Professional Documents
Culture Documents
سمير أمين
سمير أمين
يختلف ربما سمير أمين عن باقي المفكرين المصريين في هذا العدد ،فإذا كان انشغال أغلبهم بقضية النهضة تنطلق من أرضية
إسالمية مع تركيز إما على مصر أو بشكل أوسع على األمة العربية واإلسالمية ،ف إن أمين ينطل ق من أرض ية ماركس ية ول ذا
يختلف عنهم في اإلطار المفاهيمي ،فيصعب إيجاد مصطلح النهضة الذي ارتب ط ب الفكر الع ربي/اإلس المي خصوص ا ً في ظ ل
حقبة االستعمار أي من النصف الثاني للقرن التاسع عشر وطوال الق رن العش رين ،كم ا أن مص ر والع الم اإلس المي ليس ا في
القلب من مشروعه ،بل الجنوب العالمي/األطراف ،وهو العالم النامي الذي عانى من االس تغالل من قب ل دول الش مال/المرك ز
بشكل مباشر في حقبة االستعمار وبشكل غير مباشر ما بعد االستقالل .لذا فعمل أمين ي تركز في كيفي ة كس ر حال ة االعتمادي ة
على دول الشمال وتحدي المركزية األوروبية في العلوم االجتماعية التي كانت ميدان نضاله.
حياته:
ولد سمير أمين عام ١٩٣١في مصر ألب مصري وأم فرنسية ،وعاش حياته ما قبل الجامعية في مصر ،ويحكي أحد المواقف
التي رسمات توجهاته في سن مبكرة عندما رأى شخصا ً يجمع الطع ام من القمام ة في بورس عيد وه و في س ن السادس ة ،فمن ذ
حينها بدأت ترتسم داخله مركزية العدالة االجتماعية والمساواة وأهمية االقتصاد لفهم هذا كله.
بعد أن أتم الدراسة الثانوية في مدرسة فرنسية ،وخاللها بدأ تسييسه باتجاه الشيوعيين مقابل القوم يين ،انتق ل إلى ب اريس حيث
درس العلوم السياسية وبع دها اإلحص اء ،ومن ثم حص ل على ال دكتوراه في االقتص اد ع ام ،١٩٥٧حين داف ع عن أطروحت ه
"اآلثار الهيكلية لإلدماج العالمي لالقتصاديات ما قب ل الرأس مالية" ،ويجب اإلش ارة هن ا إلى أن الوض ع في فرنس ا ك ان يس مح
لنشاط ماركسي في األكاديميا لكن بقيود ،وهو ما ظهر في الضغط عليه لتغيير عنوان أطروحت ه بع د أن ك ان به ا نق د ص ريح
للرأسمالية ودورها في نشأة التخلف االقتصادي .ولكن م ا يعنين ا هن ا ه و مالمح مش روعه من تحلي ل اقتص ادي على مس توى
عالمي ،والتي سنتناولها الحقاً.
جذوره الفكرية:
ت أثر أمين بكتاب ات م اركس في س ن مبك رة ،وه و م ا انعكس على إط اره التحليلي ،فالمادي ة التاريخي ة في القلب من كتابات ه،
فلدراسة ظاهرة التخلف االقتصادي underdevelopmentلدول الجنوب يتتبع الجذور التاريخية لهذه الظاهرة ،فيتتبع حقب ة
االستعمار وما سبقها من تحوالت داخل أوروبا في عصور النهضة والتنوير والحداث ة ،ويتتب ع العوام ل المادي ة ،واالقتص ادية
بشكل خاص ،فنشأة الرأسمالية كانت أساسا ً للتغييرات األوربية على مستوى المجتمع والدين واألفك ار وليس العكس ،فه و هن ا
يعطي االقتصاد األولوية في تحليالته على األفكار.
ولكن ما يميز أمين أنه لم يتوقف عند ماركس ،ب ل اعت بره البداي ة ال تي يجب أن يُب نى على أفك اره ،فأخ ذ أفك ار م اركس عن
الطبقة داخل المجتمع وانقسامه للبرجوازية والبروليتاريا/العمال وطبقها على مستوى عالمي فانقسم العالم في نظره إلى طبقتين
دول المركز ودول األطراف ،والعالقات االقتصادية بينهما هي ما تحدد شكل عالقاتهما على كافة األص عدة من سياس ة وثقاف ة
وغيره ،وعالقة االستغالل هذه هي ما تعيق تنمية دول األطراف.
باإلضافة إلى مركزية حقبة االستعمار وم ا بع دها في تحليل ه ،فه و هن ا يتج اوز م اركس ال ذي رأى أن األزم ات متأص لة في
الرأسمالية وأن األسواق الرأسمالية لن تستوعب عملية التوسع في اإلنتاج وتقليل تكلفته بتقلي ل أج ور العم ال وبالت الي س تؤدي
إلى عج ز في االس تهالك ،underconsumptionولم يتوق ع م اركس أن ال دول الرأس مالية الغربي ة س تتجاوز ه ذه األزم ة
باالستعمار والبحث عن أسواق جديدة ومواد وعمال أرخص ،وكان لينين هو من أدخل اإلمبريالية/االستعمار للفكر الماركسي،
فأخذ أمين هذه الفكرة وطور عليها ،فال يمكن فهم العالم المعاص ر وعالق ات االس تغالل والتخل ف االقتص ادي ب دون أن يك ون
االستعمار في القلب من هذا التحليل.