You are on page 1of 32

‫وحدة التكوين و البحث‬

‫ماستر العقار و التعمير‬

‫عرض في مادة ‪ :‬التعمير‬

‫السياسات العمومية في ميدان‬


‫التعمير وتنظيم المدن‬

‫إعداد ‪:‬‬
‫إشراف ‪:‬‬
‫الدكتورجمال الدين‬ ‫حمزة اللواتي‬

‫بنعيسى‬ ‫عبد الحق لقرع‬


‫بالل رفالي‬
‫أنس لعميري‬

‫السنة الجامعية ‪2019 / 2018‬‬

‫]‪[1‬‬
‫"بسم هللا الرحمان الرحيم والصالة والسالم على أشرف المرسلين وآجله‬
‫وصحبه ومن وااله"‬
‫كلمة شكر وتقدير‬

‫جزيل الشكر وعظيم‬


‫اإلمتنان وكبير العرفان‬
‫وحب مكنون في الجنان‬
‫لفخامة الدكتور جمال الدين‬
‫بن عيسى على كل خير‬
‫تفضل به في سبيل إغناء‬
‫المعرفة والرقي بالعلم‬
‫والتعليم الجامعي‪..‬‬

‫‪3‬‬
‫تقديم‪:‬‬

‫يعتبر اإلنسان مدني بطبعه اجتماعي بوضعه يميل إلى العيش في الجماعة هذه األخيرة أفرادها‬
‫يكمل بعضهم بعضا الكل فاعل ويتفاعل من أجل أن يسد ويكمل نقصه ونقص غيره‪ ،‬ومنذ‬
‫اآلزل كان اإلنسان يعيش في الجماعة وعمل على تطوير أساليب العيش والرقي بفكره وبالتالي‬
‫أصبح التنظيم يشق طريقه إلى نمط عيشه (االنسان ) شيئا فشيئا إلى أن أصبح يعيش (االنسان)‬
‫في وسط اجتماعي منظم من حيث أساسيات البقاء وضروريات اإلستمرار‪ ،‬أما من حيث‬
‫الكماليات ففي ذلك تختلف الشعوب واألقاليم‪.‬‬
‫ولما كان االنسان يميل إلى تنظيم وسط عيشه اتضح له جليا أن أمر تنظيم عيش جماعة أو‬
‫مجتمع معين يستلزم التفكير في ابتكار وتخطيط خطوط عريضة يراعي فيها مستوى عيشه‬
‫وامكانياته وآفاق تطلعاته‪ ،‬كل هذا ساهم في تشكيل الحضارات والثقافات على مر العصور‪.‬‬
‫وعموما فإن تنظيد التكتالت البشرية عمرانيا ومرفقيا‪ ..‬أصبح أمرا ال محيد عنه‪ ،‬وخصوصا‬
‫في عصر وصل فيه اإلنسان إلى أبهى مراتب الرقي واالزدهار المعرفي والصناعي‪..‬‬
‫وبالنسبة للمغرب فإن هذا الشأن تعنى به الدولة في شخص أجهزتها ومؤسساتها المعنية بهذا‬
‫الصدد مطبقة في ذلك قوانين التعمير والقوانين ذات الصلة بالتعمير ومنها‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫ظهير ‪ 25‬يونيو ‪ 1960‬المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية‬
‫‪2‬‬
‫قانون رقم ‪ 12.90‬المتعلق بالتعبير‬
‫‪3‬‬
‫قانون رقم ‪ 25.90‬بشأن التجزيىات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات‬
‫قانون رقم ‪ 66.12‬المتعلق بمراقبة وجزر مخالفات التعمير والبناء‬
‫مشروع قانون رقم ‪ 04.04‬بمثابة تعديل جزئي يغير ويتمم قانون رقم ‪ 12.90‬وقانون رقم‬
‫‪ 25.90‬ويحل محل ظهير ‪ 25‬يونيو ‪.1960‬‬
‫وعليه فإننا سنركز الدراسة على موضوع‪ :‬السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم‬
‫المدن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(‪:)1‬ظهير شريف رقم ‪ 1.60.063‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 24 -89‬بتاريخ ‪13‬محرم ‪ 1380‬الموافق ل‪ 8‬يوليوز ‪ 1960‬الصفحة ‪20‬الى‪.98‬‬
‫(‪:)2‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4159‬بتاريخ ‪14‬محرم ‪ 1413‬الموافق ل ‪ 15‬يوليوز ‪ 1992‬الصفحة ‪.887‬‬
‫(‪ :)3‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4159‬بتاريخ ‪15‬يوليوز ‪ 1992‬الصفحة ‪.880‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ 1‬اإلطار العام لموضوع البحث‬
‫تعتبر مهام تأطير التجمعات السكانية من أهم المواضيع التي ترتبط والصالح العام‪ ،‬وهاته‬
‫المهام تكمن منوط بالدولة في شخص األجهزة والمؤسسات المعنية بهذا الغرض‪ ،‬ومنه فإن‬
‫موضوع دراستنا سينصب على بحث السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‪،‬‬
‫وسنركز على بيان جوهر الموضوع ومضمونه قدر اإلمكان وجهد المستطاع‪.‬‬
‫‪ 2‬خلفية تاريخية حول الموضوع‪:‬‬
‫تعاقبت الحضارات وتطورالمجتمع بالمغرب وكان أمر التخطيط والتهيئة العمرانية غير‬
‫مفارقعنه‪ ،‬وقد اهتم الساسة والمعنيين بشأن التعمير وتنظيم المدينة وكان هذا التنظيم يخضع‬
‫لألعراف والعادات وتعاليم الشريعة اإلسالمية‪..‬‬
‫وابان الحماية بالمغرب قام المستعمر بوضع إطار قانوني للتعمير هدف من خالله الى تدبير‬
‫حسن استغالل الثروات ونهب الخيرات‪ ..‬وبعد االستقالل آولت اإلدارة المغربية شأن التعمير‬
‫أهمية بالغة بالنظر إل الوضع المتأزم ‪-‬خلق الطبقية وتكريس الفوارق االجتماعية وتهميش‬
‫المناطق الفقيرة‪ ...‬وهو ما خلق ما يسمى بالمغرب النافع والمغرب غير النافع‪ -‬الذي تخلف‬
‫جراء إعمال المستعمر لقوانين التعمير التي سنها‪ ،‬وذلك من خالل فتح اوراش لإلصالح همت‬
‫مختلف القطاعات والجهات اختالفها وتعددها فالكل يتدخل حسب موضعه ودوره بسياسات‬
‫عمومية تروم النهوض بميدان التعمير وتنظيم المدن‪.‬‬
‫‪ 3‬أهمية موضوع البحث‪:‬‬
‫يرتبط ميدان التعمير وتنظيم المدن بكثير من المجاالت من قبيل المجال العقاري المجال‬
‫الصناعي المجال الخدماتي المجال اإلقتصادي‪ ...‬ومن هنا تظهر لنا أهمية هذا الموضوع إذ‬
‫أن معالجة هذا الموضوع ستكشف عن المساس الجوهري والعميق بينه وبين جل القطاعات‬
‫الحيوية‪.‬‬
‫‪4‬الغاية من إنجاز البحث‪:‬‬
‫إن غاية هذا البحث ال تخرج عن معرفة األسباب الحقيقية التي تعيق الموضوع ‪-‬السياسات‬
‫العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‪ -‬على مختلف المستويات والمجاالت مما دفعنا إلى‬
‫دراسته ومحاولة مقاربة تلك المعيقات واإلسهام في إعطاء حلول علمية لإلشكالية المطروحة‪.‬‬
‫‪ 5‬نوع المنهج المعتمد‪:‬‬
‫سنعمد بحول هللا في هاته الدراسة إلى اعتماد‪ :‬منهج المسح التحليلي‬

‫‪5‬‬
‫باعتماد هذا المنهج سنقوم بتصوير ووصف الظروف واالتجاهات الحالية للسياسات العمومية‬
‫في ميدان التعمير وتنظيم المدن ونقارب وضعها بالبحث في األسباب المؤدية إلى بعض‬
‫اإلشكاالت المطروحة عمليا‬
‫‪6‬تحديد إشكالية البحث والفرص المتعلق بها‬
‫من خالل اإلطاللة األولية على موضوع البحث من الناحية النظرية والعملية‪ ،‬تبين لنا أن‬
‫هناك فارق كبير بين الواقع المعاش والجانب النظري فيما يخص السياسات العمومية في ميدان‬
‫التعمير وتنظيم المدن‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬بلورنا إشكالية األتية‪ :‬ما مدى فالح القطاعات المعنية والوصية في تحقيق التطور‬
‫واالزدهار التنظيمي والتخطيطي في السياسات العمومية المتخذة في ميدان التعمير وتنظيم‬
‫المدن‪.‬‬
‫هذه اإلشكالية ارتئينا بحثها باعتماد الفروض االتية‪:‬‬
‫‪ -‬تأصيل مفاهيمي وبيان التطور التاريخي للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظي‬
‫المدن‪.‬‬
‫‪ -‬إبراز عناصر وأبعاد السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‪.‬‬
‫‪ -‬اإلطاللة على مخططات إعداد التراب الوطني وبعض نماذج من السياسات القطاعية‬
‫والترابية تجسيد للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‪.‬‬
‫‪ 7‬عرض موجز لمحتويات البحث‬
‫مستهل بحث موضوع "السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن" بتقديم ثم مقدمة‬
‫تتضمن عناصر أساسية منهجية ومؤطرة للموضوع‪ ،‬وفي صلب البحث ندرس تأصيلية‬
‫مفاهيمها نميز من خالله بين مختلف األنظمة والمؤسسات المشابهة للتعمير وتنظيم المدن‬
‫ونسرد نبدة تاريخية حول الموضوع ونبحث أبعاد وعناصر السياسات العمومية وقت نم‬
‫بالتعرف على مخططات إعداد التراب الوطني كتجسيد للسياسات العمومية في ميدان التعمير‬
‫وتنظيم المدن‪ ،‬ونعرف ببعض نماذج السياسات القطاعية والترابية في ميدان التعمير وتنظيم‬
‫المدن‪ ،‬ونحاول إعطاء حلول لإلشكاالت المطروحة‪ ،‬ونختم البحث بخاتمة موجزة‪.‬‬
‫‪8‬عرض التقسيم الرئيسي لموضوع البحث‬

