Professional Documents
Culture Documents
محاضرات مقياس النظريات السوسيولوجية الحديثة سداسي4
محاضرات مقياس النظريات السوسيولوجية الحديثة سداسي4
السداسي الرابع
مجموعة( 1فوج)3+2+1
المحــاضرة األولى :مساهمة مدرسة شيكاغو في دفع " النظرية " السوسيولوجية
هناك عالقة وطيدة بين بروز علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية و مدرسة
شيكاغو ،حيث تم إنشاء هذه المدرسة عام ،2981حيث كانت هذه المدرسة مهيمنة على
البحث السوسيولوجي الميداني سيما في الوسط الحضري ،و هذا إلى غاية ،2891
و اعتبرت شيكاغو بمثابة مخبر اجتماعي ،سمح بانطالق تخصص علم االجتماع الحضري،
و علم االجتماع االنحراف.بحيث االفتراض الذي كان سائدا لدى الباحثين في مدرسة
شيكاغو هو وجود عالقة بين التطور الحضري و تنامي المشاكل المرافقة لهذا التطور
الحضري ،هذه المشاكل التي يترتب عنها ما سماه هؤالء الباحثين بغياب التنظيم االجتماعي
) «:(désorganisation socialeهناك عالقة وطيدة بين مدرسة شيكاغو و نشأة علم
االجتماع األمريكي و الدراسات األولى عن المدينة.
لقد تم إنشاء قسم لعلم االجتماع بشيكاغو سنة 2981من طرف ألبيون سمـــول
،)2811-2981(Albion Smallالذي أشرف على هذا القسم إلى غاية ،2811و يعتبر
ألبيون سمول أول من أعطى إطارا تنظيميا لعلم االجتماع ،و هو ذاته الذي انشأ المجلة
األمريكية لعلم االجتماع .إلى غاية 2891كانت شيكاغو اكبر مركز في التعليم و البحث
في علم االجتماع في الواليات المتحدة ،...و انطالقا من عشرينيات القرن الماضي،
أصبحت جامعة شيكاغو مركزا لدفع البحوث التي كانت تتم حول مدينة شيكاغو
و إحيائها.لقد قام كل من ويليام إسحاق توما و روبرت بارك و لويس فيرت .خاصة،
ببحوث ميدانية حول نمط حياة سكان شيكاغو في تلك الفترة ،مدينة شيكاغو كانت بمثابة
فسيفساء حضرية تتكون من عدة مجموعات سكانية مهاجرة:بولونيين ،ايرلنديين،ايطاليين،
يهود و سود قدموا من جنوب الواليات المتحدة.
و في هذا " المخبر االجتماعي" ،عبارة لروبرت بارك ،يباشر الباحثين في علم
االجتماع مجموعة من البحوث المونوغرافية التي سيكون لها شأن كبير في تاريخ علم
االجتماع :وليام إسحاق توما ، William Isaac Thomasفلوريان زنانيشي،
" Florian Znanieciالفالح البولوني في أوروبا و في أمريكا ،"2828 ،نيلس
أندرسون" ، Niels Andersonالهوبو.سوسيولوجية البدون مأوى ،"2819،هارفي
وارن زوربوغ" ، Harvey warren Zorboghالساحل الذهبي و الكوخ،"2819،
فريدريك مبلتون تراشر" ، Fredric Mibelton Trasherالعصابة ،"2818
كليفورد شاو" ، Shaw Cliffordقصة حياة جانح ،"2891،لويس فيرت Louis
" ،Wirthالغينو ،"2819،الذي خصصه للحي اليهودي بشيكاغو ،سان كالردراك،
هوراس دوسكوكايتون ،بالك ميتروبوليس "دراسة حياة السود بشمال المدينة،"2818،
.
