Professional Documents
Culture Documents
مقــدمــة
حظيت األسرة باهتمام خاص في جل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية ،باعتبارها الخلية األساسية في
المجتمع واللبنة األساسية لتطوره وتماسكه وصالحه ،وعلى هذا األساس حرصت التشريعات على إرساء
قواعد خاصة لتنظيم العالقات بين أفراد األسرة الذين تجمع بينهم صلة الزوجية والقرابة وهذا حفاظا على
قيامها وتماسكها وتقرير أحكام لحماية األسرة من األفعال التي تمس بكيانها واستقرارها ،وعلى هذا األساس
ذهب البعض إلى القول بضرورة منح األسرة الشخصية القانونية لتستفيد من الحماية والخصائص التي يتمتع
بها الشخص المعنوي.
إن القوانين الجزائرية على غرار التشريعات الوضعية المقارنة اهتمت بنظام األسرة ويأتي في مقدمتها
الدستور الذي نص في المادة 58منه على أن األسرة تحظى بحماية الدولة والمجتمع ،كما تضمن كل من قانون
األسرة وقانون الحالة المدنية والقانون المدني قواعد لتنظيم وبناء األسرة ،أما قانون العقوبات فقد تضمن
القواعد التي تكفل حماية األسرة وتضمن احترام كافة حقوق أفرادها ومعاقبة كل من يتعدى على هذه الحقوق
أو يخل بما يلزمه من واجبات .
و لما كانت األسرة تعتمد في حياتها على الترابط والتكامل وحسن المعاشرة وحسن الخلق ونبذ اآلفات
االجتماعية فإن المشرع حرص على بقاء هذه المقومات من خالل تجريم األفعال التي من شأنها المساس
بترابط األسرة وتؤدي إلى تفككها وقد نص قانون العقوبات على هذه األفعال في القسم الخامس من الفصل
الثاني من الباب الثاني من الجزء الثاني منه تحت عنوان ترك األسرة المواد .330،331،332
-ومن مقاصد الزواج إحصان الزوجين والمحافظة على األنساب وتكوين أسرة أساسها المودة والرحمة إال أن
ضعف التربية الخلقية والوازع الديني من شانها تدمير األسرة وقطع وصالت الرحم وعليه نص قانون
العقوبات على تجريم أفعال من شأنها المساس بكيان األسرة من خالل تجريم فعل الزنا والفاحشة بين ذوي
المحارم في المواد 337مكرر 341 ،339 ،منه .
-وباعتبار األطفال ثمرة عقد الزواج ويعيشون تحت سقف األسرة وحمايتها فإن االعتداء عليهم يمس بصفة
مباشرة استقرار األسرة و تماسكها لهذا أعطى المشرع حماية خاصة للطفل منذ أن يكون جنينا من خالل تجريم
فعل اإلجهاض في المواد 304إلى 311من قانون العقوبات مرورا بحمايته عند ميالده بتجريم قتل الطفل
حديث العهد بالوالدة من طرف أمه تجريما خاصا وتستمر هذه الحماية إلى بلوغه سن الرشد من خالل تجريم
األفعال التي من شأنها المساس بصحة الطفل وخلقه المواد 314إلى 320والمواد 328 ، 327 ،326من
قانون العقوبات .
-لقد جاء قانون الحالة المدنية بقواعد لتنظيم الحالة الشخصية أو المدنية ألفراد األسرة من حيث والدتهم
وزواجهم ووفاتهم كما نظم القانون المدني القواعد الخاصة باللقب العائلي وكل مساس بهذه القواعد قد يؤدي
إلى خلل في نظام األسرة ومن خاللها النظام االجتماعي لذا جاء قانون العقوبات بأحكام خاصة تتعلق بمخالفة
قانون الحالة المدنية واالعتداء على اللقب العائلي في المواد 442 ،441 ،247من قانون العقوبات ،وما تجدر
اإلشارة إليه في هذه المقدمة هو حصر دراستنا لموضوع الجرائم الواقعة على األسرة في الجرائم التي تمس
نظام األسرة والتي خصها المشرع بنص خاص في قانون العقوبات مستبعدين بذلك الجرائم التي يشدد أو يعفي
فيها المشرع من العقاب في حالة ارتكابها بين أفراد األسرة باعتبارها جرائم عامة ال تستهدف األسرة بحد
ذاتها.
-وفي إطار المنهجية التي اتبعناها للوقوف على الجرائم الواقعة على األسرة قمنا بتقسيم البحث إلى أربعة
فصول تناولنا فيها الجانب الموضوعي لهذه الجرائم من خالل الوقوف على األركان والعناصر المكونة لها وكذا
الجانب اإلجرائي المتعلق بالمتابعة وتوقيع الجزاء نظرا لخصوصية المتابعة في هذه الجرائم والتي غالبا ما
تكون النيابة مقيدة في تحريك الدعوى العمومية فيها تماشيا مع رغبة المشرع في المحافظة على تماسك
األسرة وترابطها وعليه تناولنا في فصل أول الجرائم المتعلقة باإلهمال العائلي وفي فصل ثان الجرائم األخالقية
وفي فصل ثالث الجرائم الماسة باألطفال وفي فصل رابع الجرائم المتعلقة بالحالة المدنية وذلك محاولة منا
لإللمام بكل جوانب الموضوع واإلجابة على مختلف التساؤالت التي يطرحها هذا الموضوع والمتمثلة في:
-ما هي الجرائم التي تقع على األسرة وفقا للتشريع الجزائري وما مدى نجاعة السياسة الجنائية التي اعتمدها
المشرع لحماية الكيان األسري؟
عقد الزواج كغيره من العقود يرتب حقوق و التزامات على عاتق طرفيه و تنشأ بموجبه الخلية األساسية في
المجتمع و هي األسرة التي تعتمد في حياتها على الترابط و التكافل و حسن المعاشرة و التربية الحسنة و
حسن الخلق و نبذ اآلفات االجتماعية –المادة 03منى القانون -11-84المتضمن قانون األسرة و على هذا
األساس نصت المادة 58من الدستور على أن األسرة تحض بحماية الدولة و المجتمع و لتجسيد هذه الحماية
تدخل المشرع بنصوص قانونية منها ما يكرس الحقوق و الواجبات المتبادلة بين أفراد األسرة و هذا ما نظمه
قانون األسرة و منها ما يضفي بها صفة التجريم على األفعال التي تمس بكيان األسرة و تماسكها و هذا ما
نص عليه قانون العقوبات و بالضبط في القسم الخامس من الفصل الثاني من الباب الثاني من الجزء الثاني أي
المواد 332.331.330منه تحت عنوان ترك األسرة Abandon de familleو التي تضم أربع
جرائم درج الفقه و القضاء على تسميتها جرائم اإلهمال العائلي و هي :
لقد خصصنا مبحث لكل منها لتبيان أركانها و إجراءات المتابعة فيها.
من مقاصد الزواج تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و تعتمد على التكافل و الترابط االجتماعي و حسن
المعاشرة فان تخلى أحد الوالدين عن مقر الزوجية لمدة تتجاوز الشهرين دون القيام بااللتزامات األدبية و
المادية المترتبة على السلطة األبوية أو الوصاية القانونية بغير سبب جدي يشكل جريمة يعاقب عليها القانون
و هذا ما ذهبت إليه المادة 1-330من قانون العقوبات ،و لقيام هذه الجريمة يجب توافر ركنين ) ركن مادي و
ركن معنوي ( و يستوجب القانون شكوى الزوج المضرور التخاذ إجراءات المتابعة و توقيع الجزاء و هذا ما
سنتعرض إليه بالشرح في مطلبين.
– Iاالبتعاد جسديا عن مقر األسرة :تقتضي هذه الجريمة ترك أحد الزوجين مقر األسرة المعتاد و بقاء الزوج
األخر بمقر الزوجية ،أما إذا ترك الزوج البيت الزوجية و قامت الزوجة رفقة األبناء بالتوجه إلى بيت أهلها و
بقي مقر الزوجية خاليا فانه ال مجال لقيام الجريمة و كذلك األمر إذا بقي الزوجان يعيشان كل منهما في بيت
أهله و كانت الزوجة ترعى ولدها في بيت أهلها فان مقر األسرة يكون عندئذ منعدما ٍ ]1[ و ال مجال بالتالي
لتطبيق المادة 330من قانون العقوبات و على هذا األساس قضي بعدم قيام الجريمة من حق المتهم طالما أن
الضحية من قامت بمغادرة مقر األسرة حيث جاء في حيثيات القرار الصادر عن الغرفة الجزائية لمجلس قضاء
بومرداس بتاريخ 23/04/2002فهرس ..." 509/2002ان األفعال المنسوبة للمتهم غير قائمة طالما و ثبت
أن الضحية هي التي غادرت البيت الزوجية و عليه فان عناصر جنحة ترك األسرة غير متوفرة في قضية
الحال" و هذا ما ذهب إليه كذلك القرار الصادر عن نفس الغرفة بتاريخ 07/01/2003فهرس 30إذ جاء في
حيثياته ":حيث أنه ثبت من الملف أن عناصر المادة 330من قانون العقوبات غير ثابتة تجاه المتهم بحيث أن
الثابت و أن الضحية هي التي غادرت المحل الزوجي كما هو ثابت في القضية المتعلقة باألحوال الشخصية" و
تجدر اإلشارة إلى أنه من خالل االطالع على مختلف األحكام و القرارات بشأن صحة ترك مقر األسرة فإنها
تأتي بصيغة جنحة اإلهمال العائلي رغم أن جنحة ترك مقر األسرة ما هي إال صورة من صور اإلهمال العائلي
تقوم على أركان خاصة بها جاءت بها المادة 1-330من قانون العقوبات.
– IIوجود ولد أو عدة أوالد :تشترط الجريمة لقيامها وجود ولد أو عدة أوالد اذ أن المشرع نص على التخلي
عن االلتزامات األدبية أو المادية المترتبة على السلطة األبوة أو الوصاية القانونية ،و ال مجال للكالم على
السلطة األبوية أو الوصاية القانونية دون وجود رابطة األبوية أو األمومة و عليه قضى بعدم قيام الجريمة
كون المتهم ليست له صفة األب إذ جاء في الحكم الصادر عن قسم الجنح محكمة بومرداس بتاريخ
15/02/2003فهرس " :307حيث أنه يتبين للمحكمة من خالل الملف و المناقشات أن الوقائع المتابع بها
المتهم ال تؤلف من عناصرها المتوفرة الشروط المطلوبة ألركان جنحة اإلهمال العائلي ففي حين تشترط المادة
330من قانون العقوبات أن األب الذي يترك مقر أسرته لمدة تتجاوز الشهرين أو الزوج الذي يتخلى عمدا
لمدة تتجاوز الشهرين عن زوجته مع علمه أنها حامل و هي الشروط غير متوفرة في قضية الحال إذ أن المتهم
ليست له صفة األب لكونه ليس له أوالد و لم يترك مقر الزوجية كما أن الزوجة المهملة ليست حامل "..و
عليه فإن الجريمة ال تقوم في حق األجداد إذ أن المادة 330حصرت الجريمة في أحد الوالدين إال أنه يثار
التساؤل حول ما إذا كان األطفال المكفولين معنيين بالحماية القانونية المقررة في المادة 1-330خاصة و أن
المادة 116من القانون رقم 11-84المؤرخ في 09جوان 1984المتضمن قانون األسرة تعرف الكفالة على
أنها التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة و تربية و رعاية قيام األب بابنه.]2[
رغم أن المادة 116من قانون األسرة نصت على قيام الكفيل برعاية المكفول قيام األب بابنه إال أنه من صياغة
المادة 1-330ق ع فالمشمول بالحماية هو الولد األصلي الشرعي دون سواه إذ أن االلتزامات المنصوص
عليها في المادة 1-330مترتبة على السلطة األبوية و الوصاية القانونية في حين أن االلتزامات المنصوص
عليها في المادة 116من قانون األسرة فهي على سبيل التبرع ال غير ،أما الطفل المتبني فهو غير معني
بالحماية المقررة في المادة 1-330كون التبني ممنوع شرعا و قانونا وفقا للمادة 46من قانون األسرة ،كما
يفهم من نص المادة 330/1من قانون العقوبات التي تتحدث عن االلتزامات المترتبة عن السلطة األبوية أو
الوصاية القانونية أن المقصود هم األوالد القصر و إن كان األمر يحتاج إلى تمحيص فهي ضوء أحكام قانون
األسرة ]3[ إذ أن األب يبقى ملزم بالنفقة على البنت إلى الدخول بها و كذا بالنسبة للذكر بعد بلوغه سن الرشد
إذا كان عاجز إلعاقة ذهنية أو بدنية أو مزاوال للدراسة و ال لدراسته.
- IIIعدم الوفاء بااللتزامات العائلية :تقتضي الجريمة أن يصاحب ترك مقر األسرة التخلي عن كافة أو بعض
االلتزامات الزوجية التي تقع على كل من األب و األم تجاه الزوج و األوالد ،و بذلك تقتضي الجريمة بالنسبة
لألب و هو صاحب السلطة األبوية التخلي عن كافة التزاماته في ممارسة ما يفرضه عليه القانون نحو أوالده و
زوجه و تقتضي الجريمة بالنسبة لألم و هي صاحبة الوصاية القانونية على األوالد عند وفاة األب التخلي عن
التزاماتها نحو أوالدها و زوجها.]4[
وااللتزامات الزوجية قد تكون أدبية تتعلق برعاية و حماية أفراد األسرة أو مادية تتعلق بضمان حاجياتهم
المعيشية.]5[
-1االلتزامات األدبية :تتمثل في رعاية الولد و تعليمه و القيام بتربيته على دين أبيه و السهر على حمايته و
حفظه صحة و خلقا -المادة 64من قانون األسرة و إذا كان األب حيا انحلت الرابطة الزوجية تنتقل االلتزامات
األدبية الى األم الحاضنة و في هذه الحالة تنقضي التزامات األم بالنسبة للذكر ببلوغه 10سنوات و بالنسبة
لألنثى ببلوغها سن الزواج أي 18سنة و للقاضي أن يمدد الحضانة بالنسبة للذكر إلى 16سنة إذا كانت
الحاضنة أما لم تتزوج ثانية المادة 65قانون أسرة ]6[ و يبقى األب ملزم بااللتزامات المادية ،في حين تنتقل
إليها كافة االلتزامات سواء أدبية أو مادية في حالة وفاة األب باعتبارها صاحبة الوالية القانونية.
-2االلتزامات المادية :تتمثل أساسا في النفقة إذ تجب نفقة الزوج على زوجته و على أبنائه فبالنسبة للذكور
إلى بلوغه سن الرشد أي بلوغ 19سنة و اإلناث إلى الدخول و تستمر إذا كان الولد عاجزا إلعاقة عقلية أو
بدنية أو مزاوال للدراسة و تسقط باالستغناء عنها بالكسب (المواد 74،75من قانون األسرة) و تشمل النفقة
الغذاء و الكسوة و العالج و السكن أو أجرته و ما يعتبر من الضروريات وفقا للعرف و العادة طبقا للمادة 78
من قانون األسرة و قد تدخل المشرع بتجريم اإلمتناع عن دفع النفقة الغذائية بنص المادة 331من قانون
العقوبات و اعتبرها صورة من صور اإلهمال العائلي قائمة بذاتها حرصا منه على صحة و سالمة أفراد األسرة
.
و اإللتزام بالنفقة يستمر بالنسبة لألنثى إلى الدخول بها و كذا بالنسبة للولد العاجز إلعاقة بدنية أو ذهنية أو
مزاوال لدراسته في حين أنه يقهم من المادة 1/ 330أن المشمول بالحماية المقررة هم األوالد القصر فحسب
كما سبقت اإلشارة إليه .
و عليه يستخلص مما سبق أن األب أو األم الذي يترك مقر أسرته دون التخلي عن واجباته األدبية و المادية ال
يعتبر مرتكبا لجريمة ترك مقر األسرة و بذلك فإن اإلشارة إلى توفر عنصر التخلي عن هذه االلتزامات أمر
ضروري إلثبات قيام الجريمة رغم اكتفاء األحكام و القرارات القضائية باإلشارة إلى هذا العنصر دون تحديد
االلتزامات التي أخل بها المتهم فقد ورد في الحكم الصادر عن محكمة بومرداس بتاريخ 22/02/2003فهرس
" : 330حيث ثبت للمحكمة من الملف و المناقشات أن الوقائع المتابع بها المتهم و المتعلقة باإلهمال العائلي
ثابتة ضده...و تخلى عن االلتزامات األدبية و المادية تجاه أوالده و أسرته "...
VI -ترك مقر األسرة لمدة أكثر من شهرين :يشترط لقيام الجريمة أن يستمر ترك مثر األسرة أكثر من
شهرين و يجب أن يكون االبتعاد عن مقر األسرة و التخلي عن االلتزامات العائلية في آن واحد ]7[ أما إذا
كان الزوج ينفق على عائلته و يسأل عن أحوالهم رغم غيابه عنهم فال تقوم الجريمة و لو كانت المدة تتجاوز
الشهرين و تحسب مدة الشهرين ابتداء من ترك الزوج لمقر الزوجية و التخلي عن التزاماته العائلية إلى
تاريخ تقديم الشكوى ضده و على هذا األساس قضي بعدم قيام الجريمة باعتبار أن مدة ترك مقر األسرة لم
تتجاوز الشهرين حيث جاء في حيثيات الحكم الصادر عن محكمة بومرداس قسم الجنح بتاريخ 10/05/2003
فهرس ":1105حيث أنه تبين للمحكمة أن الوقائع المتابع بها المتهمة ال تؤلف من عناصرها المتوافرة
الشروط المطلوبة الرتكاب جنحة اإلهمال العائلي ففي حين تشترط المادة 330ق ع أن تتجاوز مدة اإلهمال
شهرين و هو الشيء غير ثابت في قضية الحال مما يتعين التصريح ببراءتها"
و إثبات مرور مدة الشهرين على ترك مقر األسرة و إثبات التخلي عن التزامات العائلية إنما يقع على عائق
الزوجة الشاكية بالتعاون مع وكيل الجمهورية بكافة الوسائل القانونية ]8[ و تقطع مدة الشهرين بالعودة إلى
مقر األسرة لكن بشرط أن تكون العودة تعبير عن الرغبة الصادقة في استئناف الحياة الزوجية ،و يبقى لقاضي
الموضوع سلطة تقدير ما إذا كان الرجوع فعلي أم مؤقت لقطع مدة الشهرين و تفادي قيام الجريمة.
ثانيا :الركن المعنوي :تستوجب هذه الجريمة توافر قصد جنائي يتمثل في اتجاه نية الجاني-أحد الوالدين -إلى
قطع الصلة بالوسط العائلي و التملص من الواجبات الناتجة عن السلطة األبوية أو الوصاية القانونية و بإرادة
ال تقبل التأويل و عليه تقتضي جنحة ترك مقر األسرة أن يكون الوالد أو الوالدة على وعي بخطورة إخالله
بواجباته العائلية و بالنتائج الوخيمة التي قد تترتب عنها على صحة األوالد و سالمتهم و أخالقهم و على
تربيتهم.
ثالثا :األفعال المبررة : هي ظروف خاصة ترغم صاحبها حال توافرها على مغادرة مقر األسرة و قد تكون هذه
الظروف عائلية أو مهنية أو صحية ]9[ و عبرت المادة 1-330من ق ع عن هذه الظروف بالسبب الجدي ان
يفهم بمفهوم المخالفة أنه إذا كان ترك مقر األسرة لسبب جدي فان ذلك يؤدي إلى عدم قيام الجريمة إال أن
سوء النية مفترضة فعلى الزوج الذي يترك مقر أسرته أن يثبت قيام السبب الجدي كأن يكون الترك من أجل
القيام بالخدمة الوطنية أو البحث عن العمل أو لتحصيل العلم رغم أن القضاء يشدد قبوله و هكذا قضي في
فرنسا بأن
النفور من حماته ال يشكل سبب شرعيا لمغادرة الزوج البيت الزوجية و قضي كذلك بعدم جواز مغادرة الزوج
محل الزوجية بحجة سوء سيرة الزوجة إذا ما ثبت أنه غادر محل الزوجية للعيش مع خليلته تاركا أوالده
القصر تحت رعاية زوجته و بالمقابل قضي بأن سوء معاملة الزوجة يشكل سببا شرعيا يبرر مغادرتها لمحل
الزوجية ]10[ و عليه فان إبراز عدم وجود السبب الجدي عنصر ضروري يجب اإلشارة إليه في الحكم القاضي
باإلدانة في جنحة ترك مقر األسرة و هكذا جاء في الحكم الصادر عن محكمة بومرداس بتاريخ 22/02/2003
فهرس ... " : 330أنه ترك مقر أسرته لمدة تتجاوز شهرين و تخلى عن التزاماته األدبية و المادية تجاه
أوالده و أسرته و دون أن يقدم سببا جديا عن ذلك األمر الذي يجعل أركان جنحة اإلهمال متوافرة طبقا للمادة
330من قانون العقوبات و يتعين إدانته بها ،و في الحكم الصادر عن نفس المحكمة بتاريخ 02/05/2001
فهرس 1-1727استبعدت فيه ترك مقر األسرة بسبب المشاكل التي يعيشها الزوج مع زوجته كسبب جدي و
أدانت المتهم بالجرم المنسوب إليه إذ جاء في حيثيات الحكم" :حيث تبين مما سبق أن تهمة اإلهمال العائلي
المتابع بها المتهم متوفرة األركان باعتباره خرج من البيت تاركا زوجته لوجود المشاكل و لم يرجع و عليه
يتعين للمحكمة إدانته بها" و قد تم تأبيد الحكم بالقرار الصادر عن الغرفة الجزائية بتاريخ 27/11/2001
فهرس 161الذي استبعد ترك مقر األسرة بسبب المشاكل كفعل مبرر.
أوال:المتابعة :األصل أن تحريك الدعوى العمومية هو من اختصاص النيابة العامة و حدها باعتبارها وكيلة عن
المجتمع كما نصت عليه المادتين 1و 29من قانون اإلجراءات الجزائية إال أن المشرع قد يقيد النيابة العامة
في تحريك الدعوى العمومية في أحوال معينة منها وجوب تقديم شكوى المضرور و ذلك العتبارات عدة منها
المحافظة على الروابط األسرية كما هو الحال في جريمة ترك مقر األسرة إذ تغلب مصلحة األسرة على
المصلحة العامة التي تسعى النيابة العامة لحمايتها ،و عليه نصت الفقرة األخيرة من المادة 330على أن ال
تتخذ إجراءات المتابعة إال بناءا على شكوى.
و الشكوى هي اإلجراء الذي يباشر المجني عليه أو وكيله الخاص يطلب فيه تحريك الدعوى الجنائية في جرائم
معينة حددها القانون و على سبيل الحصر إلثبات المسئولية الجنائية وتوقيع العقوبة على شخص أخر هو
المشكو في حقه]11[
وال تستلزم الشكوى شكل خاص فقد تكون شفاهة أو كتابة بشرط أن تدل على رغبة المجني عليه في تحريك
الدعوى العمومية قبل المتهم إال أنه يجب أن تقدم الشكوى أثناء قيام العالقة الزوجية القانونية ألنه إذا وقع أن
سبق و ترك الزوج مسكن الزوجية لمدة أكثر من شهرين متخليا عن كل أو بعض التزاماته دون مبرر شرعي
ثم وقع الطالق بين الزوجين و بعده جاءت الزوجة لتقديم شكوى ضد زوجها فان شكواها سوف لن تقبل ألنها
تكون قد فوتت عن نفسها تحقيق الغرض الذي قصده المشرع لحماية األسرة من التفكك و اإلهمال ]12[ و
عليه تستلزم الشكوى إرفاق نسخة من عقد الزواج إلثبات قيام العالقة الزوجية و إذا كان الزواج عرفي فوجب
على الزوج المتروك تسجيل الزواج وفقا للمادة 22من قانون األسرة و بعدها يقدم شكواه ،لكن متى قدمت
الشكوى من الزوج المتروك أصبح يد النيابة طليق من هذا القيد و جاز لها أن تباشر كافة إجراءات التحقيق و
رفع الدعوى و تتصرف في التحقيق كما يتراءى لها غير أنها غير ملزمة بتحريك الدعوى العمومية و تبقى
صاحبة مالئمة المتابعة فيجوز لها تقرير حفظ الشكوى إذ هي رأت أن شروط المتابعة غير متوفرة و يترتب
على تقييد النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية النتائج التالية:
-إذا باشرت النيابة العامة المتابعة بدون شكوى تكون هذه المتابعة باطلة بطالنا نسبيا ال يجوز لغير المتهم
إثارته على أن يثيره أمام المحكمة أول درجة و قبل أي دفاع في الموضوع.]13[
-مادام تحريك الدعوى العمومية معلق على شكوى فان التنازل عليها يضع حد للمتابعة وفقا للمادة 06من
قانون اإلجراءات الجزائية و على هذا األساس قضي بانقضاء الدعوى العمومية لسحب الشكوى و ذلك بموجب
الحكم الصادر عن قسم الجنح محكمة بومرداس بتاريخ 06/11/2004فهرس و جاء في حيثياته " :حيث أنه
ثبت للمحكمة من خالل أوراق الملف و المناقشات التي دارت في الجلسة أن الضحية تنازلت عن الشكوى
المرفوعة ضد زوجته من أجل اإلهمال العائلي كما هو ثابت في التصريح الكتابي المقدم في الجلسة.
حيث أن المادة 330في فقرتها األخيرة تستوجب شكوى الزوج المتروك التخاذ إجراءات المتابعة من أجل
األفعال المنصوص عليها في الفقرتين 1و.2
حيث أن الدعوى العمومية تنقضي في حالة سحب الشكوى إذا كانت شرطا الزما للمتابعة وفقا للمادة 06من
فانون اإلجراءات الجزائية ،حيث و الحال عليه و بناء على ما سبق يستوجب التصريح بانقضاء الدعوى
العمومية لسحب الشكوى".
أما إذا تابعت النيابة المتهم دون شكوى الزوج المتروك و أحيلت الدعوى إلى المحكمة و أثار المتهم أمامها
بطالن المتابعة يكون الحكم بعدم قبول الدعوى العمومية النعدام الشكوى ]14[ و ال تحكم بالبراءة ألن الحكم
بعدم قبول الدعوى يعني عدم توفر شرط من شروط المتابعة و تحريك الدعوى العمومية و الحكم بالبراءة يعني
عدم توفر أركان الجريمة و فقدان األدلة.]15[
ثانيا :الجزاء :تعاقب المادة 330من قانون العقوبات مرتكب جنحة ترك مقر األسرة بالحبس من شهرين إلى
سنة و بغرامة من 500إلى 5000دج و عالوة على ذلك يجوز الحكم على المتهم بعقوبة تكميلية بالحرمان من
الحقوق الوطنية و ذلك من سنة إلى خمس سنوات وفقا للمادة 332ق ع.
تعتبر هذه الجريمة الثانية من جرائم اإلهمال العائلي و هي ترك الزوج لزوجته و إهمالها عمدا أثناء مدة
حملها ،و غاية المشرع من تجريم هذا الفعل هي حماية طفل المستقبل و أم الغد إذ أن المشرع لم يكتفي بتجريم
اإلجهاض حماية للجنين و إنما أحاط هذا األخير بحماية أكثر من خالل تجريم فعل إهمال الزوجة الحامل نظرا
لخطورة هذا الفعل على صحة الجنين و نفسية األم و بذلك نصت المادة 330البند الثاني من قانون العقوبات أن
الزوج الذي يتخلى عمدا و لمدة تتجاوز شهرين عن زوجته مع علمه بأنها حامل و ذلك لغير سبب جدي يعاقب
بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500إلى 5000دينار و تقوم هذه الجريمة كسابقتها على ركن
مادي و ركن معنوي و تتوقف المتابعة فيها على شكوى الزوجة المهملة و هذا ما تتعرض له الشرح في
مطلبين.
المطلب األول :أركان الجريمة:
أوال :الركن المادي :يقتضي توافر أربعة عناصر جاءت بها المادة330/2من قانون العقوبات و تتمثل في:
-1قيام العالقة الزوجية :تستوجب هذه الجريمة قيام عقد صحيح و رسمي مقيد في سجالت الحالة المدنية
حيث نصت المادة 22من قانون األسرة أن الزواج يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية و في حالة عدم
تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون و يتم تسجيله بالحالة المدنية.و عليه ال تقوم الجريمة
في حالة الزواج العرفي ما لم يثبت هذا الزواج بحكم قضائي طبقا ألحكام المادة 22المذكورة التي أجازت تثبيت
الزواج العرفي إذا توافرت أركان الزواج وفقا لقانون األسرة .
و عليه فان لم يكن عقد الزواج مع المشتكي منه قد سبق تسجيله و تقييده في سجالت الحالة المدنية في الوقت
المناسب تعين على الشاكية تسجيل زواجها بإتباع الطريق القانوني قبل تقديم شكواها و بذلك تكون الجريمة
قائمة في حق الزوج من تاريخ حملها و ليس من تاريخ تثبيت الزواج كون الزواج يكون قائم بين الطرفين
لمجرد توافر أركانه القانونية وفقا ألحكام قانون األسرة.
-2ترك محل الزوجية :و يكون ذلك بمغادرة الزوج لمحل الزوجية و يترك زوجته وحدها مع علمه أنها حامل و
عليه تقوم الجريمة في حق الزوج إذا ما غادرت الزوجة المحل الزوجية و استقرت عند أهلها ،و عليه قضي
بعدم قيام الجريمة كون الضحية من غادرت البيت الزوجية و عليه جاء في القرار الصادر عن الغرفة الجزائية
لمجلس قضاء بومرداس في 23/04/2002فهرس ... ":509أن األفعال المنسوبة للمتهم غير قائمة طالما و
ثبت أن الضحية من غادرت البيت الزوجية و عليه فان عناصر جنحته ترك مقر اٍأل سرة غير متوفرة في قضية
الحال" إذ تتلخص وقائع القضية أن الزوجة قدمت شكوى ضد زوجها بدعوى أنه أهملها عمدا رغم أنه يعلم و
أنها حامل و ذلك لمدة تتجاوز الشهرين إال أن الزوج المتهم تقدم بحكم صادر عن قسم األحوال الشخصية يلزم
الزوجة بالرجوع إلى البيت الزوجية و أنها من غادرت مقر األسرة و عليه صدر حكم ببراءة المتهم و أيد
بالقرار السالف الذكر.
