Professional Documents
Culture Documents
مسلك الجغرافيا
األسدس3
1
مفهوم المدينة
باعتبارها شكال من أشكال التجمعات اإلنسانية ،فإن تعريف المدينة بقي رهينا بتطور خصائص هذه
التجمعات عبر التاريخ .كما أن المدينة مفهوم تلتقي وتتقاطع حوله علوم مختلفة منها أساسا الجغرافية
الحضرية (المدينة كظاهرة مجالية تتميز بمشاهد تميزها عن المجال الريفي) وعلم االجتماع (المدينة كظاهرة
اجتماعية ،أسلوب ونمط حياة) .وانطالقا من اختالف منظور الدارسين والباحثين في الظاهرة الحضرية ،فقد
تعددت المعايير والشروط التي تؤطر مفهوم المدينة.
إذا كان ثلثي بلدان العالم على توافق بخصوص معيار الوظيفة اإلدارية (حسب برنامج األمم المتحدة
للمستوطنات البشرية) ،فإن اإلختالف يكمن في المعايير األخرى كحجم وكثافة السكان ،معيار النشاط
االقتصادي ،والوظائف الحضرية ،الصناعية ،التجارية ،الثقافية ،السياحية والعسكرية.
العنصر السكاني:
تأخذ بعض الدول بالعنصر السكاني (العدد المطلق للسكان) كمقياس خاص لتحديد المدينة وتمييزها عن
البادية .إال أن هذا المعيار بالذات ليس محط توافق بين دول العالم ،حيث يبدأ من 200نسمة في النرويج
والسويد ،و 300في كندا ،ماليزيا واسكتلندا و 1500نسمة بالنسبة للمغرب وايرلندا ،ليصل إلى 2000نسمة
في مجموعة من الدول كتركيا ،فرنسا ،ألمانيا ،كوبا ،كينيا الخ.
2
العنصر الوظيفي:
تم أدراج هذا المعطى باعتبار أهمية األساس االقتصادي للمدينة والذي يغلب عليه النشاط التجاري،
الصناعي والخدماتي مقابل النشاط الفالحي الذي يميز المجال الريفي .إال أن التحوالت التي طرأت على
بنية المجال الريفي ،مع توفير التجهيزات األساسية (تعليم ،صحة ،خدمات عمومية ،استثمارات القطاع
الخاص) والتطور التكنولوجي إضافة الى تطور البنى التحتية ،قلص من العنصر الوظيفي للتمييز بين
المجالين .لدى كان لزاما عدم االقتصار على معيار واحد من هذه المعايير دون الرجوع الى العناصر
األخرى.
العنصر اإلداري:
تصدر األجهزة الحكومية لبعض الدول مراسيم وق اررات إدارية تحدد بموجبها التقسيم اإلداري للمجاالت
الحضرية والقروية ونفوذها الترابي .إال أن ما يعاب على هذا األساس أن السلطات تنساق غالبا وراء
اعتبارات سياسية وأمنية تطغى على المعيار الجغرافي والثقافي واالقتصادي.
مورفولوجية المدينة أو المظهر الخارجي:
يتكون المظهر الخارجي من المشاهد المرئية كأنظمة الشوارع واألزقة ،والوحدات واألشكال المعمارية إضافة
الى أنظمة استعمال األرض .وغالبا ما تتميز المدينة بنسيجها المتصل والكثيف من البنايات التي تتجمع
في رقعة مجالية محدودة ذات خصائص معمارية وتخطيط هندسي للشوارع والطرق.
األساس االجتماعي:
إذا كانت الجغرافيا تنظر إلى المدينة كتنظيم مجالي للسكان والسكنى فإن علم االجتماع ينظر إليها على
أنها نمط حياة يختلف جذريا على مثيله في القرية .فإذا كانت هذه األخيرة تتميز بتجانس سكانها وعالقاتها
االجتماعية القوية والمتماسكة ،فإن المدينة لها نمط حياة خاص يستمد جذوره من النموذج الغربي ذو الميول
الفردانية والسمات االستهالكية ).(consumérisme
تتمركز السلطات اإلدارية والسياسية في المدينة العاصمة .وعلى مستوى الجهات ،تستقطب المدينة (مركز
الجهة) أهم األجهزة والخدمات اإلدارية واالجتماعية واالقتصادية .كما أن المدن األخرى المشكلة للجهة،
تعمل بدورها كمحور سياسي واداري (عماالت ودوائر) للمجال الريفي المحيط بها.
تتميز المدينة زيادة على الوظائف المذكورة بوظائف أخرى تميزها كقطب حضري يتجاوز أحيانا المجاالت
المحيطة بها ،وهو ما يميز مدنا كالدار البيضاء (الوظيفة التجارية) أو فاس (الوظيفة الثقافية) أو مراكش
(الوظيفة السياحية).
3
والخالصة أن تعريف المدينة ال يمكن أن يكون واحدا شامال ينطبق على كل المدن في كل البالد وكل
الحضارات ،ولكنه يبقى تعريفا مركبا ومتحوال يخضع للمعايير المحلية لكل بلد.
