أ ّ‬
‫ّ‬ ‫الطبّي و المراقبة ّ‬
‫الطبّية‬ ‫و لضمان احترام إجباريّة الفحص ّ‬
‫المشرع ضمن الفصل ‪ 234‬م ش عقوبة مالية تتراوح بين ‪ 24‬و ‪ 60‬دينارا في صورة مخالفة ذلك‪ ،‬إال انه‬
‫و كما أسلفنا القول فإن هذه العقوبة ال تبدو زجريّة بالقدر الكافي و ال يمكنها أن توفّر الحماية الناجعة لألطفال‬
‫المستغلّين في مجال التشغيل‪.‬‬

‫و دائما في إطار سعيه لتحقيق هذه الحماية الناجعة ضبط المشرع من خالل مجلة الشغل ساعات‬
‫عمل األطفال بما يضمن راحتهم و يجنّبهم التعب و اإلرهاق‪.‬‬

‫تحديد ساعات العمل‪:‬‬ ‫•‬

‫لمزيد توفير الحماية لهم‪ ،‬لم يقتصر المشرع على تحديد سن أدنى لقبول األطفال في مجال العمل و‬
‫مراقبة طبية لصحتهم قبل و أثناء العمل بل انه ضبط لهم العدد األقصى لساعات العمل و فترات راحة كافية‬
‫‪145‬‬
‫بالنظر إلى بنيتهم التي لم يكتمل نموها‪.‬‬

‫بالرجوع إلى الفصل ‪ 56‬م ش المتعلق باألنشطة غير الصناعية و غير الفالحية التي يسمح فيها‬
‫كما ذكرنا سابقا بتشغيل األطفال البالغين ‪ 13‬سنة نجد أن ساعات العمل يجب أن ال تتجاوز ساعتين في اليوم‬
‫لمن لم يبلغ السادسة عشرة سواء في أيام الدراسة أو في أيام العطل المدرسية و أن ال يتجاوز الوقت‬
‫المخصص يوميا للدراسة و األعمال الخفيفة سبع ساعات‪.‬‬

‫‪ -‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪117‬‬
‫‪143‬‬

‫‪ - 144‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪118‬‬
‫‪ -‬رضا المزغني‪:‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية ‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪109145‬‬

‫‪42‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫و في القطاع الصناعي فقد حدد الفصل ‪ 79‬م ش عدد ساعات عمل األطفال بأن ال تقل أسبوعيا عن‬
‫‪ 40‬ساعة و أن ال تتجاوز ‪ 48‬ساعة و لم يميز األطفال بأحكام خاصة إال انه و بالعودة إلى الفصل ‪ 63‬مكرر‬
‫م ش نجد انه ال يمكن تكليف األطفال الذين يقل سنهم عن ‪ 18‬سنة بأعمال لساعات زائدة على مدة عملهم‬
‫االعتيادية‪.‬‬

‫و حماية للطفل من استغالل مؤجريه في العمل رغبة منهم في تحقيق أرباح أكثر على حساب صحته‬
‫ومجهوده البدني‪ ،‬حجّر المشرع تشغيل األطفال ليال نظرا لما يسبّبه العمل الليلي من إرهاق لجسد الطفل‬
‫جراء حوادث الشغل التي قد‬
‫واستنزاف لقواه و قدراته البدنية ‪،‬إضافة إلى ما قد يتع ّرض له من مخاطر ّ‬
‫يتعرض لها‪.‬‬
‫ّ‬

‫و قد تناولت الفصول ‪ 66 ،65‬و ‪ 74‬م ش مسألة تشغيل األطفال ليال‪ ،‬و عموما فإنه يمنع تشغيل‬
‫األطفال البالغين من العمر أقل من ثمانية عشر عاما في أي عمل بين الساعة العاشرة مساء و الساعة‬
‫الخامسة صباحا‪ ،‬ولكن في حاالت استثنائية يمكن تشغيل األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر‬
‫والثامنة عشر عاما ليال‪.‬‬

‫بنموه غير المكتمل قد يصاب بسرعة بالتعب واإلرهاق‪ ،‬لذلك‬


‫إن الطفل ببنيته الجسدية الضعيفة و ّ‬
‫فإن الطفل العامل يكون في حاجة كبيرة إلى الراحة ليتمكن من تجديد نشاطه واسترجاع قواه ‪،‬و حفاظا منه‬
‫على النمو الطبيعي و المتوازن و السليم للطفل ضبط المشرع نظاما خاصا ألوقات الراحة و العطل التي‬
‫يتمتع بها الطفل‪ .‬فحسب الفصل ‪ 95‬م ش يتمتع الطفل العامل بالمؤسسات غير الفالحية براحة أسبوعية لمدة‬
‫‪ 24‬ساعة متوالية و نفس المدة اقرها الفصل ‪ 106‬للعاملين بالمجال الفالحي‪ .‬و أما الفصلين ‪ 113‬و‪ 123‬م‬
‫فيقران عطلة سنوية في جميع األنشطة لمدة ‪ 30‬يوما لألطفال الذين لم يتجاوزوا ثمانية عشر عاما‪ .‬كما‬
‫ش ّ‬
‫حجّر الفصل ‪ 111‬من نفس المجلة عمل األطفال أيام األعياد و العطل الخالصة و لو لتنظيم المعمل‪.‬‬

‫إن تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للشروط القانونية المنصوص عليها بمجلة الشغل سواء فيما‬
‫س ّن األدنى للشغل أو بظروف العمل لن يكلّف صاحب العمل سوى خطيّة ماليّة قدرها بضع دينارات‬
‫يتعلّق بال ّ‬
‫أمام األرباح الطائلة التي يحقّقها بفضل مجهود و تعب الطفل‪ .‬و هذه العقوبات الماليّة لن تؤث ّر على سير‬
‫سسة و إنما التأثير كلّه سيكون على ذلك الطفل المستغ ّل‪ ،‬فتكليفه بعمل يفوق طاقته البدنية أو تشغيله في‬
‫المؤ ّ‬
‫سالمة المهنيّة أو لساعات تتجاوز تلك التي ضبطها القانون‪،‬ك ّل ذلك‬
‫صحة و ال ّ‬
‫ظروف مخالفة لقواعد ال ّ‬
‫سيكون له انعكاسات سلبيّة وعواقب وخيمة على ص ّحته و سالمته الجسديّة والمعنوية م ّما سيجعل منه في‬
‫المستقبل إنسانا منهك القوى‪،‬ضعيف القدرات الجسديّة و غير متوازن نفسيّا‪.‬‬

‫سن مب ّكرة سببه األساسي هو حالة‬


‫للتسول أو تشغيله في ّ‬
‫ّ‬ ‫هذا االستغالل االقتصادي للطفل بتعريضه‬
‫سنت وضعيّة العائلة اقتصاديا‪ ،‬سيكون لذلك تأثير‬
‫الفقر و الخصاصة و الحرمان التي تعيشها عائلته‪،‬فإن تح ّ‬

‫‪43‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫معرضا لمخاطر الشارع أو العمل ولن تنتهك حقوقه‪:‬إذن يجب مساعدة‬
‫ايجابي على الطفل و لن يجد نفسه ّ‬
‫العائالت المحتاجة ماليّا ‪ 146‬و تحسين أوضاعها المادّية واإلجتماعيّة بما يضمن حياة كريمة لكامل أفراد‬
‫األسرة بما فيهم األبناء الصغار حتى ينشؤوا في استقرار و توازن عاطفي‪ .‬فمدُّ يد المساعدة للعائالت المعوزة‬
‫شر الفقر و الحرمان و ي ُحدّ من ظاهرة ّ‬
‫تسول األطفال و عملهم بما يعيق‬ ‫هو الذي سيقي هؤالء األطفال ّ‬
‫نموهم وتعليمهم‪ .‬لكن الفقر ليس سببا مقنعا الستغالل األطفال اقتصاديّا و تعريضهم لمخاطر عديدة من قبل‬
‫ّ‬
‫أوليائهم‪.‬‬

‫وإضافة للواجب المحمول على عاتق الوالدين من توفير الحاجيات المادية الضرورية للطفل‪ ،‬فهما‬
‫مطالبان أيضا بواجبات معنوية تقتضي منهما اإلحاطة النفسيّة و المادّية بطفلهما و قضاء شؤونه و العناية‬
‫به في كل أحواله فالطفل دائما في حاجة أكيدة إلى من يرعاه و يعتني به‪ .‬لذلك ال يمكنه االستغناء عن والديه‪.‬‬
‫مشردين دون رعاية أو متابعة و‬
‫ّ‬ ‫ولكن لألسف هناك من اآلباء من يهمل واجباته فيهمل أبناءه ويتركهم‬
‫سينجر عنه خطر كبير يهدّد حياة األبناء و استقرارهم العائلي وتوازنهم العاطفي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يسيء معاملتهم و هو ما‬

‫الفرع الثّاني ‪ :‬حاالت الخطر المل ّم‪:‬‬


‫إن الطفل يولد و هو ضعيف عاجز عن القيام بشؤونه يحتاج إلى من يتولى إطعامه و إكساءه وحفظه‬
‫في مبيته و تنظيف جسمه و صيانته من جميع األمراض و األخطار التي تهدّد حياته وهو بدون هذا ال يقدر‬
‫على البقاء و يهلك حاال‪ 147‬فهذه الرعاية و الحماية يجدها الطفل أساسا في البيئة األولى التي نشأ فيها و هي‬
‫األسرة ‪148‬و األبوان اللذان يستقيالن من االضطالع بدورهما التربوي ال يمكن أن يقيا أطفالهما من مخاطر‬
‫يعرضا طفلهما إلى خطر كبير بسبب تخليهما عن واجبهما نحوه‪.‬‬
‫التهديد و الجنوح‪ 149‬فالوالدان يمكن أن ّ‬
‫فالطفل يجد نفسه في حالة خطر مل ّم يستوجب حمايته‪.‬‬

‫و حسب الفصل ‪ 46‬م ح ط فإن الخطر الملم هو " كل عمل ايجابي أو سلبي يهدد حياة الطفل أو‬
‫سالمته البدنية أو المعنوية بشكل ال يمكن تالفيه بمرور الوقت " و لعل المقصود بذلك هو كل امتناع أو فعل‬
‫يلحق بالطفل ضررا بليغا و دائما‪ ،150‬فإهمال الطفل (الفقرة األولى) أو حرمانه من حقوقه و تعريضه‬
‫للتشرد(الفقرة الثّانية) أو اعتياد سوء معاملته (الفقرة الثّالثة) هو من حاالت الخطر الملم فالطفل في حاجة‬

‫‪146‬‬‫‪-Charpentier Jehanne : Le droit de l’enfance abandonnée. Presses universitaires de‬‬


‫‪France 1967. P 176‬‬
‫‪ - 147‬رشيد الصباغ‪ :‬الطفل و والية التربية م ق ت أكتوبر‪ 1969‬ص ‪.17‬‬
‫‪-‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪135148‬‬
‫رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية ‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪50149‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪ 187‬و ‪188150‬‬

‫‪44‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫ماسة إلى العيش وسط عائلة مستقرة تمنحه الحب و العطف و الرعاية ال عائلة تحرمه من كل ذلك وتتخلى‬
‫عن واجبها نحوه معرضة حياته لخطر دائم‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إهمال الطفل‪:‬‬


‫لقد ذكر المشرع اإلهمال ضمن الفصل ‪ 20‬م ح ط كحالة صعبة تهدّد الطفل و عاد ليقدم لنا شرحا‬
‫لهذه الحالة ضمن الفصل ‪ 21‬من نفس المجلة حيث يقصد باإلهمال تعريض سالمة الطفل العقلية أو النفسية‬
‫أو البدنية للخطر‪ ،‬و قدّم ضمن نفس الفصل أمثلة على ذلك‪ .‬فاإلهمال أو ما يمكن تسميته باالعتداء السلبي‬
‫على سالمة الطفل‪ 151‬يكون بتخلّي األبوين عن طفلهما بدون موجب بمكان أو مؤسّسة عموميّة أو خا ّ‬
‫صة‪،‬‬
‫أو بهجر محل األسرة لمدّة طويلة و دون توفير المرافق الالزمة له ‪،‬أو رفض قبول الطفل من كال األبوين‬
‫عند صدور قرار في الحضانة‪،‬أو االمتناع عن مداواته و السهر على عالجه‪ .‬وما جاء بهذا الفصل يتماشى‬
‫مع ما ورد بالفصل ‪ 19‬من اتفاقية حقوق الطفل‪.‬‬

‫يعرض سالمته‬
‫إذن فاإلهمال هو تخلي الوالدين عن ابنهما و عدم رعايته و االهتمام بشؤونه بما ّ‬
‫المعنوية و البدنية و العقلية للخطر‪ .‬فمن خالل الفصل ‪ 21‬م ح ط نتبيّن أن اإلهمال يت ّخذ صورا عديدة و‬
‫مختلفة‪ .‬كما تعرضت أيضا المجلة الجزائية لجرائم اإلهمال‪ ،‬فالفصل ‪ 212‬م ج بعد تنقيحه بقانون ‪ 9‬نوفمبر‬
‫يعرض مباشرة أو‬
‫‪ 1995‬نص على انه " يستوجب السجن مدة ثالثة أعوام و خطية قدرها مائتا دينار من ّ‬
‫بواسطة أو يترك مباشرة أو بواسطة بقصد اإلهمال في مكان آهل بالناس طفال ال طاقة له على حفظ نفسه‬
‫أو عاجزا و يكون العقاب بالسجن مدة خمسة أعوام و بخطية قدرها مائتا دينار إذا كان المجرم احد‬
‫الوالدين‪...‬و يضاعف العقاب‪...‬إذا حصل التعريض أو الترك في مكان غير آهل بالناس‪ .‬و المحاولة موجبة‬
‫للعقاب"‪.‬‬

‫يفرق ضمن نفس الجريمة بين حالة اإلهمال التي تحصل بمكان آهل بالناس واإلهمال‬
‫إذن فالمشرع ّ‬
‫الذي يحصل في مكان غير آهل بالناس‪ ،‬كما نالحظ أنه لم يحدّد سن الطفل المهمل بل اكتفى بتعريفه بكونه‬
‫الطفل الذي ال طاقة له على حفظ نفسه أو العاجز‪ .‬فالمشرع التونسي لم ّ‬
‫يتبن نفس اتجاه بعض القوانين‬
‫المقارنة كقانون العقوبات اللبناني (المادة ‪ )498‬و قانون العقوبات المصري(المادتان ‪285‬و‪ 152)287‬اللذين‬
‫حدّدا سنّا معيّنة للطفل بل انه فضّل أن تشمل الحماية الجزائية كل األطفال وفق نظام واحد و أن يترك‬
‫للقاضي حرية كبيرة في تقدير الوضعيات و االجتهاد فيها‪.153‬‬

‫‪-‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪112151‬‬
‫‪ - 152‬رضا المزغنّي‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتّشريعات العربيّة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.140‬‬
‫‪ -152‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬اطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص و العلوم‬
‫الجزائية‪ .‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪ 2007/2006‬ص ‪95‬‬

‫‪45‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫يعرض للخطر فكما جاء بالفصل ‪ 212‬م ج وكما‬
‫و أما بالنسبة إلى المكان الذي يترك فيه الطفل و ّ‬
‫ذكرنا سابقا يمكن أن يقع الترك و التعريض للخطر بمكان آهل بالناس أو بمكان غير آهل بالناس‪ .‬فالفصل‬
‫‪ 212‬في صياغته القديمة أي قبل تنقيحه سنة ‪ 1995‬كان ينص على عبارة " في حاالت ال تمكن النجاة معها‬
‫إال بمجرد المصادفة" و هو ما يعني أن المشرع يقصد مكانا غير آهل بالناس إال انه و بعد التنقيح الذي شمل‬
‫الفصل ‪ 212‬وسع المشرع من نطاق حماية الطفل في إطار جريمة اإلهمال لتشمل كل مكان يترك فيه الطفل‬
‫مهمال دون رعاية سواء كان هذا المكا ن آهال أو غير آهل بالناس إال انه فرق بينهما في العقوبة كما سبق‬
‫ذكره بالفصل ‪ 212‬م ج‪ .‬و في التطبيق القضائي للفصل ‪ 212‬المذكور آنفا نستحضر القضية التي تمثلت‬
‫أطوارها في ترك أ ّم لطفليها البالغين على التوالي ثالث سنوات و عامين ونصف بالمنزل دون أكل و رعاية‬
‫و أغلق ت عليهما الباب‪ ،‬و قد بقيا بحالة إهمال طيلة أربعة أيام و كادا يهلكان لوال أن صراخهما بلغ مسامع‬
‫أحد األجوار الذي تحول إلى اقرب مركز امن فت ّم إخطار النيابة التي ع ّهدت مندوب حماية الطفولة‬
‫بالموضوع و أعطته إذنا بخلع باب المنزل مما مكن من إنقاذ الطفلين من الهالك‪ .‬وباستنطاق األم لدى باحث‬
‫البداية أكدت أنها تركت ابنيها بحالة إهمال تشفيا من والدهما الذي هاجر إلى إحدى البلدان األوروبية و‬
‫تركها بدون نفقة‪ ،‬و وقع إيداع الطفلين بمركز رعاية الطفولة و أحالت النيابة األم المذكورة على المحكمة‬
‫لمقاضاتها من اجل ترك ابنيها بحالة إهمال في مكان آهل بالناس طبق أحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪212‬‬
‫من م ج وفق ما سلف بيانه و قد قضت المحكمة االبتدائية بتونس بسجنها مدة سنتين رغم تراجعها في‬
‫تصريحاتها لدى المحكمة‪.154‬‬

‫و من جهة أخرى و لمزيد حماية الطفل فإن الفصل ‪ 213‬م ج منذ تنقيحه بقانون ‪ 9‬نوفمبر ‪1995‬‬
‫يقتضي عقوبة بالسجن لمدة اثنتي عشر عاما لكل من ارتكب األفعال المذكورة بالفصل ‪ 212‬من نفس المجلة‬
‫من ترك و تعريض الطفل للخطر إذا نتج عن اإلهمال بقاء الطفل أو العاجز مقطوع األعضاء أو مكسورها‬
‫أو إذا أصيب بعاهة بدنية أو عقلية‪.‬و أما إذا كانت نتيجة هذا اإلهمال موت الطفل فإن العقاب يصبح السجن‬
‫بقية العمر‪ .‬فتعريض الطفل للخطر بتركه والتخلي عنه بمكان ما هو فعل إجرامي كبير يهدّد حق الطفل في‬
‫الحياة و البقاء وقد يؤدّي به إلى الموت‪.‬‬

‫مكرر إلى صور أخرى‬


‫ّ‬ ‫تعرض الفصل ‪212‬‬
‫واإلهمال كما قلنا سابقا يأخذ أشكاال مختلفة‪،‬وقد ّ‬
‫لجريمة اإلهمال التي يمكن أن ترتكب في حق الطفل و تهدّد حياته و سالمته‪ .‬فما ورد ذكره بالفصل ‪212‬‬
‫مكرر م ج من أشكال اإلهمال ورد ذكره أيضا بالفصل ‪ 21‬م ح ط‪ ،‬فاألشخاص المطالبون برعاية الطفل‬
‫ّ‬
‫و العناية بشؤونه كاألب و األم أو من تولى الحضانة بصفة قانونية‪ ،‬يمكن لهؤالء أن يرتكبوا جريمة في حق‬

‫‪ -153‬حكم ابتدائي غير منشور عدد ‪ 20952‬مؤرخ في ‪ 2006/1/7‬ورد ذكره ب‪ :‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون‬
‫الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 96‬و ‪97‬‬

‫‪46‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫هذا القاصر و ذلك بتخلصهم من القيام بالواجبات المفروضة عليهم تجاه الطفل كهجر المنزل لغير سبب‬
‫جدي و بالتالي ترك الطفل دون حماية و رعاية هو في اشدّ الحاجة إليها‪ ،‬ففي بداية حياته يكون في حاجة‬
‫يضره‪ 155‬نظرا إلى انه ال طاقة له‬
‫ّ‬ ‫ماسّة لمن يحفظه ويتع ّهده و يقوم على تربيته بما يصلحه و يحميه م ّما‬
‫صة إذا طال غياب الوالدين أو من يتع ّهد به‬
‫على حماية نفسه بنفسه فيمكن أن يصيب الطفل مكروه ما خا ّ‬
‫عن المنزل و دون توفير المرافق الالّزمة له‪.‬‬

‫صي من المسؤولية‪ ،‬تخلّي الوالدين عن الطفل بدون موجب‬


‫و كشكل آخر من أشكال اإلهمال و التف ّ‬
‫مكرر التخلي عنه داخل‬
‫صة كما جاء بالفصل ‪ 21‬م ح ط أو كما ورد بالفصل ‪ّ 212‬‬
‫سسة عموميّة أو خا ّ‬
‫بمؤ ّ‬
‫مؤسسة صحية أو اجتماعية‪.‬‬

‫فالتخلي عن الطفل هو من أبشع االعتداءات على حقه في الحماية و الرعاية و العيش في محيط‬
‫عائلي يلبي رغباته و يوفر له حاج ياته المادية و المعنوية‪ ،‬فترك طفل يتحقق تقريبا بنفس سهولة ترك كلب‬
‫سسة لحماية الحيوانات‪ ،156‬فتخلي الوالدين عن الطفل داخل مؤسسة صحية أو اجتماعية يكون‬
‫بالقرب من مؤ ّ‬
‫صى من المسؤولية إذا ثبت أن تخليه كان‬
‫جريمة إن كان لغير فائدة و بدون ضرورة فالولي يمكن أن يتف ّ‬
‫ناجما عن حالة ضرورة أو عن فائدة قد تحصل للطفل بإبقائه في تلك المؤسسة‪ 157‬إال أن هذه المؤسسات‬
‫االجتماعية التي تقدّم المساعدة لألطفال تمارس على الطفل سلطة أبوية هي بالضرورة إدارية أكثر منها‬
‫عاطفية‪.158‬‬

‫إن تخلّص الوالدين من واجباتهما قد يصل بهما إلى حدّ رفض قبول الطفل عند صدور قرار في‬
‫ّ‬
‫الحضانة و يقصد بعبارة "الرفض" الرفض الواقعي و ليس الرفض القانوني الذي يعبّر عنه أحد أبوي‬
‫المحضون للمحكمة التي تبتّ في ّ‬
‫الرفض إيجابا أو سلبا‪ ،159‬فيمكن أن تسند الحضانة ألحد الوالدين لكن هذا‬
‫األخير ال يلتزم بالواجبات المنوطة بعهدته تجاه المحضون‪ ،‬و من هذه الواجبات التي قد يخ ّل بها الوالدان‬
‫صحيّة للطفل‪ ،‬فقد اعتبر المشرع من خالل الفصل ‪ 21‬م ح ط أن االمتناع عن مداواة الطفل‬
‫واجب الرعاية ال ّ‬
‫سهر على عالجه يمث ّل شكال من أشكال اإلهمال‪ ،‬و أما الفصل ‪ 212‬مكرر م ج فقد ذكر عبارة "إهمال‬
‫وال ّ‬
‫شؤون القاصر" ويمكن تبعا لذلك أن نعتبر أن االمتناع عن مداواة الطفل هو مظهر من مظاهر إهمال شؤونه‬
‫لما في ذلك من تهديد لسالمته البدنية‪ ،‬فالطفل هذا المخلوق الضعيف البنية يحتاج إلى الرعاية الصحية و‬

‫‪ -‬رضا المزغني‪:‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪78155‬‬
‫‪156‬‬ ‫‪-Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Librairie‬‬
‫‪de droit et de jurisprudence. Paris 1984. P 103‬‬
‫‪ - 157‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪101‬‬
‫‪158 - Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit. P‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 112‬و ‪159 113‬‬

‫‪47‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫المراقبة المتواصلة في حالة المرض‪ .‬والقائم على شؤونه يجب أن يسرع و ال يتهاون في عالجه كلّما أصيب‬
‫سهر‬
‫صة بغذائه و نظافة جسمه و ثيابه بما يقيه من األمراض‪ .‬كما أن صورة عدم ال ّ‬
‫بمرض و أن يهت ّم خا ّ‬
‫على عالج الطفل قد تشمل أيضا عدم الحرص على استكمال الطفل للتالقيح الضروريّة التي من شأنها أن‬
‫تكسبه مناعة ضدّ العديد من األمراض الخطيرة التي تصيب خاصة األطفال‪ 160‬فإهمال العناية بص ّحة الطفل‬
‫مرة‪.‬‬
‫جرمه المشرع كذلك ضمن الفصل ‪ 224‬م ج الذي اشترط تكرار هذا الفعل أكثر من ّ‬
‫ّ‬

‫قد يتّخذ إهمال الطفل صورا و مظاهر أخرى لذلك يخضع تقديرها إلى سلطة الهيكل الحمائي‬
‫المختص‪ ،‬فجريمة إهمال طفل بصورها المختلفة المبيّنة بالفصل ‪ 212‬مكرر تبدو في غاية الخطورة لما‬
‫ّ‬
‫تلحقه من أذى كبير و أضرار فادحة بسالمة الطفل المعنوية و العقلية والبدنية فهي تهدّد حياته و بقاءه‪ ،‬فهذه‬
‫قرره لها المشرع من عقاب ال يبدو متماشيا مع مدى خطورتها‬
‫األفعال قد تؤدي به إلى الموت إال أن ما ّ‬
‫على الطفل فثالثة أعوام سجنا و خطية قدرها مائتا دينار ال تبدو فعال عقوبة رادعة لمن تخول له نفسه إهمال‬
‫طفل ضعيف غير قادر على حفظ نفسه و تسيير شؤونه‪.‬‬

‫ليس اإلهمال فقط يمث ّل حالة خطر مل ّم تهدّد حياة الطفل‪ ،‬فالت ّ ّ‬
‫شرد كذلك من أخطر الحاالت الصعبة التي قد‬
‫يجد الطفل نفسه فيها و المخاطر تحيط به من كل جهة‪.‬‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬الت ّ ّ‬


‫شرد‪:‬‬
‫شرد يمث ّل حالة صعبة تهدّد الطفل و تنال من سالمته‬
‫اعتبر المشرع ضمن الفصل ‪ 20‬م ح ط أن الت ّ ّ‬
‫تشرد الطفل ناتج عن حرمانه‬
‫البدنية و المعنويّة وعاد من خالل الفصل ‪ 22‬لشرح هذه الحالة حيث اعتبر أن ّ‬
‫من حقّه في الت ّعليم‪ ،‬إذ جاء بالفصل المذكور ما يلي " تعتبر من الوضعيّات الموجبة للتدخل ّ‬
‫تشرد الطفل و‬
‫بقاؤه بدون متابعة أو تكوين بسبب رفض المتع ّهد برعايته و حضانته إلحاقه بإحدى المدارس مع مراعاة‬
‫أحكام القانون المتعلّق بالنظام التربوي"‪.‬‬

‫إن مختلف القوانين و التشريعات تولي أهميّة كبيرة للت ّعليم‪ ،‬و لما ّ‬
‫تطورت الحياة االجتماعية و‬
‫ازدادت اختبارات اإلنسان و معارفه أصبح نقل الغذاء الفكري و االجتماعي أو نقل الثقافة إلى الجيل الجديد‬
‫المدرسون و وجدت المدارس‪ 161،‬و باعتبار األطفال هم‬
‫ّ‬ ‫من األمور المعقّدة التي تتطلّب اختصاصا‪.‬فوجد‬
‫جيل المستقبل‪،‬فقد وجب إعداد هذا الجيل بتعليمه و عدم حرمانه من هذا الحق‪ .‬لذلك نظم المشرع التونسي‬
‫التعليم و أقر مجانيّته و إجباريّته‪ .‬فقد جاء بالفصل األول من القانون التوجيهي عدد ‪ 2002-80‬المؤرخ في‬
‫‪ 23‬جويلية ‪ 2002‬و المتعلق بالتربية و التعليم المدرسي أن"‪...‬التعليم إجباري من سن السادسة إلى سن‬

‫‪ -‬مليكة الجملي‪:‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪73160‬‬
‫‪ -‬محمد فاضل الجمالي‪ :‬تربية اإلنسان الجديد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪56161‬‬

‫‪48‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫السادسة عشرة وهو حق أساسي مضمون لكل التونسيين ال تمييز فيه على أساس الجنس أو األصل‬
‫االجتماعي أو اللون أو الدين‪ ،‬و هو واجب يشترك في االضطالع به األفراد و المجموعة"‪ ،‬كما أن اتفاقية‬
‫أقرت أن الدول األطراف تعترف بحق الطفل في التعليم االبتدائي المجاني و في‬
‫حقوق الطفل في المادة ‪ّ 28‬‬
‫التسرب من المدارس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫توفير التعليم المهني و بضرورة ات ّخاذ تدابير للتقليل من معدّالت‬

‫التعليم اإلجباري هو التعليم األساسي الذي يمث ّل حلقة قائمة بذاتها و يرمي إلى تكوين الناشئة بشكل‬
‫ين ّمي قدراتهم الذاتيّة و يضمن لهم بلوغ حدّ كاف من المعرفة‪ .162‬و نظرا لما يرمي إليه التعليم من أهداف‬
‫ضياع‬ ‫سامية تمث ّل وقاية للطفل من اإلنحراف‪ ،‬إذ ال شك أن حرمان الطفل من حقه في التعليم ّ‬
‫يعرضه إلى ال ّ‬
‫والت ّشرد و يحول دون تكوين شخصيّته و تنمية ملكاته و تسليحه بزاد المعرفة في مواجهة المستقبل‪ ،163‬لذلك‬
‫جرم المشرع حرمان الطفل من التعليم‬
‫و حرصا منه على ضمان هذا الحق واحترام مبدأ إجباريّة التعليم‪ّ ،‬‬
‫سادسة عشر‪ ،‬و في كلتا الحالتين سيجد‬ ‫سن السادسة أو بسحبه منها قبل ّ‬
‫سن ال ّ‬ ‫إما بعدم إلحاقه بالمدرسة في ّ‬
‫نموه الفكري و العقلي‪ ،‬فامتناع الولي عن إلحاق ابنه بالمدرسة يمث ّل جريمة‬
‫مشردا بما سيعرقل ّ‬
‫ّ‬ ‫الطفل نفسه‬
‫أقرها الفصل ‪ 21‬من القانون التوجيهي للتربية و التعليم المدرسي المذكور سابقا والذي جاء فيه أن " كل‬
‫ولي يمتنع عن إلحاق منظوره بمؤسسات التعليم األساسي‪...‬يعرض نفسه إلى خطية من ‪ 20‬دينار إلى ‪200‬‬
‫دينار" ‪ ،‬و المالحظ أن الفصل يتحدّث عن جريمة امتناع و ليس جريمة فعل‪ ،‬فالول ّ‬
‫ي يمتنع عن إلحاق ابنه‬
‫و ترسيمه بإحدى المدارس عند بلوغه ّ‬
‫سن السادسة دون أن يكون لهذا الولي سبب أو دافع لذلك إال إذا أثبت‬
‫العكس كأن يكون الطفل غير قادر على الدّراسة و التعلّم بصفة طبيعيّة استنادا لما ورد بالفصلين ‪ 20‬و ‪21‬‬
‫من القانون المذكور سابقا من عبارة "ما دام قادرا على مواصلة تعلمه بصفة طبيعية" إال أن الطفل المعوق‬
‫يمكنه كذلك التعلّم في مدارس خا ّ‬
‫صة إال إذا كانت درجة إعاقته ال تسمح له بالدراسة‪.‬‬

‫قر جريمة سحب الولي البنه من التعليم دون ّ‬


‫سن‬ ‫كما أن نفس الفصل ‪ 21‬من قانون ‪ 2002/7/23‬أ ّ‬
‫سادسة ثم يسحبانه قبل أن يت ّم مرحلة‬ ‫سادسة عشرة‪ ،‬فالوالدان يلحقان ابنهما بإحدى المدارس في ّ‬
‫سن ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سادسة عشرة و تنتهي معها إجباريّة التعليم ‪.‬‬ ‫التعليم األساسي التي تنتهي في ّ‬
‫سن ال ّ‬

‫ي عدم قدرة ابنه على مواصلة‬


‫و كالجريمة السابقة‪ ،‬فإن هذه الجريمة أيضا ال تقوم إذا أثبت الول ّ‬
‫تعلّمه بصفة طبيعيّة‪ ،‬و ّ‬
‫قرر لها المشرع أيضا نفس العقاب أي خطية من ‪ 20‬إلى ‪ 200‬دينار‪ ،‬لكن في هذه‬
‫الجريمة أي سحب الطفل من التعليم يضاعف العقاب في صورة العود نظرا إلى أن الجريمة األولى ال‬
‫مرتين‪.‬‬
‫ترتكب ّ‬

‫‪- 162‬الفصل ‪ 19‬من القانون التوجيهي ‪ 2002/7/23‬المتعلق بالتربية و التعليم المدرسي‬


‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 114‬و ‪115163‬‬

‫‪49‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫قر المشرع مبدأ عدم جواز رفت أي تلميذ‬
‫و من جهة أخرى‪ ،‬و ضمانا لمواصلة الطفل تعليمه‪ ،‬فقد أ ّ‬
‫سسات التربويّة العموميّة (الفصل ‪ )20‬و ذلك تفاديا‬
‫سادسة عشرة رفتا نهائيا من جميع المؤ ّ‬ ‫دون ّ‬
‫سن ال ّ‬
‫ضياع‪ ،‬والنّتيجة األبناء في الشارع أو‬ ‫لظاهرة اإلنقطاع المدرسي التي تؤدّي إلى اإلنحراف و الت ّ ّ‬
‫شرد و ال ّ‬
‫أبناء الشوارع ‪ ، 164‬و إذا كانت المدرسة منارة تضيء درب الطفولة المتوازنة‪ 165‬فإن األسرة تبقى صاحبة‬
‫الريادي في تنشئة الطفل تنشئة سليمة عقليّا‪ ،‬بدنيّا وعاطفيّا‪ ،‬إال أن هذه األسرة قد ال تقوم بدورها كما‬
‫الدور ّ‬
‫فتعرض حياة الطفل و سالمته المعنوية و البدنية إلى خطر كبير إذا اعتادت سوء معاملته‪.‬‬
‫يجب ّ‬

