You are on page 1of 32

1010 1029

1
‫أوال المداخل النظرية لدراسة الظاهرة الحضرية‪:‬‬

‫‪ -2‬النظرية النفسية االجتماعية‪:‬‬


‫ويتمثل ىذا االتجاه في تمك االعمال التي قدميا عمماء اجتماع المدرسة االلمانية في عمم االجتماع ‪،‬‬
‫ولذلك تعرف من الناحية الزمنية بالمدرسة الكالسيكية ‪ ،‬كما تعرف باالتجاه السموكي‪ ،‬او االتجاه‬
‫التنظيمي ‪ ،‬نظ ار لتكيزىا عمى جانب السموك والفعل والعالقات والتفاعالت االجتماعية ‪،‬‬
‫والمظيرالتنظيمي ‪ ،‬لمحياة االجتماعية الحضرية ‪ ،‬واعتبار ذلك شرطا ومقوما أساسيا لمجتمع المدينة ‪،‬‬
‫ومن ثمة فان الفرد يوصف بالحضرية بناءا عمى نمط سموكو وليس بناءا عمى مكان اقامتو ‪ ،‬حيث‬
‫تنتشر في المدينة العقالنية والفعل االجتماعي العقالني ويختفي السموك العاطفي ‪.‬‬
‫ونجد ىذه االفكار والنظريات في اعمال كل من فرديناند تونيز وماكس فيبر وجورج زيمل وشينجمر‬
‫ماكس فيبر‪:‬‬
‫مع ماكس فيبر ( ‪ )0681-0291‬ستدخل عالقة السوسيولوجيا بالمدينة طو ار اخر ‪ ،‬اذ ستتحول من‬
‫موضوع عرضي في سياق دعم تحميل معين عن تطور المجتمع ‪ ،‬الى موضوع يحظى بمؤلف كامل‬
‫ومستقل أسماه المدينة‬

‫وقد بنى ماكس فيبر تصوره لممدينة انطالقا من منظور تاريخي مقارن‪ ،‬بدأ فيو من مدن مصر وما قبل الميالد‬
‫الى المدينة الرومانية واإلسالمية واآلسيوية واألوربية والروسية ‪.‬‬

‫والمالحظ عند ماكس فيبر في تناولو لمفيوم المدينة‪ ،‬أنو اعتبر أن النموذج المثالي لممدينة ال وجود لو عمى‬
‫اإلطالق في التاريخ إال في أوربا الغربية‪ .‬الأن المدينة األوربية ىي قمة ما بمغتو العقمنة الحضرية من ترشيد‬
‫وعقمنة وسمطة وبيروقراطية‪ ،‬وديمقراطية ومجالس سمطوية وقضائية ومالية وقوانين ودساتير‪...‬وفي محاولتو‬
‫لتعريف مفيوم المدينة يقول بأنو من وجية النظر السوسيولوجية ال يوجد تعريف واحد لممدينة‪ .‬وعندما أراد‬
‫صياغة تعريف نموذجي لممدينة قال‪ ":‬يمكننا تعريف المدينة بطرائق متعددة‪ ،‬وكل التعاريف تشترك في نقطة‬
‫واحدة وىي أن المدينة ال تكمن في سكن واحد أو سكنات متعددة منتشرة بشكل مبعثر‪ ،‬إنيا تتشكل عمى كل‬
‫حال من السكن المتجمع (ولو نسبيا)‪ ،‬وفي المدن تبنى الدور بالقرب من بعضيا البعض‪ ،‬والقاعدة العامة ىي‬
‫أن تبنى حائطا لحائط‪ .‬إن التصور الشائع في الوقت الحاضر يربط المدينة بخصائص كمية محضة‪.‬‬

‫وما يميز البادية عن المدينة‪ ،‬ىو أن األولى تعرف انتشار كثافة سكانية مرتفعة في مجال ترابي ضيق‪ ،‬كما أن‬
‫سكان المدينة ال يعرفون بعضيم البعض معرفة شخصية متبادلة‪ ،‬غير أن حجم السكان وحده ال يعطي صورة‬

‫‪2‬‬
‫دقيقة لمفيوم المدينة حسب فيبر‪ ،‬لذلك وجب األخذ بعين االعتبار كذلك دينامية العالقات االجتماعية والشروط‬
‫واألوضاع الثقافية‪.‬‬

‫ولم يكتف فيبر بيذا التعريف السوسيولوجي النموذجي لممدينة‪ ،‬بل أعطى مجموعة من التصنيفات النظرية‬
‫والنماذج المثالية األخرى حول المدينة وذلك انطالقا من ىاجس العقمنة والشرعنة‪ ،‬وبذلك فقد حدد المدينة من‬
‫خالل األبعاد التالية‪:‬‬

‫المدينة ككيان اقتصادي‪ :‬نظ ار لكون الطبيعة االقتصادية لممدينة تجعل منيا تجمعا سكانيا تجاريا وسوقا دائما‪،‬‬
‫ألن وظيفتيا األولى ىي باألساس وظيفة اقتصادية‪.‬‬

‫المدينة ككيان سياسي‪ :‬عمى اعتبار أن األنشطة االقتصادية واإلدارية في المدينة ال يمكن ضبطيا وتسييرىا‬
‫عمى نحو جيد إال إذا توفر نمط معين من التنظيم اإلداري والقانوني‪.‬‬

‫المدينة ككيان إداري‪ /‬قانوني‪ :‬نظ ار لكون المدينة ىي باألساس كذلك مرك از إداريا وتجمعا لمجوعة من الوظائف‬
‫واألنشطة والمؤسسات السياسية لمحكم المركزي‪.‬‬

‫وىكذا فرغم أىمية المنظور التاريخ عند فيبر في تناول الظاىرة الحضرية من منظور متعدد األبعاد‪ ،‬فإنو بتعريفو‬
‫النموذجي المثالي لممدينة يسقط في النزعة المركزية عندما اعتبر أن مفيوم المدينة ال توجد إال في أوربا الغربية‬
‫باإلضافة الى غياب النمط االيكولوجي في تحميمو لمظاىرة الحضرية كما ىو الحال عند رواد مدرسة شيكاغو‬
‫وغياب تركيزه عمى ظاىرة تقسيم العمل كما ىو الحال عند ماركس ودوركايم‪ ،‬فقط اقتصر اىتمامو عمى الظاىرة‬
‫الحضرية من خال ل اعتبارىا مرك از لمسمطة والعقمنة والبيروقراطية‪ .‬لكن رغم كل االنتقادات التي وجيت الى‬
‫التحميل الفيبري لممدينة حسب جوليان فرويد‪ ،‬يبقى ماكس فيبر ومعو جورج زيمل أحد عمماء االجتماع الذين‬
‫عرفتيم بداية القرن ‪ ، 91‬والذين كان ليم الفضل في تدشين نمط جديد من التناول الفكري لمظاىرة الحضرية‬
‫(‪ )..‬وميما يكن من أمر فمن الصعب تجاىل مساىمتيما عند الكتابة عن المدينة اليوم‬

‫جورج زيمل‪:‬‬

‫مع جوج زيمل او سيمل كما يسما عند البعض ( ‪ )0686-0206‬ستنتقل السوسولوجيا الحضية من محاولة‬
‫تعريف المدينة الى تحميميا ومن دراسة مدينة الماضي الى دراسة مدينة الحاضر ‪ ،‬ومن محاولة البحث عن‬
‫اصالة وتفرد وتفوق مدينة غبية في التاريخ ‪ ،‬الى البحث والغوص في خبايا وثنايا المعطى ‪ ،‬وىو معطى ليس‬
‫في حاجة الى تعريف او تاويل او تنظير ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ان زيمل يعتبر فيمسوفا سوسيولوجيا اكثر منو باحثا اجتماعيا‪ ،‬وفي مقال لو حول " المترو بول والحياة الذىنية"‪،‬‬
‫حاول سيمل تحميل العالقة بين الثقافة والمجال داخل الوسط الحضري لممدن الكبرى في ألمانيا "كبرلين"‪ ،‬وفق‬
‫منيج شكالني تأثر بو بشكل كبير رواد مدرسة شيكاغو‪ ،‬أعتبر أن المدن الكبرى ىي ظاىرة جديدة ارتبطت‬
‫بالتحوالت الكبرى التي أوروبا الغربية عمى المستوى االقتصادي واالجتماعي والسياسي والثقافي‪...‬واثر االنتقال‬
‫الديموغرافي واليجرة والتوسع الحضري ‪...‬وباالنتقال من األشكال التقميدية لممجتمع المحمي الى األشكال الحديثة‬
‫في المجتمع الحضري المعقد والمركب‪ ،‬توسعت المدن وانتشرت مظاىر االستالب والعزلة والعالقات الالشخصية‬
‫وما دامت المدينة عند سيمل ىي فضاء لمسوق والتبادالت االقتصادية‪ ،‬فإن العالقات اإلنسانية فييا تشيىء‬
‫ويصب فييا كل فرد غير مبالي باآلخرين المحيطين بو ‪ ،‬نظ ار النتشار الفردانية ‪...‬وما دامت المدينة عند سيمل‬
‫تساىم في إحداث تغيرات ثقافية واجتماعية في حياة االنسان ‪ ،‬فان ىدا األخير يصبح فييا مستمبا ويتمي از‬
‫بمجموعة من الخصائص األخرى كاالستقالل الفردي وسيادة العقل الحسابي والتجريدي وغياب العاطفة والعقمنة‬
‫وتقسيم العمل األكبر‪ ...‬وبذلك فإن سيمل يمتقي ىنا في تحميمو لممدينة المتروبول‪ ،‬مع بعض التحميالت‬
‫السوسيولوجية لمعاصره من عمماء االجتماع‪ ،‬كدوركايم في مفيوم تقسيم العمل واألنومي‪ ...‬ومع فيبر في مفيوم‬
‫العقمنة‪ ،‬ومع تونيز في مسألة الفرق بين المجتمع المحمي والمجتمع الكمي‪ ،‬ومع ماركس في مفيوم االستيالب‪.‬‬
‫وبذلك فإن المتروبول عند سيمل ىي مجال كل ىذه التناقضات السالفة الذكر‪،‬كما أنيا ىي مجال لالقتصاد‬
‫النقدي كموضوع مييمن في المدن الكبرى التي تسمب الفرد من إنسانيتو وتجعمو غريبا عن مجتمعو‪ ،‬بسبب‬
‫تراجيديا الثقافة المتروبولية‪.‬‬

‫‪ – 9‬النظرية االيكولوجية‪:‬‬

‫ارتبط ظيورىا بمدرسة شيكاغو من روادىا روبرت از ار بارك وبرجس ولويس ويرث وترتكز عمى توزيع السكان‬
‫في االجزاء المختمفة لممدينة بمعنى توزيع الناس عمىا المناطق السكنية لممدينة ‪.‬‬

‫يعتبر ظيور مدرسة شيكاغو بمثابة ثورة كبرتيكية في تاريخ السوسيولوجيا‪ ،‬نظ ار لما أحدثو في سيرورة عمم‬
‫االجتماع من تغيرات ال عمى مستوى الموضوع فقط باالىتمام بظاىرة التحضر واليجرة وغيرىا من الظاىر‬
‫األخرى‪ ،‬بل كذلك عمى مستوى البحث السوسيولوجي وتقنياتو‪ ،‬ومناىجو‪ ،‬الذي بقي وفيا لمبحث السوسيولوجي‬
‫النظري في أوربا‪ ،‬أما في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬مع رواد مدرسة شيكاغو فقد اتجو البحث السوسيولوجي‬
‫الميداني نحا آخر‪ ،‬ينطمق من الميدان ومن الواقع باعتباره مختب ار غنيا بالمعطيات والوقائع واألحداث واألفعال‬
‫والظاىرة االجتماعية‪ ،‬وذلك بابتكار تقنيات وأدوات عممية جديدة ومناىج ونظريات ومقاربات ومفاىيم‪ ...‬كل‬
‫ىؤالء االبتكارات التي يعود فييا الفضل لرواد مدرسة‪،‬جعمت من عمم االجتماع حسب بيرجس وبارك يقوالن في‬
‫‪4‬‬
‫كتابيما‪ ":‬مقدمة لعمم السوسيولوجيا" يبدو أن عمم االجتماع قد أصبح اليوم عمى الطريق ليصبح بشكل أو بآخر‬
‫عمما تجريبيا‪.‬‬

