You are on page 1of 9

‫الفرق بني الكرامة واإلستدراج ـ موقف الصحابة من الكرامات‬

‫كثر تساؤل الناس يف هذا الزمان عن الكرامات ؛ هل هي ثابتة يف الشرع ؟ هل هلا دليل من الكتاب والسنة ؟ ما‬
‫هي احلكمة من ِإجرائها على يد األولياء واملتقني ؟ ‪ِ ..‬إخل‪ .‬ومبا أن موجات اِإل حلاد واملادية‪ ،‬وتيارات التشكيك‬
‫والتضليل قد كثرت يف هذا الوقت‪ ،‬فأثرت يف عقول كثري من أبنائنا‪ ،‬وأضلَّت العديد من مثقفينا‪ ،‬ومحلتهم على‬
‫املرتدد‪ ،‬أو املستغرب املتعجب نتيجة لضعف ِإمياهنم باهلل‬ ‫الوقوف من الكرامات موقف املنكر اجلاحد‪ ،‬أو ِّ‬
‫الشاك ِّ‬
‫وقدرته وقلة تصديقهم بأوليائه وأحبابه‪.‬‬
‫فال يسعنا ِإال أن نعاجل هذا املوضوع ِإظهاراً للحق‪ ،‬ونصرة لشريعة اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ِإثبات الكرامات‬
‫لقد ثبتت كرامات األولياء يف كتاب اهلل تعاىل ويف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم ويف آثار الصحابة رضوان اهلل‬
‫ِ‬
‫العلماء من أهل السنة واجلماعة‪ ،‬من الفقهاء واحملدِّثني‬ ‫وم ْن بعدهم ِإىل يومنا هذا‪ ،‬وأقرها مجهور‬
‫عليهم‪َ ،‬‬
‫واألصوليني ومشايخ الصوفية‪ ،‬وتصاني ُفهم ناطقة بذلك‪ ،‬كما ثبتت كذلك باملشاهدة العيانية يف خمتلف العصور‬
‫اِإل سالمية‪ .‬فهي ثابتة بالتواتر يف املعىن‪ ،‬وِإن كانت التفاصيل آحاداً ؛ ومل ينكرها ِإال أهل البدع واالحنراف ممن‬
‫ضعف ِإمياهنم باهلل تعاىل وبصفاته وأفعاله [قال العالمة اليافعي رمحه اهلل تعاىل‪( :‬والناس يف ِإنكار الكرامات‬
‫خمتلفون‪ ،‬فمنهم من ينكر كرامات األولياء مطلقاً‪ ،‬وهؤالء أهل مذهب معروف‪،‬ـ عن التوفيق مصروف‪ .‬ومنهم من‬
‫يكذب بكرامات أولياء زمانه ويصدق بكرامات األولياء الذين ليسوا يف زمانه كمعروف الكرخي واِإل مام اجلنيد‬
‫وسهل التسرتي وأشباههم رضي اهلل عنهم‪ ،‬فهؤالء كما قال أبو احلسن الشاذيل رضي اهلل عنه‪ :‬واهلل ما هي ِإال‬
‫ِإسرائيلية‪ ،‬صدقوا مبوسى وكذبوا مبحمد صلى اهلل عليه وسلم ألهنم أدركوا زمنه‪ .‬ومنهم من يصدق بأن هلل تعاىل‬
‫أولياء هلم كرامات ولكن ال يصدق بأحد معنَّي ٍ من أهل زمانه)‪ .‬روض الرياحني‪ ،‬لِإل مام اليافعي ص‪.]18‬‬

‫الدليل عليها من كتاب اهلل تعاىل‬


‫‪ 1‬ـ قصة أصحاب الكهف وبقائهم يف النوم أحياء ساملني عن اآلفات مدة ثالمثائة وتسع سنني‪ ،‬وأنه تعاىل كان‬
‫ِ‬
‫ذات‬
‫ض ُهم َ‬‫ت تق ِر ُ‬
‫ني وإذا َغَربَ ْ‬ ‫عن كهف ِهم َ‬
‫ذات اليم ِ‬ ‫زاو ُر ْ‬
‫ت تَ َ‬
‫الشمس إذا طَلَ َع ْ‬
‫َ‬ ‫حيفظهم من حر الشمس‪ :‬وتَرى‬
‫قود ونُقلُِّب ُهم ذات اليمني وذات الشمال وك ْلُب ُهم‬‫وه ْم ُر ٌ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫وحتسُب ُهم أيقاظاَ ُ‬
‫الشمال [الكهف‪ .]17 :‬ىل أن قال‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫ثالمثئة سنني وازدادوا تسعاً [الكهف‪]25 :‬‬ ‫بالوصيد [الكهف‪ِ .]18 :‬إىل أن قال‪ :‬ولَبِثوا يف َك ْه ِف ِهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذراعيه‬ ‫ط‬ ‫ِ‬
‫باس ٌ‬
‫[قال اِإل مام فخر الدين الرازي رمحه اهلل تعاىل يف تفسريه الكبري عند قصة أصحاب الكهف‪( :‬احتج أصحابنا‬
‫الصوفية هبذه اآلية على صحة القول بالكرامات وهو استدالل ظاهر‪ ،‬فنقول‪ :‬الذي يدل على جواز كرامات‬