‫الفقرة الثّالثة‪ :‬اعتياد سوء معاملة الطفل‪:‬‬


‫من حق كل إنسان أن يعامل معاملة حسنة‪ ،‬و الطفل هو إنسان و بالتالي من حقّه أن يلقى معاملة‬
‫الرعاية و المعاملة ستؤث ّر عليه في المستقبل إما إيجابا أو سلبا‪ ،‬مع‬
‫حسنة من كافّة المحيطين به ‪ ،‬فهذه ّ‬
‫‪166‬‬
‫اإلشارة أنه قد ثبت علميّا أن مالمح شخصيّة اإلنسان تتحدّد في الطفولة التي ّ‬
‫تمر بمراحل معيّنة ومتتالية‬
‫فإذا لقي الطفل معاملة حسنة و رعاية جيّدة خالل هذه الفترة من عمره سينشأ تنشئة سليمة و متوازنة بدنيّا‬
‫و فكريّا و عاطفيّا‪ ،‬و إن لم يجد الرعاية الالّزمة و اإلحاطة الكافية من قبل المحيطين به وعومل معاملة‬
‫سيّئة لم تراع فيها شخصيّته وقدراته الذّهنية و لم يُحترم كإنسان له حقوق‪ ،‬و من أبرز حقوقه ّ‬
‫حقّّ ه في‬
‫المعاملة الحسنة من قبل الجميع‪ 167‬فسينشأ الطفل مضطرب الكيان‪ ،‬غير متوازن عاطفيا‪ ،‬ذا شخصيّة عنيفة‬
‫تعرض لها في صغره‪،‬فقد يعامل‬
‫و عدائية و ربما يحمل عقدا نفسية نتيجة المعاملة المهينة و القاسية التي ّ‬
‫اآلباء أو المتع ّهد بالرعاية الطفل أحيانا بشيء من القسوة و قد يعنّفه أحيانا أخرى‪ ،‬لكن أخطر ما في األمر‬
‫مستمرة بما يهدّد حياته وسالمته البدنية و المعنوية‪ ،‬و قد اعتبر المشرع‬
‫ّ‬ ‫أن يعا َمل الطفل معاملة سيئة بصفة‬
‫التونسي ضمن الفصل ‪ 20‬م ح ط أن اعتياد سوء المعاملة يمث ّل حالة صعبة تهدّد الطفل‪ ،‬و كباقي الحاالت‬
‫عرف الفصل المذكور اعتياد سوء المعاملة بأنه تعريض الطفل‬
‫أفردها بالفصل ‪ 24‬لمزيد شرحها حيث ّ‬
‫المتكررة على سالمته البدنية أو احتجازه أو اعتياد منع الطعام عليه أو إتيان أي عمل‬
‫ّ‬ ‫للتعذيب و اإلعتداءات‬
‫ينطوي على القساوة بما يؤث ّر على التوازن العاطفي و النفسي للطفل‪.‬‬

‫و من خالل الفصل ‪ 24‬نفهم أن المشرع يشترط الت ّكرار العتبار سوء المعاملة حالة صعبة على‬
‫معنى الفصل ‪ 20‬م ح ط‪ ،‬حيث استعمل عبارة "اعتياد"‪ ،‬و لكن ال يجب أن نفهم من ذلك أنه يغفر سوء‬
‫معاملة الطفل بصفة ظرفيّة أو منعزلة‪.168‬‬

‫‪ -‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪213164‬‬


‫‪109165‬‬ ‫‪ -‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص‬
‫‪ - 166‬عبد هللا األحمدي‪ :‬مجلة حماية الطفل و حقوق اإلنسان‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.25‬‬
‫‪ - 167‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق ص ‪124‬‬
‫‪ - 168‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق ص ‪124‬‬

‫‪50‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫و نالحظ أيضا أن الفصل ‪ 24‬م ح ط لم يحدّد األشخاص المعنيّين بارتكاب األفعال المذكورة ضدّ‬
‫الطفل‪ ،‬لذا فهذه المعاملة السيّ ئة قد تكون من قبل الوالدين أو المتعهد بالرعاية أو كل من يقوم على شؤون‬
‫الطفل و له سلطة عليه‪.‬‬

‫كرس بوضوح حماية جزائية‬


‫و من الناحية الجزائية فإن سوء المعاملة يعتبر جريمة و الفصل ‪ّ 224‬‬
‫يتعرض لها و التي قد تنال من حقّه في البقاء‪ ،169‬و لئن أورد الفصل‬
‫للطفل من جرائم سوء المعاملة التي قد ّ‬
‫المذكور بعض الصور لجريمة سوء المعاملة فإن الفصل ‪ 24‬م ح ط قدّم لنا صورا أخرى معتبرا أنها حاالت‬
‫صعبة تستوجب تد ّخل األجهزة الوقائية‪.‬‬

‫على غرار الفصول سابقة الذكر‪ ،‬أ ّكد كذلك الفصل ‪ 2‬م ح ط على ضرورة حماية الطفل من مختلف‬
‫أشكال سوء المعاملة بما فيها العنف أو اإلساءة البدنية‪ ،‬فمن أخطر االعتداءات التي تنال من جسد الطفل نجد‬
‫المتكررة على سالمته البدنية كما ورد بالفصل ‪ 24‬م ح ط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التعذيب و االعتداءات‬

‫جرم المشرع كل أعمال‬


‫و حماية لسالمة الطفل البدنية و المعنوية و احتراما لحرمته الجسدية‪ ،‬فقد ّ‬
‫العنف المسلّطة على الطفل إال أن هناك من العنف ما ال يعتبر جريمة و هو ما يس ّمى بالعنف الخفيف و الذي‬
‫نص عليه الفصل ‪ 319‬م ج بقوله " تأديب الصبي ممن له سلطة عليه ال‬
‫يهدف إلى تأديب الطفل‪ ،‬و قد ّ‬
‫يستوجب العقاب"‪ .‬فالتأديب حق يمارسه الوالدان أو المتع ّهد برعاية الطفل باعتباره أسلوبا من أساليب‬
‫التربية و التوجيه لألبناء الصغار‪ ،‬و يشترط في التأديب أن يكون ضربا أو عنفا خفيفا ال يخلّف أضرارا أو‬
‫جروحا بجسد الطفل ويقصد بالضّرب ضغط على أنسجة الجسم أو مصادمتها بجسم آخر دون أن يترتّب‬
‫‪170‬‬
‫عن ذلك قطع أو تمزيق في أنسجة الجسم‪.‬‬

‫ي الذي يقوم بتأديب ابنه بضربه ضربا خفيفا ال يكون عرضة للتتبّع الجزائي و ال‬
‫و بالتالي فإن الول ّ‬
‫خولها‬ ‫يعتبر الطفل في هذه الحالة مهدّدا في سالمته البدنية‪ .‬و في هذا السياق أ ّ‬
‫قر فقه القضاء أن الحماية التي ّ‬
‫القانون للطفل ال يعني أن يتخلّى الوالدان عن الحسم الالزم عند االقتضاء لتأديب و تربية األبناء ولتوجيههم‬
‫جراء هذا‬
‫سلوك القويم الذي تقتضيه األخالق و يرضاه المجتمع‪ .171‬و أما إذا لحق جسد الطفل أي ضرر ّ‬
‫لل ّ‬
‫الضرب فإن هذا الفعل يخرج عن إطار التأديب و التربية و يدعو بذلك إلى مساءلة الولي و يعود للقاضي‬
‫تقدير هذه األفعال و تكييفها بحسب مخلّ فاتها على جسد الطفل و تمييزها إن كانت تدخل ضمن التأديب أو‬
‫ضمن جرائم العنف‪. 172‬‬

‫‪ - 169‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي ‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪111‬‬
‫‪ - 170‬علي عبد القادر القهوجي‪ :‬قانون العقوبات‪ .‬القسم الخاصّ ‪ .‬جرائم اإلعتداء على اإلنسان والمال‪.‬منشورات الحلبي الحقوقيّة ‪ .2010‬ص ‪.224‬‬
‫‪171‬‬ ‫‪ -‬حكم ابتدائي مدني عدد ‪ 1‬مؤرخ في ‪ 1996/12/10‬مذكور ب م ق ت مارس ‪ 1997‬ص ‪ 221‬و ما بعدها‬
‫‪ -‬مليكة الجملي‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪76172‬‬

‫‪51‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫مستمرة‪ ،‬فهناك من األولياء من ال يجد وسيلة‬
‫ّ‬ ‫يتعرض إلى الضرب و العنف بصفة‬‫فالطفل يمكن أن ّ‬
‫أخرى لتأديب ابنه و ال يجيد حتى التفاهم مع طفل صغير مراعيا في ذلك سنّه و درجة وعيه و نضجه‬
‫متكررة على سالمتهم الجسدية بما‬
‫ّ‬ ‫يتعرضون إلى اعتداءات بدنية‬
‫النفسي‪،‬لذلك نجد أن العديد من األطفال ّ‬
‫سيئة على أجسادهم كالكدمات و الجروح و كذلك‬
‫يجعلهم في حالة خطر دائم‪ .‬فتظهر نتيجة هذه المعاملة ال ّ‬
‫آثار العنف الناتجة عن استعمال بعض األدوات و اآلالت الحادة و كذلك آثار الحروق إذ يتع ّمد بعض اآلباء‬
‫ساخن أو مادّة حارقة أو المكواة أو ال ّ‬
‫سجائر‪ .‬و قد أثبت الواقع العملي بالمستشفيات‬ ‫حرق الطفل بالماء ال ّ‬
‫حصول العديد من الحاالت الخطيرة التي ينتهي أغلبها بوفاة الطفل نتيجة خطورة اإلصابات و عدم قدرته‬
‫على تح ّملها‪ ،173‬و لكن األخطر من ذلك إن أدّت هذه االعتداءات على الطفل إلى إلحاق أضرار داخليّة‬
‫بقوة على األرض أو‬
‫كالكسور التي تصيب عظام الجمجمة نتيجة اعتياد ضرب الطفل على رأسه أو دفعه ّ‬
‫على جسم صلب‪ ،‬فتكون العواقب وخيمة و قد تصل إلى حدّ الموت‪.‬‬

‫كما يعتبر أيضا من مظاهر سوء المعاملة تعذيب الطفل و هو من أخطر و أبشع االعتداءات التي‬
‫صة علما و أن تونس قد صادقت على االتفاقية الدولية لمناهضة‬
‫يتعرض لها اإلنسان عا ّمة و الطفل خا ّ‬
‫ّ‬
‫التعذيب بمقتضى القانون عدد ‪ 79‬في ‪ 11‬جويلية ‪. 1988‬‬

‫فتعذيب الطفل قد يت ّخذ أشكاال مختلفة ‪ ،‬فكل فعل من شأنه أن يتسبّب في إحداث آالم بدنية أو معنوية‬
‫للطفل هو ضرب من ضروب الت ّعذيب و هو يشمل أيضا كل اعتداء بدني ينطوي على درجة كبيرة من‬
‫ضعيف على تح ّملها‪ ،‬و في هذا السياق يمكن أن نعود إلى التعريف‬
‫صغير و ال ّ‬
‫القسوة قد يعجز جسد الطفل ال ّ‬
‫الوارد بالفصل ‪ 101‬مكرر من م ج"‪ ...‬و يقصد بالتعذيب كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان‬
‫أو عقليا يلحق عمدا لشخص ما يقصد‪.....‬معاقبته على فعل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره أو‬
‫تخويفه هو أو غيره أو عندما يقع إلحاق األلم و العذاب الشديد ألي سبب من األسباب يقوم على التمييز أيا‬
‫كان نوعه"‪.‬‬

‫و من صور المعاملة السيئة للطفل أيضا احتجازه و هو ما يمث ّل اعتداء على ّ‬


‫حريته الذاتيّة كما جاء‬
‫بالفصل ‪ 250‬م ج‪ .‬حيث يعمد بعض اآلباء أو المتع ّهد بالرعاية أو الحاضن القانوني إلى معاقبة الطفل‬
‫كطريقة لتوجيهه و تربيته إذا ارتكب خطأ أو أتى سلوكا شائنا و يكون هذا العقاب بحجزه في غرفة مظلمة‬
‫أو متسخة و هو ما يمكن أن يؤدي إلى إصابته باضطرابات نفسيّة و مشاكل ص ّحية‪.‬‬

‫جرمه المشرع من‬


‫يتعرض لها الطفل اعتياد منع الطعام عليه الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫و من أقسى المعامالت التي‬
‫ضروريّة واألساسيّة لبقاء اإلنسان ناهيك عن‬
‫خالل الفصل ‪ 224‬م ج سابق الذكر‪ .‬فالطعام من الحاجات ال ّ‬

‫‪ -‬مليكة الجملي ‪ :‬الحماية الجزائية للحرمة الجسدية للطفل‪ .‬مرجع سابق ص ‪79173‬‬

‫‪52‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫نمو طبيعي و متوازن‪ ،‬فجسده‬
‫الطفل‪ ،‬ذلك الكائن الصغير الذي يحتاج إلى الغذاء أكثر من غيره لضمان ّ‬
‫ضعيف ال يستطيع البقاء و لو لفترة قصيرة بدون طعام فهو غير قادر على تح ّمل الجوع‪،‬‬
‫الصغير و ال ّ‬
‫ف"تجويع الطفل" يعتبر مساسا فادحا بحقّه في الغذاء و خطرا مل ّما ّ‬
‫بنموه الجسدي و النفسي‪ 174‬قد يصل به‬
‫ّحد الموت‪.‬‬

‫إن توفير غذاء الطفل يدخل ضمن الواجبات المنوطة بعهدة من يتولى رعايته و يكون تحت واليته‬
‫أو رقابته‪ ،‬و بالتالي فإن منع الطعام على الطفل قد يصدر إما عن الوالدين باعتبارهما المحيط الطبيعي الذي‬
‫يعيش فيه الطفل و إما عن من يتعهد برعاية الطفل كالولي أو المسؤولين في مؤسسات اإليواء الخاصة‬
‫باألطفال و مراكز رعاية الطفولة أو عائالت اإليداع‪...‬أي كل من له سلطة على الطفل‪.‬‬

‫سينجر عنها من مخاطر وتأثيرات سلبية‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إن منع الطعام يعتبر جريمة قصديّة‪ ،‬فمرتكبها يدرك تماما ما‬
‫على جسد الطفل و ص ّحته و مع ذلك يحرم هذا الطفل من األكل‪ ،‬و هذا ال يعني وجوب إثبات انصراف‬
‫إرادة الجاني إلحداث ضرر للطفل إذ أن تصرفه اإلرادي يعتبر كافيا لقيام الجريمة ‪. 175‬‬

‫سجن‬
‫قرها الفصل ‪ 224‬م ج الذي اعتبرها جنحة يعاقب عليها بال ّ‬
‫نظرا لخطورة جريمة سوء المعاملة التي أ ّ‬
‫مدّة خمسة أعوام و بخطيّة قدرها مائة و عشرون دينارا‪ ،‬غير أن تلك الجنحة قد تصبح جناية إذا نتج عن‬
‫اعتياد سوء المعاملة سقوط بدني تتجاوز نسبته عشرين في المائة أو في صورة حصول الفعل باستعمال‬
‫سجن مدّة عشر سنوات و يمكن أن يصل إلى بقيّة‬
‫السالح‪،‬ففي هاتين الصورتين يضاعف العقاب ليصبح ال ّ‬
‫العمر إذا نتج عن اعتياد سوء المعاملة موت الطفل‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن الفصل ‪ 31‬م ح ط أوجب إشعار‬
‫س ّر المهني كلّما تبيّن له وجود طفل يعامل‬
‫مندوب حماية الطفولة من قبل كل شخص وكذلك الخاضع لل ّ‬
‫متكررة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معاملة سيّئة بصفة‬

‫و تجدر المالحظة في هذا الصدد بالنّسبة لجريمة اعتياد منع الطعام على الطفل بأنه يصعب بعض‬
‫الطعام تعتبر من الشؤون األسريّة التي يصعب اإل ّ‬
‫طالع عليها أو‬ ‫التفطن إليها و ذلك ألن مسألة ّ‬
‫ّ‬ ‫الشيء‬
‫مراقبتها‪ ،‬فربّما يكون األمر أسهل إذا تعلّق بطفل يقيم في إحدى المؤ ّ‬
‫سسات أو مراكز رعاية الطفولة ألن‬
‫ّ‬
‫التفطن إلى أي ضرر قد يلحق بالطفل‪،‬فغالبا ما يقع‬ ‫الرقابة وبالتالي يمكن‬
‫هذه األخيرة تخضع بطبعها إلى ّ‬
‫التفطن إلى هذه الجريمة من قبل ّ‬
‫الطبيب المعالج للطفل الذي يكتشف إصابته و معاناته من سوء التغذية وما‬ ‫ّ‬
‫يخلّفه ذلك من تأثيرات سلبيّة على ص ّحة الطفل‪ ،‬فيكون ّ‬
‫الطبيب في هذه الحالة‪-‬وكما ذكرنا سابقا‪ -‬مطالبا‬
‫المختص بحالة الت ّهديد التي يوجد عليها ذلك الطفل‪ ،‬كما يمكن لبعض األشخاص‬
‫ّ‬ ‫بإشعار الهيكل الحمائي‬

‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪127174‬‬
‫‪ -‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪114175‬‬

‫‪53‬‬
‫الجزء األول‪ :‬الحاالت الصعبة الموجبة للحماية‬
‫‪‬‬
‫المقربين من الطفل كأقاربه أو جيرانه اكتشاف هذه الجريمة عندما يالحظون الت ّدهور ال ّ‬
‫ص ّحي للطفل نتيجة‬ ‫ّ‬
‫"تجويعه" و هم في هذه الحالة مطالبون أيضا بإشعار مندوب حماية الطفولة‪.‬‬

‫صة حماية الطفل المهدّد في كل الحاالت الصعبة على معنى الفصل‪ 20‬من‬
‫و تتولى األجهزة الحمائية المخت ّ‬
‫م ح ط مت ّخذة في ذلك اإلجراءات و التدابير المناسبة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الجزء‬
‫الثاني‬
‫آليات الحماية‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬

‫الطفل رمز المستقبل وأداة صنعه وحياة المرء صورة من ماضيه وم ّما عاشه‪ ،176‬لذلك ال بدّ من‬
‫اإلهتمام به وضمان حقوقه وإعداده أفضل إعداد تحسّبا للمستقبل وضمانا لسالمة المجتمع‪ ،177‬وال يكون‬
‫صة بالطفل من النّاحية التشريعيّة وهو ما يدعو إلى تأسيس إطار قانوني‬
‫تحقيق ذلك إال بتوفير عناية خا ّ‬
‫مكوناته الذّاتيّة من مستوى نضج عقلي ومحيط حماية له من التّهديد‬
‫للتّعامل مع الطفل يأخذ بعين اإلعتبار ّ‬
‫أو الخروج بسلوكه عن السّلوك المستوجب داخل المجتمع‪ ،178‬فاألطفال المهدّدون يمثّلون فئة خاصة لم‬
‫مجرمة قانونا إال أن وضعها الشخصي أو العائلي أو اإلجتماعي أو المدرسي أو سلوكها ينبّئ‬
‫ّ‬ ‫ترتكب أفعاال‬
‫معرضة لعوامل سلبيّة تؤثّر في سلوكها وتضعها في المنزلق نحو اإلنحراف واإلجرام‪ ،179‬وبالتالي‬
‫بأنّها ّ‬
‫فإن هؤالء األطفال في حاجة إلى من يحميهم ال من يعاقبهم‪ .‬لذلك أحدثت م ح ط آليات عمل استراتيجيّة‬
‫لحماية الطفل المهدّد‪ .‬فإذا كانت المنظومة القانونيّة والتشريعيّة التونسيّة السّابقة تتد ّخل للعقاب والتجريم إثر‬
‫وقوع الجريمة‪ ،180‬فإن م ح ط جاءت بفلسفة جديدة ترتكز على الجانب الوقائي أي التد ّخل قبل فوات األوان‬
‫يمر بها وأخذ التدابير الوقائية الكفيلة لحمايته قبل أن يت ّعدى‬
‫صعبة التي ّ‬
‫إلعانة الطفل على اجتياز الوضعيّة ال ّ‬
‫أقرت المجلّة آليّات قانونيّة لحماية الطفل المهدّد‪ .‬فوفّرت له حماية قضائيّة (الفصل‬
‫مرحلة الجنوح‪ .181‬وقد ّ‬
‫الثّاني) حيث وضعت إطارا قضائيا خا ّ‬
‫صا بالطفل‪ .‬كما أوجدت آليّة جديدة أسندت لها مه ّمة الحماية‬
‫اإلجتماعية للطفل المهدّد (الفصل األول) فما جاءت به م ح ط من أحكام ومبادئ وآليات جديدة‬
‫‪182‬‬
‫وإجراءات‪....‬كلّها توحي بعمليّة إنقاذ لطرف ضعيف وسعي إلعادة تكييفه مع محيطه‪.‬‬

‫‪ - 176‬مصطفى بن جعفر‪ :‬الحماية القضائية للطفل المهدد‪.‬م ق ت مارس ‪ .1997‬ص ‪.33‬‬


‫‪ - 177‬مصطفى بن جعفر‪ :‬الحماية القضائية للطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.33‬‬
‫‪ - 178‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.29‬‬
‫‪ - 179‬مصطفى العوجي‪ :‬الحدث المنحرف أو المهدد بخطر اإلنحراف في التشريعات العربية‪ ،‬مؤسسة نوفل‪.‬لبنان ‪.1986‬ص ‪.146‬‬
‫‪ - 180‬فتحي اإلنقليز‪ :‬واجب اإلشعار‪ ،‬مداخلة في إطار دورة دراسية تحت عنوان "آليات حماية الطفل في القانون التونسي "بالمعهد األعلى للقضاء‬
‫يوم ‪ 2004/3/25‬ص ‪.1‬‬
‫‪ - 181‬فتحي اإلنقليز‪ :‬واجب اإلشعار‪ .‬المرجع السابق‪.‬ص ‪.1‬‬
‫‪ - 182‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد‪ .‬مرجع سابق ص ‪.61‬‬

‫‪55‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الحماية االجتماعية للطفل‬


‫المهدّد‬
‫بالرغبة الجدّية في‬
‫صة مفعمة ّ‬
‫في السّنوات األخيرة أصبحت المجتمعات تنظر إلى األطفال نظرة خا ّ‬
‫الرعاية اإلجتماعية‪ ،184‬وألن الحماية هي إجراء‬
‫حمايتهم‪ ،183‬وألن الرعاية القانونيّة لألحداث ال تنفصل عن ّ‬
‫صة من شأنها الحدّ من حالة التّهديد التي ّ‬
‫يتعرض لها الطفل‪،‬‬ ‫قانوني أساسه ّ‬
‫حق الطفل المهدّد في رعاية خا ّ‬
‫مختص في حماية األطفال المهدّدين على معنى‬
‫ّ‬ ‫فقد ت ّم إحداث خطة مندوب حماية الطفولة وهو هيكل حمائي‬
‫األول)‪ ،‬كما تم ّ إحداث آليات قانونيّة حمائيّة تم ّكن مندوب حماية الطفولة من‬
‫الفصل ‪ 20‬من م ح ط (الفرع ّ‬
‫التّد ّخل في حال وجود طفل مهدّد ( الفرع الثّاني)‪.‬‬

‫المختص‪ :‬مندوب حماية ال ّ‬


‫طفولة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الفرع األول‪ :‬الهيكل الحمائي‬
‫ّ‬
‫خطة مندوب حماية الطفولة تقوم على أساس اجتماعي تربوي لحماية الطفل المهدّد‪، 185‬‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫والمندوب لغة هو اسم مفعول مشتق من ندب ويقال ندب القوم إلى األمر يندبهم ندبا أي دعاهم وحثّهم ويقال‬
‫يعرف مندوب حماية الطفولة ولكنّه ضبط‬
‫ندبته فانتدب أي بعثته ودعوته فأجاب‪ .186‬إال أن المشرع لم ّ‬
‫شروطا لتد ّخله (الفقرة األولى) كما أسند له عدّة صالحيات (الفقرة الثّانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬شروط تدخل مندوب حماية الطفولة‪:‬‬


‫تنقسم شروط تد ّخل مندوب حماية الطفولة إلى شروط سابقة لتعيينه (أ) وشروط الحقة لتعيينه(ب)‪.‬‬

‫سابقة لتعيين مندوب حماية الطفولة‪:‬‬


‫أ‪ -‬الشروط ال ّ‬
‫ّ‬
‫موظفا عموميّا طبق األمر عدد ‪ 1134‬لسنة ‪ 1996‬المؤرخ في ‪17‬‬ ‫يعتبر مندوب حماية الطفولة‬
‫جوان ‪ 1996‬المتعلّق بضبط النّظام األساسي لسلك مندوبي حماية الطفولة ومجاالت تد ّخله وطرق تعامله‬
‫‪187‬‬
‫مع المصالح والهيئات اإلجتماعيّة المعنيّة‪.‬‬

‫‪ -183‬علي محمد جعفر‪ :‬حماية األحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر اإلنحراف‪ .‬مرجع سابق ص ‪.432‬‬
‫‪ - 184‬رضا المزغني‪ :‬رعاية األحداث في القوانين والتشريعات العربية‪ .‬مرجع سابق ص ‪.78‬‬
‫‪ - 185‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد‪ .‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 186‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ .‬المجلّد الثالث عشر‪ .‬ص ‪.198‬‬
‫‪ - 187‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد ‪ 28 .52‬جوان ‪ 1996‬ص ‪.1369‬‬

‫‪56‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫يت ّم تعيين مندوب حماية الطفولة بعد نجاحه في مناظرة داخلية باإلختبارات أو بالملفّات تفتح لفائدة‬
‫المندوبين المساعدين الذين يتوفّر فيهم شرط األقدميّة خمس سنوات على األق ّل في رتبتهم في تاريخ ختم‬
‫قائمة التر ّ‬
‫شحات طبقا لما جاء بالفقرة (ب) من الفصل ‪ 15‬من األمر عدد ‪ 3287‬لسنة ‪ 2005‬المؤرخ في‬
‫أقر اإلنتداب عن طريق‬
‫‪ 19‬ديسمبر ‪188 2005‬المنقح للفصل ‪ 15‬من األمر عدد ‪ 1134‬المذكور سابقا والذي ّ‬
‫مناظرة بالملفات‪ .‬وتت ّم المناظرة وفق مبدأ المساواة بين المتر ّ‬
‫شحين للنتداب بالوظيفة العموميّة عمال‬
‫بمقتضيات الفصل ‪ 6‬من الدستور وكذلك عمال بأحكام الفقرة ‪ 2‬من الفصل ‪ 10‬من القانون عدد ‪ 112‬لسنة‬
‫‪ 1983‬المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ 1983‬المتعلّق بضبط النظام األساسي للوظيفة العموميّة‪ ،‬طبعا مع ضرورة‬
‫توفّر الشروط الالزمة للنتداب كالمؤ ّهالت العلميّة وشرط األقدميّة‪.‬‬

‫ويمكن أيضا تعيين مندوب حماية الطفولة بمقتضى قرار من الوزير المكلّف بشؤون الطفولة ويكون‬
‫ذلك إ ّما بمتابعة المندوب لمرحلة تكوين يت ّم تنظيمها من قبل اإلدارة لفائدة مندوبي حماية الطفولة المساعدين‬
‫المترسّمين في رتبتهم والنجاح فيها طبق أحكام الفقرة (أ) من الفصل ‪ 15‬جديد من أمر ‪ 2005‬سابق الذكر‪،‬‬
‫وإ ّما أن يعيّن باإلختيار من بين مندوبي حماية الطفولة المساعدين الذين لهم على األقل عشر سنوات أقدميّة‬
‫في رتبتهم والمر ّ‬
‫شحين حسب الجدارة بقائمة كفاءة عمال بمقتضيات الفقرة (ج) من نفس الفصل المذكور‬
‫آنفا‪.‬‬

‫أقرها المشرع التونسي‪ ،‬إذ يمثّل آلية من‬


‫يعدّ مندوب حماية الطفولة دعما للضّمانات القانونية التي ّ‬
‫أقرتها م ح ط لتكريس العمل الوقائي والحمائي لألطفال المهدّدين وذلك في جميع الحاالت‬
‫اآلليات الها ّمة التي ّ‬
‫صعبة التي تهدّد صحتهم وسالمتهم البدنية أو المعنوية‪ ،‬لذلك ال بدّ أن يكون مندوب حماية الطفولة‬
‫ال ّ‬
‫صصا في مجال الطفولة كما يشترط أن يكون محرزا على شهادة األستاذية كأدنى مستوى للترشح طبق‬
‫متخ ّ‬
‫صلين على األستاذية‬
‫للمتخرجين من المعهد األعلى للشباب والمتح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ويحق‬ ‫الفصل ‪ 15‬جديد من أمر ‪2005‬‬
‫ّ‬
‫يحق لهم‬ ‫ّ‬
‫الخطة‪ .‬وتتطلّب هذه الخطة من خالل من‬ ‫في الحقوق أو علم النفس أو علم اإلجتماع الترشح لهذه‬
‫الترشح لها مؤ ّهالت معيّنة تتمحور أساسا في قدرة المترشح على دراسة وتحليل الظواهر على أرضيّة‬
‫معرفيّة اكتسبها من اإلختصاص الذي درسه في الجامعة ‪ 189‬وبالتّالي يشترط أن يكون مجال تخ ّ‬
‫صصه ذا‬
‫‪190‬‬ ‫ّ‬
‫الخطة‪.‬‬ ‫المرجوة من إحداث‬
‫ّ‬ ‫عالقة ّ‬
‫بالطفولة لضمان نجاعة تد ّخله لفائدة الطفل وتحقيق النتائج‬

‫ب‪ -‬الشروط الالحقة لتعيين مندوب حماية ال ّ‬


‫طفولة‪:‬‬

‫‪ - 188‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد ‪ 102.23‬ديسمبر ‪.2005‬ص ‪.4123‬‬


‫‪ - 189‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهدّدة في التشريع التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.112‬‬
‫‪ - 190‬نجالء الردادي‪ :‬مندوب حماية الطفولة‪ .‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في قانون العقود واإلستثمارات‪ .‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‬
‫‪.2009-2008‬ص ‪.11‬‬

‫‪57‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫يتمتّع مندوب حماية الطفولة بعد تعيينه بتكوين وذلك عمال بمقتضيات الفصل ‪ 16‬من األمر عدد‬
‫‪ .1134‬فمنذ إحداث الخطة‪ ،‬تلقّى مندوبو حماية الطفولة تكوينا أساسيّا في جميع المجاالت ذات العالقة‬
‫صة المجاالت القانونية واإلجتماعية‪ ،‬وقد ت ّم هذا التكوين بالنسبة إلى الدفعة األولى في إطار‬
‫بعملهم وخا ّ‬
‫التعاون التونسي البلجيكي وبدعم من منظمة اليونيسيف وقد تواصلت الدّورة من ‪ 18‬نوفمبر إلى ‪ 6‬ديسمبر‬
‫صون في مجاالت علم النفس وعلم اإلجتماع والتربية والتنظيم اإلداري والقانون وتقنيات‬ ‫‪ّ 1996‬‬
‫نظمها مخت ّ‬
‫‪191‬‬
‫التواصل‪.‬‬

‫الرفع من قدرات مندوبي حماية الطفولة وتطوير مهاراتهم في التع ّهد باألطفال المهدّدين‪،‬‬ ‫وبغاية ّ‬
‫ّ‬
‫وتنظم سنويّا العديد‬ ‫المستمر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تولي وزارة شؤون المرأة واألسرة والطفولة والمسنّين أهميّة قصوى للتّكوين‬
‫من الدّورات التكوينيّة لفائدتهم‪ .‬ونظرا للكفاءة التي أصبح عليها العاملون في هذا السلك‪ ،‬فقد عرف هذا‬
‫التكوين منحى جديدا منذ سنة ‪ 2003‬وأصبح تشاركيا )‪ ،(Participatif‬إذ أصبح المندوب شريكا في العمليّة‬
‫الجهوية التي ّ‬
‫ينظمها حول مواضيع خصوصيّة كفقدان السّند العائلي أو سوء‬ ‫ّ‬ ‫التكوينيّة من خالل اللّقاءات‬
‫معاملة األطفال‪ . 192‬وتهدف هذه المقاربة باإلضافة إلى التكوين الذّاتي إلى تركيز شبكات الحماية على‬
‫المستوى الجهوي والتي تض ّم جميع المتد ّخلين في مجال ّ‬
‫الطفولة‪ .‬ويت ّم هذا المشروع في إطار التعاون‬
‫التونسي البلجيكي حيث تنتظم سنويّا زيارات بعض المندوبين إلى بلجيكا واستقبال نظائرهم البلجيكيين في‬
‫‪193‬‬
‫تونس وامتدّ هذا البرنامج على مدى ثالث سنوات ( ‪.)2007-2005‬‬

‫ّ‬
‫يتجزأ‪،‬‬ ‫باعتبار أن مندوب حماية الطفولة مؤسّسة تنحصر في شخص المندوب وحيث أن حقوق الطفل ك ّل ال‬
‫فإن عمل المندوب ال يمكن أن يت ّم بمعزل عن بقيّة المتد ّخلين‪ ،‬لذلك وضعت الوزارة أسس العمل الشبكي‬
‫وهي مقاربة تنبني على تحديد األدوار بين العاملين في المجال وحسن التنسيق واستغالل اإلمكانيات المتاحة‬
‫‪194‬‬
‫من أجل تحقيق مصلحة الطفل الفضلى‪.‬‬

‫وإضافة إلى التّكوين الذي يتلقّاه فإن مندوب حماية الطفولة ال بدّ أن يخضع لفترة تربّص تدوم سنتين‬
‫عمال بأحكام الفصل ‪ 86‬من القانون األساسي للوظيفة العمومية والفصل ‪ 6‬من األمر عدد ‪ ،1134‬فالغاية‬
‫صة بهم واستكمال‬ ‫من هذا التربّص هو إعداد المندوبين لممارسة ّ‬
‫خطتهم وتدريبهم على التقنيات المهنيّة الخا ّ‬
‫‪196‬‬
‫صين‪.‬‬
‫المشرع مسألة ترسيم المندوبين المترب ّ‬
‫ّ‬ ‫كما ّ‬
‫نظم‬ ‫‪195‬‬
‫تكوينهم ودعم مؤ ّهالتهم المهنيّة‪.‬‬