‫‪6‬‬
‫المبحث االول‪ :‬اإلطار العام للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫المطلب األول‪ :‬التطور التاريخي والتأصيل المفاهيمي‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عناصر وأبعاد السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سياسة السلطات اإلدارية في مجال تدبير التعمير وتنظيم المدن‬
‫المطلب األول‪ :‬المخططات إعداد التراب الوطني كتجسيد للسياسة العمومية في ميدان التعمير‬
‫وتنظيم المدن‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج من بعض السياسات القطاعية والسياسات الترابية في قطاع التعمير‬
‫وتنظيم المدن‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االطار العام للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫لسياسات العمومية المتخذة في ميدان التعمير أهمية بالغة وكبيرة جدا إذ أن مسألة تحصيل‬
‫تعمير جيد رهين بمدى مالئمة السياسات العمومية لألهداف المتوخاة والمخطط لها في تنظيم‬
‫العمران وإال مثل السكاني‪..‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬سنحاول تسليط ضوء الدراسة على السياسات العمومية الخاصة بالتعمية‬
‫وتنظيم المدن في هذا المبحث من خالل التأصيل المفاهيمي وإعطاء نبذة حول التطور‬
‫التاريخي للسياسات العمومية في ميدلن التعمير وتنظيم المدن (المطلب األول)‪ ،‬ونتعرف على‬
‫عناصر السياسات العمومية في ميدان التعمير واألبعاد تنظيمية للسياسات العمومية في مجال‬
‫تنظيم المدن (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬التطور التاريخي والتأصيل المفاهمي‬
‫يعد التأصيل المفاهيمي الركيزة األساسية التي ينبني عليها فهم أي موضوع من مختلف الزوايا‬
‫واألركان‪ ،‬كما أن بحث تطور أي موضوع أو ظاهرة‪ ..‬تاريخيا من شأنه اإلسهام في بيان‬
‫صورة واضحة ونظرة تحليلية ثاقبة عن الوضع المعاش في العصر أو الظرف الراهن‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإننا سنطل على التطور للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن ولذلك في‬
‫نبذة مركزة (الفقرة األولى)‪ ،‬ونحاول أن نميز بين مختلف المفاهيم واألنظمة المشابهة للسياسة‬
‫العمومية والتعمير وتنظيم المدن (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬التطور التطور التاريخي للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫أوال‪ :‬في عهد الحماية‬
‫ابانت سياسة المستعمر في ميدان التعمير عن فشل ذريع‪ ،‬ألنه لم يستطع خلق توازن بين‬
‫مختلف المدن وهذا ما آدم إلى ظهور عدة مشاكل في ميدان التعمير مما دفع المستعمر إلى‬
‫إقرار إطار قانوني ومؤسساتي لقطاع التعمير‪4‬وبذلك وظف مجموعة من القوانين خالل مرحلة‬
‫الحماية‪..‬‬
‫ثانيا‪ :‬مرحلة مابعد اإلستقالل‬
‫بعد حصول المغرب على االستقالل وجد نفسه أمام مخلفات وتبعات سياسة المستعمر في‬
‫ميدان التعمير والتي سعى المستعمر من خاللها إلى األهتمام بالمناطق الغنية والحيوية‬

‫(‪ :)4‬الدكتور الحاج شكرة ‪-‬الوجيز في قانون التعمير المغربي‪ -‬الطبعة السادسة‪ ،‬السنة ‪ ،2012‬الصفحة ‪21‬‬

‫‪8‬‬
‫واألراضي الخصبة‪ ..‬وتهميش باقي المناطق وهذا أفرز ما يسمى بالمغرب النافع والمغرب‬
‫‪5‬‬
‫غير النافع‬
‫وقد عملت اإلدارة المغربية من خالل جملة من البرامج التنموية والتصاميم العمرانية‬
‫والمخططات اإلجتماعية إلى وضع إطار قانوني يحقق سياسة عمومية فعالة في مجال التعمير‬
‫وتنظيم المدن‪ ،‬ويراعي فيه مختلف الفوارق االجتماعية والجمالية‪..‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التأصيل المفاهيمي للسياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫تعتبر السياسات العمومية مفهوما شاسع النطاق‪ ،‬ولم يتفق حول وضع تعريف موحد لها‪ ،‬وذلك‬
‫يرجع أساسا لتعدد المصالح و المقاربات و زوايا النظر لها ‪،‬األمر الذي جعلها تتداخل مع‬
‫بعض المفاهيم المشابهة لها (أوال)‪ ،‬ونتعرف على مفهوم التعمير ونحاول تمييزه عما يشابهه‬
‫من المفاهيم (ثانيا)‪ ،‬ونفس االمر نطبقه على مفهوم المدينة والمفاهيم المشابهة لها(ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬السياسات العمومية والمفاهيم المشابهة لها‬
‫سنحاول تعريف السياسات العمومية رغم تعدد التعريفات و اختالفها‪ ،‬تعريفا يجمع بين‬
‫مكوناتها و أهدافها (‪ ،) 1‬على أن نقوم بعد ذلك بتمييزها عن باقي المفاهيم المشابهة لها(‪)2‬‬
‫‪ )1‬تعريف السياسات العمومية‬
‫لم يتفق المختصون في مجال علم السياسة على تعريف موحد للسياسات العمومية فهناك‬
‫تعاريف متعددة ورغم تعدد المقاربات و زوايا النظر إال أنا غالب التعريفات تشتبه من حيث‬
‫ذكرها للفاعلين في مجال السياسات العمومية و كذا المسؤول عن اتخاد القرار بشأنها و تقييمها‬
‫و مراقبتها‪ ،‬فقد عرفها أستاذ العلوم السياسية الكندي فانسان ليوميو بأنها ‪" :‬مجموعة من‬
‫القرارات المترابطة التي يقرها فاعل سياسي أو مجموعة فاعلين سياسيين‪ ،‬مع تحديد األهذاف‬
‫و الوسائل و اإلمكانات قصد بلوغ نتائج معينة‪".‬‬
‫وعرفها احد الباحثين ‪ 6‬بأنها ‪:‬‬
‫"مجموعة من الخطط و البرامج التي تنهجها الدولة أو إحدى مؤسساتها‪ ،‬من أجل حل مشاكلها‬
‫و اإلستجابة للمطالب المتنوعة‪ ،‬وما يميزها هو شمولية نتائجها لشرائح واسعة من المجتمع‪،‬‬
‫مما يحتم اإلهتمام بصياغتها ورسمها بشكل يؤدي إلى زيادة فرص نجاحها وتقليل احتماالت‬
‫فشلها‪".‬‬

‫(‪ :)5‬نفس المرجع السابق الصفحة ‪23‬‬


‫‪ 6‬عزيز الكرسنة ‪،‬تقييم السياسات العمومية ‪،‬مقال تحت عدد ‪ ،591‬منشور بالموقع اإللكتروني ‪WWW.ALKANOUNIA.CO ،‬‬
‫تاريخ الولوج‪16H30 04/05/2019 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫انطالقا من التعريفين السابقين يتضح أن السياسات العمومية ‪،‬عبارة عن برنامج عمل يهدف‬
‫إلى التصدي لمشكل ما (اجتماعي‪ ،‬اقتصادي‪ )..‬بغرض ايجاد حلول له‪ ،‬وذلك بتدخل العديد من‬
‫الفاعلين سواء حكوميين أو غير حكوميين ‪ ،‬إال أن هؤالء الفاعلين غير الحكوميين‪ ،‬اليتخد‬
‫اشراكهم في نهج السياسات العمومية طابعا تقريريا ‪،‬اذ يقتصر دورهم فقط على المساعدة‪ ،‬و‬
‫تقديم اإلقتراحات ‪،‬ويمكن القول أن السياسات العمومية هي تفاعل بين‪ ،‬السلطة المكلفة بتدبيير‬
‫شؤون المجتمع‪ ،‬وبعض مكوناته‪ ،‬عن طريق حوار وطني مفتوح‪ ،‬بهذف حل مشكل من‬
‫مشاكل المجتمع‪ ،‬وتحقيق المصلحة العامة‪.‬‬
‫ومن كل ما سبق يمكن وضع تعريف مختصر للسياسات العمومية بأنها‪:‬‬
‫"تدخل سلطة عمومية ذات مشروعية عبر برنامج عمل‪ ،‬في مجال معين من مجاالت المجتمع‪،‬‬
‫بهذف حل المشاكل التي تعترضه‪ ،‬مع اشراك كافة الفاعلين و فئات المستهذفة‪".‬‬
‫وتسوق أيضا التعريف اآلتي‪:‬‬
‫"السياسة العمومية‪ :‬استراتيجية كبرى تخطط فيها الجهات المعنية بأمر التعمير على ضبط‬
‫الخطوط العريضة (الوسائل اإلدارية والوسائل المادية) لتنظيم هيكلة العمران في وسط معين‪".‬‬
‫انطالقا من التعاريف السابقة‪ ،‬يمكن القول أن السياسات العمومية تتوفر على مجوعة من‬
‫العناصر‪ ،‬فهي سياسات ألن الذي يتخد القرار بشأنها سلطة سياسية (الحكومة)‪ ،‬وتعتبر‬
‫عمومية ألنها تستوجب اشراك بعض الفاعلين إلى جانب السلطة السياسية صاحبة القرار و هم‬
‫‪:‬‬
‫✓ المؤسسات اإلدارية للدولة سواء المركزية أو الالمركزية التي تشمل ‪ :‬الجماعات‬
‫الترابية ( الجهات والعماالت ‪،‬األقاليم والجماعات المحلية) والمؤسسات العمومية‪.‬‬
‫✓ األحزاب السياسية ‪ :‬وهي تجمعات ألطراف تعمل في إطار فكري و إديولوجي من‬
‫خالل برامج عمل سياسية‪ ،‬بهدف الوصول للسلطة و ممارستها‪ ،‬والبقاء فيها‪.‬‬
‫✓ اإلعالم ‪ :‬و هذا أمر بديهي ما دام اإلعالم احدى المجموعات الضاغطة داخل النسق‬
‫السياسي و له دور تعليمي و توجيهي ورقابي في مجال السياسات العمومية‪.‬‬
‫✓ المجتمع المدني‪ :‬و هو كيان منفتح يتكون من فاعلين متنوعين ‪ :‬كالجمعيات‪ ،‬النقابات‪،‬‬
‫و الهيئات التمتيلية لمختلف مكونات المجتمع و القطاعات المهنية‪ ،‬وكذا الجماعات‬
‫العلمية و التقافية‪ ،‬ووحدات البحوث‪ ،‬والديناميكيات اإلجتماعية النشيطة و الفاعلة‪.‬‬
‫و ما يميز هيئات المجتمع المدني هو السعي للدفاع عن مصالحها دونما السعي‬
‫للوصول إلى السلطة‪.‬‬
‫‪ )2‬تمييز السياسات العمومية عن المفاهيم المشابهة‬