‫األولياء القرآن واألخبار واآلثار واملعقول‪)..‬ـ انظره مفصالً يف التفسري الكبري للعالمة فخر الدين الرازي ج‪ 5‬ص‬
‫‪.]682‬‬
‫الرطَب اجلين يف غري أوانه‪ ،‬قال تعاىل‪ :‬وهِّزي ِ‬
‫إليك جب ْذ ِع‬ ‫ُ‬ ‫فاخضر وتساقط منه ُّ ُ‬
‫َّ‬ ‫جذع النخلة اليابس‪،‬‬‫هز مرمي َ‬ ‫‪2‬ـ ُّ‬
‫َّخلَ ِة تُساقِ ْط ِ‬
‫عليك ُرطَباً جنيّاً [مرمي‪.]25 :‬‬ ‫الن ْ‬
‫‪ 3‬ـ ما قص اهلل علينا يف القرآن‪ ،‬من أن زكريا عليه السالم كان كلما دخل على مرمي احملراب‪ ،‬وجد عندها رزقاً‪،‬‬
‫وكان ال يدخل عليها أحد غريه عليه السالم فيقول‪ :‬يا مرمي أىَّن لك هذا ؟ تقول‪ :‬هو من عند اهلل‪ .‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫لك هذا قالَت هو ِمن ِ‬
‫عند ِ‬ ‫عندها ِر ْزقاً قال يا مرمي أىَّن ِ‬
‫اهلل [آل عمران‪:‬‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫احملراب َو َج َد َ‬
‫َ‬ ‫كلَّما َ‬
‫دخ َل عليها زكريا‬
‫‪.]37‬‬
‫قال الذي ِعْن َدهُ ِع ْل ٌم‬
‫‪4‬ـ قصة آصف بن برخيا مع سليمان عليه السالم على ما قاله مجهور املفسرين يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ك [النمل‪ .]40 :‬فجاء بعرش بلقيس من اليمن ِإىل فلسطني قبل‬ ‫آتيك ِبه ْقب َل أ ْن يرتَ َّد َ‬
‫إليك طرفُ َ‬ ‫تاب أنا َ‬ ‫ِمن ِ‬
‫الك ِ‬
‫َ‬
‫ارتداد الطرف‪.‬‬

‫الدليل عليها من السنة الصحيحة‬


‫‪1‬ـ قصة ُجَريْ ٍج العابد الذي كلمه الطفل يف املهد‪ .‬وهو حديث صحيح أخرجاه يف الصحيحني [عن أيب هريرة‬
‫رضي اهلل عنه عن النيب قال‪ :‬مل يتكلم يف املهد ِإال ثالثة‪ :‬عيسى‪ ،‬وكان يف بين ِإسرائيل رجل يقال له ُجَريْج‪ ،‬كان‬
‫فدعته‪ ،‬فقال‪ُ :‬أجيبُها ْأو أصلي ؟ فقالت‪ :‬اللهم ال ْمتته حىت تريه وجوه املومسات‪ .‬وكان جريج‬
‫يصلي فجاءته أمه‪ْ ،‬‬
‫فتعرضت له امرأة وكلمته ؛ فأىب‪ .‬فأتت راعياً‪ ،‬فأمكنته من نفسها‪ ،‬فولدت غالماً‪ ،‬فقالت‪ :‬من جريج‪.‬‬
‫يف صومعته ّ‬
‫فأتوه فكسروا صومعته‪ ،‬وأنزلوه وسبّوه‪ ،‬فتوضأ وصلّى‪ ،‬مث أتى الغالم ؛ فقال‪َ :‬من أبوك يا غالم ؟ فقال‪ :‬الراعي‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬نبين صومعتك من ذهب ؟ قال‪ :‬ال‪ِ ،‬إال من طني‪...‬ـ‬
‫‪2‬ـ قصة الغالم الذي تكلم يف املهد وهذا متام احلديث املذكور آنفاً‪.." :‬ـ وكانت امرأة ترضع ابناً هلا من بين‬
‫ِإسرائيل‪ ،‬فمر هبا رجل راكب ذو شارة‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬اللهم اجعل ابين مثله‪ ،‬فرتك ثديها وأقبل على الراكب‪.‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم ال جتعلين مثله‪ ،‬مث أقبل على ثديها ميصه"‪.‬‬
‫بأمة‪ ،‬فقالت‪ :‬اللهم ال جتعل ابين مثل هذه‪ ،‬فرتك ثديها‪،‬‬
‫مر َ‬‫قال أبو هريرة‪ :‬كأين أنظر ِإىل النيب ميص ِإصبعه‪.‬ـ "مث َّ‬
‫األمة يقولون‪ :‬سرقت‪ ،‬زنت‪،‬‬ ‫مِل‬
‫فقال‪ :‬اللهم اجعلين مثلها‪ .‬فقالت‪ َ :‬ذاك ؟ فقال‪ :‬الراكب جبار من اجلبابرة‪ ،‬وهذه َ‬
‫ومل تفعل"‪ .‬رواه البخاري يف صحيحه يف كتاب ذكر بين ِإسرائيل‪ ،‬واللفظ له‪ .‬ومسلم يف كتاب بر الوالدين‪.‬‬
‫َّت عليهم الباب‪ .‬وهو حديث متفق عليه‬
‫‪3‬ـ قصة الثالثة الذين دخلوا الغار‪ ،‬وانفراج الصخرة عنهم بعد أن َسد ْ‬
