Professional Documents
Culture Documents
المغربية
الحماية الجنائية لألسرة تعتبر األسرة الخلية األولى التي يرى اإلنسان فيها النور ،والمدرسة األولى التي تلقى فيها مبادئ
الحياة ،حيث نصت الفقرة األولى من ديباجة اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان لسنة 1948على أن األسرة هي العنصر
.الطبيعي واألساسي للمجتمع والدولة
وألهميتها هاته أحاطتها التشريعات المختلفة بمقتضيات قانونية عدة ،بدء من العقد المؤسسة لها –وهو عقد الزواج -إلضفاء
حماية قانونية كفيلة بأن تضمن لها االستقرار إذا تضافرت مع عوامل اقتصادية واجتماعية مالئمة .والمشرع الجنائي المغربي
أحاط نظام األسرة بحماية خاصة من خالل نصه على مقتضيات زجرية منها ما هو خاص بالزواج ،حماية للعالقة الزوجية،
.ومنها ما هو خاص بحماية الطفل الذي هو ثمرة هذه العالقة ،ومنها ما هو خاص بالمرأة
المبحث األول :الحماية الجنائية للعالقة الزوجية
تعد األسرة المجتمع األول الذي يواجهه األفراد ،لذلك فهي تباشر أثرها القوي في توجيه تصرفاتهم وسلوكياتهم ،فإذا كانت
األسرة متماسكة يسودها الحب والتفاهم واالحترام واألخالق الحميدة يكون هناك توازن في العالقة الزوجية بين الطرفين،
فيقوم كل واحد منهما بتلبية حاجيات الطرف اآلخر والسهر على راحته ،أما إذا كانت األسرة متفككة يسودها التنافر وعدم
التفاهم والعالقة السيئة بين الزوجين ،فيترتب عن ذلك عدم االكتراث للعالقة الزوجية ،فيكون لكل واحد منهما حياته الخاصة
التي يسعى جاهدا إلى االستمتاع بها وتلبية رغباته دون األخذ بعين االعتبار وجود عالقة زوجية قائمة بينهما ،مما يسمح
بخيانة أحدهما لآلخر ،أو إهمال أحدهما لبيت الزوجية أو استعمال العنف أو الضرب والجرح من أحد الزوجين ضد اآلخر.
.مما حدا بالمشرع إلى التدخل لتجري هذه األفعال حماية للعالقة الزوجية
والمشرع المغربي-كغيره من التشريعات اإلسالمية التي تجرم كل ما يتنافى مع مبادئ الشريعة اإلسالمية -ال يعترف إال
بمؤسسة الزواج كرابط شرعي بين رجل وامرأة بناء على عقد زواج صحيح .فقد نص الفصل 491من ق.ج في فقرته
األولى على أنه ”:يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية،
وال يجوز المتابعة في الحالة إال بناء على شكوى من الزوج أو الزوجة المجيز عليها…” وقد سار على نهج
…المشرع المغربي في تجريم الخيانة الزوجية كل من نظيره المصري والليبي والجزائري
وبخالف هذه التشريعات نجد المشرع التونسي ال يعاقب على جريمة الخيانة الزوجية بالمعنى الواسع إال إذا كن ذلك بالمقابل
وخارج دور البغاء حيث يعتبر في هذه الحالة بغاء سريا يعاقب عليه بأحكام الفصل 231من المجلة الجنائية ،أو إذا كانت
([)]2
الفتاة المتصل بها قاصر.
أما التشريع الفرنسي فقد ميز في العقوبة بين أطراف الجريمة ،بحيث أن الزوجة الزانية تعاقب بالسجن من ثالثة أشهر إلى
سنتين (م ) 337كما يخضع شريكها إلى نفس العقاب مع الغرامة ،أما الزوج الزاني فإن عقوبته محصورة على الغرامة شرط
أن يكون قد زنى في بيت الزوجية ،أو اتخذ له خليلة في منزل الزوجية (م )339ولم يتطرق المشرع الفرنسي إلى عقوبة
([)]3
شريكة الزوج.