-3ترك محل الزوجية لمدة أكثر من شهرين :يجب أن يستمر التخلي عن الزوجة الحامل لمدة أكثر من شهرين
و عليه فإذا ادعت الزوجة الشاكية أن زوجها تركها في مقر األسرة و هي حامل لمدة أكثر من شهرين و أنكر
الزوج ذلك فان عليها أن تثبت بالدليل القاطع أن المشتكي منه قد تركها لمدة من أكثر من شهرين متتاليين دون
انقطاع ،ألن الترك لمدة أقل من شهرين كاملين فأكثر أو لمدة أكثر من شهرين الذي يتخلله انقطاع بالعودة الى
مقر الزوجية يوحي بالرغبة في استئناف الحياة المشتركة و يزيل عن الفعل صفة التخلي عن الزوجة الحامل
عمدا لمدة تتجاوز الشهرين و يجعل الجريمة كأن لم ترتكب .
-4حمل الزوجة :يجب أن تكون الزوجة المتخلي عنها حامال و يجب أن يكون الحمل بينا كون المشرع
يتحدث عن الحمل الظاهر و ال يتحدث عن الزوجة المفترض حملها كما هو الحال بالنسبة لجريمة اإلجهاض و
بذلك وجب على الزوجة الشاكية أن تقدم ما يثبت وجود الحمل و علم الزوج بذلك و إثبات قيام الحمل يكون بكل
الوسائل كالشهادة الطبية لمعاينة الحمل ،إال أنه خالفا لجنحة ترك مقر األسرة ال يشترط المشرع في هذه
الجنحة عدم الوفاء بااللتزامات العائلية .]16[ و بذلك وجب تطبيق نظرية التعدد الفعلي للجرائم و ليس قاعدة
التعدد الصوري في حالة تعدد جريمة ترك األسرة لمفهوم المادة 1-330ق ع ،جريمة التخلي عن الزوجة
الحامل لمفهوم المادة 02-330ق ع إذا كانت الزوجة حامل و لها ولد ]17[ و عليه يستوجب متابعة المتهم
الذي يترك أسرته و زوجته الحامل بجنحة ترك مقر األسرة و جنحة إهمال الزوجة الحامل و مناقشة مدى توفر
كل جريمة على حدى و بالتبعية إدانة المتهم الرتكابه جنحة ترك مقر األسرة من جهة و إهمال الزوجة الحامل
من جهة أخرى.
ثانيا :الركن المعنوي:
جريمة إهمال الزوجة الحامل جريمة عمديه تتطلب لقيامها توافر قصد جنائي و هو العلم بأن الزوجة حامل و
التخلي عنها عمدا قصد اإلضرار بها و عليه يستوجب اإلشارة إلى علم الزوج بأن الزوجة حامل في الحكم
القضائي باإلدانة عن أجل إهمال الزوجة الحامل ،و مثلما الحال بالنسبة لترك مقر األسرة جعل المشرع من
السبب الجدي مبررا للتخلي عن الزوجة الحامل و أعفى الزوج من المتابعة و الجزاء في حالة قيامه إال أن
الدفع بقيام السبب الجدي الذي يتقدم به الزوج متروك للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع باعتباره مسألة واقع
و السبب الجدي الذي ورد في المادة 02-330هو نفسه الذي أوردناه في جنحة ترك مقر األسرة و الذي
تطرقنا إليه بنوع التفصيل.
-تخضع جريمة إهمال الزوجة الحامل إلى نفس األحكام المقررة لجنحة ترك مقر األسرة التي تم دراستها في
المبحث األول .
-رتب المشرع الجزائري في إطار العالقات األسرية مجموعة من الحقوق و الواجبات التي يجب مراعاتها
ضمانا الستمرار هذه العالقات ،و من بين هذه الواجبات واجب الزوج في اإلنفاق على أسرته ،و هذا الواجب
يفرضه الوازع األخالقي و االجتماعي قبل أن تفرضه المادة 37و المواد من 74إلى 77من قانون األسرة،
فقد جاء في المادة 37المذكور أعاله أنه يجب على الزوج نحو زوجته النفقة الشرعية حسب وسعه إال إذا ثبت
نشوزها ،و جاء في المادة 77أنه تجب نفقة األصول على الفروع و الفروع على األصول حسب القدرة و
االحتياج و درجة القرابة في اإلرث.
-و عليه فان االمتناع عن القيام بهذا الواجب يرتب أثار سلبية في المجتمع و للحد من هذه اآلثار تدخل
المشرع الجزائري و رتب جزاء على من ال يدفع النفقة المقدرة في ذمته حيث جاء في المادة 331من قانون
العقوبات ما يلي ":يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات و بغرامة من 500إلى 5000دج كل من
امتنع عمدا و لمدة تتجاوز شهرين عن تقديم المبالغ المقررة قضاء إلعالة أسرته و عن أداء كامل قيمة النفقة
المقررة عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه ،و ذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم.
و يفترض أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس ،و ال يعتبر اإلعسار الناتج عن االعتياد على سوء السلوك أو
الكسل أو السكر عذرا مقبوال من المدين في أية حالة من األحوال.
و المحكمة المختصة بالجنح المشار إليها في هذه المادة هي محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له
قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة.
-باستقراء هذه المادة نالحظ أن المشرع الجزائري قد جرم فعل االمتناع عن تسديد النفقة ،هذه الجريمة التي
تدخل ضمن جرائم اإلهمال العائلي أو جرائم التخلي عن االلتزامات الزوجية ،و التي يجب لقيامها توافر
مجموعة من األركان نتطرق إليها في مطلب أول ثم نبين في مطلب ثان إجراءات المتابعة و الجزاء المقررة
لهذه الجريمة كما يلي:
-المطلب األول :أركان الجريمة:
تقتضي جريمة عدم تسديد نفقة كغيرها من بقية الجرائم ركنا ماديا و ركنا معنويا ،نتطرق إليها فيما يلي:
لقيام الركن المادي لهذه الجريمة يجب توفر عنصرين أساسيين هما:
-امتناع المحكوم عليه عن أداء كامل قيمة النفقة لمدة تتجاوز شهرين.
نصت المادة 331من قانون العقوبات على وجوب صدور حكم قضائي يقضي بالنفقة ،لكن ما هي النفقة التي
يقصدها المشرع؟ و من هم األشخاص المستفيدين بها؟ و ما هو الحكم الذي يأخذ بعين االعتبار؟
يتحدث النص الفرنسي للمادة 331من قانون العقوبات عن النفقة الغذائية " Pension
" alimentaireو بالتالي فالمشرع الجزائري قد حصر النفقة في النفقة الغذائية فقط ]18[ لكن
بالرجوع للمادة 78من قانون األسرة فإنها تنص أن النفقة تشمل الغذاء و الكسوة و العالج و السكن أو أجرته
و ما يعتبر من الضروريات في العادة و العرف ،فهل يمكن الحكم على شخص مدين بتسديد بدل إيجار لطليقته
الحاضنة ألوالده؟ نرى أنه مادام األمر يتعلق بنفقة غذائية فانه ال يمكن إدانة شخص مدين بتسديد بدل إيجار
لطليقته بجنحة عدم تسديد نفقة ،ذلك أن نص المادة 331واضح ،و إذا كان المشرع الجزائري قد حصر النفقة
في النفقة الغذائية فقط فإن المشرع المصري قد أضاف إلى ذلك أجرة الحضانة أو الرضاعة أو المسكن ،حيث
نصت على ذلك المادة 293قانون عقوبات مصري.
-و مهما يكن فإن األشخاص المستفيدين من قيمة النفقة قد حددتهم المادة 331من قانون العقوبات
بنصها.... ":و عن أداء قيمة كامل النفقة المقررة عليه إلى الزوجة أو أصوله أو فروعه "....فقد تكون النفقة
ناتجة عن رابطة عائلية مازالت قائمة أو ناتجة عن فك الرابطة الزوجية ،فإذا كانت النفقة ناتجة عن رابطة
عائلية قائمة ،فإن المستفيد منها هم الزوجة و األصول و الفروع ،عمال بأحكام المادة 37و المواد من 74إلى
77من قانون األسرة ،أما إذا كانت النفقة ناتجة عن فك الرابطة الزوجية فان المستفيد منها هم الزوجة و
األوالد القصر عمال بأحكام المواد 74،75،61من قانون األسرة ذلك أن نفقة الزوجة تجب على زوجها
بالدخول بها و تستمر إلى التصريح بفك الرابطة الزوجية ،كما أن للزوجة المطلقة الحق في النفقة الغذائية في
عدة الطالق ]19[ و إذا كان المشرع الجزائري قد حصر األشخاص المستفيدين من النفقة في الزوجة و
األصول و الفروع ،فإن المشرع المصري توسع في ذلك لتشمل النفقة الزوجة و األقارب و األصهار ،إذ تنص
المادة 293من قانون العقوبات المصري على أن كل من صادر عليه حكم قضائي واجب النفاذ بدفع نفقة
لزوجه أو أقاربه أو أصهاره ]20[ ...و تجدر اإلشارة إلى أنه إذا كانت المبالغ المطالب بها ال تتعلق بموضوع
إعالة أسرة و ال تتعلق بحق األقارب في النفقة الذين هم أصول أو فروع أو زوج المطالب بالنفقة و الذي يلزمه
القانون باإلنفاق عليهم كأن تكون المبالغ المحكوم بها مثال تتعلق بدين عليه لزوجته أو أحد أصوله أو فروعه
ال يتعلق باإلعالة الواجبة قانونا فإنه ال يمكن متابعة الشخص بجنحة عدم تسديد نفقة]21[ .
-يجب صدور حكم قضائي يقضي بأداء نفقة غذائية ،و في هذا الصدد يجب أخذ عبارة "حكم" بمفهومها
الواسع الذي يتسع ليشمل األحكام الصادرة عن المحاكم االبتدائية و القرارات الصادرة عن المجلس و األوامر
الصادرة عن رئيس المحكمة ،كما قد يكون الحكم صادرا عن جهة قضائية أجنبية و ممهورا بالصيغة التنفيذية
وفقا لألشكال و الشروط المنصوص عليها بالمواد 325 ،320من قانون اإلجراءات المدنية ]22[ و في هذا
الصدد صدر عن غرفة الجنح و المخالفات للمحكمة العليا قرار بتاريخ 16/04/1995ملف رقم 124384جاء
فيه ما يلي" :من المقرر قانونا أن يتحمل المسئولية الجزائية كل من امتنع عمدا و لمد تفوق الشهرين عن
تقديم المبالغ المالية المقرر قضاء إلعالة أسرته ،و يبقى االفتراض عن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس ،و
متى ثبت صدور أمر قضائي استعجالي يلزم المتهم بدفع النفقة ،فإن قضاة المجلس قد خرقوا القانون عندما
قضوا ببراءته بدعوى أنه ال يوجد حكم أو قرار نهائي في النزاع"]23[
كما جاء في نفس القرار أنه يجب تفسير كلمة "حكم" بمفهومها الواسع الذي يشمل الحكم و القرار القضائي و
األمر االستعجالي.
* أن يكون قابال للتنفيذ أي حائز لقوة الشيء المقضي فيه حيث لم يعد قابال ألي طريق من طرق الطعن العادية
أي أصبح نهائيا ،لكن قد يكون هذا الحكم غير نهائي إذا صدر تطبيقا للمادة 40من قانون اإلجراءات المدنية
بحيث يكون في هذه الحالة معجل النفاذ رغم المعارضة و االستئناف حيث نصت المادة المذكورة أعاله على أن
يكون األمر بالتنفيذ المعجل رغم المعارضة و االستئناف وجوبا عندما يتعلق األمر بالنفقة الغذائية ،و عليه
األحكام التي يمكن االعتماد عليها للقول لقيام جنحة عدم تسديد نفقة هي األحكام النهائية و األحكام المشمولة
بالنفاذ المعجل و كذا األوامر االستعجالية الصادرة طبقا للمادة 188من قانون اإلجراءات المدنية.
* أن يتم تبليغ الحكم القضائي للمعني باألمر ،بحيث يجب أن يصل الحكم إلى علم المدين عن طريق التبليغ
حسب األشكال و وفق الشروط المنصوص عليها في قانون اإلجراءات المدنية ]24[ .و الحكمة من اشتراط
تبليغ المدين بالحكم واضحة و منطقية إذ ال يجوز تحميل شخص أمرا ال علم له به ،كما يهدف المشرع من
وراء ذلك إلى أعطاء المدين حقه في الطعن بالمعارضة و االستئناف و كذا حتى يستثنى له تنفيذ الحكم طواعية
إذا كان بإمكانه ذلك ،و قد أكدت المحكمة العليا على شرط تبليغ الحكم في العديد من قراراتها إذ جاء في قرار
صادر عن غرفة الجنح و المخالفات بتاريخ 23/11/1982ملف رقم 63194ما يلي" :إذا كان مؤدى نص
المادة 331من قانون العقوبات الحكم جزائيا بالحبس و الغرامة على كل من امتنع عمدا و لمدة تجاوز شهرين
عن دفع النفقة المحكوم بها عليه قضاء لصالح من حكم لهم بها ألنه يشترط للمتابعة الجزائية بهذا الجزم أن
يكون المحكوم عليه قد بلغ وفقا للقانون بالحكم القاضي بالنفقة و أن القضاء بخالف ذلك يعد خطأ في تطبيق
القانون .
فإذا كان من الثابت بملف اإلجراءات أن الزوج كان قد حكم عليه بدفع نفقة شهرية لزوجته المطلقة و أنه كلف
بدفع هذه النفقة و أمهل مدة شهر عقب تبليغه بهذا الحكم ،و لذلك فإن المتابعة الجزائية تكون مكتملة العناصر
من أجل هذه الجنحة"]25[
-IIامتناع المحكوم عليه عن أداء كامل قيمة النفقة لمدة تتجاوز شهرين:
يظهر جليا من خالل نص المادة 331من قانون العقوبات أن سلوك الجاني في هذه الجريمة هو سلوك سلبي
يتحقق في امتناعه عن دفع مبلغ النفقة المحكوم به عليه لمدة تتجاوز شهرين ]26[ و قد أوجب المشرع
الجزائري أن يتم الوفاء بكامل قيمة النفقة المحكوم به ،فالوفاء الجزئي ال يعتد به و ال ينفي وقوع الجريمة و
قد اعتبرت المحكمة العليا في قرارها الصادر عن غرفة الجنح و المخالفات بتاريخ ،01/06/1982ملف رقم
23000أن جرم عدم تسديد النفقة جنحة مستمرة فالمتهم الذي تماطل في دفع النفقة المحكوم بها عليه لصالح
زوجته يبقى مرتكبا لهذه الجنحة إلى حين التخلص التام عن دفع المبالغ التي عليه ]27[ كما أن الوفاء الالحق
لفوات مهلة الشهرين ال ينفي الجريمة ،فقد جاء في قرار المحكمة العليا غرفة الجنح و المخالفات الصادر
بتاريخ 23/01/1990ملف رقم 59472ما يلي" :إن قضاة الموضوع طبقوا المادة 331تطبيقا سليما لما
أثبتوا في قرارهم أن المتهم دفع النفقة بعد انقضاء المدة القانونية المحددة في المادة المذكورة و أنه اعترف
بتماطله في التسديد الفتقاده القدرة على الوفاء بالتزامه نتيجة ظروفه االجتماعية الصعبة" ]28[ كما أكدت
المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/01/1996أن حصول الصلح بعد ارتكاب جنحة عدم تسديد النفقة
ال يمحو الجريمة و يظل مبلغ النفقة المحكوم به مستحقا ]29[ و تبقى الجريمة قائمة أيضا في حق المتهم حتى
و إن كان األبناء يعيشون تحت كفالته ذلك أن النفقة الغذائية واجبة الدفع للوالدة التي تمارس الحضانة على
األطفال بموجب حكم مدني.
و تثير مسألة الشهرين العديد من اإلشكاالت،ـ فمتى يتم بداية حساب المواعيد ،هل تبدأ هذه المهلة من تاريخ
تبليغ الحكم للمحكوم عليه أم من تاريخ التبليغ و انقضاء مهلة العشرين يوما المقررة للسداد ؟
الرأي الراجح قضاء أن ميعاد الشهرين يبدأ من تبليغ الحكم و انقضاء مهلة العشرين يوما المحددة في التكليف
أو اإللزام بالدفع الذي يحرره المحضر يكلف به المحكوم عليه بسداد مبلغ النفقة طبقا إلجراءات التنفيذ
المنصوص عليها بالمادة 330من قانون اإلجراءات المدنية ،و في هذا الصدد جاء في قرار المحكمة العليا
غرفة الجنح و المخالفات الصادر بتاريخ 14/07/1996ملف رقم 132869ما يلي" :يتم حساب مدة الشهرين
اعتبارا من تاريخ انقضاء المهلة 20يوما المحددة في التكليف بالدفع" كما قضت في قرار أخر صادر في
تاريخ 04/11/1996ملف رقم 1372333أنه" :ال تقوم الجنحة مادامت إجراءات التنفيذ غير مستوفاة النعدام
التكليف بالدفع و محضر االمتناع عن الدفع"[]30
كما يطرح في هذا الصدد مسألة بداية حساب مهلة الشهرين هل تحتسب من تاريخ تقديم الشكوى أم من تاريخ
المتابعة؟
فإذا فرضنا أن مهلة 20يوما المخصصة للسداد قد انتهت بتاريخ 30/11/2003و بتاريخ 02/01/2004
تقدمت المستفيدة من الحكم القاضي بالنفقة بشكوى لدى مصالح الشرطة لتصل الشكوى لدى نيابة الجمهورية
بتاريخ 28/04/2004أي بعد حوالي 04أشهر من تاريخ تقديم الشكوى ،فأي تاريخ يتم اعتماده تاريخ تقديم
الشكوى أم تاريخ المتابعة؟ فإذا تم اعتماد تاريخ تقديم الشكوى كأساس فإن مهلة الشهرين المنصوص عليها
بالمادة 331من قانون العقوبات لم تتحقق ،بالتالي الجريمة غير قائمة ،أما إذا تم اعتماد تاريخ المتابعة
كأساس فإن مهلة الشهرين قد انقضت و تصبح الجريمة قائمة.
لم يتطرق القضاء الجزائري لهذه المسألة ،أما القضاء الفرنسي فقد أخذ بعين االعتبار تاريخ تقديم الشكوى
لحساب مهلة الشهرين و ليس تاريخ المتابعة ،ثم تراجع عن هذا الموقف و استقر على أن مهلة الشهرين يبدأ
حسابها من تاريخ المتابعة القضائية و ليس من تاريخ الشكوى ]31[ و هو الرأي الذي نراه صائبا ألنه بذلك
التاريخ يتم التأكد من تسديد المتهم مبلغ النفقة من عدمه.
و في كل األحوال فإن القضاء قد اشترط إلدانة المتهم بجنحة عدم تسديد نفقة وجود محضر اإلنذار بالدفع و
محضر عدم االمتثال و في هذا الصدد صدر عن غرفة الجنح و المخالفات للمحكمة العليا قرار بتاريخ
18/01/2000ملف رقم 229680جاء فيه ما يلي" :إن القضاء بإدانة المتهم بدفع النفقة الغذائية للمطعون
ضدها دون توافر محضري اإللزام بالدفع و عدم االمتثال بالملف يعد خطأ في تطبيق القانون"]32[
-تتطلب جريمة عدم تسديد النفقة كغيرها من بقية الجرائم ركنا معنويا يتمثل في القصد الجنائي و الذي
عبرت عنه المادة 331باالمتناع عمدا عن أداء النفقة فالجاني ال بد أن يكون عالما بواجب أداءه المبلغ
المحكوم به عليه و أن ذلك المبلغ نفقة مستحقة عليه بموجب حكم قضائي نهائي ملزم ثم يمتنع عن الدفع رغم
ذلك ،أي أن تتجه إرادته إلى عدم السداد باختياره و عليه يتحقق القصد الجنائي يتوافر عنصرين أساسيين هما:
*علم المتهم بصدور حكم قضائي ضده واجب النفاذ بدفع النفقة و علمه بالتنبيه عليه بالدفع.
و يعتبر اإلعسار هو السبب الوحيد الذي يمكن قبوله فعال مبررا لعدم تسديد ،كما ال يعتبر اإلعسار الناتج عن
االعتياد على سوء السلوك أو الكسل عذرا مقبوال من المدين في أية حالة من األحوال.
و قد اعتبرت المادة 331من قانون العقوبات أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت المتهم عكس ذلك ،فسوء النية
مقترحة ،فال يقع على عاتق النيابة إثبات توافر سوء النية إنما يتعين على المتهم إثبات أنه حسن النية و عليه
فإن مجرد عدم الدفع يعتبر قرينة قانونية على توافر ركن العمد ،و لكنها قرينة بسيطة قابلة إلثبات العكس من
طرف المتهم.
المطلب الثاني :المتابعة و الجزاء:
نتطرق فيما يلي إلى إجراءات المتابعة ثم إلى الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
لم يعلق المشرع الجزائري إجراءات المتابعة في هذه الجريمة على قيد أو شرط ،فال يشترط شكوى الشخص
المضرور ،فالنيابة تملك حق تحريك الدعوى العمومية متى توافرت لها األسباب الكافية لذلك ]33[ و يترتب
على ذلك أن سحب الشكوى أو التنازل عليها ال يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية باعتبار أن الشكوى ليست
شرطا الزما للمتابعة ،و هذا ما أكدت المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21/07/1998ملف رقم
164848الذي جاء فيه" :من المقرر قانونا أنه تنقضي الدعوى العمومية في حالة سحب الشكوى إذا كانت
شرطا الزما للمتابعة ،و لما ثبت في قضية الحال أن الجريمة تتعلق بجنحة عدم تسديد النفقة و أن سحب
الشكوى أو التنازل عنها في قضية الحال ال يؤدي إلى انقضاء الدعوى العمومية باعتبار أن الشكوى ليست
شرطا الزما للمتابعة علما أن عند مراجعة أوراق الملف تبين أن الطرف المدني لم يسحب طالبا بتأييد الحكم
المستأنف فيه" كذلك الصلح بعد ارتكاب جنحة عدم تسديد النفقة ال يمحو هذه الجريمة و يظل مبلغ النفقة
المحكوم به مستحقا ]34[ كذلك حصول الصلح بعد ارتكاب جنحة عدم تسديد النفقة ال يمحو هذه الجريمة و
يظل مبلغ النفقة المحكوم به مستحقا.
و إذا كان المشرع الجزائري لم يعلق المتابعة على شكوى المضرور فان المشرع المصري اشترط لمباشرة
المتابعة وجود شكوى من صاحب الشأن و هذا ما نصت عليه المادة 293قانون عقوبات مصري حيث جاء
فيها ما يلي..." :و ال ترفع الدعوى عليه إال بناء على الشكوى من صاحب الشأن "...و ربما يعود سبب ذلك
إلى كون هذه الجريمة مما يمس بنظام األسرة و يؤثر في الروابط العائلية و يترتب على ذلك أن يكون لصاحب
الشأن بعد تبليغه عن الجريمة أن يعدل عن بالغه و يتنازل عن شكواه في أية حالة كانت عليها الدعوى مادامت
لم تنته بحكم نهائي ،و يترتب على هذا التنازل سقوط الدعوى العمومية]35[ .
-و تجدر اإلشارة إلى أن جريمة عدم تسديد نفقة جريمة مستمرة تتحقق كلما امتنع المحكوم عليه عن أداء
النفقة المحكوم بها بموجب حكم قضائي ،و قد أكدت المحكمة العليا هذا المبدأ في قرارها الصادر عن غرفة
الجنح و المخالفات بتاريخ 01/06/1982ملف رقم 23000جاء فيه ما يلي " :إن جرم عدم تسديد النفقة
جنحة مستمرة ،فالمتهم الذي تماطل في دفع النفقة المحكوم بها عليه لصالح زوجته يبقى مرتكبا لهذه الجنحة
إلى حين التخلص التام عن دفع المبالغ التي عليه"]36[
-و يعود اختصاص النظر في هذه الجنحة حسب المادة 331/3من قانون العقوبات لمحكمة موطن أو محل
إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة ،و يعتبر ذلك خروجا صريحا عن القواعد العامة
لالختصاص التي تقرر الختصاص المحلي بنظر الجنحة لمحكمة محل وقوع الجريمة أو محل إقامة المتهم أو
محل القبض عليه ،و هو امتياز أعطاه المشرع للدائن بالنفقة الذي يحق له التنازل عنه فإذا قدم شكواه أمام
محكمة موطن إقامة المتهم فال يجوز ألحد من أطراف القضية الدفع بعدم االختصاص ،و قد أكدت المحكمة
العليا في قرارها الصادر بتاريخ 01/06/1982ملف رقم 23000أن المشرع أتى بالفقرة األخيرة من المادة
331من قانون العقوبات في صالح المستحقين بالنفقة ألن هؤالء المستحقين يكونون في الغالب عجزة
كالزوجة و األوالد و كذا الوالدين عند كبرهما ،و ذلك لكي ال يتحتم عليهم التنقل المتعب إلى جهات قضائية
بعيدة عن سكانهم ،و على هذا فهؤالء المستفيدين من هذه الفقرة وحدهم ،الحق في التمسك بهذا الدفع دون
غيرهم ]37[ و تجدر اإلشارة إلى أن ما نصت عليه المادة 331بشأن االختصاص ال يصلح إذا كان المستفيد
من النفقة يقيم بالخارج و عندئذ تطبيق قواعد االختصاص العام.
ثانيا :الجزاء:
-يعاقب على جنحة عدم تسديد النفقة بالحبس من ستة أشهر إلى ثالث سنوات و بغرامة من 500إلى 5000
دج ،و يجوز عالوة على ذلك الحكم على المتهم بالحرمان من الحقوق الوطنية و ذلك من ستة إلى 05سنوات،
و تجدر اإلشارة أنه إذا حكم القاضي على المتهم بعقوبة جزائية من أجل جنحة عدم تسديد النفقة فال يجوز له
الحكم للضحية بمبلغ النفقة غير المسددة ألنها دين سابق على جنحة ذلك أن المادة الثانية من قانون اإلجراءات
الجزائية تشترط أن تستند الضحية في طلب التعويض إلى ضرر مباشر تسبب عن الجريمة غير أنه يستطيع
الحكم بالتعويض للضحية نتيجة الضرر الحامل من الجريمة]38[ .
-سبق و أن ذكرنا أن المشرع الجزائري قد رتب في إطار األسرة مجموعة من الواجبات ،إذ نصت المادة 36
من قانون األسرة أنه يجب على الزوجين المحافظة على الروابط الزوجية وواجبات الحياة المشتركة و التعاون
على مصلحة األسرة و رعاية األوالد و حسن تربيتهم ...و عليه فإن أي إهمال في تربية األوالد و رعايتهم
يؤدي إلى نتائج وخيمة على األسرة ،و انطالقا من هذا المنظور رتب المشرع الجزائري جزاء على أحد
الوالدين الذي يسيء معاملة أوالده ،حيث تنص المادة 330/3من قانون العقوبات على ما يلي" :يعاقب
بالحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500إلى 5000دينار:
............ -1
............ -2
-3أحد الوالدين الذي يعرض صحة أوالده أو واحدا أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم بأن
يسيء معاملتهم أو يكون مثال سيئا لهم لالعتياد على السكر أو سوء السلوك أو بأن يهمل رعايتهم أوال يقوم
باإلشراف الضروري عليهم و ذلك سواء كان قد قضى بإسقاط سلطته األبوية عليهم أو لم يقض بإسقاطها".
-و تجدر اإلشارة إلى أن مجال إساءة الوالدين إلى أبنائهم واسع ال يخضع إلى حدود ،و في الكثير من األحيان
يصعب التفريق بين ما يدخل في حقوق األبوين في تأديب أوالدهم و بين ما يعتبر إساءة لهم ،و يستوجب
معاقبتهما لذلك حصر المشرع الجزائري معنى اإلساءة إلى األوالد في ثالث حاالت هي:
إن هذه األفعال مجرمة بنص المادة 330/3من قانون العقوبات و تشكل في مجموعها جريمة اإلهمال المعنوي
لألوالد و التي نتناولها بنوع من التفصيل ،فنتطرق في مطلب أول إلى أركانها و في مطلب ثان إلى إجراءات
المتابعة و الجزاء.
-تقتضي جريمة اإلهمال المعنوي لألوالد لقيامها ركنا ماديا و ركنا معنويا ،نتناولهما فيما يلي:
يقوم الركن المدي لهذه الجريمة على ثالثة عناصر تتمثل في صفة األب أو األم ،أعمال اإلهمال المبينة بالمادة
330/3و النتائج الخطيرة المترتبة عنة هذه األعمال.
لكن يثور التساؤل بالنسبة للكفيل طبقا للمادة 116من قانون األسرة التي عرفت الكفالة بأنها التزام على وجه
التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة و تربية و رعاية قيام األب بابنه و تتم بعقد شرعي ،و عليه فقد أعطت هذه
المادة لألبناء المكفولين نفس حقوق األبناء الشرعيين ،فهل يمكن تطبيق المادة 330/3من قانون العقوبات
على الكفيل خاصة بعد أن سمح المرسوم التنفيذي رقم 92/24المؤرخ في 13/01/1992بنسب المكفول
للكفيل؟
-الرأي الراجع في الفقه و القضاء أن األمر يقتصر فقط على الوالدين الشرعيين و هو الرأي الذي نراه صائبا
خاصة و أن المادة 330/3جاءت بعبارة "أحد الوالدين".
جاءت هذه األعمال على سبيل المثال ال الحصر ،و يمكن تقسيم هذه األعمال إلى صنفين:
-الصنف األول أعمال ذات طابع مادي و تتحقق بسوء المعاملة و إهمال رعاية األوالد ،و يدخل ضمن سوء
المعاملة ضرب الولد أو قيده حتى ال يغادر البيت أو تركه بمفرده في البيت و االنصراف إلى العمل ،و من قبيل
إهمال الرعاية عدم عرض الولد المريض على الطبيب أو عدم تقديم له الدواء.
-الصنف الثاني من أعمال اإلهمال يتمثل في أعمال ذات طابع أدبي و المتمثلة في المثل السيئ و عدم
اإلشراف ،و يتحقق المثل السيئ باإلدمان على السكر و تناول المخدرات و القيام بأعمال منافية لألخالق أما
عدم اإلشراف فيتحقق بطرد األوالد للخارج و صرفهم للعب في الشارع دون أي مراقبة أو توجيه]40[ .