‫[وعن أيب عبد الرمحن عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنهما قال‪ :‬مسعت رسول اهلل يقول‪ :‬انطلق ثالثة‬
‫رهط ممن كان قبلكم‪ ،‬حىت أووا املبيت ِإىل غار‪ ،‬فدخلوه‪ ،‬فاحندرت صخرة من اجلبل‪ ،‬فسدت عليهم الغار‪،‬‬
‫فقالوا‪ِ :‬إنه ال ينجيكم من هذه الصخرة ِإال أن تدعوا اهلل بصاحل أعمالكم‪،‬‬
‫فقال رجل منهم‪ :‬اللهم كان يل أبوان شيخان كبريان‪ ،‬وكنت ال أغبِق قبلهما أهالً وال ماالً‪ ،‬فنأى يب يف طلب‬
‫ت هلما غبُوقهما‪ ،‬فوجدهتما نائمني‪ ،‬فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق‬
‫فحلب ُ‬
‫شيء يوماً‪ ،‬فلم أرح عليهما حىت ناما‪ْ ،‬‬
‫ت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حىت ب ِر َق الفجر‪ ،‬فاستيقظا‪ ،‬فشربا غبوقهما‪.‬‬
‫قبلهما أهالً أو ماالً‪ ،‬فلبثْ ُ‬
‫اللهم ِإن ُ‬
‫كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك َف َفِّرج عنا ما حنن فيه من هذه الصخرة‪ .‬فانفرجت شيئاً ال يستطيعون‬
‫اخلروج‪.‬‬
‫بنت عم‪ ،‬كانت أحب الناس ِإيل‪ ،‬فأردهتا على نفسها‪ ،‬فامتنعت مين‪:‬‬
‫قال النيب ‪ :‬وقال اآلخر‪ :‬اللهم ِإنه كانت يل ُ‬
‫ففعلت‪ ،‬حىت‬
‫ْ‬ ‫ت هبا سنة من السنني فجاءتين‪ ،‬فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن ختلي بيين وبني نفسها‪،‬‬‫حىت أملَّ ْ‬
‫ت عنها وهي‬ ‫ت من الوقوع عليها فانصرفْ ُ‬ ‫تفض اخلامت ِإال حبقه‪َّ ،‬‬
‫فتحر ْج ُ‬ ‫قدرت عليها قالت‪ :‬ال أحل لك أن َّ‬
‫ُ‬ ‫ِإذا‬

‫أحب الناس ِإيل‪ ،‬وتركت الذهب الذي أعطيتها‪ .‬اللهم ِإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ْ‬
‫فافرج عنا ما حنن فيه‪،‬‬
‫فانفرجت الصخرة‪ ،‬غري أهنم ال يستطيعون اخلروج منها‪.‬‬
‫رت‬
‫فثم ُ‬
‫وذهب‪،‬ـ َّ‬
‫َ‬ ‫قال النيب ‪ :‬وقال الثالث‪ :‬اللهم استأجرت أجراء‪ ،‬فأعطيتهم أجرهم غري رجل واحد ترك الذي له‬
‫كل ما ترى من‬
‫يل أجري‪ ،‬فقلت له‪ُّ :‬‬‫أجره‪ ،‬حىت كثرت منه األموال‪ ،‬فجاءين بعد حني‪ ،‬فقال‪ :‬يا عبد اهلل! ِّأد ِإ َّ‬
‫َ‬
‫أجرك من اِإل بل والبقر والغنم والرقيق فقال‪ :‬يا عبد اهلل‪ :‬ال تستهزىء يب‪ .‬فقلت‪ِ :‬إين ال أستهزىء بك‪ .‬فأخذه‬
‫فافرج عنا ما حنن فيه‪ .‬فانفرجت‬
‫ْ‬ ‫فعلت ذلك ابتغاء وجهك‬
‫كنت ُ‬‫كله‪ ،‬فاستاقه‪ ،‬فلم يرتك منه شيئاً‪ .‬اللهم فِإن ُ‬
‫الصخرة‪ ،‬فخرجوا ميشون‪ .‬أخرجه البخاري يف صحيحه يف كتاب اِإل جارة واللفظ له‪ ،‬ومسلم يف كتاب الذكر‪.‬‬
‫‪4‬ـ قصة البقرة اليت كلمت صاحبها‪ .‬وهو حديث صحيح مشهور روى سعيد بن املسيب عن أيب هريرة رضي اهلل‬
‫عنه عن النيب ‪:‬بينما رجل راكب على بقرة قد محل عليها‪ ،‬فالتفتت ِإليه البقرة فقالت‪ِ :‬إين مل ُأخلَق هلذا‪ ،‬وِإمنا‬
‫خلقت للحرث‪،‬‬
‫فقال الناس‪ :‬سبحان اهلل بقرة تتكلم!‬
‫ت هبذا أنا وأبو بكر وعمر‪ .‬رواه البخاري يف صحيحه يف كتاب املزارعة‪ ،‬ومسلم يف كتاب‬
‫فقال النيب ‪ :‬آمْن ُ‬
‫فضائل الصحابة‪ ،‬والرتمذي يف كتاب املناقب‪.‬‬

‫الدليل عليها من آثار الصحابة‬


‫وقد نُِقل عنهم من الكرامات الشيء الكثري‪.‬‬
‫أكثر مما كان‪ .‬وهو حديث‬
‫‪1‬ـ قصة أيب بكر رضي اهلل عنه مع أضيافه يف تكثري الطعام‪ ،‬حىت صار بعد األكل َ‬