وزنا الزوج في بيت الزوجية شرط لقيام جريمة الخيانة الزوجية في حقه في القانون المصري كذلك إذ نصت المادة 4من
قانون العقوبات المصري على أنه ”:كل زوج زنا في منزل الزوجية وثبت عليه هذا األمر بدعوى الزوجة يجازى
“بالحبس مدة ال تزيد عن ستة شهور
والحماية الجنائية للعالقة الزوجية ال تقتصر فقط على اعتبار العالقة الزوجية عنصرا تكوينيا في جريمة الخيانة الزوجية،
وإنما تمتد هذه الحماية إلى تمتيع أي من الزوجين بظرف مخفض للعقوبة في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكبه
([)]4
أحد الزوجين ضد الزوج اآلخر أو شريكه عند مفاجأتهما متلبسين بجريمة الخيانة الزوجية.
ويعتبر تمتيع الزوجين معا بهذا العذر المخفف من أهم ما جاء به القانون رقم )]5[(24-03وذلك تكريسا لمبدأ المساواة الذي
يجب أن يسود القانون الجنائي c،على اعتبار أن الزواج يربط الزوجين معا ويرتب حقوقا وواجبات متبادلة بين الزوجين وليس
هناك أي اعتبار يبرر حرمان الزوجة من هذا العذر المخفض للعقوبة.
([)]6
وبتجريم المشرح لالنحالل الخلقي وكل الوسائل المساعدة له أو الداعية إليه يعمل جاهدا لحماية األخالق بصفة عامة ومنع
تأثيرها السيئ على األسرة ،وحرصا على تحصين هذه األخيرة من كل ما من شأنه أن يزعزع دعائمها وتماشيا مع هذا
الهدف فقد جعل المشرع المتابعة في جريمة الخيانة الزوجية مرتبطة بضرورة تقديم شكوى من الزوج أو الزوجة المجني
عليها.
([)]7
وفي هذا اإلطار ينص الفصل 479من ق.ج على أنه”:يعاقب كل من األب أو األم إذا ترك أحدهما بيت األسرة
دون موجب قاهر مدة تزيد عن شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية أو المادة الناشئة عن
الوالية األبوية أو الوصاية أو الحضانة وال ينقطع أجل الشهرين إال بالرجوع إلى بيت األسرة رجوعا ينم
“.عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية
ويعني ذلك خروج األب أو األم من البيت الذين يقيمان فيه مع أطفالهما إلى مكان آخر ،وسواء كان ذلك المكان بعيدا أم قريبا
يجب أن يوافق ذلك الخروج إخالل أحد األبوين بواجبات الوالية أو الوصاية أو الحضانة([ .)]9أما إذا أستمر أحد الزوجين في
رعاية األبناء رغم بعده عن بيت األسرة ،وكان ينفق على أسرته من بعيد ويرعى أبناءه من خالل توجيهاته لهم من مكان
خارج بيت األسرة فال تثبت في حقه جريمة إهمال األسرة ،غير أن هذا االمتياز ال يتوفر لألم التي تتملص من واجب
.الحضانة ،لكون أبنائها يجب أن يظلوا معها حتى تتمكن من رعايتهم
أما فيما يخص فترة الغياب عن بيت األسرة فقد حددتها المادة 479من ق.ج في غياب أحد األبوين عن بيت األسرة ألكثر من
.شهرين ،وهذا التحديد يفهم منه أن هذه الفترة قد تكون شهرين أو أكثر
والمشرع أراد أن يقطع الطريق على الزوج المخادع الذي يتحايل ،وذلك بالحضور إلى بيت الزوجية بين الحين واآلخر،
األمر الذي دفع به إلى التنصيص في الفصل 479من ق.ج على أنه”:ال ينقطع أجل الشهرين إال بالرجوع إلى بيت
الزوجية رجوعا عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة نهائية“ .غير أن اإلرادة الحقيقية الستئناف الحياة
الزوجية بصورة نهائية مسألة من الصعب إثباتها نظرا الرتباطها بالنية التي تعتبر من األمور الخفية التي ال يمكن للقضاء أن
.يطلع عليها
وقد أقر المشرع نفس عقوبة إهمال األسرة لمن يترك زوجته وهي حامل ،شريطة علم الزوج بوجود هذا الحمل عند قيامه
.بمغادرة بيت الزوجية