‫‪ - 191‬نجالء الردادي‪ :‬مندوب حماية الطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.12‬‬


‫‪192‬‬
‫‪- http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm‬‬
‫‪193‬‬
‫‪- http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm‬‬
‫‪194‬‬
‫‪- http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm‬‬
‫‪ - 195‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.95‬‬
‫‪- 196‬أنظر الفصل ‪ 6‬فقرة أخيرة (جديدة) من األمر عدد ‪ 3287‬لسنة ‪ 2005‬مؤرخ في ‪ 19‬ديسمبر ‪ 2005‬المنقح لألمر عدد ‪ 1134‬المؤرخ في‬
‫‪ 17‬جوان ‪.1996‬‬

‫‪58‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن مندوب حماية الطفولة وبعد تعيينه يتح ّمل عدّة واجبات‪ .‬قبل مباشرته لمها ّمه التي‬
‫تعتبر اجتماعيّة وتربويّة وأخالقيّة قبل كل اعتبار‪197،‬يؤدّي مندوب حماية الطفولة اليمين أمام المحكمة‬
‫نص اليمين المذكور‬
‫اإلبتدائية المنتصب بدائرتها الترابيّة طبقا لما جاء بالفصل ‪ 29‬م ح ط‪ .‬ومن خالل ّ‬
‫بالفصل ‪ 29‬م ح ط نستخلص تح ّمل المندوب لجملة من الواجبات‪.‬‬

‫ّأوال واجب القيام بوظائفه بكل شرف وأمانة حتى ال يصبح المندوب نفسه خطرا يهدّد الطفل‪198،‬فعلى‬
‫مندوب حماية الطفولة أن يلتزم بأداء وظائفه بك ّل أمانة‪ ،‬ومن ذلك ما منعته النّصوص الجزائية من قيام‬
‫الموظف العمومي بجرائم اإلرتشاء واإلختالس والتّزوير‪ ،‬وتتجسّم األمانة في حفظ أسرار اإلدارة‪199،‬وكذلك‬
‫فهو مطالب باإللتزام بكل الواجبات التي أناطها القانون األساسي للوظيفة العموميّة المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر‬
‫‪ 1983‬بعهدة الموظف العمومي باعتبار أن المندوب يحمل صفة موظف عمومي كما ذكرنا سابقا‪.‬‬

‫والواجب الثاني الذي ورد ذكره بالفصل ‪ 29‬م ح ط هو واجب احترام القانون‪ .‬فمندوب حماية‬
‫الطفولة يرجع بالنظر إلى الوزير المكلّف بشؤون الطفولة ويخضع إلى سلطة الوالي المعني‪200،‬كما يخضع‬
‫المختص ترابيّا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في تد ّخله الوقائي لمتابعة قاضي األسرة‬

‫السر‬
‫ّ‬ ‫وأ ّما الواجب الثالث المنوط بعهدة مندوب حماية الطفولة فهو واجب المحافظة على‬
‫صة بالطفل‬‫يطلع على عديد األسرار الخا ّ‬ ‫المهني‪،‬فبحكم طبيعة عمله والمها ّم المك ّلف بها‪ ،‬فإنّه ّ‬
‫وبعائلته‪201،‬لذلك عليه عدم إفشاء األسرار المهنيّة وإالّ سيكون عرضة للتتبّع الجزائي عمال بالفصلين ‪253‬‬
‫و ‪ 254‬م ج‪.‬‬

‫وإضافة إلى ك ّل هذه الشروط وحتى ال يتجاوز المندوب حدود سلطته فيتع ّهد بما ال يدخل ضمن‬
‫مشموالته‪ 202،‬فقد اشترط المشرع كذلك أن يكون تد ّخل المندوب في حال وجود طفل مهدّد وهنا نتحدّث عن‬
‫شرطين يتعلّقان بموضوع الحماية وهما شرط الس ّّن وشرط التّهديد كما سبق شرحهما‪.‬‬

‫المشرع شروطا لتد ّخل مندوب حماية الطفولة فقد حدّد كذلك صالحياته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فكما ضبط‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬صالحيات مندوب حماية الطفولة‪:‬‬

‫‪ - 197‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.143‬‬
‫‪ - 198‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.143‬‬
‫‪ - 199‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 200‬الفقرة األخيرة (جديدة) من الفصل األول من األمر عـــــ‪3287‬ـــدد المؤرخ في ‪ 19‬ديسمبر ‪.2005‬‬
‫‪ - 201‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.144‬‬
‫‪ - 202‬نجالء الردادي‪ :‬مندوب حماية الطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.14‬‬

‫‪59‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫خول المشرع لمندوب حماية الطفولة عدّة صالحيات حيث أسند له من خالل الفصل ‪ 90‬من م‬
‫لقد ّ‬
‫ح ط مه ّمة التدخل الوقائي كلّما بلغه خطر يتهدّد الطفل في صحته البدنية أو النفسيّة أو في وضعه اإلجتماعي‬
‫أو العائلي‪ 203،‬وقد حدّد نفس الفصل المذكور دوافع تد ّخل المندوب حيث ذكر بعضها وترك المجال مفتوحا‬
‫الستيعاب حاالت ووضعيّات أخرى قد يفرزها الواقع‪ 204.‬فمندوب حماية الطفولة موجود بكل والية ومجال‬
‫تد ّخله ال يتجاوز حدود العمل الوقائي‪205،‬فحاجة الطفل للحماية السريعة ال يمكن أن تت ّم إال عبر تد ّخل شخص‬
‫ميداني فاعل ومسؤول له من الصالحيات ومن وسائل العمل ما يؤ ّهله للقيام بمسؤولّيته أحسن قيام‪ 206،‬وقد‬
‫‪207‬‬ ‫بخطة مندوب حماية ّ‬
‫الطفولة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫استقر رأي المشرع على تعويض ّ‬
‫خطة متفقّد األطفال‬ ‫ّ‬

‫ونظرا للدّور الكبير الذي يلعبه مندوب حماية الطفولة في حماية األطفال المهدّدين‪ ،‬فقد أسند له‬
‫المشرع صفة مأمور الضّابطة العدليّة حسب ما جاء بالفصل ‪ 36‬م ح ط وم ّكنه من اإلستنجاد ّ‬
‫بالقوة العا ّمة‬
‫الرسمية على‬
‫صبغة ّ‬
‫مثله مثل سائر مأموري الضّابطة العدليّة في حاالت الخطر المل ّم‪ 208‬وذلك إلضفاء ال ّ‬
‫يحررها مأمور الضّابطة العدليّة‪ 210،‬كما‬
‫المقررة للمحاضر التي ّ‬
‫ّ‬ ‫يحرره الحجّة الثبوتيّة‬
‫أعماله‪ 209‬فيكون لما ّ‬
‫تعرضه لتعطيل عمل أو‬
‫صنف العدلي في صورة ّ‬ ‫ّ‬
‫الموظف من ال ّ‬ ‫أنه يتمتّع بالحماية القانونية التي يتمتّع بها‬
‫اعتداء سواء بالقول أو بالعنف‪ 211.‬كما أن مندوب حماية الطفولة مؤ ّهل ّ‬
‫لتلقّّ ي اإلشعارات بخصوص‬
‫األطفال المهدّدين وتقدير وجود التّهديد من عدمه وتحديد الحاجات الحقيقيّة للطفل المهدّد ورسم األولويّات‬
‫صة بكل متد ّخل وتكامل األدوار بهدف‬
‫التصرف في الموارد الخا ّ‬
‫ّ‬ ‫لوضع ّ‬
‫خطة دقيقة للتد ّخل أساسها حسن‬
‫رفع التّهديد‪ ،‬ويشرف المندوب على المتابعة والمراجعة من خالل تقييم مدى تالؤم الوسائل المس ّخرة مع‬
‫‪212‬‬
‫الوضعيّة‪.‬‬

‫وعمال بمقتضيات الفصل ‪ 37‬من م ح ط ولتسهيل عمله وإيجاد الحلول المناسبة النتشال الطفل من الوضع‬
‫بالسر المهني على كل األشخاص المباشرين للطفل بمن فيهم‬
‫ّ‬ ‫الذي هو فيه‪ ،‬رفع المشرع منظومة اإللتزام‬
‫‪213‬‬
‫المعلّمون واألساتذة واألعوان اإلجتماعيين واألطبّاء‪.‬‬

‫‪ - 203‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.145‬‬
‫‪ - 204‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.145‬‬
‫‪ - 205‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 206‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.94‬‬
‫‪ - 207‬الهادي سعيد‪ :‬لمحة تاريخية عن مجلة حماية الطفل‪ .‬م ق ت مارس ‪ .1997‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 208‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 209‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪.‬المرجع السابق‪.‬ص ‪.79‬‬
‫‪ - 210‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.42‬‬
‫‪ - 211‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد‪.‬المرجع السابق‪.‬ص ‪.42‬‬
‫‪212‬‬
‫‪- http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm‬‬

‫‪ - 213‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.43-42‬‬

‫‪60‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫وعلى غرار كل ذلك‪ ،‬فقد أسندت مجلة حماية الطفل في فصلها ‪ 35‬عدّة صالحيات لمندوب حماية‬
‫الطفولة تم ّكنه من استدعاء الطفل وأبويه للستماع إلى أقوالهم وردودهم حول الوقائع موضوع اإلشعار‪،‬‬
‫وكذلك يمكنه الدّخول بمفرده إلى األمكنة التي يوجد بها الطفل المهدّد مع اصطحاب من يرى فيه فائدة في‬
‫ذلك مع ضرورة اإلستظهار بما يثبت وظيفته‪ ،‬وإذا ما أراد الدّخول إلى البيوت المسكونة فعليه الحصول‬
‫على إذن مسبق من شاغليها‪ .‬وأيضا يمكن للمندوب أن يقوم بالتحقيقات واألبحاث الالّزمة وكل ما من شأنه‬
‫أن يساعد على اإللمام بحقيقة وضع الطفل واتّخاذ التدابير الوقائيّة المالئمة في ذلك‪،‬إال أن كل هذه‬
‫المخولة لمندوب حماية الطفولة ال يجوز له القيام بها إال بعد الحصول على إذن‬
‫ّ‬ ‫الصالحيات واإلجراءات‬
‫عاجل يصدره قاضي األسرة بناء على مطلب يقدّمه المندوب على ورق عادي‪ .‬وإضافة إلى ذلك وفي إطار‬
‫نفس الفصل المذكور سابقا فإن مندوب حماية الطفولة يمكنه أن ّ‬
‫يطلع على األبحاث اإلجتماعية المنجزة‬
‫‪214‬‬
‫حول الطفل قصد فهم شخصيّته وحقيقة وضعه من النواحي العائليّة واإلجتماعيّة والصحيّة‪.‬‬

‫ومن مها ّمه أيضا تحرير تقرير فيما يعاينه من أفعال ضدّ الطفل ويرفعه إلى قاضي األسرة وبذلك يحيطه‬
‫علما بما توفّر لديه من معطيات حول حالة الطفل المهدّد المتع ّهد به‪ ،‬وأ ّما إذا ثبت لمندوب حماية الطفولة‬
‫عدم وجود أي تهديد أو خطر على الطفل أي أن اإلشعار لم يكن في محلّه فإن الفصل ‪ 38‬م ح ط أوجب‬
‫‪215‬‬
‫التحريات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عليه إعالم الطفل ووليّه والقائم باإلشعار بالنتيجة التي أثبتتها‬

‫صالحيات التي أسندها له المشرع‬


‫وما نستخلصه هو أن مندوب حماية الطفولة يمارس كل هذه ال ّ‬
‫كلّما بلغه وجود طفل في حالة صعبة من الحاالت المذكورة بالفصل ‪ 20‬م ح ط وبعد التأكد من حقيقة الحالة‬
‫ومدى خطورتها يقوم المندوب بما يراه مناسبا إلنقاذ الطفل‪ ،‬لذلك وتسهيال لعمله وفّر له المشرع اآلليات‬
‫المناسبة من أجل تدخل ناجع لضمان مصلحة الطفل الفضلى‪.‬‬

‫الفرع الثّاني ‪ :‬آليات تد ّخل مندوب حماية الطفولة‪:‬‬


‫لقد وفّرت م ح ط لمندوب حماية الطفولة آليات تم ّكنه من التد ّخل الوقائي كلّما وجد خطر يهدّد الطفل‬
‫في تربيته أو سالمته البدنية أو المعنوية‪ ،‬وهذه اآلليات تتمثّل في آلية اإلشعار (الفقرة األولى) واتخاذ التدابير‬
‫الحمائية (الفقرة الثّانية)‪.‬‬

‫‪ - 214‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.161‬‬
‫‪ - 215‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪.‬المرجع السابق‪.‬ص ‪.165‬‬

‫‪61‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬آلية اإلشعار‪:‬‬
‫من أبرز ما جاءت به مجلة حماية الطفل فيما يتعلّق بحماية الطفل المهدّد هو إحداث آلية اإلشعار‬
‫(أ) وضبط نظام قانوني له (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬إحداث آلية اإلشعار‪:‬‬

‫التعرف على شروط القيام باإلشعار (‪ )2‬ال بدّ ّأوال من تبيّن مفهوم اإلشعار وأبعاده (‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫قبل‬

‫‪ -1‬مفهوم اإلشعار وأبعاده‪:‬‬

‫األول المتعلّق بالحماية اإلجتماعيّة للطفل المهدّد قسما كامال وهو‬


‫صصت م ح ط في بابها ّ‬
‫لقد خ ّ‬
‫القسم الثاني تحت عنوان "واجب اإلشعار" الذي تض ّمن أربع فصول من الفصل ‪ 31‬إلى الفصل ‪ 34‬للحديث‬
‫عن هذه اآللية الحمائية الجديدة‪.‬‬

‫ّ‬
‫مشتق من فعل أشعر ويقال‬ ‫وإذا ما عدنا إلى الشرح اللّغوي لكلمة "إشعار" فإننا نجد أنها مصدر‬
‫أشعر القوم في سفرهم جعلوا ألنفسهم شعارا وأشعر القوم نادوا بشعارهم واإلشعار هو اإلعالم‪ 216 ،‬ومن‬
‫‪217‬‬
‫الشروح اللغويّة كذلك أشعر يشعر إشعارا فالنا األمر و به‪ :‬أعلمه إيّاه‪.‬‬

‫وإذا ما عدنا إلى الفصول المذكورة سابقا فإن اإلشعار هو إعالم بوجود حالة صعبة تهدّد طفال على‬
‫معنى الفصل ‪ 20‬من م ح ط وهو واجب على كل شخص راشد يتولّى رفعه بتلقائيّة إلى مندوب حماية‬
‫‪218‬‬
‫صعب الذي يوجد فيه‪.‬‬
‫الطفولة لغاية إنقاذ الطفل من الوضع ال ّ‬

‫كرسه‬
‫وبالرجوع إلى مداوالت مجلس النواب فقد ت ّم تعريف واجب اإلشعار بكونه "واجب جديد ّ‬
‫ّ‬
‫القانون دعما للسلوك التضامني واستجابة لحاجة الطفل في المساعدة ذلك أن هذا األخير يواجه صعوبات‬
‫متنوعة ال طاقة له بتجاوزها بمفرده‪ .‬وتبعا لذلك فإن المشرع أسند للمواطن دورا فاعال وإيجابيّا بتحميله‬
‫ّ‬
‫وتجره إلى الجنوح‪ .‬وواجب‬
‫ّ‬ ‫مسؤولية جديدة تتمثل في واجب اإلشعار عند حصول العلم بمخاطر تهدّد الطفل‬
‫‪219‬‬
‫يكرس قيم التضامن بين كافّة أفراد المجتمع"‪.‬‬
‫اإلشعار ينطوي على معاني إنسانيّة سامية كما ّ‬

‫أقرت واجب اإلشعار ولو بصفة ضمنيّة‪ ،‬حيث‬


‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن بعض القوانين السّابقة قد ّ‬
‫ح ّملت بعض األشخاص واجب إشعار السلط المعنيّة في حاالت معيّنة‪ ،‬ونذكر هنا مثال الفصل ‪ 29‬من م إ‬
‫ج الذي يلزم الموظفين بإخبار وكيل الجمهورية بجرائم علموا بها أثناء مباشرتهم لوظائفهم وال يجيز القيام‬

‫الرابع‪.‬ص ‪ 413‬وما بعدها‪.‬‬


‫‪ - 216‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬المجلد ّ‬
‫‪ - 217‬القاموس الجديد للطالّب‪.‬الشركة التونسيّة للتوزيع‪ .‬تونس ص ‪.60‬‬
‫‪ - 218‬فتحي اإلنقليز‪ :‬واجب اإلشعار‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.2‬‬
‫‪ - 219‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪-‬مداوالت مجلس النواب‪ -‬عدد ‪ -4‬جلسة الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪.1995‬ص ‪.25‬‬

‫‪62‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫عليهم باإلدّعاء بالباطل ما لم تثبت سوء نيّتهم‪ .‬ونذكر أيضا القانون عــ‪71‬ـدد لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في‬
‫‪220‬‬

‫ينص على كل طبيب يش ّخص أو يعالج مرضا ساريا أو‬


‫ّ‬ ‫‪ 27‬جويلية ‪ 1992‬المتعلق باألمراض السّارية الذي‬
‫بالسر‬
‫ّ‬ ‫سري السلطة الصحيّة وال يعتبر مخالّ بواجب اإلحتفاظ‬
‫قابال أن يكون كذلك أن يعلم بواسطة مكتوب ّ‬
‫المهني‪ 221،‬لكن الفرق بين هذه القوانين ومجلة حماية الطفل هو أن األولى ال تفرض واجب اإلشعار سوى‬
‫ّ‬
‫الموظفين وذلك عند حصول الجريمة أو المرض بينما الثانية تلزم به جميع فئات‬ ‫على صنف معيّن من‬
‫‪222‬‬
‫المجتمع وذلك بصفة وقائية‪.‬‬

‫صت عليه عدّة تشريعات‬


‫ومن ناحية أخرى فإن واجب اإلشعار ال ينفرد به المشرع التونسي فقط بل ن ّ‬
‫أجنبيّة من ذلك التشريع الفرنسي من خالل الفصل ‪ 62‬من مجلة اإلجراءات الفرنسيّة الذي يفرض على كل‬
‫‪223‬‬
‫يتعرض لها الطفل‪.‬‬
‫شخص اإلشعار بالحالة الخطرة التي ّ‬

‫إن واجب اإلشعار الذي جاءت به م ح ط له أبعاد إنسانية واجتماعيّة وأخالقيّة فهو يستمدّ مرجعيّته‬
‫مقومات حضارتنا العربيّة اإلسالميّة التي تدعو إلى التآخي والتضامن‬
‫وخلفيّته الفكريّة والفلسفيّة ‪ 224‬من ّ‬
‫وحبّ اآلخر‪ .‬ويساهم اإلشعار بوصفه واجبا في ترسيخ الوعي بالمسؤولية تجاه الطفل لدى كافة المواطنين‬
‫لغاية إرساء مجتمع متضامن‪ ،‬إال أن الواقع العملي يبيّن نسبيّة نجاعة آلية اإلشعار‪ ،‬فهناك العديد من األطفال‬
‫المهدّدين الذين ال يجدون من يساعدهم وينقذهم من الخطر الذي يحيط بهم‪ ،‬فالوعي بأهميّة واجب اإلشعار‬
‫لم يدخل بعد بصفة راسخة في تقاليدنا اليومية‪.‬‬

‫كما ضبط المشرع شروطا للقيام باإلشعار‪.‬‬

‫‪ -2‬شروط القيام باإلشعار‪:‬‬

‫تنقسم شروط القيام باإلشعار إلى شروط جوهرية وشروط شكلية‪:‬‬

‫• الشروط الجوهرية‪:‬‬

‫اعتمادا على ما جاء بالفصلين ‪ 31‬و ‪ 32‬من م ح ط ّ‬


‫فإن اإلشعار يكون في حالة وجود طفل مهدّد‬
‫على معنى الفصل ‪ 20‬من م ح ط‪ ،‬ومندوب حماية الطفولة هو من يت ّم إشعاره بهذه الحالة الصعبة‪ .‬فالفصل‬
‫للسر المهني القيام بإشعار مندوب حماية‬
‫ّ‬ ‫‪ 31‬في فقرته األولى أوجب على كل شخص بمن في ذلك الخاضع‬
‫تعرضه إلى االستغالل الجنسي‪.225‬‬ ‫الطفولة كلّما ّ‬
‫تعرض الطفل إلى سوء المعاملة بصفة اعتيادية أو ّ‬

‫‪ - 220‬خديجة المدني‪ :‬واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل‪ .‬م ق ت جانفي ‪ .1999‬ص ‪.236‬‬
‫‪ - 221‬فتحي اإلنقليز‪ :‬واجب اإلشعار‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 222‬خديجة المدني‪ :‬واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.237‬‬
‫‪ - 223‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.87‬‬
‫‪ - 224‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.108‬‬
‫‪- 225‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.175‬‬

‫‪63‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫وطبق الفقرة ‪ 2‬من نفس الفصل المذكور فإن "لكل شخص إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن‬
‫له أن هناك ما يهدّد صحة الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية على معنى بقيّة الفقرات الواردة بالفصل‬
‫‪ 20‬من هذه المجلة"‪.‬‬

‫فالتبليغ عن الحاالت المهدّدة بالخطر في اإلبّان وإيجاد السّبل السّريعة لعالجها من أوكد واجبات‬
‫أقر الفصل ‪ 32‬من م ح ط واجب "كل شخص راشد مساعدة أي طفل‬
‫اإلنسان تجاه أخيه اإلنسان‪ ،226‬حيث ّ‬
‫يتقدم له قصد اعالم مندوب حماية الطفولة أو إشعاره بوجود حالة صعبة تهدّد الطفل أو أحد إخوته أو أي‬
‫صدد أن الفقرة األولى من‬
‫طفل آخر على معنى الفصل ‪ 20‬من هذه المجلة"‪ ،‬وتجدر اإلشارة في هذا ال ّ‬
‫الرشد في الشخص الذي يقوم بإشعار مندوب حماية الطفولة في حالة‬
‫الفصل ‪ 31‬م ح ط ال تشترط صفة ّ‬
‫وجود طفل مهدّد على معنى الفقرتين (د و هـ) من الفصل ‪ 20‬من نفس المجلة‪ .‬وهذا الصمت يفتح المجال‬
‫لغير الراشدين بأن يضطلعوا بدور اإلشعار ل ّما يتبيّن لهم أن طفال مهدّدا بموجب إحدى هاتين الوضعيتين‬
‫‪227‬‬
‫أو كليهما‪.‬‬

‫وما نستخلصه هو أن كل من يعلم بوجود طفل في حالة صعبة سواء علم شخصي أو عن طريق‬
‫الغير‪ 228‬يمكنه أن يشعر مندوب حماية الطفولة بذلك‪.‬‬

‫• الشروط الشكلية‪:‬‬

‫صة بذلك‪ .‬فاإلشعار‬


‫لم تضبط أحكام م ح ط شروطا شكليّة لإلشعار إذ لم تحدّد آجال أو إجراءات خا ّ‬
‫كتدبير قانوني وقائي يتمثّل في اإلعالم عن حسن نيّة من طرف كل شخص وبكل الوسائل المتاحة لمندوب‬
‫‪229‬‬
‫حماية الطفولة بوجود حاالت حرجة تهدّد الطفل الذي ال طاقة له على تجاوزها بمفرده‪.‬‬

‫ويت ّم اإلشعار عن طريق ثالث وسائل‪ :‬اإلشعار المباشر وذلك بالتوجه مباشرة إلى مكتب مندوب‬
‫عرض لها الطفل‪ ،‬واإلشعار عن طريق الهاتف‪ ،‬واإلشعار‬
‫حماية الطفولة وإعالمه بوضعية التهديد التي يت ّ‬
‫الرقم األخضر ‪ 80 100 010‬من داخل‬
‫بالمراسلة‪ .‬ويمكن اإلتصال بمندوب حماية الطفولة عن طريق ّ‬
‫المنطقة الترابية لكل والية‪.230‬‬

‫وإن لم يضبط المشرع شروطا شكلية خاصة لإلشعار وجعله متاحا بكل الوسائل فإنه في المقابل‬
‫ضبط نظاما قانونيا له‪.‬‬

‫‪ - 226‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهدّدة في التشريع التونسي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬
‫‪ - 227‬حافظ بوكتيف‪ :‬واجب اإلشعار‪ .‬م ق ت مارس ‪ .1997‬ص ‪.215‬‬
‫الردادي‪ :‬مندوب حماية الطفولة ‪ :‬مرجع سابق ص ‪.28‬‬ ‫‪ - 228‬نجالء ّ‬
‫‪229 http:// www.enfants-tunisiens.tn/adulte/ lois.htm‬‬
‫‪230 http:// www.enfants-tunisiens.tn/adulte/ lois.htm‬‬

‫‪64‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫ب‪ -‬النظام القانوني لإلشعار‪:‬‬

‫وأقر ضمانات للقيام به (‪ )2‬كما‬


‫ّ‬ ‫لقد ضبط المشرع من خالل فصول م ح ط أنواع اإلشعار (‪)1‬‬
‫أقر أيضا جزاء عند اإلخالل بهذا الواجب (‪.)3‬‬

‫‪ -1‬أنواع اإلشعار‪:‬‬

‫هناك نوعان من اإلشعار‪ :‬اإلشعار الوجوبي واإلشعار اإلختياري‪.‬‬

‫• اإلشعار الوجوبي‪:‬‬

‫استنادا إلى ما جاء بالفصلين ‪ 31‬و ‪ 32‬م ح ط فإن اإلشعار يكون وجوبيا في ثالث حاالت‪:‬‬

‫صت عليها الفقرة األولى من الفصل ‪ 31‬من م ح ط حيث ألزم المشرع من خاللها كل‬
‫الحالة األولى ن ّ‬
‫شخص بمن في ذلك الخاضع للسّر المهني بضرورة إشعار مندوب حماية الطفولة كلّما تبيّن له أن هناك‬
‫ما يهدّد صحة الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية على معنى الفقرتين (د وهـ) من الفصل ‪ 20‬من نفس‬
‫المجلة المذكورة ويقصد هنا حالتي اعتياد سوء معاملة الطفل واستغالل الطفل ذكرا كان أو أنثى جنسيا‬
‫واللّتين تناولهما على التوالي كل من الفصلين ‪ 24‬و ‪ 25‬من م ح ط‪.‬‬

‫للسر المهني في هذه الحالة يمثّل استثناء للقاعدة العامة التي‬


‫ّ‬ ‫فواجب اإلشعار المنوط بعهدة الخاضع‬
‫للسر المهني مطالب بالمحافظة عليه بإعتباره مؤتمنا على أسرار الناس التي‬
‫ّ‬ ‫تقتضي بأن الشخص الخاضع‬
‫تودع عنده‪.231‬‬

‫وقد أوجب المشرع اإلشعار بالنسبة للحالتين المذكورتين بالفقرتين (د وهـ) نظرا لخطورة هاتين‬
‫ضارة ذات وقع سلبي خاص على حاضر الطفل وعلى مستقبله من النواحي‬
‫ّ‬ ‫الجريمتين لما لهما من تأثيرات‬
‫النفسيّة واألخالقية واإلجتماعية والجسدية‪.232‬‬
‫للسر المهني ونقصد هنا ّ‬
‫الطبيب ال يت ّم إال في‬ ‫ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى أن اإلشعار المطالب به الخاضع‬
‫فتعرض الطفل في مناسبة يتيمة إلى سوء المعاملة ألسباب قد تكون غير‬
‫ّ‬ ‫التعود‪،‬‬
‫ّ‬ ‫صورة توفّر ركن‬
‫الطبيب بإشعار مندوب حماية ّ‬
‫الطفولة‪.‬‬ ‫قصدية‪ 233‬ودون أن تلحق به أي ضرر ال يستوجب قيام ّ‬

‫صت عليها الفقرة األخيرة من نفس الفصل‬


‫وأما الحالة الثانية التي يكون فيها اإلشعار وجوبيا فقد ن ّ‬
‫أي الفصل ‪ 31‬م ح ط ويشمل اإلشعار هنا جميع الحاالت الصعبة المذكورة بالفصل ‪ 20‬م ح ط ولكن‬

‫‪- 231‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق ص ‪.110‬‬
‫‪ - 232‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪ - 233‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.110‬‬

‫‪65‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫المطالب بالقيام باإلشعار هنا هو كل شخص يتولى بحكم مهنته العناية باألطفال ورعايتهم كالمربّين واألطبّاء‬
‫خاص وقاية الطفل وحمايته من كل ما من شأنه‬
‫ّ‬ ‫وأعوان العمل اإلجتماعي وغيرهم م ّمن تعهد لهم بوجه‬
‫أن يهدّد صحته أو سالمته البدنية أو المعنوية‪.‬‬

‫لقد استعمل المشرع عبارة "وجوبا" في الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 31‬من م ح ط وذلك للتأكيد على وجوبية‬
‫اإلشعار بالنسبة لهؤالء األشخاص ويعود ذلك إلى طبيعة وخصوصيّة مهنهم وقربهم للطفل واحتكاكهم به‬
‫‪234‬‬
‫في الحياة اليوميّة‪.‬‬

‫نص عليها الفصل ‪ 32‬م ح ط حيث ح ّمل هذا الفصل‬


‫ويكون أيضا اإلشعار وجوبا في الحالة التي ّ‬
‫هذا الواجب على عاتق كل شخص راشد‪،‬إذ ألزم هذا األخير بواجب مساعدة أي طفل يتقدّم له قصد إعالم‬
‫مندوب حماية الطفولة أو إشعاره بوجود حالة صعبة تهدّد الطفل أو أحد إخوته أو أي طفل آخر على معنى‬
‫الفصل ‪ 20‬م ح ط‪.‬‬

‫ولكن نتساءل هنا هل أن اإلشعار الوجوبي أصبح فعال جزءا من ثقافة حقوق الطفل؟ وما مدى‬
‫الراشد بواجب مساعدة‬ ‫التزام الفئات المطالبة باإلشعار الوجوبي بهذا الواجب؟ وما مدى وعي ال ّ‬
‫شخص ّ‬
‫طفل مهدّد وإشعار مندوب حماية الطفولة بحالته؟‬

‫• اإلشعار اإلختياري‪:‬‬

‫لقد ترك الفصل ‪ 31‬م ح ط في فقرته الثانية المجال مفتوحا أمام كل شخص إلشعار مندوب حماية‬
‫الطفولة كلّما تبيّن له أن هناك ما يهدّد صحّة الطفل أو سالمته البدنيّة أو المعنويّة على معنى الحاالت‬
‫المذكورة بالفصل ‪ 20‬م ح ط باستثناء حالتي اعتياد سوء المعاملة واإلستغالل الجنسي حيث يكون اإلشعار‬
‫وجوبيا كما بيّنا سابقا‪ ،‬وكأن المشرع ترك مسؤولية ذلك إلى إرادة المواطن حسب درجة وعيه وحسّه‬
‫‪235‬‬
‫المدني‪.‬‬

‫إذا ما عدنا إلى عنونة القسم الثاني نجد أن المشرع وضع له عنوان "واجب اإلشعار" ث ّم نجد أن‬
‫اإلشعار ينقسم إلى إشعار وجوبي وإشعار اختياري‪ .‬والمالحظ هو أن لفظتي "واجب" و"اختياري"‬
‫تتعارضان في المعنى فالواجب يعني اإللتزام أما اإلختيار فال يفيد اإللتزام إذ أن الواجب ال يترك مجاال‬
‫‪236‬‬
‫لإلختيار وإنما يفرض فرضا‪.‬‬

‫‪ - 234‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.115‬‬
‫‪ - 235‬فتحي اإلنقليز‪ :‬واجب اإلشعار‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.6‬‬
‫‪ - 236‬خديجة المدني‪ :‬واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.241‬‬

‫‪66‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫كما نشير إلى أن هناك عقليّات سائدة تحاول التستّر والكتمان حول ما يحدث في العائلة باستثناء‬
‫يتعرف عليها أعوان المصالح اإلجتماعيّة ‪ 237‬م ّما يتسبّب‬
‫الحاالت الخطرة التي تعرض على العدالة أو التي ّ‬
‫في وجود عدد من األطفال في حاالت صعبة ولكن دون حماية ألنه لم يت ّم اإلعالم عنهم من أجل حمايتهم‬
‫المتكررة في مجتمعنا أطفال صغار‬
‫ّ‬ ‫من الخطر الذي يحيط بهم قبل فوات األوان‪ .‬فمن المشاهد اليوميّة‬
‫يتجولون في الشوارع أو بين وسائل النقل‬
‫ّ‬ ‫التسول وآخرون ينتصبون على الطرقات أو‬
‫ّ‬ ‫يستغلون في‬
‫التسول كما سبق وأن‬
‫ّ‬ ‫العمومي يبيعون بعض المأكوالت أو غير ذلك‪ ...‬وهو ما يعتبر شكال من أشكال‬
‫ذكرنا والحال أن ذلك الطفل كان ال ب ّد أن يكون في ذلك الوقت في المدرسة يمارس حقّه في التعليم‬
‫والنّمو ّالفكري والعقلي كباقي األطفال الذين هم في سنّه‪.‬‬

‫صعبة الواردة بالفصل ‪ 20‬م ح ط يكون من األجدى جعل اإلشعار في‬


‫فأمام خطورة كل الحاالت ال ّ‬
‫كل الوضعيات وجوبيّا من أجل ضمان مصلحة الطفل الفضلى‪.‬‬

‫ولتحقيق حماية أكثر نجاعة له إتّبع المشرع سياسة الترغيب عوضا عن سياسة التّهديد وذلك‬
‫بتشجيعه حتى عا ّمة الناس للقيام بواجب اإلشعار ‪ 238‬موفّرا لهم ضمانات للقيام به‪.‬‬