-و تجدر اإلشارة أن هذه األعمال يجب أن تكون متكررة و ذلك واضح من خالل عبارة االعتياد التي جاءت
بها المادة 330/3من قانون العقوبات.
اشترطت المادة 330/3أن تعرض سلوكات األب أو األم صحة أوالدهمـ أو أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم،
فالمشرع ال يعاقب على مجرد إثبات هذه األفعال إال إذا ترتبت عنها نتائج خطيرة تمس االبن و تؤثر على صحته
أو أمنه أو خلقه و يالحظ أنه لم يرد في نص القانون أي معيار للتحديد أو تقييم جسامة الخطر أو الضرر و في
غياب ذلك يبقى لقاضي الموضوع السلطة التقديرية الكاملة التي تمكنه من التمييز بين جسامة الخطر أو
الضرر و تسمح له بأن يستنتج مدى تأثيرها على صحة أو أمن أو أخالق األوالد]41[ .
-إذن اجتماع العناصر الثالثة يشكل في مجموعها الركن المادي لجريمة اإلهمال المعنوي لألوالد.
-بالرجوع لنص المادة 330/3فإنه لم يرد ذكر عنصر العمد لهذه الجريمة ،فالقانون لم يشترط قصدا جنائيا
لقيام الجريمة ]42[ غير أن المنطق يفرض بأن إقدام أحد الوالدين على هذا الفعل يجب أن يكون مدركا و عالما
بأن ما أقدم عليه يعد تقصيرا في أداء التزاماته العائلية مما يؤدي إلى وقوع ضرر كما يجب أن ال يكون مكرها
على إتيان هذا الفعل.
نتطرق فيما يلي إلى إجراءات المتابعة ثم إلى الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
أوال :إجراءات المتابعة:
-إذا كان المشرع الجزائري قد علق إجراءات المتابعة بالنسبة لجريمتي ترك األسرة و إهمال الزوجة الحامل
على شكوى الزوج المضرور ،فإن إجراءات المتابعة بالنسبة لجريمة اإلهمال المعنوي لألوالد ال تخضع ألي
قيد فيمكن للنيابة العامة تحريك الدعوى العمومية دون انتظار شكوى المضرور.
أما بالنسبة لالختصاص في نظر هذه الجنحة فإن المشرع لم ينص على ذلك ،و بالتالي نرجع للقواعد العامة
في االختصاص طبقا للمادة 37من قانون اإلجراءات الجزائية التي تحدد االختصاص بمكان وقوع الجريمة أو
بمحل إلقامة أحد األشخاص المشتبه في مساهمتهم فيها بالمكان الذي تم في دائرته القبض على أحد هؤالء
األشخاص حتى و لو حصل هذا القبض لسبب آخر.
ثانيا :الجزاء:
تطبق نفس العقوبات الواردة على جنحتي ترك مقر األسرة و ترك الزوجة الحامل على جنحة اإلهمال المعنوي
لألوالد و هي الحبس من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500إلى 5000دج.
و يجوز عالوة على ذلك الحكم على المتهم بالحرمان من الحقوق الوطنية و ذلك من ستة إلى 05سنوات.
-قضت حكمة هللا سبحانه و تعالى أن يجعل لكل من الرجل و المرأة طبائع و غرائز تدفع كل منهما إلى األخر
بميل غريزي و رغبة التصال كل منهما باألخر اتصاال يكون ثمرته التوالد و التناسل حفاظا للنوع البشري و
تعميرا للكون و لم يترك هللا سبحانه و تعالى البشر حسب هواهم فشرع لهم الزواج ووضع له األحكام و
الضوابط لكي يعيشوا فنشأ األلفة و المودة بينهما مصدقا لقوله تعالى "و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجا أن تسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة"
و الزنا لم يعرف إال حينما عرف الزواج و لها في قانون العقوبات معنى إصطالحي خاص ،فهو ال يشمل كل
األحوال التي يطلق عليها هذا االسم في الشرائع الدينية بل هو مقصور على حال زنا الشخص المتزوج حالة
قيام الزوجية فعال و حكما.
و معظم التشريعات الوضعية تعاقب عليها بينما قلة منها ال يعاقب عليها و من بينها القانون االنجليزي ففي
رأيهم أن العقاب ال يجدي ،إذ ال فائدة من عقاب شخص ال تروعه مبادئ األخالق فضال.
عن ما في العقاب من إثارة فضيحة ينجم عنها ضرر بالعائلة أبلغ من الضرر الذي يصيب المجتمع بينما
توسطت المجتمعات األخرى ،فعاقبت على الزنا إذا حصل من شخص متزوج لما فيه من انتهاك الحرمة
الزوجية و ال يجوز تحريك الدعوى العمومية إال بناء على شكوى من المجني عليه و له التنازل عن هذه
الشكوى في أي وقت و رغم ذلك فجريمة الزنا ليست جريمة كغيرها من الجرائم تمس المجتمع لما فيها من
إخالل بواجبات الزوجية التي هي قوام نظام األسرة ،و لما كانت الجريمة تضر بأفراد األسرة جميعا رأى
المشرع أن يترك لعائلتها حق تحريك الدعوى العمومية و هذا ما نهجه المشرع الجزائري من خالل نص
المادتين 339،341من قانون العقوبات.
فنص في المادة 339بقوله "يقضى بالحبس من سنة إلى سنتين على كل امرأة متزوجة ثبت ارتكابها جريمة
الزنا و تطبق العقوبة ذاتها على كل من ارتكب جريمة الزنا مع امرأة يعلم أنها متزوجة.
و يعاقب الزوج الذي يرتكب جريمة الزنا بالحبس من سنة إلى سنتين و تطبق العقوبة ذاتها على شريكته.
و ال تتخذ اإلجراءات إال بناء على شكوى الزوج المضرور و إن صفح هذا األخير يضع حدا لكل متابعة ".
نستشف من هذه المادة أن قانون العقوبات لم يضع تعريفا لجريمة الزنا ،وتضمنت المادة 341من قانون
العقوبات طرق إثبات جريمة الزنا بنصها على ما يلي " :الدليل الذي يقبل عن ارتكاب الجريمة المعاقب عليها
بالمادة 339يقوم إال على محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة تلبس و إما بإقرار وارد
في رسائل أو مستندات صادرة من المتهم أو بإقرار قضائي.
و من خالل ما أوردناه سنتناول في هذا المبحث مطلبين نتطرق في األول إلى أركان الجريمة و في الثاني إلى
المتابعة و الجزء.
لم يعرف المشرع الجزائري جريمة الزنا أسوة بباقي التشريعات المختلفة و من ثم يتحتم علينا األمر أن نلجأ
إلى التعريف الذي جاءت به الشريعة اإلسالمية" :الزنا شرعا هو الوطئ في غير حالل ،فإذا كان الجاني
محصنا فحده هو الرجم حتى الموت ،و إن لم يكن محصنا فحده هو الجلد".]43[
-و عرفه الفقيه موران بأنه "تدنيس فراش الزوجية وانتهاك جرمتها بتمام الوطئ"]44[
-و جاء في موسوعة دالوز " أن الزنا هو الجريمة التي تتكون من خرق حرمات الزواج من شخص متزوج
له عالقات غير مشروعة بآخر غير زوجه يعاقبه القانون باسم الشريك"]45[ .
-و عرفه األستاذ سعد عبد العزيز "بأنه كل وطئ أو جماع تام غير شرعي يقع من رجل متزوج أو مع امرأة
متزوجة استنادا إلى رضائها المتبادل و تنفيذا لرغبتها الجنسية"]46[
و يجب التنويه إلى أن المشرع الجزائري جرم جرعة الزنا بين الزوجين بنقلها حرفيا من قانون العقوبات
الفرنسي هذا األخير الذي ألغاه بموجب القانون الصادر بتاريخ ]47[ .11/07/1975
و من خالل هذه التعاريف نتناول أركان جريمة الزنا وفقا للتشريع الجزائري في الفروع التالية:
يتمثل هذا الركن في رابطة زوجية صحيحة يجب أن تتصف الزانية بأنها زوجة و كذلك الزاني ألن انعدام
الرابطة الزوجية ،و عدم وجود عقد زواج شرعي واقع وفقا ألحكام الشريعة اإلسالمية يجعل الفعل غير مكتمل
شروط المعاقبة ،و يسلبه صفة جريمة الزنا و ذلك كأن تكون الرابطة الزوجية قائمة على زواج باطل أو
مخالف للقانون أو للشريعة]48[ .
و على ذلك فالخطيبة ليست بزوجة لعدم انعقاد الزوجية بعد ،فإذا خانت خطيبها فال يشكل الركن المادي في
جريمة الزنا ،كما ال يشترط الدخول و الخلوة الشرعية ،فعقد القرآن ذاته يكفي لقيام الجريمة إذا تم وفقا لقانون
األسرة طبقا لنص المواد 22-9من قانون األسرة.
و يجب أن تكون رابطة الزوجية قائمة حال ارتكاب جريمة الزنا و قيام هذه الرابطة حقيقة فعلية ،يعني أن
الزوجة مازالت على ذمة الزوج و لم يحدث طالق بينهما أما قيامها حكما فيعني أنه طرأ عليها طالق و لكنه
طالق رجعي ال يرفع الحل و ال يزيل ملك الزوج طالما أن العدة قائمة فإذا زنت في فترة العدة قامت في حقها
جريمة الزنا أما إذا انقضت العدة فان الطالق يصبح بائنا و عندئذ ال تقوم الجريمة .و الطالق البائن إما أن
يكون بائنا بينونة صغرى أو بينونة كبرى ،و الطالق األول و إن كان يزيل ملك الزوج إال أنه ال يزيل الحل
بحيث تصبح المطلقة مرتكبة لجريمة الزنا إذا حدث الوطئ هي مطلقة طالقا بائنا بينونة صغرى ،أما البائن
بينونة كبرى فإنه يزيل الحل و الملك معا ،و في الحال تنقضي عالقة الزوجية نهائيا و تنقضي صفة الزوجية
فإذا زنت هذه الزوجة في هذه الحالة فال يستطيع تحريك الدعوى ضدها و لو وقع منها الوطئ خالل فترة
العدة]49[
-و إذا دفع المتهم أو شريكه أنه مطلق أو أنه لم يكن متزوجا أصال أو أن زواجه باطل أو فاسد جاز للمحكمة
أن توقف الدعوى الجزائية إلى غاية الفصل في الدعوى أمام قاضي األحوال الشخصية]50[ .
-و نفس الشيء في حالة ما إذا دفعت المتهمة بوفاة الزوج و انقضاء عدة الوفاة فعليها تقديم ما يثبت ذلك و
على الجهة القضائية أنه توقف الفصل في الدعوى الجزائية طبقا لنص المادة 330من قانون اإلجراءات
الجزائية]51[
و تثير مسألة إثبات الزواج إشكاالت عديدة لعدم انسجام التشريع الجزائري في هذا المجال و هذا ما نصت عليه
المادة 22من قانون األسرة ،على أن الزواج يثبت بشهادة مستخرجة من سجالت الزواج لبلدية مكان الزواج،
و أضافت نفس المادة في فقرة ثانية أن الزواج يكون صحيحا إذا توفرت فيه الشروط الشرعية للزواج و يمكن
تثبيته بحكم قضائي ،و لقد طرحت المسألة على المحكمة العليا فلم تتخذ موقفا ثابتا و لكن االتجاه الغالب هو أن
يتم اإلثبات بتقديم شهادة الزواج و تبعا لذلك قضت المحكمة العليا.
-بقيام جريمة الزنا في حق الزوجة التي تزوجت برجل آخر بالفاتحة دون أن تنتظر الفصل في القضية القائمة
بينها و بين زوجها األول و كذا الزوجة التي أبرمت عقد زواج مع رجل آخر قبل أن يصبح حكم الطالق بينها و
بين زوجه األول نهائيا]52[ .
-اختلف الفقهاء فيما يخص تحديد المقصود بالوطء هل هو إيالج عضو التذكير في المكان الطبيعي للمرأة
فقط أم يمتد إلى اللواط أو حتى االلتصاق دون إيالج.
-فذهب رأي إلى أن الوطء هو التحام الذكر مع األنثى في المكان الطبيعي من المرأة ،و في هذه الناحية تشترك
جريمة الزنا مع جريمة االغتصاب ،فالشرط في جريمة الزنا وجود الشريك يجامع الزوجة جماعا غير شرعي
و مع ذلك فال يعتبر زنا مجرد الخلوة بين الرجل و المرأة المتزوجة إذا لم تتبع هذه الخلوة بوطء كما ال تعد من
قبل الزنا األفعال المخلة بالحياء التي تأتها المرأة على نفسها أو الصالقة غير الطبيعية التي تأتها مع امرأة
أخرى كما ال يعد وطئا الفتاة البكر المتزوجة التي تمتنع على زوجها و تجتمع مع صديق لها في خلوة ليقوم
بفض بكرتها لو حدث ذلك بغير عضوه التناسلي و يعتبر الوطئ شرط أساسي لحدوث الزنا و ال يتصور في هذه
الجريمة حالة الشروع]53[ .
و ال تقوم الجريمة لما دون ذلك من أعمال الفاحشة األخرى التي يرتكبها أحد الزوجين مع غيره مثل القبالت و
المالمسات الجنسية و إتيان المرأة من الدبر]54[ .
ذلك أن الشروع في جريمة الزنا يتوافر فيه الركن المعنوي و يتخلف فيه الركن المادي بصفة كلية أو جزئية،
فال يعقل إذا أن يتم الشروع في جريمة الزنا من أحد الزوجين ،ألن الفعل اآلثم يشترط فيه توفر الركن المادي
كليا ،و المعنوي معا[ ]55و لكي يمكن أثبات جريمة الزنا للزوج المتهم البد أن يثبت أن هذا الرجل المتزوج قد
باشر فعال جنسيا مع امرأة مباشرة طبيعية تامة ،و أنها امرأة ال تحل له و ال هي زوجته .و إلى هذا المعنى
أشارت الفقرة الثالثة من المادة 339من ق ع و ذلك بغض النظر عن كون المرأة التي نفذ معها رغبته
متزوجة أم ال ،و نفس الشيء ينطبق على المرأة التي تمارس فعل الوطء مع الغير ]56[ بعكس الشريك الذي
يشترط فيه العلم بالعالقة الزوجية بين من تمارس معه الفعل.
ثالثا :الركن المعنوي.
ال يكفي لقيام ارتكاب الجريمة ارتكاب عمل مادي ينص و يعاقب عليه قانون جزائي ،بل البد أن يصدر هذا
العمل المادي عن إرادة الجاني و تشكل هذه العالقة التي تربط العمل المادي بالفاعل ما يسمى بالركن المعنوي،
فال تقوم الجريمة بدون توافر الركنين المادي و المعنوي عالوة على الركن الشرعي و يتمثل الركن المعنوي
في نية داخلية يضمرها الجاني في نفسه.]57[
إذا فجريمة الزنا تتطلب توافر القصد الجنائي لدى الفاعل األصلي متى ارتكب الفعل عن إرادة و علم بأنه
متزوج و أنه يوصل بشخص غير زوجته و ال تقوم جريمة الزنا بانعدام القصد الجنائي إذا ثبت أن الوطء قد
حصل بدون رضا الزوج كما لو تم بالعنف أو التهديد أو نتيجة للخديعة أو المباغتة.
حيث أنه ال عقاب على زوجة إذا زنت و هي في حالة الجنون ،أو في حالة اإلكراه كالتهديد ،و اإلسكار و
التخذير و التنويم المغناطيسي أو في حالة الغلط المادي .كما لو تسلل رجل إلى فراش امرأة أثناء نومها ،اتخذ
حيالها المركز الذي كان يشغله زوجها فضنت أنه هو و سلمت نفسها إليه ،أو في حالة الغلط القانوني إذا
ارتكبت الزنا و هي تعتقد أنها حرة من الوثاق الزوجي كما لو اعتقدت أنها مطلقة أو أن زوجها الغائب قد
مات ]58[ أما بالنسبة للشريك فيشترط فيه العلم بأن خليله أو خليلته متزوجا أو متزوجة فإن كان يجهل
الرابطة الزوجية وقت إتيان الفعل فإن القصد الجنائي يكون منتفيا]59[ و من ثم يتبين لنا أن جريمة الزنا
تشترط فقط توفر قصد جنائي عام ]60[ حيث أنه من خالل قرار المحكمة العليا رأت في قضية خاصة بالزنا بين
الزوجين أن قضاة االستئناف اكتفوا بإثبات الفعل المنسوب للمتهمين دون إمعان في جوانب الدعوى و أسبابها
إذ لم يتطرقوا إلى البحث في أقوال المتهمة التي أدلت في التحقيق االبتدائي أنها خرجت من عند زوجها الشاكي
منذ خمس سنين و امتنع عن ردها ،و انه ذكر لها أنه ال يطلقها و ال يردها كما أنه ال يسجل الزواج في الحالة
المدنية حتى ال ترثه.
حيث أن هذه الوقائع إذا ثبتت تدل على انعدام نية الزوج في مواصلة الزواج و أن أثار االقتران اضمحلت أو
كادت بإرادة الزوج و هي من الحقوق الشرعية التي يجب للزوجين بمقتضى الزواج قيد حياتهما أو بعد
مماتهما.]61[
-علق القانون مرتكبي جريمة الزنا على شكوى الزوج المضرور طبقا لنص المادة 339الفقرة الثالثة من
قانون العقوبات ،في حين أنه نص على الجزاء المقرر لهذه الجريمة في الفقرة الثانية من نقس المادة ،و
أعقب على إثباتها في المادة 341ق.ع.
أوال المتابعة
ثانيا الجزاء.
أوال المتابعة:
قيد القانون تحريك الدعوى العمومية في جريمة الزنا بناءا على شكوى المجني عليه استثناءا من األصل العام
و هو حرية النيابة في تحريك الدعوى العمومية ]62[ و بما أن جريمة الزنا ذات طبيعة خاصة و لها تأثير كبير
على نظام األسرة فقرر المشرع الجزائري عمال بالمشرع الفرنسي طرقا و وسائل معينة إلثباتها و بهذا
سنوضح الشكوى المقرر لجريمة الزنا ،و طرق إثباتها في نقطتين:
يقصد بالشكوى البالغ أو اإلخطار الذي يقدمه المجني عليه إلى السلطات المختصة طالبا تحريك الدعوى
العمومية بشأن جرائم معينة حصر ا لمشرع تحريكها على تقديم الشكوى.]63[
و بعد أن نظمت المادة 339من قانون العقوبات جريمة الزنا و المشاركة فيها أشارت في فقرتها الرابعة إلى
أن إجراءات المتابعة ال تتخذ إال بناءا على شكوى الزوج المضرور.
-و نستنتج أنه ال يجوز لممثل النيابة العامة أن يقوم بأي إجراء من إجراءات تحريك دعوى الزنا من تلقاء
نفسه بل إن تحريك الدعوى يتوقف على شكوى مسبقة من طرف الزوج اآلخر الذي مسه عار هذه الجريمة .و
يرجع هذا القيد لما لهذه الجريمة من اتصال مباشر لمصلحة األسرة و شرفها ،أكثر مما له من اتصال بمصلحة
المجتمع و ال يجوز تقديمها من أي شخص آخر غير الزوج المتضرر فإن كان مجنونا أو معتوها وقت أو بعد
ارتكاب الجريمة فإنه ال مانع من تقديم ممثله القانوني الشكوى نيابة عنه ،و لكن إذا كان القانون لم يحدد ال
صراحة و ال ضمنا أجال معينا للزوج الشاكي لكي يستعمل حقه في تقديم شكواه و لم يقيده بأي شرط.
-و يرى األستاذ سعد عبد العزيز أن للمطلق دائما حق تقديم الشكوى ضد مطلقته و طلب محاكمتها عن
اقترافها لجريمة الزنا ما دامت هذه الجريمة لم تنقضي بعد بسبب من أسباب االنقضاء المنصوص عليها في
المادة 06من قانون اإلجراءات الجزائية و ما دامت لم تسقط بالتقادم طبقا للمادة 07من نفس القانون و سنده
في ذلك أمران أولهما أن القانون اكتفى بتوفر الرابطة الزوجية و لم يشترط توفرها لصحة تقديم الشكوى ،و
ثانيهما أن الطالق ال يمحو الجريمة]64[ و يجب اإلشارة أيضا أنه في حالة عدم مراعاة الشرط من قبل النيابة
العامة و اتخذت إجراءات التحقيق أو أحالت الدعوى على المحكمة فإن هذه األخيرة ال تستطيع أن تنظر في
الدعوى أو تفصل فيها ،بل يتعين عليها أن تقضي بعدم قبولها من تلقاء نفسها أو بناءا على طلب المتهم أو
شريكه و يجب أن يتضمن الحكم اإلشارة إلى أن الدعوى قد رفعت تبعا لشكوى الزوج المتضرر أو أنها لم ترفع
تبعا لذلك و إال كان حكمها معيبا واجبا إلغائه و نقضه.
أما إذا كان الشاكي قد وافته المنية بعد تقديم الشكوى ضد الزوج اآلخر فإن الوفاة ال يترتب عليها سقوط حق
النيابة العامة في متابعة اإلجراءات الالزمة إلقامة الدعوى.]65[
و إضافة إلى ما سبق فإن التنازل عن الشكوى يعد حقا من حقوق الشاكي يستعمله إذا شاء و قبل النطق بالحكم
و بالتالي يضع حدا للمتابعة ضد زوجه ،و يستفيد الشريك كذلك من سحب الشكوى و تنقضي الدعوى العمومية
طبقا لنص المادة من 06من قانون اإلجراءات الجزائية.]66[
" الدليل الذي يقبل عن ارتكاب الجريمة المعاقب عليها بالمادة 339يقوم إما على محضر قضائي يحرره أحد
رجال الضبط القضائي عن حالة تلبس ،و إما عن طريق وارد في رسائل أو مستندات صادرة من المتهم و إما
بإقرار قضائي "[.]67
نستقرأ من القانون أنه حدد على سبيل الحصر األدلة التي تثب بها جريمة الزنا و هي:
-1محضر قضائي يحرره أحد رجال الضبط القضائي عن حالة التلبس.
-2عن طريق إقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أي اعترافا منه بأنه قام فعال بارتكاب
جريمة الزنا تضمنته رسالة أو مستند.
-3إقرار قضائي أي اعتراف المتهم أمام القضاء بأنه قام فعال بارتكاب جريمة الزنا.
و إذا لم تتوفر أحد هذه األدلة الثالث للقاضي فإنه ملزم قانونا بالحكم بالبراءة بغض النظر عن اقتنائه الشخصي
بأدلة أخرى.]68[
و لقد دأبت المحكمة العليا في اجتهادها على أنه " :لما كان ثابتا في قضية الحال أن القرار المطعون فيه ال
يحتوي على ما يفيد تقديم أحد طرق اإلثبات الثالث المنصوص عليها في القانون إثباتا لتهمة الزنا ،و من ثمة
فإن قضاة الموضوع بإدانتهم للطاعنين بارتكابهم جريمة الزنا خالفوا القانون"]69[
و جاء في حكم صادر عن محكمة بومرداس " :أن تهمة الزنا ثابتة في حق المتهمة بدليل اعترافها على
ممارسة العالقة الجنسية مع المتهم".]70[
-و جاء عن المحكمة العليا في اجتهاد آخر لها بإدالئها بأن ":اإلقرار القضائي في جريمة الزنا شخصي يلزم
المقر وحده دون غيره و إن القضاء بإدانته المتهم بناءا على إقرار الزوجة الزانية وحدها و في غياب إقرار
المتهم يعد قصورا في التعليل و سوء في تطبيق القانون يعرضه للنقص.]71[
ثانيا الجزاء:
-تعاقب المادة 339من قانون العقوبات على الزنا بالحبس من سنة إلى سنتين دون تمييز بين الزوج و
الزوجة ،و تطبق نفس العقوبة على الشريك و ال عقاب على الشروع في ذلك.
و تجدر المالحظة أن المشرع نص على عذر االستفزاز في جريمة الزنا فنص في المادة 279من قانون
العقوبات " :يستفيد مرتكب القتل و الجرح و الضرب من األعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج اآلخر
أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا ".
يتبين من هذا النص وجوب توفر أركان ثالث لعذر االستفزاز و هي:
* صفة الجاني و هو أن يكون الجاني أحد الزوجين و أن يكون الضحية هو الزوج اآلخر أو شريكه و هذا
العذر مقرر للزوج المغدور دون غيره.
فبتوفر أركان عذر االستفزاز فإن العقوبة تخفض طبقا لنص المادة 283من قانون العقوبات .
-1الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق األمر بجناية عقوبتها اإلعدام.
-2الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق األمر بأي جناية أخرى.
-3الحبس من شهر إلى ثالثة أشهر إذا تعلق األمر بجنحة.
هذا مع جواز الحكم على الجاني بالمنع من اإلقامة من 05سنوات على األقل إلى 10سنوات على األكثر في
الحالتين المنصوص عليهما في الفقرتين 01و . 02
-بعد إتمامنا للمبحث األول فيما يخص جريمة الزنا سوف نتطرق في المبحث الثاني لجريمة الفاحشة بين ذوي
المحارم.
المبحث الثاني :جريمة الفاحشة بين ذوي المحارم.
-وطء المحرمات من اإلناث جريمة يعاقب عليها في غالبية القوانين الوضعية و التشريعات السماوية و
مبادئ األخالق ألن في ارتكابها عدوان على المجتمع بأسره و تحطيم لقيمه ،فاألسرة نواة المجتمع و رابطة
القرابة و النسب و الدم ،هي أساس تكوين الصالة و العالقات االجتماعية و جريمة و وطء المحرمات من
اإلناث كاألخت و األم و البنت جرائم فاحشة تعتدي على األعراض و األنساب و لذا وضعت النصوص القانونية
و األحكام التي تنظم العالقات داخل المجتمع و سوف نقوم بدراسة هذه الجريمة في مطلبين:
-عرف األستاذ سعد عبد العزيز جريمة الفحش " :بأنها كل فعل من أفعال االتصال الجنسي المباشر التي تقع
بين شخص ذكرا كان أو أنثى و بين أحد محارمه شرعا من أقاربه أو أصهاره أو غيرهم برضائهم المتبادل[
، ]72و قد ورد النص على تجريم هذه األفعال في المادة 337مكرر من قانون العقوبات التي نصت " :تعتبر
من الفواحش العالقات الجنسية التي تقع:
-3بين شخص و ابن أحد إخوته أو أخواته من األب أو األم أو مع احد فروعه
-4األم أو األب و الزوج أو الزوجة و األرمل أو األرملة ابنه أو مع أحد آخر من فروعه
-5والد الزوج أو الزوجة أو زوج أو زوجة األب و فروع الزوج اآلخر
-يتبين أن هذه الجريمة تحتوي على ثالثة أركان نتخذها بالدراسة في ثالثة فروع:
ثالثا :القصد
-يتوفر الفعل المادي لقيام جريمة الفحش بين ذوي المحارم بوقوع عالقة جنسية طبيعية تامة بين رجل و
امرأة استنادا إلى رضائهما الصريح المتبادل دون استعمال عنف أو غش أو تهديد أو إكراه مادي أو معنوي من
أحد الطرفين ضد اآلخر .أما إذا صاحب الفعل تهديدا أو إكراها فإن الوصف الجرمي يصبح اغتصابا ال فحشا و
نطبق أركان المادة 336فقرة 01بدل المادة 337مكرر.]73[
و نفترض أيضا في جريمة الفحشاء مساس مباشر بجسم المجني عليه و يخرج من نطاقها األفعال التي يرتكبها
الجاني على جسمه أمام نظر المجني عليه مهما كانت درجة فحشاه و مهما بلغ تأثيره عليه.]74[
إلى جانب أنه ال يشترط لوجود الركن المادي الوطء الطبيعي الذي سيحصل بإيالج عضو التذكير في فرج
األنثى ،و إنما يشمل كل إيالج جنسي باإليالج بالدبر و حتى بالفم و ال يهم إن كان الجاني ذكرا أو أنثى و من ثم
تشمل العالقة الجنسية اللواط و المساحقة و يشترط الرضا بين الطرفين بطبيعة الحال.
-يشترط القانون لقيام جريمة الفاحشة بين ذوي المحارم وجود صلة قرابة أو نسب أو مصاهرة بين مرتكبي
جريمة الفحش أو وجود أحد أو بعض أسباب التحريم المنصوص عليها في المواد من 24إلى 30من قانون
األسرة.]75[
-و يثار التساؤل بشأن الرضاع :فهل تطبيق قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب قياسا على الزواج
فيكون الجواب بنعم مع حصر التحريم في الطفل الرضيع وحده دون إخوته و أخواته طبقا لنص المادة 28من
قانون األسرة التي نصت على " :يعد الطفل الرضيع وحده دون إخوته و أخواته وليد للمرضعة و زوجها و أخا
لجميع أوالدهاـ و يسري التحريم عليه و على فرعه ".]76[
-باإلضافة إلى الركنين السابقين يشترط القانون القصد الجنائي لقيام هذه الجريمة و المراد بالقصد هنا هو
القصد العام الذي يتوفر بمجرد علم كال المتهمين بأن الشخص اآلخر الذي يقوم بممارسة أو تنفيذ الفعل الجنس
معه من ذوي محارمه أما إذا كان الفاعالن ال يعلمان أو ليس في استطاعة أحدهما أو كالهما ،العلم بصفة
الحرمة أو بسبب التحريم انتفى القصد الجنائي و لم تعد الجريمة قائمة.
أما إذا كان أحدهما ال يعلم و اآلخر يعلم فإن العقاب يسلط فقط على من كان يعلم.]77[
-و ينبغي التنويه أيضا إلى أن األنثى التي ترضى و تسمح بارتكاب الفاحشة معها من احد أصولها أو فروعها،
مع علمها بالقرابة و تكون فوق سن السادسة عشر مرتكبة لجريمة وطئ المحرمات كفاعل أصلي ألن الرضا
الصادر من هذه األنثى ال يعتبر سببا مبررا أو مبيحا لهذه الجريمة أو ينفي المسؤولية عن الجاني أو المجني
عليها نفسها.]78[
و من خالصة القول يتضح أن الركن المعنوي البد فيه من توافر العلم و اإلرادة مهما كان الباعث الذي دفع
الجاني على ارتكاب جريمة الفحش بين ذوي المحارم فقد يكون هذا الباعث إشباعا للشهوة البيولوجية أو غير
ذلك.