وما قيل عن اإلرادة النهائية الستئناف الحياة العائلية يمكن قوله عن مسألة العلم بالحمل إذ من الصعب إثبات هذا العلم
.خصوصا إذا كانت الزوجة في الشهور األولى للحمل
ويستخلص من المادة 479بمفهوم المخالفة أن الزوجة إذا لم تكن حامال وأهملها زوجها ألكثر من شهرين دون عذر مقبول ال
يحق لها متابعته بهذه الجريمة .كما أن الزوجة الحامل إذا هي أقدمت على مغادرة بيت الزوجية وكان زوجها عالما بحالة
.الحمل ،ال يجوز له متابعتها بإهمال األسرة ،إال إذا وجد أطفال صغار قي البيت الذي غادرته وتخلت عنهم دون عذر قاهر
وإذا كان هذا القول قد يفسر بأن المشرع المغربي قد جرم إهمال األسرة حماية لمصلحة األطفال بالدرجة األولى ،فإن تأثير
هذه الجريمة على العالقة الزوجية ال يمكن أن ينكره اللبيب ،كما أن ضرر غياب أحد الزوجين عن بيت الزوجية يطال الزوج
اآلخر بال شك مما يدفعنا إلى القول بأنه ما كان على المشرع أن يعلق قيام الجريمة على وجود أطفال أو حمل وهذا االعتبار
هو الذي دفعنا إلى دراسة هذه الجريمة تحت عنوان”الحماية الجنائية للعالقة الزوجية” باإلضافة إلى اعتبار آخر وهو
.أن هذه الجريمة تجمعها مع الجرائم في هذا الباب خاصة جوهرية وهي كونها ترتكب من قبل أحد الزوجين
كما نص المشرع في الفصل 480من ق.ج على أنه ”:يعاقب بعقوبة إهمال األسرة من صدر عليه حكم نهائي أو
قابل للتنفيذ المؤقت بدفعه نفقة إلى زوجه أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها
“.المحدد
فانطالقا من هذا النص يتبين أن الجريمة المذكورة تقوم متى أمسك الجاني عمدا عن أداء النفقة لمستحقيها ،زوجة كانت أو
أحد األصول أو الفروع ،وذلك بعد صدور حكم نهائي أو قابل للتنفيذ المعجل يقضي بأدائها ،وأن يمسك المدين عن دفعها
عمدا ،فاألصل هو مالءة الذمة ،ومن ثم على المدين بالنفقة أن يثبت حسن نيته ،أما القصد الجنائي أو النية الجريمة فتفترض
وعلى الملزم بالنفقة أن يأتي بالحجة على أنه معسر.
([ )]10
يعاقب كل من ارتكب عمدا ضربا أو جرحا أو أي نوع آخر من العنف أو اإليذاء ضد أحد أصوله أو ضد“
“كافله أو ضد زوجه
والعناية من تعديل هذا النص وغيره مما يتعلق بحماية الطفل والمرأة على النصوص ،هي مسايرة مجموعة من المستجدات
التي عرفتها قوانين أخرى في بلدنا ،كقانون المسطرة الجنائية ،قانون الحالة المدنية ،مدونة الشغل ،قانون مكافحة اإلرهاب،
قانون الصحافة ،مدونة التجارة ثم مدونة األسرة ،وهو ما يفرض مالءمة القانون الجنائي مع هذه القوانين حتى يتمكن المشرع
.من تحقيق التكافل وإزالة التناقص حماية لألسرة([ ،)]11وتحقيقا لمبدأ أي الحرية والمساواة
ويقابل الفصل 404من ق.ج المغربي المادة 232/13من القانون الجنائي الفرنسي التي تنص على أن”:العنف الذي
…يترتب عنه عجز عن العمل لمدة أقل أو تساوي 8أيام
:يعاقب بـ 3سنوات حبسا وغرامة 300.000فرنك عندما يرتكب ضد
1-….
2-….
“من طرف زوج أو صديق الضحية 6-
وينص المشرع المغربي التعديل األخير صراحة على تجريم العنف بين األزواج أصبح هناك توافق بين التشريع المغربي
وغيره من التشريعات المقارنة ،على اعتبار أنه قبل هذا التعديل لم يكن هناك أي تنصيص على الضرب والجرح ضد أحد
الزوجين ،األمر الذي دفع بالمشرع أمام تكاثر هذه الظاهرة –والفراغ التشريعي -إلى تجريم هذه األفعال حرصا منه على
ضرورة تحسين وضمان تماسك كل مكونات المجتمع وعلى رأسها األسرة ،والمرأة والطفل بالخصوص .ولقد كان للمجتمع
المدني الدور الفعال في هذا الميدان وذلك من خالل العمل النشيط الذي تقوم به الجمعيات.