‫صحيح يف البخاري [أخرج البخاري‪ :‬أن أبا بكر كان عنده أضياف‪ ،‬فقدم هلم الطعام فلما أكلوا منه ربا من‬
‫أسفله حىت ِإذا شبعوا قال المرأته‪( :‬ياأخت بين فراس ما هذا ؟ قالت‪ :‬وقرة عيين هلي [تعين القصعة] أكثر منها قبل‬
‫أن يأكلوا‪ِ ..‬إىل آخر القصة]‪.‬‬
‫‪2‬ـ قصة عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬وهو على منرب املدينة ينادي بقائده‪ :‬يا سارية اجلبل! وهو حديث حسن [انظر‬
‫احلديث ص ‪.]344‬‬
‫‪3‬ـ قصة عثمان رضي اهلل عنه مع الرجل الذي دخل عليه‪ ،‬فأخربه عما أحدث يف طريقه من نظره ِإىل املرأة‬
‫كالم املوتى‪ .‬كما أخرجه‬
‫األجنبية‪ .‬احلديث [انظر احلديث ص ‪4 .]346‬ـ مساع علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه َ‬
‫البيهقي [أخرج البيهقي عن سعيد بن املسيب قال‪( :‬دخلنا مقابر املدينة مع علي رضي اهلل عنه‪ ،‬فنادى‪ :‬يا أهل‬
‫القبور السالم عليكم ورمحة اهلل‪ ،‬ختربونا بأخباركم أم خنربكم ؟ قال‪ :‬فسمعنا صوتاً‪ :‬وعليكم السالم ورمحة اهلل‬
‫وبركاته يا أمري املؤمنني خرِّب نا عما كان بعدنا‪ .‬فقال علي‪ :‬أما أزواجكم فقد تزوجن‪ ،‬وأما أموالكم فقد اقتُسمت‪،‬‬
‫واألوالد قد ُح ِشروا يف زمرة اليتامى‪ ،‬والبناء الذي شي ْدمت فقد سكنه أعداؤكم‪ ،‬فهذه أخبار ما عندنا‪ ،‬فما أخبار ما‬
‫اجللود‪ ،‬وسالت األحداق على اخلدود‪،‬‬
‫َ‬ ‫خترقت األكفان‪ ،‬وانتثرت الشعور‪ ،‬وتقطعت‬
‫عندكم ؟ فأجابه ميت‪ :‬قد َّ‬
‫وسالت املناخر بالقيح والصديد‪ ،‬وما قدَّمناه وجدناه وما خلَّفناه خسرناه‪ ،‬وحنن ُم ْرهَت نون)]‪5 .‬ـ قصة عبَّاد بن بشر‬
‫أضاءت هَل َما عصا أحدمها عندما خرجا من عند رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫ْ‬ ‫وأسيد بن حضري رضي اهلل عنهما اللذيْن‬
‫وسلم يف ليلة مظلمة‪ .‬وهو حديث صحيح أخرجه البخاري [أخرج احلاكم يف كتاب معرفة الصحابة وصححه‬
‫والبيهقي وأبو نعيم وابن سعد‪ ،‬وهو يف البخاري من غري تسمية الرجلني‪" :‬أن أسيد بن حضري وعباد بن بشر‬
‫رضي اهلل عنهما كانا عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف حاجة حىت ذهب من الليل ساعة‪ ،‬وهي ليلة شديدة‬
‫الظلمة‪ ،‬خرجا وبيد كل واحد منهما عصا فأضاءت هلما عصا أحدمها فمشيا يف ضوئها‪ ،‬حىت ِإذا افرتقت هبما‬
‫الطريق أضاءت لآلخر عصاه‪ ،‬فمشى كل واحد منهما يف ضوء عصاه حىت بلغ أهله"]‪6 .‬ـ قصة خبيب رضي اهلل‬
‫عنه يف قطف العنب الذي ُوجديف يده يأكله يف غري أوانه‪ .‬وهو حديث صحيح [أخرج البخاري يف صحيحه يف‬
‫باب غزوة الرجيع عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن خبيباً كان أسرياً عند بين احلارث مبكة‪ ،‬يف قصة طويلة‪ ،‬وفيها‬
‫أن بنت احلارث كانت تقول‪( :‬ما رأيت أسرياً قط خرياً من خبيب‪ ،‬لقد رأيته يأكل من قطف عنب‪ ،‬وما مبكة‬
‫يومئذ مثرة وِإنه ملوثَق يف احلديد‪ ،‬وما كان ِإال رزق رزقه اهلل)]‪7 .‬ـ قصة سعد وسعيد رضي اهلل عنهما‪ ،‬وهي أن‬
‫كالً منهما دعا على من كذب عليه‪ ،‬فاستجيب له‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم [األول منهما‪ :‬سعد بن أيب وقاص‬
‫رضي اهلل عنه‪ ،‬فقد أخرج الشيخان والبيهقي من طريق عبد امللك بن عمري عن جابر رضي اهلل عنه قال‪ :‬شكا‬
‫فطيف به يف مساجد الكوفة‪،‬‬‫ناس من أهل الكوفة سعد بن أيب وقاص ِإىل عمر (فبعث معه من يسأل عنه بالكوفة‪ِ ،‬‬