‫‪10‬‬
‫يعاب على العديد من الكتابات و البحوث الخلط بين السياسات العمومية و بعض المفاهيم‬
‫المشابهة لها إما في الصياغة كمصطلح السياسات العامة‪ ،‬أو التشابه في األهذاف كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للسياسات القطاعية‪.‬‬
‫• السياسات العمومية و السياسة العامة ‪:‬‬
‫يقع الخلط بين مصطلح "السياسة العامة"‪ "la politique général‬و مصطلح‬
‫السياسات العمومية ‪ les politiques publiques‬في اللغة العربية ‪ ،‬و ذلك يرجع‬
‫للتشابه النطقي بين كلمتي العمومية و العامة ‪ ،‬رغم اختالفهما فالعامة ارتبطت‬
‫بالجماعة وهي مصطلح قديم في اللغة العربية‪ ،‬أما العمومية فهي مصطلح لم يتداول‬
‫كثيرا إال مع وجود مفهوم الدولة الحديثة و تعدد وضائفها‪ ،‬وانبثاق مفاهيم اخرى‬
‫كاإلدارة العمومية و السلطة العمومية و المؤسسات العمومية‪ ،‬وهذا الخلط أمر طبيعي‬
‫مادام أن المشرع الدستوري لم يعرفهما‪ ،‬إضافة إلى وجود شبه تام لتعريف السياسة‬
‫العامة‪ ،‬وقليل من التعاريف للسياسات العمومية على مستوى الفقه‪.‬‬
‫وقد اكتفى المشرع الدستوري بالنص على السياسات العمومية في الفصول ‪/70-2/13:‬‬
‫‪.29/168-1/101-2/90-1-‬‬
‫ونص على السياسات العامة في الفصول ‪.137/103-1/100-3/ 92-1 :‬‬
‫وباستقراء مختلف هذه النصوص تتضح عدة اختالفات بين السياسة العامة و السياسات‬
‫العمومية وهي ‪:‬‬
‫✓ اكتفاء المشرع الدستوري بدكر السياسة العامة دونما ربطها بمجال معين‪ ،‬بينما‬
‫السياسات العمومية دائما ترتبط بمجال أو مجاالت معينة أو موضوع من مواصيع‬
‫المجتمع‪ ،‬مثال على ذلك ما ورد في الفصل ‪ 163‬من الدستور‪ ،‬بخصوص المغاربة‬
‫المقيمين بالخارج‪ ،‬و الفصل ‪ 168‬بخصوص السياسات العمومية المرتبطة بالتربية‬
‫و التكوين‪.‬‬
‫✓ تعرض السياسة العامة للتداول بشأنها أمام المجلس الوزاري أما السياسات العمومية‬
‫فتعرض أمام المجلس الحكومي‪.‬‬
‫✓ تتتميز السياسات العمومية بتعدد الفاعلين و المتدخلين إلعدادها وتنفيدها و مراقبتها‬
‫بينما السياسة العامة اختصاص أصيل للرئيس لحكومة‪،.‬وذلك واضح من خالل‬
‫الفصل ‪ 100‬من الدستور الذي جعل اإلجابة عن األسئلة المتعلقة بالسياسة العامة‬
‫للدولة لرئيس الحكومة فقط‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫• يتذاخل في صنع القرار في السياسات العمومية‪ ،‬عدة فاعلين بينما السياسة العامة‬
‫اتخاد القرار فيها من اختصاص السلطة التنفيدية وحدها‪ ،‬أما باقي السلط فدورها‬
‫يقتصر فقط في التفعيل‪.‬‬
‫انطالقا مما سبق يمكن تعريف السياسة العامة كما يلي‪:‬‬
‫"السياسة العامة‪ :‬يطلق هذا المفهوم على كل تخطيط لنهج معين يروم مجال أو‬
‫موضوع يستهدف األمة او المجتمع‪ ،‬ومن قبيل السياسة العامة ما يتخذ في مجال‬
‫الصحة التعليم التشغيل‪ ..‬من تخطيط وتدبير‪.‬‬
‫• السياسات العمومية و السياسات القطاعية‬
‫استنادا إلى الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ ،‬يمكن أن نميز بين مستويين من‬
‫السياسات‪ ،‬ويتعلق األمر بالسياسات القطاعية و السياسات العمومية ‪ ،‬فاألولى تعكس‬
‫مسؤولية الوزراء عن تنفيد سياسة الحكومة‪ ،‬في القطاع الذي يختص به كل منهم‪ ،‬طبقا‬
‫للفصل ‪ 93.1‬من دستور ‪ ،2011‬ومن تم فإن السياسات القطاعية مرتبطة بالقطاعات‬
‫الحكومية كل بحسب تخصصه‪ ،‬ويمكنها أن تشكل جزء من سياسة عمومية ألن هذه‬
‫األخيرة أشمل وأوسع‪ ،‬لكونها تسمح بتدخل فاعلين اجتماعيين الى جانب الفاعل‬
‫الحكومي الرسمي طبقا للفصل ‪ 13‬من الدستور الذي ينص على ‪" :‬تعمل السلطات‬
‫العمومية على احداث هيئات للتشاور‪ ،‬قصد اشراك مختلف الفاعلين اإلجتماعيين في‬
‫اعداد السياسات العمومية‪ ،‬وتنفيدها و تفعيلها و تقييمها‪".‬‬
‫اعتمادا على هذا التحليل‪ ،‬المستند الى دستور ‪ ،2011‬ترتبط السياسات القطاعية بقطاع‬
‫معين (الماء‪ ،‬الفالحة‪ ،‬الصحة التعليم‪ )...‬و هو نفس األمر بالنسبة للسياسات العمومية‬
‫فهي ترتبط بقطاع او قطاعات إال أنها تتميز باشراك الفاعلين اإلجتماعيين الى جانب‬
‫الحكوميين ‪،‬وهذا ما يضفي عليها صبغة العمومية‪.‬‬
‫وعليه فإذا كانت السياسات القطاعية تعكس التوجه الرسمي الحكومي اتجاه قضايا‬
‫محددة‪ ،‬فإن السياسات العمومية تعكس توجه أكثر من قطاع حكومي و إلى جانبه‬
‫التوجه المجتمعي‪.‬‬
‫إن السياسات القطاعية ترتبط بالسير العادي لكل وزارة في القطاع المختصة به‪،‬‬
‫ومهمتها دائمة فيه‪ ،‬أما السياسات العمومية فهي موسمية الظهور و ال يتم اتخاد القرار‬
‫بانطالقها إال عندما يتار مشكل في مجال ما (التعمير‪ ،‬ازمة السكن‪،‬السكن العشوائي‪)..‬‬
‫يتطلب التدخل المتعدد لمختلف الفاعلين لحل هذا المشكل أو التقليل من حدته‪.‬‬
‫• السياسات العمومية والحكومة‬
‫الحكامة بمعناها الشامل هي التدبير األمثل للموارد وتقوم عل المبادئ التالية‪:‬‬
‫‪12‬‬
‫المشاركة‬ ‫‪-‬‬
‫حكم القانون‬ ‫‪-‬‬
‫الشفافية‬ ‫‪-‬‬
‫اإلستجابة‬ ‫‪-‬‬
‫التفاوق‬ ‫‪-‬‬
‫الفاعلية‬ ‫‪-‬‬
‫الرؤية االستراتيجية‬ ‫‪-‬‬
‫إن مفهوم الحكامة يعد من المفاهيم المتعددة االستعمال ومختلفة المعاني حسب‬
‫المجال الذي وظفت فيه‪ ،‬وهي قريبة من السياسات العمومية إذا نظرنا إليها‬
‫بمنظور برغماتي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التعمير والمفاهيم المشابهة له‬
‫سنحاول أن نعطي تعريفا للتعمير(‪ ،)1‬ثم نبحث عن التمييز بين مفهوم التعمير وبعض‬
‫المفاهيم المشابهة له العمارة والعمران (‪)2‬‬
‫‪ 1‬تعريف التعمير‬
‫لغة‪:‬‬
‫التعمير من فعل عمر؛‬
‫"عمر الدار‪ :‬بناها واإلسم [العمارة] ‪ _.‬عمر بالمكان‪ :‬أقام ‪[ _.‬عمر‪ -‬عمرا ‪-‬عمرا –‬
‫عمارة ‪-‬عمر – عمرا – وعمر – وعمارة ]‪:‬عاش زمان طويل‬
‫<< أعمر االرض >>‪ :‬وجدها عامرة‪ _. .‬اعتمر المكان‪ :‬المكان قصده‪ :‬زاره‬
‫[العمارة ]‪ :‬ما يعمر به المكان‪[ _. .‬العمران]‪ :‬البنيان اسم لما يعمر به المكان‪ ،‬وتحسن‬
‫‪7‬‬
‫حاله من كثرة األهالي ونجح األعمال والتمدن‪"... .‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫يعرف الدكتور الحجاج شكرا التعمير بأنه‪:‬‬
‫“علم وفن وقانون وسياسة من السياسات التي توظفها الدولة وإدارتها المحلية قصد‬
‫‪8‬‬
‫التدخل في عدة ميادين إجتماعية واقتصادية"‬