‫ومن العوامل األساسية التي أدت الى ظيور ىذه المدرسة المتميزة في تاريخ السوسيولوجيا ىو تمك التحوالت‬
‫الكبرى التي عرفتيا مدينة شيكاغو في أواخر القرن ‪ 02‬وبداية القرن‪ ،91‬والتي كان من نتائجيا ظيور العديد‬
‫من الظواىر االجتماعية( الفقر‪ +‬اليجرة‪+‬اإلجرام‪+‬االنحراف‪+‬الدعارة‪+‬الصراعات االثنية‪ )...‬واالختالالت البينونة‬
‫في المدينة التي أصبحت مسرحا غنيا بالظواىر االجتماعية المرضية‪ ،‬ىذا باإلظافة الى مجموعة من العوامل‬
‫األخرى كنشأة السوسيولو جيا في جامعة شيكاغو والدور الذي لعبتو حركة اإلصالح االجتماعي والتحقيقات‬
‫االجتماعية التي عرفتيا الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬كما كان لبعض العوامل األخرى الفكرية والفمسفية دور حاسم‬
‫في نشوء ىذه المدرسة ولعل أىميا ىو التأثير الذي أحدثتو الفمسفة البرغماتية في امريكا خالل فترة العشرينيات‬
‫والثالثينيات من القرن ‪ ،91‬والتأثير الذي أحدثو التيار التفاعمي الرمزي في رواد المدرسة‪.‬‬

‫ويبقى من الصعب التطرق الى كل انتاجات سوسيولوجيا مدرسة شيكاغو وحتى جزء منيا نظ ار لضخامتيا من‬
‫جية ولضيق الوقت من جية أخرى‪ ،‬لذلك سوف نقتصر عمى بعض أفكار رواد ىذه المدرسة حول التحضر‬
‫واليجرة وبعض اإلشكاالت الحضرية األخرى‪ ،‬وذلك بشكل مقتضب‪.‬‬

‫أ‪ -‬وليام اسحاق طوماس‪ ،‬وفموريان زنانيكي ودراستهما "لمفالح البولوني‪":‬‬

‫لقد تطرق كل من طوماس وزنانيكي في دراستيما ىاتو المنشورة ما بين ‪ ،0291 -0206‬والتي يعتبرىا عمماء‬
‫االجتماع أول بحث يستحق نعت بحث سوسيولوجي‪ ،‬لوضعية الفالحين البولونيين في موطنيم األصمي وثم‬
‫وضعيتيم بعد ىجرتيم الى أمريكا‪ ،‬من أجل التعرف عمى نمط عيشيم في بولونيا ثم ما ط أر من تغيير عمى نمط‬
‫عيشيم وأوضاعيم االجتماعية والثقافية واالقتصادية بعد ىجرتيم الى أمريكا‪ ،‬ومن خالل اعتمادىما عمى تقنيات‬
‫جديدة في البحث السوسيولوجي كحكايا الحياة ودراسة الحالة (المنيج البيوغرافي)‪ ،‬استطاع كل منيما تحميل‬
‫وفيم كل اإلشكاالت المرتبطة بيجرة الفالح البولوني‪ ،‬ولعل أىم مفيوم تم الخموص اليو في ىذه الدراسة ىو‬
‫مفيوم سوء التنظيم االجتماعي واعادة التنظيم الذي يعني ضعف وتراجع تأثير القواعد االجتماعية بين أفراد‬
‫الجماعة‪ ،‬واعتبر أن اليجرة ىي ظاىرة ناتجة باألساس عن سوء التنظيم االجتماعي والتفكيك الذي يعرفو‬
‫المجتمع‪ ،‬كما أن اليجرة تصبح مصد ار لمتفكيك االجتماعي بالوسط الحضري‪ ،‬وذلك نتيجة لالرتفاع السريع‬
‫لمكثافة السكانية‪...‬وقد الحظ طوماس أن ىجرة الفالحين البولونيين الى أمريكا تتسبب في خمق نوع من سوء‬
‫التنظيم وحدوث صراعات داخل األسرة وارتفاع نسبة الجرائم‪ ...‬غير أن ىذه الحالة من سوء التنظيم ال تستمر‬

‫‪5‬‬
‫الى ما ال نياية‪ ،‬فكما ىو الشأن بالنسبة لمفيوم األنومي ‪ Lanomie‬عند دوركايم‪ ،‬فإن سوء التنظيم ىو حالة‬
‫مؤقتة بحيث سرعان ما تسعى جماعة المياجرين الى تنظيم نفسيا ‪ Réorganisation‬من خالل إنتاج قواعد‬
‫وقيم جديدة تتالءم مع واقعيا الجديد حتى يستطيع المياجر االندماج في المجتمع األمريكي‪.‬‬

‫ب‪ -‬روبرت بارك والمقاربة االيكولوجية لمتحضر والهجرة‪:‬‬

‫يعتبر بارك األب الروحي لمدرسة شيكاغو بدون منازع‪ ،‬نظ ار لضخامة االنتاجات السوسيولوجية التي ألفيا حول‬
‫مجموعة من الظواىر الحضرية كاليجرة والتفكك العائمي والسكان المشردون وعصابات األحداث الجانحين‬
‫والغيتو واالنتحار ومناطق السكن الفقيرة والغنية ومناطق الجنوح القوي وفتيات طاكسي‪ ،‬والعائمة الجنزية وتنظيم‬
‫الدعارة والسود والصراعات االثنية‪...‬كل ىذه الظواىر االجتماعية التي صاحبت التوسع الحضري الذي عرفتو‬
‫مدينة شيكاغو بفعل تعدد األقميات االثنية قد تطرق ليا بارك بالدراسة والتحميل وفق منظور ايكولوجي ينطمق في‬
‫تفسيره ليا من التفاعل الحاصل بين المجال الحضري بكل ما يزخر بو من خصوصيات وأنماط وقيم وبين‬
‫االنسان وما يمتمكو من مواقف وتمثالت‪.‬‬

‫وانطالقا من االيكولوجيا اإلنسانية اعتبر بارك أن دراسة االنسان ينبغي أن تتم عمى أساس دراسة التفاعالت بينو‬
‫وبين الوسط الطبيعي والجغرافي الذي ينتمي اليو‪ ،‬معتب ار بذلك المدينة من ىذا المنظور االيكولوجي مجاال غنيا‬
‫بالتفاعالت والديناميات االجتماعية‪ .‬أو بمغة بارك نفسيا أن المدينة ىي مختبر اجتماعي لتحميل وفيم كل‬
‫الظواىر الحضرية‪.‬‬

‫وفي اطار حديث بارك عمى ظاىرة اليجرة اإلنسانية والتحضر‪ ،‬اعتبر أن ىجرة الفالح الى المدينة ىي ظاىرة‬
‫تاريخية وعممية دائمة ال يمكنيا أن تتوقف‪ ،‬ولكنيا تتحول مشكمة اجتماعية عندما يتم السعي الى حميا عن‬
‫طريق اإلدماج الحضري أو ما يسميو بارك بعمميو االنصيار‪ ،‬ألن الثقافة التي يحمميا المياجر القروي التي‬
‫يتميز بييمنة األعراف والتقاليد الجامدة عمييا‪ ،‬تختمف عن الثقافة الحضريةالتي تتميز بسيادة الفردانية والرأي‬
‫العام والقانون الوضعي‪.‬‬

‫وىكذا يمكن القول بأن أىم ما ميز بارك في دراستو لكل الظاىر االجتماعية الحضرية ىو ىيمنة البعد‬
‫االيكولوجي عميو في تناولو ليذه الظواىر معتب ار المدينة مجاال خصبا ومختبر ا اجتماعيا لدراستيا‪ ،‬وقد قال بارك‬
‫مخاطبا طالبو " ارجعوا كل عالقة اجتماعية الى عالقة مجالية وعندئذ يمكنكم أن تطبقوا عمى العالقات بين‬
‫الناس المنطق األساسي لمعموم الفيزيائية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ارنست بيرجس (‪) 6611 – 6881‬‬

‫يشاطر بيرجس زميمو بارك فيما قدمو من تصورات ومفاىيم ايكولوجية ‪،‬وقد وجد المدخل االيكولوجي طريقو في‬

‫التطبيق عمى يده ‪ .‬ففي الكتاب الذي اشترك فيو بيرجس مع بارك سنة ‪ " 1291‬مقدمة في عمم االجتماع‬

‫‪.‬استطاع ان يقدم تميي از ال نقول انو مبتكر نظري ‪ ،‬كونو ظير في أعمال سابقة ‪ ،‬ذلك التمييز تضمن مصطمحا‬

‫المجتمع المحمي (‪ ) Community‬والمجتمع (‪ ، ) Society‬والن المجتمع المحمي بوصفو المظير المكاني‬

‫لمجماعات اإلنسانية ‪ ،‬فيو يمثل بؤرة االىتمام الرئيسية في كل دراسة ايكولوجية ‪.‬‬

‫لم يكن بيرجس ينظر الى البناء االيكولوجي لممدينة بوصفو جانبا استاتيكيا ‪ ،‬وانما اعتبره عممية ديناميكية ‪،‬‬

‫تتجسد بشكل واضح في النمو الفيزيقي لممدينة ‪ ،‬ويتمثل ىذا النمو بالتوسع المكاني داخل المدينة ‪ ،‬وىذا ىو‬

‫المحور الرئيسي في اىتمام بيرجس ‪ ،‬اذ انو يبحث ىذا الجانب بمزيد من اإلحاطة ‪ ،‬وىذا ما نجده عند تعميم‬

‫اىتمامو من التوسع المكاني الى بحث اثر ىذا التوسع عمى التنظيم االجتماعي والشخصية ‪ .‬لكن يبقى السؤال‬

‫ىنا ‪ ،‬كيف نعمل عمى قياس ىذا النمو السريع لمتوسع المكاني في المدينة ؟ ولإلجابة عمى ذلك حدد بيرجس‬

‫مؤش ار لفيم ىذه العممية االيكولوجية ‪ ،‬وىو مؤشر الحراك اوالتنقل ‪ ،‬في حين يتخذ من قيمة االرض مؤش ار‬

‫ومقياسا ليذا الحراك ‪ .‬فكمما كانت عممية التنقل سيمة ‪ ،‬كانت بالمقابل عممية التوسع المكاني متوازنة ‪ ،‬دون‬

‫احداث تفكك تسفر عنو ظواىر حضرية منحرفة ‪.‬‬

‫إذا ‪ ،‬نفيم من العرض السابق ان ثمة تغي ار يحصل في البناء االيكولوجي لممدينة ‪ ،‬ولمعرفة ىذا التغير بشكل‬
‫تطبيقي ‪ ،‬وما ينتج فيو من انماط مكانية متمايزة ‪ ،‬اعطى لنا بيرجس تصو ار لمدينة شيكاغو بوصفيا انموذجا‬
‫مثاليا ‪ ،‬احتوى عمى مجموعة من الدوائر او الحلقات الدائرية (‪) Zones‬‬

‫اذ تمثل كل حمقة نمطا ذو خصائص محددة ومختمفة عن االخرى ‪ ،‬تمتد من المركز (‪ )Center‬الى االطراف في‬

‫خمس دوائر متتابعة بمركز واحد ‪،‬وىذا ما سوف نتطرق لو عند الخوض في نظريات ايكولوجيا المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬حيث يرى أن المدينة تتوسع في شكل حمقات حول المركز األساسي وسط المدينة تتكون عمى شكل دوائر‪،‬‬