و هو عبارة عن دراسة مونوغرافية ألحد أحياء السود بمدينة شيكاغو»
إن الشيء المميز لمدرسة شيكاغو منذ البداية هو توجهها نحو البحوث الميدانية ،حيث
احتلت ضمنها الدراسات المونوغرافية القائمة أساسا على تقنية المالحظة حيزا كبيرا،
و سعت هذه البحوث أن تبين أن التوسع الحضري و النمو الصناعي يرافقهما نوع من
االختالل االجتماعي « فبالنسبة إلى الباحثين في علم االجتماع بمدرسة شيكاغو ،فمن
الواضح أن التمركز الحضري ،و االختالل االجتماعي " ال يمكن لهما إال أن يؤديا إلى
االنحراف و الجريمة .و هذا هو واحد من المواضيع الرئيسية " لاليكولوجيا الحضرية ".
و نعني بـ " االيكولوجيا " أن الوسط االجتماعي يكون مالئما أم ال لهذا النوع من
التصرفات و لشخصية حضرية نمطية ».
لقد ساهمت مدرسة شيكاغو في إرساء تقليد ممارسة سوسيولوجية جعلت من
الدراسات االمبريقية الميدانية القائمة أساسا على المالحظات و المونوغرافيات دعامتها
األساسية ،و لم تكترث إلقامة انساق نظرية و بناء مفاهيم مجردة .فالتراكم المعرفي الذي
رافعت من أجله تمثل من خالل النزول أو التوجه نحو الميدان للحصول على المعلومات
و البيانات و إقامة أنظمة تفسيرية ال تكون بالضرورة مستمدة و مستوحاة من اطر نظرية
مفاهيمية تم تحديدها من قبل.
لقد سعت الدراسات و البحوث منذ عشرينيات القرن الماضي ضمن مدرسة شيكاغو إلى
االهتمام أكثر بظاهرة اختالل التنظيم االجتماعي ،حيث تمحورت جل البحوث التي تمت من
طرف الباحثين المنضوين تحت مضلة مدرسة شيكاغو ضمن هذا االتجاه .فكان مصطلح
اختالل التنظيم االجتماعي ) (désorganisation socialeإطارا موجها لجل تلك
البحوث و هذا المصطلح كان من ابتكار وليام إسحاق توما و فلوريان رنانيتشي في
مؤلفهما :الفالح البولوني في أمريكا .الذي صدر عام ،2821و هو المؤلف الذي يؤسس
النطالق العمل االمبريقي الميداني...« :إن مؤلف الفالح البولوني في أوروبا و أمريكا
سيعتبر نموذجا للعمل االمبريقي .حيث قام هذا المؤلف بإدخال مصطلح " اختالل التنظيم
االجتماعي" الذي سيميز كل أعمال هذا الجيل األول من الباحثين السوسيولوجيين في مدينة
شيكاغو .و يتعلق األمر بتبيان أن ثمة تخل عن المعايير و الممارسات و التمثالت الجماعية
لدى الفالحين عندما يصبحون مهاجرين في شيكاغو...إن كل الباحثين السوسيولوجيين في
مرحلة نهاية القرن التاسع و بداية القرن العشرين يتساءلون في العمق و بنوع من القلق
حول التغير التاريخي الذي يحدث تحت أعينهم :نهاية المجتمعات العشائرية الفالحية
و تعميم أساليب حياة جديدة خاصة بالمدن الكبرى » .