‫(‪ :)2‬منجد الطالب – نظر فيه ووقف على ضبطه فؤاد إفران البستاني – الطبعة الثامنة واألربعون السنة ‪ 2001‬دار المشرق رياض الصلح لبنان‪.‬‬
‫(‪ :)3‬الدكتور الحاج شكرة – الوجيز في قانون التعمير المغربي‪ -‬الطبعة السادسة‪ ،‬السنة ‪2011‬‬

‫‪13‬‬
‫ومنه‪ ،‬يمكن لنا تعريف التعمير كما يلي‪:‬‬
‫“التعمير علم بموجبه يمكن تأطير التجمع السكاني الذي يشكل المدينة او القرية‪".‬‬
‫‪ 2‬تمييز التعمير عن المفاهيم المشابهة‬
‫‪ -‬التعمير والعمران‪:‬‬
‫العمران هو البنيان أي ماشيده اإلنسان من منشآت فوق األرض أو تحتها سواء بغرض السكن‬
‫أو االستعمال الصناعي أو الحرفي أو التجاري أو الخدماتي‪ ..‬التعمير ذا لك العلم الذي ينظم‬
‫هذه المنشآت‪..‬‬
‫التعمير والعمارة والعمارة‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫العمارة بفتح العين هي المالئة ويقال عمارة البناء بمعنى أن المكان مليئ باألبنية‬
‫العمارة بكسر العين هي ذلك البناء المشيد فوق األرض ومكون من عدة شقق‪..‬‬
‫وهذا مايميز التعمير عن المفهومين‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬تنظيم المدن و المفاهيم المشابهة‬


‫سنحاول إعطاء تعريف مقتضب للمدينة(‪ ،) 1‬ونميزها عما يشابهها من المفاهيم(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬تعريف المدينة‬
‫بالنظر إلى مجموعة من العوامل والخصائص‪ ،‬فإن المدينة هي " وسط حضري تعيش فيه‬
‫نسبة من الساكنة يغلب على أنشطتها طابع خدماتي صناعي‪"..‬‬
‫‪ 2‬تمييز تنظيم المدن عن األنظمة المشابهة‬
‫‪ -‬المدينة والتمدن والتمدين‬
‫التمدين اصطالح يطلق على حركة الهجرة نحو المدن اإلستقرار بها ويدعو هذا اإلصالح إلى‬
‫البحث في أسباب الزحف نحو المدن‪.‬‬
‫التمدن اصطالح يطلق على من التأقلم والتكيغطف مع نمط عيش ساكنة المدينة ويقابه مصطلح‬
‫التريف‪ ،‬إذ أن كل من يواكب ويعيش بنمط العيش بالمدينة فهو متمدن‪ ،‬أما كل من يعيش بنمط‬
‫يخالف نمط العيش بالمدينة فهو غير متمدن‪ ،‬ويعتبر متريفا إن كان يعيش بنمط عيش البادية‬
‫ومن مظاهر تريف المدن ‪ :‬استعمال عربات تجرها الحمير أو البغال‪ ..‬رعي األغنام في‬

‫‪14‬‬
‫الشوارع والحدائق " وفي القمامات " وغيرها من الممارسات والنشاطات والتي استفحلت في‬
‫الظرفية الراهنة في جل المدن المغربية خاصة مدينة الدار البيضاء‪.‬‬
‫تنظيم المدن وسياسة المدينة‬
‫سياسة المدينة هي استراتيجية تضعها مختلف القطاعات المعنية بهدف تدبير المجال (المدينة)‪،‬‬
‫ويتوخى منها دفع المفارقات والتهميش بين األحياء وتهدف إلى تحقيق تطلعات ومطالب‬
‫السكان‪ ،‬ومن خصائص سياسة المدينة هي أنها ‪:‬‬
‫سياسة عمومية‬
‫سياسة شمولية‬
‫سياسة مندمجة‬
‫سياسة تشاركية‬
‫تنظيم المدن هو من أهداف سياسة المدينة‪ ،‬وبالتالي فإن تنظيم المدن جزء من سياسة المدينة‬
‫أي جزء من الكل‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عناصر وإبعاد السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫إن السياسات العمومية في مجال التعمير تقوم على خمسة عناصر أو ركائز أساسية‪ ،‬وإن تم‬
‫احترامها وطبقات بشكل سليم ومدروس تؤتي الغرض والهدف المرجو من السياسة العمومية‬
‫في ميدان التعمير‪ ،‬وهذه العناصر هي‪:‬‬
‫‪-‬تحديد اإلشكال – مخرجة لإلشكال – اتخاد القرار – تطبيق القرار – تقييم النتائج (الفقرة‬
‫االولى )‬
‫وبخصوص أبعاد السياسات العمومية في مجال تنظيم المدن فإنه يتم األحد بعين اإلعتبار أربعة‬
‫أبعاد أساسية ورئيسة ليتم تنظيم المدينة بشكل تراعى فيه كل المستويات والمجالت والقطاعات‬
‫وهذه األبعاد هي‪:‬‬
‫‪-‬البعد االجتماعي – البعد االقتصادي – البعد السياسي ‪-‬البعد الثقافي (الفقرة الثانية)‬
‫الفقرة األولى‪ :‬عناصر السياسات العمومية في ميدان التعمير‬
‫إن ميدان التعمير يعرف مجموعة من القيود التي يجب احترامها من لدن المنعشين العقاريين‪،‬‬
‫تحت طائلة عقوبات وحرية أو مدنية تبطل كل تصرف مخالف لقوانين التعمير‪ ،‬أو رفض‬

‫‪15‬‬
‫الترخيص من الجهة اإلدارية المعنية في حالة عدم مطابقة المشروع للمقتضيات والضوابط‬
‫‪9‬‬
‫القانونية‬
‫وبالنظر إلى شاسعة هاته القيود‪ ،10‬فإننا سنقتصر على دراسة هذه العناصر بخصوص تسليم‬
‫رخص البناء‪.‬‬
‫‪ -‬عناصر السياسات العمومية في ميدان العمير‪ :‬رخص البناء كنموذج‬
‫تحديد اإلشكال‪:‬‬
‫يعرف مجال البناء مجموعة من اإلشكاالت والمشاكل من قبيل‪:‬‬
‫استفحال ظاهرة البناء غير القانوني‬
‫عدم وجود قانون خاص بالبناء‬
‫قبول بعض أعوان السلطة للبناء القانوني إما محاباة أو مقايضة او ارتشاءا‪..‬‬
‫ضعف المراقبة في مجال البناء وضعف مردودها‪..‬‬
‫معاناة بعض المقبلين على البناء غير القانوني من ظروف إجتماعية صعبة تتمثل في انعدام‬
‫المقدرة على شراء سكن الئق‬
‫جهل بعض المواطنين بإجراءات الحصول على رخصة البناء‪ ،‬وشروعهم في البناء بسرية إلى‬
‫حين تمام البناء‪ ،‬وفي بعض األحيان بتواطئ مع بعض رجال السلطة واعوانهم !‬
‫هذا جزء بسيط من إشكاالت ومشاكل كبيرة يعرفها قطاع البناء بالمغرب وما يروج له في‬
‫اإلعالم (المسموع أو المقروء أو البصري )‪ ،‬وغيره من التظاهرات والمحافل العلمية‬
‫(ندوات‪ -‬موائد مستديرة‪ ،) ...‬يعتبر تصوير جزئي لواقع مزري يعرفه قطاع البناء بالمغرب‪،‬‬
‫ذلك أن حقيقة وضعية مجال البناء بالمغرب تعرف آثمة أكبر مما هو مشخص على لسان‬
‫أألخصائيين‬
‫مخرجة لألشكال‪:‬‬

‫)‪ :(6‬الدكتور محمد محجوبي ‪-‬قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية‪ -‬الطبعة الثانية‪ ،‬السنة ‪ ،2011‬الصفحة ‪15‬و‪16‬‬
‫‪ :)7‬وتتجلى أهم هذه القيود في اآلتي‪1 :‬وثائق التعمير وتضم (أ)‪:‬المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية (ب)‪:‬تصاميم التهيئة (ج)‪:‬تصميم التنطيق (د)‪:‬‬
‫تصميم التنمية‪.‬‬
‫‪2‬االرتفاقات القانونية في مجال التعمير‬
‫‪ 3‬رخص التعمير وتضم (أ)‪ :‬رخصة البناء (ب)‪:‬رخصة التجزئة (ج)‪ :‬رخصة التقسيم‬
‫ينظر لتفاصيل أكثر حول قيود التعمير لمرجع الدكتور محمد محجوبي (مرجع سابق) الصفحة من ‪ 15‬إلى ‪.24‬‬