‫ويظير في ىذا النموذج ست دوائر وقد تزيد عن ذلك‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ ‬ويمكن توضيح هذه المناطق عمى النحو التالي‪:‬‬

‫‪ -0‬منطقة رجال األعمال المركزية ‪ :‬وىذا المركز ىو بؤرة الحياة التجارية لممدينة التي يوجد فييا النشاط التجاري‬

‫حيث توجد وسط المدينة وتوجد فييا المحالت التجارية الكبرى‪.‬‬

‫‪ -9‬منطقة تجارة الجممة والصناعات البسيطة (المنطقة االنتقالية) ‪:‬ويوجد بيذه المنطقة مركز الخدمات‬

‫لممواصالت العامة مثل ‪:‬السكك الحديدية والصناعات الخفيفة الممتصقة بالمراكز التجارية في مركز المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬كما أنيا تعتبر منطقة سكنية متداعية‪ ،‬ويوجد بيا غرف صغيرة كما يوجد بيا الخرائب والبيوت القذرة القديمة‬

‫التي يسكنيا الفقراء والمتسولون ‪.‬وىي مناطق الفقراء والمرضى‪.‬‬

‫‪ -‬كما توجد بيا العمارات القديمة اآليمة لمسقوط التي يسكنيا المياجرون والفقراء‪.‬‬

‫‪ -‬وتوجد ىذه الحاالت في مدينة شيكاغو التي قام بدراستيا(برجس) وعمم نتائج دراستو عمى بقية المدن‬

‫المماثمة‪.‬‬

‫‪ -3‬المنطقة السكنية لمعمال(الطبقة الدنيا)‪:‬‬

‫‪ -‬وىي المنطقة التي يسكن فييا عمال الصناعة الياربون من المنطقة الثانية) منطقة االنتقال (الذين يرغبون في‬

‫السكن بالقرب من أماكن عمميم‪.‬‬

‫‪ -‬وتعتبر اإلقامة فييا أفضل من المنطقة الثانية ‪.‬أضف إلى ذلك‪ ،‬يوجد بيا الجيل الثاني من المياجرين الشباب‬

‫الطموحين‪ ،‬كما توجد بيا منازل أفضل تتكون من أربعة أو خمسة أدوار‪.‬‬

‫‪ -‬ولكنيا تعتبر مناطق مزدحمة حيث يقيم سكان الطبقة الدنيا من السكان‪.‬‬

‫‪ -1‬منطقة الطبقة الوسطى‪:‬‬

‫‪ -‬وىي المنطقة السكنية التي توجد فييا مساكن أفضل من المنطقة الثالثة ويوجد بيا بعض العمارات والشقق‬

‫المتوسطة من حيث الحجم المناسب إلقامة أسرة واحدة من الطبقات الوسطى لممجتمع‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬كما توجد بيذه المنطقة بعض األسواق وأماكن لقضاء أوقات الفراغ مثل ‪:‬المالىي والمقاىي والمتنزىات‬

‫العامة‪.‬‬

‫‪ -8‬منطقة سكن الطبقات العميا‪:‬‬

‫‪ -‬وىي المنطقة السكنية التي يقيم بيا أبناء الطبقة العميا في المجتمع من أصحاب المين اإلدارية ورجال‬

‫األعمال وىي تضم مساكن أفضل من المناطق األخرى‬

‫‪ -‬كما أن الشقق فييا تعتبر كبيرة الحجم وتناسب الوضع االقتصادي الجيد الذي يتمتع بو األشخاص المقيمون‬

‫في ىذه المنطقة من أبناء الطبقة العميا في المجتمع‪.‬‬

‫‪ -8‬منطقة السفر اليومي والضواحي‪:‬‬

‫‪ -‬كما تسمى أيضا ضواحي المدينة وتقع خارج حدود المدينة وتضم المنازل الرحبة والشقق الفارىة والفنادق‬

‫المستخدمة لغرض السكن وىي تسمى أيضا منطقة السكان الذين يقومون برحالت يومية إلى أماكن أعماليم‪.‬‬

‫‪ -‬وقد الحظ (برجس) أن نسبة السكان الذين يممكون البيوت تتزايد كمما ابتعدنا عن مركز المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬كما أن نسبة التشرد وجنوح األحداث تتركز في وسط المدينة وتقل كمما ابتعدنا عن المركز‪.‬‬

‫‪ -‬ومن جية أخرى‪ ،‬يالحظ أن الدوائر المركزية لممدينة مازالت موجودة حتى الوقت الحاضر في كثير من‬

‫مدن الدول النامية‪ ،‬حيث أن الضغط السكاني في وسط المدينة يؤدي إلى توسعيا عمى حساب المنطقة التي‬

‫تمييا‪.‬‬

‫‪ -‬أما إذا كانت ىناك بعض العوائق الطبيعية في أحد االتجاىات‪ ،‬مثل ‪ :‬وجود البحار أو األنيار أو الجبال‪،‬‬

‫فإن المدينة في ىذه الحالة تأخذ شكل أنصاف دوائر‪.‬‬

‫هوايت ونظرية القطاعات‪:‬‬

‫‪ -‬قال بيذه النظرية العالم األمريكي (هوايت) حيث توصل ليا بعد أن قام بدراسة )‪ (142‬مدينة أمريكية في أواخر‬

‫الثالثينيات من القرن العشرين‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬وىذه النظرية تعتبر تطوي ار وتعديال لنظرية) برجس(الذي قال بتطور المدينة في قطاعات دائرية‪.‬‬

‫‪ -‬وجاءت بعد اكتشاف السيارة وسيمة لممواصالت حيث لم تعد القطارات ىي الوسيمة الوحيدة لالنتقال‪.‬‬

‫‪ -‬وبذلك اعتقد (هوايت) أن نموذج) برجس ( لم يعد مناسبا من الناحية العممية لتطور وزيادة حجم المدينة في‬

‫قطاعات دائرية‪.‬‬

‫‪ ‬وتتمخص ىذه النظرية في أن المدينة تنقسم إلى قطاعات محورية ال حمقات دائرية‪.‬‬

‫‪ -‬كما الحظ في أثناء دراستو لعينة من المدن األمريكية في تمك الفترة أن السكان يتجيون في انتقاليم في‬

‫محاور محدودة كمما نمت المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬وبذلك فإن منطقة سكن األغنياء ال تغطي حمقة بأكمميا داخل المدينة‪ ،‬وانما تغطي فقط جزءا من ىذه‬

‫الحمقة‪.‬‬

‫‪ -‬كما يحدث الشيء نفسو في القطاعات األخرى من المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬ويالحظ أن سكان القطاع ينتقمون إلى خارج المدينة كمما كبرت وتطورت‪ ،‬كما الحظ أيضا أنو كمما ينتقل‬

‫بعض السكان إلى األطراف الخارجية لممدينة فإنيم ينقمون معيم أيضا بعض المؤسسات الخدمية مثل‬

‫المحالت التجارية ومحالت بيع الخضروات والصيدليات وغيرىا‪.‬‬

‫‪ -‬كما قسم (هوايت) المدينة إلى عدة قطاعات‪:‬‬

‫‪ ‬القطاع األول ‪ :‬يشمل المنطقة التجارية ورجال األعمال وىي توجد في مركز المدينة‪.‬‬

‫‪ ‬القطاع الثاني‪ :‬يوجد تجار الجممة والصناعات البسيطة‪.‬‬

‫أما المنطقة السكنية فقسمها إلى ثالثة قطاعات حسب نوع الطبقة االجتماعية في المجتمع‪.‬‬

‫هاريس وألمان ونظرية النويات المتعددة‪:‬‬

‫‪ -‬ظيرت ىذه النظرية في منتصف األربعينيات من القرن العشرين وقد نادى بيا العالمان (هاريس‬

‫وأولمان) وذلك بعد أن ظيرت المدينة الصناعية إلى حيز الوجود وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬وقد تبين ليما أن المدينة تتميز بوجود عدة نويات منفصل بعضيا عن بعض‪ ،‬ويمكن أن تظير حول كل‬

‫منيا أنشطة مختمفة‪.‬‬

‫‪ -‬كما الحظا أن كل مدينة قد تختمف عن غيرىا في أنواع مراكزىا وعددىا‪.‬‬

‫‪ -‬وبذلك يمكن أن توجد في المدينة الواحدة نوية لتجارة الجممة ونوية لمصناعات الخفيفة ونوية لمصناعات‬

‫الثقيمة تكون غالبا في أطراف المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬كما يالحظ أن المناطق السكنية تتوزع حول ىذه النويات وكل طبقة اجتماعية سواء كانت فقيرة أم غنية‬

‫تتوزع حول الحي الذي يعمل فيو السكان حسب مستواىم االقتصادي واالجتماعي‪.‬‬

‫وحيث أن كل مدينة تختمف عن األخرى في أنواع مراكزها وعددها فإن ذلك يرجع لألسباب التالية‪:‬‬

‫‪ -0‬تحتاج بعض نواحي النشاط االقتصادي في المدينة إلى تسييالت خاصة حيث أن المنطقة التجارية تنشأ‬

‫عادة في المراكز التي تؤمن أكبر عدد من الناس مثل‪ :‬الميناء الذي ينشأ بجوار البحر والحي الصناعي‬

‫الذي ينشأ بجوار النير‪ ،‬وىكذا بالنسبة لبقية أحياء المدينة‪.‬‬

‫‪ -9‬تستفيد بعض نواحي النشاط االقتصادي من وجودىا في مكان واحد حيث أن تجمع تجار التجزئة مثال في‬

‫حي واحد يفيدىم جميعا ألنو يسيل عمى العمالء عممية الشراء والبيع والمعامالت التجارية‪.‬‬

‫‪ -3‬تنفر بعض الطبقات االجتماعية من اإلقامة بجوار بعض األنشطة االقتصادية في المدينة ‪.‬فالطبقة الغنية‬

‫مثال تنفر من اإلقامة بجوار المنطقة الصناعية وتفضل االبتعاد عنيا‪.‬‬

‫‪ -1‬ال تتحمل بعض نواحي النشاط في المدينة من تحمل عبء األرض ذات القيمة المرتفعة وسط المدينة‪.‬‬

‫‪ -‬فتجار الجممة مثال يبتعدون عن وسط المدينة ألنيم يحتاجون إلى مساحات كبيرة لتخزين بضائعيم‪.‬‬

‫لويس ويرث والثقافة الحضرية‪:‬‬

‫‪ -5‬منذ ان نشر مقالو سنة‪ 1291‬الحضرية كنمط حياة اصبح ويرث" يحظى باىمية في تاريخ السوسيولوجيا‬

‫الحضرية حيث ال نعثر عمى أي تحميل سوسيولوجي لمظاىرة ال يجع ليذه المقالة‬

‫‪11‬‬
‫‪ -6‬يرى ويرث انو يمكن تعريف المدينة كتوطن ميم الحجم نسبيا ‪ ،‬كثيف ودائم الشخاص غيرر متجانسين‬

‫اجتماعيا‬

‫‪ -7‬يركز ويرث عمى الحجم والكثافة وعدم التجانس كمعايير لممدينة ‪ ،‬وقد حاول صياغة مقاربة ثقافية لظاىرة‬

‫التحضر من خالل تعريفو السوسيولوجي الشامل لمتحضر باعتباره نمط في العيش وتوسع في المجال‬

‫الحضري ‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬ماهيـــــة التحضـــر‪:‬‬

‫يجية في نسبة‬
‫يفية إلى المناطق الحضرّية‪ ،‬وزيادة تدر ّ‬
‫التحضر يعرف التحضر بأنّو تحول الس ّكان من المناطق الر ّ‬

‫التحضر‬
‫ّ‬ ‫ئيسي لوجود مشكالت المدن‪ ،‬ويرتبط‬
‫السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرّية‪ ،‬وىو مسبب ر ّ‬
‫الصحة‬
‫ي‪ ،‬و ّ‬
‫التخصصات المختمفة كالجغرافيا‪ ،‬وعمم االجتماع‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬والتخطيط الحضر ّ‬
‫ّ‬ ‫بمجموعة من‬