هكذا نرى أن االنشغال العملي االجتماعي كان حاضرا في اتجاهات عمل مدرسة
شيكاغو .و هذا االنشغال العملي االجتماعي سينعكس أيضا على طريقة و منهجية العمل
لدى الباحثين المنتسبين إلى مدرسة شيكاغو «:في ،2829قام وليام توما بإستقدام عن
طريق الجامعة روبرت بارك )2811-2911( Park Robertكمختص في " مسألة
السود في أمريكا" و سيقوم هذا األخير ،رفقة ارنست بورجسErnest Burgess
( ، )2811-2991بوضع أو صياغة منهج بحث في علم االجتماع ،و التي سيتم تعليمها
إلى جيل بكامله من الطلبة التي منحت أعمالهم سمعة لمدرسة شيكاغو...و هذه األعمال
كانت موجهة نحو المدينة و نحو مختلف المجموعات االجتماعية التي تعيش فيها .أنهم
يوجهون اهتمامهم نحو السيرورات التي نسميها اليوم بالتمايزات االجتماعية الفضائية ،و
نحو العالقات و " أنواع التفاعالت " ( تنافس ،نزاع،اتفاق،إدماج) بين المجموعات
االجتماعية .و هم يبينون ان ظواهر مثل االنحراف و االنتحار ،و انطالق ،و إقامة نوع
معين من المؤسسات هو خاص ببعض المناطق الحضرية و ليس بهذا النوع من السكان
الذين يعرفون بأصولهم اإلثنية .كما أنهم يحددون كمفهوم مركزي مفهوم " الضبط
االجتماعي ،الذي يحددون من خالله جملة الميكانيزمات التي تنظم الحياة االجتماعية بين
المجموعات و التي تتهيكل على أساسها التصرفات الفردية داخل هذه المجموعات " .من
المحتمل أن تكون القطيعة مع الروابط المحلية و ضعف أشكال القهر و الكبح من طرف
المجموعات األولية تحت تأثير الوسط الحضري هي المسؤولة بصفة واسعة عن تنامي
غياب األخالق و الجريمة في المدن الكبرى " مثلما أشار إلى ذلك روبرت بارك في مؤلفه
المدينة (.)2818
و عرفت التفاعلية الرمزية رواجها و انطالقتها الفعلية في نهاية خمسينيات القرن الماضي
) ،ثم في الستينيات مع أرفين قوفمان سيما مع بحوث هوارد ساموبل بيكر(-2819
( )2891-2811و تقوم التفاعلية على « معارضة الوظيفية ،و يضع التفاعليون الرمزيون
أن الفعل االجتماعي غير معطى ،لكنه عبارة عن سيرورة يتم بناؤها في إطار وضعيات
ملموسة ،و إن هذه الفكرة تم تطويرها منذ بداية القرن مع الباحث النفساني االجتماعي
جورج هربرت ميد .)2892-2919( Georges Herbert Meadففي حركية
التبادالت بين األشخاص (التفاعالت) و من خالل المعنى الذي يعطيه األفراد ألفعالهم ( من
هنا تأتي تسمية رمزية) ،يمكن لنا أن نفهم و ندرك جوهر الفعل االجتماعي ،فعلى سبيل
المثال ،يرى هوارد بيكر أن فعل تدخين التحشيش ال ينم عن حتمية سوسيولوجية أو
إحصائية ،أنه نتيجة لسيرورة تفاعلية معقدة (تعلم ،تطبيق لمعايير ،االتهام من طرف
اآلخرين ،الخ) ،مما يسمح لنا بإعادة تشكيله بفضل المالحظة الميدانية ».
و كما نالحظ فإن التفاعلية الرمزية تعيد النظر في الحتمية االجتماعية التي يتأسس عليها
تفسير الواقع االجتماعي عند دوركايم ،فليس ثمة مكان للحتمية في نظام تفسير التفاعلية
الرمزية .و إن الدالالت التي يمنحها األفراد ألفعالهم و تمثالتها ال تعتبر كأفكار مسبقة
مثلما كان يرى ذلك دوركايم .و من جهة أخرى ،فإن تقنية المالحظة بالمباشرة تكتسي
أهمية بالغة في فهم التفاعالت االجتماعية ،و هنا نرى أن التفاعلية ال ترى في طابع التكميم
اإلحصائي أداة ال تسمح بالتعرف على الواقع االجتماعي.
إن التفاعلية الرمزية هي عبارة عن كيفية جديدة للتحليل االجتماعي و تقوم هذه الكيفية
على معرفة حركية التفاعل بين األشخاص من أجل فهم الواقع االجتماعي « سواء تعلق
األمر بمداوالت لجنة المحلفين ،أو طقوس الحب لدى المراهقين أو يوميات مستشفى
األمراض العقلية ،فإن الواقع االجتماعي ليس معطى ،لكنه سيروره يسعى الباحث إلى فك
خيوطه عن طريق المالحظة في عين المكان.تجمع التفاعلية الرمزية اتجاهين عرفا تطورا
معزوال عن بعضها في الواليات المتحدة :و هما تحليل االتصال ما بين األشخاص ( مدرسة
بالوألتو) و االتجاه السوسيولوجي المشتق من مدرسة شيكاغو...و بالنسبة إلى التفاعلية
الرمزية ،فإن األفراد هم من ينتجون الظواهر االجتماعية (عوضا أن يتلقوها ،مثلما يفترض
ذلك أصحاب االتجاه البنيوي و الوظيفي) ...ومن خالل التفاعالت و المعنى الذي يمنحه
األفراد ألفعالهم أمكن لنا أن نفهم هذه السيرورة .» .و من هذا المنظور تعتبر التفاعلية
الرمزية الواقع االجتماعي على أنه مكون من مجموع األفعال الفردية التي يقوم األفراد
باللجوء في وضعيات اجتماعية.