التطور الفكري واإلطار النظري لجغرافية المدن:
انطلقت ت ت تتت مختلت ت ت تتف نظري ت ت ت تات المدينت ت ت تتة مت ت ت تتن أفكت ت ت تتار وتصت ت ت تتورات البت ت ت تتاحثين المتخصصت ت ت تتين والمخططت ت ت تتين
كنتيجة لتظافر عوامل عديدة متغيرة وغير ثابتة إطالقا نذكر منها:
التغيرات في البنيات العمرانية والمعمارية :مما يميز المدن الحديثة عن الحواضر القديمة فنيا
ووظيفيا.
المعطى االقتصادي :له تأثيره المباشر على البنيات الحضرية ككل ،ويظهر أثره في تنميط المدن
ووظائفها واستعماالت األراضي بها من خالل النشاط االقتصادي المهيمن.
التغيرات في القيم االجتماعية وأنماط السلوك :وهي تحوالت سريعة ومتالحقة ذات انتشار واسع قد
ال ترتبط بجيل معين.
وقد مر تطور الفكر الجغرافي المتخصص عموما في دراسته للمدن بالمراحل األساسية التالية:
المرحلة األولى :تركز على العالقة بين اإلنسان و البيئة الطبيعية و التي انطلقت منذ الربع األول من القرن
العشرين ،حيث يتم التركيز على تفاصيل معينة لمدن مختلفة ،من أجل تحديد العالقة بين المواقع الطبيعية
للمدن ،وأثر خصائصها الطبيعية على النشاط البشري أو السلوك اإلنساني ،وقد أعاد االهتمام بهذا التقليد
في عصرنا بالبيئة .
المرحلة الثانية وهي مرحلة التباين المكاني :تأثرت أعمال الجغرافيين بهذا التقليد بعد سنة ،1940إذ يتم
التركيز على وصف التوزيعات واألنماط الستعماالت األرض وللخصائص الطبيعية واالجتماعية داخل
المدينة ،إلبراز أوجه التشابه واالختالف بين هذه المناطق في المدينة الواحدة ،أو أكثر من مدينة ،وال زال
هذا االتجاه يعتبر األهم في جغرافية المدن في العصر الحديث .
المدارس الجغرافية وإشكالية المدينة.
المدرسة السلوكية :يعتقد أصحاب هذه المدرسة أن التوزيعات المكانية لألنشطة البشرية في حيز جغ ارفي
ال يتم بشكل عفوي ،بل هو نتيجة لق اررات فردية أو جماعية (تشكيالت اجتماعية مختلفة) .وتبحث المدرسة
السلوكية على تفسير التوزيعات المجالية السابقة الذكر من خالل مظاهرها ،أسبابها وسلوك الناس والق اررات
التي تم اتخاذها دون االهتمام بالظاهرة في حد ذاتها ،وبالتالي تقدم إطا ار عمليا لفهم وتفسير التركيب الداخلي
للمدن .
4
المدرسة الواقعية :ظهرت هذه المدرسة نتيجة للتركيز على التركيب الداخلي واالهتمام بالتخطيط واستعماالت
األراضي وذلك حسب اتجاهين .األول يرتكز على:
دراسة أحجام المدن ورتبها والعالقة بين األحجام والرتب ،وتدرس في هذا المجال قاعدة الرتبة
والحجم.
دراسة توزيع المدن وتباعدها ،وتدرس هنا نظرية األماكن المركزية لكريستالر.
دراسة نمو المدن والنظريات االقتصادية التي تحاول تفسير هذا النمو.
في حين ركز االتجاه الثاني على دراسة المدن مساحات أو مناطق ،حيث يتم دراسة ما عرف بالتركيب
الداخلي للمدن ،على أساس أن هذه االخيرة تشكل نظما .لذلك عرف برايان بيري جغرافية المدن بأنها العلم
الذي يدرس المدن كأنظمة ضمن النظام الحضري .
مدرسة ابن خلدون :ينطلق ابن خلدون من أهمية الحفاظ على مراكز المدن بتاريخها الحضاري ونسيجها
العمراني وتركيبتها االجتماعية على أساس تحديد البعد االجتماعي خطا ومسا ار لها ويعتبر من أوائل
فاهتم في مقدمته المشهورة بمعالم نشاة المدن والظواهر
ّ النمو الحضري،
المفكرين الذين اهتموا بدراسة ظاهرة ّ
النمو الحضري يرتبط بها كثير من الظواهر والمشكالت ،لعل من أهمها
أن ظاهرة ّ المرتبطة بها .ويشير ّ
النفعية ،وانتشار الضبط الرسمي،
العمومية و ّ
ّ بالسطحية و
ّ الثانوية التي تتصف
ّ االجتماعية
ّ سيادة العالقات
لجمعية،
ّ وكثرة الحراك الجغرافي والمهني والطبقي ،وزيادة معدل الفردية ،وطغيان القيم الفردية على القيم ا
الدينية في نفوس األفراد والجماعات..
