Professional Documents
Culture Documents
مسلك الجغرافيا
األسدس3
1
سياسة المدينة بالمغرب
أدى التطور السريع الذي عرفته المدن المغربية طيلة القرن العشرين ،والمتمثل في النمو االقتصادي والسكاني
وارتفاع وتيرة التمدن ،إلى بروز العديد من التحديات والمشكالت ذات أبعاد مجالية واقتصادية واجتماعية
وبيئية .وقد نهجت الدولة سياسات عمومية استهدفت الطبقات الهشة والفقيرة بهدف محاربة اإلقصاء
والهشاشة ودعم االقتصاد االجتماعي ،كما همت مجال السكن والصحة والتعليم وغيرها من الخدمات
األساسية .إال أن الطابع القطاعي لهذه السياسات حد من نجاعتها لعدم أشراك الفاعلين المعنيين وضعف
التنسيق بين المتداخلين بالرغم من بعض المبادرات التي همت خلق المجموعات الحضرية ثم تعويضها فيما
بعد بنظام وحدة المدينة إلضفاء صبغة وحدوية على المدن الكبرى المغربية و تمكين أجهزتها التقريرية من
تتبع و م ارقبة تراب المدن و تتبع المشاريع (القنيطرة نموذجا) .ولتجاوز هذه الوضعية وبحثا عن مقاربة
حضرية مندمجة ،تم التفكير بداية من 2012في نموذج جديد من تدبير المجال الحضري سمي ب"سياسة
المدينة".
فما هي إذن سياسة المدينة وماهي أهدافها وغاياتها وأبعادها؟ وماهي آليات تفعيلها وتنزيلها؟
بدأت أولى مظاهر دينامية حضرية تضفي طابعها األوربي على المدينة المغربية مع مخططات التهيئة التي
وضعها الليوطي الذي حاول الفصل بين المدينة العتيقة وامتدادها الحديث خارج االسوار بمساحات خض ارء
تتخللها منطقة عسكرية .فظهرت أولى تصاميم استعمال األرض وقسمت المدينة إلى ثالثة مجاالت :نطاق
تجاري بالمركز ،نط اق صناعي ثم نطاق إداري وترفيهي .ومع بداية الثالثينات ،أدى النمو الديمغرافي
والهجرات نحو مدن "المغرب النافع" الذي كرسه االحتالل ،إلى نمو حضري متسارع وعشوائي حيث تكاثرت
دور الصفيح ولم تفلح تصاميم التهيئة وال مخططات المهندس إكوشار في التحكم وضبط هذا التوسع
واالختالالت الجهوية الترابية التي نتجت عنه.
2
غداة االستقالل ،لم يحظ المجال الحضري بأولوية الدولة مما كرس االختالالت المجالية وضاعف من
المشكالت الحضرية .وبالرغم من بعض المبادرات التي استهدفت مجال السكن ،إال أن هذا األخير لم يكن
إال مظه ار ونتيجة للمشكل الذي هو األصل بنيوي .ولم يتم الوعي بأهمية التنمية الحضرية لتحقيق التنمية
االقتصادية إال بداية السبعينات من خالل مشروع القانون اإلطار للتهيئة الحضرية والقروية الذي نص على:
إحداث مجموعة من الهياكل اإلدارية المتخصصة ،واعداد وثائق التعمير من ضمنها ،المخططات المديرية،
مخططات الهيكلة والتوجيه ،تصاميم التنمية القروية ،تصاميم استعمال األراضي.
اتخاذ اإلجراءات الكفيلة لمحاربة االحتكار العقاري،
تشجيع االستثمار الخاص في مجال السكن.
خالل الثمانينات ،واصلت الدولة تنفيذ بنود القانون اإلطار من خالل إنشاء العديد من المؤسسات (الشركة
الجهوية للتجهيز والبناء ،الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير الالئق ،الوكاالت الحضرية.
خالل فترة التسعينات ،صدر القانون 12-90المتعلق بالتعمير والقانون 25-90المتعلق بالتجزئات
السكنية وتقسيم العقارات .وأدرجت الدولة مجموعة من األدوات الحديثة الخاصة بالتهيئة العمرانية من بينها
مخططات الهيكلة والتنمية القروية \ الجهوية ،مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التنطيق وتصاميم
التهيئة الحضرية إلخ.