‫‪16‬‬
‫إن تشخيص الوضع ودراسة األسباب المؤدية إليه بمثابة نصف العمل‪ ،‬والنصف اآلخر‬
‫يتجسد في محاولة اإلسهام في إعطاء مخرجات أو حلول بشأن اإلشكاالت والمشاكل‬
‫التي يطرحها مجال البناء بالمغرب‪.‬‬
‫وبناءا على ما سبق‪ ،‬فإن تلك اإلشكاالت والمشاكل التعود أن تخرج عن االعتبارات‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫اجتماعيا‪ - :‬الهشاشة اإلجتماعية‬
‫إداريا‪ - :‬الفساد اإلداري‬
‫تنظيميا‪ – :‬الفشل التنظيمي إعمال المصالح الخاصة على حساب المصالح العامة‬
‫ثقافيا‪ – :‬تكريس ثقافة خرق القواعد التنظيمية بسرية‬
‫وعموما‪ ،‬وكي نكون واقعيين فإن معظم إذ لم نقل غالب المواطنين الذين يقبلون على‬
‫البناء غير القانوني من غير المهمشين العقاريين‪ ،‬تدفعهم ظروفهم االجتماعية القاسية‪،‬‬
‫وحاجاتهم الضروري للسكن‪ ،‬سيما وأن هناك عائالت بالمئات واآلالف يتكلمون من‬
‫مجموعة أفراد ال يسعهم محال سكنهم مما يدفعهم إلى توسعة محل سكنهم بطريقة غير‬
‫قانونية ولو أن في ذلك تعريض حياتهم للخطر!‬
‫وعليه‪ ،‬يجب مراجعة المنظومة السكنية بالمغرب عامة‪ ،‬ووضعية مجال البناء خاصة‪،‬‬
‫وإحداث مشاريع إجتماعية تروم معالجة وضعية البناء غير القانوني برمته‪ ،‬وتراعي‬
‫الفئات المضطرة إلى ذلك بالنظر إلى ظروفهم اإلجتماعية القاسية‪..‬‬
‫وفيما يخص الفساد اإلداري أو التنظيمي أو السياسي في مجال البناء فإن النقاش فيه‬
‫مستفيض‪ ،‬وتفاقم هذا الوضع قد يودي إلى شر مستطير‪..‬‬
‫والحل بهذا الصدد هو أن يتقدم كل من له حرقة وطنية وكفاءة علمية بإصالح ما يمكن‬
‫إصالحه‪ ،‬الكل من موضعه ومكانته من األعلى رتبة إلى األدنى‪ - ،‬من المقدم إلى‬
‫الوالي فرئيس الجهة‪ ،‬ومن حارس األمن إلى والي األمن فوزير الداخلية‪ ،‬ومن البرلمان‬
‫بأعضائه إلى الحكومة بأعضائها فبئس الدولة(الملك)!!‪.-‬‬

‫اتخاذ القرار بخصوص الحل‪:‬‬


‫تعد القوة اإلقتراحية وقودا محرك لإلصالح والمضي في ركب التقويم إن واكبتها تفعيل‬
‫المقترحات الجدية واألمكنة بخصوص الحلول‪.‬‬
‫وبصفتنا أكاديميون باحثون في الشأن القانوني فإننا نقترح اتخاذ القرار اآلتي بخصوص‬
‫الحلول المقترحة سلفا‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫أن يعمل رؤساء المجالس الجماعية على دراسة طلبات الحصول على رخصة البناء‪ ،‬دراسة‬
‫توفق بين الحفاظ على سالمة األبنية وشكلها الخارجي‪ ،‬وتراعي نوعية البناء والتغييرات التي‬
‫سيحدثها البناء على البناء القائم‪ ،‬أو مدى مطابقة البناء الجديد لباقي قيود التعمير‪.‬‬
‫يجب أن تكثف المراقبة على أعوان السلطة ورجالها وكل من له الدور في تسليم رخص البناء‬
‫وذلك وحصر الصالحيات وتقييدها بالقانون والتعليل‪.‬‬
‫تطبيق القرار‪:‬‬
‫إن تفعيل القرارين السابقين يقضي بتعبئة كل الوسائل اإلدارية والمادية وذلك في مراحل‬
‫أهمها‪:‬‬
‫وضع القرار في مخطط عملي‬
‫تكييف المستهدفين بالقرار مع الوضع الجديد‬
‫توضيح توضيح أهمية القرار في إصالح المنظومة السكنية بالمغرب ‪-‬رخص البناء كنموذج‪-‬‬
‫إدخال مختلف القطاعات والجهات المعنية في ورش اإلصالح‬
‫تقييم النتائج‪:‬‬
‫تأتي مرحلة تقييم النتائج بعد تطبيق القرار المتخذ لمعالجة اإلشكال المطروح بخصوص‬
‫ظاهرة معينة ‪-‬رخص البناء‪ -‬وإذا تم تفعيل القرار المتخذ فإن النتائج الممكن توقعها هي‬
‫كاألتي‪:‬‬
‫حصر وتقييد صالحيات السلطات اإلدارية المكلفة بمنح رخص البناء في حدود القانون‪،‬‬
‫وبالتالي تقليص هوة التالعب والمراوغة‪.‬‬
‫الحفاظ على جمالية األبنية وسالمة هيكلها‪.‬‬
‫وعموما سيحل هذا القرار بعض اإلشكاالت من اإلشكاالت التي يعرفها مجال البناء‬
‫بالمغرب‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أبعاد السياسات العمومية في مجال تنظيم المدن‬
‫" يشكل موضوع المدينة إحدى اهتمامات وانشغاالت السلطات العمومية لكونها تجسد رهانات‬
‫عدة (سياسية إقتصادية إجتماعية تعميرية ثقافية‪ ،) ...‬هذا اإلهتمام كان حاضرا منذ عدة عقود‬
‫من خالل مخططات وبرامج تنموية تهم المدينة وإعداد التراب الوطني والمجال الحضري‬
‫بصفة عامة لكن بالرغم من ذلك ال زالت المدن المغربية تعاني من عدد كبير من االختالالت‬
‫اإلقتصادية والسوسيوثقافية والبيئية‪ ،‬وهي اختالالت ثؤثر سلبا في رفاه الساكنة الحضرية‬
‫‪18‬‬
‫وتنافسي المدن وجاذبيتها وهذا ما برر ضرورة بروز وعي ورغبة في النهوض بالمدينة‬
‫والدفع بها نحو مسار التنمية واعتماد سياسة شمولية منذمجة مستندة على حمامة فعالة كأولوية‬
‫‪11‬‬
‫لمعالجة مشاكل المدينة‪".‬‬
‫البعد اإلجتماعي‪:‬‬
‫" تنعت مدينة الدار البيضاء عاصمة المغرب اإلقتصادية ب"الغول" لكبر حجمها كثافة‬
‫سكانها وانعدام الثقة التي تميز العالقات اإلجتماعية (على مستوى التمثالت اإلجتماعية) لذا‬
‫يجب على الغريب أن يتحوط في أمر سكانها‪ ...‬ويبلغ عدد سكانها‪ 3.350.000‬نسمة‬
‫‪12‬‬
‫بحسب اإلحصاء العام األخير للسكن والسكنى لسنة ‪".2014‬‬
‫ونسوق إحصائية حلول التطور الديموغرافي لمدينة الدار البيضاء‪:13‬‬
‫نسبة النمو‬ ‫المتوسط السنوي‬ ‫مجموع السكان‬ ‫السنة‬
‫)‪(--‬‬ ‫‪(--).‬‬ ‫‪.965.277‬‬ ‫‪1960‬‬
‫‪3,9‬‬ ‫‪49.190‬‬ ‫‪1.506.373‬‬ ‫‪1971‬‬
‫‪3,1‬‬ ‫‪57.530‬‬ ‫‪2.139.204‬‬ ‫‪1982‬‬
‫‪2,1‬‬ ‫‪40.788‬‬ ‫‪2.628.660‬‬ ‫‪1994‬‬
‫)‪(--‬‬ ‫‪40.345‬‬ ‫‪3.032.116‬‬ ‫‪2004‬‬
‫‪1.03‬‬ ‫‪32.720‬‬ ‫‪3.359.818‬‬ ‫‪2014‬‬
‫بناء على ما تقدم فإن تنظيم مدينة الدار البيضاء يجب أن يراعى فيه البعد اإلجتماعي‪ ،‬هذا‬
‫األخير يعني أن يوضع في صلب اإلستراتجيات والمخططات والمشاريع اإلستثمارية‬
‫استحضار الدور اإلجتماعي الساكنة وذلك من خالل وضع مشاريع تنموية تستهدف دمج‬
‫الشباب وكذلك توفير جل المرافق الضرورية خاصة في التجزىات والمشاريع السكنية الجديدة‬
‫البعد اإلقتصادي‪:‬‬

‫(‪ :)8‬مقال بعنوان – تدبير المن بالمغرب اية حكامة وأية رهانات‪ -‬عبد العزيز رشدي باحث في قضايا التعمير واإلدارة المحلية‪ ،‬منشور بمجلة‬
‫المغربية لألنظمة القانونية والسياسية – التعمير والحكامة الجمالية وفق آخر المستجدات التشريعية والقضائية‪ ،‬العدد الخاص رقم ‪ 11‬الطبعة األولى‬
‫الصفحة ‪.207‬‬
‫(‪ :)9‬عبد الرحمان رشيق – السياسة العمرانية والعالقات اإلجتماعية في المغرب – دراسة عدد ‪ 511‬السنة ‪ ،2016‬الصفحة ‪24‬‬
‫(‪ :)10‬الجدول من إعداد الباحث عبد الرحمان رشيق اعتمادا على إحصاءات السكن والسكنى للمنذوبية السامية للتخطيط مرجع سابق الصفحة ‪24‬‬

‫‪19‬‬
‫أن استحضار البعد االقتصادي في تنظيم المدينة يأخد عدة صور واشكال ومن أبرزها توفير‬
‫فرص الشغل للساكنة النشيطة بالمدينة واإلسهام في تحريك عجلة التنمية والرفع من نسبة‬
‫التشغيل والنشاط الصناعي والحرفي والخدماتي‪...‬‬
‫البعد السياسي‪:‬‬
‫غالبا ما تتمركز المكاتب الحزبية والمجالس الجهوية والوطنية لألحزاب المغربية في قلب‬
‫المدينة وتحديدا في المناطق األكثر شعبية وكثافة سكانية وذلك بغية حشد الدعم واألصوات‬
‫لصالح األحزاب في الحمالت اإلنتخابية هذا من جهة ومن جهة أخرى فهناك جملة من البرامج‬
‫والمشاريع المحدثو والتي قيد اإلحداث وأخرى مزمع احداثها بمدينة الدار البيضاء تخدم صالح‬
‫بعض الساسة في جوهرها وتكسب مظهر اجتماعي تنموي في شكلها‪!.‬‬
‫البعد الثقافي‪:‬‬
‫ظهرت عناية وزارة الثقافة واإلتصال ومختلف القطاعات المعنية بالشأن الثقافي والحضاري‬
‫واالرث الثقافي‪ ،‬والتوجيهات ملكية في غير ما خطاب‪ ..‬وبذلك تم الشروع في تنفيذ مشاريع‬
‫اإلصالح وإعادة تهيئة مختلف المعالم األثرية وصيانتها واحداث دور للثقافة‪ ...‬المدينة القديمة‬
‫للدار البيضاء مثال (وحاليا قيد اإلصالح مسجد المخزن ببوسمارة المدينة القديمة ومسجد‬
‫الحسن الثاني‪...‬وغيرها من المعالم )‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سياسة السلطات اإلدارية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫إن التفصيل الذي أتينا به ألبعاد وعناصر السياسات العمومية في ميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫في المبحث االول‪ ،‬يدفعنا إلى التساؤل حول نوعية السياسة التي تحكم ميدان التعمير و تنظيم‬
‫المدن‪ ،‬غير أن الجواب عن هذا التساؤل سوف لن يتاتى إال إذا تناولنا مفهوم إعداد التراب‬
‫الوطني بالمقارنة مع مفهوم التعمير‪ ،‬باعتبار أن كالهما وجهين لعملة واحدة كما جاء في‬
‫الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في اللقاء الوطني حول إعداد التراب الوطني الذي‬
‫انعقد بالرباط في ‪26‬يناير‪.2000‬‬