([ )]12
وتكريسا للحماية الجنائية للزوجين كل في مواجهة اآلخر ،قرر المشرع المغربي إخضاع الجنح الزوجية للمماثلة في تقرير
حالة العود([ . )]13وإذا أضاف إلى الئحة الجنح المتماثلة والتي ينص عليها الفصل -158كل الجنح التي ارتكبها زوج في حق
الزوج اآلخر “ ،وهذه الجنح تعتبر متماثلة لتقرير حالة العود ،وإن تباعدت عن بعضها البعض من حيث
التكييف والوصف القانوني ،فالزوج الذي يرتكب ضد زوجته عنفا ثم يصدر في حقه حكم حائز لقوة الشيء
المقضي به ثم يرتكب ضدها قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ عقوبة الحبس أو تقادمها جنحة تهديد
أو قذف أو إهمال يعتبر في حالة عود ،ونفسه األمر بالنسبة للزوجة التي تجرم في حق زوجها“.
([ )]14
كما شدد المشرع العقوبة في حاالت العنف بين الزوجين إذ لم يعد العنف الذي يرتكبه الزوج ضد زوجته أو الزوجة ضد
زوجها يدخل في نطاق الحاالت العادية ،وإنما تدخل المشرع ليتصدى لجرائم العنف بين األزواج –والمتزايدة -وذلك بإضافته
“أو ضد زوجه” في الفصل 404من ق.ج ،والذي كان يشدد العقوبة في حالة ارتكاب ضرب أو جرح أو عنف أو إيذاء
ضد األصول .وبذلك أصبح تشديد العقوبة يشمل جرائم العنف التي يرتكبها الزوج ضد زوجته أو التي ترتكبها الزوجة ضد
زوجها ،سواء نتج عنها مرض أو عجز تتجاوز مدته عشرين يوما أو تقل عن ذلك أو لم ينتج عنها مرض أو عجز أصال
وسواء أدت إلى إحداث عامة دائمة أو أدت إلى الموت دون نية إحداثه .ولكن إعمال هذا المقتضى تعترضه صعوبة جدية
تتمثل في تعذر إثبات هذا العنف مادام يرتكب غالبا خلف أسوار بيت الزوجية.
([ )]15
وإمعانا من المشرع في توفير الحماية الالزمة للطفل والمرأة وكذلك للزوج أعفى األطباء ومساعديهم من ضرورة االحتفاظ
بالسر المهني عند علمهم أثناء مزاولتهم مهامهم بتعريض طفل من الثامنة عشرة أو امرأة أو أحد الزوجين للعنف وتمكينهم
بالتالي من التبليغ عن ذلك.
([)]16
ولذلك تحرص مختلف التشريعات على هذه اللبنة المستقبلية للمجتمع بالحماية في مختلف التشريعات –ومنها التشريع
.الجنائي -وذلك لكي تمنعه من عواقب االنحراف ولكي تسلك به الطريق السوي إلى الغاية التي ينشدها كل مواطن في حياته
وقد عرفت المادة األولى من اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن األمم المتحدة في عام 1989الطفل بأنه”:كل شخص لم
.يتجاوز سن الثامنة عشرة سنة
وحسب المادة 458من ق.م.م.ج(¨) المغربية فإن الحدث أو الطفل هو الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي ،وهو 18سنة ميالدية
كاملة ،وتقسم مرحلة الطفولة إلى مرحلتين األولى ال يكون فيها الحدث مسؤوال جنائيا ،وذلك النعدام تمييزه حين يكون سنه
.أقل من 12سنة ،والمرحلة الثانية وهي ما بين 12و 18سنة ويكون فيها الحدث مسؤوال مسؤولية ناقصة
.وهذه األحكام قد ورد النص عليها كذلك في الفصول من 138إلى 140من ق.ج
وفي مقابل هذا التحديد لمفهوم“ الطفل” في التشريع المغربي نجد الفصل 3من مجلة حماية الطفل التونسية ينص على أن
المقصود بالطفل كل إنسان عمره أقل من 18عاما ما لم يبلغ سن الرشد بمقتضى أحكام خاصة .في حين نجد المشرع
.اللبناني يقصد بالطفل كل من أتم السابعة من عمره ولم يتم التاسعة عشرة
فالمالحظ إذا أن هناك توافق بين المشرع المغربي وأغلب التشريعات المقارنة فيما يخص تحديد سن الرشد الجنائي في 18