و بإتمامنا للمطلب األول نعمل على شرح المطلب الثاني تحت عنوان المتابعة و الجزاء.
- تخضع هذه الجريمة في المتابعة إلى القواعد العامة في تحريك النيابة العامة للدعوى العمومية ،و مباشرتها
باسم المجتمع ،بخالف جريمة الزنا بين الزوجين التي نص فيها المشرع على تحريكها من قبل الطرف
المضرور استثناءا من األصل العام ،ذلك أن جريمة الفحش بين ذوي المحارم جريمة يهتز لها عرش الرحمن
تمس بكيان المجتمع ،و تزعزع نظامه أكثر مما تمس بالفرد ،فأحسن المشرع الجزائري عندما أخضعها لسلطة
النيابة العامة في مالئمة المتابعة إذ عليها أن تثبت هذه الجريمة بجميع وسائل و طرق اإلثبات.
- تثبت هذه الجريمة بشهادة الشهود أو باألدلة الشفوية ، ]79[ بخالف جريمة الزنا التي قيد المشرع إثباتها
بوسائل محددة على سبيل الحصر في المادة 341من قانون العقوبات.
ثانيا :الجزاء.
-إذا رجعنا بتمعن و حرص إلى نص المادة 337مكرر من قانون العقوبات فإننا نجد أنها تضمنت ثالث أنواع
من العقوبات:
النوع األول :العقوبة الجنائية لفعل ذي وصف جنائي عقوبته من 10إلى 20سنة سجنا و هي جناية فعل
الفحش بين األصول و الفروع و بين اإلخوة و األخوات.
النوع الثاني :العقوبة الجنائية لجريمة ذات وصف جنحي بين 05إلى 10سنوات حبس و هي جنحة فعل
الفحش بين األشخاص ،وهم:
· بين األم أو األب و زوجة أو زوج و أرمل أو أرملة االبن أو أحد فروعه.
· ولد الزوج أو الزوجة أو زوج األم أو زوجة األب و أحد فروع الزوج اآلخر.
النوع الثالث :العقوبة الجنحية لجريمة ذات وصف جنحي عقوبتها بين سنتين و خمس سنوات حبس وهي
جنحة فعل الفحش المقترف بين أشخاص يكون أحدهم زوجا ألخ أو أخت اآلخر.
-وفي جميع األحوال إذا ارتكبت الفاحشة من شخص راشد على شخص قاصر ،يبلغ من العمر 18عاما فإن
العقوبة المفروضة على الراشد تفوق وجوبا العقوبة المفروضة على الشخص القاصر ،كما أن هذه الجريمة
تكون قائمة حتى و لو كان أحد طرفيها من لم يبلغ سن الرشد الجزائي ،ألن المادة 337لم تشر إلى سن معينة
و لم تنص على السن إطالقا خالفا لجريمتي هتك العرض و الفعل المخل بالحياء الذي يفرق فيه المشرع بين
الضحية القاصر و الراشد و هو أحد ما تبنته المحكمة العليا في أحد قراراتها.]80[
و يتضمن الحكم المقضي به ضد األب أو األم فقدان حق األبوة أو الوصاية الشرعية طبقا للمادة 337مكرر
الفقرة األخيرة.
و يجب على القاضي أن يقرره من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب النيابة أو بطلب من يتولى أمر القاصر.]81[
من أهم الحقوق التي تضمنتها قواعد الشريعة اإلسالمية والقوانين الجزئية الوضعية حق الطفل في أن يتولى
كفالته أبواه طوال مدة صغره وحاجته إليهما ،وأن يسهرا منفردين أو مجتمعين على رعايته وتعليمه ،وعلى
حمايته من كل ما يضره أو يلحق به األذى والسيما األذى الذي يكون مصدره األبوان أنفسهما مثل الترك و
التسيب والضرب والتعذيب والقتل.
وفي هذا اإلطار جاء قانون العقوبات ووضع قواعد عقابية من شأنها حماية الولد الصغير من كل عنف وجور
أو اعتداء سواء على خلقه أو على جسمه ،ومن شأنها أيضا أن تجازي أحد الوالدين الذي يتعمد االعتداء على
حقوق أوالده بالجزاء المناسب ]82[ لذا فإننا سنتطرق في هذا الفصل إلى خمس جرائم نص عليها قانون
العقوبات الجزائري ،حيث سنتناول في المبحث األول جريمة اإلجهاض ،وفي المبحث الثاني جريمة قتل طفل
حديث العهد بالوالدة ،وفي المبحث الثالث جريمة ترك األطفال وتعريضهم للخطر ،وفي المبحث الرابع جريمة
عدم تسليم طفل ونتناول أخيرا في المبحث الخامس جريمة خطف أو إبعاد قاصر
إن المرأة الحامل هي المرأة التي لها جنين مستقر في الرحم ولم يخرج إلى الحياة وهذا الجنين يحميه القانون،
كما تحمى األم والمجتمع.
–حماية الجنين :ألنه يصبح طفال في المستقبل وهذا األخير يكون دعامة للمجتمع وهذا الكائن له الحق في
الحياة وهو حق طبيعي.
-حماية األم :إن االعتداء على الجنين يكون اعتداء على جسم المرأة وهو االعتداء على الحياة الطبيعية للمرأة
يمنعه المشرع ،ويمنع حتى على المرأة إجهاض نفسها.
حماية المجتمع :إن تعرضت المرأة والجنين إلى االعتداء يتسبب في اإلضرار بها فإن ذلك يؤدي إلى عرقلة
المجتمع الذي يحتاج إلى أفراد أصحاء
إذ تقضي المادة ة 304من قانون العقوبات على أنه " كل من أجهض إمرأة حامال أو مفترض حملها بإعطائها
مأكوالت أو مشروبات أو أدوية أو باستعمال طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك
أو لم توافق أو شرع في ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى 05سنوات وبغرامة من 500إلى 10.000دج
وإذا أفضى اإلجهاض إلى الموت تكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
وفي جميع الحاالت يجوز الحكم عالوة على ذلك بالمنع من اإلقامة"
تعريف اإلجهاض:
لم يعرف المشرع اإلجهاض إال أن بعض الفقه عرفه بأنه إخراج الجنين عمدا من الرحم قبل موعده الطبيعي أو
قتله عمدا في الرحم ،ويزيد البعض هذا التعريف إيضاحا بأن يتم اإلجهاض باستعمال وسيلة صناعية.
نستخلص مما تقدم بأن اإلجهاض هذا هو إنهاء حالة الحمل قبل األوان عمدا أو القضاء على الجنين داخل رحم
المرأة وإسقاطه قبل الموعد المحدد للوالدة ومن المسلم به أن جريمة اإلجهاض تقع في كل حالة تنتهي بها
حالة الحمل بطريقة غير تلقائية ويتضح من هذا التعريف أن لجريمة اإلجهاض 03أركان وهي الركن
المفترض (محل الجريمة) ،الركن المادي ،الركن المعنوي ،والتي سنتناولها بالدراسة في المطلب اآلتي.
إن محل الجريمة هنا هو وجود حالة الحمل فعال أي وجود جنين في رحم المرأة يقع عليه فعل االعتداء سواء
بإخراجه حيا قبل موعد والدته أو قتله في الرحم أو فرضا حسب األوضاع العادية أي حيث المفهوم الخارجي أو
بأنها بنفسها تتوهم بأنها حامال أو توهم غيرها كما نصت المادة " :304كل من أجهض امرأة حامال أو
مفترض حامال"..
وتبدأ حماية حق الجنين في الحياة منذ لحظة اإلخصاب إلى لحظة بداية عملية الوالدة.
طبقا للمادة 309من قانون العقوبات والتي تنص " تعاقب بالحبس من 06أشهر إلى سنتين وبغرامة من
260إلى ألف دينا جزائري المرأة التي أجهضت نفسها عمدا أو حاولت ذلك أو وافقت على استعمال الطرق
التي أرشدت إليها أو أعطيت لها لهذا الغرض"
طبقا لنص المادة 304التي تقضي ":كل من أجهض امرأة حامال أو مفترض حملها...سواء وافقت على ذلك
أو لم توافق أو شرع في ذلك"...
فالمشرع لم يعتد برضا المرأة نظرا لكون الجريمة تهدد المصلحة العامة االجتماعية لكون الضحية الحقيقية هو
الطفل الذي يحرم من الحياة .
.III الصورة الثالثة :التحريض على اإلجهاض:
طبقا للمادة 310من قانون العقوبات " :يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثالث سنوات وبغرامة من 500إلى
10.000دج أو باإلحدى هاتين العقوبتين كل من حرض على اإلجهاض ولو لم يؤدي تحريضه إلى نتيجة ما
وذلك بأن:
-أو باع أو طرح للبيع أو قدم ولو في غير عالنية أو عرض أو ألصق أو وزع في الطريق العمومي أو في
األماكن العمومية أو وزع في المنازل كتبا أو كتبات أو مطبوعات أو إعالنات أو ملصقات أو رسوما أو صورا
رمزية أو سلم شيئا من ذلك مغلفا بشرائط موضوعا في ظروف مغلقة أو مفتوحة إلى البريد أو إلى أي عامل
توزيع أو نقل.
إذ لم يكتفي المشرع الجزائري تجريم اإلجهاض في صورته األولى والثانية وإنما جرم أيضا كل صور
الدعاية والتحريض في وسائط اإلجهاض لكي يقطع الطريق على من يفكر في ارتكاب هذه الجريمة ويحد من
ارتكابها ألن المجهض لن يجد بسهولة ما يحتاج إليه من مواد وأدوات يستخدمها إلجراء اإلجهاض.
هو الفعل الذي يصدر عن األم أو الغير والذي من شأنه إنهاء حالة الحمل وفصل الجنين عن أمه قبل
الموعد الطبيعي بغض النظر عن الوسيلة المستعملة كما جاء في نص المادة ..." :304أو بأي وسيلة
أخرى"...
تقضي المادة 304من قانون العقوبات " :كل من أجهض امرأة حامال أو مفترض حاملها بإعطائها مأكوالت أو
مشروبات أو أدوية أو يستعمل طرق أو أعمال عنف أو بأية وسيلة أخرى سواء وافقت على ذلك أو لم توافق
أو شرع في ذلك"...
ويفهم من العبارة األخيرة أن المشرع عدد الوسائل على سبيل المثال ال الحصر لذا تعتبر جريمة اإلجهاض ذات
الطابع الحر من ناحية الوسيلة ،إذ يستوي أن تكون الوسيلة مادية أو معنوية.
فقد تكون وسيلة اإلجهاض كميائية مثل األدوية الطبية أو مادة أخرى أيا كانت طريقة تعاطيها (شرابا ،أقراص،
حقن...الخ ).يكون من شأنها إنهاء الحمل.
وقد تكون وسيلة اإلجهاض ميكانيكية مثل توجيه أشعة إلى جسم الحامل أو تدليك جسمها بطريقة تؤدي إلى
إنهاء حالة الحمل وكذلك ضرب الحامل؟
وقد تلجأ المرأة الحامل إلى وسائل ال تبدو في ظاهرها إنهاء للحمل ولكنها في حقيقتها تؤدي إلى ذلك ،مثل
ممارسة الرياضة الطبيعية كالقفز أو حمل األثقال أو ارتداء مالبس ضيقة أو أحزمة ضاغطة.
وقد تكون وسيلة اإلجهاض معنوية مثل ترويع الحامل أو الصراخ فجأة في وجهها .وإذا كان الغالب أن يكون
فعل اإلجهاض إيجابيا فإنه ال يوجد ما يحول من وقوع جريمة اإلجهاض لفعل سلبي أي على طريقة االمتناع
مثل امتناع األم عن الطعام أو االمتناع عن تقديم الطعام لها.
ومهما كانت الوسيلة المستعملة يجب إقامة الدليل على أنها كانت السبب في اإلجهاض ،ولقاضي الموضوع أن
يسترشد برأي الخبراء؛]83[
ومهما كانت نجاعة الوسيلة المستعملة فإن ذلك ال يحول دون عدم العقاب على الجريمة المستحيلة ،فمن يشرع
في اإلجهاض باستعمال وسائل غير ناجعة فإنه يتعرض للعقاب على أساس أن عدم صالحية الوسيلة المستعملة
تدخل ضمن الظروف المستقلة عن إرادة الجاني ،وهذا المبدأ ينطبق على الجريمة اإلجهاض بصورتيها األولى
والثانية.
-2النتيجة:
وتتمثل في إنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي ويمكن تصورها في الحاالت التالية :حالة خروج الجنين ميتا
من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لوالدته وحالة خروج الجنين حيا من رحم أمه قبل الموعد الطبيعي لوالدته
ألن في خروج الجنين في هذه الحالة اعتداء على حقه في استمرار النمو الطبيعي حتى الوالدة الطبيعية.
ال يشترط لوقوع جريمة اإلجهاض أن تظل األم الحامل على قيد الحياة بعد ارتكاب تلك الجريمة فمن
المتصور أن يكون فعل اإلجهاض هو فعل قتل الحامل وتكون النتيجة المرتكبة عن الفعل الواحد إنهاء حياة األم
وإنهاء الحمل في نفس الوقت فإذا توفر القصد الجنائي نكون أمام جريمتين فيسأل الفاعل عن القتل واإلجهاض
في نفس الوقت.
يجب أن تتوفر عالقة سببية بين فعل اإلجهاض وإنهاء حالة الحمل قبل الموعد الطبيعي وذلك بأن يثبت بأن
الفعل الذي قام به الجاني هو الذي أدى إلى خروج الجنين من رحم األم قبل الموعد الطبيعي لوالدته حيا أو
ميتا.
إذ تكون الجريمة تامة إذا تحققت النتيجة وحصل اإلجهاض وال يهم إن حدث الفعل في بداية أو نهاية الحمل،
أما إذا لم تتحقق النتيجة المرغوبة فيسأل الجاني عن الشروع في اإلجهاض والشروع معاقب عليه بنص
القانون طبقا للمادة ... ":304أو الشروع في ذلك"...
كما يعاقب المشرع الجزائري على الجريمة المستحيلة إذ نصت المادة 304على قيام الجريمة سواء كانت
المرأة حامال أو مفترض حملها ،على عكس المشرع المصري الذي يشترط لقيام جريمة اإلجهاض وجود حمل.
جريمة اإلجهاض جريمة عمدية ،وتتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الفعل مع العلم أن ذلك معاقب
عليه قانونا ،فيجب أن يعلم الجاني أن المرأة حامل أو مفترض حملها ،ومع ذلك يريد القيام باالعتداء عليها،
فإذا كانت إرادته سليمة ومختارة ويريد الفعل يكون قد ارتكب الجريمة ،أما إذا كان يجهل ذلك وأحدث فعله
إجهاضا فإنه ال يعاقب من أجل اإلجهاض ،وإنما من أجل أعمال العنف ،فهنا القصد الجنائي قصد جنائي عام.
وعلية فإن جريمة اإلجهاض تقتضي توافر كل العناصر واألركان المشار إليها سابقا طبقا لنص المادة 304من
قانون العقوبات لذلك يتعين على قضاة الموضوع إبرازها في أحكامهم للنطق باإلدانة على أساس تهمة
اإلجهاض وإال تعرضت أحكامه إلى النقض وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة العليا غرفة الجنح والمخالفات
القرار رقم 252408بتاريخ 12/02/2001قضية (ح.ر) ضد (ب.ف) جاء فيه " إن إدانة المتهم بجريمة
اإلجهاض دون إبراز عناصر التهمة وإثبات القصد الحقيقي للضرب الرامي لمحاولة اإلجهاض يعد انعداما في
األساس القانوني".]84[
يتمثل في كل عمل من شأنه التأثير في نفس الضحية أو الشخص الذي يقع عليه فعل التحريض حتى ولو لم
يكن هذا التحريض قد أدى إلى النتيجة المرجوة.
-1الوسيلة المستعملة:
تشترط المادة 310أن يقوم التحريض بوسيلة من بين الوسائل المحددة على سبيل الحصر و هي
وعليه فإن مجرد إلقاء خطب حماسية في اجتماعات أو أماكن عامة ومجرد بيع أو عرض صور أو محررات
بأي لغة كانت وبأي شكل كانت تتضمن دعوة صريحة أو ضمنية ،إلى اإلجهاض وإسقاط الحمل تكون كافية
وحدها أو مع غيرها لتكوين جريمة التحريض على اإلجهاض المعاقب عليها بنص المادة 310من قانون
العقوبات]85[
-2النتيجة:
لم يشترط القانون أن يتوفر عنصر النتيجة لقيام جريمة التحريض على اإلجهاض بل اعتبر التحريض جريمة
مستقلة ومعاقب عليها بذاتها سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق وسواء تأثرت من وقع عليها التحريض
بأساليب المحرض ونفذتها أو لم تتأثر ولم تنفذ.
ولم تشترط المادة 310أي صفة في الجاني إذ يعتبر فاعال أصليا ولو اقتصر دوره على مجرد داللة
الحامل على الوسائل المجهضة.
في حين أن هذا الفعل ال يعدو أن يكون وفقا للقواعد العامة في القانون الجزائي إال اشتراكا.]86[
-5الركن المعنوي :
القصد الجنائي هنا قصد جنائي عام يمكن استخالصه مما تحتويه الخطب وما تتضمنه الصور والرسائل
والمحررات وغيرها وال يشترط القانون قصد جنائي خاص.
أوال :المتابعة
تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة لتحريك الدعوى العمومية إذ يمكن للنيابة القيام بالمتابعة
بمجرد قيام أركان الجريمة وال تخضع ألي قيد يغل يدها عن ذلك.
ثانيا :الجزاء
.I العقوبات
يميز المشرع من حيث العقوبات بحسب صورة اإلجهاض وتركيبته سواء تعلق األمر بالعقوبات األصلية أو
العقوبات األخرى.
ب-العقوبات التكميلية :يجوز الحكم على الجاني بالمنع من اإلقامة وذلك لمدة ال تتجاوز 05سنوات طبقا للمادة
12/2من قانون العقوبات.
أ -العقوبات األصلية :تعاقب المادة " 304كل من أجهض امرأة أو شرع في ذلك بالحبس من سنة إلى 05
سنوات وبغرامة من 500إلى 10.000دج.
وإذا أفضى اإلجهاض إلى الموت تكون العقوبة السجن المؤقت من 10سنوات إلى 20سنة.
ب-العقوبات التكميلية :يجوز الحكم على الجاني بالمنع من اإلقامة و ذلك لمدة ال تتجاوز 05سنوات طبقا
للفقرة الثانية من المادة 12من قانون العقوبات.
ج-تدابير األمن :إذا كان اإلجهاض من قبل األطباء،الصيادلة،القابالت ،جراحي األسنان وشبه الطبيين وطلبة
الطب بمختلف فروعه وتخصصاته أو تم بتدبيرهم أو مساعدتهم تجيز المادة 306الحكم على الجاني عالوة
على العقوبات المنصوص عليها في المواد 305 ،304عند االقتضاء بتدبير من تدابير األمن يتمثل في حرمانه
من ممارسة مهنته لمدة ال تتجاوز 05سنوات ويجوز أن يأمر بالنفاذ المعجل لهذا التدبير وفقا لنص المادة 23
من قانون العقوبات.
وقد يحصل أن تكون المرأة التي تجهض نفسها طبيبة أو قابلة أو صيدلية أو جراحة أسنان أو طالبة في هذه
االختصاصات أو تنتمي للسلك الشبه الطبي ،الراجح عندئذ أنها ال تخضع لحكم المادة 306وإنما للمادة [ 309
]87أين تأخذ حكم المرأة التي تجهض نفسها ال للحكم المنصوص عليه في المادة 309والخاص لصفة األطباء
وأشباههم.
د-الظروف المشددة:تشدد عقوبة الحبس في صورة إجهاض المرأة من قبل الغير في حالة االعتياد على
ممارسة اإلجهاض أو على المساعدة عليه فترفع على النحو التالي:
-تضاعف عقوبة الحبس المقررة في المادة 304/01وهي من سنة إلى 05سنوات فتصبح من سنتين إلى 10
سنوات.
-إذا أقضى اإلجهاض إلى الموت ترفع عقوبة السجن المؤقت المقررة في المادة 304/02وهي من عشرة إلى
20سنة إلى الحد األقصى.
في كل األحوال فإن المادة 311من قانون العقوبات تقضي بالحكم على الجاني بقوة القانون بالمنع من ممارسة
أي مهنة أو أداء أي عمل بأية صفة كانت في المؤسسات العمومية أو الخاصة للتوليد أو ألمراض النساء مثل
المستشفيات والعيادات ودور الوالدة.
وتجدر اإلشارة إلى أن حكم المادة 311يختلف عن حكم المادة 309من عدة نواحي.
االختالف األول :يكمن في أن المادة 306تقضي بحرمان الجاني من ممارسة مهنته فحسب في حين تقضي
المادة 311بالمنع من ممارسة أي مهنة أو أداء أي عمل في المؤسسات العامة.
االختالف الثاني :يتمثل في كون حكم المادة 306محصور في األطباء وما شابههم في حين تطبق المادة 311
على كل من ارتكب جريمة ذات صلة باإلجهاض.
تعاقب المادة 310على التحريض على اإلجهاض بالحبس من شهرين إلى 03سنوات وبغرامة من 500إلى
10.000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.
لقد نص المشرع الجزائري على حالة لعدم العقاب على اإلجهاض وهي الحالة التي أشارت إليها المادة 308
والتي تنص على " :ال عقوبة على اإلجهاض إذا استوجبته ضرورة إنقاذ حياة األم من الخطر متى أجراه طبيب
أو جراح في غير خفاء وبعد إبالغ السلطة اإلدارية".
-وهذه الحالة عبارة عن حالة الضرورة ،وهي الحالة التي لم يردها قانون العقوبات الجزائري ضمن موانع
المسؤولية.
-كما قضت المادة 72من القانون رقم 85/05المؤرخ في 16/02/1985المتعلق بحماية الصحة وترقيتها
على ما يأتي ":يعد اإلجهاض لغرض عالجي عندما يكون ضروريا إلنقاذ حياة األم من الخطر أو للحفاظ على
توازنها الفيزيولوجي أو العقلي المهدد بخطر ،ويتم اإلجهاض في هيكل متخصص بعد فحص طبي يجرى بمعية
طبيب اختصاصي".
-وهكذا فإن قانون الصحة أرشد على مكان إجراء اإلجهاض المرخص به وشروط إجرائه.]89[
إن قتل طفل حديث العهد بالوالدة من إحدى الجنايات التي تطورت في التقاليد كما في النصوص القانونية ،إذ
كان يقتل األطفال الرضع كما يقتل العجزة من أجل تخفيف عدد األشخاص الذين يشكلون أعباء لإلعالة،
ويضحى بالفتيات ألنها أكثر من الصبية عبئ على العائلة ،ومن تم يأخذ الجرم طابعا دينيا كما في قرطاجة ،أو
اجتماعيا كما في أثينا وروما وبعد تطورات كثيرة أصبح قتل الطفل الرضيع فعال جنائيا واعتبر كجريمة قتل[
.]90
· انقسمت التشريعات الوضعية حول إعطاء طابع خاص لهذه الجريمة فبعضها ال تحتوي على أحكام خاصة
بها وتطبق النصوص العادية الخاصة بالقتل العمد أما األخرى فتعطي لقتل الطفل طابعا خاصا وهذا ما ذهب
إليه المشرع الجزائري الذي سار على نجه المشرع الفرنسي وأعتبر الطفل حديث العهد بالوالدة غير صالح
ألن يكون محل لجريمة الفتل العمد بل إعدامه مشكل لجريمة قائمة بذاتها ،]91[ ونصت على هذه الجريمة
المادة 259من قانون العقوبات بقولها " :قتل األطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالوالدة " وسنبين
خصوصية هذه الجريمة من خالل الوقوف على أركانها والعقوبة المقررة لها.
المطلب األول :أركان الجريمة :تتكون هذه الجريمة من ركن مادي ركن معنوي.
/1السلوك اإلجرامي :هو النشاط الذي يقوم به الفاعل لتحقيق النتيجة المعاقب عليها وقد يكون هذا النشاط
إيجابي أو سلبي تترتب عليه وفاة الطفل و يأخذ مظهرين:
أ -مظهر إيجابي :يتمثل في فعل مادي يؤدي إلى الوفاة كالخنق ،اإلغراق أو استعمال أداة حادة.
ب -مظهر سلبي :يتمثل في اتخاذ موقف سلبي تجاه المولود من شأنه أن يؤدي إلى وفاته كاالمتناع عن
إرضاعه أو عدم ربط الحبل السري أو تعريضه للبرد إال أن قتل طفل حديث العهد بالوالدة باالمتناع يبقى محل
نظر في التشريع الجزائري الذي أفرد تجريما خاصا لمثل هذه األفعال بعنوان ترك األطفال والعاجزين المؤدي
إلى الوفاة مع توفر نية إحداثها وهو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بالمادة 318من قانون العقوبات في
حين اعتبر القضاء أن هذا القتل قد يحصل باالمتناع إذ جاء في القرار الصادر بتاريخ 04جانفي 1983في
ملف رقم 30100أنه " ال يشترط القانون لتطبيق المادة 259من قانون العقوبات أن يكون السلوك اإلجرامي
لألم فعال إيجابيا وإنما يمكن أن يكون امتناعا كعدم ربط الحبل السري للوليد وعدم االعتناء به واإلمتناع عن
إرضاعه.
-/2أن يكون القتل وقع من األم :يستوجب القانون لقيام الجريمة توافد عنصر األمومة إذ يجب أن يكون القتل
وقع من األم وهذا ما قررته المادة 261/2من قانون العقوبات وال يميز قانون العقوبات بين الولد الشرعي
وغير الشرعي فالمرأة التي تقتل وليدها الناتج عن زواج شرعي تعاقب بنفس العقوبة التي تعاقب بها المرأة أو
الفتاة التي تعتمد قتل وليدها الناتج من زنا أو عالقة جنسية غير شرعية ]92[ في حين تشترط بعض
التشريعات المقارنة أن يكون القتل قد وقع على وليد حملت به أمه سفاحا وان يكون القتل اتقاء العار ال غير
كما ذهب إليه التشريع اللبناني.
وال نطبق أحكام المادة 259من قانون العقوبات على غير األم مهما ربطته بها عالقة كالزوج ،األخ ،األب،
األخت ،العم ،الخال....وذلك نتيجة للظروف النفسية والبيولوجية واإلجتماعية التي تعيشها األم عند وضعها
للطفل خوفا من العار أو تحت تأثير أي دافع آخر.
-لم يحدد المشرع المقصود بالطفل حديث العهد بالوالدة وبذلك يدور التساؤل حول تحديد النطاق الزمني الذي
يعتبر فيه الطفل حديث العهد بالوالدة وتحديد اللحظة الزمنية التي ينتهي فيها عن المولود وصف الطفل حديث
العهد بالوالدة ويصبح اإلعتداء عليه مشكل لجريمة قتل ،باعتبار أن واقعة الميالد هي الخط الفاصل بين الجنين
الذي يعتبر قتله إجهاضا واإلنسان الذي يعتبر إعدامه فتال.
-في اإلجابة على هذا السؤال يتفق الفقه على أن تحديد لحظة إنتهاء العهدة بالوالدة متروك لقاضي الموضوع
لتحديدها وتأسيسا على علة المشرع من وضع تجريم خاص لهذا الفعل وهي الحالة النفسية والبيولوجية
واإلجتماعية التي تعيشها األم عند وضعها للطفل كما أشرنا سابقا ،أم إذا انتهى انزعاج األم واضطرابها و
استعادت حالتها النفسية المعتادة سقط القتل الواقع على المولود تحت قبضة النصوص العادية المجرمة للقتل[
،]93و قد قضي قي فرنسا أن هذه المهلة تنتهي بانقضاء أجل الثالث أيام المقررة إلعالن الميالد وهي خمسة
أيام في قانون الحالة المدنية في الجزائر إذ بتسجيل المولود في سجالت الحالة المدنية تشيع والدته ويستفيد
عندئذ من الحماية القانونية ،وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض الفرنسية أن الطفل حديث العهد بالوالدة هو
الذي لم تصبح بعد والدته شائعة أو معروفة.]94[
-ولتحقق الجريمة يكفي أن يكون الطفل ولد حيا وليس من الضروري أن يكون قابال للحياة إذا أن القانون
الجنائي يحمي المولود خالل لحظات الحياة التي تمنح إليه ويكفي أن يكون الطفل قد عاش وعلى النيابة إثبات
أن الطفل ولد حيا وقد تنفس خارج رحم أمه وعليه قضي أن ميالد الطفل حديث العهد بالوالدة حيا يعتبر عنصر
لقيام جناية قتل طفل حديث العهد بالوالدة من قبل أمه ،إذ جاء في القرار الجنائي الصادر بتاريخ 18جانفي
1983عن المجلس األعلى ]95[ أنه " تتحقق جناية قتل طفل حديث العهد بالوالدة من قبل أمه بتوافر
العناصر التالية:
-أن تقوم الجناية بفعل يؤدي حتما إلى وفاة المولود كعدم ربط حبله السري مثال.
كما جاء في القرار الصادر بتاريخ 21أفريل 1987ملف رقم 46163أن عدم العثور على جثة الطفل
المقتول ال ينفي حتما قيام الجريمة طالما محكمة الجنايات اقتنعت أن الطفل ولد حيا وان أمه هي التي أزهقت
روحه عمدا]96[ .
تقتضي جريمة قتل طفل حديث العهد بالوالدة توفر القصد الجنائي وهو نية األم في إزهاق روح ابنها
الحديث العهد بالوالدة وال يأخذ المشرع الجزائري بالدافع إلى ارتكاب الجريمة في حين تشترط بعض
التشريعات المقارنة كالتشريع اللبناني أن يكون لألم القصد خاص وهو نية اتقاء العار وال تتوفر هذه النية إذا
كانت األم قد جاهرت بحملها غير الشرعي]97[
أوال -المتابعة :ال تخضع المتابعة من أجل قتل طفل حديث العهد بالوالدة ألي قيد وتقوم النيابة بتحريك الدعوى
العمومية بمجرد أن يصل إلى علمها قيام الجريمة بعناصرها.