‫فلم يُقل له ِإال خري حىت انتهى ِإىل مسجد‪ ،‬فقال رجل يُ ْدعى أبا سعدة‪ :‬أما ِإذ أنشدتنا فِإن سعداً كان ال يقسم‬
‫فأطل عمره‪ ،‬وأطل فقره وعرضهـ‬ ‫ِإ‬
‫بالسوية وال يسري بالسرية وال يعدل يف القضية‪ ،‬فقال سعد‪ :‬اللهم ن كان كاذباً ْ‬
‫للفنت‪ ،‬قال ابن عمري‪ :‬فرأيتُه شيخاً كبرياً قد سقط حاجباه على عينيه من الكرب وقد افتقر يتعرض للجواري يف‬
‫الطريق يغمزهن‪ ،‬فِإ ذا قيل له‪ :‬كيف أنت ؟ يقول‪ :‬شيخ كبري مفتون أصابتين دعوة سعد)‪ .‬والثاين‪ :‬سعيد بن زيد‬
‫رضي اهلل عنه‪ .‬فقد أخرج مسلم يف كتاب املساقاة عن عروة بن الزبري رضي اهلل عنه‪( :‬أن أروى بنت أويس‬
‫ادعت على سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرضها فخاصمته ِإىل مروان بن احلكم‪ ،‬فقال سعيد‪ :‬أنا كنت آخذ من‬
‫مسعت من رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫أرضها شيئاً بعد الذي مسعتُه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ؟ قال‪ :‬وما َ‬
‫وسلم ؟ قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول‪" :‬من أخذ شرباً من األرض ظلماً طُِّوقه ِإىل سبع‬
‫أرضني" فقال له مروان‪ :‬ال أسألك َبِّينَةً بعد هذا‪ .‬فقال‪ :‬اللهم ِإن كانت كاذبة َف َع ِّم بصرها واقتلها يف أرضها‪،‬‬
‫قال‪ :‬فما ماتت حىت ذهب بصرها‪ ،‬مث بينا هي متشي يف أرضها ِإذ وقعت يف حفرة فماتت)]‪8 .‬ـ قصة عبور العالء‬
‫بن احلضرمي رضي اهلل عنه البحر على فرسه ونبع املاء بدعائه‪ .‬أخرجه ابن سعد يف الطبقات [كان أبو هريرة‬
‫دارين‪ .‬وقدم‬
‫(رأيت من العالء بن احلضرمي ثالثةَ أشياء ال أزال أحبه أبداً‪ ،‬رأيته قطع البحر على فرسه يوم َ‬
‫ُ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫من املدينة يريد البحرين‪ ،‬فلما كانوا بالدهناء نفد ماؤهم‪ ،‬فدعا اهلل فنبع هلم من حتت رملة‪ ،‬فارتووا وارحتلوا‪،‬‬
‫وخرجت معه من البحرين ِإىل صف البصرة فلما كنا‬ ‫ُ‬ ‫وأنسي رجل منهم بعض متاعه‪ ،‬فرجع فأخذه ومل جيد املاء‪.‬‬
‫فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ومل نُْل ِح ْد له‪ ،‬فرجعنا‬ ‫بلِ ٍ‬
‫ياس مات وحنن على غري ماء‪ ،‬فأبدى اهلل لنا سحابة ُ‬
‫ُلن ْل ِح َد له فلم جند موضع قربه)‪ .‬الطبقات الكربى البن سعد‪ .‬ج‪ .4‬ص‪9 .]363‬ـ قصة خالد بن الوليد رضي اهلل‬
‫عنه يف شربه السم‪ .‬أخرجه البيهقي وأبو نعيم والطرباين وابن سعد بِإسناد صحيح [أخرج البيهقي وأبو نعيم عن‬
‫أيب السفر قال‪ :‬نزل خالد بن الوليد احلرية‪ ،‬فقالوا له‪ :‬احذر السم ال تسقيكه األعاجم فقال‪ :‬ائتوين به‪ ،‬فأخذه بيده‬
‫وقال‪ :‬بسم اهلل وشربه‪ ،‬فلم يضره شيئاً‪ .‬انظر هتذيب التهذيب البن حجر ج‪ .3‬ص‪10 .]125‬ـ ِإضاءة أصابع‬
‫محزة األسلمي رضي اهلل عنه يف ليلة مظلمة‪ .‬أخرجه البخاري يف التاريخ [أخرج البخاري يف التاريخ عن محزة‬
‫األسلمي رضي اهلل عنه قال‪( :‬كنا مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف سفر‪ ،‬فتفرقنا يف ليلة ظلماء‪ ،‬فأضاءت أصابعي‬
‫حىت مجعوا ظهرهم وما هلك منهم وِإن أصابعي لتنري)‪ .‬انظر هتذيب التهذيب ج‪ .3‬ص‪11 .]30‬ـ قصة أم أمين‬
‫فشربت‪ .‬رواه أبو نعيم يف احللية [عن عثمان بن‬