‫ومن جهة ثانية‪ ،‬فإن السياسات التي تنهجها الدول لمواجهة مشكل ما تبقى نظرية‪ ،‬إن لم تترجم‬
‫على أرض الواقع ومنه فإننا سنحاول دراسة سياسة إعداد التراب الوطني وعالقتها بميدان‬
‫التعمير وتنظيم المدن (المطلب االول) إبراز نماذج لبعض السياسات التي اعتمدت في ميدان‬
‫التعمير وتنظيم المدن (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫المطلب االول‪ :‬سياسة إعداد التراب الوطني و عالقتها بميدان التعمير وتنظيم المدن‬
‫إن تحديد طبيعة السياسة المتبعة في ميدان التعمير و تدبير المدن‪ ،‬لن تتأتى إال بتحديد طبيعة‬
‫السياسة المتبعة في إعداد التراب الوطني‪ ،‬لذلك سنخصص( الفقرة االولى) للحديث عن سياسة‬
‫إعداد التراب الوطني‪ ،‬قبل أن نبرز عالقتها بسياستي التعمير و تدبير المدن (الفقرة الثانية)‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬سياسة إعداد التراب الوطني‪.‬‬
‫إن تحديد طبيعة سياسة إعداد التراب الوطني تقتضي تعريف مفهوم إعداد التراب الوطني و‬
‫اإلرهاصات األولى لظهوره (أوال) ثم بيان أهدافه وطبيعته (ثانيا)‬
‫أوال‪ :‬فيما يخص تعريف إعداد التراب الوطني فيجمع الباحثون على أنه من الصعب الوقوف‬
‫على تعريف جامع‪ ،‬لذلك فإن اإلتجاه الغالب يرى يرى بأنه تلك السياسة المعقلنة التي تتبعها‬
‫الدولة الستغالل الموارد الطبيعية و البشرية لتحسين جودة المجال أو الوسط الترابي الذي‬
‫يمارس فيه اإلنسان مختلف أنشطته‪ ، 1‬وبهذا يتضح أن مفهوم إعداد التراب بمعناه الضيق‪،‬‬
‫الوطني متعدد األبعاد‪،‬اذ ال ينبغي فهم مصطلح التراب )‪ (territoire‬المحدد‬
‫في األرض و العقار ألن األمر اليتعلق بالتضاريس و بنيتها فقط‪ ،‬بقدر ما يتعلق ايضا بحسن‬
‫استعمالها و المنشآت التي تقام او سوف تقام عليها‪ ،‬لذلك نجد أنه في فرنسا ظهر‬
‫مصطلح أكثردقة هو (إعدادالمجال‪.(aménagement de l'espace:‬‬

‫أما فيما يخص االرهاصات األولى لبروز الضرورة إلى تبني سياسة إعداد التراب الوطني‪،‬‬
‫فقد ظهرت في فرنسا سنة ‪1950‬بانشاء مديرية وزارية إلعداد التراب الوطني‪ ،‬ثم اإلعالن‬
‫سنة ‪ 1954‬عن سياسة إلعداد التراب أتبعت سنة ‪ 1963‬بإحداث مفوضية إعداد التراب‬
‫والعمل الجهوي ‪ ،‬و طبعا لم تكن هذه السياسة وليدة الصدفة‪ ،‬وإنما كان للمفكر الفرنسي"جون‬
‫فرنسوا كرافيي" دور كبير في تبنيها من خالل كتابه الذي أثار ضجة في )‪ ،‬حيث بعث من‬
‫الساحة السياسية سنة‪paris et le désert français )1945‬خالله‬
‫إنذارا صريحا بخطورة االختالل الجهوي في فرنسا‪ ،‬معتمدا في دراسته على منهج احصائي‬
‫قدم من خالله احصاءات مرعبة عن خطورة المشكل‪،‬فقد أورد بأن ‪ %18‬من السكان‬
‫الفرنسيين يقطنون في باريس التي تحتكر وحدها ثلث الصناعة التحويلية و كذلك أكثر من‬
‫نصف الحاملين للشو اهد العليا‪.‬‬
‫رشيد لبكر‪ ،‬إعداد التراب الوطني و رهان التنمية الجهوية‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون اإلداري نوقشت بجامعة الحسن التاني عين الشق‬ ‫‪_1‬‬
‫السنة الجامعية ‪ 2001-2000‬صفحة‬

‫‪21‬‬
‫أما بالنسبة للمغرب فكانت أول سياسة خاصة بإعداد التراب الوطني بموجب المخطط‬
‫االقتصادي الخامس لسنة‪ 1968-1972‬الذي عرفها ب"‪.....‬إعطاء بعد جغرافي لعمليات‬
‫التنمية االقتصادية و االجتماعية أي الوصول إلى توزيع مجالي لألنشطة التي يمكن معها‬
‫‪2‬‬
‫إنعاش عملية التنمية اإلقتصادية‪".... .‬‬
‫ولقد ظل هذا القطاع يخضع لوزارة الداخلية قبل أن يتم تسليمه لالشتراكيين في حكومة‬
‫التناوب من خالل وزارة إعداد التراب الوطني و التعمير و البيئة و اإلسكان‪. 3‬‬
‫ثانيا‪ :‬أهداف سياسة إعداد التراب الوطني و طبيعتها‪.‬‬
‫_بالنسبة لألهداف التي ترمي إليها سياسة إعداد التراب الوطني‪ ،‬فيمكن إجمالها في‪:‬‬

‫‪-‬تحقيق تنمية متناسقة و متوازنة بين الجهات؛‬


‫‪-‬التوزيع العادل للثروات و األنشطة اإلقتصادية و اإلجتماعية؛‬
‫‪-‬تحسين ظروف عيش اإلنسان في إطار بيئة سليمة و متوازنة؛‬
‫‪-‬المساهمة في تفعيل الالمركزية للتخفيف عن األجهزة المركزية‪.‬‬
‫ولعل هذه األهداف هي التي جعلت بعض الباحثين يقوم بحصر وظائف سياسة إعداد التراب‬
‫الوطني في أربع مهام رئيسية‪:‬تتمثل األولى في التنظيم المحكم للساكنة الحضرية‪ ،‬وفي نهج‬
‫المركزية إدارية عل مستوى بنيات اإلنتاج و الخدمات ثانيا ثم تهيئة المجال القروي ثالثا و‬
‫أخيرا تحديث وسائل اإلتصال‪.4‬‬

‫أما فيما يخص طبيعة سياسة إعداد التراب الوطني ‪ ،‬فعلى المستوى النظري و نظرا لألهمية‬
‫الشديدة و األبعاد المتعددة لها‪ ،‬فيمكن الجزم بأنها سياسة عامة تتطلب اتخاذ القرار فيها على‬
‫مستوى المجالس الوزارية نظرا لتعدد الفاعلين فيها بين المركزية و الال مركزية االدارية‪،‬و‬
‫أيضا الشركاء الخواص؛‬
‫_________________________________________‬
‫‪_2‬رشيد لبكر‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬صفحة‪.22‬‬

‫‪ _3‬المالحظ أنه في الهندسة الحكومة الحالية قد تم فصل قطاع البيئة عن وزارة إعداد التراب الوطني و التعمير واالسكان و تعويضه بقطاع‬
‫سياسة المدينة‪.‬‬

‫‪_4‬رشيد لبكر‪ ،‬نفس المرجع‪،‬صفحة ‪.13‬‬

‫‪22‬‬
‫أما على المستوى الواقعي و في غياب سياسة عمومية حقيقية للحكومة‪ ،‬فإن إعداد التراب‬
‫الوطني يبقى مجرد سياسة قطاعية أنيطت مهام اتخاذ القرار فيها و تنفيذه لوزارة إعداد التراب‬
‫الوطني و التعمير و السكنى و سياسة المدينة‪ ،5‬مما ال يتأتى معه إشراك جميع الفاعلين في‬
‫وضع هذه السياسة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬العالقة بين سياسة إعداد التراب الوطني وميدان التعمير وتنظيم المدن‪.‬‬
‫إن تحديد العالقة بين إعداد التراب الوطني والتعمير وتنظيم المدن ‪ ،‬يقتضي التمييز بين‬
‫التعمير وإعداد التراب (أوال ) ثم التمييز بين تدبير المدن و إعداد التراب (ثانيا )‬
‫‪.‬أوال‪:‬عالقة بين سياستي التعمير وإعداد التراب‬
‫تهدف السياسات العمومية في ميدان التعمير إلى تدبير المجال الحضري عبر وثائق توقعية‬
‫توجيهية‪ ،‬و أخرى تنفيذية تأخذ بعين االعتبار مشاكل البناء العشوائي‪ ،‬و مدن الصفيح‪ ،‬و‬
‫تزاحم األحياء‪ ،‬و التحكم في وتيرة النمو الديمغرافي حتى ال يقع خلل في التوازن على‬
‫المستوى العمراني و البشري داخل المدن‪،‬و رغم أن العالقة بين التعمير و إعداد التراب‬
‫الوطني هي عالقة جدلية ‪،‬فإن ذلك لم يمنع أحد الباحثين‪ 6‬من رصد هذه العالقة في النقاط‬
‫اآلتية‪:‬‬
‫_من المفروض أن تستمد السياسات العمومية والقطاعية و الترابية في ميدان التعمير من‬
‫التوجهات العامة لسياسة إعداد التراب الوطني‪.‬‬
‫_إن سياسة إعداد التراب الوطني ذات نظرة مستقبلية‪ ،‬أما التعمير فيتميز بكونه يلتقي مع‬
‫السياسة االولى في كوهه توقعي و يختلف معها في كونه تطبيقي عملي‪ ،‬أما االختالف فيكمن‬
‫في كون التعمير يشمل المجال الحضري‪ ،‬في حين أن سياسة إعداد التراب الوطني تشمل‬
‫المجالين الحضري و القروي على حد سواء‪.‬‬
‫_إن العالقة بين إعداد التراب و التعمير عالقة جدلية‪ ،‬بحيث أن اتخاذ أي سياسة فيما يخص‬
‫إعداد التراب يجب أن ال يغض الطرف عن التعمير‪ ،‬لكون هذا األخير ليس في حقيقته إال مادة‬
‫من مواد إعداد التراب الوطني‪ ،‬المادة األم‪.‬‬