ثانيا-الجزاء :نصت المادة 261/2من قانون العقوبات" على أن تعاقب األم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة
في قتل ابنها حديث العهد بالوالدة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة على أن ال يطبق هذا
النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة.وعليه فإن المشرع ميز بين حالتين:
-1إذا كانت األم فاعلة أصلية في الجريمة أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالوالدة كانت العقوبة بالسجن
المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.
-2إذا كان الغير فاعل أصليا أو شريكا في هذه الجريمة فإن العقوبة تكون بحسب نوع القتل(قتل عمد المادة
263/3من قانون العقوبات أو قتل مع سبق اإلصرار والترصد المادة 261من قانون العقوبات)
وعلة المشرع في تمييز عقوبة األم عن عقوبة الغير يرجع لظروف شخصية خاصة باألم وهي نفسها التي
جعلته يتدخل بتجريم خاص لقتل طقل حديث العهد بالوالدة والتي تمت اإلشارة إليها سابقا ،مما يجعل التخفيف
المقرر لألم ال ينصرف إلى غيرها من فاعلين أصليين أو شركاء
المبحث الثالث :جريمة ترك األطفال وتعريضهم للخطر
-من الجرائم الواقعة على األسرة في قانون العقوبات الجزائري جريمة ترك األبناء في مكان خال أو غير
خال من الناس ،وهي الجريمة التي تستلزم توافر أركان وشروط لكي يمكن متابعة و إدانة مرتكبيها ]98[ وهو
ما سنتطرق إليه في ما يلي من خالل إبراز صورتي هذا الفعل المتمثلة في تعريض الطفل للخطر (م 314ق.ع)
وهي الصورة األولى .والتحريض على التخلي عن الطفل (م 320ق.ع) وهي الصورة الثانية .نتطرق إليهما
في مطلبين فنبين في األول أركان الجريمة وفي الثاني المتابعة والجزاء لكل صورة من الصورتين.
نتطرق بالدراسة إلى أركان الجريمة المتمثلة في الركن المادي والركن المعنوي بالنسبة لكل صورة من
الصورتين كما يلي:
وهو الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمواد 314إلى 318من قانون العقوبات ،هذه الجريمة وثيقة الصلة
بجريمتين أخريين ،فلها ارتباط بحرمان القصر من العناية والغذاء المنصوص والمعاقبة عليها بنص المادة
269من قانون العقوبات ،كما تدخل أيضا ضمن الجرائم الموجهة ضد رعاية الطفل وتتوسط جريمتي عدم
تسليم الطفل وتحويله (م328 ،327ق.ع) ألن القانون يعاقب على تعريض الطفل أي التخلي عنه باعتباره عمال
يتنافى وواجب الحضانة الواقع على عاتق الحاضن ،كما أن القانون يحمي صحة األطفال ويعاقب على تعريضها
للخطر.
وتجدر اإلشارة أن التوفيق بين هاذين االعتبارين يتم من خالل التمييز في العقوبة بحسب المكان الذي يتعرض
فيه الطفل للخطر وعليه نتناول في ما يلي إلى أركان هذه الجريمة وشروطها .]99[ ن أنأتن
-يتمثل هذا الركن في نقل الطفل من مكان آمن والذهاب به إلى مكان أخر خال تماما من الناس أو غير
خال ثم تركه هناك وتعريضه للخطر ،وهو عنصر يتم تكوينه بمجرد االنتهاء من عملية النقل والترك دون حاجة
إلى إثبات أي تصرف أخر ودون حاجة إلى البحث عن الحالة ،التي كان عليها الضحية وال عن الوسيلة التي تم
نقله بواسطتها ]100[ لذلك فإن الجريمة تقوم في حق من ترك طفال أمام باب ملجأ أو مسجد أو جمعية خيرية
ولو كان ذلك على مرأى من الناس.
وقد قضي في فرنسا بقيام هذه الجريمة في حق أم تركت ولدها عند أحد األشخاص على أن تعود إليه فاختفت
ولم تعد إليه ،وهناك من يصف هذه الجريمة باعتبارها تهربا من االلتزامات والوجبات القانونية نحو الطفل
والمترتبة عن الحضانة[]101
-إن هذه الجريمة نص عليها القانون الفرنسي في المواد من 349إلى 365من قانون العقوبات والمتمثلة في
التخلي أو ترك أو تشريد الطفل أو غير القادر الذي ال يستطيع أن يحمي نفسه بنفسه بسبب حالته الجسدية أو
الذهنية في نظام قانون العقوبات الفرنسي القديم .كما يجب من أجل تشكيل الجريمة اجتماع ظرفين هما:
الطرح والتخلي وقد اتفق الفقه واالجتهاد على ذلك ،لكن أكثرية التشريعات األجنبية األخرى كانت تجرم احد
الفعلين فكانت تعاقب على الطرح ولو لم يتبعه تخلي ،وعلى التخلي ولو لم يسبقه طرح ،من هاتين الطريقتين
المختلفتين في فهم التجريم لقد اعتمد القانون الفرنسي الصادر بتاريخ 19أفريل 1898م الطريقة الثانية وأن
المواد 349إلى 352من قانون العقوبات تعاقب على الطرح والتخلي معا ،لذا فإنه يهمنا أكثر أن نعرف في هذا
الصدد ما يقصده القانون بهذين التعبيرين]102[
üإن التخلي بموجب التفسير الذي هيمن قبل صدور قانون 19أفريل 1892م ترك الطفل دون أن يحضنه
أحد ودون أن يتأكد الن أحدهم قد حضنه أو اعتناء به.
üإن عرض الطفل وهو وضعه في مكان غير المكان الذي يوجد األشخاص الملزمين باالعتناء به،
فالقانون الفرنسي الذي يعتبر المصدر التاريخي لقانون العقوبات الجزائري يعاقب على الحرمان من كل إرشاد
ومن كل رقابة للطفل والقيام بالحرمان من الرقابة ومن االنتباه ومن عناية األشخاص الذين يكونون على
مسؤولياتهم قانونا ،نستنتج من ذلك أن القيام بإعطاء طفل لشخص ما أو لجار أو الذهاب بغية عدم الرجوع
يشكل العنصر المادي لجريمة التخلي عن الطفل.
-إن نظام قانون 1892م يكرس في الواقع التزامين يفرضان على الوالدين وهما واجب الحراسة
والمراقبة في ما يخص األطفال ،وواجب عدم التخلي عنهم.
-المادة 369من قانون العقوبات الفرنسي تعاقب بالحبس من يعرض أو قد يعمل على تعريض أو يقوم
بالتخلي ،أو يعمل على التخلي في مكان منعزل عن طفل أو رضيع ال يمكن أن يحمي نفسه بنفسه بسبب حالته
الجسدية أو الذهنية ،ومن ثم فإن العناصر المادية للجريمة أربعة وهي:
-1القيام بالتعريض أو التخلي :ففي حين أنه في نظام قانون العقوبات الفرنسي كان اجتماع الظرفين بذاته
ضروريا إال أن المادة 369من قانون العقوبات الفرنسي الجديد تعاقب التعريض بذاته والتخلي حتى ولو لم
يسبقه تعريض للخطر.
-2العنصر الثاني وهو التعريض والتخلي :الترك أو التعريض للخطر الذي يحصل في مكان منعزل أو غير
منعزل خال أم غير ذلك ويالحظ أن قانون العقوبات الجزائري لم يحصر ضحية هذه الجريمة في الطفل فقط بل
وسعها إلى كل عاجز بسبب حالته البدنية كبر السن أو عاهة أو بسبب حالته العقلية معتوه أو مجنون.
-3العنصر الثالث هو عدم قدرة الضحية على حماية نفسها بنفسها وفي هذا الصدد يوجد تجديدان في قانون
1898م ،من جهة لقد كان القانون الفرنسي القديم يهتم فقط بالتخلي عن الطفل في حين أن النص الجديد
يتطرق للرضيع والمعتوه والمعاق،ـ وعدم القدرة على حماية النفس بسبب صغر السن أو بسبب عيب أو عاهة
في جسمه كأن يكون معطل استعمال اليدين أو الرجلين أو العينين وإما بسبب خلل في عقله كأن يكون مجنونا
ال يميز بين ما يضره وما ينفعه وال يستطيع إنقاذ نفسه من أي خطر قد يتعرض له.]103[
ويرى األستاذ عبد العزيز سعد أن ترك الطفل في مكان خال يعد شرطا من شروط تكوين جريمة ترك األبناء
في مكان خال وتعريضهم للخطر ،والمكان الخال هو المكان الذي ال يوجد فيه الناس وال يطرقونه عادة ،وال
يتوقع أن يؤمه بنو اإلنسان إال نادرا ،وهي الحالة التي يحتمل معها حالة الولد دون أن يعثر عليه من يسعفه أو
ينجيه ،أو يقدم له يد المساعدة من الخطر الذي يمكن أن يداهمه أو الضرر الجسيم الذي يمكن أن يتعرض له[
]104
إال أن األستاذ أحسن بوسقيعة يرى أن المادة 314من قانون العقوبات لم تعتبر مكان ترك الطفل سواء في
مكان خال أم ال شرطا أو ركنا من أركان الجريمة ،بل هي مجرد ظروف مكانية تأثر في العقوبة بالتشديد أو
بالتخفيف وال أثر لها على قيام الجريمة ]105[ وهذا ما تؤكده المادة 316من قانون العقوبات التي تعاقب على
ترك الطفل وتعريضه للخطر في مكان غير خال من الناس ولكن بعقوبات أخف من تلك المقررة في المادة 314
من قانون العقوبات التي تعاقب على ترك األطفال وتعريضهم للخطر في مكان خال من الناس.
وفي هذا الصدد يجدر بنا اإلشارة إلى قرار صدر عن المحكمة العليا الغرفة الجزائية األولى تحت رقم 10021
بتاريخ 26/03/1974الذي جاء فيه ما يلي ":تشترط الجريمة المنصوص عليها بالمادة 316من قانون
العقوبات لتطبيقها ترك الطفل في مكان غير خال من الناس قصد التخلص منه بصفة نهائية لذلك ال تحقق
الجريمة بالنسبة للجدة التي سلمت حفيدها الصغير إلى أبيها بطلب من أمها التي أصبحت غير قادرة على
االعتناء بها".]106[
.II الركن المعنوي:
-تتطلب هذه الجريمة توافر القصد الجنائي ،إال أن ما يتحكم في العقوبة هو النتيجة المترتبة عن الفعل
وليس القصد الجنائي الذي ال أثر له في درجة العقوبة ]107[ غير أن األستاذ عبد العزيز سعد يرى أن مجرد
توفر الركن المادي وشروط الجريمة يعفي من البحث عن نية الفاعل وقصده ،إذ يرى أن القانون لم يجعل من
النية أو القصد الجرمي ركنا متميزا إلى جانب األركان األخرى وذلك ما دام لم ينتج عن هذا الفعل أية مضاعفات
خطيرة ]108[ إال أن هذه الجريمة تتطلب على الجاني بجميع أركانها ما يتطلبها القانون و اتجاه إرادته الحرة
إلى تعريض الطفل للخطر والتخلي عنه وأن تكون هذه اإلرادة لم يمسها عيب كاإلكراه المادي أو المعنوي الذي
قد يعيب اإلرادة أحيانا وقد يعدمها أحيانا أخرى.
-ويرى الفقيه روني غاور ]109[ أن العنصر المعنوي للجريمة يكمن في نية عدم القيام بالعناية التي
تفترضها حراسة الطفل أو الرضيع وأن أفعال التعريض بالخطر والتخلي إذا ما ارتكبت بنية جعل الطفل يختفي
نكون بصدد اختفاء الطفل ،أما إذا حصل ذلك بنية قتله وذلك عبر حرمانه من العناية سيشكل الفعل عندئذ قتال
عمديا أو محاولة قتل أو أخيرا إذا ارتكب الفعل بنية غير محددة أي بنية إيذائه سيقع الفعل تحت وقع األحكام
المضافة لنص المادة 312من قانون العقوبات الفرنسي الصادر بتاريخ 19أفريل .1998
تتمل هذه الصورة في حمل الغير على ترك الطفل وتعريضه للخطر ،وهي وجه من أوجه التحريض
وتشكل جريمة يعاقب عليها القانون بصفة مستقلة ،كما يعاقب على الفعل في حد ذاته ،وقد ظهرت هذه الجريمة
المنصوص والمعاقب عليها بالمادة 320من قانون العقوبات والتشريع الفرنسي إثر تعديل قانون العقوبات
بموجب األمر الصادر في 23/12/1958وذلك بعد اإلصالحات التي عرفها نظام التبني في فرنسا[
]110وتشمل هذه الصورة ثالثة أشكال:
-الشكل األول يتمثل في تحريض الوالدين أو أحدهما على التخلي عن طفلهما المولود أو الذي سيولد وذلك
بنية الحصول على فائدة ،أما الشكل الثاني فيتمثل في الحصول على عقد من الوالدين أو من أحدهما يتعهدان
بمقتضاه بالتخلي عن ولدهما الذي سيولد أو الشروع في ذلك وكذا حيازة مثل هذا العقد و
أو استعماله أو الشروع في استعماله ،وأما الشكل الثالث فيتمثل في التوسط للحصول على طفل بنية التوصل
إلى فائدة أو الشروع في ذلك ،وسنتطرق إلى هذه األشكال بشيء من التفصيل الحقا.
وتختلف هذه الجريمة نوعا ما عن الجرائم التي سبق الحديث عنها ،وذلك من حيث أن عقوبة هذه الجريمة ال
تسلط على األب واألم بسبب تخلي أحدهما عن طفله الصغير إلى الغير وإنما تسلط على شخص أخر غيرهما
سيلعب دورا إيجابيا وفعاال في دفعهما أو دفع أحدهما إلى التخلي عن ولده لمصلحة هذا الغير ]111[ وإلى هذا
المعني أشارات المادة 320من قانون العقوبات حين نصت علي ما يلي ":يعاقب بالحبس من شهرين إلى 06
أشهر وبغرامة من 500إلى 20.000دج:
-1كل من حرض أبوين أو أحدهما على التخلي عن طفلهما المولود أو الذي سيولد ،وذلك بينة الحصول
على فائدة.
-2كل من تحصل من أبوين أو من إحدهما على عقد يتعهدان بمقتضاه بالتخلي عن طفلهما الذي سيولد
أو شرع في ذلك ،وكل من حاز مثل هذا العقد أو استعمله أو شرع في استعماله.
-3كل من قدم وساطته للحصول على طفل بنية التوصل إلى فائدة أو شرع في ذلك.
-مع المالحظة أن كل شكل من هذه األشكال كاف لوحده أن يشكل جريمة مستقلة ومتميزة عن غيرها
عندما تتوفر العناصر الالزمة لتكوينها وهي الصورة التي سنتناولها في ما يلي:
.Iالشكل األول :تحريض الوالدين أو أحدهما عن التخلي عن طفلهما المولود أو الذي سيولد وذلك بنية
الحصول على فائدة:
تتفق هذه الصورة في بعض جوانبها مع جريمة حمل الغير على ترك الطفل المنصوص عليها بالمادة 314من
قانون العقوبات ،وما يميزها عن بعضها هو نية الحصول على فائدة التي لوالها لذابت األولى في الثانية ،أما
الميزة األخرى فتتمثل في كون هذه الصورة غير مقصورة على الطفل المولود فقط وإنما تعني أيضا الطفل
الذي سيولد ]112[ لذا يمكننا استنتاج عناصر هذه الصورة التي تتمثل في ما يلي:
-1العنصر المادي :وهو العنصر المتمثل في قيام شخص معين بالعمل على تحريض وإغراء احد الوالدين أو
كليهما ودفعهما بشتى الوسائل واألساليب المادية والمعنوية إلى أن يتخلى أو يتخليا له عن إبنهما المولود أو
الذي سيولد في المستقبل ،ويسلمانه له أو لغيره تسليما ماديا وحسيا بمقابل أو بدون مقابل.
-2عنصر البنوة :وهو عنصر يتمثل في وجدود عالقة بنوة شرعية بين الطفل المتخلي عنه وبين أحد الوالدين
الذي كان محال لإلغراء أو التخلي عليه من أجل تخليه عن طفله الصغير.
-3عنصر نية الحصول على منفعة(العنصر المعنوي) :وهو ثالث عنصر يتطلبه القانون لقيام جريمة هذه
الصورة ،وهذه الحالة من حاالت وصور جريمة التحريض على التخلي على األبناء ويتمثل في الغاية أو النية
الجرمية أو الهدف األساسي الذي يبتغيه المحرض وهو عنصر أو ركن معنوي يمكن لقاضي الموضوع أن
يستخلصه من كل الظروف والمالبسات المحيطة بالواقعة أو الوقائع موضوع المتابعة ،لذا فإن هذه الجريمة
تتكون ماديا بمجرد توفر هذه العناصر الثالثة ،ويمكن أن يدان مقترفها وأن يسلط عليه العقاب تنفيذا للبند
األول والفقرة األولى من المادة 320من قانون العقوبات.
.IIالشكل الثاني:
ويتعلق األمر بالحصول على عقد من الوالدين أو من أحدهما يتعهدان بمقتضاه بالتخلي عن ولدهما الذي سيولد
أو الشروع في ذلك وكذا حيازة مثل هذا العقد أو استعماله أو الشروع في استعماله ،فما يميز هذه الصورة عن
سابقتها هو غياب نية الحصول على فائدة ،وتقوم هذه الصورة على عقد أيا كان شكله يبرمه الجاني مع امرأة
حامل أو زوجها يتضمن تعهد الوالدين بالتخلي عن الولد الذي سيولد.
وتجدر اإلشارة إلى أن الممارسات التي بموجبها تقبل المرأة حمل طفل عن طريق التلقيح االصطناعي على أن
تتنازل عنه عند والدته المرأة أخرى أو لزوجين تتضمن بالضرورة عقد أيا كان شكله يتعهد بمقتضاه أحد
الوالدين بالتخلي عن الطفل الذي سيولد.
وفي هذا الصدد أصدر مجلس الدولة الفرنسي قرار بتاريخ 22/01/1988قضى فيه بعدم شرعية محل جمعيات
األمهات اللواتي تحملن أطفاال من أجل الغير وقد جاء في هذا القرار ما يلي ":يعد االتفاق الذي تتعهد بموجبه
امرأة ولو بدون مقابل بحمل طفل للتخلي عنه بعد ولدته مخالفا لمبدئي النظام العام وعدم قابلية الجسم
والبشري للتصرف فيه ويتعرض من يتحصل على مثل هذا العقد للعقوبات المقررة في المادة 353من قانون
العقوبات الفرنسي" ]113[
-1العنصر المادي :وهو العنصر المتمثل في توجه شخص معين إلى األم أو األب أو إليهما مجتمعين
ويستكتبهما أو يستكتب أحدهما ويطلب منه تحرير وثيقة رسمية أو عرفية يتعهد فيها بأنه سيتخلى له أو لغيره
نهائيا عن طفله أو ابنه الذي سيولد مستقبال وينشأ هذا العنصر بمجرد الفراغ من تحرير الوثيقة.
-2عنصر األبوة واألمومة :وهو العنصر المتمثل في قيام عالقة أبوة أو أمومة بين الطفل المتعهد
بالتخلي أو التنازل عنه من جهة وبين محرر أو محررة وثيقة التعهد بالتنازل من جهة أخرى ،ألن تخلف هذا
العنصر سينتج عنه حتما عدم توفر كافة العناصر المطلوبة ليقام هذه الجريمة ،وبالتالي عدم قيام الجريمة
ذاتها.
-ويرى األستاذ عبد العزيز سعد أن ما يمكن مالحظته في هذا المجال هو أن وقائع حيازة الوثيقة التي
تتضمن تعهدا كتابيا بين الوالدين أو من أحدهما ،ووقائع استعمال هذه الوثيقة أو الشروع في استعمالها كافية
وحدها كعنصر مادي لقيام هذه الجريمة إذا صاحبها العنصر المعنوي وهو علم الحائز أو المستعمل بمحتواها
وبالغرض من تحريرها ،وال داعي للبحث عن عناصر أخرى إلدانة ومعاقبة المتهم ،وفقا لما ورد النص عليه
في البند 02والفقرة األولى من المادة 320من قانون العقوبات وإذا كان عنصر العلم لم يرد عليه نص صريح
في القانون.]114[
يتمثل في التوسط للحصول على طفل بنية التوصل إلى فائدة أو الشروع في ذلك ،فتعتبر هذه الصورة وسيلة
من وسائل ارتكاب جرائم تحريض الوالدين على التنازل عن أبنائهما لفائدة الغير وتتمثل في أن يقوم شخص
بالوساطة بين األبوين أو بين أحدهما وبين شخص ثالث فيوصلهما ببعضهما ويقوم بالمساعي التمهيدية أو
التنفيذية بقصد جعل األطراف أو الطرفين يتفقون ويتواعدون على أن يتخلى الوالدين أو أحدهما عن طفلهما
الذي ولد أو الذي سيولد مستقبال وذلك من أجل تحقيق فائدة للوسيط أو الغير ،وبقطع النظر عن نوع الفائدة أو
مقدراها أو عمنّ يتحصل عليها من أطراف العقد أو الوعد ،وتقوم هذه الصورة من الجريمة على العناصر
التالية:
-1العنصر المادي :وهو العنصر المتمثل في أن يعرض شخص وساطته بين األبوين أو أحدهما وبين
شخص أخر ويقوم بالمساعي الموصلة أو المؤدية إلى تهيئة الجو المناسب وإنجاز الغرض المطلوب حتى ولو
لم تحصل النتيجة المرجوة فعال ،ألن القانون يعاقب على مجرد الوساطة.
-2العنصر المعنوي :يتمثل هذا العنصر في أن يصاحب فعل الوساطة نية الحصول على طفل بقصد
التوصل إلى فائدة أو الشروع في ذلك دون تحديد نوع الفائدة وال لخصائصها.
-3عنصر الغاية :يتمثل هذا العنصر في أن تكون الغاية من الوساطة هي تحقيق تنازل الوالدين أو
أحدهما عن طفله الحديث العهد بالوالدة أو الذي سيولد مستقبال وأن يكون الهدف من ذلك تحقيق منفعة من
وراء فعل الوساطة بقطع النظر عن كون الوساطة كانت منتجة أو غير منتجة.]115[
-ويرى األستاذ الفقيه روني غارو " " RENET GARRAUTأن التدخل (التحريض) في جريمة
تعريض طفل لخطر والتخلي عنه في مكان خال أو غير خال من الناس يخضع ألحكام القانون العادي (القواعد
العامة للتحريض م 46 ،45 ،41من قانون العقوبات) والتي تقابلها المادتان 60 ،59من قانون العقوبات
الفرنسي ،وينتج عن ذلك أن كل من يحرض على ارتكاب الجريمة عبر الوعود والهبات ويتجاوز السلطة أي قد
يعطي التعليمات بنية ارتكاب الجريمة يعاقب بالعقوبة نفسها التي تنزل بالفاعلين ،ويتساءل الفقيه أن هناك
أعمال التحريض مصنفة في القانون العادي فهل يكون من الالزم ومن النافع اإلعالن عنها كقابلة للعقاب في
نص صريح في المادة 349من قانون العقوبات الفرنسي؟ ويعتقد الفقيه أن من أعطى أمرا بتنفيذ الجريمة
يقوم بذلك عبر تجاوز لحد السلطة يصبح بالتالي متدخال في الجريمة المنفذة (محرض) بحيث أنه ليس من
الضروري أن نعيد في نص المادة 349من قانون العقوبات الفرنسي األحكام العامة للقانون العادي حول
التدخل (أي التحريض) ،ويضيف الفقيه أنه قد يكون من الغلط أن نظن أن األمر الذي تتحدث عنه المادتان
350 ،349من قانون العقوبات يشكل دائما تجاوزا للسلطة وأنه عبر هذا التعبير لم يعن القانون فقط أمر التابع
للمتبوع ،كما هو الحال بالنسبة لرب العمل والمستخدم ،بل عنى بذلك ما يسميه علماء الجريمة بالتفويض ،أي
العرض الذي يقام بهدف ارتكاب جريمة معينة إذا نفذ األمر أو التفويض أي الفعل المادي الذي يرتبط به عمل
التحريض فإن من قام بإعطاء األوامر أو التفويض يعاقب حتى ولو لم يحصل تجاوز لحد السلطة ولو لم يرافق
التفويض بهبات ووعود.]116[
-وما يمكن أن نستخلصه في األخير هو أن تحقيق وقائع أية صورة من هذه الصور الثالثة-التي تم
التطرق إليها-مشتملة على العناصر المكونة لها تكفي وحدها لقيام الحاالت الجرمية المنصوص عليها في
البنود 3.2.1والمعاقب عليها بنص الفقرة األولى من المادة 320من قانون العقوبات ،وكل ذلك بغرض الحفاظ
على تماسك األسرة وبغرض حماية األبناء الصغار ذكورا وإناثا من كل اعتداء ومن تحويلهم إلى مادة أو
بضاعة قابلة للتصرف فيها
-ال تخضع المتابعة في هذا النوع من الجرائم ،وفي هذه الجريمة بالتحديد إلى قيود كالشكوى أو
اإلذن...الخ .كما هو الحال في بعض الجرائم لذا فإنه يجوز للنيابة متابعة مرتكب الجريمة بمجرد قيام الدالئل
الكافية على اقترافه للجرم وقيام أركان الجريمة وشروطها التي سبق الحديث عنها ،وما الحظناه على مستوى
نيابة جمهورية محكمة بومرداس هو أن المتابعة تتم بصفة عامة عن طريق إجراءات االستدعاء المباشر رغم
خطورة هذه الجريمة على الطفل الصغير بصفة خاصة وعلى كيان األسرة بصفة عامة ،لذا فكان من األجدر أن
ال يتم التساهل مع مرتكبي هذه الجريمة ومن ثم متابعتهم عن طريق إجراءات التلبس بالجنحة باعتبار أن
جريمة ترك أو التخلي عن طفل وتعريضه للخطر من الجرائم المستمرة ما دام الطفل ال يزال في حالة ترك
وتخل وتعريض للخطر.
ثانيا :الجزاء
يرى األستاذ الفقيه رونيه غارو أن خطورة الجريمة تتوقف على الخطر الذي يمكن للظروف أن تلحق بالطفل
أو بعديم القدرة على حماية نفسه بنفسه وأن قانون العقوبات يقدر درجة هذا الخطر بالرجوع إلى مكان التخلي
والتعريض للخطر ويعاقب بعقوبات تختلف حسبما يكون الفعل قد حصل في مكان منعزل أم ال ،وأن هذا التفريق
الذي يهيمن على أحكامه مستخلص من أهمية الظروف التي تتعلق بها نتيجة الجرم ،لكن وقت التخلي وسن
الضحية وحالة عديم األهلية هي عناصر تشدد وتخفف الخطر ويكون القاضي أن يأخذ بها في تقديره للذنب
الفردي لكن ال يجب أن نلوم المشرع الفرنسي بتجرده منها الن نظام التشخيص القضائي فيما يخص العقوبة
يفضل عن نظام التشخيص القانوني.]117[
و ما يمكن مالحظته أن العقوبة تختلف حسب الظروف المكانية الرتكاب الجريمة وما ترتب عنها من نتائج
وصلة الجاني بالمجني عليه.]118[
حيث أنه إذا كانت المادتان 314و 316من قانون العقوبات قد تضمنتا كل العناصر المكونة للجريمة وتضمنتا
كل أنواع تلك الحاالت التي يمكن أن تنتج عن فعل ترك الولد وتعريضه للخطر في مكان خال أو غير خال من
الناس وتضمنتا كل أنواع العقوبات األساسية المقررة قانونا لكل نتيجة من نتائج فعل الترك والتعريض للخطر،
فإن المادتين 315و 317قد نصتا على عقوبات مشددة كلما كان الفاعل أو المتهم أو ومرتكب الجريمة من
أصول الولد المتروك للخطر وحسبما إذا كان مكان الترك أو التعريض للخطر مكانا خاليا من الناس أو غير خال
منهم]119[
.Iترك الطفل في مكان خال :تتحكم في تحديد المكان الخالي عدة عوامل ويعتبر العامل الجغرافي أهمها إذ
أن ترك طفل في غابة معزولة وموحشة ليس كتركه أمام باب مسجد أو ملجأ أو في مدينة أو قرية عامرة
بالسكان ،أما العامل الثاني فهي ظروف وضع الطفل وتتمثل هذه الظروف خاصة في وقت ترك الطفل والتخلي
عنه ،فتركه ليال ليس كتركه نهارا ووضع الطفل في مكان آمن ولو كان معزوال أو خاليا ليس كوضعه في مكان
عامر بالسكان والحركة ولكنه شديد الخطورة ،كوضع الطفل أمام الطريق السريع ،أو األماكن التي تكثر فيها
القالقل والنزاعات والحروب ،أما العامل الثالث فهو حظوظ إنقاذ الطفل ،فكلما كانت حظوظ إنقاذ الطفل ضئيلة
كلما تجلت للقاضي النية العمدية للفاعل في التخلص من الطفل وتعريضه للخطر ،وتعاقب المادة 314في
فقرتها األولى على ترك الطفل في مكان خال بالحبس من سنة إلى ثالث سنوات وتشدد هذه العقوبة بتوافر
ظرفين هما نتيجة الفعل المجرم وصفة الفاعل.
)1نتيجة الفعل :حيث تؤثر نتيجة الفعل على العقوبة على النحو التالي:
üإذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز 20يوما تكون الجريمة جنحة
عقوبتها الحبس من سنتين إلى خمس سنوات ،ويالحظ أن المشرع أخذ في جريمة ترك طفل في مكان خال أو
غير خال بمدة 20يوما عجز كمعيار للتمييز بين درجات خطورة الجريمة خالفا لما أخذ به في جرائم العنف
حيث أخذ فيها بمدة 15يوما.
-ويرى الفقيه غارو أن نتيجة الفعل كظرف مشدد يؤدي إلى مسؤولية الفاعل الذي يجب أن يتوقع بتخليه عن
الطفل نتائج فعله ،ففي القانون الفرنسي إذا نتج عن التخلي مرض أو عاهة يدومان أكثر من عشرين يوما
يطبق الحد األقصى للعقوبة ،هذا النص جديد ألن المادة القديمة لم تكن تضع تشديدا فيما يخص الجروح
الخطيرة التي تجعل الطفل مبتورا دون أن تهتم باألمراض أو حتى بالعاهات الدائمة األخرى التي يمكن أن تنتج
عن التخلي.
üإذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد األعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون الجريمة جناية عقوبتها
السجن من 05سنوات إلى 10سنوات ،أما في القانون الفرنسي فإذا بقي الطفل مبتورا أو إذا بقي ذا عاهة
فيخضع المذنبون لعقوبة األشغال الشاقة.
üإذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الموت فتكون جناية عقوبتها السجن من 10إلى 20سنة أما في
القانون الفرنسي فعندما يسبب التخلي والتعريض للخطر الوفاة ،يعتبر الفعل تماما كالقتل العمد
)2صفة الجاني :تغلظ العقوبات ضد األصول أو من لهم سلطة على الطفل أو من يتولون رعايته وذلك برفع
العقوبات المقررة قانون درجة واحدة ،فتكون العقوبات كما يلي:
üالحبس من سنتين إلى خمس سنوات في حالة ما إذا لم ينشأ عن ترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز
كما يلي-لمدة تتجاوز 20يوما.
üالحبس من 05إلى 10سنوات في حالة ما إذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي
لمدة تتجاوز 20يوما.
üالسجن من 10إلى 20سنة في حالة ما إذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد األعضاء أو أصيب بعاهة
مستديمة.
-ويرى الفقيه غارو أنه يجب أن تتضمن فئة األشخاص الذين تشكل صفتهم ظرفا تشديديا كل األشخاص
الذين لهم واقعيا أو قانونيا مسؤولية الطفل فيجب أن تشمل الساكنين مع الطفل ألنهم مسؤولون عن الطفل
الذي يربونه والسلطة تعود قانونيا للوالدين لشرعيين وبالتالي فإن األمر ال يختلف فيما يخص التجريم
والعقوبة سواء أكان الفاعل أو المحرض غريبا عن الطفل أم ال من وجهة نظر روابط الدم ،أي سواء كان
الفاعلون هم الوالدان الحقيقيان للطفل أم مجرد أشخاص ملزمين قانونيا أو اتفاقا بحراسته أو العناية به ،ففي
الحالتين يطبق ظرف التشديد دون أي تمييز ،لكن صفة الحارس التي تشدد الذنب يجب أن تكون موجودة قبل
اقتراف التخلي ،فالشخص الذي يقبل بمهمة التخلي عن الطفل بناء على أمر والديه حسب الفقيه غارو يجب أن
ال يقع تحت وقع التشديد في العقوبة إال إذا قام بالتخلي بعد أن حصل على حراسته دون علمها أما إذا قام
الوالدان بمساعدة الفاعل فتطبق عليهما وحدهما العقوبات األشد الموضوعة في المادتين 350و 353من
قانون العقوبات الفرنسي وال يعاقب المتدخل إال بالعقوبة التي كانت ستنزل به لو كان هو فاعل الجرم أي
بالعقوبة التي نص عليها القانون فيما يخص الجريمة المرتكبة من طرف الفاعل األصلي.]120[
إذا بعد أن تطرقنا للعقوبات المقررة لجريمة ترك الطفل في مكان خال نتناول فيما يلي للعقوبات المقررة لجريمة
ترك طفل في مكان غير خال.
.IIترك الطفل في مكان غير خال :تعاقب المادة 316من قانون العقوبات على هذا الفعل مبدئيا بالحبس
من ثالثة أشهر إلى سنة وتغلظ العقوبة في حالة توافر الظروف اآلتية:
üإ ذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تتجاوز 20يوما فتكون العقوبة الحبس
من 06أشهر إلى سنتين.
üإذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد األعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون العقوبة الحبس من
سنتين إلى خمس سنوات.
üإذا أدى الترك أو التعريض للخطر إلى الوفاة فتكون العقوبة السجن من 05إلى 10سنوات.
-تشديد العقوبة ضد األصول أو من لهم سلطة على الطفل أو من يتولون رعايته وذلك برفع العقوبات
المقررة قانونا درجة واحدة فتكون العقوبات كما يلي:
üالحبس من 06أشهر إلى سنتين إذا لم ينشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة
تتجاوز 20يوما.
üالحبس من سنتين إلى 05سنوات في حالة ما نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي
لمدة 20يوما.
üالسجن من 05إلى 10سنوات في حالة ما إذا حدث للطفل مرض أو عجز في أحد األعضاء أو أصيب
بعاهة مستديمة .أعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة.
üالسجن من 10إلب حدألأأ السجن من 10إلى 20سنة إذا تسبب الترك أو التعريض للخطر في الوفاة.
-وفي حالة ما إذا أدى ترك الطفل أو تعريضه للخطر إلى الوفاة مع توافر نية إحداثها فإن المادة 318من
قانون العقوبات قد أحالت فيما يخص العقوبة على حسب المواد 261إلى 263من قانون العقوبات على حسب
األحوال ،وسواء تعلق األمر بترك الطفل في مكان خال أو غير خال ،فيعاقب الفاعل بالسجن المؤبد في هذه
الحالة ،أما إذا اقترن الفعل بسبق اإلصرار أو الترصد ،فيعاقب الفاعل باإلعدام (م 261ق.ع) - .وفي
-على الرغم من اختالف بعض اآلراء عند الفقهاء المسلمين المتقدمين زمنيا من حيث كون الحضانة هي
حق للطفل أم حق ألمه ومن يليها فقد اتفقوا على أنها واجبة وأن األم لها األولوية في حضانة مولودها كلما
توفرت فيها الشروط الشرعية والقانونية التي ورد النص عليها في قوانين األحوال الشخصية ،حيث نصت
المادة 64من قانون األسرة على أن األم أولى بحضانة ولدها ثم أمها ثم الخالة ثم األب ثم أم األب ثم األقربون
درجة مع مراعاة مصلحة المحضون وعلى القاضي عندما يحكم بالحضانة أن يحكم بحق الزيارة.
-وفي هذا الصدد وتكريسا لهذا الحق وحماية للطفل المحضون فقد أورد قانون العقوبات نصوصا قانونية
تعاقب على اإلخالل وعدم االلتزام بما تضمنه األحكام القضائية النهائية حول مصير الطفل المحضون وكذلك كل
من يخل بالحق الطبيعي واألولوية الطبيعية في حضانة الطفل والتكفل به حتى ولو لم يصدر حكم قضائي بشأن
ذلك ،إذ تعاقب المادة 327من قانون العقوبات كل من يرفض تسليم طفل إلى من له الحق في المطالبة به بعد
أن وضع تحت رعايته بصفة مؤقتة وتعاقب كذلك لمادة 328كل من يرفض تسليم طفل قضي في شأن حضانته
بحكم مشمول بالنفاذ المعجل أو بحكم نهائي إلى من صدر الحكم لصالحه.
ومن خالل تحليل أحكام ما ورد النص عليه في هاتين المادتين يتجلى لنا مدى ما احتوته من حماية لحقوق
األطفال وأمنهم واستقرارهم ومدى ما اشتملت عليه من مؤيدات فعالة لضمان احترام األحكام القضائية وتدعيم
أركان العدل.
-تنقسم هذه الجريمة إلى صورتين نصت على الصورة األولى المادة 327من قانون العقوبات وهي صورة
عدم تسليم طفل موضوع تحت رعاية الغير ،أما الصورة الثانية فقد نصت عليها المادة 328من نفس القانون
وتتعلق بعدم تسليم طفل مخالفة لحكم قضائي ،وسنقوم بدراسة هاتين الصورتين تباعا ،إذ سنتناول أركان
الجريمة ثم المتابعة والجزاء في كل من الصورتين.
أوال :الصورة األولى :جريمة عدم تسليم طفل موضوع تحت رعاية الغير
-تنص المادة 327من قانون العقوبات على ما يلي " :كل من لم يسلم طفال موضوعا تحت رعايته إلى
األشخاص الذين لهم الحق في المطالبة به ،يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات " ،ومن خالل
استقراء هذه المادة نالحظ أن الجريمة في هذه الصورة تقوم على العناصر التالية:
العنصر األول :يجب أن يكون الطفل قد وكل إلى الغير كما لو تم توكيله إلى مربية أو مرضعة أو إلى مدرسة
داخلية أو حضانة ،ويرى األستاذ أحسن بوسقعية أن هذه الجريمة ال تقوم في حق الوالدين حتى وإن كانت
الرابطة الزوجية منحلة ،استنادا إلى قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ ،22/03/1900فلو افترضنا
رفض األب تسليم الطفل إلى والدته (األم) التي تتمتع باألولوية في حضانة الطفل حسب المادة 46من قانون
األسرة وهذا قبل صدور حكم قضائي بمنحها حق الحضانة فال يمكن متابعة األب في هذه الحالة من أجل
ارتكابه هذه الجريمة ألن األب في هذه الحالة أي قبل صدور حكم قضائي فاصل في حق الحضانة ،يتمتع
بالتساوي مع األم في رعاية طفله واالحتفاظ به ألنه مع التنازع في حق حضانة الطفل وقيام الشك في أولوية
أحدهما على األخر ال يسوغ توقيع العقوبة الجزائية قبل أن يتقرر أيهما صاحب الحق في حضانة الطفل من
الجهة القضائية المختصة ،كما يرى األستاذ أحسن بوسقيعة أن األصل أن ال يتجاوز سن الطفل سبع ()07
سنوات ،كما يتبين ذلك من نص المادة 442/3من قانون العقوبات رغم أن الفقرة الثانية من المادة 42من
القانون المدني تنص على سن التمييز هي 16سنة مما يبعث االعتماد أن 16سنة هي السن المطلوبة.
-العنصر الثاني :وجوب المطالبة به ممن له الحق في المطالبة به وهو الشخص الذي يتمتع بحق الحضانة
سواء كان األب أو األم أو الوصي بغض النظر عما إذا كان الطفل قد وكل إلى المتهم بطريقة غير مباشرة أو
بصفة مؤقتة.
-العنصر الثالث :وجوب قيام عدم تسليم الطفل ويمثل الركن المادي للجريمة سواء عن طريق امتناع من أوكل
إليه الطفل مؤقتا عن إرجاعه ورده أو امتناعه عن تعيين مكان تواجده.
-العنصر الرابع :الركن المعنوي حيث تتطلب هذه الجريمة توفر نية جريمة لدى الجاني لذا فال تقوم الجريمة
إال في حالة تعمد الشخص الذي كان الطفل موضوعا تحت رعايته رفض تسليمه إلى من له الحق في المطالبة
به أو امتنع عن اإلدالءـ بالمكان الذي يوجد فيه الطفل.
-وفي هذا الصدد صدر قرار قضائي في فرنسا قضى بعدم قيام الجريمة في حق المتهم الذي وبسبب إهماله
رعاية الطفل تمكن الطفل من الهروب والفرار من منزل المتكفل األمر الذي يجعل إمكانية تسلميها للطفل
مستحيلة .]121[
وفي هذا الصدد فإن الركن المعنوي لهذه الجريمة المنصوص عليها في المادة 327من قانون العقوبات والتي
تقابلها المادة 284من قانون العقوبات المصري يقوم على عنصرين:
-1علم المتهم بأن من يطلب استالم الطفل المتكفل به له الحق في طلبه بناء على حكم القانون.
-2اتجاه إرادة المتهم إلى فعل عدم تسليم الطفل المتكفل به من له الحق في طلبه بناء على حكم القانون[
]122ويرى األستاذ رونيه غارو أن العناصر المادية والمعنوية لهذه الجريمة هي خمسة ( :)05أوال :عدم
إحضار أو تسليم القاصر ،ثانيا :صفة األب أو األم كفاعل للجريمة ،ثالثا :قصر الطفل ،رابعا:كون األب أو األم ال
يحق له أن يطالب بالطفل بسبب قرار قضائي وخامسا القصد الجنائي.
ثانيا :الصورة الثانية :جريمة عدم تسليم طفل مخالفة لحكم قضائي:
تنص المادة 328من قانون العقوبات على ما يلي ":يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 500إلى
5.000دج األب أو األم أو أي شخص آخر ال يقوم بتسليم قاصر قضي في شأن حضانته بحكم مشمول بالنفاذ
المعجل أو بحكم نهائي إلى من له الحق في المطالبة به ...وتزاد عقوبة الحبس إلى ثالث سنوات إذا كانت قد
أسقطت السلطة األبوية عن الجاني وما تجدر اإلشارة إليه أن هذه الصورة تشكل واحدة من تلك الجرائم الواقعة
على نظام األسرة وإن فرض عقوبة على مقترفها يعتبر أداة فعالة ووسيلة لضمان المحافظة على مصداقية
أحكام القضاء وعلى تنفيذها وهي في نفس الوقت األداة الالزمة لضمان مصلحة المحضون ضمن إطار احترام
القانون وإن نص المادة 328من قانون العقوبات التي تقابلها المادة 357من قانون العقوبات الفرنسي
والمادة 292من قانون العقوبات المصري قد وضع مبدأ قويا لضمان احترام القانون واحترام األحكام الصادرة
عن القضاء في وقت واحد ،ومن ثم فإن هذه الجريمة تقوم على شروط أولية و ركن مادي و ركن معنوي.
)1شرط القاصر :ذكرت المادة 328من قانون العقوبات مصطلح القاصر بدل الطفل الذي نصت عليه المادة
327من نفس القانون ،مما يجعلنا نستنتج أن المادة 328ال تقصد الطفل الذي لم يبلغ سن السابعة كما قي
الجريمة السابقة المنصوص عليها بالمادة 327لذا فإنه يحق لنا أن نتساءل عن المقصود من مصطلح قاصر،
فبالرجوع إلى المادة 40من قانون المدني نجد أنها نصت على سن الرشد وهو 19سنة كاملة ومن ثم فمن لم
يبلغ هذه السن يعد قاصرا ،ولكن ما دمنا نتحدث عن حضانة الطفل فيجب أن نرجع إلى ما نصت عليه أحكام
قانون األسرة لكي يمكننا تحديد مفهوم القاصر باالعتماد على مسألة انقضاء الحضانة حيث تنص المادة 65
منه على ما يلي ":تنقضي مدة الحضانة ببلوغ الذكر 16سنة كحد أقصى وببلوغ األنثى سن الزواج أي 18
سنة".
)2شرط توفر حكم قضائي سابق :يتمثل هذا الشرط في ضرورة وجود حكم سابق صادر عن القضاء ويتضمن
إسناد حق الحضانة إلى من يطالب بتسليم الطفل إليه ،وقد يكون هذا الحكم مؤقتا أو نهائيا ،ولكن يجب أن يكون
نافذا أي قابال للتنفيذ كاألحكام أو القرارات أو األوامر القضائية المشمولة بالنفاذ المعجل أو قابال للتنفيذ فورا
بقوة القانون أو بقوة مضمون الحكم ،كما يجب أن يكون هذا الحكم صادرا عن القضاء الوطني أما إذا كان
صادرا عن جهة من جهات القضاء األجنبي فإنه ال يجوز االستناد إليه إال إذا كان قد كسي بالصيغة التنفيذية
وفقا لإلجراءات المنصوص عليها في قانون اإلجراءات المدنية ضمن ما نصت عليه المادة 325منه وكذا وفق
ما نصت عليه االتفاقات أو المعاهدات الدولية الثنائية أو الجماعية ،وفي هذا الصدد صدر قرار عن المحكمة
العليا قضى بعدم قيام الجريمة لكون الحكم القاضي بإسناد حضانة الولدين ألمهما غير مشمول بالنفاذ المعجل
وغير نهائي ألنه محل دعوى استئناف (قرار بتاريخ ،16/06/1996ملف رقم 132607غير منشور).
وال بأس في هذا الصدد أن نشير إل بعض اإلجتهادات القضائية المصرية حول هذه القضية كما يلي:
( )1قرار 11/06/1931مجموعة القواعد القانونية ،ج.م،ق273ص " )334لوالد الطفل المتنازع على
حضانته الحق في ضمه إليه ،وال يمكن معاملته بمقتضى المادة 246من قانون العقوبات التي جرى القضاء
على معاملة الوالدين بها إال إذا قضي بالحضانة لغيره وامتنع هو عن تسليم الطفل للمقضي له بهذه الحضانة "
( )2قرار 31/10/1929م.ق ق ج 1ق 311ص " )358تنطبق المادة 246من قانون العقوبات على الوالد
الذي لم يسلم ابنه لجدته المحكوم لها بحضانته"
( )3قرار 27/07/1918المجموعة الرسمية ،س 2ص " )4إن المادة 246من قانون العقوبات التي تعاقب كل
من كان متكفل بطفل وطلبه منه من له حق طلبه ولم يسلمه إليه تنطبق على حالة األب الذي لم يسلم ابنه
لوالدته بعد صدور حكم من المحكمة الشرعية يخولها حق حضانة أوالده ،فليس له بعد صدوره أن ببيتهم عنده
و ألن حق الحضانة في الشريعة اإلسالمية ليس أساسه مصلحة األب أو األم وإنما أساسه مصلحة الطفل نفسه
بوجوب تسليمه لمن يكون أشفق عليه وأقدر على مراعاة مصلحته والعناية بأمره أكثر من غيره ،حتى أن
األب يعزر شرعا إذا لم يسلم الطفل لحاضنته تنفيذا للحكم الشرعي.
( )4قرار 27/01/1912المجموعة الرسمية س 13ق 30ص " )57تنطبق المادة 246من قانون العقوبات
التي تنص على أن كل من كان متكفال بطفل وطلبه منه من له الحق في طلبه ولم يسلمه إليه على حالة الوالد
الذي لم يسلم ابنه لجدته الصادر لها حكم من المحكمة الشرعية يخولها حق الحضانة ،ويجب تفسير هذه المادة
طبقا لقواعد الشريعة اإلسالمية الخاصة بالحضانة ،ومقتضى تلك القواعد أن تقدم مصلحة الطفل على حقوق
الوالد وليس من محل للرجوع ألحكام القضاء الفرنسي الذي فسر المادة 345من القانون الفرنسي المطابقة
لمادة القانون المصري تفسيرا أضيق مما قضى به التفسير المذكور آنفا"
( )5قرار 01/05/1933مجموعة القواعد القانونية ج 3ق 111ص ")174إذا أنكر المتهم الجريمة
المنصوص عليها في المادة 246من قانون العقوبات بعد صدور حكم بالحضانة فيجب أن يشير الحكم القاضي
بمعاقبته على هذه الجريمة إلى أن هناك حكما قاضيا بضم الطفل إلى حاضنته فإذا هو سكت عن تجلية هذه
النقطة الجوهرية ففي سكوته إخالل بحق الدفاع فضال عن ما يترتب عليه من تعطيل حق محكمة النقض في
مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة وذلك مما يعيبه ببطالنه"
( )6قرار 04/11/1979أحكام النقض س 30ق 183ص " )851إذا كان الثابت من مدونات الحكم المطعون
فيه أنه نقل من مستندات المجني عليها التي ال يجادل الطاعن في صحتها إن حكم ضم الصغيرين الصادر
لصالح المجني عليها قد تأيد استئنافيا ،وكان باقي ما أثاره الطاعن من منازعة حول أحقية المجني عليها في
حضانة ولديها الصغيرين ال يكون له محل بعد أن صدر في هذا الشأن حكم نهائي من جهة القضاء المختص
حسم األمر لصالحها ،ومن ثم تثريبا على الحكم المطعون فيه أنه سكت عن هذا الدفاع – إيرادا له وردا عليه-
مما يفيد أن المحكمة لم ترى فيه ما يغير اقتناعها بما قضت به واطمأنت إليه مما أوردته من أدلة الثبوت في
الدعوى".
( )7قرار 15/07/1920المجموعة الرسمية س 22ق 19ص " )193إن المادة 246من قانون العقوبات
التي تعاقب كل من كان متكفال بطفل وطلبه منه من له الحق في طلبه ولم يسلمه إليه تنطبق على حالة األب
الذي لم يسلم ابنه لوالدته بعد صدور حكم المحكمة الشرعية يخولها حق حضانته".]123[
وفي هذا اإلطار يرى الفقيه غاور أن الشرط الثالث لتشكيل جريمة عدم تسليم طفل مخالفة لحكم أو قرار أو أمر
قضائي المنصوص عليها بالمادة 357من قانون العقوبات الفرنسي المقابلة لنص المادة 328من قانون
العقوبات الجزائري هو أن تقرر المحكمة حول حضانة القاصر بقرار أو حكم مؤقت أو نهائي خالل أو نتيجة
محاكمة طالق أو هجر أو وفقا للظروف المشار إليها في قوانين 1889و 1898و يجب أن تقبل بالمالحقة فقط
في هذه الحاالت ،فإذا أراد المشرع أن يعاقب على خرق القرار القضائي الذي يقرر حول حضانة الطفل لم يقم
بذلك إال ضمن الحدود التي توقعها .ويضيف أنه قلما يهم كون القرار الصادر حول الحراسة المؤقتة أو النهائية
لكن يجب أن يكون قابلة للتنفيذ ،أي أن يفرض نفسه على األب وعلى األم في وقت حصول عدم التسليم
وبالتالي فلن تكون الجريمة قائمة في الحاالت التالية:
üعندما يكون هذا القرار الذي يعلن كقابل للتنفيذ مستأنفا أو معترض عليه.
)3شرط الحضانة :يرى األستاذ أحسن بوسقيعة أن هذه العبارة لها مدلول واسع يتسع ليشمل حق الزيارة
ومن ثم تطبيق حكم المادة 328من قانون العقوبات الجزائري حتى في حالة عدم احترام حكم يتعلق بحق
الزيارة مستندا في ذلك على قرار محكمة النقض الفرنسية الصادر بتاريخ .]124[ 19/10/1935
ويرى األستاذ غارو في هذا اإلطار أن الصعوبة الحقيقية تخص تطبيق قانون 1901على إجراءات حق
الحضانة نفسه ،إن القرارات النهائية والمؤقتة في محاكمة الطالق أو الهجر عندما تعطي الحضانة ألحد
الزوجين تأمر أنه سيكون للزوج األخر حق استقبال الطفل عنده أو زيارته في أوقات محددة ويتساءل الفقيه
غارو هل أن رفض تنفيذ هذا االلتزام يشكل عدم تسليم القاصر ويقع تحت وقع القانون؟ ويرى أن الرأي الذي
يميز بين حق الزيارة وحق استقبال طفل خالل بعض الوقت مثال خالل العطلة يفتقد للمنطق والوضوح ،لكن
هذين الرأيين غير قابالن للتأييد وهما يجدان الواحدة كما األخرى قرارات عديدة في اجتهاد المحاكم.
وقد اعتبر األستاذ عبد العزيز سعد أن االمتناع عن تنفيذ حكم الزيارة يشكل جريمة مستقلة مستنبطة من نص
المادة 328من قانون العقوبات وكذا نص المادة 64من قانون األسرة التي تنص " :على القاضي الذي يحكم
بإسناد الحضانة إلى مستحقيها أن يحكم في الحكم نفسه بحق الزيارة للزوج األخر" ومن خالل قراءة االتفاقية
الموقعة بين الجزائر وفرنسا بشأن أطفال الزواج المختلط الواقع بين الجزائريين والفرنسيات نجد أن المادة
السادسة الفقرة الثانية تنص على أن " :كل حكم قضائي تصدره الجهات القضائية للمتعاقدين وينص على
حضانة طفل يمنح في الوقت نفسه الوالد األخر حق الزيارة" ثم تأتى المادة السابعة لتنص على أنه ":يتعرض
الوالد الحاضن للمتابعات الجزائية الخاصة بعدم تسليم األطفال التي تنص وتعاقب عليها التشريعات الجزائية في
كلتا الدولتين عندما يرفض ممارسة حق الزيارة"
وعليه من تحليل هذه المواد يمكن أن يتضح لنا أنه يتعين عندما يحكم القاضي بالطالق وبإسناد حق حضانة
الطفل أو األطفال إلى من يستحقها فإنه يجب عليه أن يحكم في نفس الوقت وضمن نفس الحكم بإسناد حق
الزيارة إلى الزوج األخر ،ويحدد فيه زمان ومكان و كيفية ممارسة حق الزيارة.
ولكن إذا قام الطرف المحكوم له بحق الحضانة باالمتناع عن تنفيذ الحكم ورفض تمكين الطرف األخر من
ممارسة حق الزيارة في الزمان والمكان والكيفية التي حددها الحكم فإنه يكون قد تصرف بشكل يؤدي إلى
اقتراف جريمة تمس بنظام األسرة ويؤدي إلى متابعة الطرف الرافض والممتنع ومعاقبته وفقا للتشريعات
الجزائية المتعلقة بجريمة االمتناع عن تسليم الطفل المحضون (المادة 328من قانون العقوبات) و وفقا لنص
المادة 07من االتفاقية الجزائرية الفرنسية المتعلقة بأطفال الزواج المختلط.
وبمجرد ما يتسلم وكيل الجمهورية المختص إقليميا شكوى الوالد اآلخر المحكوم له بحق الزيارة يباشر
المتابعة واإلجراءات القانونية ضد مرتكب الجريمة.]125[
ويضيف األستاذ عبد العزيز سعد أنه من خالل تحليل النصوص المذكورة أعاله يتضح لنا أنه لكي يمكن قيام
جنحة االمتناع عن تسليم طفل قضي في شأن حضانته إلى من له الحق في المطالبة به وجوب توفر عدة
عناصر وشروط تتمثل في ما يلي:
üوجود حكم قضائي مشمول بالنفاذ المعجل أو حائز لقوة الشيء المقضي فيه.
üأن يكون هذا الحكم قد قضى بالطالق وإسناد الحضانة إلى أحد الزوجين وبمنح حق الزيارة إلى الزوج
األخر.
üأن يكون االمتناع عن تسليم الطفل إلى من له الحق في الزيارة ثابت بموجب محضر يحرره القائم بالتنفيذ أو
ثابت بواسطة شهادات الشهود أو باعتراف الممتنع نفسه.
وعليه فإذا توفرت هذه العناصر أو الشروط مجتمعة فإن الطرف الممتنع يكون قد ارتكب جنحة االمتناع عن
تسليم طفل إلى من له حق زيارته ،واستحق بذلك المتابعة والعقاب وفقا لنص المادة 328من قانون
العقوبات ،وتبعا لإلجراءات المنصوص عليه في المادة السابعة من االتفاقية الجزائرية الفرنسية المبرمة بين
البلدين بتاريخ ]126[ 21/06/1988
وما تجدر إليه اإلشارة في هذا الصدد أن بعض االجتهادات القضائية المصرية ذهبت مذهبا مخالف واعتبرت أن
جريمة عدم تسليم طفل ال تقوم في حق أحد األبوين الذي يخل بحق الزيارة المخول ألحد الزوجين بموجب حكم
قضائي ،وسنقوم بسرد هذه االجتهادات القضائية في ما يلي:
( )1قرار 27/03/1972في الطعن رقم 101لسنة 1942ق) " يختلف كل من حق الحضانة أو الحفظ عن حق
الرؤية سواء أكانت رؤية األب ولده وهو في حضانة النساء أم رؤية األم ولدها إذا كان مع أبيه أو مع غيره"
( )2قرار 27/03/1972في الطعن رقم 151لسنة 1942ق) " إذا كان الحكم المطعون فيه قد أدان المطعون
ضده بتهمة أنه لم يسلم ابنته لوالدتها لرؤيتها تطبيقا منه للفقرة األولى من المادة 292من قانون العقوبات مع
صراحة نصها ووضوح عبارتها في كونها مقصورة على حالة صدور قرار من القضاء بشأن حضانة الصغير
أو حفظه بما ال يصح معه االنحراف عنها بطريقة التفسير والتأويل إلى شمول حالة الرؤية فإن الحكم يكون قد
أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله بما يوجب نقضه والحكم ببراءة المطعون ضده مما اسند إليه.
وتجدر اإلشارة إلى أن القانون الجزائري في المادة 328من قانون العقوبات لم يحصر الفاعل في أحد الزوجين
أي األم أو األب فقط بل وسعها لتشمل أي شخص أخر دون تحديد ،وهذا بخالف القانون الفرنسي الذي حصر
صفة المذنب في هذه الجريمة في األب أو األم وبالتالي يخرج من دائرة التجريم كل أصل أخر حتى الوصي إذ
أقرباء القاصر غير األب أو األم يهربون من تطبيق المادة 357من قانون العقوبات الفرنسي ويضلون تابعين
للقانون العادي ،وأن المادتين 345و 354من قانون العقوبات الفرنسي تكون إذا قابلة للتطبيق عليهم عندما
يرفضون تسليم الطفل الذي منح لهم]127[
أوضحت المادة 328من قانون العقوبات أن هذه الجريمة تقوم حتى ولو وقعت بغير تحايل وال عنف .يأخذ
الركن المادي للجريمة أربعة أشكال وهي:
)1الشكل األول :امتناع من كان طفل موضوعا تحت رعايته عن تسليمه إلى من أوكلت إليه حضانته بحكم
قضائي :أي من له الحق في المطالبة به وفي هذا الصدد قضت المحكمة العليا بأن االمتناع يتم إثباته بواسطة
المحضر القضائي بعد إتباع إجراءات التنفيذ (قرار 16/06/1996ملف رقم 132607غير منشور) وإن كان
هذا الشكل يعتبر موقفا سلبيا من الممتنع إال أنه مع ذلك يكون أهم عناصر هذه الجريمة ،ولواله لما أمكن قيام
هذه الجريمة ولما أمكن متابعة المتهم وال معاقبته بشأنها ،ويجب أن يحصل االمتناع بشكل متعمد واضح
ومقصود وبعد أن يكون الممتنع المتهم قد علم فعال بوجود الحكم الذي يمنح الطالب حق المطالبة بالمحضون
وإال فال يمكن اعتباره ممتنعا عن تسليم الطفل إلى حاضنه أو صاحب الحق في حضانته وال يمكن بالتالي
متابعتها وال تسليط العقاب عليه ،وفي هذا الصدد صدرت عدة قرارات من المحكمة العليا نورد بعضها في ما
يلي:
-1قرار 19/07/1996ملف رقم 1306911المجلة القضائية لسنة 1997ج 1ص " 153متى ثبت أن
المتهم لم يعلن صراحة عن رفضه تسليم البنتين ولكن هما اللتان رفضتا الذهاب إلى والدتهما كما يشهد بذلك
المحضر القضائي فإن إدانة المتهم بجنحة عدم تسليم البنتين يعد خرقا للقانون ".