‫العامة‪،‬‬

‫التحضر ىو ظاىرة عالمية تعني االتجاه المتزايد لدى سكان الريف لإلقامة في المدن (الحضر)‪ .‬لذلك ترتبط‬

‫ظاىرة التحضر ب ثالثة مصطمحات ىي‪:‬‬

‫اليجرة‪ ،‬الريف‪ ،‬المدينة‪.‬‬

‫‪-1‬الهجـرة‪ :‬ىي أن يترك شخص أو جماعة مكان إقامتيم لينتقموا إلى العيش في مكان آخر و دالك مع نية‬

‫البقاء في المكان الجديد لفترة طويمة‪.‬‬

‫‪-2‬الريـف‪ :‬ىي المناطق المحيطة بالمدن عادة‪ ،‬ويمتاز الريف بالمناطق الطبيعية و الزراعية و يعتبر المتنفس‬

‫والرئة لتحسين ظاىرة التموث البيئي الذي كثي ار ما تعاني منو المدن و المدن الصناعية خصوصا‪،‬و يختمف‬

‫الريف كثي ار عن المدن من ناحية حجم السكان و تجانسيم و الحراك االجتماعي و الناحية التعميمية و يعتبر‬

‫الريف في حالة تبعية كاممة لممدينة فالخدمات التعميمية والصحية والترفييية تتركز أغمبيا في المدينة دون الريف‬

‫و ذلك يشجع عمى اليجرة الريفية الحضرية‪.‬‬


‫‪12‬‬
‫‪-3‬المدينـة‪ :‬ىي عبارة عن نقطة وصل بين النشاطات االقتصادية و االجتماعية و الثقافية و توفر أسواق عمل‬

‫و مجاالت ظيور الصنائع و التقنيات و أماكن لتقديم الخدمات االجتماعية و التربوية و التجارية و الصناعية و‬

‫االستثمارية و غير دالك و العيش في ىدا النظام أدى إلى خمق ما يسمى باإلنسان المتحضر‬

‫مع أن االىتمام بالحديث عن المدينة كان محاولة قديمة قدم الحضارات اإلنسانية فقد ارتبطت البدايات األولى‬

‫لمدراسة العممية ليا بنشأة عمم االجتماع و تطوره حتى أن ظيور فرع متخصص لمعالجتيا لو موضوعو و منيجو‬

‫و مداخمو النظرية تعد محاولة حديثة خضعت لمتطورات النظرية و المنيجية التي مر بيا عمم االجتماع‪ ،‬لقد درج‬

‫المفكرون االجتماعيون حتى عصر الثورة الصناعية عمى النظر إلى المدينة باعتبارىا بؤرة المجتمع ذاتو ال‬

‫باعتبارىا شكال خاصا و ممي از من أشكال الحياة االجتماعية‪ ،‬وقد ظير دالك في الكثير من الكتابات القديمة مثل‬

‫كتابات أرسطو‪ ،‬أفالطون و القديس أغستين و تأكدت ىده النظرة عمى نحو أكثر وضوح في أعمال مكيافال إلى‬

‫أن جاء روسو و آخرون في محاوالت نظرة إلى المدينة كنمط مميز من المجتمع كما ىو الحال عند جون بوديو‬

‫في ق ‪ 11‬و رغم ىدا فإنو لم يتحدد مجال الدراسات الحضرية بوضوح حتى عيد قريب جدا‪ ،‬و يعتبر كتاب‬

‫العالم اإليطالي جيوفاني بوتيرو الذي نشره عام ‪ 1921‬تحت عنوان " المدينة " أول كتاب يصدر عن المدينة‪ ،‬و‬

‫لم يكن في نظر الكثيرين أكثر من مجرد فضول عممي لباحث غير متخصص و في بداية ق ‪ 11‬أصبحت‬

‫المدينة موضوع اىتمام الكثيرين من الباحثين في تخصصات متعددة و قدموا تراث عممي كبير عن المدينة أمثال‬

‫جرانت‪ ،‬ماير‪ ،‬سيبون‪ ،‬ىورد و لكن المالحظ أن ىده الدراسات لم تمثل لنا ما نسميو عمم االجتماع الحضري‬

‫إنما ىي دراسات اتخذت المدينة موضوعا ليا لخدمة عموم أخرى كاالقتصاد و الجغرافيا ‪......‬‬

‫إن موضوع التحضر وما رافقو من زيادة في توقعات السكان الحضر نسبة إلى سكان البالد قد اثر وبشكل‬

‫مباشر عمى جممة من العناصر الييكمية لممدينة وبالتالي افقدىا جزءا ميما في تحقيق التوازن المطموب تنميتو و‬

‫إعادة نشر ىذا التوازن إلى أجزاء أخرى من البالد فالتحضر في الدول النامية ىو ليس ذلك التحضر الذي يسود‬

‫الدول المتقدمة والذي غالبا ما يكون تحض ار متدرجا وخاضعا لتوجيات وتأثيرات ونسب من النمو المترادف مع‬

‫الحاجات المطموبة لأليدي العاممة‪ ،‬فالنمو االقتصادي وتركز النشاطات االقتصادية في الدول المتقدمة مرده إلى‬
‫‪13‬‬
‫وجود حاجة لجذب األيدي العاممة القادرة والماىرة عمى أداء تمك األعمال والنشاطات ‪ .‬إذن ىو يبحث في جانبو‬

‫التنموي التكنيكي في سرعة وتطور الفعالية دون األضرار بالمعايير الموضوعة لحصة الفرد من السكان أو من‬

‫المياجرين من الخدمات وغيرىا‪ .‬أما بالنسبة لمدول النامية فان مسألة التحضر لم تكن بذلك التدرج‪ ،‬وانما جاءت‬

‫بشكل قفزات سريعة وذات إيقاع غير متناغم مع استيعاب المراكز الحضرية لتمك اليجمات السكانية المتالحقة‬

‫ودالك الرتباطيا بدخول االستعمار واستيالئو عمى األراضي الزراعية الخصبة إضافة إلى استعمال المكننة‪،‬‬

‫ىجرة الفالحين نحو المدن و ظيور مدن كبرى أو عمالقة‪.‬‬

‫و يكاد المشتغمون بعمم االجتماع الحضري يجمعون عمى أن البداية الحقيقية لعمم االجتماع الحضري كانت عمى‬

‫يد األمريكي بارك الذي كانت مقالتو المدينة عام ‪ 1219‬مرحمة جديدة لقيام فرع جديد و مستقل يوجو أساسا‬

‫لدراسة الحضرية‪.‬‬

‫إشكالية التحضر في العالم الثالث‬

‫إن إشكالية التحضر في دول العالم الثالث‪ ،‬وما يرتبط بيا من إشكاالت اقتصادية واجتماعية وثقافية وادراية‬

‫وسياسية ومجالية‪ ...‬أضحت من بين اإلشكاالت الكبرى التي تواجو تطبيق الخطط واالستراتيجيات التنموية في‬

‫ىذه الدول‪.‬‬

‫غير أن خصوصية التحضر بيذه الدول‪ ،‬تجعل من مسألة التنمية الحضرية بل التنمية في معناىا العام أمر‬

‫صعب التحقق نظ ار لجسامة اإلشكاالت التي أضحت تعاني منيا المدينة كفضاء واطار ترابي ومجالي وببنية‬

‫مورفولوجية مركبة تجمع بين أكبر من خاصية من خصائص التحضر‪ ،‬بحيث لم تتضح بعد وبشكل جمي‬

‫مميزات وخصائص التحضر والحضرية في مدن دول التبعية‪ ،‬التي تتشكل من فسيفساء من األنماط االجتماعية‬

‫واالقتصادية تجعمك من الصعب عميك التمييز بين ما ىو ريفي‪ -‬قروي وبين ماىو حضري‪ -‬مديني‪.‬‬

‫وىذا التداخل راجع باألساس المدينة أو ظاىرة التحضر في ىذه الدول لم تنمو بشكل طبيعي وفق سيرورة‬

‫تاريخية تخول ليا التطور والتقدم بشكل طبيعي‪ ،‬إذ غالبا ما ارتبط تشكميا الحديث بالتوسع اإلمبريالي الذي‬

‫تعرضت لو خالل نياية القرن ‪ 12‬وبداية القر‪ ،92‬وبتزايد النمو الديمغرافي وارتفاع حركات اليجرة القروية بفعل‬
‫‪14‬‬
‫الكوارث االقتصادية‪ ،‬والطبيعية التي كانت تتعرض ليا البادية وتفكك بنياتيا االجتماعية واالقتصادية والثقافية‬

‫أكثر مما ارتبط بتراكمات وسيرورة تقدمية طبيعية عكس الدول الغربية التي كانت فييا الظاىرة الحضرية استجابة‬

‫لمتحوالت والتغيرات االجتماعية والثورات الصناعية والثقافية التي عرفتيا أوربا في مسيرتيا التاريخية الحديثة‪" .‬‬

‫إن التحضر في الدول الصناعية كانت نتيجة حتمية لعممية تاريخية ذاتية كاستجابة لمثورة الصناعية وما صحبيا‬

‫من تحوالت عميقة في البنيات االجتماعية واالقتصادية والثقافية‪ .‬في حين أن التحضر في البمدان المتخمفة كان‬

‫نتيجة لميكانيزمات أخرى تختمف اختالفا جوىريا عن الشروط التاريخية التي عرفتيا البمدان الصناعية‪ .‬إن‬

‫التحضر في البمدان المتخمفة ليس إعادة تاريخية لتجربة الدول المصنعة بل عممية ليا خصوصياتيا التاريخية‬

‫واذا كانت ظاىرة التحضر ىي ظاىرة اجتماعية قديمة في جميع المجتمعات‪ ،‬ومنيا دول العالم الثالث فان عدد‬

‫السكان الحضريين حتى القرن التاسع عشر لم يكونوا يمثمون سوى ‪ %1.1‬من مجموع السكان‪ ،‬وقد ازدادت ىذه‬

‫النسبة بشكل متسارع جدا‪ ،‬إذ نالحظ أن سكان العالم قد تضاعفوا مرتين بين ‪ 1122‬و ‪ 1292‬في حين أن السكان‬

‫الحضر قد تضاعفوا عشرين مرة وأصبحوا يمثمون سنة ‪ 99 % 1292‬من سكان العالم[‪.]99‬‬

‫واذا كانت أوربا قد عرفت استق ار ار نسبيا في النمو الحضري خالل النصف الثاني من القرن‪ 12‬فإنو عمى العكس‬

‫من ذلك ذلك قد عرفت دول العالم الثالث انفجا ار حضريا خاصة بعد مرحمة تحررىا الوطني من قبضة‬

‫االستعمار‪ ،‬وقد ترتب عن التوسع الحضري الفجائي والفوضوي العديد من المشاكل االجتماعية واالقتصادية‬

‫والثقافية‪ ،‬نظ ار لكون التحضر في ىذه الدول لم يأتي نتيجة لمتقدم الصناعي واالقتصادي لسببين أوليما أن ىذه‬

‫البمدان لم تعرف تقدما صناعيا ذاتيا مستقال‪ ،‬وثانييما أن التحضر في ىذه البمدان يرجع باألساس الى التدخل‬

‫االستعماري األجنبي الذي عمل عمى تفكيك البنيات االجتماعية والقتصادية والثقافية ليذه الدول‪.‬‬

‫" إن التحضر في دول العالم الثالث يتم بعيدا عن التقدم التكنولوجي واالقتصادي وتؤكد بعض الدراسات الغربية‬

‫األمريكية بصفة خاصة‪ ،‬أن النمو السكاني والحضري يسير في اتجاه معاكس مع النمو التكنولوجي‪ ،‬إن االرتباط‬

‫بينيما سمبي ومن أىم خصائص التحضر في الدول التابعة لمميتروبوالت الغربية‪ ،‬أنو جاء نتيجة عاممين‬