.سنة .وذلك راجع باألساس إلى وحدة المرجعية بالنسبة لهذه التشريعات في المسألة والمتمثلة في اتفاقية حقوق الطفل
وهكذا يعتبر الصغير الذي لم يتم 12سنة من عمره غير مسؤول جنائيا ،أما إذا أتم الثانية عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة
.فتكون مسؤوليته ناقصة في حين إذا بلغ الثامنة عشرة فإنه يصبح كامل المسؤولية الجنائية
ومن هنا تظهر عناية المشرع بالصغير بأن منحه حماية خاصة ،تعود عليه بالفائدة الذاتية فيما قد يقع منه من أفعال قد تضر
بالغير .وفي المقابل ذلك خصص له المشرع حماية مما قد يقع من اعتداء على حقه في الحياة (المطلب األول) أو على سالمته
.الجسدية (المطلب الثاني) أو تركه أو تعريفه للخطر (المطلب الثالث)
وهكذا أورد المشرع نصوصا جنائية موضوعية قصد بها حماية حق الطفل في الحياة سواء في المرحلة السابقة على الوالدة
([)]17
أي أثناء الحمل أو المرحلة الالحقة للوالدة.
فبالنسبة للمرحلة األولى تبدأ حماية المشرع لحق الطفل في الحياة بتجريم اإلجهاض وكذلك بالمعاملة العقابية الخاصة للمرأة
.الحامل رعاية للجنين
فقد جرم المشرع المغربي اإلجهاض في الفصل 449من ق.ج والذي ينص على أن”:من أجهض أو حاول إجهاض
امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك ،برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو
تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى ،يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى
“.خمسمائة درهم وإذا نتج عن ذلك موتها فعقوبته من عشر إلى عشرين سنة
.وقد جرم المشرع المصري بدوره اإلجهاض ونص على عقوبته في المواد 262 ،261 ،260و 213من قانون العقوبات
ويالحظ من خالل الفصل 449من ق.ج أن المشرع المغربي قد عاقب على محاولة اإلجهاض وهو ما يتوافق وما ذهبت إليه
محكمة النقض المصرية التي اعتبرت”:أن اإلجهاض هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل األوان ومتى تم ذلك فإن
أركان الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل في رحم الحامل“
([ )]18
وإذا كان اإلجهاض محظورا عامة كما تقدم فإن الظروف االقتصادية واالجتماعية على وجه الخصوص والتضخم السكاني
مع ضعف الموارد قد يؤدي إلى وضع برامج للتنظيم العائلي بهدف التحكم في عدد األطفال سعيا نحو توفير حياة أفضل لهم.
وهو ما ذهب إليه القانون الفرنسي الذي أجاز اإلجهاض بشروط معينة بمقتضى القانون الصادر سنة -1961والمعدل
بالمرسوم الصادر سنة - 1973الذي أباح إجهاض الحمل خالل الثالثة أشهر األولى بمعرفة طبيب مباشر لمهنته بصفة
([)]19
قانونية في مؤسسة استشفائية أو صحية أو مصحة مرخص لها.
ولم يقف المشرع المغربي عند حد تجريم اإلجهاض حماية لحق الجنين في الحياة وإنما عاقب من يرشد الناس إلى وسائل
تحدث اإلجهاض ،أو ينصح باستعمالها في الفصل 451من ق.ج كما أن الفصل 455يعاقب على التحريض على اإلجهاض
.ولو لم يؤدي اإلجهاض إلى نتيجة
ولم يفت المشرع أن يعاقب كل امرأة أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك ،أو تحملت أن يجهضها غيرها أو رضيت
باستعمال ما أرشدت إليه أو ما أعطي لها لهذا الغرض([ . )]20إال أن المشرع المغربي أباح اإلجهاض استثناء إذا دعت إليه
([)]21
ضرورة المحافظة على صحة األم.