-2قرار 14/04/1997ملف رقم 145722المجلة القضائية لسنة 1997ج 1ص " 163إن إعطاء المتهم
مهلة لتمكين الوالدة من زيارة أبنائها ومجيئها إلى منزله وامتناعه بعد ذلك عن تلبية رغبتها فإن هذه األفعال
تدل على توفر عنصر االمتناع عن تسليم األوالد"
-3قرار 14/02/1989ملف رقم 54930المجلة القضائية 1995ص " 181تقتضي الجنحة بالضرورة توفر
ركن أساسي يتعين على قرار اإلدانة إبرازه وهو امتناع المحكوم عليه عن تسليم القاصر ،ويتم إثبات ذلك
بواسطة المحضر القضائي بعد إتباع إجراءات التنفيذ"
-4قرار 26/06/1984ملف رقم 31720المجلة القضائية " 1989متى كان نص المادة 328من قانون
العقوبات هو أنه يعاقب بالحبس والغرامة األب أو األم أو أي شخص أخر ال يقوم بتسليم قاصر قضي في شأن
حضانته بموجب حكم إلى من له الحق في المطالبة به ومن ثم فإن أب القاصر الذي تحصل بطلب منه على أمر
من رئيس المحكمة يسمح له بمقتضاه أن يحتفظ بابنه لمدة 15يوما ال يعد مرتكبا لهذه الجريمة وأن القضاء
بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون ،ولما كان ثابتا في قضية الحال أن الطاعن أذن له بموجب أمر من
رئيس المحكمة لالحتفاظ بابنه القاصر لمدة 15يوما فإن قضاة االستئناف بإدانتهم للطاعن والحكم عليه وفقا
للمادة 328من قانون العقوبات لم يكونوا على صواب في تطبيق هذا النص عليه وكان لذلك نعيه على قرارهم
بالوجه المثار من طرفه بالخطأ في تطبيق القانون مؤسسا وفي محله.
إن القانون يشتمل على فعل عدم إحضار الطفل أو تسليمه كما يشتمل على فعل الخطف ،إذ يرى الفقيه غارو أن
هذين الفعلين لهما طابع الوحدة والديمومة نفسه ،ويشكالن الجريمة نفسها ويضيف أن مرور التقادم الثالثي ال
يمكن أن يمر طالما دامت حالة اختفاء القاصر أو عدم تسليمه وأن الجريمة ال تكون قابلة لعقوبات متتالية طالما
لم يخضع للقرار القضائي وهو يتطرق فقط إلى فعل واحد ومستمر يجب أن ينزل به قمع واحد ،وفي هذا اإلطار
صدر قرار عن محكمة النقض المصرية جاء فيه ما يلي " :إن جريمة االمتناع عن تسليم الطفل لمن له حق
حضانته شرعا هي من الجرائم المستمرة استمرارا متتابعا أو متجددا بمعنى أن األمر المعاقب عليه فيها يتوقف
استمراره على تدخل إرادة الجاني تدخال متتابعا ومتجددا بخالف الجريمة المستمرة استمرارا ثابتا فإن األمر
المعاقب عليه فيها يبقى يستمر بغير حاجة إلى تدخل جديد من جانب الجاني كبناء جدار خارج خط التنظيم مثال،
والمتفق انه في حالة الجريمة المستمرة استمرارا ثابتا يكون الحكم على الجاني من أجل هذه الجريمة مانعا من
تجديد محاكمته عليها مهما طال زمن استمرارها ،فإذا رفعت عليه الدعوى العمومية مرة ثانية من أجل هذه
الجريمة جاز له التمسك بقوة الشيء المحكوم فيه أما في حالة الجريمة المستمرة استمرارا متتابعا فمحاكمة
الجاني ال تكون إال عن األفعال أو الحاالت الجنائية السابقة على رفع الدعوى وفي ما يتعلق بالمستقبل فتجدد
إرادة الجاني في استمرار الحالة الجنائية يكون جريمة جديدة تصح محاكمته من أجلها مرة أخرى ،وال يجوز له
التمسك عند المحاكمة الثانية بسبق الحكم عليه" (نقض 07/05/1931القواعد القانونية ج 2ق 258ص)325
ويرى الفقيه غارو أنه قد نكون بصدد عدم إحضار أو عدم تسليم عندما يخبأ الطفل بطريقة ال يمكن أن يتعرف
فيها عن مقامه الحالي ويدرك أنه ال يجب أن تتردد في رؤية الجريمة بمجرد رفض إعادة الطفل لمن يحق له
أن يطالب به صحيح أننا نستطيع أن نقول في هذه الحالة أن الطفل سلم ماديا وأن الجزاء العقابي دون نفع
وبالنتيجة زائد على اللزوم ألن الجزاء المدني لتنفيذ القرار القضائي ممكن لكن قانون 1901وبما أنه يهدف
إلى معاقبة عدم طاعة األوامر القضائية والمس باألب واألم الذين يرفضان التنفيذ عن قصد ،يجب أن يشمل هذا
الفعل بين األفعال التي تشكل جرائم .وبالتالي فإن القانون قد توقع حالة األب أو األم المسقط أو المسقطة من
السلطة األبوية أو المحروم أو المحرومة من حق الحضانة والذي أو التي تأخذه رغم وجود قرار قضائي أو
تخطفه أو يخطفه كما توقع حالة رفض التسليم عند من يمنح حق الحراسة له قانونا .
)2الشكل الثاني :إبعاد قاصر :ويتحقق بشأن من استفاد من حق الزيارة أو من حضانة مؤقتة فينتهز وجود
القاصر معه الحتجازه.
)3الشكل الثالث :خطف القاصر :ويتمثل في أخذ القاصر ممن أوكلت إليه حضانته أو من األماكن التي وضعه
فيها.
)4الشكل الرابع :حمل الغير على خطف القاصر أو إبعاده :األصل أن هذه الجريمة في مختلف أشكالها تنطبق
على أحد الوالدين الذي يحتفظ بالطفل متجاهال حق الحضانة الذي أسند لألخر ولكنها تنطبق أيضا على كل من
أسندت إليه الحضانة – عدا الوالدين -كالجدة من األم والخالة والجدة من األب واألقربين (المادة 64من قانون
األسرة).
وبصفة عامة تنطبق هذه الجريمة على كل من كان القاصر موضوعا تحت رعايته ويمتنع عن تسليمه إلى من
وكل القضاء إليه حضانته كما تنطبق على المستفيد من الحضانة الذي يمتنع عن الوفاء بحق الزيارة أو حق
الحضانة المؤقتة التي منحها القضاء لغيره وفي كل األحوال يشترط القانون صدور حكم قضائي نهائي أو حكم
مشمول بالنفاذ المعجل]128[
يرى الفقيه غارو أن جريمة عدم تسليم طفل المنصوص عليها في المادة 357من قانون العقوبات الفرنسي من
الجرائم العمدية ويستنتج عن هذه النية أن األب أو األم يجب أن يكونا قد تصرفا عن علم وإرادة أي يكونا قد
خرقا عن علم باألمر أو القرار القضائي الذي قرر حول مسألة حضانة الطفل وبالتالي يقوم الركن المعنوي
لجريمة االمتناع عن تسليم طفل محكوم بحضانة أو حفظه على عنصرين:
üعلم أي من الوالدين أو الجدين بأن الطفل الموجود لديه أو في مكان الذي وضعه فيه أو لدى الشخص أو في
المكان الذي عهد به إليه قد صدر قرار واجب النفاذ من جهة القضاء بشأن حضانته أو حفظه لصالح من يطلب
استالمه .
üاتجاه إرادة الوالدين أو الجدين إلى فعل عدم تسليم الطفل الصادر قرار واجب النفاذ من جهة القضاء بشأن
حضانته أو حفظه لصالح من يطلب استالمه.]129[
ومنه فإن هذه الجريمة تقتضي توافر قصد جنائي يتمثل في علم الجاني بالحكم القضائي ونية معارضة تنفيذ
هذا الحكم.
وتطرح مسألة القصد الجنائي عدة إشكاالت فكثير ما يتمسك به من يمتنع عن تسليم الطفل بعدم قدرته على
التغلب على عناد الطفل وإصراره على عدم مرافقة من يطلبه وقد صدر بشأن هذه المسألة قرار عن المحكمة
العليا بتاريخ 19/07/1996ملف رقم 1306911جاء فيه ما يلي " :متى ثبت أن المتهم لم يعلن صراحة عن
رفض تسليم البنتين ،ولم يلجأ إلى أي مناورة لمنع الوالدة من حقها في الزيارة بل أن البنتين هما اللتين رفضتا
الذهاب إلى والدتهما كما يشهد بذلك تصريح المحضر القضائي فإن إدانة المتهم بجنحة عدم تسليم البنتين يعد
خرقا للقانون]130[
ويالحظ من خالل هذا القرار أن المحكمة العليا قد ذهبت مذهبا مخالفا لما درج واستقر عليه القضاء الفرنسي
والسيما محكمة النقض حول رفض هذه الحجة مبررا أو عذرا قانونيا.
وهكذا قضيا في فرنسا بقيام الجريمة في حق األم الحاضنة التي لم تستعمل نفوذها على األطفال لحملهم على
قبول زيارتي والدهم تنفيذا لحكم قضائي يقضي له بحق الزيارة (قرار محكمة النقض بتاريخ )07/12/1944
كما قضي بقيام الجريمة في حق الوالدة المطلقة التي استفادت من حق الزيارة والتي امتنعت بعدما أقام ولدها
في بيتها عن إلزامه بالعودة إلى مسكن والده (قرار محكمة النقض بتاريخ .)27/12/1951
وقضي بأن مقاومة القاصر أو نفوره من الشخص الذي له الحق في المطالبة به ال يشكالن فعال مبررا وال عذرا
قانونيا (قرار محكمة النقض بتاريخ .)21/05/1954
كما يميز القضاء عادة بين الحالة التي يكون فيها الطفل في حضانة الجاني والحالة التي يكون فيها في غير
حضانته ،ففي الحالة األولى قضي بأنه يتعين على الحاضن أن يستعمل سلطته على الطفل للحصول منه على
احترام الرغبة الشرعية لصاحب حق الزيارة إال أن هذا االلتزام يكون أخف في الحالة الثانية وسواء لجأ المتهم
إلى إكراه الطفل على البقاء معه أو لم يستعمل سلطته على الطفل إلرغامه على االستجابة لما قضي به فإن
الجريمة تقوم ويدان الجاني]131[
سنتطرق في ما يلي إلى إجراءات المتابعة والجزاء لجريمة عدم تسليم طفل في كلتا الصورتين
أوال :إجراءات المتابعة :لم يشترط المشرع الجزائري أية شروط أو قيود للمتابعة فتتم هذه األخيرة بمجرد قيام
أركان الجريمة وعلم النيابة بارتكابها دون المساس بسلطة المالئمة التي تتمتع بها هذه األخيرة بصفة عامة.
ثانيا :الجزاء :تعاقب المادة 327من قانون العقوبات على هذه الجريمة – وهي جنحة -بالحبس من سنتين إلى
خمس سنوات.
أوال :إجراءات المتابعة :يتم تسليم القاصر بوجه عام في مسكن الشخص الذي من حقه المطالبة به أو في
المكان المحدد ف الحكم ،ومنه قضي في فرنسا بأن هذا المكان هو مكان ارتكاب الجريمة ومنه استنتج القضاء
الفرنسي عدم اختصاص المحاكم الفرنسية عندما يتعلق األمر بعدم احترام حق الزيارة الذي يمارس في
الخارج ،ومن جهة أخرى قضي بأن صدور حكم سابق باإلدانة ال يحول دون النطق بعقوبة عن كل امتناع
لالنصياع ،كما قضي بأن األب الذي شجع ابنه المتزوج على عدم تسليم ولده ألمه واعترض معها للمحضر
القضائي ودفع ثمن سفر الولد للخارج يعد شريكا (من اجتهادات محكمة النقض الفرنسية).
وتجدر اإلشارة إلى أنه في القانون المصري الدعوى العمومية ال تحرك وال تتخذ إجراءات التحقيق فيها في
جريمة االمتناع عن تسليم طفل محكوم بحضانته المنصوص عليها في المادة 292من قانون العقوبات
المصري إال بناءا على شكوى شفاهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة أو إلى أحد
مأموري الضبط القضائي .ولمن قدم الشكوى أن يتنازل عتها في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي
وتنقضي الدعوى العمومية بهذا التنازل.]132[
ونرى في هذا الصدد أنه حل سليم كان على المشرع الجزائري أن يحدو حدوه ويشترط للمتابعة في هذه
الجريمة تقديم شكوى من الضحية وجعل التنازل عنها يضع حدا للمتابعة كما هو الشأن في بعض الجرائم
األخرى كجريمة الزنا مثال وجرائم السرقة التي تقع بين األقارب والحواشي واألصهار لغاية الدرجة الرابعة
وكذا جرائم النصب وخيانة األمانة وإخفاء األشياء المسروقة التي تقع ضد نفس األشخاص المشار إليهم
بالمادة 369من قانون العقوبات وكذا جريمة خطف أو إبعاد القاصر وزواجها من خاطفها وكذا جريمة ترك
أحد الوالدين ألسرته أو الزوج الذي يتخلى عن زوجته مع علمه أنها حامل.
ففي كل هذه الجرائم اشترط المشرع تقديم الشكوى من الضحية تأسيسا على ما ارتآه المشرع من أن ذلك
يحمي المصلحة العامة ويساهم في تعزيز الروابط األسرية وحرصا من المشرع على حماية األسرة خاصة وأن
معاقبة أحد أفراد األسرة والسيما األب أو األم من شأنه أن يرتب أثارا سلبية على الحالة االجتماعية والنفسية
للطفل واألسرة عموما.
إن كل ما سبق ذكره ينطبق أيضا على جريمة عدم تسليم الطفل خاصة إذا كان الجاني هو أحد الوالدين أو أحد
أقرباء الطفل.
ثانيا :الجزاء :تعاقب المادة 328من قانون العقوبات على جريمة عدم تسليم قاصر قضي في شأن حضانته
بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 500إلى 5.000دج.
أما القانون فإن العقوبة ال تختلف كثيرا على ما هي عليه في قانون العقوبات الجزائري إذ تعاقب المادة 292
من قانون العقوبات المصري مرتكب هذه الجنحة بالحبس لمدة ال تتجاوز السنة أو بغرامة ال تتجاوز 500جنيه
مصري.
ونالحظ هنا أنه في القانون المصري العقوبة اختيارية بين الحبس والغرامة فيمكن للقاضي أن يحكم بأيهما أي
بالحبس فقط أو بالغرامة فقط في حين أن المشرع الجزائري تشدد نسبيا وجعل عقوبتين الحبس والغرامة
إجباريين دون المساس بسلطة القاضي في تطبيق الظروف المخففة ووقف التنفيذ.
أما في القانون الفرنسي فإن العقوبة التي نصت عليها المادة 357من قانون العقوبات الفرنسي تكاد تنطبق مع
مثيلتها في قانون العقوبات الجزائري إذ تعاقب الجاني بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 15إلى
5.000فرنك.
وتجدر اإلشارة في األخير أن كل من المشرع الفرنسي والجزائري قد أوردا نصا يشدد عقوبة الحبس إلى ثالث
سنوات إذا كان الجاني هو األب أو األم الذي أسقطت عنه السلطة األبوية .ويرى األستاذ روني غارو أنه ال
يكفي لكي نطبق هذا التشديد أن يكون األب أو األم قد حرما من حق حضانة الطفل بل يجب أن يكون قد أسقطت
عنه السلطة األبوية وفقا للشروط وأحكام القانون 24/07/1987المعدل في قانوني 05/08/1916و
]133[ 10/11/1921
-نصت المادة 326من قانون العقوبات على ما يلي " :كل من خطف أو أبعد قاصرا لم يكمل الثامنة عشرة
وذلك بغير عنف أو تهديد أو تحايل ،أو شرع في ذلك فيعاقب بالحبس لمدة من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة
من 500إلى 2.000دج.
وإذا تزوجت القاصرة المخطوفة أو المبعدة من خاطفها فال تتخذ إجراءات المتابعة ضد األخير إال بناء على
شكوى األشخاص الذين لهم صفة في إبطال الزواج وال يجوز الحكم عليه إال بعد القضاء بإبطاله"
-باستقرار هذه المادة نستنتج أن هذه الجريمة لقيامها وجب توفر مجموعة من األركان نتطرق إليها في
مطلب أول ،ثم نتناول إجراءات المتابعة والجزاء في مطلب ثاني.
المطلب األول :أركان الجريمة
-قبل التطرق لتبيان أركان الجريمة وجب اإلشارة إلى أن هذه الجريمة ال تشترط أن يتم إبعاد القاصر من
المكان الذي وضع فيه لرعايته كما تقوم الجريمة حتى في حالة مرافقة القاصر للجاني بمحض إرادته ،كما
يشترط لقيام هذه الجريمة صفة القاصر الذي لم يكمل الثامنة عشر من عمره سواء ذكر أو أنثى وعلى كل حال
تتمثل أركان هذه الجريمة في ركنين أساسيين مادي ومعنوي.
-يتحقق الركن المادي لجريمة خطف أو إبعاد قاصر بفعل الخطف أو اإلبعاد بدون عنف أو تهديد أو تحايل.
-يتحقق هذا الفعل بقيام شخص بتحويل اتجاه القاصر كأن يأخذه بعيدا عن أهله فيسافر به إلى أي مكان بعيد
أو قريب عن منزل أهل القاصر ،واإلبعاد هو أن يقوم الجاني بأخذ القاصر إلى مكان بعيد أو قريب و يوريه عن
أنظار أهله ،فعندما ينتظر الجاني تلميذا قرب المدرسة التي يزاول فيها تعليمه ويرغبه في الذهاب معه إلى
منزله أو إلى المنتزه أو أي مدينة أخرى وبصفة عامة إلى مكان غير منزل أهله ،فيكون قد ارتكب جنحة إبعاد
قاصر حسب مفهوم المادة 326من قانون العقوبات.
-كما اشترطت المادة 326أن يكون فعل الخطف أو اإلبعاد بدون استعمال العنف والتهديد أو حيلة أو تحايل،
فإن قام الجاني بإبعاد قاصر أو قاصرة باستعمال أية عبارات تهديد أو شهر وسائل التهديد أو أن يتحايل على
القاصر أو القاصرة بأن يوحي له بأنه سيقدم له هدية ثمينة أو يالقيه مع شخص عزيز عليها أو عليه فإن هذا
الفعل يأخذ وصفا جزائيا آخر ويدخل ضمن التعدي على الحريات الفردية ،ولكن تتحقق جريمة خطف وإبعاد
قاصر عندما يكون ذلك برضا القاصر ،مع العلم أن رضا القاصر ال يعتد به في المادة الجزائية ،فالمهم أن
جريمة خطف أو إبعاد قاصر تتم عندما يطلب منه الجاني مرافقته فيقبل دون أن يقوم الجاني بأية مناورة عنيفة
أو تحايل ]134[ وفي هذا الصدد صدر عن المحكمة العليا غرفة الجنح والمخالفات قرار بتاريخ 05/01/1971
جاء فيه أن الجريمة تقوم في حق من خطف أو أبعد قاصرا حتى ولو كان هذا األخير موافقا على إتباع
خاطفه ،كما جاء في قرار آخر صادر بتاريخ 05/01/1988ملف رقم 49521ما يلي " :تشترط المادة 326
من قانون العقوبات لتطبيقها توافر فعل الخطف أو اإلبعاد بحيث إذا ثبت أن القاصرة تعمدت الهروب من بيت
والديها من تلقاء نفسها دون تدخل المتهم أو تأثير منه انتفت الجريمة".
-ويثور التساؤل بالنسبة لمدة اإلبعاد ،ذلك أنها عنصر ال يستهان به لتحديد الجريمة ،حيث يتفق الفقه
الفرنسي بوجه عام على أن الغياب ليلة واحدة يكفي لقيام الجريمة ويتساءل بشأن السهر في حفلة حتى مطلع
الفجر وفي هذا الصدد قضي في فرنسا بأن االتصاالت الجنسية التي تمت خالل مقابلة دامت ساعتين أو أثناء
نزهة في سيارة ال يشكالن فعل التحويل .
-أما بالنسبة للوسائل المستعملة فإن المادة 326تجرم وتعاقب على فعل الخطف أو اإلبعاد حتى ولو تم
بدون عنف وال تهديد وال تحايل أما إذا تم الخطف أو اإلبعاد بالعنف أو التهديد أو التحايل فإن وصف الجريمة
يتحول من جنحة إلى جناية وتطبق عليه المادة 293مكرر ]135[ وقد صدر عن المحكمة العليا غرفة الجنح
والمخالفات قرار بتاريخ 19/11/1995ملف رقم 126107جاء فيه ما يلي " :ال تشترط الجنحة لقيامها توفر
عنصر اإلكراه بل أنها تشترط أن يتم الفعل بغير عنف أو تهديد أو تحايل باإلضافة إلى توفر ركنين آخرين وهما
أن تكون الضحية قاصر لم تكمل الثامنة عشر وأن يقوم المتهم بإبعادها عن مكان إقامتها أو مكان تواجدها
المعتاد ،ومادامت الضحية في قضية الحال لم تكتمل الثامنة عشر وقد غادرت مسكنها و توجهت رفقة المتهم
إلى مكان بعيد عن بيت أهلها ،فإن الجنحة تكون قائمة األركان" ]136[
-نظرا لكون هذه الجريمة ال تقتضي استعمال العنف أو التحايل فإن بعض الفقهاء الفرنسيين تحدثوا عن
جنحة اإلغواء علما أن اإلغواء فيه تضليل وخداع األمر الذي يجعل التفريق بين اإلغواء والتحايل أمر صعبا.
ورغم ذلك لم يتردد القضاء الفرنسي في اعتبار الخطف باإلغواء خطفا بدون تحايل ،كما قضي في فرنسا
بقيام الجريمة حتى في حالة ما إذا هرب القاصر من منزل والديه والتحق من تلقاء نفسه بالجاني وحتى وإن
كانت أخالقه سيئة.
-جريمة خطف أو إبعاد قاصر جريمة عمدية ،إذ تقتضي لقيامها توفر القصد الجنائي ،أي أن يقوم الجاني
بارتكاب فعله عن علم وإرادة وهو قصد جنائي عام ،ويالحظ أنه ال يشترط توفر قصد جنائي خاص فال يؤخذ
بالباعث إلى ارتكاب الجريمة ،وعليه يجب أن يعلم الجاني أنه يقوم بخطف أو إبعاد قاصر وأن يعلم بأن القاصر
دون الثامن عشرة من عمره ،غير أنه في هذا الشأن قضي في فرنسا بعدم قيام الجريمة في حالة ما إذا ساد
اإلحتمال أن الجاني قد أخطأ في تقديره لسن الضحية معتقدا أنها تجاوزت سن الثامنة عشر ، وبخصوص
القصد الجنائي قرر القضاء المصري أنه يجب توفر القصد الجنائي في جريمة الخطف أن يكون الجاني قد تعمد
قطع صلة المجني عليه بأهله قطعا حديا ،وال إعتداء بالباعث في الحكم على الجريمة من حيث الوجود أو العدم
إذ ال مانع من توفر جريمة الخطف متى استكملت أركانها القانونية ولو كان غرض الجاني اإلعتداء على عرض
الطفل المخطوف.
وجاء في قرار آخر لمحكمة النقض المصرية أن جريمة خطف األطفال إنما يتحقق بتعمد الجاني انتزاع
المخطوف من أيدي ذويه ،الذين لهم حق رعايته وقطع الصلة بهم بإبعاده عن المكان الذي خطف منه وذلك
عن طريق استعمال طرق احتيالية من شأنها التعزيز بالمجني عليه وحمله على مرافقة الجاني أو باستعمال أية
وسائل مادية أو أدبية لسلب إرادته مهما كان غرض الجاني من ذلك.]137[
نتطرق فيما يلي إلى إجراءات المتابعة ثم الجزاء المقرر لهذه الجريمة .
-تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة لتحريك الدعوى العمومية ،إذ ال يشترط القانون أية شكوى
لتحريك الدعوى العمومية ،فاألصل أن تباشر النيابة العامة الدعوى الجزائية فور علمها بارتكاب الجريمة وذلك
طبقا لقواعد القانون العام وتبقي للنيابة العامة سلطة مالئمة المتابعة.
-غير أن المادة 326الفقرة الثانية أوردت حكما خاصا بالضحية األنثى إذ تنص " :إذا تزوجت القاصرة
المخطوفة أو المبعدة من خاطفها فال تتخذ إجراءات المتابعة الجزائية ضد هذا األخير إال بناء على شكوى
األشخاص الذين لهم صفة طلب إبطال الزواج" وأضافت الفقرة نفسها " وال يجوز الحكم عليه إال بعد القضاء
بإبطاله" وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ ،03/01/1995ملف رقم 128928جاء فيه
أنه " :في حالة زواج المختطفة ال تقوم المتابعة إال بعد إبطال الزواج ،ومن ثم فإن قضاة الموضوع الذين
أدانوا المتهم دون مراعاة الزواج الذي أبرمه مع الضحية بحجة أنه سجل في غير حضور ولي الزوجة وحتى
هي نفسها ،قد أساؤا تطبيق القانون"
-وهكذا فإن زواج القاصرة المخطوفة بخاطفها يعتر حاجزا أمام المتابعة القضائية يحول دون معاقبة الجاني
ويستفيد منه الشريك ،ولرفع هذا الحاجز أو القيد يجب توفر شرطين متالزمين هما:
وفي هذا الصدد يتساءل الدكتور أحسن بوسقيعة حول إجراءات إبطال الزواج واألشخاص المؤهلين لطلب ذلك،
إذ يرى أن لهذا الموضوع عالقة وطيدة ببعض فروع القانون المدني وقانون الحالة المدنية وقانون األسرة ،و
بالرجوع ألحكام هذه القوانين نجد أن عقد الزواج يبطل لسببين:
Øيبطل الزواج النعدام األهلية حيث نصت المادة 07من قانون األسرة أنه تكتمل أهلية زواج المرأة بتمام 18
سنة وللقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك لمصلحة أو ضرورة ،ويكون الزواج قبل تمام سن 18سنة وبدون
ترخيص باطال بطالنا مطلقا.
Øيبطل الزواج أيضا لتخلف ركن من أركانه إذا نصت المادة 09من قانون األسرة أن الزواج يتم برضا
الزوجين وحضور شاهدين والصداق وحضور ولي الزوجة كما تضيف المادة 11من القانون أو ولي المرأة هو
الذي يتولى زواجها ،ووليها هو أبوها فأحد األقربين والقاضي ولي من ال ولي له.
-وعليه نستنتج مما سبق أو زواج عديمة األهلية و فاقد التمييز باطل بطالنا مطلقا وال يزول البطالن
باإلجازة ،ومن ثم يرى الدكتور أحسن بوسقيعة أن الفقرة الثانية من المادة 326بدون جدوى في ظل قانون
األسرة ما دام زواج القاصرة دون الشروط السالفة الذكر باطال بطالنا مطلقا.
-وتجدر اإلشارة إلى أن هذه الجريمة جريمة مستمرة ،تستمر مدة الخطف أو اإلبعاد وال يبدأ سريان التقادم
إلى من اليوم الذي ينتهي فيه ذلك الخطف أو اإلبعاد.]138[
ثانيا :الجزاء
تعاقب المادة 326من قانون العقوبات على خطف أو إبعاد قاصر لم يكمل 18سنة بالحبس من سنة إلى خمس
سنوات وبغرامة من 500إلى 2.000دج .
إن كل إنسان في هذه الحياة البد أن يمر بثالث مراحل طبيعية و يعيش حاالت شخصية ،فيولد حيا و عندما
يصل إلى سن معينة يكون أسرة فيرتبط بشخص ثان ارتباطا شرعيا وفق أشكال قانونية فينشأ بينهما ما يسمى
بعقد الزواج و ينتج عن هذا االرتباط بنون و بنات ،و بعد صراع مع الحياة لمدة قد تطول أو تقصر تنشأ حالة
جديدة تسمى الموت ،لذلك نجد أن الكثير من الدول التي شعرت بالحاجة إلى تنظيم هذه الحاالت قد وضعت
قواعد تشريعية لها ،و الجزائر كانت من بين الدول التي اختارت هذا النهج و يبدو ذلك واضحا من القواعد التي
تضمنها قانون الحالة المدنية الصادر عام ،1970حيث وضع قواعد تنظم حالته المدنية و ألزم المواطنين
باحترامها و إال تعرضوا إلى عقوبات عند مخالفتها خاصة تلك المتعلقة بالتصريح بالوالدة و الوفاة و إبرام عقد
الزواج ،كما أن قانون العقوبات الجزائري جرم بعض المخالفات و قرر لها عقوبات معينة ،كما قام بحماية
اللقب العائلي من التعدي عليه و انتحاله من طرف الغير.
-و استنادا إلى هذا العرض فإنه يتضح لنا أن هناك روابط أساسية و متينة بين قانون الحالة المدنية و
قانون العقوبات تتمثل في أن األول جاء ليضع قواعد لتنظيم حاالت األشخاص و الثاني جاء ليدعم هذه القواعد
و يضمن حمايتها ثم ليسلط عقوبات مالية و بدنية على كل من خالفها أو تجاوزها عمدا أو إهماال ،و عليه
سنعكف في دراستنا لهذا الفصل بالتطرق إلى الجرائم الماسة بالحالة المدنية و التي قسمناها إلى أربع جرائم
هي:
-جريمة عدم التصريح لضابط الحالة المدنية.
-لقد جاء األمر 70/20المتعلق بالحالة المدنية في المادة 61منه على أنه" :يصرح بالمواليد خالل 05أيام
من الوالدة إلى ضابط الحالة المدنية للمكان و إال فرضت العقوبات المنصوص عليها في المادة 442الفقرة 03
من قانون العقوبات"
أما المادة 62من نفس األمر فقد نصت" :يصرح بوالدة الطفل األب أو األم و إال فاألطباء القابالت أو أي
شخص آخر حضر الوالدة و عندما تكون األم ولدت خارج مسكنها الشخص الذي ولدت األم عنده" ،و بالرجوع
إلى نص المادة 442/3من قانون العقوبات فإنها تعاقب" :كل من حضر والدة طفل و لم يقدم عنها اإلقرار
المنصوص عليه في القانون في المواعيد المحددة بالحبس من 10أيام إلى شهرين و بغرامة من 100إلى
1000دج أو إحدى هاتين العقوبتين" و يشكل هذا الفعل مخالفة لقيامها يجب توفر شروط و أركان.