‫‪ -2‬ضمانات القيام باإلشعار‪:‬‬

‫إن الحماية التي توفّرها م ح ط للقائم باإلشعار هي حماية مزدوجة تتمثّل في عدم مؤاخذته جزائيّا‬
‫وفي عدم اإلفصاح عن هويّته‪.‬‬

‫• عدم مؤاخذة القائم باإلشعار جزائيا‪:‬‬

‫ينص الفصل ‪ 33‬من م ح ط على أنّه "ال يمكن مؤاخذة أي شخص قضائيّا من أجل قيامه عن حسن‬
‫ّ‬
‫نيّة باإلشعار على معنى األحكام السابقة" فسواء كان اإلشعار وجوبيّا أو اختياريا يحدث أن يكون في غير‬
‫محلّه عندما يثبت أن الخطر المدّعى أنه يهدّد الطفل ال وجود له فعال‪ 239،‬ومعنى ذلك أن من قام باإلشعار‬
‫عن حسن نيّة ال يؤاخذ إطالقا ولو ثبت أن اإلشعار بحالة تهديد ال أساس له من الصحة‪ .‬فالمشرع إذن ربط‬
‫م ّما يعني أن اإلشعار الكاذب لغايات كيديّة كتصفية الحسابات‬ ‫‪240‬‬
‫مبدأ عدم المؤاخذة بحسن النيّة‬
‫نص‬
‫يمكن أن يؤاخذ عليه صاحبه جزائيّا إذا ثبتت سوء نيّته وذلك إما على أساس الوشاية الباطلة التي ّ‬
‫صت عليها الفقرة األولى من الفصل‬
‫عليها الفصل ‪ 248‬م ج أوعلى أساس جنحة اإليهام بجريمة التي ن ّ‬
‫‪ 142‬من م‪.‬ج‪.‬‬

‫‪ - 237‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ -‬مداوالت مجلس النواب‪-‬عدد ‪ -4‬جلسة الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪.1995‬ص ‪.25‬‬
‫‪ - 238‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.174‬‬
‫‪ - 239‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.153‬‬
‫‪ - 240‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.117‬‬

‫‪67‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫فاإلشعار الخاطئ عن حسن نيّة ال يؤاخذ من قام به وذلك تشجيعا من المشرع وترغيبا في القيام‬
‫بواجب اإلشعار وكذلك تماشيا مع ما جاء بالفصل ‪ 12‬من الدّستور من أن "المتهم بريء إلى أن تثبت‬
‫إدانته" وما جاء أيضا بالفصل ‪ 37‬م ج من أنه "ال يعاقب أحد إال بفعل ارتكب قصدا"‪ ،‬وبالتالي يجب على‬
‫القائم باإلشعار أن يثبت حسن نيّته‪ ،‬وقد جاء في مداوالت مجلس النواب أن إثبات حسن النيّة " يكون بكل‬
‫الوسائل ويكون من مشموالت اجتهاد القاضي وذلك حسب الظروف والمعطيات المتوفرة لديه"‪ 241.‬وتجدر‬
‫اإلشارة أن اإلخالل بواجب اإلشعار اإلختياري ال يرتّب أي عقاب‪.‬‬

‫وإضافة إلى عدم المؤاخذة الجزائيّة‪،‬ولمزيد ترغيب المواطن في اإلشعار وكضمان آخر يوفّره‬
‫المشرع أقرت مجلة حماية الطفل منع اإلفصاح عن هويّة القائم باإلشعار‪.‬‬

‫• منع اإلفصاح عن هوية القائم باإلشعار‪:‬‬

‫ي الكتمان ‪ 242‬حيث جاء به ما يلي‬


‫فرض الفصل ‪ 34‬من م ح ط إبقاء هويّة القائم باإلشعار ط ّ‬
‫يقرها‬
‫"يمنع على أي شخص اإلفصاح عن هويّة من قام بواجب اإلشعار إال برضاه أو في الصور التي ّ‬
‫القانون"‪.‬‬

‫يتعرض له من أذى من‬


‫إن القصد من منع اإلفصاح عن هويّة من قام باإلشعار هو حمايته مما قد ّ‬
‫قبل من تسبّب للطفل في الوضعيّة الصعبة التي وجد فيها ال سيّما إذا آل اإلشعار إلى فصل الطفل عن‬
‫‪243‬‬
‫صعب من أجل جريمة ما‪.‬‬
‫والديه أو إذا آل إلى تتبّع الشخص المتسبّب في الوضع ال ّ‬

‫كما نفهم من الفصل ‪ 34‬المذكور أن مندوب حماية الطفولة مطالب بعدم اإلفصاح عن هويّة المشعر‬
‫السر المهني إال في الصور التي أباحها القانون‬
‫‪244‬‬
‫ّ‬ ‫بما أنه هو الذي يتلقى اإلشعارات‪ ،‬وال يجوز له إفشاء هذا‬
‫وأما إذا أفصح المندوب عن هويّة القائم باإلشعار دون رضاه وفي غير الصور القانونيّة فإن المندوب في‬
‫سرا مهنيّا كان قد أدّى اليمين القانونيّة في خصوص اإللتزام بالمحافظة عليه‬
‫هذه الحالة يكون قد أفشى ّ‬
‫المشرع جزاء‬
‫ّ‬ ‫بمقتضى الفصل ‪ 29‬م ح ط وبذلك يمكن أن يكون عرضة للتتبّع الجزائي‪ .‬وكذلك ّ‬
‫وقّّ ع‬
‫لكل من يخ ّل بواجب اإلشعار‪.‬‬

‫‪ -3‬جزاء اإلخالل بواجب اإلشعار‪:‬‬

‫‪ - 241‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪-‬مداوالت مجلس النواب‪ -‬عـ‪4‬دد‪ -‬جلسة يوم الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪ .1995‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 242‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق ‪.‬ص ‪.155‬‬
‫‪ - 243‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 244‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.155‬‬

‫‪68‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫أقر الفصل ‪ 119‬م ح ط عقابا بخطية مالية تتراوح بين ‪ 50‬و ‪ 100‬دينار في صورة مخالفة‬‫لقد ّ‬
‫أي شخص لمقتضيات الفقرتين األولى واألخيرة من الفصل ‪ 31‬وكذلك الفصلين ‪ 32‬و ‪ 34‬م ح ط‪.‬‬

‫فعدم القيام باإلشعار الوجوبي على معنى الفقرتين األولى والثالثة من الفصل ‪ 31‬م ح ط يعاقب عليه الفصل‬
‫‪ 119‬من نفس المجلة بخطية مالية تتراوح بين ‪ 50‬و ‪ 100‬دينار وتع ّد هذه الجريمة جنحة من اختصاص‬
‫محكمة الناحية‪.‬‬

‫وكذلك فإن المشرع رتّب نفس العقاب الجزائي في صورة امتناع المواطن العادي ّ‬
‫الرشيد ‪ 245‬عن‬
‫مساعدة أي طفل يتقدّم له قصد إعالم مندوب حماية الطفولة أو إشعاره بوجود حالة صعبة تهدّد الطفل أو‬
‫أحد إخوته أو أي طفل آخر على معنى الفصل ‪ 20‬من المجلّة وهذا حسب ما جاء بالفصل ‪ 32‬م ح ط‪.‬‬
‫وهذه الجريمة تحيلنا على جريمة اإلمتناع عن اإلنجاد القانوني طبق الفصل ‪ 143‬م ج‪ ،‬واإلحالة على معنى‬
‫مضرة فادحة أو وفاة ما كانت لتحصل لو قام المواطن‬
‫ّ‬ ‫هذه الجريمة يمكن أن يحصل إذا لحق بالطفل‬
‫‪246‬‬
‫بممارسة واجب اإلشعار وت ّم انتشال الطفل من الوضع الصعب الذي وجد فيه في البداية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فقد رتّب المشرع أيضا عقابا بخطية تتراوح بين ‪ 50‬و ‪ 100‬دينار عند مخالفة‬
‫صي من العقاب إال في‬
‫تحجير اإلفصاح عن هويّة القائم باإلشعار الوارد بالفصل ‪ 34‬م ح ط وال يمكن التف ّ‬
‫يقرها القانون‬
‫حالتين هما إثبات رضا من قام باإلشعار ورغبته في اإلفصاح عن هويّته أو في الصور التي ّ‬
‫‪247‬‬
‫ويقصد بها المشرع صور اإلستماع لمن قام باإلشعار بوصفه شاهدا‪.‬‬

‫ونجد كذلك أن الفصل ‪ 118‬م ح ط قد تض ّمن عقابا بخطية تتراوح بين ‪ 100‬و ‪ 200‬دينار لك ّل‬
‫من يتع ّمد إخفاء حقيقة وضع الطفل أو أدلى بتصريحات خاطئة مع علمه بأنها خاطئة وذلك لمنع مندوب‬
‫حماية الطفولة من القيام بمهامه سواء في حماية الطفل المهدّد أو في تنفيذ اتّفاق برنامج الحماية الذي‬
‫اختاره‪ 248.‬وإذا ثبتت صحّة اإلشعار وتحقّق مندوب حماية الطفولة من الحالة الصعبة التي يوجد فيها الطفل‬
‫فإنه يتخذ التدابير الحمائية المناسبة حسب خطورة الحالة‪.‬‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬اتّخاذ التدابير الحمائيّة من طرف مندوب حماية ال ّ‬


‫طفولة‪:‬‬
‫المشرع التّونسي الطفل المهدّد من سلطة تقف إلى جانبه وتعمل على تحديد مصلحته‬
‫ّ‬ ‫لقد م ّكن‬
‫لنموه وسالمته‪ 249،‬فمندوب‬
‫الفضلى وتوجيه العمل الوقائي الذي يتناسب وهذه المصلحة الفضلى ضمانا ّ‬

‫‪ - 245‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.114‬‬
‫‪ - 246‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.119‬‬
‫‪ - 247‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.120‬‬
‫‪ - 248‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.46‬‬
‫‪ - 249‬علي يوسف‪ :‬مندوب حماية الطفولة سند للطفل المهدّد‪ .‬م ق ت جانفي ‪ .1999‬ص ‪.209‬‬

‫‪69‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫حماية الطفولة يتحقّق من وضعية الطفل ويحلّـل األسباب التي أدّت إلى حالة التّهديد ث ّم يقترح التدابير‬
‫المالئمة إما ّ بحصول اتفاق جماعي بخصوص التدبير أو برفع األمر إلى قاضي األسرة‪ 250.‬ويسعى مندوب‬
‫بمجرد تع ّهده إلى اتّخاذ اإلجراء المناسب حسب خطورة الحالة الصعبة التي يوجد فيها‬
‫ّ‬ ‫حماية الطفولة‬
‫الطفل المهدّد ويعطي األولوية إلى التدابير اإلتفاقية (أ) وأ ّما إن كان يحيط بالطفل خطر محدق يهدّد حياته‬
‫وسالمته البدنية أو المعنوية فيمكن للمندوب أن يتخذ تدابير عاجلة (ب) إلبعاد الخطر عنه‪.‬‬

‫أ‪ -‬التّدابير اإلتفاقيّة‪:‬‬

‫الرابع وقد تناول بالفصول من ‪40‬‬


‫تعرض المشرع إلى التدابير اإلتفاقيّة بالفرع األول من القسم ّ‬
‫ّ‬
‫إلى ‪ 44‬محتوى هذه التدابير (‪ )1‬واإلجراءات المتّبعة في شأنها (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬محتوى التدابير‪:‬‬

‫استنادا إلى الفصل ‪ 43‬من م ح ط فإن المشرع لم يترك المجال لمندوب حماية الطفولة إلعمال‬
‫تصور التدابير اإلتفاقيّة التي يمكنه اقتراحها على الطفل‬
‫ّ‬ ‫حرية مطلقة في‬
‫سلطته التقديريّة حيث لم يمنحه ّ‬
‫وأبويه‪ 251،‬كما أن المشرع كان وفيّا من خالل الفصل المذكور للمبادئ العا ّمة لحماية الطفل التي أعلنها‬
‫صة مبدأ الحرص على إبقاء الطفل في محيطه‬ ‫في الفصول األولى من المجلّة ( من ‪ 1‬إلى ‪ ) 19‬وخا ّ‬
‫العائلي‪ ،‬لذلك نجد أن التدابير الثالثة األولى المقترحة بالفصل ‪ 43‬تهدف إلى إبقاء الطفل في عائلته وأما‬
‫التدبير اإلتّفاقي المذكور أخيرا فيهدف إلى فصل الطفل عن عائلته‪.‬‬

‫• إبقاء الطفل في عائلته‪:‬‬


‫إن ّ‬
‫الطبيعة البشريّة الطفوليّة تهفو دوما للعيش داخل إطار أسري‪ ،‬إحساسا بالدّفء العائلي وصوال‬ ‫ّ‬
‫للشعور باألمان واإلستقرار‪ 252،‬لذلك وسعيا من المشرع إلى ضمان مصلحة الطفل الفضلى التي ال تتحقّق‬
‫المشرع‬
‫ّ‬ ‫أقر‬
‫لنمو الطفل ورفاهه وصيانته‪ 253،‬فقد ّ‬
‫جو عائلي‪ ،‬ونظرا ألهميّة العائلة بالنسبة ّ‬
‫إال بعيشه في ّ‬
‫ضمن الفصل ‪ 43‬م ح ط جملة من التدابير الوقائيّة الهادفة إلى إبقاء الطفل في عائلته‪ .‬فالعائلة هي الوسط‬

‫‪ - 250‬علي يوسف‪ :‬مندوب حماية الطفولة سند للطفل المهدّد‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪ 208‬و ‪.209‬‬
‫‪ - 251‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.177‬‬
‫‪ - 252‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 253‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.177‬‬

‫‪70‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫الطبيعي الذي يتمتّع فيه الطفل بالحبّ والرعاية واإلهتمام بكل شؤونه وتوفير كل حاجياته المادية منها‬
‫‪254‬‬
‫والمعنوية‪ ،‬وهو ما اعتبرته اإلتّفاقيّة األمميّة لحقوق الطفل قرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس‪.‬‬

‫يمكن لمندوب حماية الطفولة وحسب الفقرة (أ) من الفصل ‪ 43‬من م ح ط أن يقترح إبقاء الطفل‬
‫في عائلته لكن في المقابل يجب على الوالدين أن يلتزما باتخاذ اإلجراءات الالّزمة لحماية الطفل وانتشاله‬
‫من الوضع الخطر الذي هو فيه وذلك في آجال محدّدة مع فرض رقابة دوريّة من طرف مندوب حماية‬
‫الطفولة حيث يمكن لهذا األخير مراقبة حسن تنفيذ إلتزام أبوي الطفل والوقوف على مدى احترام اآلجال‬
‫‪255‬‬
‫المحدّدة‪.‬‬

‫وأما التدبير اإلتّفاقي الوارد بالفقرة (ب) من نفس الفصل المذكور فيهدف أيضا إلى إبقاء الطفل في‬
‫عائلته لكن مع تنظيم طرق التدخل اإلجتماعي المالئم وذلك بالتعاون مع الهيئة المعنيّة بتقديم الخدمات‬
‫والمساعدة اإلجتماعية الالّزمة للطفل ولعائلته‪،‬ويحصل ذلك مثال في الحاالت الصعبة التي تهدّد سالمة‬
‫الطفل اليتيم صحبة إخوته‪ ،‬حيث يقتضي الحال اإلتيان بأحد األقارب للعناية بهم مع مدّهم بالمساعدة الماليّة‬
‫الالّزمة ‪ 256‬أو مثال في صورة مساعدة األبوين الفقيرين ومدّهما باإلعانة الماليّة حتى ال ّ‬
‫يعرضا الطفل‬
‫‪257‬‬
‫للتسول أو اإلستغالل اإلقتصادي‪.‬‬
‫ّ‬

‫أما الفقرة ( ج ) من نفس الفصل فيمكن لمندوب حماية الطفولة بموجبها أن يقترح إبقاء الطفل في‬
‫عائلته مع أخذ اإلحتياطات الالّزمة لمنع كل اتّصال بينه وبين األشخاص الذين من شأنهم أن يتسبّبوا له‬
‫صة في الحاالت الصعبة المنصوص عليها‬
‫فيما يهدّد صحته أو سالمته البدنية أو المعنويّة ويكون ذلك خا ّ‬
‫بالفقرات هـ ‪ ،‬و‪ ،‬ز من الفصل ‪ 20‬من م ح ط‪.‬‬

‫وفي خصوص "أخذ اإلحتياطات الالّزمة" أوضحت وزارة الشباب والطفولة أن مندوب حماية الطفولة‬
‫يتولى اتّخاذ اإلحتياطات التي يفرضها الواقع وهي تختلف في شكلها ومضمونها من حالة إلى أخرى وال‬
‫‪258‬‬
‫يمكن والحالة تلك حصر هذه اإلحتياطات‪.‬‬

‫خول لمندوب حماية الطفولة أن يتّخذ تدبيرا بفصل الطفل عن عائلته‪.‬‬


‫كما أن المشرع ّ‬

‫• فصل الطفل عن عائلته‪:‬‬

‫‪- 254‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.223‬‬
‫‪ - 255‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.178‬‬
‫‪ - 256‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.178‬‬
‫‪ - 257‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.178‬‬
‫‪ - 258‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ -‬مداوالت مجلس النواب‪-‬عدد ‪ -4‬جلسة يوم الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪ .1995‬ص ‪.26‬‬

‫‪71‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫حسب الفقرة (د) من الفصل ‪ 43‬من م ح ط ‪ ،‬يمكن لمندوب حماية ّ‬
‫الطفولة أن يودع الطفل المهدّد‬
‫بصفة مؤقّـتة لدى عائلة أو أية هيئة أو مؤسّسة اجتماعية أو تربويّة أخرى مالئمة‪ ،‬عموميّة كانت أو‬
‫صة‪ ،‬وعند اإلقتضاء بمؤسّسة استشفائيّة وذلك طبقا للقواعد المعمول بها‪.‬‬
‫خا ّ‬

‫هذا التدبير الوارد بالفقرة( د) هو التدبير الوحيد الذي يقتضي إبعاد الطفل عن عائلته‪ 259،‬وبالتحديد‬
‫‪260‬‬
‫عندما يكون الخطر الملّـ ّم بالطفل متأتّـيا من أفراد عائلته وخاصة من أحد أبويه أو كليهما‪.‬‬

‫وبما أن الفكرة المركزيّة هي أخذ مصلحة الطفل باإلعتبار ‪ 261‬وهو ما يقتضي إبعاده وفصله عن محيطه‬
‫معرضا العتياد سوء المعاملة أو إلى اإلساءة الجنسيّة أو استغالله اقتصاديّا أو في‬
‫العائلي حيث يكون إ ّما ّ‬
‫‪262‬‬
‫أنشطة توصف بإرهابية‪.‬‬

‫ونظرا لهذا الوسط الذي يعيش فيه الطفل والذي يش ّكل خطورة كبيرة عليه‪ ،‬فإن مندوب حماية‬
‫الطفولة وكما سبق وأن ذكرنا يتّـخذ تدبيرا بإبعاده عن عائلته وإيداعه لدى عائلة بديلة أو مؤسسة اجتماعية‬
‫أو استشفائية إذا اقتضى األمر ذلك‪ ،‬فتونس وإن كان لها العديد من المؤسّسات الها ّمة سواء منها التي تتابع‬
‫وضعيّة األطفال اجتماعيّا أو نفسيّا أو التي تحتضنهم منذ فقدانهم السند العائلي إال أن العائالت البديلة أو‬
‫عائالت اإلستقبال التي ورد ذكرها في العديد من فصول مجلة حماية الطفل بقيت حبرا على ورق ضرورة‬
‫أنه ليس لها وجود واقعا ‪ 263‬إالّ من كفلت طفال طبقا لقانون اإليداع العائلي أي عند عائلة ما بمقابل مادّي‬
‫‪ 264‬وهنا ال ب ّد أن تكثّـف المؤسسات اإلجتماعية والتربوية من جهودها‪ ،‬كما يجب القيام بحمالت توعوية‬
‫جدّية تكون موجّهة للعائالت لتحسيسهم بأهمية رعاية أي طفل ولو كان غريبا عنها‪ 265،‬وكذلك ال ب ّد من‬
‫‪266‬‬
‫تخصيص فضاء إعالمي لهذا الغرض‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى وبالنسبة للمؤسسات اإلجتماعيّة التي يودع بها مندوب حماية الطفولة األطفال المهدّدين‬
‫الرضّع‬
‫فنجد المعهد الوطني لرعاية الطفولة الذي يقوم بإيواء ورعاية الطفولة الفاقدة للسند العائلي من ّ‬
‫‪267‬‬
‫واألطفال دون السّت سنوات والذين يطلق عليهم اسم محضوني الدّولة‪.‬‬

‫‪ - 259‬محضر تدبير اتفاقي عــ‪162/10‬ــدد( أنظر الملحق عدد ‪.)1‬‬


‫‪ - 260‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.180‬‬
‫‪261‬‬
‫‪- Renucci Jean-François :Enfance délinquante et enfance en danger. Editions du CNRS.Paris 1990.P21.‬‬
‫‪ - 262‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.180‬‬
‫‪ - 263‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد مرجع سابق‪ .‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 264‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.99‬‬
‫‪ - 265‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.31‬‬
‫‪ - 266‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.32‬‬
‫‪ - 267‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.80‬‬

‫‪72‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫وأ ّما األطفال بين السادسة والثامنة عشرة فإن المزاولين منهم للتعليم أو المتابعين لتكوين مهني‬
‫تتكفّل بهم المراكز المندمجة للشباب والطفولة‪ ،‬وأ ّما غير المزاولين للتعليم وال يتابعون أي تكوين مهني‬
‫فيت ّم قبولهم من طرف مراكز اإلحاطة والتّوجيه اإلجتماعي‪.‬‬
‫‪268‬‬

‫ولكن ال ب ّد من التأكيد على ضرورة إعطاء األولويّة للتدابير التي تكفل بقاء الطفل في محيطه‬
‫‪269‬‬
‫نموا متوازنا صلب الخليّة الطبيعيّة التي ينسب إليها‪.‬‬
‫العائلي بما يكفل له ّ‬

‫ولكي يتخذ مندوب حماية الطفولة إحدى هذه التدابير اإلتفاقية عليه أن يتّبع إجراءات معيّنة في‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ -2‬إجراءات التدابير‪:‬‬

‫يضبط الفصل ‪ 40‬من م ح ط إجراءات التدابير اإلتفاقية التي اتّخذها مندوب حماية الطفولة قبل‬
‫حصول اإلتفاق بين األطراف المعنيّة وبعده‪.‬‬

‫• اإلجراءات السابقة لحصول اإلتّفاق‪:‬‬

‫صبغة اإلتّفاقية فإنه يبادر باإلتصال‬


‫إذا اتّجه مندوب حماية الطفولة إلى اتخاذ التدابير المالئمة ذات ال ّ‬
‫بالطفل وبأبويه أو بمن له النظر قصد التشاور معهم حول التدابير التي من الممكن اتخاذها ‪ 270‬لرفع حالة‬
‫التهديد التي يوجد فيها الطفل‪ .‬فهذا التشاور من أجل الوصول إلى اتفاق جماعي فيه أخذ بعين اإلعتبار‬
‫صة من حيث البرامج التكوينيّة التي يروم الخضوع إليها‪ 271،‬كما أن‬
‫لرأي الوالدين ولميوالت الطفل خا ّ‬
‫تشريك الجميع في البحث في التدبير المالئم للطفل يعتبر تكريسا للحوار وتعميقا للتفكير حول وضعية‬
‫‪272‬‬
‫الطفل المهدّد والحلول المناسبة لمعالجتها‪.‬‬
‫أقر حق ّ‬
‫الطفل في التعبير عن أرائه والمشاركة في‬ ‫وال ب ّد من التذكير هنا ّ‬
‫بأن الفصل ‪ 10‬من م ح ط ّ‬
‫أن المقصود باآلراء هو ما يبديه ّ‬
‫الطفل من‬ ‫ّ‬
‫والطفولة ّ‬ ‫صة به‪ ،‬وقد أوضحت وزارة الشباب‬
‫التدابير الخا ّ‬
‫‪273‬‬ ‫أفكار ومالحظات واقتراحات تساعد على فهم وضعيّته ّ‬
‫بدقّّ ة‪.‬‬

‫• اإلجراءات الالّحقة لحصول اإلتفاق‪:‬‬

‫‪ - 268‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.48‬‬


‫‪ - 269‬لطفي الدّواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.87‬‬
‫‪ - 270‬لطفي الدّواس‪ :‬خواطر حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 271‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 272‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.170‬‬
‫‪ - 273‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪ .‬مداوالت مجلس النواب‪.‬عـ‪4‬دد‪.‬جلسة يوم الثالثاء ‪.1995/10/31‬ص‪.23‬‬

‫‪73‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫عمال بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل ‪ 40‬من م ح ط فإنّه في صورة حصول اإلتفاق يت ّم تدوينه‬
‫وتقع تالوته على مختلف األطراف بما في ذلك الطفل إذا بلغ الثالثة عشر عاما‪.‬‬

‫الرجوع‬
‫الرسمية على اإلتفاق وتكوينا لحجّة يمكن لمختلف األطراف ّ‬
‫صبغة ّ‬
‫وتعتبر شكلية التدوين إضفاء لل ّ‬
‫‪274‬‬
‫إليها‪ ،‬واإلستناد عليها عند اإلقتضاء‪.‬‬

‫أن هناك نماذج مختلفة لمحاضر اتّفاق موضوعة على ذ ّمة مندوبي حماية‬
‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫صة بكل حالة‪ ،‬بصفة دقيقة وواضحة‪ ،‬لتحقق الشروط‬ ‫ّ‬
‫الطفولة حيث يكفيهم تعمير المطبوعات الخا ّ‬
‫‪275‬‬
‫القانونية‪.‬‬

‫وتتض ّمن المطبوعة تاريخ انعقاد اإلجتماع وهويّة المشاركين فيه وصورة مل ّخصة عن وضعيّة‬
‫‪276‬‬ ‫ّ‬
‫الطفل والتدبير المتّخذ في شأنه مع إمضاء األطراف‪.‬‬

‫ومن شكليّات اإلتفاق ‪ 277‬أيضا أنّه يقع تالوته على مختلف األطراف بما في ذلك الطفل المهدّد إذا‬
‫‪278‬‬
‫بلغ الثالثة عشر من عمره لتمتّعه بالتّمييز وقدرته على فهم مضمون اإلتّـفاق‪.‬‬

‫ومن المالحظ هنا أنّه قد يبدو من الغرابة بمكان ‪ّ 279‬‬


‫أن المشرع في الفقرة األولى من الفصل ‪40‬‬
‫ي المالئم له دون أن يشترط قدرة هذا ّ‬
‫الطفل على‬ ‫أقر مشاركة ّ‬
‫الطفل في اتّخاذ التّدبير اإلتفاق ّ‬ ‫م ح ط قد ّ‬
‫الطفل مطلقة‪ ،‬بينما في الفقرة الثانية من نفس الفصل المذكور اعتبره غير آهل‬ ‫التّمييز‪ ،‬بل وردت عبارة ّ‬
‫للحضور لعمليّة تالوة اإلتفاق الذي يعنيه إالّ متى بلغ عمره ثالثة عشر عاما كاملة‪ 280،‬ولكن يبدو ّ‬
‫أن‬
‫المشرع كان في الفقرة األولى يقصد كذلك الطفل المميّز أي أن عبارة " بلغ ّ‬
‫سن الثالثة عشر عاما" الواردة‬ ‫ّ‬
‫يجرنا إلى اقتراح تعديل هذا النّص وإضافة عبارة‬
‫بالفقرة الثانية تنسحب أيضا على الفقرة األولى وهو ما ّ‬
‫‪281‬‬
‫المشرع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫" مميّز" لفقرته األولى حتّى يصبح النّص متناسقا ويؤدّي المعنى الّذي قصده‬

‫تنص أحكام المجلّة على قابليّة التدابير اإلتفاقيّة للطعن فإنّها أعطت في المقابل لمندوب‬
‫ّ‬ ‫ولئن لم‬
‫حماية الطفولة صالحيّة متابعة نتائج تلك التّدابير ومراجعتها بما يضمن قدر اإلمكان ابقاء ّ‬
‫الطفل في محيطه‬

‫‪ - 274‬مح ّمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلّة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.170‬‬
‫الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪170‬‬ ‫‪ - 275‬مح ّمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلّة حماية ّ‬
‫الطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪41‬‬ ‫الردادي‪ :‬مندوب حماية ّ‬
‫‪ - 276‬نجالء ّ‬
‫ي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.262‬‬ ‫‪ - 277‬رضا خماخم‪ّ :‬‬
‫الطفل والقانون الجزائي التونس ّ‬
‫‪ - 278‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلّة حماية ّ‬
‫الطفل المهدّد‪.‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪171‬‬
‫‪ - 279‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية ّ‬
‫الطفل المهدّد مرجع سابق‪ .‬ص ‪.86‬‬
‫الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.86‬‬‫‪ - 280‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية ّ‬
‫الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.86‬‬ ‫‪ - 281‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية ّ‬

‫‪74‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫وهو ما جاء بالفصل‪ 44‬من م‬ ‫‪282‬‬
‫العائلي وعدم فصله عن أبويه أو إرجاعه إليهما في أقرب وقت ممكن‬
‫ح ط‪.‬‬

‫ومن خالل الفصل ‪ 41‬من م ح ط نتبيّن أن مندوب حماية الطفولة يقوم بالعمل التوعوي والتوجيهي‬
‫ومتابعة الطفل ومساعدة األسرة سواء بطلب من األبوين أو أحدهما أو الحاضن أو المقدّم على الطفل أو‬
‫المتع ّهد بالرعاية أو أية جهة أخرى‪ ،‬كما أن المندوب مطالب بإعالم قاضي األسرة بكل الملفات المتعهد‬
‫بها ضمن مل ّخص شهري‪ ،‬ما لم يتراء للقاضي وجوب إنهاء كامل الملف إليه‪ ،‬وهنا نالحظ أن مندوب‬
‫حماية الطفولة يخضع إلى رقابة قاضي األسرة‪.‬‬

‫صل إلى اتّفاق في أجل عشرين يوما‬


‫أقر أنه في صورة عدم التو ّ‬
‫وأ ّما الفصل ‪ 42‬من م ح ط فقد ّ‬
‫من تاريخ تع ّهد مندوب حماية الطفولة أو في صورة نقض اإلتّفاق من قبل الطفل أو أبويه أو من له النظر‪،‬‬
‫فإن المندوب يرفع األمر إلى قاضي األسرة‪ ،‬مع اإلشارة وأن نفس الفصل المذكور قد أوجب على مندوب‬
‫حماية الطفولة إعالم األبوين والطفل البالغ من العمر ثالث عشرة سنة بحقّهم في رفض التدبير المقترح‬
‫عليهم‪.‬‬

‫وكما يتّخذ مندوب حماية الطفولة تدابير اتّفاقيّة في شأن الطفل المهدّد فإنه يمكن كذلك اتخاذ تدابير‬
‫عاجلة نظرا لخطورة الحالة‪.‬‬

‫ب‪ -‬التدابير العاجلة‪:‬‬


‫لقد ّ‬
‫نظم المشرع التّدابير العاجلة من خالل الفرع الثاني من القسم الرابع الوارد تحت عنوان "‬
‫تدابير الحماية" حيث حدّد محتوى هذه التدابير (‪ )1‬وبيّن اإلجراءات المتّبعة في شأنها (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬محتوى التدابير‪:‬‬

‫إن مصلحة الطفل هي أساس كل القوانين والتدابير واإلجراءات المتعلّقة بالطفل‪ 283،‬وهي مبدأ‬
‫قانوني كرسته اتفاقية حقوق الطفل في المادّة ‪ 3‬وأ ّكدت عليه م ح ط في الفصل ‪ 4‬الذي ّ‬
‫أقر أيضا ضرورة‬
‫مراعاة حاجيات الطفل األدبيّة والعاطفيّة والبدنيّة‪ ،‬وكذلك سنّه وصحّته ووسطه العائلي وكل ما يتعلّق‬
‫بوضعه‪.‬‬

‫وضمانا لمصلحة الطفل الفضلى التي تستوجب في بعض الحاالت الخطرة تد ّخال عاجال‪ّ ،‬‬
‫أقر‬
‫الفصل ‪ 45‬من م ح ط إمكانيّة اتّخاذ مندوب حماية الطفولة بصفة مؤقّتة لتدابير عاجلة‪ 284‬وذلك في حاالت‬

‫‪ - 282‬رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.262‬‬


‫‪ - 283‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 284‬محضر تدبير عاجل عـــــ‪65/10‬ــــدد(أنظر الملحق عدد ‪.)1‬‬

‫‪75‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫التشرد واإلهمال‪ .‬كما بيّن نفس الفصل أن هذه التدابير ترمي إلى وضع الطفل بمؤسّسة إعادة تأهيل أو‬
‫ّ‬
‫بمركز استقبال أو بمؤسسة استشفائيّة أو لدى عائلة أو هيئة أو مؤسّسة اجتماعيّة أو تعليميّة وذلك طبقا‬
‫والتشرد تناولهما المشرع بالفصلين ‪ 21‬و ‪ 22‬من م ح‬
‫ّ‬ ‫للقواعد المعمول بها‪ .‬وللتذكير فإن حالتي اإلهمال‬
‫تعرضنا لهما ضمن حاالت الخطر المل ّم التي يمكن أن يجد الطفل نفسه فيها‪.‬‬
‫ط وقد سبق وأن ّ‬

‫وهذه التدابير العاجلة تقتضي اتّباع إجراءات معيّنة من أجل تنفيذها‪.‬‬

‫‪ -2‬إجراءات التدابير‪:‬‬

‫تخضع التدابير الوقائيّة العاجلة التي يمكن لمندوب حماية الطفولة اتّخاذها بمقتضى الفصل ‪ 45‬من‬
‫م ح ط إلى إذن قضائي عاجل يسلّـم طبقا ألحكام الفصل ‪ 35‬من نفس المجلة المذكورة وذلك ما ن ّ‬
‫صت‬
‫عليه الفقرة الثانية من الفصل ‪ 45‬سابق الذكر‪.‬‬