و مرة أخرى تبدو المعارضة لدوركايم الذي كان ال يرى المجتمع بأنه مكون من جمع
بسيط لألفراد المكونين له ،و إن كان هذا شرط مادي ضروري لوجود المجتمع ،و لكن
المجتمع هو ما ينتج من اجتماع هؤالء األفراد «:فليس المجتمع مجرد جمع بسيط لألفراد،
بل هو تلك البنية المكونة من اتحاد هؤالء األفراد و التي يمثل واقعا نوعيا لديه مميزاته
الخاصة :أكيد .أننا ال نحصل على ما هو جماعي إن لم تكن هناك ضمائر فردية ،لكن هذا
الشرط الضروري غير كاف .يجب أن تتحدد هذه الضمائر و تتركب فيما بينها ،بكيفية
معينة ،من هذا التركيب تنتج الحياة االجتماعية ،و نتيجة لذلك ،فإن هذا التركيب هو الذي
يفسر الحياة االجتماعية. ».فسيرورة التفاعل التي يتواجد فيها األفراد هي التي تؤدي إلى
إعطاء دالالت و معان لألفراد و ليس الثقافة المشتركة أو ما يعرف بالضمير الجمعي.
فاألفراد يقومون بإعادة صياغة الواقع االجتماعي بدالالت حاالت التفاعل الموجود فيها
األفراد .فالسياق الموجود فيه هؤالء هو من يطبع الدالالت و المعاني المقدمة لألفعال،
و ليس ما يحمله هؤالء األفراد من أشكال وعي اجتماعية محددة مسبقا.
لم يكن بورديو في األصل ذا تكوين سوسيولوجي بل كان لديه تكوين فلسفي ،حيث كان
قد حصل على ليسانس في الفلسفة من المدرسة النظامية العليا بفرنسا عام .2882تم بدأ
مشواره المهني كأستاذ في الفلسفة بإحدى الثانويات ،شمال فرنسا في .2888جاء بورديو
للجزائر إلجراء الخدمة العسكرية ،لكنه حول إلى الخدمة المدنية بتوصية من احد األقارب
للعائلة :حيث حول إلى الحكومة العامة في ،2881بدأ مشواره التعليمي في جامعة
الجزائر -الجامعة المركزية -كأستاذ مساعد في مادة علم اجتماع اإلسالم .بدا بورديو
يتحول من صاحب تكوين فلسفي إلى باحث انثر وبولوجي و سوسيولوجي نتيجة احتكاكه
بجزء من المجتمع الجزائري ،و كان له أول إصدار مع مؤلف سوسيولوجية الجزائر عن
منشورات ? Que Sais Jeالعدد ،911ثم توالت الدراسات االنثروبولوجية
و السوسيولوجية حول المجتمع الجزائري خالل فترة الستينيات سيما مع الجزائري عبد
المالك صياد ( . )2889-2899فكانت أولى المؤلفات حول المجتمع الجزائري تحمل
العناوين اآلتية :االجتثاث أو االقتالع من الجذور ،أزمة الفالحة التقليدية في الجزائر الذي
صدر عام ،2811مع العلم أن الدراسة الميدانية تمت و حرب التحرير الوطنية لم تنته بعد.