‫أساسيين‪ :‬ىما ارتفاع نسبة النمو الديمغرافي في ىذه البمدان ثم ارتفاع حركة اليجرة القروية نحو المدن‪ ،‬غير أن‬
‫‪15‬‬
‫ىذين العممين يبقيان قاصرين عمى تفسير الظاىرة الحضرية في ىذه الدول‪ ،‬إن لم نأخذ بعين االعتبار موقع ىذه‬

‫الدول داخل نمط اإلنتاج الرأسمالي حسب امانويل كاستيمز الذي يؤكد عمى أن ىذه الظاىرة ليست ذاتية وجاءت‬

‫نتيجة لنمو وتقدم تاريخي طبيعي تراكمي طبيعي‪ ،‬بل ان ظاىرة التحضر والتخمف والتبعية والفقر‪ ...‬في ىذه‬

‫البمدان ذات الكثافة السكانية المرتفعة جاءت نتيجة حتمية لمعالقة الالمتكافئة بينيا وبين الدول االستعمارية التي‬

‫استفادت من ىاتو العالقات وعممت عمى ترسيخ التخمف وتشويو سيرورة التقدم التاريخي في ىذه المجتمعات‬

‫التي ظمت قابعة لفترات طويمة تحت نير االستعمار‪ ،‬كما عممت عمى تفكيك بنياتيا التقميدية ونشر نمط انتاجي‬

‫رأسمالي ليست ىس في عداد قواه وال تتوفر عمى الشروط التاريخية الستيعابو وبالنتالي انتشرت في ىذه البمدان‬

‫أنماط انتاجية ىجينية تتميز باالزدواجية بين نمط انتاجي رأسمالي حديث ونمط انتاجي تقميدي‪ .‬ىذ ه االزدواجية‬

‫لم تسمح ليذه البمدان لكي تحقق قفزة نوعية في تاريخيا من أجل الخروج من التخمف والتبعية لدول المركز‪.‬‬

‫ومن المظاىر األخرى لمتحضر في الدول التبعية‪ ،‬فيو أنيا تعرف ما يسمى بالتحضر المتسارع كخاصية‬

‫تاريخية مرتبطة بيا‪ ،‬الذي يعبر عن جدلية تمك العالقة الالمتكافئة والييمنة الممارسة عمى دول المحيط من‬

‫طرف دو المركز‪ ،‬ويصنف كاستيمز الييمنة ىاتو الى ثالث أصناف‪:‬‬

‫الييمنة االستعمارية‪.‬‬

‫الييمنة الرأسمالية التجارية‪.‬‬

‫الييمنة االمبيرالية والصناعية‪.‬‬

‫وتتخذ التبعية ىاتو أشكال متعددة عمى المستوى العالمي بين دول المركز ودول المحيط وعمى المستوى المحمي‬

‫بين القرية والمدينة‪ ،‬ىذه األخيرة تمارس كل أشكال الييمنة والسمطة واإلغراء عمى البادية‪ ،‬التي تصبح بسبب‬

‫عالقاتيا الالمتكافئة مع المدينة خاضعة لسيطرة واالستغالل وفاقدة بالتالي لخيراتيا وثرواتيا ورأسماليا البشري‬

‫لصالح المدينة التي تستفيد منو دون االستثمار في العالم القروي‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وىكذا يمكن القول بأن التحضر السريع والفجائي الذي عرفتو بمدان التبعية قد ترتب عنو جممة من المشاكل‬

‫والظواىر االجتماعية كاكتظاظ السكان‪ ،‬والمدن الصفيحية‪ ،‬السكن العشوائي (غير قانوني) األمراض‪ ،‬األوبئة‪،‬‬

‫البطالة‪....‬‬

‫وغيرىا كثير من الظواىر االجتماعية التي أصبحت معرقال حقيقيا لمتنمية والتحديث في دول التبعية‬

‫التحضر في الوطن العربي‪:‬‬

‫مقومات ‪ /‬عوامل التحضر في الوطن العربي‪:‬‬

‫‪ -6‬اليجرة الداخمية (الريفية الحضرية)‪.‬‬

‫‪ -9‬إعادة تصنيف التجمعات الريفية من قبل السمطة العميا‪.‬‬

‫‪ -9‬اليجرة الدولية (الوافدة)‪.‬‬

‫‪ -4‬ارتفاع معدالت الزيادة الطبيعية في المدن عنيا في األرياف‪.‬‬

‫‪ -6‬اليجرات القسرية‪.‬‬

‫تصنيف المجتمعات العربية حسب درجة التحضر ‪:‬‬

‫تنقسم المجتمعات العربية حسب درجة التحضر السائدة فييا إلى أربع مجموعات ىي‪:‬‬

‫‪ -1‬مجتمعات عالية التحضر بالمطمق يزيد فييا نسبة السكان الحضر عن ثمثي إجمالي السكان من ىذه‬

‫المجتمعات لبنان‪ ،‬المممكة العربية السعودية‪ ،‬البحرين‪ ،‬قطر‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪ -9‬مجتمعات عالية التحضر وذات نمو حضري متصاعد تتراوح نسب السكان الحضر فييا ما بين ‪%91-92‬‬

‫من إجمالي عدد السكان ‪ .‬من ىذه المجتمعات سوريا‪ ،‬المغرب‪ ،‬تونس ‪ ،‬الجزائر‪.‬‬

‫‪ -9‬مجتمعات متوسطة التحضر تتراوح فييا نسب السكان الحضر بين ثمث إجمالي عدد السكان ونصفو وىما‬

‫المجتمع المصري واليمني‪.‬‬


‫‪17‬‬
‫‪ -4‬مجتمعات ريفية تقل فييا نسب السكان الحضر عن ثمث إجمالي عدد السكان وىي مجتمعات سمطنة عمان‬

‫والسودان والصومال‪.‬‬

‫مشكالت التحضر في الوطن العربي ‪:‬‬

‫أدت عممية التحضر السريعة إلى ظيور عدد من المشكالت منيا‪:‬‬

‫‪ -1‬تزايد الضغط عمى البنية التحتية وضعف مستوى الخدمات‪,‬‬

‫‪ -9‬التموث البيئي ونقص الغذاء الصحي‪.‬‬

‫‪ -9‬ارتفاع معدالت البطالة‪.‬‬

‫‪ -4‬عدم تحقيق التوازن في مستويات التنمية االجتماعية واالقتصادية بين األقاليم داخل المجتمع الواحد‪.‬‬

‫‪ -9‬ظيور العديد من المشكالت المرضية‪.‬‬

‫‪ -9‬ظيور المناطق والتجمعات العشوائية بالقرب من المدن‪.‬‬

‫‪ -1‬الخمل في التركيب العمري والميني بسبب استقدام أيدي عاممة من الخارج‪.‬‬

‫يمر العالم العربي بحالة تحضر سريعة لم يزامنيا تخطيط شامل يساعد عمى إحداث التنمية المستدامة‪.‬‬

‫يشيد الوطن العربي ظاىرة المدينة المييمنة حيث يتركز السكان والخدمات في العواصم وفي بعض المدن‬

‫الرئيسة مما أدى إلى تيميش المدن األخرى وكذلك المناطق النائية ‪ .‬اضافة الى بروز مظاىر الفقر الحضري‬

‫في المجتمعات العربية‪.‬‬

‫و في ظل تزايد معدالت التحضر تعاني بعض الدول من نقص موارد المياه‪ .‬مع شيوع مظاىر التخمف‬

‫االجتماعي والمادي في المجتمعات العربية‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫التحضر في الجزائر‪:‬‬

‫إن التحضر في الجزائر ليست ظاىرة جديدة في الوسط الجزائري بل قديمة قدم حضارة البحر األبيض المتوسط‬

‫و قد وجدت بقايا مستوطنات حضرية في الجزائر يعود تاريخيا إلى ما قبل الميالد‪ ,‬وقد اختمفت خصائص ىذه‬

‫المستوطنات الحضرية من زمن إلى آخر حسب اختالف األجناس التي شيدوىا وعاشوا فييا‪ ,‬واختالف الدوافع‬

‫التي دفعتيم لمعيش في الوسط حضري مميز عن األوساط الريفية المجاورة إال إن المؤكد أن ىذه المستوطنات‬

‫استطاع المقيمون بيا أن يتحرروا من الحياة الريفية والنشاط الزراعي إلى أنشطة موازية مختمفة ومتخصصة‬

‫وحرفية وتجارية‪.‬‬

‫وقد عرفت الجزائر حياة حضرية متنوعة عبر تاريخ طويل من الشعوب التي عاشت فوق أرضيا‪ ,‬متمثمة في‬

‫خاليا لمدن تطور لبعض منيا وتواصل في حين اندثر البعض األخر وانقرض نتيجة لتاريخ ممموء بالحروب‬

‫واالضطرابات تارة واالستقرار واالزدىار تارة أخرى‬

‫ونتيجة لتعاقب ىذه األجناس البشرية عمى ىذا الجزء من المغرب العربي بدا بالغزو الروماني فاالجتياح الوندالي‬

‫ثم البيزنطي إلى الفتوحات العربية اإلسالمية وتسمسل الدويالت اإلسالمية التي بسطت نفوذىا عمى الجزائر‬

‫مرو ار بالحكم العثماني إلى االستعمار الفرنسي‪.‬‬

‫كل ىذه التشكيالت بسياساتيا وثقافتيا وحضارتيا تركت بصماتيا واضحة في التراث العمراني بالجزائر إذ‬

‫ساىمت بشكل أو بآخر في تشكيل الشبكة الحضرية الحالية في الجزائر‬

‫مراحــــــــــل التحضـر في الجزائــــر‪:‬‬

‫لت نسبة الحضر في الجزائر في تعداد ‪ 1211‬حوالي ‪ %42‬من مجموع السكان في حين أن ىذه النسبة كانت‬

‫حوالي ‪ %9‬في بداية القرن ال‪ 12‬أي بعبارة أخرى فقد ارتفعت نسبة سكان المدن إلى مجموع السكان بحوالي‬

‫‪ %49‬في ظرف قرن ونصف ونحاول تمخيص مراحل التحضر في الجزائر كما يمي ‪:‬‬

‫المرحمة األولى ‪ : )6661-6881 ( :‬وىي مرحمة استكمال الغزو الفرنسي لمجزائر وتوسيع االستيطان األوربي‬

‫عمى حساب أراضي القبائل والعروش المتواجدة في السيول الساحمية الخصبة واألحواض الداخمية واقامة‬
‫‪19‬‬
‫المستوطنات واألحياء األوربية بالقرب من المدن الجزائرية العتيقة وتدعيميا باليياكل األساسية من طرق برية‬

‫وسكك حديدية ‪ ,‬أنجزت بأيادي جزائرية استقطبت من األرياف تبدأ ىذه الشبكة عند مصادر المواد األولية من‬

‫معادن وثروات طبيعية أخرى وتنتيي عند الموانئ من اجل ربط الجزائر بفرنسا في مجال التصدير واالستيراد‬

‫المواد األولية الخام مقابل المنتجات الصناعية الفرنسية‬

‫ظمت األغمبية الساحقة من الجزائريين خالل ىذه المرحمة تعيش في األرياف بأوضاعيا المزرية المتدىورة في‬

‫جميع المجاالت األمر الذي دفع الكثير منيم إلى اليجرة نحو المراكز الحضرية والعمل في األشغال الشاقة‬

‫كحفر خنادق السكك الحديدية وانجاز الموانئ وشق الطرق عبر الجبال‪.‬‬

‫المرحمة الثانية (‪ :)6691-6661‬مرحمة االضطرابات وكثرة الحروب واألزمات االقتصادية العالمية التي أثرت‬

‫عمى األوضاع االقتصادية واالجتماعية في الجزائر وتسبب في انتشار الفقر من جراء تناقض اإلنتاج الزراعي‬

‫الفرنسي وتعويضو بالمنتوج الزراعي الجزائري خاصة الحبوب‬

‫واستمرت ىذه الوضعية الصعبة إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية‪,‬وقد أدت ىذه الظروف السياسية واالقتصادية‬