‫وهذا اإلذن العاجل يصدره قاضي األسرة بناء على مطلب يقدّمه مندوب حماية الطفولة على ورق‬
‫عادي‪ ،‬ووجوبيّة الحصول على هذا اإلذن تتماشى مع ّ‬
‫الطبيعة اإلستثنائيّة لهذه التدابير‪ 285،‬كما أن وزارة‬
‫محررة بطريقة واحدة لتنظيم وتوحيد طريقة العمل بينها‬
‫ّ‬ ‫الشباب والطفولة وضعت نسخا من هذا اإلذن‬
‫‪286‬‬
‫وبين مختلف المحاكم بتراب الجمهوريّة وبين مندوبي حماية الطفولة‪.‬‬

‫وعلى خالف التدبير اإلتّفاقي فإن التدبير العاجل ال يستوجب التشاور مع األطراف المعنيّة أي‬
‫الطفل وأبويه بل يعلمهم مندوب حماية ّ‬
‫الطفولة بالتدبير العاجل الذي يحدّده ويأخذ رأيهم بشأنه ما لم يتع ّذر‬
‫نص عليه الفصل ‪ 47‬من م ح ط‪.‬‬
‫عليه ذلك وهو ما ّ‬

‫وما يمكن مالحظته بخصوص هذا الفصل هو أن المشرع استعمل عبارة " التدابير العاجلة التي‬
‫حدّدها" أي مندوب حماية الطفولة والواقع أنه لم يحدّدها وإنما أذن بها قاضي األسرة حسب الفصل ‪45‬‬
‫وما يثير بعض اإلستغراب بخصوص أحكام هذا الفصل أيضا هو أخذ رأي الطفل وأبويه‬ ‫‪287‬‬
‫من م ح ط‪.‬‬
‫بشأن التدبير العاجل الذي أذن به قاضي األسرة‪ ،‬وهنا نتساءل ما الفائدة في أخذ رأي الطفل وأبويه بشأن‬
‫تدبير عاجل اتّخذ في ّ‬
‫حق طفل مهدّد وفي حالة خطر مل ّم وهو ما يدعو إلى التعجيل بالتدخل لحمايته قبل‬
‫فوات األوان؟‬

‫‪ - 285‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.106‬‬
‫‪ - 286‬نجالء الردادي‪ :‬مندوب حماية الطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.43‬‬
‫‪ - 287‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.190‬‬

‫‪76‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫فالتدابير العاجلة التي تتّـخذ في حاالت الخطر المل ّم تأخذ طابعا يمكن وصفه باستعجال‬
‫‪288‬‬
‫اإلستعجال‪.‬‬

‫فحسب ما جاء بالفصل ‪ 46‬من م ح ط فإن مندوب حماية الطفولة في حاالت الخطر المل ّم " يمكن‬
‫بالقوة العا ّمة ووضعه بمكان آمن وتحت‬
‫ّ‬ ‫أن يبادر بإخراج الطفل من المكان الموجود فيه ولو باإلستنجاد‬
‫عرف نفس الفصل المذكور الخطر المل ّم بأنه‬
‫مسؤوليته الشخصيّة مع مراعاة حرمة محالت السّكنى"‪ .‬كما ّ‬
‫"كل عمل إيجابي أو سلبي يهدّد حياة الطفل أو سالمته البدنية أو المعنوية بشكل ال يمكن تالفيه بمرور‬
‫الوقت"‪.‬‬

‫نص عليها الفصل ‪ 46‬تقتضي لمواصلة‬


‫واستنادا إلى الفصل ‪ 48‬من م ح ط فإن هذه التدابير التي ّ‬
‫يقر بصبغتها اإلستعجاليّة وذلك في أجل أقصاه ‪ 24‬ساعة‪ ،‬وفي جميع‬
‫تطبيقها الحصول على إذن قضائي ّ‬
‫الحاالت فإن إذن قاضي األسرة يكون ساري المفعول لم ّدة ال تتجاوز الخمسة أيام ما لم يتع ّهد بالقضيّة من‬
‫حيث األصل‪ ،‬إال أن الفصل ‪ 49‬من م ح ط جاء باستثناء لما ورد ذكره بالفصل ‪ ، 48‬حيث اقتضى إمكانية‬
‫مواصلة تطبيق التدبير العاجل من طرف مندوب حماية الطفولة بعد انتهاء أجل األربع وعشرين ساعة‬
‫وإلى غاية اليوم الموالي في صورتين وهما‪ّ :‬أوال إذا وافق ذلك األجل يوم األحد وثانيا إذا وافق ذلك األجل‬
‫يوم عطلة رسميّة‪ ،‬وذلك إذا كان توقيف التدبير العاجل من شأنه أن يتسبّب في ضرر فادح ّ‬
‫للطفل‪.‬‬

‫صعب الذي هو‬


‫ودائما في إطار تحقيق مصلحة الطفل الفضلى ومساعدته على تجاوز الوضع ال ّ‬
‫فيه‪ ،‬فإن مندوب حماية الطفولة وعمال بمقتضيات الفصل ‪ 50‬من م ح ط يسعى طوال مدّة تطبيق التدابير‬
‫والرعاية اإلجتماعية والنفسيّة المالئمة وال يحتاج في ذلك‬
‫العاجلة إلى تقديم كل أنواع المساعدة الصحيّة ّ‬
‫إلى الحصول على إذن مسبّق من طرف قاضي األسرة ضرورة أن تلك اإلحاطة بالطفل تكون عادة إيجابية‬
‫وال يخشى منها على مصلحته‪ 289.‬وعمال بمقتضيات الفصل ‪ 39‬من م ح ط فيمكن لمندوب حماية ّ‬
‫الطفولة‬
‫يقرر رفع األمر إلى قاضي األسرة مباشرة دون اللّجوء إلى اتّخاذ التّدابير اإلتّفاقيّة ويكون ّ‬
‫الطفل المهدّد‬ ‫أن ّ‬
‫بذلك خاضعا للحماية القضائيّة‪.‬‬

‫‪ - 288‬رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.262‬‬
‫‪ - 289‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.197‬‬

‫‪77‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬

‫الفصل الثّاني‪ :‬الحماية القضائيّة للطفل‬


‫المهدّد‬
‫تبعا لنجاح ّ‬
‫خطة قاضي األسرة في معالجة المسائل المتعلّقة بالطالق واعتبار الطفل هو مستقبل‬
‫األسرة‪ 290،‬فقد ت ّم التوسّع في اختصاص قاضي األسرة بمقتضى مجلة حماية الطفل الصادرة في ‪ 9‬نوفمبر‬
‫‪ 1995‬وأصبح بالتالي اختصاصه يشمل النظر في الوضعيّات المهدّدة للطفل ومساعدته على تجاوز الحالة‬
‫صعبة التي يوجد فيها‪ ،‬وهو قاض من الرتبة الثانية ال تق ّل تجربته عن عشرة أعوام‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫تخول له التد ّخل الحيني والناجع لوقاية‬ ‫ّ‬


‫إن خصوصيّة قاضي األسرة نابعة من طبيعة الصالحيات التي ّ‬
‫الطفل المهدّد ‪ 291‬من كل ما يهدّد حياته وسالمته البدنية والمعنويّة‪.‬‬

‫فالقضاء كان ال يتد ّخل فيما يتعلّق بالسلوك البشري إالّ ّ‬


‫للردع‪ 292،‬إال أنه منذ صدور م ح ط أصبح‬
‫كرسته عديد‬
‫التصور الحمائي بدعة وإنما ّ‬
‫ّ‬ ‫الجهاز القضائي يضطلع بدور وقائي للطفل المهدّد‪ ،‬ولم يكن هذا‬
‫‪293‬‬
‫المؤتمرات الدّولية وأخذت به عديد التشريعات‪.‬‬

‫يصيب المجتمع‪ ،‬فقد وجبت حمايتهم ووقايتهم من خطر‬ ‫‪294‬‬


‫وألن إجرام األطفال هو عقم مب ّكر‬
‫اإلنزالق في هاوية اإلنحراف وأصبح القضاء يضطلع بهذا الدّور الوقائي من خالل قاضي األسرة الذي‬
‫يوفّر الحماية القضائية للطفل المهدّد من خالل مرحلتين المرحلة اإلستقرائيّة ( الفرع ّ‬
‫األول ) والمرحلة‬
‫الحكميّة ( الفرع الثّاني )‪.‬‬

‫األول‪ :‬المرحلة اإلستقرائيّة‪:‬‬


‫الفرع ّ‬
‫المشرع أن يحمي الطفل المهدّد فأقر تدخل قاضي األسرة بصفة وقائية وفي مرحلة مب ّكرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أراد‬
‫التطرق إلى األعمال اإلستقرائيّة لقاضي األسرة في إطار المرحلة اإلستقرائيّة (الفقرة الثّانية) يجب‬
‫ّ‬ ‫وقبل‬
‫أن نتبيّن ّأوال كيفيّة تعهدّه ( الفقرة األولى) بوضعية الطفل المهدّد‪.‬‬

‫‪ - 290‬سامية دولة‪ :‬قضاء األطفال في مجلة حماية الطفل‪ ،‬مركز الدراسات القانونية والقضائية تونس ‪.2005‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 291‬سامية دولة‪ :‬قضاء األأطفال في مجلة حماية الطفل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.7‬‬
‫‪ - 292‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في العلوم الجنائية‪ .‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس‪.‬‬
‫‪ .2002/2001‬ص ‪.73‬‬
‫‪ - 293‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.73‬‬
‫‪ - 294‬مجدي عبد الكريم أحمد الم ّكي‪ :‬جرائم األحداث وطرق معالجتها في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دراسة مقارنة‪ .‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪ .‬اإلسكندرية‬
‫‪ .2009‬ص ‪.5‬‬

‫‪78‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬كيفية تع ّهد قاضي األسرة‪:‬‬
‫حسب الفصل ‪ 51‬من م ح ط هناك طريقتين لتع ّهد قاضي األسرة‪ ،‬فهذا األخير يمكن أن يتعهد‬
‫مجرد مطلب (أ) كما يمكنه أن يتع ّهد تلقائيّا (ب)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بوضعية الطفل المهدّد بناء على‬

‫مجرد مطلب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أ‪ -‬التع ّهد بناء على‬

‫أوكل المشرع إلى قاضي األسرة مه ّمة التد ّخل الوقائي لحماية الطفل المهدّد على معنى الفصل ‪20‬‬
‫من م ح ط وال يمكنه بأي حال من األحوال التوسّع في المجال المحدّد له وتناول مجال من مجاالت حياة‬
‫‪295‬‬
‫الطفل غير معني بالحماية‪.‬‬

‫المشرع إجراءات تع ّهد قاضي األسرة حيث‬


‫ّ‬ ‫وحرصا على ضمان مصلحة الطفل الفضلى‪ ،‬بسّط‬
‫مجرد مطلب صادر عن قاضي األطفال‪،‬‬
‫يمكن لهذا األخير حسب الفصل ‪ 51‬من م ح ط أن يتع ّهد بناء على ّ‬
‫النيابة العموميّة‪ ،‬مندوب حماية الطفولة‪ ،‬المصالح العمومية للعمل اإلجتماعي أو المؤسسات العموميّة‬
‫المعنية بشؤون ّ‬
‫الطفولة‪.‬‬

‫مجرد مطلب صادر عن الجهة‬


‫ّ‬ ‫مع المالحظ وأن المشرع لم يوجب شكليّات معيّنة للتع ّهد إذ أن‬
‫‪296‬‬
‫المعنيّة كاف لحصول التع ّهد‪.‬‬

‫واستنادا إلى نفس الفصل المذكور سابقا أي الفصل ‪ 51‬من م ح ط نتبين أن األطراف المعنية‬
‫بعبء تعهيد قاضي األسرة ‪ 297‬بوضعية الطفل المهدّد تنقسم إلى هياكل قضائيّة (‪)1‬وأخرى إدارية(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬الهياكل القضائية‪:‬‬

‫حسب ما جاء بالفصل ‪ 51‬من م ح ط فإن الهياكل القضائية التي يمكنها أن تصدر مطلب إلى‬
‫قاضي األسرة حتى يتع ّهد بوضعيّة الطفل المهدّد هي كل من قاضي األطفال والنيابة العموميّة‪.‬‬

‫• قاضي األطفال‪:‬‬

‫ما تجدر مالحظته أوال وهو أن تع ّهد قاض لقاض آخر أمر غير مألوف في النظام القضائي‬
‫تبررها المصلحة الفضلى للطفل‪ 298،‬فقاضي‬
‫التونسي‪ ،‬ويعتبر هذا اإلجراء إضافة إجرائية أتت بها م ح ط ّ‬
‫المختص بالنظر في ملف الطفل الجانح‪ ،‬على أن التع ّهد بملف ذلك الطفل يمكن‬
‫ّ‬ ‫األطفال هو ذلك القاضي‬

‫‪ - 295‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.88‬‬
‫‪ - 296‬رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.280‬‬
‫‪ - 297‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.96‬‬
‫‪ - 298‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.99‬‬

‫‪79‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫أن يؤول إلى التصريح بعدم وجود جريمة ويتراءى له حاجة الطفل للمساعدة والحماية‪ ،‬وذلك إذا ما‬
‫‪299‬‬

‫تبيّن وأنّه ضحيّة وضعيّة يمكن أن تؤدّي إلى تدهور حالته النّفسيّة أو اإلجتماعيّة وهو يعتبر في هذه الحالة‬
‫‪300‬‬
‫طفال مهدّدا يجب احتضانه ومتابعته تجنّبا لمخاطر اإلنزالق في عالم الجريمة‪.‬‬

‫كما ال ب ّد من اإلشارة أيضا إلى أن الفصل ‪ 92‬من م ح ط قد ّ‬


‫خول لقاضي األسرة إمكانية التعهد‬
‫بمقتضى إحالة من قاضي تحقيق األطفال‪ ،‬ففي صورة حفظ القضيّة كما هو الشأن بالنسبة إلى قاضي‬
‫الملف على أنظار قاضي األسرة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األطفال يمكن إحالة‬

‫عدّد المشرع على سبيل الحصر أوجه تع ّهد قاضي األسرة بالفصل ‪ 51‬من م ح ط دون إيراد‬
‫إمكانية تع ّهده من قبل قاضي تحقيق األطفال والحال أن الفصل ‪ 92‬من نفس المجلة أورد هذه اإلمكانية‬
‫‪301‬‬
‫وهو ما يتّجه تداركه في ظ ّل ال ّ‬
‫صياغة الواردة بالفصل ‪ 51‬المذكور‪.‬‬

‫• النّيابة العموميّة‪:‬‬

‫تعتبر النيابة العموميّة الوكيل الممثّـل للمجتمع والضامن الستقراره‪ ،‬وباعتبار أن األسرة واألطفال‬
‫صة يمثّـلون نواة ّ‬
‫مكونة وفاعلة داخل المجتمع‪ 302،‬فإن هذا الجهاز القضائي يلعب‬ ‫داخل األسرة بصفة خا ّ‬
‫دورا ها ّما في مجال حماية الطفل‪.‬‬

‫نظرا إلى أن النّيابة العموميّة على اتّصال دائم ومباشر مع أعوان الضابطة العدلية من شرطة‬
‫وحرس وطني فيمكن أن ينهى إليها محضر يتض ّمن سوء معاملة أو قسوة أو جريمة منسوبة لوالدي الطفل‬
‫فترى وجوب إشعار قاضي األسرة‪ 303‬كذلك ومن خالل متابعتها للقضايا المنشورة لدى قلم التحقيق يمكنها‬
‫ّ‬
‫اإلطالع على حاالت صعبة ووضعيّات خطيرة يعيشها الطفل وتهدّد حياته وسالمته البدنية والمعنويّة‪ ،‬كما‬
‫يمكن أن يبلغ إلى علمها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وجود طفل في حالة خطر فمثال يمكن أن تتوجّه‬
‫منظمة بمكتوب في طلب التد ّخل لفائدة طفل أو أطفال مهدّدين وفي الحاالت القصوى بإشعار من طرف‬
‫‪304‬‬
‫الطفل المميّز نفسه الذي يلتمس الحماية‪.‬‬

‫ونظرا للدور الهام الذي تلعبه النيابة العموميّة في الكشف عن الوضعيّات الخطيرة والجرائم‬
‫المرتكبة ض ّد األطفال‪ ،‬ربما يكون من األفضل التنصيص على وجوب تعهيد قاضي األسرة من قبل النيابة‬
‫العموميّة لتحقيق حماية أنجع للطفل من الخطر الذي يهدّده وإنقاذه قبل فوات األوان‪.‬‬

‫‪ - 299‬مصطفى بن جعفر‪ :‬الحماية القضائية للطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.48‬‬
‫‪ - 300‬مصطفى بن جعفر‪ :‬القانون الجزائي التّونسي‪ .‬القسم العا ّم‪ .‬د ن تونس ‪ 2009‬ص ‪.315‬‬
‫‪ - 301‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.89‬‬
‫‪ - 302‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 303‬محضر بحث مصلحة وقاية األحداث عــ‪72‬ـدد (أنظر الملحق عدد ‪.)2‬‬
‫‪ - 304‬مصطفى بن جعفر‪ :‬الحماية القضائية للطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.49‬‬

‫‪80‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫‪ -2‬الهياكل اإلدارية‪:‬‬

‫استنادا إلى الفصل ‪ 51‬من م ح ط يمكن لقاضي األسرة أن يتع ّهد بوضعيّة الطفل المهدّد بمقتضى‬
‫مطلب صادر عن هيكل إداري كمندوب حماية الطفولة أو المصالح والمؤسسات العمومية‪.‬‬

‫• مندوب حماية الطفولة‪:‬‬

‫تعرضنا إلى كيفيّة تع ّهد مندوب حماية الطفولة بوضعيّة الطفل المهدّد وذلك من خالل‬
‫لقد سبق وأن ّ‬
‫آلية اإلشعار‪ .‬واستنادا إلى ما جاء بالفصل ‪ 39‬من م ح ط في فقرته الثانية فإن مندوب حماية الطفولة يحدّد‬
‫صبغة‬
‫اإلجراء المناسب حسب خطورة الحالة التي يعيشها الطفل ويقترح تبعا لذلك التدابير المالئمة ذات ال ّ‬
‫يقرر رفع األمر إلى قاضي األسرة‪ ،305‬لذلك يعتبر مندوب حماية الطفولة أكثر األجهزة اتصاال‬
‫اإلتفاقية أو ّ‬
‫بقاضي األسرة‪ ،‬فقد أعطاه المشرع صالحيات واسعة وجعل منه الجهاز المختص بدراسة ومتابعة حالة‬
‫محرك العمل الوقائي بالنسبة آلليات الحماية الوقائية‬
‫ّ‬ ‫األطفال‪ " 306.‬فإذا كان مندوب حماية الطفولة هو‬
‫محرك العمل الوقائي بالنسبة آلليات الحماية الوقائية القضائية‪ .‬وهما‬
‫ّ‬ ‫اإلجتماعية‪ ،‬فإن قاضي األسرة هو‬
‫‪307‬‬
‫آليتان متكاملتان ألن الغرض منهما واحد وهو توفير حماية فعّالة لألطفال المهدّدين"‪.‬‬

‫• المصالح والمؤسسات العمومية‪:‬‬

‫من بين الهياكل اإلداريّة التي يمكن لقاضي األسرة أن يتع ّهد بمقتضى مطلب صادر عنها‪ ،‬ذكر‬
‫الفصل ‪ 51‬من م ح ط المصالح العموميّة للعمل اإلجتماعي والمؤسّسات العموميّة المعنيّة بشؤون الطفولة‪.‬‬

‫إن المصالح العموميّة للعمل اإلجتماعي تخضع إلى رقابة وإشراف وزارة الشؤون‬
‫اإلجتماعيّة‪،‬حيث يتع ّهد العون اإلجتماعي بالحاالت اإلجتماعيّة التي يت ّم اكتشافها من قبل المربّين وهي‬
‫باألساس كثرة الغيابات وعدم القدرة على التركيز وانحراف السلوك وتراجع النتائج المدرسيّة وهي‬
‫يمر بها الطفل‪ 308،‬ولحماية الطفل من كل ما يش ّكل خطرا على‬ ‫مؤ ّ‬
‫شرات تعكس الصعوبة التي يمكن أن ّ‬
‫صحّته وسالمته البدنيّة والمعنويّة تتولى المصالح العموميّة للعمل اإلجتماعي تعهيد قاضي األسرة بموجب‬
‫مطلب تصدره عمال بما جاء بالفصل ‪ 51‬من م ح ط‪.‬‬

‫وأما المؤسسات العموميّة المعنيّة بشؤون الطفولة فيمكنها كذلك تعهيد قاضي األسرة بملفّات األطفال‬
‫المهدّدين بمقتضى مطلب تصدره في ذلك‪،‬ومن بين هذه المؤسسات نذكر مراكز الدفاع واإلدماج اإلجتماعي‬

‫‪- 305‬طلب إيداع طفل عـ‪310‬ـدد‪ ،‬طلب التعهد بوضعية طفل عـــــ‪259‬ـــدد‪ ،‬عــــ‪246‬ـــدد‪،‬عــــ‪213‬ـــدد (أنظر الملحق عدد ‪.)2‬‬
‫‪ - 306‬مصطفى بن جعفر‪ :‬الحماية القضائية للطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.49‬‬
‫‪ - 307‬رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ .‬مصدر مرجع سابق‪ .‬ص ‪.277‬‬
‫‪ - 308‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.103‬‬

‫‪81‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫المبكر عن الظروف والوضعيّات التي يمكن‬
‫ّ‬ ‫ومراكز اإلحاطة والتوجيه اإلجتماعي التي تساهم في الكشف‬
‫‪309‬‬
‫أن تؤدّي إلى اإلنحراف وعدم التكيّف اإلجتماعي‪.‬‬

‫وإضافة إلى هذه المراكز أيضا نجد المراكز المندمجة للشباب والطفولة التي من بين مهامها كفالة‬
‫األطفال المهملين وفاقدي السند العائلي وإيواء المهدّدين قصد رعايتهم وتربيتهم إلى غاية زوال حالة‬
‫التهديد‪ 310 ،‬ونجد كذلك المعهد القومي لرعاية الطفولة الذي يتولى رعاية الطفولة الفاقدة للسند العائلي من‬
‫الرضع واألطفال دون السّت سنوات‪ .‬فكل هذه المصالح والمؤسّسات العموميّة يمكنها تعهيد قاضي األسرة‬
‫ّ‬
‫بوضعيات األطفال المهدّدين‪ .‬كما أن قاضي األسرة نفسه يمكن أن يتع ّهد تلقائيّا بمثل هذه الوضعيّات‪.‬‬

‫ب‪ -‬التع ّهد التلقائي لقاضي األسرة‪:‬‬

‫يمكن القول إن تع ّهد قاضي األسرة من تلقاء نفسه يع ّد من المؤسّسات الجديدة والتي يمكن اعتبارها‬
‫مخالفة لإلجراءات المدنية المؤسّسة على مبدأ حياد القاضي‪ 311،‬إضافة إلى تعارضها مع النظرية العا ّمة‬
‫لإلجراءات الجزائيّة المؤسّسة على مبدأ التفرقة بين سلطة التحقيق والتّتبع والمحاكمة‪ 312،‬إال أن ذلك يمكن‬
‫تبريره بسعي المشرع إلى ضمان مصلحة الطفل الفضلى وما يحدوه من هاجس تمكين أكبر عدد ممكن من‬
‫‪313‬‬
‫األطفال المهدّدين من التمتّع بتد ّخل قضائي وقائي ناجع‪.‬‬

‫يحصل هذا النوع من التع ّهد عندما يعاين قاضي األسرة بنفسه وجود طفل في حالة خطر‪ 314،‬ومن‬
‫بين الحاالت التي يمكن أن تطرح أمام قاضي األسرة حالة رفض قبول الطفل من كال األبوين عند صدور‬
‫قرار في الحضانة من طرف قاضي األسرة‪ ،‬إذ أن هذه الحالة ال تحتاج أن يقع إعالمه بها فهو يعاينها‬
‫بنفسه عند تولّـيه البتّ في قضيّة طالق‪ 315.‬وتع ّد جلسات إجراء المحاولة الصلحيّة من أه ّم مصادر علم‬
‫قاضي األسرة التي يتع ّهد بمقتضاها من تلقاء نفسه‪ 316.‬غير أنه يمكن أن يحصل العلم لقاضي األسرة بوجود‬
‫طفل في حالة صعبة بطريقة مباشرة كأن يعاين مباشرة حالة طفل مهدّد كأي شخص عادي يعلم بوجود‬
‫طفل يعيش ظروفا صعبة تهدّد حياته وسالمته البدنية أوالمعنويّة‪ .‬وكذلك يمكن أن يتع ّهد قاضي األسرة‬
‫تلقائيّا بمقتضى اإلشعارات التي يفضّل بعض المواطنين القيام بها لديه‪.‬‬

‫‪ - 309‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.144‬‬


‫‪ - 310‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.144‬‬
‫‪ - 311‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.188‬‬
‫‪ - 312‬زكريا عبد هللا‪ :‬السياسة الجنائية من خالل مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.53‬‬
‫‪313‬‬
‫‪- Fournie Anne-Marie : La protection judiciaire de l’enfance en danger. Librairie technique- 1970.p 30.‬‬
‫‪ - 314‬خديجة المدني‪ :‬التخصص القضائي في ميداني األسرة والطفولة‪ .‬مداخلة في إطار ملتقى وطني بالمعهد األعلى للقضاء تحت عنوان " القضاء‬
‫وحقوق اإلنسان" يوم ‪ 12‬نوفمبر ‪.1998‬ص ‪.61‬‬
‫‪ - 315‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ض ّد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪.110‬‬
‫‪ - 316‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.106‬‬

‫‪82‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫إن التع ّهد التلقائي لقاضي األسرة يضفي على التد ّخل النّجاعة المطلوبة كما يمكن تبريره بسببين‪:‬‬
‫ّأوال حالة الشخص المعني بالحماية وهو الطفل فنظرا لعدم نضجه البدني وال ّذهني فهو غير قادر عمليّا‬
‫على تقدير حالة الخطر التي يوجد عليها وهو بالتالي يحتاج إلى من يساعده ويحميه م ّمن يؤذيه ويش ّكل‬
‫خطرا عليه‪ ،‬لذلك فإن التد ّخل القضائي الحمائي يفرض نفسه لما يتمتّع به القاضي من صالحيات واسعة‬
‫من شأنها تجاوز العوائق التي قد تحول دون القائمين باإلشعار للتد ّخل لفائدة الطفل فيلجأ قاضي األسرة‬
‫‪317‬‬
‫ليتع ّهد تلقائيّا‪.‬‬

‫المبرر الثاني للتعهد التلقائي لقاضي األسرة فهو حالة التأ ّكد‪،‬بحيث توجد عالقة بين حالة التأكد‬
‫ّ‬ ‫وأما‬
‫والتع ّهد التلقائي‪ ،‬ونالحظ أن عمل قاضي األسرة يقترب من اختصاص القضاء اإلستعجالي‪ ،‬ومن المظاهر‬
‫‪318‬‬
‫التي تكتسي صبغة التأ ّكد المشترطة في القضاء اإلستعجالي منع استفحال الضرر واستمراره‪.‬‬

‫يمكن أن يكون الطفل في وضعيّة صعبة تهدّد حياته كحاالت الخطر المل ّم بما يستوجب تد ّخال‬
‫عاجال لحمايته وانتشاله من الوضع الخطير الذي هو فيه قبل فوات األوان‪ ،‬لذلك فإن تد ّخل قاضي األسرة‬
‫‪319‬‬
‫تلقائيا لرفع الخطر عن الطفل يكتسي طابعا استعجاليا نظرا لحالة التأكد‪.‬‬

‫وبمجرد تعهدّه بوضعيّة طفل مهدّد بصفة تلقائية أو بمقتضى مطلب صادر عن أحد األطراف‬ ‫ّ‬
‫المذكورة بالفصل ‪ 51‬من م ح ط فإن قاضي األسرة يتولّى القيام بجملة من األعمال اإلستقرائيّة‪.‬‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬األعمال اإلستقرائيّة لقاضي األسرة‪:‬‬


‫إن من أبرز مظاهر أنسنة القضاء في مجلة حماية الطفل إسنادها لقاضي األسرة دور النّظر في‬
‫ّ‬
‫بملف طفل مهدّد فإنه يبادر في مرحلة بحث‬
‫ّ‬ ‫بمجرد تع ّهده‬
‫ّ‬ ‫وضعيّات بعض األطفال المهدّدين‪ 320،‬حيث أنه‬
‫واستقصاء ّأوليّة ‪ 321‬يمكن أن نطلق عليها المرحلة اإلستقرائية بالتحقّـق من الوضعية المعروضة عليه‬
‫واستقرائها ‪( 322‬أ) ليقوم فيما بعد باتّخاذ التدابير الوقتيّة في شأنها (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬التحقّق من وضع ّية الطفل ال ّ‬


‫صعبة‪:‬‬

‫استنادا إلى معيار مصلحة الطفل الفضلى‪ ،‬فإن قاضي األسرة مطالب بالتحقّق من حالة الطفل‬
‫يمر فعال بحالة صعبة على معنى الفصل ‪ 20‬من م ح ط وأن هناك حقّا ما يش ّكل‬
‫المعروضة عليه إن كان ّ‬
‫خطرا يهدّد حياته وسالمته البدنية أو المعنويّة بما يستوجب التدخل لحمايته واتّخاذ التدبير الحمائي المناسب‬

‫‪ - 317‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.107‬‬


‫‪ - 318‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.107‬‬
‫‪ - 319‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.107‬‬
‫‪ - 320‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعية‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.60‬‬
‫‪ - 321‬رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.281‬‬
‫‪ - 322‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.90‬‬

‫‪83‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫في شأنه‪ .‬ولضمان حماية ناجعة وتحقيق الهدف المنشود من تد ّخل قاضي األسرة‪ ،‬فإن هذا األخير متّعه‬
‫المشرع بعدّة صالحيات تحقيقيّة (‪ )1‬كما م ّكنه من اإلستعانة بعدّة هياكل تساعده في أعماله اإلستقرائيّة‬
‫(‪.)2‬‬

‫صالحيات التحقيقيّة لقاضي األسرة‪:‬‬


‫‪ -1‬ال ّ‬

‫صل إلى‬ ‫إن الصالحيات التحقيقيّة التي يتمتّع بها قاضي األسرة ّ‬
‫تخول له جمع المعطيات حتى يتو ّ‬
‫تكوين ملف كامل ومكتمل حول وضعيّة الطفل المهدّد‪ 323،‬وعمال بمقتضيات الفصل ‪ 52‬من م ح ط فإن‬
‫قاضي األسرة " يتلقى اإلعالمات والتقارير ويتولى جمع المعطيات وسماع من يرى فائدة في سماعه‬
‫للوقوف على وضعية الطفل الحقيقيّة"‪ ،‬ونفهم من الفصل المذكور أن هذه اإلعالمات والتقارير يتلقاها‬
‫قاضي األسرة من الهياكل التي عهدته بملف الطفل المهدد على معنى الفصل ‪ 51‬من م ح ط‪ ،‬وهذه الهياكل‬
‫كما سبق وأن ذكرنا هي كل من قاضي األطفال‪ ،‬النيابة العمومية‪ ،‬مندوب حماية الطفولة‪ ،‬المصالح العمومية‬
‫للعمل اإلجتماعي والمؤسسات العمومية المعنية بشؤون الطفولة‪ ،‬والتي عليها جمع أكثر ما يمكن من‬
‫‪324‬‬
‫المعطيات إلنارة قرار قاضي األسرة‪.‬‬

‫مجرد مطلب" في حين استعمل‬


‫ّ‬ ‫وما تجدر مالحظته هو ّ‬
‫أن الفصل ‪ 51‬من م ح ط استعمل عبارة "‬
‫الفصل ‪ 52‬من نفس المجلة مصطلحي " إعالمات وتقارير" وهو ما يجعلنا نستنتج أنه بعد تقديم المطلب‬
‫‪325‬‬
‫يمكن تقديم ما يقتضيه األمر من تقارير وتوضيحات إضافية إلى قاضي األسرة‪.‬‬

‫وتسمح صياغة الفصل ‪ 52‬من م ح ط أن يتولى قاضي األسرة القيام شخصيّا بمعاينات وتوجّهات‬
‫على عين المكان أو أن يكون مصحوبا في ذلك بأحد أعوان العمل اإلجتماعي بالجهة‪.‬‬

‫فقاضي األسرة حتى يتحقّق من وضعيّة الطفل ال ّ‬


‫صعبة عليه أن يل ّم بك ّل جوانب شخصيّة هذا الطفل‬
‫من الناحية النّفسيّة واإلجتماعيّة واألسريّة‪ ،‬وكما جاء بالفصل ‪ 52‬يمكن سماع كل شخص يرى فائدة في‬
‫سماعه كوالدي الطفل أو أقاربه أو أصدقائه أو حاضنه أو المسؤول عليه أو أي شخص يمكن أن يساعد‬
‫في الوقوف على وضعيّة الطفل الحقيقيّة‪.‬‬

‫إن الصالحيات التحقيقيّة الممنوحة لقاضي األسرة بمقتضى ما جاء بفصول مجلة حماية الطفل هي نفسها‬
‫صدد أن مه ّمة األول تختلف عن مه ّمة الثاني‪،‬‬
‫الممنوحة لقاضي التحقيق‪ ،‬لكن تجدر اإلشارة في هذا ال ّ‬
‫فقاضي األسرة ال يبحث عن دليل إثبات أو عن وقائع ما ّديّة بل إنه يحتفظ في كل الحاالت بسلطته‬

‫‪ - 323‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.202‬‬
‫‪ - 324‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.202‬‬
‫‪ - 325‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.202‬‬

‫‪84‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫التقديريّة‪ ،‬فهو ال يحقق مع الطفل بل يسمعه ويترك له المجال ليعبّر عن آرائه وحاجياته الماديّة‬
‫‪326‬‬