العمل و العمال في الجزائر الذي صدر عام ،2819و كذلك مؤلف هام تحت عنوان:
" معالم في نظرية الممارسة " الذي صدر عام .2811و هذا الكتاب مخصص لدراسة
المجتمع القبائلي ،و تأتي أهميته كون أن بورديو يصيغ فيه أهم المفاهيم السوسيولوجية،
سيما مفهوم السيطرة أو الهيمنة الرمزية الذي سيكون له شأن كبير في النظام السوسيولوجي
عند بورديو.
لقد كان فضل الجزائر كبيرا في انتقال بورديو من الفلسفة إلى علم االجتماع ،كباحث
ملتزم بتحليل أشكال الهيمنة التي يكون موضوعا لها الفئات الموجودة في أسفل الهرم
االجتماعي.
السيطرة الرمزية عند بورديو
يمكن القول أن النظام السوسيولوجي عند بورديو يقوم على مفهوم السيطرة الرمزية .لذى
يمكننا أن نقول أن بورديو هو صاحب نظرية السيطرة الرمزية ،فيرى بورديو أن الفئات
التي تكون محل سيطرة مادية ستصبح حتما محل سيطرة رمزية ،و يصيغ بورديو أمثلة
عن هذه األشكال من السيطرة من خالل النظام التعليمي ،أو اآلداب و الفنون أو األذواق
التي تظهر فيها هذه السيطرة الرمزية بامتياز .و تؤدي هذه السيطرة الرمزية إلى الحفاظ
على حالة عدم المساواة االجتماعية ،هذه المساواة التي يلعب فيها األصل االجتماعي لألفراد
دورا كبيرا في إنتاجها و إعادة إنتاجها و بالتالي بنائها.
و يأتي إسهام بورديو في مفهوم السيطرة الرمزية أساسا من خالل عدم توقفه عند
المكاسب المادية فقط ،و لجوئه إلى العوامل الثقافية كعوامل تكرس هذه السيطرة و تحافظ
عليها مثلما يالحظ ذلك مع "جون كلود باسرون" في دراستهما لمميزات الطلبة الجامعيين
في فرنسا في مرحلة الستينيات « فحسب بيار بورديو و جون كلود باسرون ،فإن األصل
االجتماعي للطلبة هم أهم عامل للتمييز( و هو في ذلك أكثر من الجنس ،السن ،االنتماء
الديني ،)...و األسباب في ذلك ترجع أكثر إلى العوامل الثقافية منها إلى العوامل
االقتصادية .فعند أبناء المهن الحرة و اإلطارات السامية فالثقافة يتم اكتسابها بصفة طبيعية
...و هذا بفضل المحيط العائلي :مكتبات ،زيارة المتاحف و المسارح ( جمع مسرح)،
و حضور حفالت غنائية ...و لكن على أبناء الطبقات المحرومة ،تبقى المدرسة السبيل
الوحيد للحصول على هذه الثقافة التي يحملها و يثمنها النجاح في الدراسة» .فالهيمنة
الرمزية تأتي من التموقع االجتماعي لألفراد عن طريق األصل االجتماعي الذي تلعب فيه
العوامل الثقافية دورا رئيسيا في بلورة هذه الهيمنة أو السيطرة.