‫إلى اليجرة من األرياف إلى المدينة بحثا عن ظروف أفضل‬

‫المرحمة الثالثة(‪ :)6611-6691‬مرحمة اندالع ثورة التحرير والسنوات األولى من االستقالل التي شيدت معدالت‬

‫نمو حضري مرتفعة وىجرة من األرياف اتجاه المدن بسبب انعدام األمن ‪,‬وسياسة التشريد والطرد والتقتيل‬

‫الجماعي واقامة المحتشدات لمراقبة سكان األرياف وعزليم عن الثورة‪,‬بعد االستقالل تواصمت اليجرة المكثفة نحو‬

‫المدن بسبب عودة الالجئين الجزائريين من المغرب وتونس واستقرارىم في المدن زيادة عن اليجرة المكثفة من‬

‫األرياف بسبب تواجد حظيرة السكن الشاغر في المدن من جراء مغادرة الفرنسيين الجزائر‬

‫المرحمة الرابعة(‪ :)6611-6611‬وىي مرحمة التخطيط االقتصادي وسياسة التصنيع التي تبناىا الرئيس الراحل‬

‫ىواري بومدين مصحوبة بإصالحات زراعية كتأميم األراضي وانشاء التعاونيات الفالحة وبناء القرى االشتراكية‬

‫‪,‬كل ذلك أدى إلى تحريك السكان إلى المدن بحثا عن العمل وحياة أفضل بسبب سياسة التركيز عمى عممية‬

‫التصنيع في مجال االستثمارات وتيميش الزراعة نوعا ما‬


‫‪20‬‬
‫المرحمة الخامسة(‪ :)1211-6611‬وىي مرحمة تشبع المدن وكثرة األزمات االجتماعية خصوصا أزمة السكن‬

‫الحادة وانتشار البطالة من جراء العدول عن االستثمار في القطاع الصناعي ونزع الدعم الحكومي لبناء السكن‬

‫وباقي القطاعات األخرى وعدم قدرة اليياكل والتجييزات الحضرية من تغطية الحاجيات السكانية المتزايدة‬

‫مشاكـــــــل التحضــــــر‪:‬‬

‫ظيرت مشاكل متعددة لظاىرة التمدن السريع بالبمدان النامية نذكر منيا ما يمي‪:‬‬

‫‪ -‬حصول زخم سكاني في المدن يفوق اإلسقاطات والتنبؤات السكانية‪.‬‬

‫‪ -‬حصول التركز السكاني المفرط في مدن معينة وخاصة المدن الكبيرة‪.‬‬

‫‪ -‬اختالف المستوى المعيشي ألفراد المجتمع الساكنين في نفس المدينة يؤدي إلىوضوح‬

‫المشكمة وظيور حالة عدم التآلف االجتماعي وضعف العالقات االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬ظيور مشكمة النقص الحاد في السكن و ىدا العشوائي أي غير المنظم‪.‬‬

‫‪ -‬ظيور الجرائم و قمة األمن االجتماعي و ارتفاع معدالت اإلجرام‪.‬‬

‫‪-‬ضعف الخدمات االجتماعية و ىدا بسبب التضخم السكاني‪.‬‬

‫‪ -‬انخفاض نسبة التمدرسو غالبا ما تكون في األحياء الفقيرة‪.‬‬

‫‪ -‬قمة الخدمات الصحية‪.‬‬

‫‪ -‬ظيور اآلفات االجتماعية مثل‪ :‬التسول‪ ،‬التشرد و أطفال الشوارع‪.‬‬

‫‪ -‬ىشاشة و انعدام البنية التحتية مثل‪ :‬غياب قنوات التصريف‪ ،‬غياب خطوط الياتف و‬

‫انعدام الماء الشروب‪.‬‬

‫‪ -‬ظيور مشاكل بيئية مثل‪ :‬تموث المياه‪ ،‬تقمص المساحات الخضراء و ازدحام المواصالت‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫معالجـــــة مشكـــل التحضــر‪:‬‬

‫يمكن تحديد األسموب األمثل لمعالجة المشاكل االجتماعية لظاىرة التحضر في البمدان النامية من خالل النقاط‬

‫التالية‪:‬‬

‫‪-‬إتباع سياسة لإلسكان الريفي و الحضري بحيث تستند إلى أسس عممية و كمية تقوم بقياس الحاجة السكانية‬

‫و تمبية النقص الموجود‪.‬‬

‫‪-‬إتباع سياسة التخطيط اإلقميمي المستندة عمى التوزيع األمثل لحجم المدن و تحديد حجميا حسب تدرجيا‬

‫اليرمي‪.‬‬

‫‪-‬معالجة اليجرة من المدينة إلى الريف بموجب ق اررات و تشريعات تخص ىدا الموضوع‪.‬‬

‫‪-‬زيادة كفاءات الخدمات المقدمة لألرياف بالشكل الذي يؤدي إلى التقميل من معدالت اليجرة‪.‬‬

‫‪-‬االىتمام باألرياف من ناحية فرص العمل و معالجة البطالة‪.‬‬

‫‪-‬و ضع األسس التخطيطية لألمن االجتماعي و تحديد مراكز مخصصة لذلك‪.‬‬

‫‪-‬االىتمام بالمدن التقميدية القديمة بإجراء عمميات التجديد الحضرية و ىذا لفائدتين األولى استغالل ىده‬

‫المناطق المتيرئة و الثانية ىي عدم تركيا مأوى لممجرمين‪.‬‬

‫إشكاليـــــة التحضــر بالجزائـــر‪:‬‬

‫إن التحضر في الجزائر ليست ظاىرة جديدة في الوسط الجزائري بل قديمة قدم حضارة البحر‬

‫األبيض المتوسط و قد وجدت بقايا مستوطنات حضرية في الجزائر يعود تاريخيا إلى ما قبل‬

‫الميالد‪ ,‬وقد اختمفت خصائص ىذه المستوطنات الحضرية من زمن إلى آخر حسب اختالف‬

‫األجناس التي شيدوىا وعاشوا فييا‪ ,‬واختالف الدوافع التي دفعتيم لمعيش في الوسط حضري مميز‬

‫عن األوساط الريفية المجاورة إال إن المؤكد أن ىذه المستوطنات استطاع المقيمون بيا أن يتحرروا‬

‫‪22‬‬
‫من الحياة الريفية والنشاط الزراعي إلى أنشطة موازية مختمفة ومتخصصة وحرفية وتجارية‪.‬‬

‫وقد عرفت الجزائر حياة حضرية متنوعة عبر تاريخ طويل من الشعوب التي عاشت فوق أرضيا‪,‬‬

‫متمثمة في خاليا لمدن تطور البعض منيا وتواصل في حين اندثر البعض األخر وانقرض نتيجة‬

‫لتاريخ ممموء بالحروب واالضطرابات تارة واالستقرار واالزدىار تارة أخرى‬

‫ونتيجة لتعاقب ىذه األجناس البشرية عمى ىذا الجزء من المغرب العربي بدا بالغزو الروماني‬

‫فاالجتياح الوندالي ثم البيزنطي إلى الفتوحات العربية اإلسالمية وتسمسل الدويالت اإلسالمية التي‬

‫بسطت نفوذىا عمى الجزائر مرو ار بالحكم العثماني إلى االستعمار الفرنسي‪.‬‬

‫كل ىذه التشكيالت بسياساتيا وثقافتيا وحضارتيا تركت بصماتيا واضحة في التراث العمراني‬

‫بالجزائر إذ ساىمت بشكل أو بآخر في تشكيل الشبكة الحضرية الحالية في الجزائر‪.‬‬

‫بعـض انعكــاسات التحضــر في الجزائـــــــر‪:‬‬

‫أدى النمو الحضري المتزايد نتيجة لعدة أسباب في الجزائر إلى انعكاسات سمبية كثيرة من بينيا نذكر ما يأتي‪:‬‬

‫‪-‬أزمة السكن الحضري‪:‬إن كثرة الطمب عمى السكن الحضري بسبب الزيادة الطبيعة بين سكان المدن من جية‬

‫وبسبب استمرار اليجرة الريفية المقدرة بحوالي ‪ 130.000‬نسمة سنويا مع نياية الثمانينات‪ ,‬جعل الدولة‬

‫وسمطاتيا المحمية غير قادرة عمى تمبية الطمبات المتزايدة عمى السكن‪ ,‬ففي مدينة وىران وحدىا بمغ عدد الممفات‬

‫المسجمة لدى ديوان الترقية العقارية والتسيير العقاري لمحصول عمى سكن اجتماعي حوالي ‪ 30.000‬ممف‬

‫مقبول سنة ‪1994‬‬

‫كما أصبح من الصعب الوصول إلى تحقيق التوازن بين االحتياج الحقيقي لسكن الحضري من جية والطمب‬

‫المتزايد عميو من جية ثانية ‪,‬رغم جيود الدولة المتواصمة في توفير السكن الحضري ودعم السكن االجتماعي‬

‫لمفئات المحدودة الدخل وسوف تستمر أزمة السكن الحضري في الجزائر خالل العشرية المقبمة بسبب العجز في‬

‫‪23‬‬
‫السكن الذي قدر بحوالي مميون وحدة سكنية سنة ‪.1994‬‬

‫‪-‬التدهور في مستوى تجهيز المدن بالمرافق والخدمات‪ :‬جميع المؤشرات توضح تدىور مستوى مرافق‬

‫والخدمات في المدن الجزائرية التي أصبحت طاقتيا محدودة لمواجية تزايد عدد سكان الحضر من بين ىذه‬

‫المؤشرات اختناق المدن الكبرى بحركة المرور نتيجة الزيادة المرتفعة لعدد السيارات‪ ,‬وعدم تطور شبكة الطرق‬

‫لتمبية متطمبات حركة المرور المكثفة بيا كما أن وسائل النقل الحضري أصبحت عاجزة عن تمبية احتياجات‬

‫تنقل السكان خالل رحالتيم اليومية‪ ,‬واحسن مثال عمى ذلك حركة المرور بمدينة الجزائر العاصمة‪ ,‬وىران‬

‫قسنطينة ‪,‬عنابة‪ .‬ليذا يستمزم التفكير الجيد و التخطيط المحكم لتوفير اليياكل القاعدية الضرورية لميدان النقل‬

‫بصفة عامة‪ ,‬كضرورة تجييز المدن جديدة والحياء السكنية بجميع الخدمات والمرافق الضرورية لتخفيف من‬

‫درجة االختناق‪.‬‬

‫‪-‬تناقص كمية المياه الصالحة لمشرب‪:‬‬

‫أصبح تمويل المجموعات الحضرية بالمياه الصالحة لشرب يعد إحدى المشاكل الكبرى التي تواجو سكان المدن‬

‫قد تناقص معدل كمية المياه المستيمكة يوميا بالنسبة لمفرد الواحد في المدن الجزائرية من ‪150‬ل سنة ‪1966‬‬

‫إلى ‪80‬ل سنة ‪.1987‬‬

‫إذ أصبح من الصعب تعبئة المياه الضرورية لمواجية النمو الحضري السريع المتمثل ليس فقط في توسع المدن‪,‬‬

‫وزيادة عدد سكانيا ‪,‬بل وفي االستيالك الواسع لكميات المياه في الصناعة وقد صاحب ىذه الزيادة المذىمة في‬

‫كميات المياه المستيمكة في المدن والصناعة تناقص كبير في كميات مياه مسخرة لري الذي أصبح يعتمد في‬

‫معظمو عمى مياه اآلبار المحمية بدال من مياه السدود ‪ ,‬وقد انعكس ىذا سمبا عمى األراضي المسقية التي تمون‬

‫التجمعات الحضرية بالمنتوج الزراعي ‪ ,‬وحسب الدراسات واألبحاث التي قامت بيا الوكالة الوطنية لمموارد المائية‬

‫في الجزائر فإن العجز المسجل في التجمعات الحضرية يعود أساسا إلى سوء تسيير قطاع المياه وارتفاع نسبة‬