وإضافة إلى تجريم اإلجهاض تتجلى حماية المشرع الجنائي لحق الطفل في الحياة في المرحلة الجنينية في المعاملة الخاصة
للمرأة الحامل في حال ارتكابها لجريمة أوجبت الحكم عليها باإلعدام حيث نص المشرع في الفصل 21من ق.ج على
أنه ”:المرأة المحكوم عليها باإلعدام إذا أثبت حملها فإنها ال تعدم إال بعد أن تضع حملها بأربعين يوما” ونفس
المقتضى تقريبا ورد في المادة 476من قانون اإلجراءات الجنائية المصري مع اختالف في المدة التي ينفذ فيها اإلعدام بعد
.الوالدة وهي أربعين يوما في القانون المغربي وشهرين في القانون المصري
والحكمة من إرجاء تنفيذ حكم اإلعدام على المرأة الحامل ترجع باألساس إلى إنقاذ الجنين الذي يعتبر مخلوقا بريئا ال ذنب له
([)]22
من حقه أن يحمى ويعيش.
ولم تقف حماية المشرع الجنائي للطفل عند هذا الحد بل رافقته هذه الحماية حتى المرحلة الثانية وهي التي يستقل فيها عن
أمه ،وتبتدئ بتنفسه ألول مرة عندما يخرج رأسه من رحم أمه ويقطع الحبل السري ويصبح الجنين وليدا([ .)]23إذ نجد الفصل
397من ق.ج ينص على أن”:من قتل عمدا طفال وليدا يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصلين 392و 393وهذه
“.العقوبات من السجن المؤبد في األحوال العادية إلى اإلعدام في حالة سبق اإلصرار والترصد
المطلب الثاني :تجريم المساس بالسالمة الجسدية للطفل
لقد عمد المشرع إلى اتخاذ عدة تدابير تهدف إلى حماية الطفل من كل ما يمكن أن ينال من سالمته الجسدية من ضرب أو
جرح أو عنف .وشدد العقوبة على مرتكب هذه األفعال في حق الطفل مقارنة مع ما قد يقع على الراشد ،حيث نص الفصل
408على أنه ”:يعاقب بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات كل من جرح أو ضرب عمدا طفال دون الخامسة
عشرة من عمره ،أو تعمد حرمانه من التغذية أو العناية ،حرمانا يضر بصحته ،أو ارتكب عمدا ضد هذا
“.الطفل أي نوع آخر من العنف أو اإليذاء فيما عدا اإليذاء الخفيف
وفي مقابل هذا النص نجد المادة 222ق.ج الفرنسي والتي تنص على أن العنف الموجه ضد حدث لم يتجاوز 15سنة ،أو
”…ضد شخص مسن أو مريض أو له عاهة جسدية أو نفسية أو ضد امرأة حامل يعاقب
وهذه المواد تتالءم مع المادة 19من اتفاقية حقوق الطفل والتي تنص على أن”:الدول األطراف تتخذ جميع التدابير
التشريعية واإلدارية واالجتماعية والتعليمية المالئمة لحماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرر أو
“.اإلساءة البدنية
يالحظ إذن أن المشرع المغربي ساير اتفاقية حقوق الطفل ،فيما يخص حماية الطفل من كافة أشكال العنف أو الضرب أو
.اإلهمال ،حيث امتدت هذه الحماية لتشمل الطفل دون الخامسة عشرة من العمر سيرا على نهج نظيره الفرنسي
وتشجيعا من المشرع على التدخل لحماية الطفل ،قرر عذرا مخففا للعقوبة في جرائم الضرب والجرح إذا ارتكبها شخص
ضد آخر بالغ عند مفاجأته بهتك أو محاولة هتك عرض بعنف أو دون عنف على طفل دون الثانية عشرة من العمر.
([ )]24
وألن الطفل ال يعيش وحده وإنما يعيش علة على غيره ،وفي كنفه ،حتى ولو كان له مال يتعيش منه ،فهو دائما في حاجة إلى
من يوليه الرعاية التي تتطلب من الولي ،أو الراعي ،أن يكون الطفل في حيازته.