وقد عرفت الفترة األخيرة تحقيق نتائج هامة في مجالي التعمير واإلسكان ،تمثلت أساسا في تغطية المجال
الترابي للمملكة بوثائق التعمير ( %98في المجال الحضري و %62في المجال القروي حسب معطيات
.)2011كما تم تخفيض العجز السكني ودور الصفيح بنسبة مهمة .إضافة إلى نهج مقاربة مندمجة من
خالل إحداث شركات ومقاوالت عمومية من أجل اإلشراف على بعض المشاريع التنموية الكبرى (ميناء
طنجة المتوسط ،ميناء الناظور ،تهيئة ضفتي أبي رقراق ،كا از أنفا .)...لكن ،بالمقابل ،أخفقت بعض
اإلصالحات األخرى ولم تجد طريقها للتطبيق في الواقع (مشروع قانوني 42-00المتعلق بتأهيل العمران،
و 04-04المتعلق بسن أحكام حول السكنى والتعمير) نظ ار لعدة أسباب أهمها :تشعب المساطر اإلدارية
مقارنة بالدينامية العمرانية ،غياب المنظور االقتصادي واالجتماعي والثقافي والبيئي في تصورات تدبير
المجاالت الحضرية إضافة إلى تغليب المصالح الخاصة الضيقة على المصلحة العامة
3
وقد ارتبط ظهور المفهوم على الصعيد الدولي أيضا من خالل تنامي الدعوة إلى تقليص دور السلطات
العمومية وتعويضه بمقاربة تشاركية للفاعلين المحليين على اعتبار أن األجهزة الحكومية هي المسؤولة
بالدرجة األولى عن التدهور الذي تعيشه المدن.
من هذا المنطلق ،يمكن اعتبار تداول مفهوم سياسة المدينة بمثابة تجاوز السلوب تحكم الدولة في تدبير
الشأن العمومي ،كما يترجم في الوقت ذاته رغبة هذه األخيرة للتخلص من مواجهة المشاكل المستفحلة التي
تعيق التنمية الحضرية سيما أن هذه األخيرة أضحت قاعدة للتنمية المحلية ككل.
مفهوم سياسة المدينة
يختلف مفهوم سياسة المدينة وتعريفه الرتباطه بمفوم مركب ومتحول هو المدينة وأشكال تدبيرها والمتداخلين
في هذا التدبير .ويمكن أن ندرج في هذا الصدد مجموعة من التعاريف كالتالي:
-سياسة تعتمد مقاربات إجرائية واضحة تسعى من وراء التدخل العمومي الرفع من مستوى المدينة
بشكل عام يجعلها منظومة لخلق الثروات وتوزيعها بشكل عادل.
-سياسة ترتكز على مقاربة شمولية تتوخى التنسيق واالنسجام بين مختلف التدخالت القطاعية أو
الو ازرية من خالل اعتماد برامج مندمجة على صعيد مجال ترابي محدد هدفها ليس فقط محاربة
كافة أشكال البناء العشوائي ،بل وأيضا وضع استراتيجيات متكاملة من أجل مدينة مندمجة.
-سياسة عمومية بين و ازرية مندمجة وتشاورية وتشاركية وتعاقدية ،يتم وضعها من طرف الدولة
والجماعات الترابية بإشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في إطار يضمن تناسق وانسجام
مختلف الرؤى والتدخالت في المدينة مع احترام صالحيات كل طرف ،وذلك من أجل تطوير مدن
مستدامة واندماجية ومنتجة ومتضامنة.
-سياسة عمومية اندماجية تشاركية تتوخى االنسجام في التدخالت القطاعية لتسهيل معالجة
االختالالت التي تعيشها المدينة المغربية بمرجعية دستورية وبرامج حكومية.
من خالل هذه التعاريف ،يمكن القول أن سياسة المدينة هي سياسة للتدبير العمومي تستهدف باألساس
تصحيح االختالالت واعادة اإلدماج والتهيئة العمرانية ،وتسعى لرد االعتبار لإلنسان واألحياء الفقيرة
المهمشة .وتقوم على المشاركة بين الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني بناء على
ثالثة قواعد أساسية :التنافس ،االندماج ،االستم اررية.
4
أن غاية سياسة المدينة هو تغيير فضاء المواطن بشكل يجعله يحس بنوع من الرضى وبالتالي الشعور
باالنتماء لفضائه مما يجعله ينخرط بشكل فعال في تنمية هذا الفضاء وخدمته .لهذا فهذه السياسة تستهدف
المجاالت االقتصادية ،االجتماعية ،الثقافية ،التربوية ،البيئية .ويمكن أن يشمل مجال تدخلها المدينة
بشموليتها أو فقط مرك از حضريا أو حيا من األحياء .أما أهدافها فهي:
القضاء أو التخفيف من االختالالت المجالية بهدف تحقيق نوع من االنسجام والتوازن الحضريين بين مختلف
مناطق المدينة
دعم التنمية االقتصادية واالجتماعية بالمناطق المتضررة والضواحي الهامشية عن طريق توفير فرص الشغل،
تشجيع التكوينات والمبادرات النوعية واألنشطة المدرة للدخل.
تجهيز المجاالت المتضررة بالبنيات التحتية خاصة في ميادين الصحة ،التكوين ،السكن ،النقل والشغل
اعتماد أسلوب الحكامة الحضرية والديمقراطية التشاركية في تدبير الشأن المحلي بما يسمح بتوسيع دائرة
المشاركة (فاعلين سياسيين ،جمعويين ،قطاع خاص ،فاعلين مهنيين إلخ)
العمل على تقوية جاذبية المدينة وتحسين صورتها من خالل رؤية موحدة تشكل محور المشاريع والمقاربات.