‫‪24‬‬
‫التسرب والضياع مقدرة بحوالي ‪ %40‬من مجموع الكميات المنتجة سنويا وىذا بسبب قدم أنابيب شبكة نقل‬

‫المياه في المدن ‪,‬وقمة الصيانة والتبذير الناتج عن انخفاض تسعيرة المياه قبل ‪.1990‬‬

‫‪ -‬اكتساح التوسع العمراني لأل راضي الزراعية‪:‬‬

‫تعتبر األراضي الزراعية في الجزائر من العناصر الطبيعية النادرة ومساحتيا محدودة حيث قدرت في سنة‬

‫‪ 1992‬بحوالي ‪ 7.5‬مميون ىكتار أي بنسبة ‪ %3‬من المساحة اإلجمالية لمبالد وتقع اغمبيا في الشمال‪ .‬وقد‬

‫اكتسحت األراضي الفالحة الخصبة في الكثير من الحاالت بسبب المنشآت العمرانية المتمثمة في بناء السكن‬

‫والمناطق الصناعية والتموث الصناعي‪ ,‬وقد لوحظ سيولة التعدي عمى األراضي الفالحة في القطاع العام وأمالك‬

‫الدولة ‪ ,‬أما اآلن فقد حد من ذلك الممك الخاص ‪.‬‬

‫إن ظاىرة التحضر التي أصبحت منتشرة في كثير من المراكز العمرانية في الجزائر ‪,‬صارت تواجو العديد من‬

‫المشاكل منيا ما يمي‪:‬‬

‫‪-‬ارتفاع معدالت النمو الحضري التي أصبحت تتراوح ما بين ‪%9-9‬سنويا في مختمف إحجام المدن الجزائرية‬

‫‪-‬عدم القدرة عمى السيطرة عمى التوسع الحضري و احترام مخططات التييئة والتعمير بسبب االختالل في‬

‫التوازن بين سرعة نمو النسيج العمراني وقمة إمكانيات وسائل المراقبة أو انعداميا في بعض األحيان‬

‫‪-‬فقدان السيطرة األمنية عمى المدن نتيجة النمو العمراني المفرط والغير المخطط أي أن ظاىرة التحضر في‬

‫الجزائر واإلشكاليات الناتجة عنيا يمكن إرجاعيا إلى ‪:‬‬

‫‪-‬الموجات المستمرة لتوافد من األرياف نحو المراكز الحضرية بسبب االكتظاظ وتناقص فرص الشغل وعدم‬

‫تطوير وتييئة األرياف‬

‫وكمحاولة من ظاىرة التحضر الحتمية في الجزائر وضع الخبراء والباحثين الميتمين مجموعة من المحاوالت‬

‫واإلستراتيجيات والبدائل التي يمكن اعتبارىا وقاية لنمو الحضري المتوقع مستقبال‪ ,‬والتي نذكر منيا‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬تحديد الطاقة اإلستعابية المتوقعة والممكنة لكل مدينة وفق محدداتيا و إمكانياتيا الطبيعية واالجتماعية‬

‫واالقتصادية‬

‫و ظاىرة المجتمعات الحضرية‪ ,‬التي بدأت تظير في الجزائر (الجزائر العاصمة ‪,‬وىران ) حيث تداخمت حدود‬

‫بعض المراكز الحضرية ومجاالتيا حتى أصبح من الصعب تعريف الحدود الوسطية ليذه المراكز بسبب تالحم‬

‫بسياجيا العمراني ولذا يجب االستفادة من تجارب البمدان التي سبقتنا في ىذا المجال وذلك‬

‫بتقسيم المجتمعات الحضرية إلى وحدات إدارية تتمتع بدرجة من االستقاللية ولعل العدد المناسب لسكان الوحدة‬

‫الحضرية الواحدة يتراوح ما بين ‪ 42-92‬ألف نسمة حتى تسيل عممية التسيير الوحدة‬

‫‪ -‬بناء ىيكمة حضرية متزنة عبر مختمف جيات التراب الوطني مع عدم التركيز عمى العاصمة أو المدن المتر‬

‫وبولية ‪,‬المدن الجيوية الكبرى ‪,‬من أجل إيجاد نوع من التوازن بين أحجام التجمعات الحضرية من جية ولتوجيو‬

‫النمو العمراني نحو مراكز حضرية ثانوية بدال من التركيز عمى المدن الكبرى‬

‫‪ -‬تييئة إقميم المدينة لتخفيف من الضغط المركز عمى المدينة إداريا و اقتصاديا‬

‫تشجيع اليجرة العكسية من المدن إلى األرياف وذلك عن طريق عدة إجراءات تحفيزية وىي كما يمي ‪-‬‬

‫أ*‪ -‬تنمية المناطق الريفية والعمل عمى أن تتحول المراكز الريفية إلى مناطق جذب سكاني‬

‫ب*‪ -‬تطوير وسائل النقل والمرور بين المدينة ومناطق الخدمات والعمل من جية والمستوطنات الريفية المجاورة‬

‫من جية أخرى بحيث تصبح رحمة العمل اليومية أو قضاء الحاجة غير متعبة وليست طويمة زمنيا‪.‬‬

‫ج‪ -‬وضع إستراتيجية محكمة لمقارنة المساوئ واالنحرافات االجتماعية والحد من انتشار في األرياف وتحويل‬

‫األوساط الريفية المجاورة إلى أماكن لراحة واليدوء والرياضة ‪,‬بعيد عن الضوضاء والتموث البيئي‬

‫د*‪-‬ينبغي أن تصاحب التييئة العمرانية في المراكز الحضرية تييئة ريفية متوازنة بنفس المستوى أو أكثر نسبيا‬

‫وفي ىذا ظيرت نظريات واتجاىات عديدة نذكر من بينيا (التنمية الريفية المتكاممة‪ ,‬الترويح الربيعي )‪.‬‬

‫‪ -‬إعادة النظر في العالقة بين المدن واألرياف‬

‫والسؤال الذي يطرح نفسو تمقائيا ىو‪:‬‬


‫‪26‬‬
‫كيف يمكن معالجة ىذه العالقات الحضرية الريفية وتوجيييا من اجل بناء شبكة إستطان متوازنة‪ ,‬متكاممة‬

‫ومتسمسمة عبر جيات التراب الوطني ؟‬

‫عمما بأن عزل الريف عن الحضر وحل مشكالت الريف لوحدىا يعد أم ار مستحيال ألن أي تجمع بشري تترابط‬

‫أجزاؤه وتتفاعل فيما بينيا بشكل دائم ومستمر‬

‫مفهوم الهامشية الحضرية‬

‫تشكل اليامشية كظاىرة احد ابرز األعراض المتصمة ببنية اجتماعية اقتصادية متخمفة‪ ،‬و ىي تفجر في االساس‬
‫من قضية الالمساواة االجتماعية و االقتصادية بمعناىا المتسع ‪،‬و تزداد ىذه الصورة وضوحا اذا ما ادركنا‬
‫ارتباط اليامشية كظاىرة ممموسة وواقع اجتماعي ‪ ،‬اقتصادي و سياسي بالفقراء عمى اعتبار ان انتاج عمميم‬
‫‪.‬يضيف قميال الى اإلنتاج الوطني اإلجمالي متى ما قورن بما تقدمو المؤسسات الصناعية الكبيرة ‪.‬‬
‫فاليامشية الحضرية ترتبط بالفقر الحضري و ىي البؤس و الحرمان المذان تعانييما الطبقة التحتية ‪ ،‬وقد عرفيا‬
‫” عادل عاذر“ بانيا وضع متدن في اطار نظام لمتدرج االجتماعي يتولد عنو محاصرة فئة اجتماعية و عزليا‬
‫كميا او جزئيا ‪ ،‬فالجماعات الميمشة تعاني من الشعور بالغربة عن الثقافة المحيطة بيا و الجماعات االخرى‬
‫التي من حوليا‪ .‬فاليامشية ىي السيطرة و التسخير لوضع العوائق االجتماعية و االقتصادية و السياسية لحرمان‬
‫الفئات الميمشة من التمتع بحقوقيا و اليامشية السياسية تبدو جمية في عدم اكتراث الفرد بما يدور حولو ‪،‬‬
‫فاليامشي ال يساىم في المؤسسات النظامية و االحزاب ‪ ،‬و ال يشارك في االنتخابات او في اي نوع اخر من‬
‫صنع القرار ن فيو يتفرج عمى االحداث و ال يساىم فييا بحكم الضغوط الحياتية التي ال تتيح لو اال التفكير في‬
‫قوت يومو ‪.‬‬

‫اما اليامشية االقتصادية فتكمن في االنخفاض الشديد في مردود الجماعات الممارسة لوسائل مختمفة ما يجعل‬
‫مساىمتيا في التنمية االقتصادية معدومة ‪.‬‬

‫اما اليامشية االجتماعية‪-‬الثقافية فتبدو في العزل عن المجرى الرئيسي لثقافة المجتمع المعني‪ ،‬سواء الختالف‬
‫المغة اة طريقة الحياة العادية‬

‫مفهوم الفقر ‪:‬‬


‫‪27‬‬
‫ليس ىناك تعريفا عمميا محددا لمفقر ‪ ،‬و ال تعريف شامل و موحد بين كل الدول رغم سيولة ادراك الفقراء‬
‫لمواقع االليم الذي يعيشون فيو‪ ،‬ما يدفعنا لمقول ان ىناك جزء مشترك بين جميع تعريفات الفقر‪ ،‬يدور حول‬
‫مفيوم الحرمان النسبي لفئة معينة( الدخل و االستيالك) فان الفقر يرتبط ايضا بانخفاض مستويات التعميم و‬
‫الصحة ‪ ،‬ومن ثمة الفقر مرادفا لمتعرض لممعاناة و المخاطر و عدم قدرة الفرد عمى اسماع صوتو‬

‫يعني مفيوم الفقر‪ :‬عدم امتالك أي شيء ‪.‬‬

‫الفقر المطمق‪ :‬عجز الفرد عن إشباع الحاجات األساسية لمحياة كاألكل والمسكن ‪...‬الخ‪.‬‬

‫ما يعيشو أفراد المجتمع اآلخرون‪.‬‬ ‫الفقر النسبي‪ :‬حصول الفرد عمى مستوى معيشي أقل من مستوى‬

‫خط الفقر‪ :‬مستوى الدخل الذي يمكن أن يطمق عمى من يحصل عمى أقل منو بأنو فقير ‪.‬‬

‫مفهوم الفقر الحضري ‪:‬‬

‫ىو ظاىرة مميزة لكل المجتمعات االنسانية متقدمة او نامية‪ ،‬و ميما بمغ معدل النمو االقتصادي بيا ‪ ،‬و‬
‫مستوى الرفاىية االقتصادية و االجتماعية فالفقر الحضري صفة طبيعية لطبيعة التمايز االجتماعي في المدينة ‪،‬‬
‫و مشكمة حضرية ال تزال تثير اىتمام الباحثين في مختمف تخصصات العموم االجتماعية‬

‫و يعرفو شحاتة صيام بانو (ظاىرة تتشكل وفق ظروف خاصة بكل مجتمع اذ تمعب فييا االسباب‬
‫االقتصادية و السياسية و االجتماعية دو ار واضحا في تحديدىا كما ان الفقر يكون اكثر برو از في المدينة بسبب‬
‫تطور االساليب الحضرية و زيادة الالتجانس)‬

‫ثقافة الفقر‪ :‬يقصد بيذا المصطمح أن الفقراء ينشئون اجتماعياً عمى حياة الحرمان بحيث يتشربون مواقف مؤدية‬
‫إلى الشعور بالالمباالة فيم يتصفون بالكسل وال يعطون قيمة لمعمل وال لمحياة المستقبمية أو محاولة تطوير الذات‬
‫ويعزون كل ذلك إلى حالة الفقر التي يعيشونيا‪.‬‬