‫ْ‬ ‫وكيف عطشت يف طريق هجرهتا‪ ،‬فنزل عليها دلو من السماء‬
‫القاسم قال‪( :‬خرجت أم أمين مهاجرة ِإىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من مكة ِإىل املدينة وهي ماشية ليس‬
‫معها زاد وهي صائمة يف يوم شديد احلر‪ ،‬فأصاهبا عطش شديد حىت كادت أن متوت من شدة العطش‪ ،‬قال‪ :‬وهي‬
‫فرفعت رأسي ؛ فِإذا أنا بدلو‬
‫ُ‬ ‫بالروحاء أو قريباً منها‪ ،‬فلما غابت الشمس قالت‪ِ :‬إذا أنا حبفيف شيء فوق رأسي‪،‬‬
‫من السماء مدىَّل برشاء أبيض‪ ،‬قالت‪ :‬فدنا مين حىت ِإذا كان حيث أستمكن منه تناولْتُه فشربت منه حىت رويت‪،‬‬
‫ت بعدها‪ .‬أخرجه أبو نعيم يف‬
‫قالت‪ :‬فلقد كنت بعد ذلك اليوم احلار أطوف يف الشمس كي أعطش‪ ،‬وما عط ْش ُ‬
‫احللية ج‪ .2‬ص‪12 .]67‬ـ مساع بعض الصحابة سورة امللك‪ ،‬من قرب بعد أن ضرب خباء فوقه‪ .‬رواه الرتمذي‬
‫[عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬ضرب بعض أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم خباءه على قرب وهو ال‬
‫حيسب أنه قرب‪ ،‬فِإذا فيه ِإنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده امللك حىت ختمها‪،‬فأتى َّ‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫فقال يا رسول اهلل‪ِ :‬إين ضربت خبائي على قرب وأنا ال أحسب أنه قرب‪ ،‬فِإذا فيه ِإنسان يقرأ سورة تبارك امللك حىت‬
‫ختمها‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬هي املانعة‪ ،‬هي املنجية تنجيه من عذاب القرب"‪ .‬أخرجه الرتمذي‬
‫يف كتاب فضائل القرآن‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب]‪13 .‬ـ تسبيح القصعة اليت أكل منها سلمان الفارسي وأبو‬
‫الدرداء رضي اهلل عنهما ومساعهما التسبيح‪ .‬رواه أبو نعيم [أخرج البيهقي وأبو نعيم عن قيس قال‪( :‬بينما أبو‬
‫الدرداء وسلمان يأكالن من صحفة ِإذا سبَّ ْ‬
‫حت وما فيها)]‪14 .‬ـ قصة سفينة رضي اهلل عنه موىل رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم مع األسد‪ .‬أخرجه احلاكم يف املستدرك وأبو نعيم يف احللية [عن حممد بن املنكدر أن سفينة موىل‬
‫ت لوحاً من ألواحها‪،‬‬
‫فركب ُ‬
‫فانكسرت سفينيت اليت كنت فيها‪ْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫(ركبت البحر‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫فطرحين اللوح يف أمجة فيها األسد‪ ،‬فأقبل ِإ َّ‬
‫يل يريدين‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا احلارث أنا موىل رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فطأطأ رأسه وأقبل ِإ َّ‬
‫يل‪ ،‬فدفعين مبنكبه حىت أخرجين من األمجة ووضعين على الطريق‪ ،‬ومههم فظننت أنه‬
‫يودعين‪ ،‬فكان ذلك آخر عهدي به)‪ .‬أخرجه احلاكم يف املستدرك يف كتاب معرفة الصحابة ج‪ .3‬ص‪،606‬‬
‫وقال‪ :‬صحيح على شرط مسلم‪ .‬وأبو نعيم يف احللية ج‪ .1‬ص‪ 368‬وسفينة هو‪ :‬قيس بن فروخ وكنيته أبو عبد‬
‫الرمحن‪ .‬ذكره ابن حجر يف التهذيب ج‪ .4‬ص‪ .]125‬هذا غيض من فيض‪ ،‬وقليل من كثري مما ورد عن كرامات‬
‫صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬مث تواىل ورود الكرامات الكثرية على يد األولياء يف عهد التابعني وتابعي‬