‫‪327‬‬
‫والمعنويّة‪ ،‬إذ أن رغبة المشرع ترمي إلى معاملة الطفل كشخص‪.‬‬

‫ولمزيد اإللمام بوضعيّة الطفل الصعبة يمكن لقاضي األسرة اإلستعانة بعدّة هياكل‪.‬‬

‫‪ -2‬الهياكل المساعدة لقاضي األسرة‪:‬‬

‫صين حتى‬
‫إن قاضي األسرة في تونس مثله مثل قاضي األطفال في فرنسا محاط بفريق من المخت ّ‬
‫‪328‬‬
‫يجري تحقيقاته على أكمل وجه‪.‬‬

‫صة حول‬
‫يمكن لقاضي األسرة أن يأذن بإجراء أبحاث اجتماعيّة أو طلب توضيحات عا ّمة أو خا ّ‬
‫األوساط التي يعيش فيها الطفل كاألسرة‪ ،‬األجوار‪ ،‬الحي‪ ،‬المدرسة‪ ...‬ويمكن أن يستعين في ذلك بمندوب‬
‫ينص على إمكانية تكليف قاضي األسرة مندوب حماية‬
‫ّ‬ ‫حماية الطفولة كما جاء بالفصل ‪ 54‬من م ح ط الذي‬
‫الطفولة بإتمام األبحاث وجمع المعلومات حول وضعيّة الطفل الحقيقيّة وتحديد حاجياته‪ .329‬فكما سبق وأن‬
‫ذكرنا فمندوب حماية الطفولة هو المختص الميداني في شؤون الطفولة وهو أكثر األجهزة اتّصاال بقاضي‬
‫األسرة لذلك يكلّـفه بإجراء األبحاث وجمع المعلومات حول الطفل‪ ،‬فتكوينه ومؤ ّهالته تمكنّه من فهم نفسيّة‬
‫‪330‬‬
‫الطفل فضال عن تمتّعه بصفة مأمور الضابطة العدليّة مما ّ‬
‫يخول له استدعاء الطفل وأبويه وسماعهم‬
‫والدخول إلى األمكنة التي يوجد فيها الطفل‪ ،‬لذلك فهو يجمع كل المعلومات المتعلّقة بشخصيّة الطفل‬
‫يخص وضعه‬
‫ّ‬ ‫وسلوكه داخل األسرة والمدرسة والمحيط الذي يوجد فيه بصفة عا ّمة‪ ،‬وكذلك جمع كل ما‬
‫اإلجتماعي والتعليمي والصحي والنّفسي‪.‬‬

‫ورغم أهميّة الجهود التي يقوم بها مندوب حماية الطفولة إال أن عمله ال يجب أن يستغرق وقتا‬
‫يضر بمصلحة الطفل‪ ،‬لذلك وعمال بما جاء بالفصل ‪ 54‬من م ح ط فإن المندوب‬
‫ّ‬ ‫طويال‪ 331،‬ألن ذلك قد‬
‫يكون ملزما بإنهاء نتائج أعماله في أجل ال يتعدّى الشهر ما لم تقتض مصلحة الطفل التّمديد في األجل‬
‫المبرر المعقول لهاجس اإلسراع‬
‫ّ‬ ‫ووافق قاضي األسرة على ذلك‪ ،‬وال شك أن مصلحة الطفل الفضلى هي‬
‫‪332‬‬
‫والتحريات حتى ال يبقى الخطر الذي يهدّد الطفل قائما دون عالج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بإتمام األبحاث‬

‫‪ - 326‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.125‬‬


‫‪327‬‬
‫‪- Claire Neirinck : la protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit.p 463.‬‬
‫‪ - 328‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.125‬‬
‫‪ 329‬التحري في وضعية األطفال عــ‪1471‬ـدد (أنظر ملحق عدد ‪.)3‬‬
‫‪ - 330‬طلب التحرير على أطراف القضية المنشورة عــــ‪316‬ــدد (أنظر الملحق عدد ‪.)3‬‬
‫‪ - 331‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.209‬‬
‫‪ - 332‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.209‬‬

‫‪85‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫صة بالجهة‪ ،‬فحسب الفصل ‪ 55‬من م ح ط فإن‬
‫كذلك يمكن لقاضي األسرة اإلستعانة بالسلط األمنيّة المخت ّ‬
‫هذه السلط تقوم بجمع المعلومات حول سيرة الطفل وسلوكه‪.333‬‬

‫كذلك وحسب نفس الفصل المذكور آنفا يمكن لقاضي األسرة أن يأذن بعرض الطفل على الفحص‬
‫الطبي أو الطبي النفساني أو إجراء األعمال واإلختبارات التي يراها ضرورية للوقوف على حاجيات‬
‫الطفل‪.334‬فعندما يبدو أن األطفال أو اآلباء يعانون من اضطرابات في الصحة الجسديّة أو العقلية بحيث أن‬
‫مختص يكون‬
‫ّ‬ ‫أعوان العمل اإلجتماعي أو القاضي ال يملكون اإلختصاص لتقديرها‪ ،‬فإن اللجوء إلى‬
‫ضروريّا ‪ 335‬ألخذ فكرة حول نفسية الطفل وما قد يكون مصابا به من عقد نفسيّة ودوافع شعوريّة أو ال‬
‫‪336‬‬
‫شعوريّة‪.‬‬

‫وتذ ّكرنا مختلف هذه الصالحيات التحقيقيّة الممنوحة لقاضي األسرة بمقتضى الفصول ‪ 54 ،52‬و‬
‫‪ 55‬من م ح ط بالصالحيات واألعمال التي يجريها قاضي التحقيق في المادة الجزائيّة وهو ما ذهب بالبعض‬
‫إلى القول بأن قاضي األسرة ما هو إالّ قاضي مشرف على مكتب تحقيق اجتماعي بما لهذه العبارة من‬
‫‪337‬‬
‫خوالن له أن يلعب دورا أساسيا في حماية الطفل‪.‬‬
‫معنى وبعد ي ّ‬

‫وبعد التحقّق من وضعيّة الطفل ال ّ‬


‫صعبة وتقدير مدى خطورتها عليه‪ ،‬بإمكان قاضي األسرة ‪-‬في انتظار‬
‫الفصل في الموضوع‪ -‬اتّخاذ جملة من التدابير الوقتية‪.‬‬

‫ب‪ -‬اتّخاذ التدابير الوقتية‪:‬‬

‫دائما في إطار تحقيق مصلحة الطفل الفضلى‪ ،‬يمكن لقاضي األسرة أن يتّخذ قرارا وقتيّا(‪ )1‬لحماية‬
‫الطفل ويخضع هذا القرار إلى المراجعة الشهريّة(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬محتوى القرار الوقتي‪:‬‬

‫محاولة منه المحافظة على مصلحة الطفل وخوفا عليه من أي خطر‪ ،‬فإن قاضي األسرة وقبل‬
‫التع ّهد في األصل يتّخذ تدابير مؤقّتة بناء على ما تج ّمع لديه من معلومات‪ 338،‬فحسب ما جاء بالفصلين ‪53‬‬
‫يقرر مؤقّتا فصل الطفل عن محيطه العائلي‪،‬‬
‫و ‪ 56‬في فقرته الثانية من م ح ط فإن قاضي األسرة يمكنه أن ّ‬
‫فحسب الفصل ‪ .53‬يكون ذلك بناء على تقرير صادر عن مندوب حماية الطفولة يتعلّق بضرورة فصل‬

‫‪ 333‬مصلحة وقاية األحداث عــ‪569‬ـدد (أنظر الملحق عدد ‪.)3‬‬


‫‪ 334‬بحث اجتماعي نفساني عـ‪100‬ـدد (أنظر الملحق عدد ‪.)3‬‬
‫‪335‬‬
‫‪- Michel Huyette : Guide de la protection judiciaire de l’enfant. Dunod Paris 1999.p 47.‬‬
‫‪ - 336‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.211‬‬
‫‪ - 337‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 338‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬طفلنا بين التشريع والقضاء والمجتمع‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.106‬‬

‫‪86‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫صة إذا كان أفراد العائلة هم مصدر الضرر الالّحق‬
‫الطفل عن عائلته إذا اقتضت مصلحته الفضلى ذلك خا ّ‬
‫بالطفل أو الخطر المحدق به‪.‬‬

‫حسب الفقرة الثانية من الفصل ‪ 56‬من م ح ط يمكن لقاضي األسرة أن يتّخذ قرارا وقتيا في إبعاد‬
‫الطفل عن عائلته واإلذن بوضعه تحت نظام الكفالة مع إلزام أبويه بالمساهمة في اإلنفاق عليه وينفّذ قراره‬
‫فورا‪ ،‬فمصلحة الطفل هي المعيار األساسي الذي يمكن على أساسه فصل الطفل عن عائلته رغم أن مجلة‬
‫حماية الطفل في فصلها الثامن قد اقتضت أن كل قرار يقع اتّخاذه يجب أن يهدف إلى "إبقاء الطفل داخل‬
‫محيطه العائلي وعدم فصله عن أبويه إال إذا تبيّن للسلطة القضائيّة أن هذا الفصل ضروري لصيانة مصلحة‬
‫الطفل الفضلى‪ ،‬ويجب أن يكفل القرار للطفل الحق في مواصلة التمتع بمختلف ظروف الحياة والخدمات‬
‫المالئمة لحاجياته ولسنّه والمتناسبة مع المحيط العائلي العادي"‪.‬‬

‫يتعرض الفصل ‪ 53‬من م ح ط إلى المكان الذي يمكن للقاضي أن يضع فيه الطفل خالل‬
‫ّ‬ ‫ولئن لم‬
‫تلك الفترة فإنه من المرجّح أن يكون بإحدى المراكز اإلجتماعيّة التي تتكفّل باإليداع الوقتي‪.‬‬

‫وأما الفقرة الثانية من الفصل ‪ 56‬من م ح ط فتنص على أن قاضي األسرة يمكنه اإلذن بوضع الطفل –‬
‫بعد أن يت ّم فصله عن عائلته‪ -‬تحت نظام الكفالة مع إلزام أبويه بالمساهة في اإلنفاق عليه‪.‬‬

‫وينص‬
‫ّ‬ ‫‪339‬‬
‫ويتمثّل نظام الكفالة في وضع الطفل داخل عائلة بديلة أو مؤسّسة مؤ ّهلة لكفالة األطفال‪،‬‬
‫الفصل ‪ 66‬م ح ط في هذا اإلطار على أنه "تع ّد قائمات في العائالت والمؤسسات المؤهلة لكفالة األطفال‬
‫من قبل الوزراء المكلّفين بالشباب والطفولة وشؤون المرأة واألسرة والشؤون اإلجتماعيّة"‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة أن نظام الكفالة الوارد ذكره بالفصل ‪ 56‬م ح ط يختلف عن نظام الكفالة الوارد‬
‫ذكره بالفصل ‪ 3‬وما بعده من القانون عـــ‪27‬ــدد لسنة ‪ 1958‬المؤرخ في ‪ 4‬مارس ‪ 1958‬والمتعلّق‬
‫المحرر من قبل عدلين‬
‫ّ‬ ‫بالوالية العموميّة والكفالة والتبنّي ذلك أنّها كفالة حكميّة وليس مبناها العقد ّ‬
‫الرسمي‬
‫والمصادق عليه من قبل قاضي الناحية‪ 340،‬كما أنها كفالة تنتهي ببلوغ سن الثامنة عشرة كاملة في حين أن‬
‫الكفالة التعاقديّة تنتهي مبدئيا ببلوغ ّ‬
‫سن الرشد القانوني المحدّد بعشرين عاما‪ ،‬كما أنها أيضا كفالة يساهم‬
‫‪341‬‬
‫الوالدان بمناسبتها في اإلنفاق على اإلبن المكفول ويقدّر قاضي األسرة تلك المساهمة‪.‬‬

‫يتعرض أي فصل من فصول م ح ط إلى مدى إمكانيّة الطعن في التدبير الوقتي الصادر عن‬
‫ّ‬ ‫لم‬
‫قاضي األسرة على معنى الفصلين ‪ 53‬و ‪ 56‬من نفس المجلة بما يؤكد أن المشرع اختار على صواب‬

‫‪ - 339‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.213‬‬
‫‪ - 340‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.92‬‬
‫‪ - 341‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.92‬‬

‫‪87‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫نظرا إلى أنه أعطى لقاضي األسرة خاصة بالنسبة لصورة الفصل ‪ 53‬إمكانية‬ ‫‪342‬‬
‫طريقة عدم الطعن‬
‫مراجعة التدبير الوقتي شهريا‪.‬‬

‫‪ -2‬المراجعة الشهرية للقرار الوقتي‪:‬‬

‫انسجاما مع أحكام الفصلين ‪ 7‬و ‪ 8‬م ح ط اللّذين أ ّكدا على العمل الوقائي داخل المحيط العائلي‬
‫باعتباره المحيط الطبيعي بالنسبة للطفل‪ ،‬اقتضى الفصل ‪ 53‬من م ح ط مراجعة التدبير الوقتي كل شهر‬
‫حتى ال يكون من قبيل " الوقتي الذي يدوم"‪ 343،‬فهذه المراجعة الشهريّة ترمي إلى العمل على إرجاع‬
‫الطفل إلى والديه متى توفّرت الظروف المالئمة لذلك وبعد إزاحة الخطر الذي ّ‬
‫برر اتّخاذ مثل هذا التدبير‬
‫‪344‬‬
‫في حقّه‪.‬‬

‫وعلى خالف التّدبير الوقتي الوارد بالفصل ‪ 53‬فإن التدبير الوقتي الوارد بالفصل ‪ 56‬لم يخضعه‬
‫المشرع إلى المراجعة الشهريّة‪ ،‬على أنه يجب على قاضي األسرة السّهر على متابعة وضعيّة الطفل‬
‫صة خالل فترة‬
‫المأذون بكفالته باإلستعانة بمندوب حماية الطفولة وبالمصالح والهيئات اإلجتماعية المخت ّ‬
‫تنفيذ التدبير الوقتي المشار إليه بالفصلين ‪ 53‬و ‪ 56‬من المجلة‪ 345،‬وهو ما يجعل قراراته تتّصف بالمرونة‬
‫الالّزمة لتحقيق مصلحة الطفل الفضلى‪ 346.‬فاتّخاذ قاضي األسرة لتدابير وقتيّة ومتابعته لوضعيّة الطفل‬
‫‪347‬‬
‫المهدّد خالل تنفيذ التّدبير يعتبر تخ ّ‬
‫صصا جديدا خارجا تماما ع ّما ألفناه في دور القاضي‪.‬‬

‫يبدو قاضي األسرة خالل المرحلة اإلستقرائية كقاضي باحث يتمتّع بعدّة صالحيات ّ‬
‫خولت له‬
‫استقراء حالة الطفل واتّخاذ التدابير الوقتية في شأنه مع متابعتها ومراجعتها بما يضمن مصلحة الطفل‬
‫يمر بحالة صعبة وال وجود‬
‫الفضلى‪ ،‬إال أنه وفي صورة أثبتت التقارير واألبحاث المجراة أن الطفل ال ّ‬
‫ألي خطر يهدّده بأي شكل كان‪ ،‬فإن قاضي األسرة يمكنه التصريح بأن ال وجه للتّع ّهد‪ ،‬وأ ّما إذا ثبت وجود‬
‫ما يش ّكل خطرا على حياة الطفل وما يهدّد صحته وسالمته البدنية والمعنوية ّ‬
‫فيقرر بالتالي إحالة الملف‬
‫على الجلسة الحكميّة وذلك عمال بمقتضيات الفقرة األولى من الفصل ‪ 56‬من م ح‪.‬‬

‫الفرع الثّاني ‪ :‬المرحلة الحكميّة‬

‫‪ - 342‬رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.282‬‬
‫‪ - 343‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.206‬‬
‫‪ - 344‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 345‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.93‬‬
‫‪ - 346‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدّد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.45‬‬
‫‪ - 347‬خديجة المدني‪ :‬التخصص القضائي في ميداني األسرة والطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪.62‬‬

‫‪88‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫يقرر"مآل األبحاث‬
‫تنص عليه الفقرة األولى من الفصل ‪ 56‬من م ح ط فإن قاضي األسرة ّ‬
‫ّ‬ ‫عمال بما‬
‫يقرر إحالة الملف على الجلسة‬
‫و التقارير المنهاة إليه و يمكنه التصريح بأن ال وجه للتعهد كما يمكنه أن ّ‬
‫الحكميّة"‪.‬‬

‫خولت المجلة لقاضي األسرة إمكانية إصدار أحكام لحماية الطفل‪ 348‬متّبعا في‬
‫خالل هذه المرحلة ّ‬
‫ذلك جملة من اإلجراءات خالل الجلسة الحكميّة (الفقرة األولى) ثم يصدر حكمه في الموضوع و يبتّ في‬
‫القضية باتخاذ القرارات المناسبة في شأن الطفل المهدّد (الفقرة الثّانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اإلجراءات المتّبعة خالل الجلسة الحكميّة ‪:‬‬


‫يبادر قاضي األسرة خالل هذه المرحلة بتهيئة القضية للفصل‪ 349‬فيتّبع جملة من اإلجراءات حيث‬
‫يتولى سماع األطراف المعنيّة (أ) كما يتلقّى المالحظات بشأن ملف الطفل المهدّد (ب)‪.‬‬

‫أ‪ -‬سماع األطراف المعنيّة‪:‬‬

‫سريّة ‪ 350‬وخاللها يتولى قاضي األسرة تأمين حقوق جميع‬


‫تقع المرافعة بحجرة الشورى و بصفة ّ‬
‫األطراف في الدفاع عن نفسها و تمكينها من التعبير عن آرائها و مواقفها‪ ، 351‬فالفصل ‪ 58‬من م ح ط‬
‫ينص على أن قاضي األسرة يتولى سماع الطفل و وليّه أو حاضنه أو مقدّمه أو كافله‪.‬‬
‫ّ‬

‫سماع الطفل‪:‬‬ ‫•‬

‫يقران واجب إعالم‬


‫إن سماع الطفل هو تكريس لما جاء بالفصلين ‪ 9‬و ‪ 10‬من م ح ط اللذين ّ‬
‫صلة بحقوقه و باإلجراءات الواقع إقرارها تجاهه و بمضمونها و مراحلها و كذلك حقّه في‬
‫الطفل بصفة مف ّ‬
‫صة به‪،‬وتؤخذ آراؤه بعين االعتبار وفقا لسنّه ودرجة‬
‫التعبير عن آرائه بحريّة و المشاركة في التدابير الخا ّ‬
‫كرستها االتفاقية الدولية لحقوق الطفل(المادتين ‪ 12‬و ‪13‬‬
‫نضجه ‪ ،‬و هي نفس الحقوق و الضمانات التي ّ‬
‫)‪.‬‬

‫• سماع ول ّ‬
‫ي الطفل‪:‬‬

‫ي الطفل من شأنه أن‬


‫سواء كان الخطر يهدّد الطفل من داخل أسرته أو من خارجها ‪ ،‬فإن سماع ول ّ‬
‫صة بالطفل بالنظر لمتانة عالقة الولي بمنظوره و قربه منه‪،352‬‬
‫ينير قاضي األسرة في عديد المسائل الخا ّ‬

‫‪ -‬رضا الوسالتي‪ :‬مظاهر العناية بالطفولة في التشريع التونسي‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪. 2002‬ص ‪348348‬‬
‫‪ -‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪93349‬‬
‫‪-‬سامية دولة‪ :‬قضاء األطفال في مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪11350‬‬
‫‪ -‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي مرجع سابق‪ .‬ص ‪282351‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪216352‬‬

‫‪89‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫و تكون هذه الوالية إما ّ ناتجة عن النسب الشرعي أو عن حكم بالتبني طبق قانون ‪ 4‬مارس ‪1958‬‬
‫المتعلق بالوالية العموميّة و الكفالة و التبنّي‪ ،‬و قد ّ‬
‫نظمت مجلة األحوال الشخصية أحكام الوالية‪.‬‬

‫و الجدير بالمالحظة انه كان على المشرع سماع أ ّم الطفل في كل األحوال إذا كانت موجودة نظرا لقربها‬
‫‪353‬‬
‫منه و علمها الدّقيق بأحواله‪.‬‬

‫• سماع حاضن الطفل‪:‬‬

‫إن حاضن الطفل هو أبوه أو أ ّمه أو كالهما معا أو غيرهما‪.‬‬

‫فعند قيام الزواج يكون الوالدان هما الحاضنان لطفلهما معا استنادا إلى ما جاء بالفصل ‪ 57‬من م‬
‫أ ش من أن "الحضانة من حقوق األبوين ما دامت الزوجية قائمة بينهما"‪ ،‬و في صورة الطالق تسند‬
‫الحضانة إلى األب أو األم استنادا إلى مصلحة المحضون و ذلك طبقا ألحكام الفصول ‪ 32‬و ‪ 58‬و ‪ 67‬م‬
‫أ ش‪ .‬كما يمكن أن تكون الحاضنة امرأة غير األم إذا اقتضت مصلحة الطفل ذلك عمال بأحكام الفصل ‪67‬‬
‫من م أ ش‪. 354‬‬

‫• سماع المق ّدم عن الطفل‪:‬‬

‫المقدّم عن الطفل هو الشخص الذي يعيّنه قاضي التقاديم ليدير أمالك القاصر الفاقد ألبويه و‬
‫ي‪ ،‬وبالنظر لعالقة المقدّم بالطفل يكون سماعه غالبا ذا فائدة معتبرة‪.355‬‬
‫للوص ّ‬

‫‪ - 353‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل مرجع سابق‪ .‬ص ‪217‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪217354‬‬
‫‪ - 355‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل مرجع سابق‪ .‬ص ‪218‬‬

‫‪90‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫• سماع كافل الطفل‪:‬‬

‫يمكن أن تكون كفالة الطفل قد ت ّمت إ ّما بعقد رسمي عمال بأحكام قانون ‪ 4‬مارس ‪ 1958‬المتعلق‬
‫بالوالية العموميّة و الكفالة و التبنّي‪ ،‬و إ ّما بقرار وقتي في إبعاد الطفل عن عائلته و اإلذن بوضعه تحت‬
‫نظام الكفالة عمال بأحكام الفصلين ‪ 56‬و ‪ 59‬م ح ط‪.356‬‬

‫يحرر محضر من قبل كاتب الجلسة يتض ّمن سماع كل واحد من األشحاص المذكورين‪.357‬‬
‫هذا‪ ،‬و ّ‬

‫ملف القضية مع المالحظات التي اقتضاها القانون‪.‬‬


‫و تضاف تلك المحاضر إلى ّ‬

‫ب‪ -‬تلقّي المالحظات ‪:‬‬

‫حسب الفصل ‪ 58‬م ح ط فإن قاضي األسرة يتلقّى مالحظات ممثّل النّيابة العموميّة و مندوب‬
‫يقرر إجراء المرافعات دون حضور الطفل‬
‫حماية الطفولة و عند االقتضاء محامي الطفل كما يمكنه أن ّ‬
‫مراعاة لمصلحته‪.‬‬

‫• مالحظات ممثّل النّيابة العموم ّية‪:‬‬

‫إن حماية الطفل ته ّم النظام االجتماعي‪ ،358‬فكل تهديد للطفل هو تهديد للمجتمع‪ ،‬لذلك فإن تد ّخل‬
‫النّيابة العموميّة باعتبارها تمثّل المجتمع و نائب الحق العام يكون وجوبيّا‪ ،‬و يفهم من صياغة الفصل ‪58‬‬
‫مجرد مالحظات‪.359‬‬
‫ّ‬ ‫مدعو لتقديم‬
‫ّ‬ ‫من م ح ط أن تد ّخل ممثّل النّيابة العموميّة يكون كتابيّا أو شفويّا بما انه‬

‫مالحظات مندوب حماية الطفولة‪:‬‬ ‫•‬

‫يتواصل دور مندوب حماية الطفولة حتى في الطور الحكمي و ذلك بتقديم مالحظاته كتابيّا أو‬
‫شفاهيّا ‪ ،‬وهذه المالحظات تت ّمم ما سبق له تقديمه من تقارير و بيانات أظرفت بملف القضيّة‪.360‬‬

‫• مالحظات محامي الطفل‪:‬‬

‫يمكن للطفل أن يستعين بمحام في هذا الطور فيكون القاضي ملزما بسماع ملحوظاته في الغرض‬
‫قرر القاضي إجراء المرافعات دون حضور الطفل مراعاة لمصلحته عمال بما‬
‫بمحضر الطفل‪ 361‬إال إذا ّ‬
‫نص عليه الفصل ‪ 58‬م ح ط‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ - 356‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل مرجع سابق‪ .‬ص ‪218‬‬
‫‪ - 357‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 218‬و ‪219‬‬
‫‪ - 358‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪219‬‬
‫‪359‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪219‬‬
‫‪360‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مصدر مرجع سابق‪ .‬ص ‪219‬‬
‫‪ -‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪93361‬‬

‫‪91‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫إن مالحظات محامي الطفل تكون إ ّما كتابيّة أو شفاهيّة أي يمكنه تقديم تقرير أو مرافعة أو القيام باالثنين‬
‫معا‪.362‬‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن إنابة المحامي في القضايا المتعلّقة بالطفل المهدّد ليست وجوبيّة مما يذ ّكرنا‬
‫بالقاعدة العامة المنصوص عليها بالفصل ‪ 68‬من م م م ت التي تجعل تكليف المحامي أمرا اختياريا في‬
‫قضايا األحوال الشخصية‪ .‬فما من شك أن إقرار حق الطفل في إنابة محام للدّفاع عنه يغيّر نظرتنا التقليديّة‬
‫إلى الطفل إذ أن القاعدة هي انه ال يمكن الدفاع عن الطفل إال في شخص وليّه الشرعي نظرا لوجوده تحت‬
‫الحجر باستثناء ما تجيزه الفقرة الثانية من الفصل ‪ 19‬من م م م ت من قيام في المادة االستعجالية من‬
‫طرف القاصر المميّز إذا كان هناك خطر مل ّم‪.363‬‬

‫إن إنابة الطفل لمحام للدّفاع عنه هو تأكيد لحقّه في محاكمة عادلة و في الدّفاع عن ذاته وفق ما‬
‫أ ّكدته االتفاقية األمميّة لحقوق الطفل و أحكام الفصلين ‪ 9‬و ‪ 12‬من م ح ط‪.364‬‬

‫و ربما يش ّكل ذلك الحق خطوة أولى نحو اعتماد نظام "محامي األطفال" الجاري به العمل في‬
‫بعض البلدان الغربية ككندا مثال حيث يس ّخر محام بصفة آليّة و وجوبيّة للدّفاع عن الطفل في كل القضايا‬
‫التي ته ّمه بدون استثناء‪. 365‬‬

‫سماع األشخاص و تلقّي المالحظات عمل مر ّكز يساهم فيه كل هؤالء األطراف عالوة على البحث‬
‫األمني المضاف حول سيرة الطفل‪ ،‬كل ذلك من شأنه أن ينير قاضي األسرة‪366‬بشأن القرارات التي يمكنه‬
‫إصدارها‪.‬‬

‫الفقرة الثّانية‪ :‬القرارات الصادرة عن قاضي األسرة‪:‬‬


‫استنادا إلى ما جاء بالفصل ‪ 59‬م ح ط نجد أن المشرع قد استعمل عبارة "الوسائل" بالنسبة لألحكام‬
‫التي ينتهي إليها قاضي األسرة بعد ختم طور البحث و طور المرافعة و وقوفه على الح ّل األمثل الذي‬
‫يراعي المصلحة الفضلى للطفل المهدّد‪.367‬‬

‫تنوع الوسائل في قرارات قاضي األسرة (أ) و هذه‬


‫و من خالل نفس الفصل المذكور نالحظ ّ‬
‫بمجرد إصدارها تحدث آثارا (ب) ككل القرارات القضائية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األخيرة‬

‫‪ - 362‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪220‬‬
‫‪ -‬خديجة المدني‪ :‬التخصص القضائي في ميداني األسرة و الطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪62363‬‬
‫‪ - 364‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪220‬‬
‫‪ - 365‬خديجة المدني‪ :‬التخصص القضائي في ميداني األسرة و الطفولة‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪63‬‬
‫‪ -‬محمد الصالح بنحسين‪ :‬دور قاضي األسرة‪ .‬م ق ت مارس ‪. 1997‬ص ‪60366‬‬
‫‪13367‬‬ ‫‪ -‬فاطمة الزهراء بن محمود‪ :‬الوسائل و التدابير في قضاء الطفل المهدد‪ .‬م ق ت ماي ‪ . 2005‬ص‬

‫‪92‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫تنوع الوسائل في قرارات قاضي األسرة‪:‬‬‫أ‪ّ -‬‬

‫عدّد الفصل ‪ 59‬م ح ط بصفة حصريّة الوسائل التي يمكن لقاضي األسرة أن يحكم بإحداها‪ ،‬و‬
‫متنوعة تفسح له المجال لالجتهاد في اختيار أوفقها بالنسبة لكل طفل حسب مالمح شخصيته‬
‫هي وسائل ّ‬
‫الخاص‪ ،368‬فقاضي األسرة يمكن أن يأذن إ ّما بإبقاء الطفل في محيطه العائلي(‪ )1‬أو بإبعاده‬
‫ّ‬ ‫ووضعه‬
‫عنه(‪.)2‬‬

‫‪ -1‬إبقاء الطفل في محيطه العائلي‪:‬‬

‫المشرع ضمن الفصل ‪ 59‬م ح ط جملة من الوسائل التي تهدف إلى إبقاء الطفل في محيطه‬
‫ّ‬ ‫أقر‬
‫ّ‬
‫مستقرة بقدر حاجته إلى‬
‫ّ‬ ‫لنموه النّفسي و الجسدي إلى عالقات عاطفية‬
‫العائلي قدر اإلمكان‪ ،‬فالطفل يحتاج ّ‬
‫الغذاء‪.369‬‬

‫يقرر قاضي األسرة إبقاء الطفل داخل عائلته األصليّة‪ 370‬متى اتضح له أن العائلة كفيلة بحماية‬
‫ّ‬
‫كرسته‬
‫الطفل من كل األخطار التي يمكن أن تهدّده‪ ،‬و يعتبر هذا القرار هو األفضل نظرا لتوافقه مع ما ّ‬
‫اتفاقية حقوق الطفل التي تفترض كقرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس أن إبقاء الطفل لدى عائلته هو األكثر‬
‫تحقيقا لمصلحته الفضلى‪ ،371‬و كذلك ما اقتضاه الفصالن ‪ 7‬و ‪ 8‬م ح ط من ضرورة إبقاء الطفل داخل‬
‫محيطه العائلي و عدم فصله عن أبويه إال في الحاالت القصوى إذ يجب أن يعطى االعتبار للعمل الوقائي‬
‫داخل العائلة حفاظا على دورها األساسي في التربية و التعليم و اإلحاطة و الرعاية الالّزمة من اجل ضمان‬
‫نمو طبيعي للطفل‪.‬‬
‫ّ‬

‫و يقع عادة اتّخاذ التدبير المتعلّق بإبقاء الطفل لدى عائلته دون أي إجراء آخر عند ثبوت عدم وجود‬
‫أي خطر يهدّد حياة الطفل و سالمته البدنية أو المعنوية و انه يتمتّع باإلحاطة النّفسيّة و المادّية الالّزمة‬
‫فضال عن أخالقه الجيّدة و سلوكه القويم‪.‬‬

‫و من الوسائل التي يمكن أيضا أن يأذن بها قاضي األسرة إبقاء الطفل لدى عائلته و تكليف مندوب‬
‫يقرر هذا التدبير إذا اتضح له وجود خطر ما على‬
‫حماية الطفولة بمتابعته و مساعدة العائلة و توجيهها‪ ،‬و ّ‬
‫الطفل لكن ليست األسرة هي المسؤولة عن هذا الخطر‪ ،‬لذلك يمكن إبقاء الطفل وسط محيطه الطبيعي‪ ،‬و‬
‫يتولى مندوب حماية الطفولة متابعته و توفير المساعدة و التوجيه و التوعية للعائلة بما يضمن توازن الطفل‬
‫نفسيّا و عقليّا و بدنيّا‪ ،‬لذلك فإن قاضي األسرة و استنادا إلى ما جاء بالفصل ‪ )3( 59‬م ح ط يمكنه أن‬

‫‪ - 368‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪222‬‬
‫‪369‬‬
‫‪- Antoine Garapon et Denis Salas : La justice des mineurs. Évolution d’un modèle. Edition Bruylant L.G.D.J.‬‬
‫‪Paris 1995. P 17‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪222370‬‬
‫‪371‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪223‬‬

‫‪93‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫يأذن بإخضاع الطفل للمراقبة الطبية و النفسانية ‪ ،‬و نالحظ أن هذا اإلجراء هو من الوسائل المعتمدة من‬
‫طرف قاضي األسرة خالل المرحلة االستقرائية‪ ،‬و لكن لم يحدّد النص مكان تواجد الطفل‪ ،‬أكان لدى عائلته‬
‫أو تحت نظام الكفالة؟ لذا ربّما يقتضي األمر تد ّخال تشريعيّا للتوضيح و التّحديد أو ربّما ال حاجة لذلك‬
‫فالمراقبة الطبية و النفسية تبدو ضرورية في كل الحاالت إن بدا للقاضي وجود أي خطر يهدّد صحة الطفل‬
‫صة النفسي لدى الطفل هو أمر بالغ األهميّة‬
‫الجسديّة أو المعنويّة‪ ،‬فاالهتمام بالجانب الصحّي و خا ّ‬
‫‪،‬فالنظرة العمليّة الحديثة ترى أن اإلنسان ال يولد مجرما و أن الظروف البيئية واالجتماعية هي التي تعدّه‬
‫ألن يكون مجرما في غالب األحيان خصوصا بالنسبة لألحداث الذين لم تكتمل لديهم بعد القدرة على التمييز‬
‫صل في نفوسهم عوامل اإلجرام‪ ،372‬فالطفل يخضع كلّيا إلى محيطه‪ 373‬إذ‬
‫حرية االختيار و الذين لم تتأ ّ‬
‫و ّ‬
‫أن التبعيّة و الخضوع يميّزان الطفولة‪ ،374‬فالطفل يتعلّم كثيرا من خالل التقليد‪ ،‬و السلوك البسيط الذي‬
‫مجرد إنفاق المال على األبناء و تلبية حاجاتهم‬
‫ّ‬ ‫يأتيه الحاضن هو مصدر للتربية ‪ ،375‬لذلك فليس المطلوب‬
‫المادّية و إنما تلبية حاجاتهم المعنوية بتوفير اإلحاطة النفسية والرعاية العاطفية و احترام آرائهم و ميوالتهم‬
‫الفكرية‪.‬‬