([ )]25
ولالعتبارات السابقة ،وتماشيا مع العدالة وضمانا لكرامة الطفل وصيانة لحقوقه ،فإن المشرع قد اهتم بالطفل في شتى
المجاالت ليس فقط في الجانب الذي يتعرض فيه لالعتداء cالمادي فقط ،أو ما قد يقوم به من أفعال تعتبر خرقا للقانون من
.جراء انحرافه بل إن حماية المشرع للطفل واهتمامه بع يمتد حتى للمسائل قد تعرضه للخطر
حيث نص الفصل 459ق.ج على أنه ”:من عرض أو ترك طفال دون الخامسة عشرة أو عاجزا ال يستطيع أن
يحمي نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية في مكان خال من الناس أو حمل غيره على ذلك يعاقب لمجرد
“…هذا الفعل ،بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات
ويقابل هذا الفصل المادة 1.227ق.ج الفرنسي التي تنص على أنه”:من ترك طفال دون 15سنة في مكان ما يعاقب
بالحبس لمدة سبع سنوات وبغرامة 200ألف فرنك إال إذا سمحت ظروف الترك بحماية صحة وسالمة هذا
“…األخير
وتنص المادة 285من قانون العقوبات المصرية على أنه”:من عرض للخطر طفال لم يبلغ سنه سبع سنين كاملة
“.وتركه في محل خال من اآلدميين ،أو حمل غيره على ذلك يعاقب بالحبس مدة ال تزيد على سنتين
ولم يقتصر عقاب المشرع المغربي على ترك الطفل في مكان خال من الناس بل حتى تركه في مكان غير خال معاقب عليه
([)]26
في التشريع الجنائي المغربي.
وقد ذهبت محكمة النقض المصرية في تفسيرها لعبارة “خال من الناس” إلى أنه”ليس المقصود من عبارة”خال من
اآلدميين” أن يكون المحل خاليا من اآلدميين في جميع األوقات كمنطقة نائية مهجورة مثال ،وإنما المراد أن
يكون المحل المذكور خاليا من الناس وقت تعرض الطفل للخطر ،ولو كان من شأنه في غير هذا الوقت أن
([)]27
يكون آهال بهم كالطريق العام“
وبإلقاء نظرة على لمواد المذكورة أعاله يمكن القول أن التعديل الذي أدخل على الفصلين 459و 461من ق.ج المغربي
بمقتضى القانون 24-03حدد سن الطفل الذي يتمتع بالحماية المقررة في الفصلين فيها دون الخامسة عشرة على غرار
المشرع الفرنسي وذلك خالف القانون المصري الذي حدده في أقل من سبع سنوات ،وهذا يوفر حماية أوفر للطفل في
.التشريع المغربي والفرنسي مقارنة بنظيرهما المصري
وتعتبر جريمة تعريض الطفل للخطر من الجرائم اإليجابية التي تتحقق بعمل إيجابي ويتضح ذلك من نص الفصل 459ق.ج
من خالل عبارتي”من عرض أو ترك طفال” و”أو حمل على ذلك “ .على أن تفسير هذا النص ال يمنع من تصور وقوع
الجريمة بدون عمل إيجابي ،أي “بالترك أو االمتناع “ ،فإذا وجد شخص طفال في محل خال من اآلدميين وتركه مع علمه
بما يتعرض له من خطر أو في هذه الحالة ولم يتخذ أي إجراء إلنقاذه ،أو التبليغ عنه ،وتوافر لديه القصد الجنائي ،يعتبر
([)]28
مرتكبا لجريمة”تعريض الطفل للخطر” بطرق الترك أو االمتناع.