‫التابعني ِإىل يومنا هذا‪ ،‬مما يصعب عده‪ ،‬ويضيق حصره [قال العالمة التاج السبكي يف الطبقات الكربى‪ :‬للكرامة‬
‫أنواع‪ :‬النوع األول ِإحياء املوتى‪2 .‬ـ كالم املوتى‪3 .‬ـ املشي على املاء‪4 .‬ـ انقالب األعيان‪5 .‬ـ ِإنزواء األرض‪6 .‬ـ‬
‫كالم احليوانات واجلمادات‪7 .‬ـ ِإبراء العلل‪8 .‬ـ طاعة احليوان‪9 .‬ـ طي الزمان‪10 .‬ـ نشر الزمان‪11 .‬ـ ِإمساك‬
‫اللسان عن الكالم وانطالقه‪ِ ..‬إىل أن عد مخسة وعشرين نوعاً‪ .‬وذكر لكل نوع مثاالً وحكاية جرت للعلماء‬
‫ومشايخ الصوفية فراجعه هناك جتده مفصالً]‪،‬ـ وقد ألف العلماء يف ذلك جملدات كثرية‪ ،‬وصنف أكابر األئمة منهم‬
‫مصنفات يف ِإثبات الكرامة لألولياء‪ ،‬منهم‪ :‬فخر الدين الرازي وأبو بكر الباقالين‪ ،‬وِإمام احلرمني‪ ،‬وأبو بكر بن‬
‫فورك‪ ،‬وحجة اِإل سالم الغزايل‪ ،‬وناصر الدين البيضاوي‪ ،‬وحافظ الدين النسفي‪ ،‬وتاج الدين السبكي‪ ،‬وأبو بكر‬
‫األشعري‪ ،‬وأبو القاسم القشريي‪ ،‬والنووي‪ ،‬وعبد اهلل اليافعي‪ ،‬ويوسف النبهاين‪ ،‬وغريهم من العلماء احملققني الذين‬
‫ال حيصى عددهم‪ ،‬وصار ذلك علماً قوياً يقينياً ثابتاً‪ ،‬ال تتطرق ِإليه الشكوك أو الشبهات‪ .‬وقد يتساءل بعضهم‪:‬‬
‫ملاذا كانت كرامات الصحابة على كثرهتا أقل من كرامات األولياء الذين جاؤوا بعد عصر الصحابة ؟!‪ ..‬وجييب‬
‫على ذلك تاج الدين السبكي يف الطبقات بقوله‪( :‬اجلواب‪ :‬ما أجاب به اِإل مام اجلليل أمحد بن حنبل رضي اهلل عنه‬
‫حني سئل عن ذلك‪ ،‬فقال‪ُ :‬أولئك كان ِإمياهنم قوياً‪ ،‬فما احتاجوا ِإىل زيادة شيء يقوون به‪ ،‬وغريهم كان ِإمياهنم‬
‫ضعيفاً مل يبلغوا ِإميان أولئك فقووا بِإ ظهار الكرامات هلم) [جامع كرامات األولياء للشيخ يوسف النبهاين البريويت‬
‫ج‪ .1‬ص‪.]20‬‬

‫احلكمة من ِإجراء الكرامات على يد األولياء‬


‫اقتضت حكمة اهلل تعاىل أن يكرم أحبابه وأولياءه بأنواع من خوارق العادات‪ ،‬تكرمياً هلم على ِإمياهنم وِإخالصهم‪،‬‬
‫وتأييداً هلم يف جهادهم ونصرهتم لدين اهلل‪ ،‬وِإظهاراً لقدرة اهلل تعاىل‪ ،‬ليزداد الذين آمنوا ِإمياناً‪ ،‬وبياناً للناس أن‬
‫القوانني الطبيعية والنواميس الكونية ِإمنا هي من صنع اهلل وتقديره‪ ،‬وأن األسباب ال تؤثر بذاهتا ؛ بل اهلل تعاىل خيلق‬
‫النتائج عند األسباب ال هبا‪ ،‬كما هو مذهب أهل السنة واجلماعة‪ .‬وقد يقول معرتض‪ِ :‬إن تأييد احلق ونشر دين اهلل‬
‫ال يكون خبوارق العادات‪ ،‬بل يكون بِإ قامة الدليل املنطقي والربهان العقلي‪ .‬فنقول‪ :‬نعم البد من نشر تعاليم‬
‫اِإل سالم بتأييد العقل السليم واملنطق الصحيح واحلجة الدامغة‪ ،‬ولكن التعصب والعناد يدعوان ِإىل أن خترق العادات‬
‫بالكرامات كما اقتضت حكمة اهلل أن يؤيد أنبياءه ورسله باملعجزات ِإظهاراً لصدقهم‪ ،‬وتأييداً هلم يف دعوهتم‪،‬‬
‫ومحالً للعقول املتحجرة والقلوب املقفلة أن خترج من مجودها‪،‬ـ وتتحرر من تعصبها‪ ،‬فتفكر تفكرياً سليماً مستقيماً‬
‫يوصلها ِإىل اِإل ميان الراسخ‪ ،‬واليقني اجلازم‪ .‬ومن هنا يظهر أن الكرامة واملعجزة تلتقيان يف بعض احلِ َكم واملقاصد‪،‬‬
‫ِإال أن الفارق بينهما أن املعجزة ال تكون ِإال لألنبياء عليهم السالم‪ ،‬والكرامة ال تكون ِإال لألولياء‪ُّ ،‬‬
‫وكل كرامة‬
‫لويل معجزةٌ لنيب‪.‬‬

‫الفرق بني الكرامة واالستدراج‬