يشترط لقيام الجريمة حضور الوالدة و ال يهم إن ولد الطفل حيا أو ميتا ]139[ إذ نستنتج من نص المادة 62
المذكورة أعاله أنه لكي يلزم الشخص بالتصريح بوالدة طفل إلى ضابط الحالة المدنية يجب أن يكون قد حضر
فعال حادثة الوضع و شاهد الوالدة مشاهدة عيان أو ساهم في تسهيلها بنفسه إذ ال يكفي مثال أن يسمع شخص
بوالدة امرأة و لو كانت قريبته حتى يلزم قانونا بالذهاب إلى ضابط الحالة المدنية ليقدم له تصريحا بمن ولدت،
و ال يستثنى من هذه القاعدة إال األب و الشخص الذي وقعت الوالدة في مسكنه و الشخص الذي تكلفه العائلة
بتقديم التصريح فإن هؤالء يبقون خاضعين لحكم اإللزام و يعاقبون إذا لم يقوموا بهذا الواجب رغم عدم
حضورهم الوالدة بأنفسهم]140[
لقيام الركن المادي لهذه الجريمة يجب الحصول فعل االمتناع أو اإلغفال عن التصريح بالميالد من طرف
األشخاص المكلفين بذلك خالل أجل معين.
-Iاألشخاص المكلفين بالتصريح:
بالرجوع لنص المادة 62المذكورة سالفا نجد أن القانون عدد ستة أشخاص ذكر اثنين منهم بصفتهما الشرعية
و اثنين بصفتهما المهنية و اثنين بظروف و حاالت خاصة قد تصادفهما وبذلك ألزمهم وحتم عليهم جميعا و كل
حسب وضعيته أن يصرحوا بالوالدة إلى ضابط الحالة المدنية خالل المهلة المحددة و هم:
* األب و هو أول من ذكر في النص و من ثم فهو المسؤول األول عن عدم التصريح حتى و لو لم يكن قد حضر
الوالدة بنفسه.
* األم تأتي في المقام الثاني بحيث إذا لم يصرح الوالد فعليها أن تصرح.
* األطباء و القابالت على افتراض أن الوالد غائب و الوالدة مريضة فهنا على الطبيب أو القابلة أن تصرح،
فإذا لم تلد في المستشفى فعلى من حضر الوالدة التصريح بذلك.
* الشخص الذي ولدت عنده األم ،فإذا ولدت خارج بيتها يلزم الشخص الذي ولدت عنده بالتصريح بالوالدة.
-إن كل والدة تقع فوق التراب الجزائري أوجب القانون أن تكون محل تصريح إلى ضابط الحالة المدنية الذي
وقعت الوالدة في إقليم بلديته وذلك خالل أجل وضمن مهلة ال تتجاوز 05أيام من اليوم الذي يلي يوم الوالدة و
إذا انقضى هذا األجل من غير أن يقع التصريح بسبس أو بدون سبب فإنه يتعين أال يذهب إلى ضابط الحالة
المدنية و إنما إلى وكيل الجمهورية ليعلن له اسم و تاريخ ميالد المولود الجديد و يقدم له طلبا كتابيا مصحوبا
بالوثائق و األوراق التي تثبت زواجه و نسب هذا المولود إليه و ذلك الستصدار أمر معلن للميالد من طرف
رئيس المحكمة يسمح له بتقييد طفله في سجالت الحالة المدنية ،مع اإلشارة إلى أن أجل خمسة أيام ال تنطبق
على واليتي الساورة و الواحات (بشار ،ورقلة ) و ال إلى المواطنين المهاجرين و المقيمين في البلدان األجنبية
حيث حدد المشرع هذه المهلة بستين ( )60يوما في هذه الحاالت حسب المادة 3/ 61السالفة الذكر ،و سكت
عن المهلة الممنوحة للمهاجرين المقيمين بالخارج .
-و تجدر اإلشارة إلى أن يوم الوالدة ال يدخل ضمن مهلة الخمسة أيام و إذا صادف آخر يوم هذه المهلة يوم
عطلة رسمية فإن هذه المهلة ستمتد إلى أول يوم يلي يوم العطلة الرسمية ،و يمنع ضابط الحالة المدنية من
تلقي أي تصريح و تسجيل أي طفل بعد انقضاء األجل المحدد .
-و في حالة والدة طفل على ظهر باخرة جزائرية لنقل المسافرين أثناء سفر بحري فإنه على قائد هذه
الباخرة أن يحرر وثيقة بذلك استنادا إلى تصريح أب الطفل أو أمه أو أي شخص آخر خالل مدة 05أيام ابتداء
من اليوم الذي وقعت فيه الوالدة.
-و في حالة وقوع الوالدة أثناء فترة توقف السفينة في ميناء أجنبي و لم يكن باإلمكان االتصال بالبر أو لم
يوجد بهذا الميناء موظف دبلوماسي أو قنصل جزائري مكلف بمهام ضابط الحالة المدنية ،فإن القانون يوجب
على قائد السفينة أن يحرر وثيقة الميالد خالل 05أيام من يوم الوالدة بناء على تصريح األب أو األم أو أي
شخص آخر حضر الوالدة.
-و في حالة ما إذا ولد المولود ميتا فال ضرورة للتصريح بوالدته إلى ضابط الحالة المدنية و إنما يسجل في
سجالت الوفيات بناء على طلب والديه بالرغم من أن القانون أغفل النص على مثل هذه الحاالت]141[
-لقد نصت المادة 67/1من األمر 70/20على أنه" :يتعين على كل شخص وجد مولودا حديثا أن يصرح به
إلى ضابط الحالة المدنية التابع لمكان العثور عليه و إذا لم تكن له رغبة بالتكفل بالطفل يجب عليه تسليمه إلى
ضابط الحالة المدنية مع األلبسة األمتعة األخرى الموجودة معه"
-و قد نصت المادة 442فقرة 01و":03يعاقب بالحبس من 10أيام على األقل إلى شهرين على األكثر و
بغرامة من 100إلى 1000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط. "...
..." -كل من حضر والدة طفل و لم يقدم عنه اإلقرار المنصوص عليه في القانون في المواعيد المحددة و كل
من وجد طفل حديث العهد بالوالدة و لم يسلمه إلى ضابط الحالة المدنية كما يوجب ذلك القانون ما لم يوافق
على أن يتكفل به و يقر بذلك أمام جهة البلدية التي عثر على الطفل في دائرتها"...
يتحقق الركن المادي لجريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالوالدة بامتناع كل من وجد طفال حديث العهد
بالوالدة القيام بمايلي :
-إما تسليمه إلى ضابط الحالة المدنية كما يوجب القانون ذلك.
-اإلقرار به أمام جهة البلدية التي عثر على الطفل في دائرتها إذا ما وافق على التكفل به.
إذ يوجب القانون على هذا الشخص أن يدلي بتصريح عن ذلك إلى ضابط الحالة المدنية الذي عثر على الطفل
بدائرة اختصاص بلديته و إذا لم تكن له الرغبة في التكفل به يجب عليه أن يسلمه إلى ضابط الحالة المدنية مع
ما وجد معه من ألبسة و غيرها.
-إن جريمة عدم تسليم طفل حديث العهد بالوالدة تتطلب قصدا جنائيا عاما أي انصراف إرادة الجاني إلى
تحقيق وقائع الجريمة مع علمه بأركانها كما يتطلبها القانون.
نتطرق فيما يلي إلى إجراءات المتابعة ثم إلى الجزاء المقرر لهذه الجريمة.
تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة لتحريك الدعوى العمومية ،إذ يمكن للنيابة القيام بالمتابعة
بمجرد قيام أركان الجريمة ،و ال تخضع ألي قيد يغل يدها عن تحريك الدعوى العمومية.
ثانيا :الجزاء:
-إن جريمة عدم التصريح بالميالد تشكل مخالفة معاقب عليها طبقا لنص المادة 442/3من قانون العقوبات
بالحبس من 10أيام على األقل الى شهرين على األكثر و بغرامة من 100الى 1000دج أو بإحدى هاتين
العقوبتين ،و تطبق نفس العقوبات المقررة في نص المادة 442/3على كل من وجد طفال حديث العهد بالوالدة
و امتنع عن تسليمه إلى ضابط الحالة المدنية أو اإلقرار بذلك أمام جهة البلدية التي عثر على الطفل في دائرتها
إذا ما وافق على التكفل به.
-و تجدر اإلشارة إلى أنه إذا كان المشرع الجزائري قد حدد بنص المادة 61من قانون الحالة المدنية أجل
معين للتصريح بالوالدات و هو 60يوما بالنسبة لواليتي الساورة و الواحات و 05أيام بالنسبة للواليات
األخرى و رتب على عدم التصريح بذلك خالل هذا األجل عقوبة جزائية تطبيقا لنص المادة 442من قانون
العقوبات .
-إال أنه أغفل النص على مثل هذا األجل و العقوبة بالنسبة لعدم التصريح بالزواج لذا نقترح تدخل المشرع من
جديد لسد هذا الفراغ بتسليط عقوبة بدنية و مالية على كل من يمتنع أو يغفل إبرام عقد زواجه أمام الموثق أو
ضابط الحالة المدنية لوضع حد نهائي لعقود الزواج العرفية.
-لقد نصت المادة 321من قانون العقوبات على أنه" :يعاقب بالسجن من 05سنوات إلى 10سنوات كل من
نقل عمدا طفال أو أخفاه أو استبدل طفال آخر به أو قدمه على أنه ولد المرأة لم تضع و ذلك في ظروف من
شأنها أن يتعذر التحقق من شخصيته.
و إذا لم يثبت أن الطفل قد ولد حيا فتكون العقوبة هي الحبس من شهرين إلى 05سنوات.
و إذا ثبت أن الطفل لم يولد حيا فيعاقب بالحبس من شهر إلى شهرين.
غير أنه إذا قدم فعال الولد على أنه و لد المرأة لم تضع حمال بعد تسليم اختياري أو إهمال من والديه فإن
المجرم يتعرض لعقوبة الحبس من شهرين إلى 05سنوات"
-باستقراء هذه المادة نالحظ أنه يتطلب لقيام هذه الجريمة أركان نتطرق إليهم في مطلب أول ثم في مطلب ثان
نتطرق إلجراءات المتابعة و الجزاء.
-تتطلب هذه الجريمة ركنا ماديا و ركنا معنويا نتناولهما فيما يلي:
-طبقا للقواعد العامة يلزم توافر النشاط اإلجرامي الذي يقوم به الجاني لتحقيق النتيجة المعاقب عليها ،إذ
تميز المادة 321بين وضعين:
-Iإخفاء نسب طفل حي :يتعلق األمر بالقاصر غير المميز أي الذي لم يبلغ السادسة عشر طبقا للفقرة الثانية
من المادة 42من القانون المدني و التي نصت على" :ال يكون أهال لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقدا
التمييز لصغر في السن أوعته أو جنون .
إذ نصت الفقرة األولى من المادة " :321يعاقب بالسجن من 05سنوات إلى عشر سنوات كل من نقل عمدا
طفال أو أخفاه أو استبدل طفال أخرا به أو قدمه على أنه ولد المرأة لم تضع و ذلك في ظروف من شأنها أن
يتعذر التحقق من شخصيته"
-يتكون الفعل المنصوص عليه في الفقرة األولى من المادة 321المذكورة أعاله من 04شروط هي:
-نقل طفل و ذلك بإبعاده عم المكان الذي يوجد به و نقله إلى مكان أخر و هذا الفعل قد يشكل جريمة أخرى
تتمثل في تحويل قاصرة.
-إخفاء طفل و ذلك بقيام شخص بخطف طفل و إخفائه و حجبه عن الغير في ظروف يستعصى معها إثبات
حالته المدنية.
-استبدال طفل بآخر و ذلك عندما يوضع طفل مكان طفل الذي ولدته المرأة الحقيقية ،إما من طرف هذه المرأة
أو من طرف الغير أي نعطيه مكانة اآلخر و بالنتيجة حقوق الطفل اآلخر و إن هذا الغش الذي يكن باإلدخال
المادي لطفل في عائلة يكون غريب عنها يشكل جناية و في الواقع يمكن لهذا األخيرة أن تحصل إما عن طريق
إبدال طفل شرعي بآخر أو طفل طبيعي بطفل شرعي و العكس بالعكس.]142[
-تقديم طفل على أنه و لد المرأة لم تضع و ذلك بغية نسبه لهذه األخيرة.
* الشرط الثاني :إثبات أن الوالدة وضعت حملها و أن الطفل و لد حيا و أنه لم يسلم إليها :فعلى الوالدة تقديم
شكوى و أن ثبت بأنها ولدت طفال و أنه ولد حيا.
الشرط الثالث :أن يكون هذا العمل من شأنه أن يعرض نسب الطفل للخطر أي الحيلولة دون التحقق من
شخصيته و األمر هنا يتعلق بالنسب و على هذا األساس ال تقوم هذه الجريمة في حالة التصريح الكاذب للحالة
المدنية بنسب طفل خيالي ،كأن تصرح امرأة أنها ولدت طفال و هي لم تلد أصال ،هنا نكون أمام التصريح
الكاذب أما الجريمة األخرى ال تتحقق]143[
* الشرط الرابع :يجب أن يولد الطفل حيا و قابال للحياة و على النيابة العامة إثبات ذلك و إذا لم تثبت ذلك
فنكون أمام جريمة أخرى هي عدم تسليم جثة طفل ،و ال يشترط أن يكون الطفل حديث العهد بالوالدة ألن المادة
321تحدثت عن الطفل كما ال يهم إن كان الطفل شرعيا أو غير شرعي]144[ .
- IIعدم تسليم جثة طفل :و هو الفعل المنصوص عليه في الفقرتين الثانية و الثالثة من المادة 321من
قانون العقوبات..." :و إذا لم يثبت أن الطفل قد ولد حيا فتكون العقوبة هي الحبس من شهرين إلى خمس
سنوات .
و إذا ثبت أن الطفل لم يولد حيا فيعاقب بالحبس من شهر إلى شهرين " .
و يتعلق األمر هنا بطفل لم يولد حيا أو لم يثبت أنه ولد حيا و ال تقوم الجريمة إال إذا بلغ الجنين 180يوما
(أي 06أشهر) و إال كان الفعل إجهاضا.
و األمر هنا ال يتعلق بحماية نسب الطفل و إنما بشخصية الطفل و يأخذ هذا الفعل صورتين :
* الصورة األولى :إذا لم يثبت أن الطفل قد ولد حيا و هي الصورة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من
المادة 321من قانون العقوبات و في هذه الحالة يكون الطفل قد أخفي .
يشترط القانون كما أسلفنا اإلعالن بالوالدة حتى يتمكن المجتمع من حماية الطفل و تقوم الجريمة بمجرد إخفاء
جسم الطفل و ال يهم إن دل الجاني فيما بعد عن مكان إخفاء الجثة ،و بوجه عام تقوم الجريمة في هذه
الصورة إذا لم تثبت النيابة أن الطفل قد ولد حيا.
الصورة الثانية :إذا ثبت أن الطفل لم يولد حيّا و هي الصورة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة
321من قانون العقوبات ،تقوم الجريمة في هذه الصورة إذا أثبت الجاني أن الطفل قد ولد ميتا]145[ .
-تقتضي هذه الجريمة بصورتيها قصدا جنائيا و هو انصراف إرادة الجاني إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم
بأركانها كما يتطلبها القانون ،فالقصد الجنائي في هذه الجريمة هو الحيلولة دون التحقق من شخصية الطفل.
-تتم المتابعة في هذه الجريمة دون قيد أو شرط وللنيابة العامة القيام بإجراءات المتابعة بمجرد توافر عناصر
و أركان الجريمة.
ثانيا :الجزاء:
üكون جناية في حالة إخفاء نسب طفل حي و هي الحالة المنصوص و المعاقب عليها في الفقرة األولى من
المادة 321من قانون العقوبات بالسجن من 05إلى 10سنوات .
غير أن هذه الجريمة تتحول إلى جنحة في صورة تقديم طفل على أنه ولد المرأة لم تضع حمال ،و تكون
العقوبة في هذه الحالة الحبس من شهرين الى 05سنوات طبقا للفقرة الرابعة من المادة .321
üتكون جنحة إذا لم يثبت أن الطفل ولد حيا ،و هي الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 321
من قانون العقوبات ،عقوبتها الحبس من شهرين إلى خمس سنوات
üتكون مخالفة إذا ثبت أن الطفل لم يولد حيا و هي الخالة المنصوص و المعاقب عليها بنص المادة 321/3
من قانون العقوبات بالحبس من شهر إلى شهرين.
و ينتج عن تنظيم هذا التدرج في العقوبة أن النيابة العامة في حالة إخفاء نسب طفل حي عليها إثبات أن
الطفل قد عاش إذا ما أرادت أن تتابع الفاعل بنص الفقرة األولى من المادة 321و للمتهم هذا إثبات أن الطفل
لم يعش إذا ما أراد أن يخضع للعقوبة األخرى المنخفضة و إذا لم يثبت إحدى هاتين الحالتين تكون في حالة
الشك حول حياة الطفل المخفي.
يتمثل في انتحال اسم عائلة خالفا السمه في محرر رسمي أو عمومي في وثيقة إدارية معدة لتقديمها للسلطة
العمومية بغير حق لذا فإن قيام الجريمة انتحال اسم الغير يستلزم عددا من العناصر يتطلب القانون توافرها و
تخلف أحد العناصر يؤدي إلى عدم قيام هذه الجريمة لذا يجب التحدث عن كل عنصر وفقا للترتيب التالي:
هو العنصر األساسي األول الذي يتطلب القانون توفره و يتمثل في انتحال شخص لقب عائلة غير عائلته و كأنه
لقبه الحقيقي بقصد التهرب من المسئولية الجزائية أو الحصول على منفعة أو أي غرض أخر.
و هو أن يقع الفعل المادي لالنتحال على وثيقة عمومية أو رسمية أو وثيقة إدارية معدة لتقديمها إلى السلطة
العامة ذلك ألن وقوع انتحال اللقب على وثيقة عادية أو عرفية ال تقبلها السلطات اإلدارية و إن كان يمكن أن
تشكل جريمة أخرى في قانون العقوبات إال أنه ال يشكل الجريمة المذكورة في المادة 247من قانون العقوبات.
و يتمثل في استيالء شخص على لقب الغير أو انتحاله لنفسه دون أي حق أو مبرر شرعي أو قانوني ،و يكون
استعمال لقب الغير استعمال شرعي و مبرر في حالة االستعمال عن طريق الصدفة حيث يمكن أن يحمل أفراد
عائلتين أو أكثر لقب عائلي واحد دون قصد االنتحال.
-إن جريمة انتحال لقب الغير هي جريمة عمدية تتطلب قصد جنائي عام يتمثل في انصراف إرادة الجاني إلى
إتيان الفعل مع علمه بأن ذلك معاقب عليه قانونا.
و عليه فإذا توفرت عناصر انتحال اللقب أو االعتداء المادي عليه و كان محل االعتداء محرر عمومي أو
رسمي أو وثيقة إدارية معدة لتقديمها إلى السلطات العمومية دون أي حق و دون أي مبرر قانوني باإلضافة
إلى القصد الجنائي فان هذا التصرف يشكل اعتداء على نظام األسرة و تكون الجريمة قد استوفت عناصرها و
أن الفاعل يستحق العقاب.
تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة للتحريك الدعوى العمومية إذ يمكن للنيابة العامة القيام
بإجراءات المتابعة بمجرد قيام أركان الجريمة و ال تخضع ألي قيد يغل يدها عن تحريك الدعوى العمومية.
ثانيا :الجزاء:
-جريمة انتحال اسم الغير هي جنحة معاقب عليها طبقا لنص المادة 247من قانون العقوبات بغرامة من
500إلى 5000دج.
-إن الدفتر العائلي هو مستند رسمي أنشئ بموجب نص تشريعي لجمع وثائق أفراد األسرة المتعلقة بحالتهم
المدنية ،و إن لرئيس األسرة الذي يكون غالبا هو الزوج مهمة صيانته و حفظه و تدرج في الدفتر العائلي كل
البيانات المثبتة للحاالت التي تطرأ على الحالة المدنية ألفراد األسرة و إذا طرأت حالة معينة على حالة أحد
أفراد األسرة وجب على رب األسرة أن يدرج بيانا بذلك في الدفتر العائلي عن طريق ضابط الحالة المدنية و إذا
تعمد أو تهاون عن ذلك فإنه سيتعرض للمتابعة الجزائية بتهمة ارتكاب جريمة استعمال وثائق إدارية يعلم أن
البيانات المدونة فيها أصبحت غير صحيحة و يمكن أن يحكم عليه بعقوبة مالية و بدنية تطبيقا لنص المواد
222أو 228حسب األحوال.
لقد نصت المادة 117من قانون الحالة المدنية على أنه " :يتعين على ضابط الحالة المدنية الذي يتلقى أو
يسجل عقدا أو حكما قضائيا يجب نقله أو بيانه في الدفتر العائلي أن يطلب من المصرح أو الشخص المكلف
بعملية التسجيل تقديم هذا الدفتر قصد استكمال القيد فيه حاال .
و إذا لم يتمكن من تقديم الدفتر يقوم على األقل بتحرير العقد أو التسجيل أو البيان و عندئذ يلفت ضابط الحالة
المدنية نظر رب العائلة للعقوبات التي يتعرض لها تطبيقا للمادة 67من قانون العقوبات بكتابة و استعمال
بطاقات الحالة المدنية المعدة باالستناد لدفتر غير تام أو غير صحيح " .
و قد نصت المادة 212من قانون العقوبات على أنه" :كل من قلد أو زور أو زيف رخصا أو شهادات أو كتابات
أو بطاقات أو نشرات أو إيصاالت أو جوازات سفر أو أوامر خدمة أو وثائق سفر أو تصاريح مرور أو غيرها
من الوثائق التي تصدرها اإلدارات العمومية بغرض إثبات حق أو شخصية أو صفة أو منح إذن يعاقب بالحبس
من ستة أشهر إلى ثالثة سنوات و بغرامة من 1500 دج إلى 15000دج.
و يجوز عالوة على ذلك أن يحكم على الحاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14من
سنة على األقل إلى خمس سنوات على األكثر و يعاقب على الشروع بمثل ما يعاقب به على الجريمة التامة
تطبق العقوبة ذاتها على:
* من استعمل إحدى الوثائق المشار إليها في الفترة 01مع علمه أن البيانات المدونة بها أصبحت غير كاملة
أو غير صحيحة"
و عليه و من خالل ما سبق سنتعرض إلى أركان الجريمة ثم إجراءات المتابعة و الجزاء كما يلي:
-تتكون جريمة استعمال وثائق غير تامة من ركنين أساسيين مادي و معنوي نتطرق إليها تبعا:
إن استعمال الدفتر العائلي بشكل غير تام أو غير صحيح يشكل اعتداء على نظام األسرة و يعرض رب األسرة
إلى المتابعة الجزائية و لهذا فإذا حصل أن مات للزوجين طفل كان مسجال في الدفتر العائلي ،و أهمل تدوين
بيان وفاته فيه وواصل استعماله و كأن الطفل لم يمت فإن عنصر النقص في الوثيقة يكون قد تحقق.
-يتمـثل هذا العنصر في استعمال الدفتر العـائلي أو استخراج وثائـق عنه ،و تقديمه أو تقديم تلك الوثائق إلى
الجهة اإلدارية بقصد الحصول على فوائد أو منافع قانونية أو غير قانونية و يتحقق هذا العنصر بمجرد عرض
الدفتر العائلي على الجهة المعنية أو بمجرد استخراج نسخ لوثائق الحالة المدنية منه ،و استغاللها سواء
لمصلحته الشخصية أو لمصلحة أحد أفراد أسرته.
-إن جريمة استعمال وثيقة غير تامة جريمة عمدية تستلزم انصراف إرادة الجاني إلى استعمال وثائق ناقصة
أو غير تامة أو غير صحيحة أو تقديمها إلى الجهات اإلدارية المعنية بقصد استعمالها مع علمه بالنقص أو
بعدم صحة ما يتضمنه الدفتر العائلي أو معرفة رب األسرة أو مستعمل الدفتر العائلي أن بيانا من البيانات
الواجب إدراجها فيه غير مدرج بسبب إهماله أو تهاونه ،و ال سيما إذا كان قد وقع تنبيهه إلى مثل هذا النقص
من طرف ضابط الحالة المدنية و لم يكترث إذ أن ثبوت التنبيه كاف وحده إلثبات علم المتهم بالنقص الموجود
بالوثيقة.
-تخضع المتابعة في هذه الجريمة للقواعد العامة لتحريك الدعوى العمومية إذ يمكن للنيابة العامة القيام
باجراءات المتابعة بمجرد قيام أركان الجريمة و ال تخضع ألي قيد يغل يدها عن تحريك الدعوى العمومية.
ثانيا :الجزاء:
-إن جريمة استعمال وثائق غير تامة هي جنحة معاقب عليها بالحبس من 06أشهر إلى ثالثة سنوات و
بغرامة من 1500إلى 15000دج تطبيقا لنص المادة 222/1من قانون العقوبات .
خـاتمـة
من خالل دراستنا وتحليلنا للنصوص الجزائية الخاصة بالجرائم الواقعة على األسرة الواردة في قانون
العقوبات وكذا إطالعنا على التطبيقات القضائية لهذه النصوص في األحكام والقرارات القضائية ،حرص كل
من المشرع والسلطة القضائية على حماية كيان األسرة من كل اعتداء يؤدي إلى تفككه وانحالله إال أن الجرائم
الواقعة على األسرة تبقى من الجرائم الشائعة في جداول المحاكم والمجالس القضائية خاصة جرائم اإلهمال
العائلي التي تحتل الصدارة سيما المتعلقة بعدم دفع النفقة المحكوم بها قضائيا والتي حصرها المشرع في نص
المادة 331من قانون العقوبات في النفقة الغذائية في حين أن النفقة بمفهوم قانون األسرة تشمل الغذاء
والكسوة والمسكن ،وعلى المشرع تدارك هذا النقص والمطابقة بين النصوص القانونية إذ غالبا ما يلجأ إلى
هذا النقص للتحايل على أحكام المادة 331من قانون العقوبات ،وفي المقابل الحظنا ضرورة تقييد المتابعة في
هذه الجنحة بشكوى المضرور إذا أن نسبة كبيرة من المتابعات تتخللها مصالحة بين الضحية والمتهم بعد دفع
المبالغ المحكوم بها وسحب الشكوى من شأنه أن يضع حد للمتابعة األمر الذي ال يمكن في ظل النص الحالي
وهذا حفاظا على العالقات األسرية.
أما فيما يتعلق بالجرائم األخالقية فإنها شهدت تزايد مذهل نظرا لالنحالل الخلقي الذي يعيشه المجتمع فإن ما
يمكن مالحظته في التشريع الجزائري أنه إباحي مقارنة باألحكام التي قررتها الشريعة اإلسالمية السمحاء ،إذ
تبنى سياسة إجرامية لدول غربية جعل جريمة الزنا اعتداء على العالقات الزوجية فحسب وعليه حصر عذر
االستفزاز في أحد الزوجين الذي يصادف الزوج اآلخر متلبسا في جريمة الزنا دون غيرهم من األقارب كاألب
أو االبن أو األخ وهذا ما يتعارض مع القيم االجتماعية التي ينبغي أن تكون فلسفة المشرع مطابقة لها.
أما الجرائم الماسة بالطفولة فإن جرائم اإلجهاض وقتل طفل حديث العهد بالوالدة تبقى من الجرائم التي ترتكب
في الخفاء وال يتم الكشف عنها إال بصعوبة كون الباعث من ارتكابها هو اجتناب العار ،أما جريمة عدم تسليم
الطفل مخالفة لحكم قضائي في أحد الجرائم الشائعة إذ غالبا ما يحاول أحد األبوين مخالفة الحكم القاضي بإسناد
الحضانة أو مواقيت الزيارة في حين الجرائم المتعلقة بالحالة المدنية فهي في تقلص مستمر.
وما يمكن استخالصه أيضا بصدد تحليلنا لنصوص قانون العقوبات أن المشرع لم يكتف بتجريم األفعال الماسة
بالكيان األسري تجريما خاصا وإنما رتب على قيام الرابطة األسرية في بعض الجرائم العامة التي ال تتعلق
باألسرة فحسب آثار من حيث التجريم والمتابعة والعقاب وذلك حفاظا على الكيان األسري وتماسكه.
فقد تكون الرابطة األسرية كسبب لتشديد العقاب كما في جريمة القتل إذا وقفت على أحد األصول المادة 258
قانون العقوبات وكذا جرائم أعمال العنف العمدية الواقعة بين األصول والفروع المواد 272 ،269 ،267من
قانون العقوبات كما قد تكون الرابطة األسرية كسبب لإلعفاء من العقاب إذ أجازت الفقرة األخيرة من المادة
91من قانون العقوبات للقاضي إعفاء األقارب و األصهار إلى الدرجة الثالثة من العقوبة المقررة لجريمة
عدم التبليغ عن جرائم الخيانة والتجسس وغيرها من النشاطات التي يكون من طبيعتها اإلضرار بالدفاع
الوطني.
وتكون الرابطة األسرية كسبب إلباحة الفعل في جرائم السرقة والنصب وخيانة األمانة المرتكبة بين األصول
والفروع واألزواج كما هو مقرر في المواد377،373،368من قانون العقوبات.
وأخيرا تكون الرابطة األسرية كسبب لتطلب الشكوى في جرائم السرقة والنصب وخيانة األمانة التي تقع بين
األقارب واألصهار والحواشي إلى الدرجة الرابعة إذ ال يجوز اتخاذ إجراءات المتابعة إال بناءا على شكوى
المضرور وأن التنازل عنها يضع حدا لهذه اإلجراءات كما هو منصوص عليه في المواد .377،373،369من
قانون العقوبات.
و ما يمكن قوله في األخير هو اتخاذ المشرع الجزائري سياسة جنائية محكمة فمن جهة ساهمت النصوص
العقابية الردعية في حماية األسرة من األفعال الماسة بسالمتها و أمنها ،و من جهة أخرى حاول المشرع
المحافظة على تماسك األسرة من خالل إفراد إجراءات خاصة لتحريك الدعوى العمومية .
-هذه هي أهم المالحظات والخالصات التي توصلنا إليها من خالل هذا البحث آملين أن نكون قد أحطنا بجوانب
الموضوع وذلك بالقدر المستطاع.