ويستوي أن تقع هذه الجريمة من الشخص الذي يقوم على تربية الطفل ورعايته وتولي أمره –سواء من أصوله أو ممن لهم
سلطة عليه أو ممن يتولون رعايته بحكم الوظيفة كالخدم والمعلمين وغيرهم -أو من الغير غير أنه إذا كان مرتكب الجريمة
.من الفئة األولى فإن العقوبة تشدد عليه حسب التفصيل الوارد في الفصل 462ق.ج
كما يشترط لوقوع هذه الجريمة أن يؤدي تعريض الطفل للخطر إلى حدوث نتائج فعلية ،لذلك فالجريمة تقوم ولو يقع للطفل
ضرر ما ،على أنه إذا ترتبت نتائج عن تعريض الطفل للخطر اقتصرت آثارها على العقوبة فقط وذلك على التفصيل الوارد
.في الفصل 459من ق.ج المغربي
وزيادة في توفير الحماية للطفل عاقب المشرع الجنائي المغربي كلمن يترك طفال أو يتخلى عنه لفائدة مؤسسة خيرية ،وكان
الطفل قد عهد به إليه للعناية به متى كان سن الطفل ال يتجاوز سبع سنوات([ .)]29كما جرم المشرع كل من يقوم ببيع أو شراء
.طفل تقل سنه عن ثماني عشر سنة([ ، )]30وفي نفس االتجاه عاقب كل من حرض أو قام بالوساطة من أجل ذلك
وتدخل المشرع لتجريم االتجار باألطفال قد يبدو مستغربا ،ولكن مرده يرجع باألساس إلى كون هذه الجريمة أصبحت تندرج
في إطار الجريمة المنظمة التي تقوم بها شبكات دولية متخصصة في ذلك ،على صعيد القارة اإلفريقية بالخصوص مما أيقظ
.هاجس المشرع المغربي نحو المسألة إضافة إلى ضرورة مالءمة القانون الجنائي المغربي مع التزامات المغرب الدولية
.د محمد عبد اللطيف صالح الفرفور”:الفقه الجنائي المقارن بالقانون” ،الناشر :الحكمة ،ب.ط.و.ب.ت ،ص[1] – 77 :
.محمد فاضل”:جريمة الفساد في القانون المغربي” ،طبعة أولى ،ص 102 :وما بعدها –[2]
.محمد فاضل ،مرجع سابق ،ص[3] – 107:
.الفصل 418من ق.ج بعد تعديله بموجب القانون رقم [4] – 24-03
.الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 11نوفمبر [5] – 2003
ذ .يوسف وهاجي”:جرائم بيت الزوجية والحماية الجنائية للزوجين على ضوء تعديالت القانون الجنائي األخيرة” ،مقال –[6]
.منشور بمجلة الملف عدد ،5يناير ،2005ص118:
.هو ما سوف نراه الحقا بنوع من التفصيل [7] –
.أدولف ريبولط”:القانون الجنائي في شروح” c،جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية ،ص[8] – 602 :
.أدولف ريبولط ،نفس المرجع السابق ،ص[9] – 603:
.وزارة العدل”:القانون الجنائي في شروح” ،1997 ،ص[10] – 308 :
.تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق اإلنسان حول مشروع قانون رقم 24-03المتعلق بتغيير وتتميم ق.ج –[11]
.وفي مقدمتها الجمعيات النسائية والمرصد الوطني لحقوق الطفل –[12]
ويقصد بحالة العود ”:الحالة التي يرتكب فيها الشخص جريمة بعد أن حكم عليه بمقتضى حكم حائز لقوة الشيء –[13]
”.المقضي به من أجل ارتكاب جريمة سابقة
.ذ يوسف وهابي :مرجع سابق ،ص[14] – 122 :
.ذ .يوسف وهابي :مرجع سابق ،ص[15] – 123 :
.الفصل 446من ق.ج كما تم تعديله وتتميمه بمقتضى قانون [16] – 24-03
القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية¨
.د .محمد محمد مصباح القاصي”:الحماية الجنائية للطفولة” ،1998 ،دار النهضة العربية ،ص[17] – 29 :
.د .محمد محمد مصباح القاصي :مرجع سابق ،ص[18] – 31 :
.ونحن نعطي هذا الموقف على سبيل المقارنة وال نناقش سالمته من عدمها لعدم اتساع المجال لذلك –[19]
.أدولف ريبولط ،مرجع سابق ،ص[20] – 570 :
.د .عبد الواحد العلمي”:القانون الجنائي المغربي (القسم الخاص)” ،مطبعة النجاح الجديدة ،2000 ،ص[21] – 205 :
.د .محمد محمد مصباح القاصي :مرجع سابق ،ص[22] – 33 :
عبد اللطيف بلقاضي”:القانون الجنائي ،القسم الخاص” c،مطبعة الكرامة ،دار األمان للنشر والتوزيع ،الرباط ،ص[23] – :
87.
.الفصل 421من ق.ج –[24]
.د .محمد محمد مصباح القاصي :مرجع سابق ،ص[25] – 40 :
الفصل 461ق.ج المغربي –[26]
.د .محمد محمد مصباح القاصي :مرجع سابق ،ص[27] – 40 :
.نفس المرجع السابق ،ص[28] – 61 :
.الفصل 465من ق.ج –[29]
.الفصل 497ق.ج –[30]