‫ال بد من التنبيه ِإىل الفرق بني الكرامة واالستدراج‪ ،‬وذلك ألننا نشاهد بعض الفسقة املنسوبني لِإل سالم جتري على‬
‫يديهم خوارق العادات؛ مع أهنم جماهرون باملعصية‪ ،‬منحرفون عن دين اهلل تعاىل‪ .‬فالكرامة ال تكون ِإال على يد‬
‫ويلٌّ‪ ،‬وهو صاحب العقيدة الصحيحة‪ ،‬املواظب على الطاعات‪ ،‬املتجنب للمعاصي‪ ،‬املعرض عن االهنماك يف‬
‫إن أولِياء ِ‬
‫الذين آمنوا‬ ‫خوف علي ِه ْم وال ُه ْم َ‬
‫حيزنُو َن ‪َ .‬‬ ‫اهلل ال ٌ‬ ‫اللذات والشهوات‪ ،‬وهو الذي قال اهلل تعاىل فيه‪ :‬أال َّ َ‬
‫وكانُوا يتَّقو َن [يونس‪62 :‬ـ‪ .]63‬وأما ما جيري على يد الزنادقة والفسقة من اخلوارق كطعن اجلسم بالسيف‬
‫وأكل النار والزجاج وغري ذلك‪ ،‬فهو من قبيل االستدراج‪ .‬مث ِإن الويل ال يسكن ِإىل الكرامة‪ ،‬وال يتفاخر هبا على‬
‫غريه‪ ،‬قال العالمة فخر الدين الرازي يف تفسريه الكبري‪ِ( :‬إن صاحب الكرامة ال يستأنس بتلك الكرامة‪ ،‬بل عند‬
‫ظهور الكرامة يصري خوفه من اهلل تعاىل أشد‪ ،‬وحذره من قهر اهلل أقوى‪ ،‬فِإنه خياف أن يكون ذلك من باب‬
‫االستدراج‪ .‬وأما صاحب االستدراج‪ ،‬فِإنه يستأنس بذلك الذي يظهر عليه‪ ،‬ويظن أنه ِإمنا وجد تلك الكرامة ألنه‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ حيتقر غريه‪ ،‬ويتكرب عليه‪ ،‬وحيصل له َْأم ٌن ِم ْن م ْك ِر اهلل وعقابه‪ ،‬وال خياف سوء العاقبة‪،‬‬ ‫كان مستحقاً هلا‪،‬‬
‫فِإ ذا ظهر شيء من هذه األحوال على صاحب الكرامة دل ذلك على أهنا كانت استدراجاً ال كرامة‪ ،‬فلهذا قال‬
‫احملققون‪ :‬أكثر ما اتفق من االنقطاع عن حضرة اهلل ِإمنا وقع يف مقام الكرامات‪ ،‬فال َجَر َم أن ترى احملققني خيافون‬
‫من الكرامات‪ ،‬كما خيافون من أنواع البالء‪ ،‬والذي يدل على أن االستئناس بالكرامة قاطع عن الطريق وجوه) مث‬
‫عد ِإحدى عشرة حجة‪ ،‬نذكر منها واحدة‪ .‬قال اِإل مام فخر الدين الرازي رمحه اهلل تعاىل‪ِ( :‬إ َّن من‬
‫ذكرها حىت َّ‬
‫وم ْن كان لعمله وقع عنده‬
‫اعتقد يف نفسه أنه صار مستحقاً لكرامة بسبب عمله‪ ،‬حصل لعمله وقع عظيم يف قلبه‪َ ،‬‬
‫كان جاهالً‪ ،‬ولو عرف ربه لعلم أن كل طاعات اخللق يف جنب جالل اهلل تقصري‪ ،‬وكل شكرهم يف جنب آالئه‬
‫وجهل‪ ،‬رأيت يف بعض الكتب أنه قرأ املقرئ يف‬ ‫ٌ‬ ‫وكل معارفهم وعلومهم يف مقابلة عزته حريةٌ‬ ‫ونعمائه قصور‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والع َم ُل الصاحلُ ير َفعُهُ [فاطر‪ .]10 :‬فقال‪:‬‬
‫ب َ‬ ‫ص َع ُد ال َكل ُم الطَّيِّ ُ‬
‫جملس األستاذ أيب علي الدقاق قوله تعاىل‪ :‬إليه يَ ْ‬
‫عالمةُ أن احلق رفع عملك أن ال َيْبقى عندك [أي عملك] فِإن بقي عملك يف نظرك فهو مدفوع‪ ،‬وِإن مل يبق‬
‫معك فهو مرفوع) ["تفسري الرازي" ج‪ .5‬ص‪ .]692‬وعلى هذا فِإننا حني نرى أحداً من الناس يأيت خبوارق‬
‫العادات ال نستطيع أن حنكم عليه بالوالية‪ ،‬وال ميكن أن نعترب عمله هذا كرامة حىت نرى سلوكه ومتسكه بشريعة‬
‫اهلل‪ .‬قال أبو يزيد رمحه اهلل تعاىل‪( :‬لو أن رجالً بسط ُمصالَّه على املاء وتربَّ َع يف اهلواء فال تغرتُّوا به حىت تنظروا‬
‫كيف جتدونه يف األمر والنهي) ["اللمع" للطوسي ص‪.]400‬‬
‫التصوف لفضيلة الشيخ عبد القادر عيسى رمحه اهلل‬
‫من كتاب حقائق عن ّ‬

You might also like