ّ وضعف االتجاهات والقيم
من حيث معالجتها للمدينة كوحدة عمرانية مستقلة عما حولها ،من تخطيط استعماالت األرض
والطرق والتجهيزات والبنى التحتية،
من حيث تعاملها مع المدينة على ضوء البيئة المحيطة وامتداد المدينة ،او ما يمكن تسميته بإقليم
المدينة .كما يمكن تصنيفها حسب األساس الذي اعتمده التصور كركيزة عمرانية (بعد
اجتماعي/اقتصادي /بيئي).
ولقد اتفقت كثير من هذه النظريات على هذه المعايير أو بعض منها كما اشتركت في معالجتها لبعض
المشاكل العمرانية وان كانت تختلف من حيث أسلوب المعالجة.
5
دينامية المجال الحضري ورهان التخطيط
كان لزاما عن المسؤولين عن تدبير المدينة البحث عن بدائل ناجعة للتحكم في النمو الحضري والتوسع
العمراني .لدى ،ومنذ العصور القديمة بدأت معالم التخطيط الحضري استنادا لعدة معطيات طبيعية ،مجالية،
سياسية وأمنية تبرز كحل استراتيجي واستباقي .ومع نهاية القرن ،19ظهرت العديد من النظريات التخطيطية
للمدن التي تنطلق من أشكال توسع المدينة وما يصاحب هذا النمو من مظاهر مجالية وعمرانية من أجل
تحليل وتفسير ظاهرة النمو الحضري ثم محاولة تنظيم والتحكم في هذا التوسع عن طريق التخطيط .هذه
النظريات تأخذ اسمها انطالقا من الشكل الهندسي العام أو من الشكل الذي تمتد من خالله المدينة (المربعي،
الشريطي ،الدائري ،الشبكي )...أو من خالل الفكرة التي أسست لنشأة المدينة (النظرية الحدائقية) .وفيما
يلي أهم هذه النماذج:
يرجع أصل هذا التخطيط إلى الرومان ،حيث شيدت المعسكرات الحربية حول طريقين رئيسيتين متعامدتين
نمت حولهما شوارع متقاطعة المباني .ويطبق هذا النوع من التخطيط للتحكم في االمتداد العمراني للمدن
الكبرى في العالم .وهو نموذج شائع ليس فقط في البلدان التي خضعت لالستعمار األوربي ولكن أيضا في
الواليات المتحدة وفي كندا وفي أستراليا.
يتميز التخطيط المربعي بسهولة التقسيم العقاري لألراضي وتحديد القطاع اإلداري واالستغالل األمثل
للمساحات بشكل هندسي ومنظم .وتعتبر مدينة نيويورك بشوارع مانهاتن وسان فرانسيسكو مثاال تطبيقيا لهذا
التخطيط شأنها شأن مدينة كوبيو الفنلندية.
اقترح المخطط اإلنكليزي ايبنزر هوارد بناء كل مدينة على حدة ،تكون مجتمعا حضريا متكامال اجتماعيا،
اقتصاديا وثقافيا ،توفر كل الخدمات األساسية وتكون الملكية جماعية بين ساكنيها .وقد خطط هوارد المدينة
على شكل دائري ،ذات مركز تتجمع حوله المباني ،وتنطلق منه ستة شوارع شعاعية تتخللها أحزمة خضراء،
تقسم المدينة إلى ستة أجزاء مخروطية.
يوافق هذا النموذج مبدأ المدينة \الشارع ،حيث تنمو المدينة على طول شارع رئيسي .لذلك يطلق عليها مدن
الشارع الرئيسي الوحيد .ويعتبر سورايا ماتا من رواد هذا النموذج حينما قام بتصميم مدينة مدريد سنة
.1894
6
من بين األنواع القديمة لتخطيط المدن ،يتميز بوجود مركز إداري أو مقر حكومي للمدينة تمتد منه الشوارع
باتجاه األطراف لتأخذ شكال نجميا على شكل شعاعات .وقد ظل هذا التخطيط رم از للعظمة الفنية والسياسية
للحاكم أو للمدينة في القرون الوسطى بأوروبا ،حيث تشكل باريس مثاال على ذلك.
يعتمد هذا التخطيط ،الذي يرجع استعماله الى الحضارات القديمة (اإلغريق ،الرومان ،حضارات وادي النيل
وبالد الرافدين) ،على مد شوارع متعامدة تشكل عند تقاطعها قسائم (بقع) منتظمة وسهلة في تخطيطها
وبنائها ،شريطة وجود انبساط عام.
7
التخطيط المرن للمدينة
التخطيط المرن أو اللين عبارة عن تخطيط مركب تنمو فيه المدينة وفق نظام تدريجي يتطور يوما بعد يوم.
أي أن التخطيط الحضري يتحدد وفق النمو المطرد للمدينة .وقد طبق هذا النوع من التخطيط في مدن
حديثة كب ارزيليا التي تطورت على شكل طائرة يشكل جناحاها امتدادا عمرانيا حول بحيرة صناعية قابلة
لالمتداد .أما المحور المركزي فخصص للمباني الحكومية يفصل بينها وبين األحياء السكنية مساحات
خضراء.
8