‫‪_6‬رشيد لبكر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬صفحة‪.28‬‬

‫ثانيا‪ :‬فيما يخص العالقة بين سياستي إعداد التراب و تدبير المدن‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫يمكن القول بأن الجماعات الترابية و السيما الحضرية منها تلعب دور مهما في تدبير المدن‬
‫من خالل اعتمادها على سياسات ترابية تراعي توجهات السياسة العامة إلعداد التراب و باقي‬
‫السياسات العمومية في ميدان التعمير‪ ,‬و يبرز دور الجماعات قي تدبير المدن من خالل‬
‫اختصاصات الجماعات الترابية‪,‬حيث جاء في المادة من‪83‬القانون التنظيمي المتعلق‬
‫بالجماعات‪ 7‬مايلي‪:‬‬
‫" تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية الالزمة لتقديم خدمات القرب‬
‫في الميادين التالية‪:‬‬
‫توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء؛‬
‫النقل العمومي الحضري؛‬
‫اإلنارة العمومية؛‬
‫التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة؛‬
‫تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها إلى‬
‫المطارح ومعالجتها وتثمينها؛‬
‫السير والجوالن وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات؛‬
‫حفظ الصحة؛‬
‫نقل األموات والدفن؛‬
‫إحداث وصيانة المقابر؛‬
‫معارض الصناعة التقليدية وتثمين المنتوج المحلي؛‬
‫أماكن بيع الحبوب؛‬
‫المحطات الطرقية لنقل المسافرين؛‬

‫_________________________________________________________________________‬
‫‪_7‬ظهير شريف رقم‪1.15.85‬صادر في ‪20‬من رمضان‪7(1436‬يوليوز‪)2015‬بتنفيذ القانون التنظيمي رقم‪113.14‬المتعلق‬
‫بالجماعات‪،‬جريدة رسمية عدد‪.6380:‬‬

‫محطات االستراحة؛‬
‫‪25‬‬
‫إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي للجماعة؛‬
‫مراكز التخييم واالصطياف‪.‬‬
‫كما تقوم الجماعة بموازاة مع فاعلين آخرين من القطاع العام أو الخاص بإحداث وتدبير‬
‫المرافق التالية‪:‬‬
‫أسواق البيع بالجملة؛‬
‫المجازر والذبح ونقل اللحوم؛‬
‫أسواق بيع السمك‪.‬‬
‫يتعين على الجماعة أن تعتمد عند إحداث أو تدبير المرافق‪ ،‬المشار إليها في الفقرة الثانية‬
‫أعاله‪ ،‬سبل التحديث في التدبير المتاحة لها‪ ،‬والسيما عن طريق التدبير المفوض أو إحداث‬
‫شركات التنمية المحلية أو التعاقد مع القطاع الخاص‪.‬‬
‫كما يتعين على الجماعة مراعاة االختصاصات المخولة بموجب النصوص التشريعية الجاري‬
‫بها العمل إلى هيئات أخرى والسيما المكتب الوطني للسالمة الصحية للمنتجات الغذائية‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج من بعض السياسات العمومية والتربوية في ميداني التعمير وتنظيم‬
‫المدن‬
‫من خالل هذا المطلب سنسلط الضوء على نماذج من بعض السياسات المتخذة في ميداني‬
‫التعمير (الفقرة األولى ) و تنظيم المدن (الفقرة الثانية ) رغم صعوبة التوفر على إحصائيات‬
‫رسمية تساعدنا في التحليل‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬بالنسبة لميدان التعمير‬
‫تعود اإلرهاصات األولى‪ ،‬لتبني سياسة تعميرية بالمغرب إلى سنة ‪1914‬من خالل‬
‫ظهير‪16‬أبريل‪ 1914‬المتعلق بتصفيف األبنية و التصاميم الموضوعة لتهيئة المدن‪ ،‬وفي بداية‬
‫الخمسينات عمل المهندس المعماري ميشال إيكوشار‪ ،‬على إعداد قانون جديد للتعمير صدر‬
‫في ‪30‬يوليوز‪،1952‬و كان الهدف منه تحسين وثائق التعمير و تطوير ضوابط البناء و‬
‫استعمال األراضي‪،‬ومباشرة بعد بعد صدور هذا القانون جاء ظهير ‪30‬شتنبر‪1953‬المتعلق‬
‫بتجزئة األراضي‪ ،‬حيث كانت سلطات الحماية ترمي إلى إعطاء فعالية أكثر لمراقبة اإلدارة؛‬
‫وطبعا كانت هذه السياسة التي نهجتها سلطات الحماية في ميدان التعمير برغماتية‪ ،‬إذ أعطت‬
‫األولوية لبعض المراكز المحاذية للشاطئ (المغرب النافع)فوقع اإلختيار على محور قنيطرة‪-‬‬
‫الرباط‪-‬الدار البيضاء‪ ،‬وبفعل هذه السياسة التي سهرت إدارة الحماية على تطبيقها إلنجاز‬
‫عمليات التعمير‪ ،‬استطاعت أن تخلق أهم التجمعات السكنية بكبريات المدن ‪ ،‬لكن ذلك لم يكن‬
‫في صالح المواطنين المغاربة بقدر ما كان موجها لتلبية حاجيات المواطنين األجانب‪ ،‬و هذا ما‬
‫جاء على لسان ميشال إيكوشار نفسه حين اعترف بأن المدن الجديدة تم إحداثها لفائدة‬
‫األوروبيين‪ ،‬الشيء الذي أدى إلى نزوح الساكنة القروية إلى هذه المناطق نظرا الحتكارها جل‬
‫األنشطة اإلقتصادية و اإلجتماعية و ظهور ممارسات مخالفة لضوابط التعمير‪ ،‬ولقد ظلت‬
‫سياسة المستعمر في مواجهة هذه المشاكل تدخلية آنية أكثر مماهي سياسة تخطيطية مستقبلية‪. 8‬‬

‫وبعد االستقالل ورثت اإلدارة المغربية مشاكل تعميرية عديدة كالسكن العشوائي‪،‬ودور‬
‫الصفيح‪ ،‬مما حذى بها إلى سن مجموعة من القوانين نذكر منها ‪:‬‬

‫__________________________________________________________________‬
‫‪_8‬الهادي مقداد‪ ،‬السياسة العقارية في ميدان التعمير و السكنى‪-‬مطبعة النجاح الجديدة‪-‬الدار البيضاء‪ 2000،‬صفحة‪26.25‬‬

‫‪27‬‬
‫التطبيقي‪9‬‬ ‫_القانون‪12.90‬المتعلق بالتعمير مع مرسومه‬
‫_القانون ‪ 25.90‬المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم العقارات مع‬
‫مرسومه التطبيقي‪10‬‬

‫الحضرية‪11‬‬ ‫_ظهير شريف رقم‪ 1.93.51‬معتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكاالت‬
‫كما تبنت الحكومة عدة برامج لمواجهة مشاكل التعمير و السكن كان أهمها‪:‬‬
‫_برنامج مدن بدون صفيح (أوال)‬
‫_برنامج السكن اإلقتصادي (ثانيا)‬
‫أوال‪ :‬برنامج مدن بدون صفيح‪.‬‬
‫يهدف هذا البرنامج إلى إعادة إيواء قاطني دور الصفيح من خال منحهم بقع أرضية صالحة‬
‫للبناء أو شقق اجتماعية جاهزة للسكن‪،‬‬
‫ولعل أهم إكراه واجه السلطات المعنية هو صعوبة إحصاء هؤالء المستفدين حيث يعمدون إلى‬
‫الزيادة في عدد أفراد األسر طمعا في اإلستفادة‪ ،‬إضافة إلى صعوبة توفير الوعاء العقاري‬
‫نظرا لضعف احتياطات الدولة العقارية في غياب سياسة عقارية ناجعة‪.12‬‬
‫ولقد عرفت بعض المدن كالدار البيضاء تقلصا في عدد هذه األحياء حيث تم معالجة ملفات‪:‬‬
‫كاريان سنطرال و الوسيطي بمقاطعة الحي المحمدي‪،‬‬
‫كاريان لهجاجمة بقاطعة سيدي بليوط‪،‬‬
‫كاريان باشكو بمقاطعة آنفا‪،‬‬
‫كاريان طومة بمقاطعة سيدي البرنوصي‪.‬‬

‫__________________________________________________________________‬
‫‪(_9‬ظهير شريف رقم‪ 1.92.31‬بتنفيذ القانون رقم‪12.90‬المتعلق بالتعمير‪ ،‬جريدة رسمية عدد‪4159‬صفحة‪883‬‬

‫‪ _10‬ظهير شريف رقم‪17( 1.92.7‬يونيو‪ )1992‬بتنفيذ القانون ‪25.90‬المتعلق بالتجزئات العقارية و المجموعات السكنية و تقسيم‬
‫العقارات‪ ،‬جريدة رسمية عدد‪4159‬صفحة‪880‬‬

