Professional Documents
Culture Documents
تمثل فيه التشريعات التونسية الخاصة بالطفل مثاالً يحتذى وفق ما تؤكده
تقارير دولية ،إال أ ّنها لم تستطع أن تخفي ذلك الواقع الذي تعانيه براءة الطفولة على صعيد
االنتهاكات المتكررة المرشحة للتصاعد.
انفردت تونس بإصدار مجلة حماية الطفل سنة 1995في العالم العربي واإلسالمي ،بعد أن
صادقت العام 1991على اتفاقية األمم المتحدة لحقوق الطفل ،وقد م ّكنها ذلك من إجراء تعديالت
وتنقيحات على تشريعات قانونية لها صلة بحقوق الطفل مثل "األحوال الشخصية" و"اإلجراءات
الجزائية" وغيرهما ،كما صادقت تونس على العديد من االتفاقيات الدولية التي تتعلق بحماية
الطفولة أهمها ما يتعلق بعمالة األطفال.
وينص الدستور التونسي في الفصل 47منه على أنّ "حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة
ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم ،على الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل
األطفال دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل".
غير أنّ التشريعات وحدها ال تكفي لتضمن لألطفال ما يحتاجونه من أمن اجتماعي ونفسي
وضمان لحقوقهم وممارستها؛ ففي العام 2016مثالً بلغ عدد اإلشعارات المتعلقة باالستغالل
الجنسي الواردة على مكاتب مندوبي حماية الطفولة 635 ،إشعاراً حسب التقرير السنوي الذي
يصدر عن مندوبي حماية الطفولة الصادر في فيفري ،2017وهو رقم مفزع يفيد تزايد عدد
حاالت االعتداء على كرامة األطفال.
ّ
يمثل األطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5و 17سنة ثلث المجتمع التونسي تقريباً ،حسب
إحصائيات المعهد الوطني لإلحصاء ،ويبين المعهد أنّ عُشر األطفال التونسيين يشتغلون ،و( %6
136ألفاً) من األطفال يعملون أعماالً خطرة ،وهي أرقام مفزعة رغم تطور المنظومة التشريعية
الخاصة[ باألطفال في تونس.
أما العنف المسلط على األطفال فإنّ اإلحصائيات تدعو فعالً إلى تأمل واقع األطفال جديا ً ليتالءم
معيشهم مع ما تضمنه لهم االتفاقيات والقوانين والدساتير خصوصا في تونس .أكدت تعرض نحو
%93من األطفال التونسيين ممن تتراوح أعمارهم بين 2و 14سنة ،مرة واحدة على األقل ،إلى
شكل من أشكال العنف ،من خالل تسليط عقوبة نفسية ،أو جسدية عليهم من قبل أمهاتهم أو ممن
يتكفلون بهم ،أو من أحد أفراد العائلة ،كما أثبتت الدراسة نفسها أن أكثر من %30من األطفال
تعرضوا لعقوبات جسدية صارمة.
ويق ّدر عدد المنقطعين عن التعليم في تونس وفق تقارير وزارة التربية بقرابة 100ألف سنوياً،
وهو رقم مفزع ساهم في رفع معدالت الجريمة لدى األطفال ،كما رفع نسب االنحراف بسبب
البطالة والفراغ ،كما ضخم نسبة العاطلين عن العمل وتنامت حاالت االنتحار في صفوف
األطفال.
إنّ الوضع الذي يعيشه األطفال في تونس أصعب ما يكون ،والجرائم التي ُترتكب في حقهم أكثر
من أن ُتحصى ،ولمّا كانت الترسانات الكثيرة من القوانين والتشريعات قد ضمنت لهم نظريا ً
يرتق بعد إلى مستوى هذه
ِ حقوقاً[ تمكنهم من عيش حياة الئقة ،فإنّ الوعي العام لدى التونسي لم
التشريعات ،ثم إنّ الدولة لم ُت ِ
رس بعد المؤسسات الالزمة لتطبيق هذه القوانين وترسيخها في
الواقع ومراقبتها بما يضمن عدم التعدي على األطفال وعلى حقوقهم.