‫تفسيرات الفقر الحضري ‪:‬‬

‫التفسير االقتصادي‪ :‬يرى أن الفقر ينشأ من ضعف أو خمل في متغيرات أربعة ىي نوعية األيدي العاممة ‪،‬‬
‫وحجم الموارد المالية والطبيعية ‪ ،‬ودرجة التطور التكنولوجي ‪ ،‬ومستوى الفعالية في استثمار الموارد‬
‫المتاحة‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫التفسير االجتماعي‪ :‬يرى أن مشكمة الفرد ترجع إلى أسباب فردية أو ثقافية أو اجتماعية‪.‬‬

‫عمى المستوى الفردي يتسم الشخص الفقير بنقص في الدافعية ‪ ،‬ونقص في التعميم والتدريب ‪ ،‬ونقص في‬
‫الميارة‪.‬‬

‫عمى المستوى الثقافي يعش الفقير في بيئة ثقافية تجعمو يشعر بالالمسؤلية وال يعطي قيمة لمعمل وال لمحياة‬
‫المستقبمية ويعزي كل ذلك إلى حالة الفقر التي يعيشيا‪.‬‬

‫عمى المستوى االجتماعي ؛ تؤدي التغيرات البنائية المرتبطة بزيادة عدد السكان وانخفاض األجور والنقص الحاد‬
‫في الوظائف والخدمات الرئيسية من سكن وتعميم ومواصالت ‪....‬الخ إلى حدوث ظاىرة الفقر‬

‫أسباب الفقر الحضري‪:‬‬

‫يمكن تمخيص أسباب الفقر في عوامل عدة‪:‬‬

‫‪-0‬النمو السكاني‪ :‬حينما ينمو المجتمع بمعدالت تفوق النمو االقتصادي‪.‬‬

‫‪-9‬العامل االقتصادي‪:‬عندما اليقابل زيادة أعداد السكان رخاء اقصادي وتوفر فرص عمل ‪ .‬وكذلك بسبب سوء‬
‫توزيع لمثروات وسوء إدارة لمموارد االقتصادية باإلضافة إلى غياب التكامل بين نظم التعميم والتدريب وببين‬
‫متطمبات سوق العمل‪.‬‬

‫‪ -3‬العامل االجتماعي‪ :‬كانخفاض مستو التعميم والتدريب ‪ ،‬والصحة ‪ ،‬واإلسكان ‪....‬الخ ‪.‬‬

‫‪ -1‬العامل السياسي‪ :‬حيث أن المجتمع الغير مستقر سياسياً وتسوده الحروب األىمية أو الدولية يكون أكثر‬
‫عرضة لظاىرة الفقر‪.‬‬

‫الفئات الهامشية ‪:‬‬

‫حسب تعريف عبد الفضيل الفقر فقراء المدن متضمن الفئات الدنيا التي تعيش في قاع المدينة‪:‬‬

‫‪ -‬الباعة الجائمون الذين يييمون في الشوارع و االسواق و الطرقات‬

‫‪ -‬اولئك الذين يقومون بتسيير وسائل نقل تقميدية و حمالون‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬الذين يؤدون مختمف االشغال الشخصية المنزلية لمعائالت‬

‫‪ -‬العمالة الرثة‬

‫اما الدكتور محمد عبد الشفيع عيسى فقد حدد الفئات اليامشية في مصر‪:‬‬

‫‪ -‬ذوي الضروف االقتصادية الصعبة كالمعاقين‪ ،‬االطفال المشتركين في النشاط االقتصادي‬

‫نظرية الهامشية الحضرية ‪:‬‬

‫ركز انصار ىذه النظرية عمى نقطة اساسية و ىي قضية الالمساواة االجتماعية و االقتصادية باشكاليا‬
‫المختمفة من قير‪ ،‬استغالل و حرمان‪ ...‬و التي تؤكد عمى معاناة الفئات المدينية الدنيا‪ ،‬و تزداد ىذه الصورة‬
‫وضوحا اذا ادركنا واقع ىذه الظاىرة كظاىرة ممموسة وواقع اجتماعي و اقتصادي و سياسي لمفقراء حيث تشكل‬
‫كتمة كبيرة من التشكيمة االجتماعية الراىنة و موضوعا لمصراع و الخطابات المتطرفة و تغيير موازين القوى‪.‬‬

‫ان التيميش ىنا عممية عمدية يقوم بيا افراد او جماعة بيدف محاصرة فئة اجتماعية لكي يتمثل لنمط من انماط‬
‫االستغالل و التفاوت‪ ،‬و التيميش عممية مستمرة تجمب الييا اجياال جديدة و تسيم بذلك في اعادة االنتاج‬
‫االجتماعي‪ .‬و ان افرادىا يشعرون باالغتراب و عدم المقاومة حيث يجدون انفسيم مستغرقين في مشكالت يومية‬
‫تستنزف كل جيودىم‪.‬‬

‫و قد عجمت الصيرورة االقتصادية و االجتماعية في بمدان العالم الثالث لمزيد من تفتيت البنى و العالقات‬
‫االجتماعية القديمة و انقراض العديد من المين‪ ،‬و انتقال الناس الى مين جديدة‪ ،‬و اقترن ذلك بتنامي عدد‬
‫البطالين و اليجرة المتزايدة من الريف الى المدينة بحثا عن العمل‪.‬‬

‫ما دفع بالباحثين لمتساؤل حول قضية التيميش اىميا ‪:‬‬

‫من ىم الميمشون ‪ .......‬و االكثر تيميشا؟‬

‫ىل تشغل ىذه الفئة قاع السمم االجتماعي ؟‬

‫ىل يساىم الميمشون في تدعيم البناء االقتصادي لممجتمع ؟‬

‫‪30‬‬
‫و حسب “ر‪.‬لونوار“ يتخذ مفيوم التيميش معاني رئيسية و ىي‪ :‬االعاقة‪ ،‬عدم التكيف‪ ،‬الحرمان حيث وصفيا‬
‫في كتابو (الميمشون) بانيا الفئات التي ال تنتمي الى اي طبقة اجتماعية‪ ،‬مقبمة عمى المخذرات االمراض‬
‫النفسية و العقمية و التطرف‪ ،‬كميا عوامل مؤدية الى تيميش الماليين ‪.‬‬

‫ان التيميش ىنا عممية عمدية يقوم بيا افراد او جماعة بيدف محاصرة فئة اجتماعية لكي يتمثل لنمط من انماط‬
‫االستغالل و التفاوت‪ ،‬و التيميش عممية مستمرة تجمب الييا اجياال جديدة و تسيم بذلك في اعادة االنتاج‬
‫االجتماعي‪ .‬و ان افرادىا يشعرون باالغتراب و عدم المقاومة حيث يجدون انفسيم مستغرقين في مشكالت يومية‬
‫تستنزف كل جيودىم‪.‬‬

‫و قد عجمت الصيرورة االقتصادية و االجتماعية في بمدان العالم الثالث لمزيد من تفتيت البنى و العالقات‬
‫االجتماعية القديمة و انقراض العديد من المين‪ ،‬و انتقال الناس الى مين جديدة‪ ،‬و اقترن ذلك بتنامي عدد‬
‫البطالين و اليجرة المتزايدة من الريف الى المدينة بحثا عن العمل‪.‬‬

‫اما ”جوزي نن“ فيرى ان الفئة اليامشية انعدم عندىا روح التنافس و العمل و ال تتمتع بأي دور وظيفي فيي‬
‫كتمة ىامشية و نامية‪.‬‬

‫أما نظرية اليامشية فتعالج قضية التيميش والتشرد في األوساط الحضرية بشيء من الدقة والتفصيل بحيث يرى‬
‫روادىا بان المتشردين ىم غالباً من فقراء الحضر‪ ،‬او القرويين المياجرين الى المدن نتيجة الظروف االقتصادية‬
‫واالجتماعية المتدىورة في القرى‪ ،‬ومن أىم المالمح والمظاىر التي تنطبق عمى ىؤالء المتشردين حسبيم نجد‪:‬‬
‫العزلة عن الحياة الحضرية المحيطة‪ ،‬الشك‪ ،‬االحباط من جانب العمل‪ ،‬قمة االسيام في النشاط االقتصادي‪،‬‬
‫الجبرية وااليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬االحساس بالدونية والفشل في تحقيق العديد من األىداف ‪ ...‬مما يعزى‬
‫المياجرين الى ابراز سموك مضاد لممجتمع مثل العنف‪ ،‬السرقة‪ ،‬الجريمة واالدمان عمى الكحول والمخدرات‪.‬‬
‫ويعبر ىذا السموك عن االنسحاب السمبي عن بإرادتيم عن المجتمع والرفض لمعايير المجتمع الذي يشعر فيو‬
‫بالنبذ والتفرقة والتيميش‪.‬‬

‫• وقد أشار "جانس بيرمان" في دراسة لمجتمع "الفافيال" اليامشي الى وجود معوقات ف المحيط الخارجي‬
‫تمنع من تحقيق التكامل االجتماعي واالقتصادي واالندماج لمفرد اليامشي‪ ،‬فبالرغم من محاوالتو‬
‫استخدام الخدمات الحضرية المتوفرة لديو‪ ،‬فإنو يعاني غالباً من الخزي واالحباط‪ ،‬ألنو يجد النسق مغمق‬
‫أمامو‪ ،‬وغير مستجيب الىتماماتو ومصالحو‪ ،‬وخمص الباحث الى أن اليامشي منبوذ وموصوم في نظر‬
‫المجتمع‪ ،‬مما يجعمو ال يحدد ىويتو أو مكان اقامتو عند محاولة الحصول عمى وظيفة مثالً‪ ،‬كما أنو‬
‫‪31‬‬
‫يعاني من الحرمان االقتصادي واالستغالل‪ .‬وىكذا فإن وجود اليامشيين يمثل خروجاً عمى النسق العام‬
‫لممجتمع‪ ،‬الي يسعى لتحقيق التكامل واالنسجام‪ ،‬فكيف تتشكل أساليب متباينة معيشية ليؤالء عن تمك‬
‫السائدة في المجتمع المحيط‪ ،‬ومع استمرار ظروف الحرمان االقتصادي والبطالة والسكن والتفاوت‬
‫االجتماعي‪ ،‬التي تتكون نتاجاً ألوضاع اجتماعية محمية وذات عالقات دولية‪ ،‬يتولد عن كل ىذا في‬
‫نفوس وعقول المتشردين االحساس باإلحباط‪ ،‬وىم فقراء الحضر والمياجرين الميمشين الذين يمثمون‬
‫روافد إلمداد الظاىرة بمزيد من رواد عالم الفقر والتسول والعوز‪ ،‬مما يؤدي في نياية المطاف الى عدم‬
‫التكامل مع النسق‪ ،‬و عدم االندماج الكمي في كل مناحي الحياة االجتماعية والثقافية واالقتصادية‪ .‬وليذا‬
‫يمثل التكامل مطمباً شكمياً يتحدد وفقاً لممصالح المسيطرة والمييمنة‪ ،‬خاصة وأن ىؤالء الميمشين‬
‫منبوذين في نظر المجتمع الذي ال يستجيب الىتماماتيم ومصالحيم‪ ،‬وبالتالي تظير المعوقات في‬
‫المحيط الخارجي التي تحول دون تحقيق التكامل واالندماج االجتماعي‪ .‬وقدمت نظرية اليامشية‬
‫مجموعة من الحمول واالقتراحات في سبيل الخروج من المشكمة التي تعرقل سبيل التنمية المحمية وىي‪:‬‬
‫وجوب ازالة العشوائيات التي يقيم بيا الميمشون وتغيير ىؤالء الميمشين أنفسيم بأنفسيم من خالل‬
‫تغيير األفكار والمواقف والتصورات وأسموب المعيشة والحياة‪ ،‬وىكذا في نظر رواد النظرية اليامشية‬
‫تصبح المشكمة متمثمة في األشخاص بغض النظر عن البناء االجتماعي واالقتصادي القائم‪ ،‬والظروف‬
‫التي تحكمو‬

‫‪32‬‬

You might also like