‫‪ _11‬الجريدة الرسمية عدد‪4220‬صفحة‪1624‬‬

‫‪ _12‬راجع في هذا الشأن ‪ ،‬الهادي مقداد مرجع سابق‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ثانيا‪ :‬برنامج السكن اإلقتصادي‪.‬‬
‫عرفت بعض المدن نظرا لنموها الديمغرافي و للمضاربة العقارية‪ ،‬و ضعف دخل غالبية فئات‬
‫المجتمع أزمة في توفير السكن الذي يعد حقا دستوريا‪ ،‬مما حذا بالحكومة إلى تبني سياسة‬
‫عمومية تدخل فيها مجموعة من الفاعلين العموميين و الخواص‪ ،‬كان الهدف وراءها مساعدة‬
‫بعض الفئات من ذوي الدخل المحدود في اقتناء مساكنهم‪ ،‬ولقد أبان القطاع العام على محدودية‬
‫إمكانياته في بناء و تجهيز المساكن مما دفع إلى عقد شراكات مع شركات القطاع الخاص‪.‬‬
‫و يمكن تصنيف النفقات العمومية المخصصة لهذه البرامج إلى نوعين‪:12‬‬
‫_النفقات المباشرة التي تعتمد في إطار ميزانية الدولة العامة لفائدة الوزارة المكلفة باإلسكان‬
‫والمؤسسات العمومية التي تعمل تحت وصايتها‪.‬‬
‫_و النفقات غير المباشرة و التي تتمثل أساسا في المساهمات و المساعدات و اإلعفاءات التي‬
‫تقدمها الدولة لفائدة المتدخلين الخواص‪ ،‬بهدف تشجيع اإلستثمار أو بهدف تسهيل عملية اقتناء‬
‫المساكن من طرف مختلف الفئات اإلجتماعية‪.‬‬
‫كما أنه و من أجل تسهيل الحصول على القروض المخصصة ألجل اقتناء المساكن‪ ،‬عملت‬
‫الحكومة على إحداث مجموعة الصناديق لضمان هذه القروض‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫_فوكاريم‪ :‬الموجه لضمان قروض الفئات دات الدخل الغير المنتظم أو الضعيف لمساعدتهم‬
‫على اقتناء سكن يضمن لهم الحد األدنى من العيش الكريم‪ ،‬ويستفيد من ضمان هذا الصندوق‬
‫كافة األشخاص الذين يزاولون نشاطا مدرا للدخل و الذين ال يملكون مسكنا شريطة أال يكونوا‬
‫من موظفي الدولة أو أجراء القطاع الخاص المنخرطين في الصندوق الوطني للضمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬كما يجب أال يتعدى ثمن المسكن المراد اقتناؤه ‪250.00‬درهم و أال يتجاوز مبلغ‬
‫االستحقاق الشهري ‪1500‬درهم‪.‬‬
‫_فوكاريم العمومي‪ :‬وهو موجه لفائدة الموظفين و أعوان الدولة العاملين في المؤسسات‬
‫العمومية الذين ال يتجاوز أجرهم السنوي الخام دون احتساب الضرائب و التحمالت ‪270.00‬‬
‫درهم‪13‬‬

‫___________________________________________________________‬
‫‪_12‬الهادي مقداد‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬صفحة‪.45‬‬

‫‪_13‬عبد الحفيظ مشماشي‪ ،‬بيع العقار في طور اإلنجاز‪ ،‬دراسة على ضوء القانون المغربي و المقارن‪ ،‬مكتبة الرشاد سطات‬
‫‪2012‬صفحة‪.13‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬بالنسبة لميدان تدبير المدن‪.‬‬


‫‪29‬‬
‫بالعودة للفصل ‪ 83‬من القانون التنظيمي للجماعات المشار إليه أعاله‪ ،‬يظهر أن أمر تدبير‬
‫المدينة يعتبر شأنا محليا بامتياز‪،‬فتدبير المدينة ينطلق من توفير المواصالت والنقل و تنظيم‬
‫األسواق و توفير الماء و الكهرباء‪............‬‬
‫والجماعات الحضرية بالخصوص و نظرا لقربها من المواطن المحلي‪ ،‬فهي مدعوة إلى اتخاذ‬
‫سياسات ترابية ناجعة لتجاوز مشاكل المدينة ‪،‬شريطة أن ال تتعارض مع السياسة العامة و‬
‫باقي السياسات المتخذة في الموضوع‪.‬‬
‫ويمكن اعتماد الجماعة الحضرية للدار البيضاء نموذجا من خالل تبنيها مجموعة من‬
‫السياسات الترابية مثل سياسة المساحات الخضراء‪،‬و سياسة األسواق النموذجية‪،‬هذه األخيرة‬
‫كان الهدف منها التخفيف من ظاهرة الباعة المتجولين و الظواهر السلبية المرتبطة بها من‬
‫احتالل للطرق العمومية‪ ،‬حيث أبان اعتماد مقاربة الشرطة اإلدارية عن قصوره في الحد من‬
‫الظاهرة‪ ،‬و من جهة ثانية فإن اعتماد هذه األسواق النموذجية من شأنه أن يساهم في عملية‬
‫الضبط اإلداري لجودة السلع والمواد‪ ،‬و كذا األسعار‪.‬‬
‫ولقد انطلقت هذه التجربة بالمقاطعة الجماعية سيدي البرنوصي و عين الشق ‪ ،‬فيما الزالت‬
‫األشغال جارية إلنجاز سوق نموذجي بمقاطعتي الفداء واسباتة‪.‬‬
‫ولعل السبب في محدودية هذه السياسة في مواجهة الظاهرة يرجع إلى عدم تعميم هذه األسواق‬
‫على كافة تراب الجماعة نظرا للمشاكل التي يعيشها الملك الجماعي الخاص و صعوبة توفير‬
‫الوعاء العقاري المناسب‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫إن تناولنا لهذا الموضوع مكننا من الخروج بمجموعة من الخالصات؛‬
‫_أهمية مخططات إعداد التراب الوطني في التنمية الجهوية من خالل التوزيع العادل للموارد‬
‫و التكاليف فمخطط اعداد التراب ذو نظرة مستقبلية يراعي مستقبل المدينة و القرية على حد‬
‫سواء؛‬
‫_غياب سياسة عامة فيما يخص إعداد التراب الوطني‪ ،‬تشكل مرجعا للسياسات العمومية في‬
‫ميدان التعمير و تدبير المدن‪ ،‬و أن أي فراغ في هذا الصدد سيجعل سياسة التعمير تسير بشكل‬
‫مرتجل‪ ،‬تتحكم فيه المبادرة الفجة و غير المدروسة؛‬
‫_ضروررة عقد مناظرة وطنية حول سياسة إعداد التراب (المجال) الوطني و الخروج‬
‫بتوصيات تمكننا من اعتماد تصميم ترابي وطني‪ ،‬والتصاميم الترابية الجهوية‪ ،‬مما سينعكس‬
‫باإليجاب على السياسات العمومية فيما يخصص التخطيط الحضري و التعمير؛‬
‫_ضرورة اإلهتمام بالسياسة العقارية كأحد المواد الضرورية لتنفيذ السياسة التعميرية عن‬
‫طريق تحسين تدبير و استعمال العقار من خالل التحكم في السوق العقارية‪ ،‬و تكوين احتياطي‬
‫عقاري خاص بالدولة و الجماعات الترابية؛ألن الواقع أثبت أن أكبر اكراه يواجه تطبيق وثائق‬
‫التعمير هو صعوبة توفير الوعاء العقاري الصافي لتنفيذ السياسات التعميرية‬
‫_ضرورة التنسيق بين المصالح االممركزة للوزارة الوصية على قطاع سياسة المدينة مع باقي‬
‫الجماعات الترابية لتدبير المشاكل التي يطرحها تدبير المدن اعتبارا بأن هذه سياسة من‬
‫االختصاصات الذاتية للجماعات الحضرية‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الئحة المراجع‪:‬‬
‫رشيد لبكر‪ ،‬إعداد التراب الوطني و رهان التنمية الجهوية‪ ،‬أطروحة دكتوراه في القانون اإلداري‪ ،‬نوقشت ‪-‬‬
‫بجامعة الحسن التاني عين الشق السنة الجامعية ‪.2001 – 2000‬‬
‫الهادي مقداد‪ ،‬السياسة العقارية في ميدان التعمير و السكنى ‪ -‬مطبعة النجاح الجديدة ‪-‬الدار البيضاء‪.2000‬‬
‫عبد الحفيظ مشماشي‪ ،‬بيع العقار في طور اإلنجاز‪ ،‬دراسة على ضوء القانون المغربي و المقارن‪ ،‬مكتبة‬
‫الرشاد سطات ‪.2012‬‬
‫الدكتور الحاج شكرة ‪-‬الوجيز في قانون التعمير المغربي‪ -‬الطبعة السادسة‪ ،‬السنة ‪2012‬‬
‫الدكتور محمد محجوبي ‪-‬قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية‪ -‬الطبعة الثانية‪ ،‬السنة ‪2011‬‬

‫عزيز الكرسنة ‪،‬تقييم السياسات العمومية ‪،‬مقال تحت عدد ‪ ،591‬منشور بالموقع اإللكتروني ‪،‬‬
‫‪WWW.ALKANOUNIA.CO‬‬
‫تاريخ الولوج‪16H30 04/05/2019 ،‬‬
‫منجد الطالب – نظر فيه ووقف على ضبطه فؤاد إفران البستاني – الطبعة الثامنة واألربعون السنة ‪2001‬‬
‫دار المشرق رياض الصلح لبنان‪.‬‬
‫مقال بعنوان – تدبير المن بالمغرب اية حكامة وأية رهانات‪ -‬عبد العزيز رشدي باحث في قضايا التعمير‬
‫واإلدارة المحلية‪ ،‬منشور بمجلة المغربية لألنظمة القانونية والسياسية – التعمير والحكامة الجمالية وفق آخر‬
‫المستجدات التشريعية والقضائية‪ ،‬العدد الخاص رقم ‪ 11‬الطبعة األولى‬
‫عبد الرحمان رشيق – السياسة العمرانية والعالقات‬

‫‪32‬‬

You might also like