‫إن الوسط السيّئ و المليء بالمشاكل و االضطرابات إضافة إلى تصدّع عرى األسرة هو ما يحدث‬
‫اضطرابا في سلوك الطفل و يخ ّل بتوازنه النفسي‪،‬لذلك و في صورة ش ّكلت العائلة خطرا على الطفل‪،‬‬
‫فإن قاضي األسرة يصدر قرارا بإبعاد الطفل عن محيطه العائلي‪.‬‬

‫‪ -2‬إبعاد الطفل عن محيطه العائلي‪:‬‬

‫حماية للطفل و ضمانا لمصلحته الفضلى‪ ،‬قد يقتضي األمر اتخاذ قاضي األسرة لقرار بإبعاد الطفل‬
‫المهدّد عن وسطه العائلي األصلي لثبوت انه مصدر الخطر الذي يتهدّده أو الضرر الذي ناله و وضعه في‬
‫محيط بديل‪.376‬‬

‫و في صورة إبعاد الطفل عن عائلته فإن الوسيلة القانونية المعمول بها هي نظام الكفالة الذي جاء‬
‫به قانون ‪ 4‬مارس ‪ 1958‬المتعلق بالوالية العموميّة و الكفالة و التبنّي كما سبق و أن ذكرنا‪ ،‬و الكفالة‬
‫حسب الفصل ‪ 3‬من هذا القانون هي عقد يقوم بمقتضاه شخص رشيد يتمتّع بحقوقه المدنية أو هيئة بكفالة‬
‫طفل قاصر‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫‪ -‬علي محمد جعفر‪ :‬حماية األحداث المخالفين للقانون و المعرضين لخطر االنحراف‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪432‬‬
‫‪373‬‬
‫‪- Antoine Garapon et Denis Salas : La justice des mineurs. Évolution d’un modèle. Op.cit. P 15‬‬
‫‪374‬‬
‫‪- Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit. P 139‬‬
‫‪375‬‬
‫‪- Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses parents. Op.cit. P 225‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪224376‬‬

‫‪94‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫و يبدو أن نظام الكفالة في م ح ط ال يقع إال لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية أو مؤسسة‬
‫صة‪ ،‬و بالتالي كان من األجدر في صياغة الفصل ‪ )4( 59‬عدم استعمال حرف "أو" حتى‬
‫تربوية مخت ّ‬
‫يكون المعنى منصرفا إلى نظام الكفالة وحده مع بيان طرقه الثالث الممكنة‪ ،377‬مع اإلشارة و أن الفصل‬
‫المذكور جاء فيه ما يلي "وضع الطفل تحت نظام الكفالة أو لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية‬
‫أو تربوية مختصة"‪.‬‬

‫و من جهة أخرى و كما ذكرنا في موضع سابق فإنه"تع ّد قائمات في العائالت و المؤسسات المؤ ّهلة‬
‫لكفالة األطفال من قبل الوزراء المكلّفين بالشباب و الطفولة و شؤون المرأة و األسرة و الشؤون االجتماعية"‬
‫‪ ،378‬و تراعى في ذلك الجوانب األخالقية و السلوكية و االجتماعية لهذه العائالت التي يت ّم اختيارها على‬
‫التطوع في إطار التكافل االجتماعي ‪.379‬‬
‫ّ‬ ‫أساس‬

‫ي في اإلنفاق على الطفل‬


‫و أما الفصل ‪ 67‬م ح ط فقد أوجب على قاضي األسرة تقدير معيّن مساهمة الول ّ‬
‫و يعلم الصندوق االجتماعي المعني عند االقتضاء بوجوب صرف المنح العائلية للكافل وفق التشريع‬
‫الجاري به العمل‪ ،‬إال أنّه و كما ذكرنا سابقا فإن عائالت اإلستقبال الوارد تكرارها ضمن فصول المجلة و‬
‫التي اعتمد عليها المشرع لحماية هاته الشريحة البريئة و الضعيفة من األطفال تكاد تكون مفقودة‪.380‬‬

‫صة فنذكر منها المراكز المندمجة للشباب و الطفولة‬


‫و أما المؤسّسات االجتماعية أو التربوية المخت ّ‬
‫و هي مراكز اجتماعية تربوية تحتضن األطفال المهدّدين على معنى الفصل ‪ 20‬م ح ط و التي من بين‬
‫مهامها كفالة األطفال المهملين و فاقدي السند العائلي إلى غاية اندماجهم في المجتمع و كذلك إيواء األطفال‬
‫المهدّدين قصد رعايتهم و تربيتهم إلى غاية زوال حالة التهديد‪.381‬‬

‫و يمكن أيضا لقاضي األسرة أن يفصل الطفل عن عائلته و يأذن بوضعه بمركز للتكوين أو التعليم‬
‫و ذلك كلّما ات ّضح له أن الطفل له من المؤ ّهالت العلميّة أو المهنيّة ما يسمح بوضعه بهذه المراكز التي‬
‫تساهم في تطوير نشاطاته‪ ،382‬و قد تع ّهدت مراكز الدفاع و اإلدماج االجتماعي بهذا الدور الهام و قامت‬
‫بتقديم جملة من األنشطة الخصوصيّة داخل فضاءاتها كالخدمات االجتماعية و التأهيل و العمل التربوي‬
‫و نذكر مثال مركز اإلحاطة و التوجيه االجتماعي بدوار‬ ‫‪383‬‬
‫باإلضافة إلى اإلدماج المهني و المدرسي‬
‫هيشر و مركز مالحظة األحداث بمنوبة اللذان يتولّيان قبول األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ‪ 6‬و‪18‬‬

‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪224377‬‬
‫‪378‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 66‬م ح ط‬
‫‪29379‬‬ ‫‪ -‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪-‬مداوالت مجلس النواب‪-‬جلسة يوم الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1995‬ص‬
‫‪ -‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪31380‬‬
‫‪ - 381‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪144‬‬
‫‪ -‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪118‬‬
‫‪382‬‬
‫‪383‬‬
‫‪ -‬سوسن الماجري‪ :‬التصدي للجرائم المرتكبة ضد األطفال‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪118‬‬

‫‪95‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫سنة غير المزاولين للتعليم و ال يتابعون أي تكوين مهني ‪ ،‬على أن يتكفّل مركزا الدّفاع واإلدماج‬
‫‪384‬‬

‫االجتماعي بحي التضامن و المالسين بالتع ّهد النّهاري المتمثّل في مختلف وسائل و طرق الرعاية النفسية‬
‫و التربوية و التأهيل السلوكي في نطاق الدورات التربوية بهدف إكسابهم معارف ومهارات و قيم تم ّكن‬
‫من إعادة تكيّفهم مع المجتمع‪ ،‬مع العلم و أنّه يت ّم تداول هؤالء األطفال بين اإلقامة بالمؤسسة و الزيارات‬
‫‪385‬‬
‫تطور درجة المصالحة بين الطفل واألسرة‪.‬‬
‫تتطور مع ّ‬
‫ّ‬ ‫العائلية التي‬
‫‪386‬‬
‫هذا و يت ّم إدماج الطفل مهنيّا عن طريق التدريب أو التكوين حسب سنّه و مؤ ّهالته‪.‬‬

‫هذه هي إذن مختلف القرارات التي يمكن لقاضي األسرة إصدارها و قد وردت على سبيل الحصر و ال‬
‫يمكن للقاضي إال االجتهاد "داخلها" باختيار احدها على أساس انه األكثر تطابقا مع مصلحة الطفل‬
‫الفضلى‪.387‬‬

‫و كك ّل القرارات القضائية‪ ،‬فإن قرارات قاضي األسرة لها آثار قانونية‪.‬‬

‫ب‪ -‬آثار القرارات الصادرة عن قاضي األسرة‪:‬‬

‫اعتبارا للطابع اإلستعجالي للقرارات و الوسائل التي يتّخذها قاضي األسرة‪ 388‬فقد أ ّكد الفصل ‪60‬‬
‫م ح ط أن أحكام قاضي األسرة تنفّذ فورا و ال تقبل الطعن باالستئناف باستثناء القرارات القاضية بإبعاد‬
‫الطفل عن عائلته أي الوسيلتين األخيرتين المنصوص عليهما بالفصل ‪ 59‬م ح ط و هما وضع الطفل تحت‬
‫صة ‪ ،‬و وضع الطفل بمركز‬
‫نظام الكفالة أو لدى عائلة استقبال أو لدى مؤسسة اجتماعية أو تربوية مخت ّ‬
‫للتكوين أو التعليم ‪ .‬فهذه القرارات إن كانت تقبل االستئناف فإنها ال تقبل التعقيب‪ .‬و يمكن القول إن عدم‬
‫قابلية الطعن بالتعقيب يرتكز على أسس منطقيّة و قانونيّة و عمليّة‪ ،‬ألن قضايا الطفولة المهدّدة يتم االجتهاد‬
‫‪389‬‬
‫فيها بناء على وقائع و ال تطرح في شأنها إشكاالت قانونية عويصة‪.‬‬

‫و على غرار إمكانية الطعن(‪ )1‬الواردة استثنائيا بالفصل ‪ 60‬م ح ط كأثر من اآلثار القانونية لقرارات‬
‫قاضي األسرة التي كما قلنا تنفّذ بصفة فوريّة‪ ،‬فإن هذه القرارات تقبل المتابعة و المراجعة من طرف‬
‫قاضي األسرة(‪.)2‬‬

‫‪ - 384‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪48‬‬


‫مداخلة في إطار دورة دراسية بالمعهد األعلى للقضاء‬
‫‪385‬‬
‫‪ -‬محمد السالمي‪ :‬دور مؤسسات االستقبال في حماية األطفال المهددين و الجانحين‪.‬‬

‫بعنوان " آليات حماية الطفل في القانون التونسي " يوم ‪ 25‬مارس ‪ . 2004‬ص ‪ 6‬و ‪7‬‬
‫‪ -‬محمد السالمي‪ :‬دور مؤسسات االستقبال في حماية األطفال المهددين و الجانحين‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪7386‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪225387‬‬
‫‪ -‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪282388‬‬
‫‪ - 389‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪ 227‬و ‪228‬‬

‫‪96‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫‪ -1‬الطعن في قرار قاضي األسرة‪:‬‬

‫إن عدم قابليّة القرارات التي تقتضي إبقاء الطفل في محيطه العائلي إلى الطعن يعتبر منطقيّا ألن‬
‫المنازعة مفقودة‪ 390‬أي المصلحة مفقودة من كل من خو ّل لهم الفصل ‪ 61‬م ح ط الطعن باالستئناف‪،391‬‬
‫و أما استئناف القرارات المتعلّقة بإخراج الطفل من محيطه العائلي األصلي فيد ّل على أن المشرع ترك‬
‫باب رجوع الطفل إلى أهله مفتوحا زيادة في التأكيد على أهمية األسرة بالنسبة للطفل ‪.392‬‬

‫المخول لهم تقديم مطلب‬


‫ّ‬ ‫لقد ضبط الفصل ‪ 61‬م ح ط نظام الطعن باالستئناف حيث حدّد األشخاص‬
‫االستئناف و اإلجراءات المتّبعة في ذلك‪.‬‬

‫ي أو المقدّم أو‬
‫يخول للوالدين أو للول ّ‬ ‫و استنادا إلى ما جاء بالفصل المذكور فإن ّ‬
‫حق االستئناف ّ‬
‫الحاضن أو المتع ّهد برعاية الطفل أو للطفل المميّز أو من ينوبه‪.‬‬

‫إقرار حق الطعن باالستئناف للطفل المميّز يذكرنا باالستثناء المتعلّق بالقضاء اإلستعجالي و‬
‫ينص على أنّه "في‬
‫ّ‬ ‫المدخل على القاعدة العا ّمة لشروط القيام و ذلك بمقتضى الفصل ‪ 19‬م م م ت الذي‬
‫المادة اإلستعجالية يمكن قبول القيام من طرف القاصر المميّز إذا كان هناك خطر مل ّم "‪ ،‬علما و أن المبدأ‬
‫هو اشتراط أهلية التقاضي التي ال تتوفّر لدى الشخص إالّ ببلوغه ّ‬
‫سن الرشد المدني و هو عشرون عاما‪،393‬‬
‫مع التذكير و أن الطفل المميّز هو من بلغ الثالثة عشرة من عمره و قد منحه المشرع حق الطعن ضمانا‬
‫لمصلحته‪.‬‬

‫و بالرجوع إلى الفصل ‪ 61‬م ح ط فإن مطلب الطعن يرفع لكتابة محكمة االستئناف في حدود‬
‫العشر أيام الموالية لصدور الحكم على غرار األحكام الجزائية‪ ،‬و بخصوص األجل األقصى لسريان الطعن‬
‫نص على أنّه "تبتّ المحكمة في اجل أقصاه خمسة و‬
‫وصدور القرار االستئنافي فإن نفس الفصل المذكور ّ‬
‫أربعون يوما من تاريخ تقديم مطلب االستئناف"‪ ،‬و في ذلك حرص من المشرع على اإلسراع بالبتّ في‬
‫قضية الطفل المهدّد ‪ ،‬و كانت وزارة الشباب و الطفولة قد أوضحت أن الغرض من تحديد أجال البتّ في‬
‫الطعن باالستئناف هو الحصول على قرار باتّ في أقرب اآلجال حتى ال يبقى الطفل في وضعيّة غير‬
‫مستقرة و ال يتأثّر بنزاع يطول أمده ‪.394‬‬
‫ّ‬

‫هذا و بإصدار قاضي األسرة لحكمه يواصل متابعة تنفيذ قراراته مع إمكانية مراجعتها إذا رأى أن‬
‫مصلحة الطفل الفضلى تدعو إلى ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪282390‬‬
‫‪ -‬عبد الباسط الخالدي‪ :‬حماية الطفولة المهددة في التشريع التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪119391‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪227392‬‬
‫‪ - 393‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪230‬‬
‫‪ - 394‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية‪-‬مداوالت مجلس النواب‪-‬جلسة يوم الثالثاء ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1995‬ص ‪28‬‬

‫‪97‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫‪ -2‬متابعة تنفيذ قرارات قاضي األسرة و مراجعتها‪:‬‬

‫ليس هناك في المنظومة القانونية التونسيّة المدنية أي حكم يعطي للقضاء صالحية متابعة تنفيذ‬
‫أقرتها مجلة حماية الطفل لقاضي األسرة بالفصول من ‪62‬‬
‫األحكام ذات الطبيعة المدنية غير األحكام التي ّ‬
‫إلى ‪ ،395 67‬حيث يلزم الفصل ‪ 62‬م ح ط قاضي األسرة بمتابعة تنفيذ كل األحكام و التدابير التي ت ّم‬
‫اتّخاذها أو التي أذن بها إزاء الطفل و يساعده في ذلك مندوب حماية الطفولة المختص ترابيّا‪.‬‬

‫صدد أن الفصل ‪ 62‬يعطي صفة مزدوجة لقاضي األسرة باعتباره قاضي حكم‬
‫و نالحظ في هذا ال ّ‬
‫‪396‬‬
‫وقاضي تنفيذ‪.‬‬

‫لقد ألزم الفصل ‪ 62‬قاضي األسرة " بمتابعة كل األحكام و التدابير التي ت ّم اتّخاذها"‪ ،‬فهل نفهم من‬
‫صياغة الفصل متابعة كل األحكام أي تلك التي اتخذها قاضي األسرة و تلك التي صدرت عن محكمة‬
‫االستئناف بوصفها محكمة درجة ثانية؟ ‪ ،‬مع اإلشارة و أن صياغة النص الفرنسي للفصل ‪ 62‬حصرت‬
‫واجب المتابعة لما يصدره قاضي األسرة فقط من تدابير إذ جاء فيه‪:‬‬

‫‪« Le juge de la famille est tenu de suivre l’exécution de toutes les mesures‬‬
‫» …‪et dispositions qu’il a prises ou décidées envers l’enfant‬‬

‫و لكن ما هو متّفق عليه هو أن النص العربي يقدَّم دائما عند الفهم و التطبيق على النص الفرنسي‪،‬‬

‫و عليه يجوز القول إن قاضي األسرة ملزم بمتابعة التدابير التي أذن بها هو و كذلك األحكام‬
‫‪397‬‬
‫االستئنافية‪.‬‬

‫ال يكتفي قاضي األسرة بالمتابعة الوجوبيّة للتدابير التي أذن بها إزاء الطفل‪ ،‬بل يمكنه ‪-‬مراعاة ً‬
‫ي أو من‬
‫لمصلحة الطفل الفضلى‪ -‬أن يراجع تلك األحكام و التدابير بناء على مطلب في الغرض يقدّمه الول ّ‬
‫آلت إليه كفالة الطفل أو الحاضن أو الطفل المميّز نفسه‪.398‬‬

‫و تتمثّل المراجعة في تعويض التدبير المتّخذ بتدبير آخر من التدابير المنصوص عليها بالفصل‬
‫‪ 59‬م ح ط ‪ ،‬و ذلك على ضوء ما يتّضح له من مستجدّات في وضعيّة الطفل ناتجة عن ممارسته واجب‬
‫متابعة التنفيذ للتّدابير السّابق اتّخاذها في شأن الطفل‪ 399‬أي أن ظروف الطفل قد تتغيّر نحو األفضل أو‬
‫األسوإ وبالتالي ال ب ّد من اتّخاذ تدبير يتماشى و يتالءم مع الحالة التي هو عليها‪.400‬‬

‫‪ - 395‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪283‬‬
‫‪ - 396‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪234‬‬
‫‪ - 397‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪235‬‬
‫‪398‬‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 63‬م ح ط‬
‫‪ - 399‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬شرح مجلة حماية الطفل‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪237‬‬
‫‪ - 400‬طلب مراجعة قرار عـ‪334‬ـدد (أنظر الملحق عدد ‪.)4‬‬

‫‪98‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات الحماية‬
‫‪‬‬
‫و حسب الفصل ‪ 64‬م ح ط فإن مطلب المراجعة الذي يقدّمه أحد األشخاص المذكورين بالفصل‬
‫‪ 63‬ينظر فيه قاضي األسرة في ظرف الخمسة عشر يوما الموالية لتقديمه و يقع البتّ فيه بجلسة تعقد على‬
‫المقررة بالفصل ‪58‬‬
‫ّ‬ ‫نحو الجلسة التي ت ّم فيها اتخاذ التدبير المراد مراجعته أي أنها تخضع إلى اإلجراءات‬
‫‪401‬‬
‫من المجلة‪.‬‬

‫عمال بمقتضيات الفصل ‪ 65‬م ح ط فإن أحكام و قرارات المراجعة ال تقبل الطعن بأي وجه‪ ،‬فمهما‬
‫كان القرار المتّخذ سواء بإبقاء الطفل داخل عائلته أو بفصله عنها فإنه ال يمكن الطعن فيه بأي طريقة‬
‫كانت‪ ،‬فإذا كان القرار المتّخذ بعد المراجعة يقضي بإخراج الطفل من محيطه الطبيعي نظرا لعدم تحسّن‬
‫وضعه و بالتالي يكون من األنجع إخراجه من وسطه العائلي‪ ،‬فإن هذا من شأنه أن يحرم األبوين من حق‬
‫التحري ال ّ‬
‫شديد‬ ‫ّ‬ ‫الطعن ما دام قرار المراجعة غير قابل للطعن و هذا ما يحفّز السّادة قضاة األسرة على‬
‫قبل اتّخاذ قرار مراجعة يقضي بفصل الطفل عن عائلته‪.402‬‬

‫كما يمكن لقاضي األسرة في إطار متابعة تنفيذ تدابيره إعالم الصناديق االجتماعية المعنيّة بوجوب‬
‫صرف المنح العائلية للعائلة أو المؤسسة التي أسندت إليها كفالة الطفل المهدّد‪.‬‬

‫أن عمليّة المتابعة لهؤالء األطفال المهدّدين قد يتع ّذر القيام بها بصفة واقعية‬
‫ما يمكن مالحظته هو ّ‬
‫مما يتع ّذر معه تقييم اإلجراءات المتّخذة و مدى مالءمتها مع حالة الطفل المهدّد و خاصة مراقبة حالة‬
‫التهديد من عدمه‪ ،403‬فهناك عدّة صعوبات قد تحول دون تحقيق حماية ناجعة للطفل على مستوى الواقع‬
‫العملي‪ ،‬و لع ّل أبرزها أن العائالت البديلة –كما سبق و أن ذكرنا‪ -‬بقيت حبرا على ورق‪ ،‬و كذلك التقصير‬
‫البيّن من الجمعيّات و المؤسّسات الحامية للطفولة في نشر الوعي االجتماعي و ترسيخ ثقافة حقوق‬
‫الطفل‪،‬فمظاهر التهديد وأشكاله والمخاطر التي تحيط باألطفال في عصرنا أخذت تنتشر وتتفاقم تفاقما‬
‫سريعا بفعل العولمة وتأثير وسائل اإلتصال الحديثة‪.‬‬

‫‪ -401‬الفصل ‪ 58‬م ح ط " يتولى قاضي األسرة سماع الطفل و وليّه أو حاضنه أو مقدّمه أو كافله و يتلقى مالحظات ممثل النيابة العمومية و‬
‫يقرر إجراء المرافعات دون حضور الطفل مراعاة لمصلحته"‪.‬‬ ‫مندوب حماية الطفولة و عند االقتضاء محاميه و يمكن له أن ّ‬
‫‪ - 402‬رضا خماخم‪ :‬الطفل و القانون الجزائي التونسي‪ .‬مرجع سابق‪ .‬ص ‪283‬‬
‫‪ - 403‬نجيبة الشريف بن مراد‪ :‬الطفل المهدد‪ .‬مرجع سابق‪.‬ص ‪195‬‬

‫‪99‬‬
‫الخاتمة‬
‫الخاتمة‬
‫‪‬‬

‫ّ‬
‫وألن "الوقاية خير من العالج" فقد أدرك‬ ‫ّ‬
‫إن مستقبل كل مجتمع يتحدّد من خالل مستقبل أطفاله‪،‬‬
‫المعرضين لخطر‬
‫ّ‬ ‫المشرع التونسي أهميّة الحماية أو الوقاية التي يمكن أن يوفّرها القانون لفائدة األطفال‬
‫ّ‬
‫اإلنحراف واإلستغالل بمختلف أشكاله ولك ّل تهديد يمكن أن ينال من سالمتهم البدنيّة والمعنويّة‪ ،‬لذلك جاءت‬
‫لتخصص عنوانا‬
‫ّ‬ ‫المؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪1995‬‬
‫ّ‬ ‫مجلة حماية الطفل بموجب القانون عدد ‪ 92‬لسنة ‪1995‬‬
‫األول الذي تض ّمن ‪ 48‬فصال للحديث عن الحاالت المهدّدة للطفل‬
‫كامال لحماية الطفل المهدّد‪ ،‬وهو العنوان ّ‬
‫وآليات حمايته‪ .‬والطفل المهدّد على معنى م ح ط هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره يجد‬
‫صعبة الوارد ذكرها بالفصل ‪ 20‬من هذه المجلة‪.‬‬
‫نفسه في إحدى الحاالت ال ّ‬

‫وهي ثماني حاالت عدّدها المشرع بالفصل ‪ 20‬على سبيل الذكر ال الحصر وقدّم لها تعاريفا رغم‬
‫صعوبة حصر مجال التداخل لكنّه حاول تبسيط المفاهيم بتقديم بعض األمثلة‪ ،‬ويبقى في كل الحاالت‬
‫للقاضي اإلجتهاد في تحديد الوضعيات التي يراها مهدّدة لصحة الطفل وسالمته البدنيّة والمعنويّة‪.‬‬

‫تعرض المشرع في الفصول من ‪ 21‬إلى ‪ 27‬م ح ط إلى مختلف الحاالت الصعبة المهدّدة‬
‫لقد ّ‬
‫للطفل باستثناء حالة فقدان الطفل لوالديه وبقائه دون سند عائلي الوارد ذكرها في مقدّمة الحاالت الثمانية‬
‫المذكورة بالفصل ‪ 20‬والتي لم يفردها بفصل كباقي الحاالت‪.‬‬

‫تنقسم الحاالت المهدّدة للطفل إلى حاالت تهدّد تربية الطفل وأخرى تهدّد تربيته ‪ .‬فأ ّما األولى فتظهر‬
‫من خالل صورتي فقدان اإلطار التربوي وغياب الدّور التربوي ‪.‬‬

‫فالطفل في حاجة أكيدة إلى أسرة تحتضنه وإن فقدها فقد معها اإلستقرار والتوازن‪ .‬وإن وجدت‬
‫هذه األسرة ولكنها لم تقم بواجبها التربوي كما يجب‪ ،‬فالطفل كذلك في هذه الحالة سيفقد استقراره النّفسي‪،‬‬
‫فإن اختلّت التربية اخت ّل توازن الطفل واخت ّل معه بذلك توازن األسرة بل توازن المجتمع بأسره‪ ،‬فتربية‬
‫الطفل هي مه ّمة خطرة وعلى األسرة حسن القيام بها‪ .‬فالتربية السّليمة المبنيّة على األخالق الحميدة والقيم‬
‫اإلجتماعيّة واإلنسانيّة السّامية تساهم بشكل كبير في الح ّد من اإلجرام‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن التربية الحسنة تعني سلوكا‬
‫حسنا والسلوك الحسن يعني عدم اإلنحراف‪ .‬وبالتالي انخفاض نسب ارتكاب الجريمة في المجتمع‪ .‬لذلك‬
‫الريادي في بناء مجتمع متماسك ومتوازن‪ .‬وكما يمكن أن تكون تربية الطفل مهدّدة‬
‫فاألسرة تلعب الدّور ّ‬
‫وفي خطر فإن سالمته البدنية أو المعنوية يمكن أن تكون أيضا في خطر‪.‬‬

‫إن الطفل بحكم حداثة سنّه وعدم نضجه العقلي والنّفسي فإنه يكون ّ‬
‫معرضا أكثر من غيره للمخاطر‬ ‫ّ‬
‫التي تنال من سالمته ‪ ،‬وقد تناول المشرع بالفصول ‪ 25 ،24 ،22 ،21 ،19‬و ‪ 26‬م ح ط مختلف الحاالت‬

‫‪100‬‬
‫الخاتمة‬
‫‪‬‬
‫الصعبة التي تهدّد الطفل في سالمته البدنية أو المعنويّة‪ ،‬وهذه الحاالت تشمل حاالت اإلستغالل وحاالت‬
‫الخطر المل ّم‪.‬‬

‫تعرض المشرع بالفصول ‪ 19‬و ‪ 25‬و ‪ 26‬م ح ط إلى حاالت استغالل الطفل وهي اإلستغالل في‬
‫ّ‬
‫اإلجرام المنظم والذي يشمل اإلستغالل في المخدرات واإلرهاب والنزاعات المسلّحة إال أن المشرع قد‬
‫اكتفى في الفصل ‪ 19‬بتعريف اإلستغالل في اإلرهاب فقط‪.‬‬

‫تعرض إلى حالة اإلستغالل الجنسي وفي الفصل ‪ 26‬حالة اإلستغالل‬


‫وأ ّما في الفصل ‪ 25‬فقد ّ‬
‫اإلقتصادي‪ ،‬وكلّها حاالت تهدّد سالمة الطفل الجسديّة والمعنوية‪ ،‬حيث يت ّم استغالل براءة الطفل وعدم‬
‫مخططات إجراميّة أو لتحقيق رغبات دنيئة أو لتحقيق الربح المادي على حساب جسده‬‫ّ‬ ‫نضجه العقلي لتنفيذ‬
‫الضّعيف والغير مكتمل النّمو‪.‬‬

‫يتعرض له الطفل ويهدّد حياته بشكل ال يمكن‬


‫وأما حاالت الخطر المل ّم فهي من أخطر ما يمكن أن ّ‬
‫والتشرد (الفصل ‪22‬م‪.‬ح‪.‬ط)‬
‫ّ‬ ‫تالفيه بمرور الوقت‪ .‬ومن صور ذلك إهمال الطفل (الفصل ‪ 21‬م ح ط)‬
‫واعتياد سوء المعاملة (الفصل ‪.)24‬‬

‫إن هذه الحاالت بالغة الخطورة على سالمة الطفل الجسديّة والنّفسية فهي تلحق أذى كبيرا به وتهدّد‬
‫ّ‬
‫حياته بأكملها حاضرها ومستقبلها‪.‬‬

‫إن الحاالت الثمانية الواردة بالفصل ‪ 20‬م ح ط هي حاالت ال تهدّد الطفل فقط‪ ،‬وإنّما تهدّد مجتمعا‬
‫صعبة التي يوجد عليها الطفل ألنّها المحيط‬
‫كامال‪ ،‬واألسرة هي المسؤول األساسي والمباشر عن الحالة ال ّ‬
‫الطبيعي الذي نشأ فيه ّ‬
‫الطفل وهي مطالبة بأن تنشئه تنشئة سليمة وتلقّنه مكارم األخالق حتى يكون عنصرا‬ ‫ّ‬
‫تحوالت اجتماعيّة قد جعل االسرة ال تحسن‬
‫الراهن من ّ‬
‫صالحا في المجتمع‪ ،‬إال أن ما يشهده العصر ّ‬
‫اإلمساك بزمام األمور وال تستطيع اإلحاطة بكل جوانب حياة الطفل نظرا لكثرة المغريات التي تحيط به‬
‫وفي ظ ّل الثقافة ّ‬
‫الرقميّة وما تحمله من مخاطر والسيّما تلك الناجمة عن إشاعة ثقافة العنف واإلرهاب‬
‫والجنس والمخدّرات‪. 404‬‬

‫لقد وضعت م ح ط لفائدة الطفل المهدّد إطارا قانونيّا متكامال بهدف حمايته وضمان سالمته من‬
‫كل األخطار التي تهدّده وذلك من خالل ما وفّرته من آليات الحماية اإلجتماعية وكذلك آليات الحماية‬
‫القضائيّة‪.‬‬

‫رضا خماخم‪ :‬الطفل والقانون الجزائي التونسي‪ :‬مرجع سابق ص ‪.493‬‬ ‫‪404‬‬

‫‪101‬‬
‫الخاتمة‬
‫‪‬‬
‫فالحماية اإلجتماعيّة للطفل المهدّد (الفصول من ‪ 28‬إلى ‪ 50‬م ح ط ) يوفّرها باألساس مندوب‬
‫مختص في شؤون الطفولة المهدّدة يضطلع بدور ذي بعد اجتماعي تربوي‬
‫ّ‬ ‫حماية الطفولة وهو هيكل‬
‫وأخالقي قبل كل شيء‪ ،‬وقد حدّد المشرع شروطا لتد ّخله ومنحه عدّة صالحيات حتى يقوم بمه ّمته الوقائية‬
‫على أكمل وجه‪.‬‬

‫ولمزيد تسهيل عمله وضمان تد ّخل ناجع من أجل حماية كل طفل مهدّد‪ّ ،‬‬
‫أقر المشرع آلية اإلشعار‬
‫ومقرا جملة من‬
‫ّ‬ ‫كواجب ذو بعد أخالقي إنساني فحدّد شروط القيام به وضبط نظامه القانوني مبرزا أنواعه‬
‫الضمانات للقيام به وأيضا جزاء اإلخالل به‪(،‬الفصول من ‪ 31‬إلى ‪ 34‬م ح ط)‪.‬‬

‫خول المشرع‬
‫ومن جهة أخرى ولتوجيه العمل الوقائي بما يتناسب ومصلحة الطفل الفضلى‪ّ ،‬‬
‫لمندوب حماية الطفولة اتّخاذ جملة من التدابير حسب خطورة الحالة التي يوجد عليها الطفل وتعطى‬
‫األولوية إلى التدابير اإلتفاقيّة (الفصول من ‪ 40‬إلى ‪ 44‬م ح ط) وأ ّما إن كان يحيط بالطفل خطر محدق‬
‫فيمكن لمندوب حماية الطفولة اتخاذ تدابير عاجلة (الفصول من ‪ 45‬إلى ‪ 50‬م ح ط) بصفة مؤقتة بعد‬
‫الحصول على إذن قضائي عاجل من قاضي األسرة وأ ّما في حاالت الخطر الملّم فيمكن المبادرة بإتّخاذ‬
‫هذه التّدابير لكن مع ضرورة الحصول على إذن قضائي ّ‬
‫يقر بصبغتها اإلستعجاليّة في أجل أقصاه أربع‬
‫وعشرون ساعة‪.‬‬

‫ونالحظ في هذا اإلطار أن تد ّخل مندوب حماية الطفولة لحماية الطفل المهدّد هو تد ّخل محدود‬
‫حيث أنه يباشر مهامه كمساعد لقاضي األسرة أو تحت إشرافه وبالتالي فهو يخضع إلى مراقبته بصفة‬
‫سابقة والحقة‪.‬‬

‫ولضمان مصلحة الطفل الفضلى وتحقيق حماية ناجعة له‪ ،‬الب ّد من تفعيل دور مندوب حماية‬
‫الطفولة بمنحه أكثر استقالليّة عن قاضي األسرة للقيام بمهامه الوقائيّة‪ ،‬وكذلك مزيد العمل على توفير‬
‫اآلليات الالّزمة للحماية من حيث عدد مندوبي حماية الطفولة تماشيا مع الكثافة ال ّ‬
‫سكانية لك ّل والية‪.‬‬