و يرى بورديو أن السيطرة الرمزية تؤدي إلى إحداث نوع من العنف الرمزي الذي
تمارسه الفئات التي تحوز على المواد الرمزية التي تسمح لها بممارسة هذه السيطرة
الرمزية .فعلى سبيل المثال فهو يرى أن اللجوء إلى استعمال معايير لغوية معينة من
طرف الفئات المحظوظة لهو نوع من العنف الرمزي تجاه الفئات التي ال تمتلك و ال يمكنها
أن تتوصل إلى امتالك هذه القواعد و المعايير اللغوية التي تؤدي إلى السيطرة الرمزية
و بالتالي إلى العنف الرمزي ،و يأتي مفهوم السيطرة الرمزية و بالتالي إلى العنف الرمزي،
و يأتي مفهوم السيطرة الرمزية من كون أن بورديو يرى أن « الواقع االجتماعي هو عبارة
عن مجموعة من عالقات القوى بين مجموعات اجتماعية تكون من الناحية التاريخية في
صراع مع مجموعات أخرى...و أن أخذ بعين االعتبار البعد الرمزي للواقع االجتماعي
سيكون له عواقب على الكيفية التي تفكر بها عالقات السيطرة ...بين األفراد و الجماعات
هنا يتدخل مفهوم العنف الرمزي .و إن مختلف أشكال السيطرة ،اللهم إن لجأنا حصريا
و باستمرار إلى العنف المسلح ( و الذي يفترض هو ذاته بعدا رمزيا ،ألنه يدرك و يتم
التكلم به بكيفية معينة) ،يجب عليها أن تكون لها شرعية ،و معترف بها على أنها شرعية،
أي أنها تأخذ معني ايجابيا ا وان تصبح على كل حال " طبيعية " ،بكيفية ينخرط فيها
المسيطر عليهم للنظام المسيطر ،مع جهلهم آلليات السيطرة تلك و طابعها التعسفي ( غير
طبيعي،غير ضروري ،فهو تاريخي .إذا و قابال للتحويل) .إن هذه السيرورة المزدوجة
لالعتراف و التجاهل هي التي تشكل مبدأ العنف الرمزي ،و بالتالي منح شرعية لمختلف
أنواع السيطرة .فعلى سبيل المثال ،فإن األستاذ الذي يدرس اللغة الفرنسية و يضع على
ورقة المراقبة للتالميذ عبارة " ممتاز" أو " ثقيل" فيما يتعلق باألسلوب اإلنشائي ،فإنه يقوم
بفعل يعود به إلى التدرج االجتماعي ( " فالممتاز" هي تقدير عادة ما يخص حاملي رأسمال
ثقافي شرعي ،أما " ثقيل " فهو النعت الذي يخص أولئك الذين هم مقصيين من الرأسمال
الثقافي هذا ) الذي يتم االعتراف به عادة من طرف التلميذ على انه حكم على كفاءته
الشخصية في اللغة الفرنسية ،و التي يتم تجاهله كتعبير لسيطرة اجتماعية » .و يمكن أن
تقدم تعريفا للسيطرة حسب بورديو على النحو اآلتي « :انه مفهوم السيطرة عند بورديو
يعوض المفهوم الماركسي لالستغالل ،الذي يحمل بعدا اقتصاديا يرفضه بورديو...و يمكن
أن نقارن هذا المفهوم في بعض الجوانب بمفهوم السلطة عند فوكو ،سيما لكون أن هذه
السيطرة يتم ممارستها حسب بورديو على األجساد و على الضمائر ( يتبادر إلى أذهاننا "
تقنيات االنضباط " عند فوكو التي يتم اللجوء إليها من اجل إعطاء عالمات للجسد
و ترويضها) .
مفهوم السمت
إلى جانب مفهوم السيطرة ،الذي بني على أساسه بورديو تضامنه السوسيولوجي ،هناك
مفاهيم أخرى ،ال يمكن أال نتوقف عندها لفهم معالم نظرية بورديو في علم االجتماع
المعاصر .و من هذه المفاهيم نجد مفهوم السمت ) ، (habitusحيث يعتبر من المفاهيم
التي يستند إليها علم االجتماع عند بورديو.
مفهوم الرأسمال
هناك مفهوم آخر يهيكل علم االجتماع عند بورديو و هو مفهوم الرأسمال الذي أخذ بورديو
عن ماركس ،لكنه لم يكتف به في معناه االقتصادي و أرفقه بظواهر أخرى ،حاول به أن
يفسرها «.و الرأسمال كما في الماركسية ،بل يدل على أنواع متعددة بتعدد الحقول
االجتماعية.ففي الحقل االقتصادي يوجد رأسمال اقتصادي ،و في الحقل الثقافي ،رأسمال
ثقافي ، »...و من جهتنا نضيف رأسمال اجتماعي في الحقل االجتماعي « ،فالرأسمال
الثقافي يتكون من مجموعة من األمالك الرمزية التي تخص ،من جهة ،المعارف المكتسبة
التي نتقدم" في الحالة المدمجة في شكل استعدادات مستدامة للعضوية " ( أن تكون ذو كفاءة
في هذا المجال أو ذاك من المعرفة ،أن تكون مثقفا أن تتحكم جيدا في الكالم ،و في فن
الخطابة ...و من جهة أخرى ،أن تكون هناك انجازات مادية ،رأسمال في حالة موضوعية،
حيازة أمالك ثقافية ( لوحات فنية ،كتب ،قواميس ،وسائل ،آالت.)...