هذه األخيرة ،أي المقاربات تتمثل في:
تجعل من سياسة المدينة منطلقا لكل السياسات الحضرية بمختلف مصادرها ،وتدخل مقاربة مشولية
ضمن إطار وحدة المدينة بمشروع شامل وعام يتمحور حول بعدين أساسيين :مدن منتجة ،مدن
تضامنية .ويأخذ بعين االعتبار تثمين وتنمية المقومات الطبيعية والثقافية والتاريخية والعمرانية.
تركز على تنمية المدينة بوضع برامج طموحة تهدف إلى تغيير مظاهر التردي مقارية مدن منتجة
واالختالالت العميقة (مثال مشروع أبي رقراق الرباط سال ،تهيئة المناطق الساحلية بالدار البيضاء،
طنجة أورو متسطية إلخ)
مقاربة إصالحية تستهدف كشف زمعالجة االختالالت الحضرية بالوحدات الترابية والتي تشكل
إطا ار لتدخل عمومي ناجع للفاعلين.
5
-األولى أن عهد تولي الدولة واشرافها المطلق على وضع المخططات التدبيرية قد ثبت فشله على مستوى
الجهات إما لعدم مالءمته أو لمحدودية اإلمكانيات المادية والبشرية المرصودة .االمر الذي استلزم نهج
مقاربة تشاركية باالنتقال من األسلوب المركزي التحكمي إلى تحديد التوجهات العامة وترك هامش التدبير
للجماعات الترابية بإشراك فعاليات المجتمع المدني القطاع الخاص .على أن تواكب أجهزة الدولة العمليات
من خالل التأطير ،المراقبة والتتبع.
-ا ألمر الثاني ينطلق من الخيار الجهوي الذي يستمد مرجعيته من الدستور ،والذي أهل الجهات الترابية
الن تساهم بشكل فعال على إعداد مخططاتها وتشرف على تنزيلها في إطار سياسة القرب .وتبقى اآلليات
التعاقدية األسلوب األكثر تطبيقا واألقرب فعالية إلنجاح هذا االنتقال.
بالنسبة للمغرب فبالرغم من وجود و ازرة خاصة باإلسكان والتعمير وسياسة المدينة ،فقد صدر منذ 2013
المرسوم المتعلق باللجنة بين الو ازرية الدائمة لسياسة المدينة تحدث بموجبه وباقتراح من و ازرة السكنى التعمير
وسياسة المدينة لجنة دائمة وكل إليها:
تحديد التوجهات العامة لسياسة المدينة
تقييم السياسات الحضرية العمومية وكذا حصيلة المشاريع التي تم تنفيذها في مجال سياسة المدينة
حث القطاعات المعنية على االنخراط في التعاقدات المتعلقة بمشاريع سياسة المدينة والسهر على احترام مختلف
المتدخلين اللتزاماتهم
اقتراح التدابير التي من شأنها تحقيق االندماجية وااللتقائية يين مختلف المشاريع المنبثقة عن سياسة المدينة.
وتضم هذه اللجنة ممثلين عن 11قطاعا و ازريا (الداخلية ،االقتصاد والمالية ،السكنى والتعمير ،التربية
الوطنية ،الشباب والرياضة ،الصحة ،التجهيز والنقل إلخ).
ويتضح من خالل هذا لمرسوم أن وضع تصور لسياسة المدينة المغربية أمر يستلزم التنسيق بين جل
القطاعات الو ازرية على اعتبار طابعها الشمولي الذي يقتضي نهج مقاربة مندمجة .فهي سياسة تمس كافة
المجاالت الحيوية للسكان والمواطنين بصفة عامة ،وتشمل بالخصوص:
السياسة التي تباشر على الصعيد المركزي فيما يخص القطاعات اإلدارية ،االقتصادية ،االجتماعية،
الثقافية والبيئية وعلى مستوى المدينة وهي السياسة الحضرية
السياسة القطاعية التي تشرف عليها و ازرة السكنى والتعمير واعداد التراب الوطني وتهم البرامج التي
تنفذها هذه الو ازرة في المدن،
السياسات التي تباشرها المصالح الخارجية التابعة لمختلف الو ازرات في مجاالت الصحة والتعليم
والشغل التجهيز والنقل ...
سياسة الجماعات الترابية في حدود اختصاصاتها المنقولة،
6
السياسات والبرامج الخاصة مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،برنامج مدن بدون صفيح ،برنامج
التأهيل الحضري...
خاتمة
أن تحقيق التنمية الحضرية بالمدينة المغربية رهين بتطبيق مبادئ الحكامة الجيدة في جميع مراحل تصور،
إعداد وتنزيل سياسة المدينة .بدءا بدقة وفعالية األهداف المرصودة في االستراتيجية العامة ،مرو ار بتوفير
اإلمكانيات المادية ،البشرية والتقنية واإلطار القانوني والمؤسساتي ووضع مؤشرات دقيقة لمراحل اإلنجاز،
وانتهاء بنهج مقاربة تعاقدية تشمل األطراف المعنية وتوزع األدوار والمهام بشكل يسمح بتتبع ،تقييم ومراقبة
عمليات التنفيذ وبالتالي ترتيب المسؤوليات عند اإلخفاق.
7