‫وإلى جانب الحماية اإلجتماعية التي وفّرتها م ح ط للطفل المهدّد فقد وفّرت له أيضا حماية قضائية‪ ،‬حيث‬
‫المشرع لقاضي األسرة صالحية التّدخل الوقائي في مختلف الحاالت الصعبة التي تهدّد صحّة الطفل‬
‫ّ‬ ‫أوكل‬
‫أو سالمته البدنيّة أو المعنويّة‪.‬‬

‫فإضافة إلى كونه قاضيا صلحيّا في قضايا الطالق‪ ،‬فقد منحه المشرع هذا الدّور الجديد وهو دور‬
‫حمائي‪،‬ال كما عهدنا القضاء له دور ردعي‪ ،‬حيث أصبح له مه ّمة التد ّخل قبل حدوث الجريمة وذلك بحماية‬
‫الطفل من اإلنحراف واإلنزالق في عالم اإلجرام‪ .‬وقد بيّن الفصل ‪ 51‬من م ح ط كيفيّة تع ّهد قاضي األسرة‪.‬‬
‫وبمجرد تع ّهده بوضعيّة الطفل المهدّد فإنه يشرع في مرحلة استقرائيّة يتولّى خاللها القيام بجملة من األعمال‬
‫ّ‬

‫‪102‬‬
‫الخاتمة‬
‫‪‬‬
‫صعبة ليتّخذ في شأنها التدبير الوقتي المناسب‬ ‫ّ‬
‫التحقّّ ق من وضعيّة الطفل ال ّ‬ ‫واألبحاث اإلستقرائيّة من أجل‬
‫تعرضت الفصول من‬
‫لضمان مصلحته الفضلى ويمكنه اإلستعانة في ذلك بعدّة هياكل لتسهيل عمله‪ ،‬وقد ّ‬
‫مخولة لقاضي األسرة‬
‫‪ 52‬إلى ‪ 57‬م ح ط إلى هذه المرحلة اإلستقرائيّة بما فيها من إجراءات وصالحيات ّ‬
‫كقاضي باحث‪.‬‬

‫وأ ّما الفصول من ‪ 58‬إلى ‪ 67‬من نفس المجلّة فقد تناول من خاللها المشرع المرحلة الحكميّة حيث‬
‫يتولّى قاضي األسرة البتّ في قضيّة الطفل المهدّد المتع ّهد به وإصدار حكم قضائي بشأنها متّبعا في ذلك‬
‫جملة من اإلجراءات‪ .‬كما تناولت الفصول سابقة الذكر اآلثار المترتّبة عن قرارات قاضي األسرة المتّخذة‬
‫في شأن الطفل المهدّد‪.‬‬

‫وقد حرص المشرع على احترام مبدأ الحفاظ على مصلحة الطفل الفضلى وإبقائه في محيطه‬
‫العائلي ّ‬
‫الطبيعي كلّما كان ذلك ممكنا وعلى مندوب حماية الطفولة وقاضي األسرة العمل بهذا المبدأ في‬
‫مراحل عملهما الوقائي‪.‬‬

‫األول والرئيسي الذي يتلقّى فيه الطفل مبادئ األخالق والسلوك الحسن‬
‫وتبقى األسرة هي المحيط ّ‬
‫األول عن انحراف الطفل‪.‬‬
‫وهي بذلك تعتبر المسؤول ّ‬
‫ّ‬
‫إن اآلليات التي جاءت بها م ح ط ال تبدو كفيلة لوحدها بحماية الطفل المهدّد بل الب ّد من تضافر‬
‫جهود ك ّل ّ‬
‫مكونات المجتمع المدني لمزيد ترسيخ ثقافة حقوق الطفل والوعي بواجب حماية الطفل المهدّد‪،‬‬
‫الريادي في تنشئة الطفل تنشئة سليمة على المستوى المادّي والمعنوي فالب ّد‬
‫وبما أن األسرة تلعب الدّور ّ‬
‫من مزيد دعم اإلحاطة باألسر لتشخيص العوامل التي تجعل أطفالها عرضة للتّهديد واتخاذ الحلول الكفيلة‬
‫الرزق وفرص‬
‫صعوبات التي تواجهها وذلك بتحسين ظروف عيشها وتوفير موارد ّ‬
‫بمساعدتها على تجاوز ال ّ‬
‫التشغيل مع ضرورة نشر الوعي وإصالح مناهج التعليم وكذلك القيام بعدّة دراسات مع ّمقة في كل المجاالت‬
‫ّ‬
‫بالطفولة‪.‬‬ ‫ذات العالقة‬

‫وما يمكن استخالصه هو أن رغم تكريس حقوق الطفل على المستوى التشريعي فإن واقع الممارسة‬
‫يبيّن ما يواجهه الطفل من صعوبات ومشاكل ومن انتهاكات ألبسط حقوقه‪ ،‬فمجلة حماية الطفل وغيرها‬
‫مجرد نصوص قانونية تحتاج‬
‫ّ‬ ‫تكرس حقوق الطفل وحقوق اإلنسان بصفة عامة تبقى‬
‫من القوانين التي ّ‬
‫التطبيق على أرض الواقع‪ ،‬لذلك فالتّحدي المطروح في هذا اإلطار هو كيفيّة الوصول بهذه الحقوق إلى‬
‫مستوى الممارسة اليوميّة داخل المجتمع بك ّل ّ‬
‫مكوناته وفئاته‪.‬‬

‫ت ّمت بعون هللا وحمده‬

‫‪103‬‬
‫المالحق‬
‫المراجع‬
‫المراجع باللّغة العربيّة‪:‬‬

‫المراجع العا ّمة‪:‬‬

‫‪ -‬مصطفى بن جعفر‪ :‬القانون الجزائي التونسي‪ .‬القسم العام‪ .‬د ن تونس ‪.2009‬‬
‫‪ -‬علــي عبــد القــادر القهــوجي‪ :‬قــانون العقوبــات‪ .‬القســم الخــاص‪ .‬جــرائم اإلعتــداء علــى اإلنســان‬
‫والمال‪ .‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪.2010‬‬
‫‪ -‬محمد فاضل الجمالي‪ :‬تربية اإلنسان الجديد‪ .‬الدار العربية للكتاب‪.1981 .‬‬
‫‪ -‬أحمد شبشوب‪ :‬مدخل إلى علم النفس التربوي‪ .‬المطبعة األساسيّة تونس ‪.1992‬‬
‫‪ -‬محمــد الهــادي بــن عبــد هللا‪ :‬القــانون الجزائــي للشــغل‪ .‬دار إســهامات فــي أدبيــات المؤسســة‬
‫تونس ‪.2001‬‬
‫العام ـة فــي القــانون التونســي‪ .‬شــركة أوربــيس‬
‫ّ‬ ‫والحريــات‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬عبــد هللا األحمــدي‪ :‬حقــوق اإلنســان‬
‫للطباعة والنشر‪ .‬تونس ‪.1993‬‬
‫‪ -‬رضــا خمــاخم ‪ :‬التّوجهــات الحديثــة للنّظــام القضــائي فــي تــونس‪ .‬شــركة أوربــيس للطباعــة‬
‫تونس ‪.2003‬‬

‫صة‪:‬‬
‫المراجع الخا ّ‬
‫العربيــة‪ .‬دار النشــر بــالمركز‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬رضــا المزغنــي‪ :‬رعايــة األحــداث فــي القــوانين والتشــريعات‬
‫العربي للدّراسات األمنيّة والتدريب بالرياض‪.1990 .‬‬
‫‪ -‬نجيبـــة الشـــريف بـــن مـــراد‪ :‬الطفـــل المهـــدّد‪ .‬الواقـــع واآلفـــاق‪ .‬دراســـة حقـــوق الطفـــل‬
‫الرسم‪ .‬تونس ‪.2000‬‬
‫المهدّد‪.‬الشركة التونسيّة للنشر وتنمية فنون ّ‬
‫‪ -‬محمــد الحبيــب الشريف‪.‬شــرح مجلــة حمايــة الطفــل‪ .‬مركــز الدراســات القانونيــة والقضــائية‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ -‬رضا خماخم‪ :‬مجلة حماية الطفل أداة للبيداغوجيا الجماعيّة‪ .‬مطبعة أوربيس ‪.1997‬‬
‫‪ -‬بســام عــاطف المهتــار‪ :‬اســتغالل األطفــال‪ .‬تحــدّيات وحلــول‪ .‬منشــورات الحلبــي الحقوقيــة‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ -‬مجــــدي عبــــد الكــــريم أحمــــد المكــــي‪ :‬جــــرائم األحــــداث وطــــرق معالجتهــــا فــــي الفقــــه‬
‫اإلسالمي‪.‬دراسة مقارنة‪.‬دار الجامعة الجديدة للنشر‪.‬اإلسكندرية ‪.2009‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -‬ســـامية دولـــة‪ :‬قضـــاء األطفـــال فـــي ّ‬
‫مجلـــة حمايـــة الطفـــل‪ .‬مركـــز الدراســـات القانونيـــة‬
‫والقضائية تونس ‪.2005‬‬
‫‪ -‬علـــي محمـــد جعفـــر‪ :‬حمايـــة األحـــداث المخـــالفين للقـــانون والمعرضـــين لخطـــر اإلنحـــراف‪.‬‬
‫دراسة مقارنة‪ .‬المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنّشر والتوزيع‪ .‬لبنان ‪.2004‬‬
‫‪ -‬مصـــطفى العـــوجي‪ :‬الحــــدث المنحـــرف أو المهـــدّد بخطـــر اإلنحــــراف فـــي التّشــــريعات‬
‫العربيّة‪ .‬مؤسسة نوفل لبنان ‪.1986‬‬
‫‪ -‬نجيبــة الشــريف بــن مــراد‪ :‬طفلنــا بــين التشــريع والقضــاء والمجتمــع‪ .‬الشــركة التونســية للنّشــر‬
‫الرسم تونس ‪.2000‬‬
‫وتنمية فنون ّ‬
‫‪ -‬عبــد هللا األحمــدي‪ :‬قــانون جنــائي خــاص‪ .‬الجــرائم األخالقيــة‪ .‬الخــدمات العامــة للنشــر تــونس‬
‫‪.1998‬‬
‫ألول)‪.‬الشـــركة التونســـية‬
‫‪ -‬نجيبـــة الشـــريف بـــن مـــراد‪ :‬قضـــاء األطفـــال فـــي تـــونس‪(.‬الجزء ا ّ‬
‫للنشر وتنمية فنون الرسم‪.‬تونس ‪.2004‬‬
‫‪ -‬نجيبــة الشــريف بــن مــراد‪ :‬قضــاء األطفــال فــي تــونس (الجــزء ّ‬
‫الثــاني)‪ .‬الشــركة التونســية‬
‫الرسم‪.‬تونس ‪.2005‬‬
‫للنشر وتنمية فنون ّ‬

‫المذكرات واألطروحات‪:‬‬
‫األطروحات‪:‬‬
‫‪ -‬رضـــا خمـــاخم‪ :‬الطفـــل والقـــانون الجزائـــي التونســـي‪.‬أطروحة لنيـ ـ ل شـــهادة الـ ـدّكتوراه فـــي‬
‫القانون الخاص والعلوم الجزائيّة‪ .‬كليّة الحقوق والعلوم السّياسية بتونس ‪.2007-2006‬‬

‫المذكرات‪:‬‬
‫‪ -‬سوســن المــاجري‪ :‬التصــدي للجــرائم المرتكبــة ض ـ ّد األطفــال‪ .‬مــذكرة للحصــول علــى شــهادة‬
‫الماجستير في العلوم الجنائيّة‪ .‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪.2008-2007‬‬
‫‪ -‬نجــالء الــردادي‪ :‬منــدوب حمايــة الطفولــة‪ .‬مــذكرة لنيــل شــهادة الماجســتير فــي قــانون العقــود‬
‫واإلستثمارات‪.‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪.2009-2008‬‬
‫ّ‬
‫المنظمة‪.‬مــذكرة لنيــل الماجســتير فــي العلــوم الجنائية‪.‬كليــة‬ ‫‪ -‬وائــل حــدّاد‪ :‬الطفــل فــي الجريمــة‬
‫الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس ‪.2006-2005‬‬
‫‪ -‬مليكــة الجملــي‪ :‬الحمايــة الجزائيــة للحرمــة الجســدية للطفــل‪ .‬رســالة للحصــول علــى شــهادة‬
‫الجنائيــة‪ .‬كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية بتــونس ‪-2002‬‬
‫ّ‬ ‫الدراســات المعمقــة فــي العلــوم‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ -‬زكريــا عبـــد هللا‪ :‬السياســـة الجنائيـــة مـــن خـــالل ّ‬
‫مجلــة حمايـــة الطفـــل‪ .‬رســـالة لنيـــل شـــهادة‬
‫الجنائيــة‪ .‬كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية بتــونس ‪-1999‬‬
‫ّ‬ ‫الدراســات المع ّمقــة فــي العلــوم‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ -‬إلهــام قاســم‪ :‬الحمايــة اإلداريــة للطفــل‪ .‬مــذكرة لنيــل شــهادة الدّراســات المعمقــة فــي القــانون‬
‫العام‪ .‬كلية الحقوق والعلوم السياسيّة بتونس‪.1997-1996.‬‬
‫‪ -‬نجيبـــة النصـــري‪ :‬الحمايـــة الجزائيـــة للطفل‪.‬مـــذكرة للحصـــول علـــى شـــهادة الماجســـتير فـــي‬
‫العلوم الجنائيّة‪ .‬كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪.2009-2008‬‬
‫‪ -‬فرجانية سليمان‪ :‬قاضي األسرة‪ .‬مذكرة لإلحراز على شهادة الدّراسات المع ّمقة في العلوم‬
‫الجنائية‪ .‬كلّية الحقوق والعلوم السياسية بتونس ‪.2002-2001‬‬

‫رسائل التخرج من المعهد األعلى للقضاء‪:‬‬


‫‪ -‬الهادي البحسيس‪ :‬الطفل المهدّد‪.1998.‬‬
‫‪ -‬وداد النّقاش‪ :‬استغالل الطفل في الجرائم‪.2007.‬‬
‫‪ -‬محمد البرينصي‪ :‬الجرائم المستحدثة‪.2007 .‬‬

‫المقاالت ‪:‬‬
‫‪ -‬عبـــد الباســـط الخالـــدي‪ :‬حمايـــة الطفولـــة المهـ ـدّدة فـــي التشـــريع التونســـي‪.‬م ق ت أكتـــوبر‬
‫‪.2007‬‬
‫‪ -‬روضــة العبيــدي‪ :‬حمايــة الطفولــة فــي تــونس علــى امتــداد خمســين ســنة مــن اإلســتقالل‪ .‬م ق‬
‫ت مارس ‪.2006‬‬
‫‪ -‬نهلة الجلولي‪ :‬حماية األسرة والطفولة في القانون التونسي‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪.2005‬‬
‫‪ -‬فاطمــة الزهــراء بــن محمــود‪ :‬الوســائل والتــدابير فــي قضــاء الطفــل المهــدّد‪ .‬م ق ت مــاي‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ -‬فتحي الميموني‪ :‬حماية الطفل بين التشريع والواقع المتجدد‪ .‬م ق ت فيفري ‪.2005‬‬
‫‪ -‬منصور القديدي جراية‪ :‬القاضي وحقوق اإلنسان‪ :‬م ق ت أكتوبر ‪.2003‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب الشريف‪ :‬حماية األطفال في النزاعات المسلحة‪ .‬م ق ت جويلية ‪.2003‬‬
‫‪ -‬بديع بن عباس‪ :‬التشريع التونسي ومقاومته لإلرهاب‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪.2002‬‬
‫‪ -‬رضا الوسالتي‪ :‬مظاهر العناية بالطفولة في التشريع التونسي‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪.2002‬‬
‫‪ -‬خديجة المدني‪ :‬واجب اإلشعار أداة لحماية الطفل‪ .‬م ق ت جانفي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬علي يوسف‪ :‬مندوب حماية الطفولة سند للطفل المهدّد‪ .‬م ق ت جانفي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬على الشورابي‪ :‬الحماية القانونية لمصالح الطفل الفضلى‪.‬م ق ت جانفي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬نجيبة الشريف‪ :‬دور قاضي األسرة في حماية الطفل المهدد‪.‬م ق ت جانفي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬حميدة العريف‪ :‬حماية الطفل من اإلستغالل اإلقتصادي‪.‬م ق ت جانفي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬مصطفى بن جعفر‪ :‬حماية األطفال من اإلستغالل الجنسي‪ .‬م ق ت جانفي ‪.1999‬‬
‫‪ -‬عبد هللا األحمدي‪ :‬مجلة حماية الطفل وحقوق اإلنسان‪ .‬م ق ت مارس ‪1997‬‬
‫‪ -‬حافظ بوكتيف‪ :‬واجب اإلشعار‪ .‬م ق ت مارس ‪.1997‬‬
‫‪ -‬محمد صالح بن حسين‪ :‬دور قاضي األسرة‪ .‬م ق ت مارس ‪.1997‬‬
‫‪ -‬مصطفى بن جعفر‪ :‬الحماية القضائية للطفل المهدد‪ .‬م ق ت مارس ‪.1997‬‬
‫‪ -‬لطفي الدواس‪ :‬خواطر حول حماية الطفل المهدد‪ .‬م ق ت مارس ‪.1997‬‬
‫‪ -‬الهادي سعيد‪ :‬لمحة تاريخية عن مجلّة حماية الطفل م‪.‬ق‪.‬ت مارس ‪.1997‬‬
‫‪ -‬الطيب اللّومي‪ :‬رعاية الطفولة في المجتمع المتوازن‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪.1979‬‬
‫‪ -‬الشاذلي بورقيبة‪ :‬أثر التدين في الح ّد من اإلجرام‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪.1969‬‬
‫‪ -‬رشيد الصباغ‪ :‬الطفل ووالية التربية‪ .‬م ق ت أكتوبر ‪.1969‬‬
‫‪ -‬محمد الحبيب بودن‪ :‬الوقاية من اإلجرام‪ .‬م ق ت سبتمبر ‪.1977‬‬

‫الملتقيات‪:‬‬
‫‪ -‬مجلــة حمايــة الطفــل ســنة بعــد‪ :‬ملتقــى دولــي بالمعهــد األعلــى للقضــاء أيــام ‪ 7‬و‪ 8‬جــانفي‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ -‬آليــات حمايــة الطفــل فــي القــانون التونســي‪ :‬دورة دراس ـيّة بالمعهــد األعلــى للقضــاء يــوم ‪25‬‬
‫مارس ‪.2004‬‬
‫‪ -‬القضاء وحقوق اإلنسان‪ :‬ملتقى وطني بالمعهد األعلى للقضاء يوم ‪ 12‬نوفمبر ‪.1998‬‬
‫شخصــية‪ :‬ملتقــى ّ‬
‫نظمــه المعهــد األعلــى‬ ‫‪ -‬دور فقــه القضــاء فــي تــدعيم مبــادئ مجلــة األحــوال ال ّ‬
‫للقضاء ومحكمة اإلستئناف بتونس في ‪ 17‬جوان ‪.2006‬‬
‫القوانين واإلتفاقيّات‪:‬‬
‫المؤرخة في ‪ 20‬نوفمبر ‪.1989‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬اتّفاقية حقوق الطفل‬
‫‪ -‬القانون عـ‪93‬ـدد لسنة ‪ 1991‬المؤرخ في ‪ 29‬نوفمبر ‪ 1991‬المتعلق بمصادقة تونس على اتّفاقية‬
‫حقوق الطفل‪.‬‬
‫ّ‬
‫السن األدنى للقبول بالعمل‪.‬‬ ‫‪ -‬اتّفاقية ّ‬
‫منظمة العمل الدولية رقم ‪ 138‬المتعلّقة بتحديد‬
‫المؤرخ في ‪.1966/12/16‬‬
‫ّ‬ ‫الخاص بالحقوق اإلقتصاديّة واإلجتماعيّة والثّقافية‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬العهد الدّولي‬
‫صادر في ‪ 18‬ماي ‪ 1992‬المتعلّق بالمخدّرات‪ ،‬ت ّم تنقيحه بمقتضى القانون‬
‫‪ -‬القانون عـ‪52‬ـدد ال ّ‬
‫مؤرخ في ‪ 30‬نوفمبر‬
‫عـ‪94‬ـدد في ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1995‬ث ّم بمقتضى القانون عـ‪101‬ـدد لسنة ‪ّ 1998‬‬
‫‪.1998‬‬
‫المؤرخ في ‪ 12‬جويلية ‪ 1993‬المتعلّق بتعديل مجلّة األحوال‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪74‬ـدد لسنة ‪1993‬‬
‫شخصية فيما يتعلّق بتعاون ّ‬
‫الزوجين لصالح األطفال‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫المؤرخ في ‪ 10‬ديسمبر ‪ 2003‬المتعلّق بدعم المجهود الدّولي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪75‬ـدد لسنة ‪2003‬‬
‫لمكافحة جرائم اإلرهاب ومنع غسل األموال‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 6‬مارس ‪ 2006‬المنقّح للفصل ‪ 66‬م أ ش وبمقتضاه‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪10‬ـدد لسنة ‪2006‬‬
‫مكرر والقاضي بإقرار ّ‬
‫حق األجداد في زيارة أحفادهم‪.‬‬ ‫أضيف الفصل ‪ّ 66‬‬
‫‪ -‬قانون ‪ 10‬جويلية ‪ 1995‬المتعلّق بمصادقة تونس على اتّفاقية ّ‬
‫منظمة العمل الدّولية رقم ‪138‬‬
‫ّ‬
‫السن األدنى للقبول بالعمل‪.‬‬ ‫المتعلّقة بتحديد‬
‫المؤرخ في ‪ 23‬جويلية ‪ 2002‬المتعلّق بالتّربية والتّعليم‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون التّوجيهي عدد ‪2002-80‬‬
‫المدرسي‪.‬‬
‫‪ -‬قانون ‪ 9‬نوفمبر ‪ 1995‬المنقّح لبعض فصول المجلّة الجزائيّة‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 4‬مارس ‪ 1958‬المتعلّق بالوالية العموميّة والكفالة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪27‬ـدد لسنة ‪1958‬‬
‫والتّبني‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ 1983‬المتعلّق بضبط النّظام األساسي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪112‬ـدد لسنة ‪1983‬‬
‫للوظيفة العموميّة‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 1‬جويلية ‪ 1995‬المتعلّق بعملة المنازل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪25‬ـدد لسنة ‪1995‬‬
‫المؤرخ في ‪ 29‬جويلية ‪ 1991‬المتعلّق بالنّظام التّربوي‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬القانون عـ‪25‬ـدد‬
‫‪ -‬القانون عـ‪79‬ـدد في ‪ 11‬جويلية ‪ 1988‬المتعلّق بمصادقة تونس على اإلتّفاقية الدّوليّة لمناهضة‬
‫التّعذيب‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 17‬جوان ‪ 1996‬المتعلّق بالنّظام األساسي لسلك‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬األمر عـ‪1134‬ـدد لسنة ‪1996‬‬
‫مندوبي حماية الطفولة و مجاالت تد ّخله وطرق تعامله مع المصالح والهيئات اإلجتماعية‬
‫المعنيّة‪.‬‬
‫المؤرخ في ‪ 19‬ديسمبر ‪ 2005‬المنقّح لألمر عـ‪1134‬ـدد لسنة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬األمر عـ‪3287‬ـدد لسنة ‪2005‬‬
‫المؤرخ في ‪ 17‬جوان ‪.1996‬‬
‫ّ‬ ‫‪1996‬‬
‫الرسمي للجمهوريّة التّونسية‪ .‬مداوالت مجلس النّواب‪ .‬جلسة يوم الثّالثاء ‪ 31‬أكتوبر‬
‫الرائد ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪.1995‬‬

‫المعاجم‪:‬‬
‫‪ -‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬دار بيروت للطباعة والنشر‪.‬‬
‫‪ -‬القاموس الجديد للطالب‪ :‬الشركة التونسية للتوزيع‪.‬تونس‪.‬الطبعة الخامسة ‪.1984‬‬

‫متفرقات‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬التّقرير الوطني حول وضع ّ‬
‫الطفولة بتونس لسنة ‪.2010‬‬
‫‪ -‬التّقرير الوطني حول وضع ّ‬
‫الطفولة بتونس لسنة ‪.2006‬‬
‫‪ -‬تقرير اليونيسيف لوضع األطفال في العالم لسنة ‪.2011‬‬

‫‪ -‬المواقع اإللكترونيّة‪:‬‬
‫‪http:// www.enfants-tunisiens.tn/adulte/lois.htm‬‬
‫‪http://www.enfants-tunisiens.tn/adulte/delegue.htm‬‬

‫المراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬


‫‪- Michel Henry : les jeunes en danger. Le champ d’application de l’assistance‬‬
‫‪éducative .édition CFRES. Vaucresson 1972.‬‬
‫‪- Francis Caballero : Droit de la drogue. jurisprudence générale Dalloz‬‬
‫‪1989.‬‬
‫‪- Charpentier Jehanne : le droit de l’enfance abandonnée. Presses‬‬
‫‪universitaires de France 1967.‬‬
‫‪- Claire Neirinck : La protection de la personne de l’enfant contre ses‬‬
‫‪parents. Librairie de droit et de Juris prudence. Paris 1984.‬‬
- Renucci Jean-François : Enfance délinquante et enfance en
danger.Edition du C.N.R.S Paris 1990.
- Fournié Anne-Marie : La protection judiciaire de l’enfance en danger.
Librairie technique 1970.
- Michel huyette : Guide de la protection judiciaire de l’enfant. Dunod.
Paris 1999.
- Antoine Garapon et Denis Salas : La justice des mineurs. Evolution d’un
modèle. Edition Bruylant. L.G.D.J Paris 1995.

:‫األطروحات والمذكرات باللغة الفرنسية‬


:‫األطروحات‬
- Ferchichi Béchir : la tutelle des pères et mères sur leurs enfants
mineurs dans les droits Marocain et Tunisien comparés. thèse de
doctorat d’Etat. Université de Tunis 1983.

:‫المذكرات‬
- Trabelsi Hajer : l’exploitation de l’enfant. Mémoire pour
l’obtention du mastère en droit des affaires. Faculté des sciences
juridiques, politiques et sociales. Université de carthage 2005-
2006.
- Ben Ali Graa Soumaya : L’exploitation sexuelle de l’enfant. DEA en
sciences juridiques fondamentales. Faculté des sciences
juridiques, politiques et sociales 1999-2000.

:‫المقاالت‬
- Bel Haj Hamouda Ajmi : Définitions comparées des concepts de
déviance et de délinquance. R.T.D 1992.
- Chazel Jean : Convergences et divergences en matière de
protection judiciaire des mineurs. Revue des sciences criminelles
et de droit comparé 1979. N°1.
‫الفهرس‬
‫المقدمة‬
‫‪...........................................................................‬‬
‫صعبة الموجبة للحماية‪.................‬‬ ‫األول‪ :‬الحاالت ال ّ‬ ‫الجزء ّ‬
‫الفصل األول‪ :‬الحاالت المهدّدة لتربية الطفل‪....................:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬فقدان اإلطار التربوي‪..............................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬فقدان اإلطار التربوي بالنسبة للطفل الطبيعي‪..............................:‬‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬فقدان اإلطار التّربوي بالنّسبة لل ّ‬
‫طفل الشّرعي‪.............................:‬‬
‫الفرع الثّاني‪ :‬غياب الدور التربوي‪..............................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التقصير البيّن في التربية والرعاية‪.....................................:‬‬
‫الفقرة الثاّنية‪ :‬العجز عن رعاية الطفل‪........................................:‬‬
‫الفصل الثّاني ‪ :‬الحاالت المهدّدة لسالمة الطفل‪..................:‬‬
‫األول ‪ :‬حاالت استغالل الطفل‪............................:‬‬
‫الفرع ّ‬
‫الفقرة األولى‪ :‬االستغالل في اإلجرام المنظم‪......................................:‬‬
‫أ‪ -‬االستغالل في الجرائم اإلرهابيّة‪.............................................................................:‬‬
‫ب‪ -‬االستغالل في جرائم المخ ّدرات‪..............................................................................:‬‬
‫ج‪ -‬االستغالل في النزاعات المسلّحة‪...........................................................................:‬‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬اإلستغالل الجنسي‪..........................................:‬‬
‫أ‪ -‬الطرق التقليدية لالستغالل الجنسي للطفل‪..................................................................:‬‬
‫ب‪-‬الطرق المستحدثة لالستغالل الجنسي للطفل‪.............................................................:‬‬
‫الفقرة الثّالثة‪ :‬االستغالل االقتصادي‪.........................................:‬‬
‫للتسول‪.........................................................................................:‬‬
‫ّ‬ ‫أ‪ -‬تعريض الطفل‬
‫ب‪ -‬تشغيل األطفال في ظروف مخالفة للقانون‪.................................................................‬‬
‫‪ -1‬الشروط القانونية المتعلقة بسن الطفل‪.....................................................................:‬‬
‫‪ -2‬الشروط القانونية المتعلقة بظروف العمل‪.................................................................:‬‬
‫الفرع الثّاني ‪ :‬حاالت الخطر المل ّم‪...............................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إهمال الطفل‪..............................................:‬‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬الت ّ ّ‬
‫شرد‪................................................:‬‬
‫الفقرة الثّالثة‪ :‬اعتياد سوء معاملة الطفل‪......................................:‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬آليات‬
‫الحماية‪..................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬الحماية االجتماعية للطفل المهدّد‪.................‬‬
‫المختص‪ :‬مندوب حماية ال ّ‬
‫طفولة‪................:‬‬ ‫ّ‬ ‫الفرع األول‪ :‬الهيكل الحمائي‬
‫الفقرة األولى‪ :‬شروط تدخل مندوب حماية الطفولة‪.................................:‬‬
‫سابقة لتعيين مندوب حماية الطفولة‪...........................................................:‬‬
‫أ‪ -‬الشروط ال ّ‬
‫طفولة‪..........................................................:‬‬‫ب‪ -‬الشروط الالحقة لتعيين مندوب حماية ال ّ‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬صالحيات مندوب حماية الطفولة‪..................................:‬‬
‫الفرع الثّاني ‪ :‬آليات تد ّخل مندوب حماية الطفولة‪......................:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬آلية اإلشعار‪..............................................:‬‬
‫أ‪ -‬إحداث آلية اإلشعار‪.............................................................................................:‬‬
‫‪ -1‬مفهوم اإلشعار وأبعاده‪........................................................................................:‬‬
‫‪ -2‬شروط القيام باإلشعار‪...............................................................................:‬‬
‫ب‪ -‬النظام القانوني لإلشعار‪.............................................................................:‬‬
‫‪ -1‬أنواع اإلشعار‪........................................................................................:‬‬
‫‪ -2‬ضمانات القيام باإلشعار‪.............................................................................:‬‬
‫‪ -3‬جزاء اإلخالل بواجب اإلشعار‪.......................................................................:‬‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬اتّخاذ التدابير الحمائ ّية من طرف مندوب حماية ال ّ‬
‫طفولة‪........................:‬‬
‫أ‪ -‬التّدابير اإلتفاقيّة‪.......................................................................................:‬‬
‫‪ -1‬محتوى التدابير‪......................................................................................:‬‬
‫‪ -2‬إجراءات التدابير‪.....................................................................................:‬‬
‫ب‪ -‬التدابير العاجلة‪......................................................................................:‬‬
‫‪ -1‬محتوى التدابير‪.......................................................................................:‬‬
‫‪ -2‬إجراءات التدابير‪.....................................................................................:‬‬

‫الفصل الثّاني‪ :‬الحماية القضائيّة للطفل المهدّد‪....................‬‬


‫األول‪ :‬المرحلة اإلستقرائيّة‪..............................:‬‬
‫الفرع ّ‬
‫الفقرة األولى‪ :‬كيفية تع ّهد قاضي األسرة‪.......................................:‬‬
‫مجرد مطلب‪........................................................................:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ -‬التع ّهد بناء على‬
‫‪ -1‬الهياكل القضائية‪.....................................................................................:‬‬
‫‪ -2‬الهياكل اإلدارية‪......................................................................................:‬‬
‫ب‪ -‬التع ّهد التلقائي لقاضي األسرة‪.....................................................................:‬‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬األعمال اإلستقرائيّة لقاضي األسرة‪..................................:‬‬
‫صعبة‪...................................................................:‬‬ ‫أ‪ -‬التحقّق من وضعيّة الطفل ال ّ‬
‫صالحيات التحقيقيّة لقاضي األسرة‪...............................................................:‬‬ ‫‪ -1‬ال ّ‬
‫‪ -2‬الهياكل المساعدة لقاضي األسرة‪...................................................................:‬‬
‫ب‪ -‬اتّخاذ التدابير الوقتية‪................................................................................:‬‬
‫‪ -1‬محتوى القرار الوقتي‪...............................................................................:‬‬
‫‪ -2‬المراجعة الشهرية للقرار الوقتي‪...................................................................:‬‬
‫الفرع الثّاني ‪ :‬المرحلة الحكميّة‪.................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اإلجراءات المتّبعة خالل الجلسة الحكم ّية ‪...............................:‬‬
‫أ‪ -‬سماع األطراف المعن ّية‪...............................................................................:‬‬
‫ب‪ -‬تلقّي المالحظات ‪....................................................................................:‬‬
‫الفقرة الثّانية‪ :‬القرارات الصادرة عن قاضي األسرة‪.................................:‬‬
‫تنوع الوسائل في قرارات قاضي األسرة‪........................................................... :‬‬ ‫أ‪ّ -‬‬
‫‪ -1‬إبقاء الطفل في محيطه العائلي‪.....................................................................:‬‬
‫‪ -2‬إبعاد الطفل عن محيطه العائلي‪.................................................................... :‬‬
‫ب‪ -‬آثار القرارات الصادرة عن قاضي األسرة‪........................................................ :‬‬
‫‪ -1‬الطعن في قرار قاضي األسرة‪.......................................................................:‬‬
‫‪ -2‬متابعة تنفيذ قرارات قاضي األسرة و مراجعتها‪..................................................:‬‬
‫الخاتمة ‪....................................................................................................‬‬
‫المالحق‬
‫المراجع‬
‫الفهرس‬

You might also like