و كما يمكن للرأسمال الثقافي أن يتمثل اجتماعيا في حالة المؤسسة في ألقاب ،شهادات،
نجاح في مسابقات ،الخ .التي تعطي بعدا موضوعيا لالعتراف بالكفاءات من طرف
المجتمع ،هذا المجتمع ( أو الدولية في غالب األحيان ) الذي يشهر بهذا االعتراف،
و يؤسسه ،و الذي يمنحه مكانة في الغالب ( معلم ،أستاذ،قاض ،موظف بالوظيف
العمومي )...و هذا الرأسمال الثقافي ال يتم اكتسابه ،و ال توريته من دون جهود فردية ،أنه
يتطلب من طرف الفاعل عمال مطوال مستمرا و مدعما بالتعلم و التثاقف
بهدف " إدماجه."...
أما الرأسمال االجتماعي فيمثل مجموع االتصاالت و العالقات و المعارف
و الصداقات ...التي يمنح للفاعل أكثر أو أقل حجما اجتماعا ،و سلطة فعل ورد فعل أكثر أو
أقل أهمية و هذا بداللته نوعية و كمية االرتباطات التي يجوز عليها هذا الفاعل ،و روابطه
مع أشخاص آخرين و الذين يكون ملمحهم فيما يخص الرأسمال في مختلف أشكاله يبدي
تشابها قويا و تماثال مع ملمح الفاعل " .فالرأسمال االجتماعي هو جملة الموارد الحالية أو
الممكنة التي ترتبط بالحصول على شبكة مستمرة ( مستدامة ) من العالقات األكثر أو األقل
مؤسسة للمعارف بين األشخاص أو االعتراف بين هؤالء األشخاص ،أو بصيغة أخرى،
لالنتماء إلى مجموعة ،كمجموعة من الفاعلين الذين يحوزون ليس فقط على خصائص
مشتركة...لكنهم مرتبطين فيما بينهم بروابط مستمرة و مفيدة ...و الرأسمال االجتماعي
للفاعل هو ما من شأنه أن يضم له االعتراف...فشبكة العالقات هي نتاج " الستراتيجيات
االستثمار االجتماعي التي يقوم بها الفاعل ،عن وعي أم من دون وعي ،من أجل أن يخلق،
و يعزز ،و يقيم ،و يعيد سياقة ،و ينشط من جديد روابط يأمل من خاللها في كل لحظة أن
يحصل على منافع مادية و رمزية ،و يمكن أن تساعده في ذلك عدة ممارسات مؤسسة
( حضور أمسيات ،و دعوات ،دعوات لمعارض فنية ،مدارس انتقائية ،نشاطات رياضية
من الطراز العالي ،ملتقيات ،مؤتمرات) «،و التي تهدف إلى تسهيل المبادالت الشرعية
و إقصاء المبادالت غير الشرعية ،و بذلك إقامة اتصال بين الفاعلين الذين تكون أكثر
.
مصلحة ،بفعل رأسمالهم و موقعهم في االتصال» .
هذه بصفة وجيزة بعض معالم النظرية السوسيولوجية التي صاغها بورديو ،و هي تستند
إلى أربعة مفاهيم أساسية أقام عليها كل نظامه السوسيولوجي و هي مفهوم السيطرة .الذي
تتطابق نظريته معه بصفة خاصة ،و مفهوم السمت و مفهوم الحقل ،و مفهوم الرأسمال.مع
اإلشارة إلى وجود صعوبة في قراءة إنتاج بورديو في علم االجتماع ،نظرا إلى اللغة التي
جاء بها هذا اإلنتاج .و هو ما يزيد األمر تعقيدا بالنسبة إلى طلبتنا هو غياب ترجمة لكل
أعمال بورديو ما عدا اثنان منها :السيطرة الذكورية ،و إعادة اإلنتاج.